هل دخلت الانتفاضة في المرحلة الحرجة؟
التاريخ: 1412-12-21 هـ الموافق: 1992-06-22م الساعة: 00:00:00
هناك توجه لدى بعض القطاعات الوطنية لتحجيم الانتفاضة وتحويلها لشعائر احتجاجية معزولة.
القيادة الوطنية تصف الانتفاضة بأنها في طريق مسدود.
هناك حاجة لميثاق شرف تعلنه المؤتمرات الجماهيرية ولا يكون مجرد بيان توقعه الأحزاب والتنظيمات.
طيلة الأعوام الثلاثة الماضية مارست قوى وشخصيات فلسطينية في الداخل عملية نقد ذاتي موسع، محاولة أن تضع أصبعها على الجراح، ولكن النقد آنذاك ووجه بسخط رسمي وتعنيف صادرين عما درجت تسميته بالقيادة الموحدة للانتفاضة وقيادات وطنية أخرى. وها هي تلك القيادات المعترضة بالأمس تحشد اليوم بالحشود الجماهيرية تحت شعار نقد الانتفاضة ـ ومراجعة الممارسات السلبية ، ولنا مبررات من الخشية من أن قصداً باطلاً تضمره شفافية كلمة الحق التي يرفعونها.
تتراوح تصريحات القيادة الوطنية في معظمها اليوم في رؤيتها للانتفاضة بين وصفها (بالأزمة) و(المأزق) و(الطريق المسدود) إلى أن تصل لدى بعضهم إلى (عجزها عن الإنجاز) ، وقد جاءت هذه النعوت بشكل خاص في معرض الاحتجاج على ظاهرة قتل العملاء وانتشارها بشكل واسع بدون قيود ولا قواعد. ورغم استبعادنا للأمر ، إلا أن هناك بين المعلقين من بدأ يستشعر توجهاً ما، لدى بعض القطاعات الوطنية على الأقل ، نحو الدعوة لوقف الانتفاضة أو تحجيمها أو تحويلها لشعائر احتجاجية محدودة ومعزولة.
إن أحداً لا يجادل بأن الانتفاضة تمر فعلا بمرحلة حرجة، ولذلك أسباب عديدة وليس سبباً واحداً فقط ، وكنا حذرنا منذ ثلاثة أعوام من اعتماد نهج معاقبة العملاء بالقتل بدون رقابة دقيقة ورأي عام جماهيري واضح وقاطع وإجراءات عادلة. فليست العمالة على اختلاف مسبباتها سواء ، ولا يجوز شرعاً وقانوناً الحكم على كل من اتهم بالعمالة بالقتل، وهناك العشرات من الإجراءات والوسائل التي تعرفها جماهيرنا وتقاليدنا لردع قطاع واسع من العملاء بدون اللجوء إلى وسيلة القتل.ولكن قيادات وطنية عديدة تواطأت مع الظاهرة منذ بدايتها، وأطلقت لها العنان ، حتى أصبح كثير من السلاح المتوفر على قلته بين شباب الانتفاضة موجهاً في اتجاهات غير محسوبة بدقة . فهو لقتل العملاء، ولردع المخالفين سياسياً ولاستعراضات القوة عند الحاجة، وفي حالات أقل يوجه لصدر العدو، وقد ساهم في تفاقم حالة الانفلات هذه أن أغلب التنظيمات السياسية الفلسطينية اندفعت بشكل مجنون منذ ربيع 1988 لتحقيق مكاسب تنظيمية محدودة وصغيرة ولإبراز عصبيات الحزب، فما أن أكملت الانتفاضة المجيدة عامها الاول حتى انسحبت الجماهير الحاشدة أو معظمها من الشوارع وتركتها لأبناء التنظيمات. ومرة أخرى تواطأت قيادات عديدة مع هذه الظاهرة بعد أن اطمأنت لمكاسب التنظيم والحزب، فيما أنبل مظاهر نضالنا التاريخي كله تخسر غطاء الشعب الحامي والمدافع، أو توشك .ولم يضعف هذا الأمر من حركة الانتفاضة فقط، بل أيضاً ولقصر نظر أصحاب الأحزاب ، جعل من أبناء التنظيمات فريسة سهلة لدوريات القتل والاعتقال التي يسيرها العدو من قواته علناً وسراً.
وفوق ذلك كله تدفقت الأموال حقاً وباطلاً لشراء المناضلين وتوسيع العصبيات، وكسب الانتخابات الفئوية الهامشية ، وكان النادر الشحيح منها ما وصل لمستحقيه من العائلات الفقيرة المتضررة وأسر الشهداء والأسرى.
إن المعجز، بل ذروة الإعجاز الإلهي كله ، أن الانتفاضة مازالت مستمرة ، ومستمرة رغم قهر العدو وإرهابه ورغم حصار الإخوة العرب ، ورغم فساد أغلب الأساليب والوسائل الحزبية والتنظيمية واستمرارها يعني تأييد الله لها، ويعني أنها تسكن ضمير شعبنا ودمه، وأنها تعكس عزم هذا الشعب الذي لا يلين على أن يقاوم.
ولعلنا نذكر أصحاب التصريحات الأخيرة أن بعضهم كان يدعو قبل انفجار الانتفاضة بأسابيع قليلة إلى ضم الضفة والقطاع بالكامل لدولة العدو وأن يسلك شعبنا طريق النضال البرلماني في الكنيست .. وإن كانت تلك التصريحات قد انسيت، ألا يذكرون مظاهرات دعم المفاوضات الشهيرة التي ألقت بالورد على جنود العدو ودماؤنا لم تجف على أيديهم بعد؟.!
نعم هناك حاجة لميثاق شرف ، ميثاق تعلنه المؤتمرات الجماهيرية وليس مجرد بيان توقعه الأحزاب والتنظيمات ، وميثاق يعالج ضمن ما يعالجه ما يلي:
الدعوة لاستمرار الانتفاضة ودعمها بكل الوسائل الممكنة.
التوقف عن فرض الإضرابات بالقوة والعنف وترك الاستجابة لضمير الشعب وإرادته الذاتية.
وضع قواعد واضحة لمعالجة ظاهرة العملاء.
سحب النشاط الحزبي من الشوارع والتوقف عن الاستعراضات العصبية والتركيز على دعم قوات الشعب على المقاومة وعلى مواجهة العدو.
التوقف عن العبث بأموال الانتفاضة وخاصة فيما يتعلق بشراء الأصوات في الانتخابات النقابية والفئوية وإيصال المال لأسر الشهداء والأسرى والفقراء . أما المسألة الأخطر من ذلك كله فينبغي الاتفاق على فصل حركة الانتفاضة ونضالها عن أشرعة المغامرات السياسية في الخارج. فإن ظن البعض أن هناك تسوية سريعة قادمة، أراد من الانتفاضة عكس مزاج التسوية . وإن خاب أمله في التسوية أراد من الانتفاضة أن تعكس مرارة الخيبة… وهكذا. إن هدف الانتفاضة لا بد أن يكون واضحاً ومحدداً ، الصراع ضد القوى ضد العدو ضد آلته العسكرية وضد حركة استيطانه ، من أجل دحره مرة واحدة وإلى الابد.
ونحن على ثقة من أن الانتفاضة قادرة في النهاية أن تكون بؤرة استقطاب عربي وإسلامي من أجل هدفها ، وهدف الأمة.
فليرفع دعاة عدم الإنجاز يدهم عن نضال الشعب وجهاده.
المصدر: الأمة العدد السادس ـ 22 حزيران 1992 م – 22 ذي الحجة 1412هـ
التاريخ: 1412-12-21 هـ الموافق: 1992-06-22م الساعة: 00:00:00
هناك توجه لدى بعض القطاعات الوطنية لتحجيم الانتفاضة وتحويلها لشعائر احتجاجية معزولة.
القيادة الوطنية تصف الانتفاضة بأنها في طريق مسدود.
هناك حاجة لميثاق شرف تعلنه المؤتمرات الجماهيرية ولا يكون مجرد بيان توقعه الأحزاب والتنظيمات.
طيلة الأعوام الثلاثة الماضية مارست قوى وشخصيات فلسطينية في الداخل عملية نقد ذاتي موسع، محاولة أن تضع أصبعها على الجراح، ولكن النقد آنذاك ووجه بسخط رسمي وتعنيف صادرين عما درجت تسميته بالقيادة الموحدة للانتفاضة وقيادات وطنية أخرى. وها هي تلك القيادات المعترضة بالأمس تحشد اليوم بالحشود الجماهيرية تحت شعار نقد الانتفاضة ـ ومراجعة الممارسات السلبية ، ولنا مبررات من الخشية من أن قصداً باطلاً تضمره شفافية كلمة الحق التي يرفعونها.
تتراوح تصريحات القيادة الوطنية في معظمها اليوم في رؤيتها للانتفاضة بين وصفها (بالأزمة) و(المأزق) و(الطريق المسدود) إلى أن تصل لدى بعضهم إلى (عجزها عن الإنجاز) ، وقد جاءت هذه النعوت بشكل خاص في معرض الاحتجاج على ظاهرة قتل العملاء وانتشارها بشكل واسع بدون قيود ولا قواعد. ورغم استبعادنا للأمر ، إلا أن هناك بين المعلقين من بدأ يستشعر توجهاً ما، لدى بعض القطاعات الوطنية على الأقل ، نحو الدعوة لوقف الانتفاضة أو تحجيمها أو تحويلها لشعائر احتجاجية محدودة ومعزولة.
إن أحداً لا يجادل بأن الانتفاضة تمر فعلا بمرحلة حرجة، ولذلك أسباب عديدة وليس سبباً واحداً فقط ، وكنا حذرنا منذ ثلاثة أعوام من اعتماد نهج معاقبة العملاء بالقتل بدون رقابة دقيقة ورأي عام جماهيري واضح وقاطع وإجراءات عادلة. فليست العمالة على اختلاف مسبباتها سواء ، ولا يجوز شرعاً وقانوناً الحكم على كل من اتهم بالعمالة بالقتل، وهناك العشرات من الإجراءات والوسائل التي تعرفها جماهيرنا وتقاليدنا لردع قطاع واسع من العملاء بدون اللجوء إلى وسيلة القتل.ولكن قيادات وطنية عديدة تواطأت مع الظاهرة منذ بدايتها، وأطلقت لها العنان ، حتى أصبح كثير من السلاح المتوفر على قلته بين شباب الانتفاضة موجهاً في اتجاهات غير محسوبة بدقة . فهو لقتل العملاء، ولردع المخالفين سياسياً ولاستعراضات القوة عند الحاجة، وفي حالات أقل يوجه لصدر العدو، وقد ساهم في تفاقم حالة الانفلات هذه أن أغلب التنظيمات السياسية الفلسطينية اندفعت بشكل مجنون منذ ربيع 1988 لتحقيق مكاسب تنظيمية محدودة وصغيرة ولإبراز عصبيات الحزب، فما أن أكملت الانتفاضة المجيدة عامها الاول حتى انسحبت الجماهير الحاشدة أو معظمها من الشوارع وتركتها لأبناء التنظيمات. ومرة أخرى تواطأت قيادات عديدة مع هذه الظاهرة بعد أن اطمأنت لمكاسب التنظيم والحزب، فيما أنبل مظاهر نضالنا التاريخي كله تخسر غطاء الشعب الحامي والمدافع، أو توشك .ولم يضعف هذا الأمر من حركة الانتفاضة فقط، بل أيضاً ولقصر نظر أصحاب الأحزاب ، جعل من أبناء التنظيمات فريسة سهلة لدوريات القتل والاعتقال التي يسيرها العدو من قواته علناً وسراً.
وفوق ذلك كله تدفقت الأموال حقاً وباطلاً لشراء المناضلين وتوسيع العصبيات، وكسب الانتخابات الفئوية الهامشية ، وكان النادر الشحيح منها ما وصل لمستحقيه من العائلات الفقيرة المتضررة وأسر الشهداء والأسرى.
إن المعجز، بل ذروة الإعجاز الإلهي كله ، أن الانتفاضة مازالت مستمرة ، ومستمرة رغم قهر العدو وإرهابه ورغم حصار الإخوة العرب ، ورغم فساد أغلب الأساليب والوسائل الحزبية والتنظيمية واستمرارها يعني تأييد الله لها، ويعني أنها تسكن ضمير شعبنا ودمه، وأنها تعكس عزم هذا الشعب الذي لا يلين على أن يقاوم.
ولعلنا نذكر أصحاب التصريحات الأخيرة أن بعضهم كان يدعو قبل انفجار الانتفاضة بأسابيع قليلة إلى ضم الضفة والقطاع بالكامل لدولة العدو وأن يسلك شعبنا طريق النضال البرلماني في الكنيست .. وإن كانت تلك التصريحات قد انسيت، ألا يذكرون مظاهرات دعم المفاوضات الشهيرة التي ألقت بالورد على جنود العدو ودماؤنا لم تجف على أيديهم بعد؟.!
نعم هناك حاجة لميثاق شرف ، ميثاق تعلنه المؤتمرات الجماهيرية وليس مجرد بيان توقعه الأحزاب والتنظيمات ، وميثاق يعالج ضمن ما يعالجه ما يلي:
الدعوة لاستمرار الانتفاضة ودعمها بكل الوسائل الممكنة.
التوقف عن فرض الإضرابات بالقوة والعنف وترك الاستجابة لضمير الشعب وإرادته الذاتية.
وضع قواعد واضحة لمعالجة ظاهرة العملاء.
سحب النشاط الحزبي من الشوارع والتوقف عن الاستعراضات العصبية والتركيز على دعم قوات الشعب على المقاومة وعلى مواجهة العدو.
التوقف عن العبث بأموال الانتفاضة وخاصة فيما يتعلق بشراء الأصوات في الانتخابات النقابية والفئوية وإيصال المال لأسر الشهداء والأسرى والفقراء . أما المسألة الأخطر من ذلك كله فينبغي الاتفاق على فصل حركة الانتفاضة ونضالها عن أشرعة المغامرات السياسية في الخارج. فإن ظن البعض أن هناك تسوية سريعة قادمة، أراد من الانتفاضة عكس مزاج التسوية . وإن خاب أمله في التسوية أراد من الانتفاضة أن تعكس مرارة الخيبة… وهكذا. إن هدف الانتفاضة لا بد أن يكون واضحاً ومحدداً ، الصراع ضد القوى ضد العدو ضد آلته العسكرية وضد حركة استيطانه ، من أجل دحره مرة واحدة وإلى الابد.
ونحن على ثقة من أن الانتفاضة قادرة في النهاية أن تكون بؤرة استقطاب عربي وإسلامي من أجل هدفها ، وهدف الأمة.
فليرفع دعاة عدم الإنجاز يدهم عن نضال الشعب وجهاده.
المصدر: الأمة العدد السادس ـ 22 حزيران 1992 م – 22 ذي الحجة 1412هـ
تعليق