الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد فقد عرضت للمبتدعة شبهات كثيرة استدلوا بها على تحسين بدعهم، منها أدلة صحيحة ليس فيها دلالة على ما ذهبوا إليه لكنها نشأت من الفهم الخاطئ بسبب تحريف الأدلة عن موضعها ومنها أدلة باطلة وبطلانها يغني عن ردها.
وفي هذا المقال نعرض للشبهات وندحضها ونكشف عوارها ونبين زيفها فنقول مستعينين بالله عز وجل.
أولا: القول بأن البدعة الشرعية تنقسم إلى حسنة وسيئة هو قول محدث ومبتدع وذلك للأسباب الآتية:
1 أن أدلة ذم البدعة جاءت مطلقة عامة وعلى كثرتها لم يقع فيها استثناءٌ البته ولم يأت فيها ما يقتضي أن منها ما هو حسن مقبول عند الله ولا جاء فيها: كل بدعة ضلالة إلا كذا وكذا ولا شيء من هذه المعاني ولو كانت هنالك محدثات يقتضي النظر الشرعي فيها أنها حسنة أو مشروعة لذكر ذلك في نصوص الكتاب والسنة ولكنه لا يوجد ما يدل على ذلك فدل على أن تلك الأدلة بأثرها على حقيقة ظاهرها من الكلية والعموم الذي لا يتخلف عن مقتضاه فرد من الأفراد {الاعتصام للشاطبي}
2 أنه قد ثبت في الأصول العلمية أن كل قاعدة كلية أو دليل شرعي كلي إذا تكررت في أوقات شتى وأحوال مختلفة ولم يقترن بها تقييد ولا تخصيص فذلك دليل على بقائها على مقتضى لفظها العام المطلق وأحاديث ذم البدع والتحذير منها من هذا القبيل.
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يردد من فوق المنبر على ملأ من المسلمين في أوقات كثيرة وأحوال مختلفة أن: "كل بدعة ضلالة".
ولم يرد في آية ولا حديث ما يقيد أو يخصص هذا اللفظ المطلق العام، بل ولم يأت ما يفهم منه خلاف ظاهر هذه القاعدة الكلية وهذا يدل دلالة واضحة على أن هذه القاعدة علي عمومها وإطلاقها.
{انظر الاعتصام للشاطبي}
3 عند النظر في أقوال وأحوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم نجد أنهم مجمعون على ذم البدع وتقبيحها والتنفير عنها ولم يرد عنهم في ذلك توقف ولا استثناء فهو بحسب الاستقراء اجماع ثابت يدل دلالة واضحة على أن البدع كلها سيئة لا يوجد فيها شيء حسن.
4 القول بالبدعة الحسنة يفسد الدين ويفتح المجال للمتلاعبين فيأتي كل ما يريد بما يريد تحت ستار البدعة الحسنة وتتحكم حينئذٍ أهواء الناس وعقولهم وأذواقهم في شرع الله وكفى بذلك إثمًا وضلالا مبينًا.
5 عند النظر في بعض المحدثات التي يسميها أصحابها بدعًا حسنة نجد أنها قد جلبت على المسلمين المفاسد العظيمة كما في بدعة المولد وما يترتب عليها من فسوق عصيان باختلاط الرجال والنساء والرقص والغناء.
وكما في بدعة البناء على القبور وما يترتب عليها من شرك بالتوسل والاستغاثة والدعاء ومن أكلٍ لأموال الناس بالباطل ومن التطاول والتفاخر بالبناء على هذه الأضرحة وغير ذلك وهذا المذكور هنا إنما هو بمجرد التمثيل على أن البدع التي يطلق عليها أصحابها حسنة هي عين القبح والضلال والفساد وإلا فلو استعرضت سائر البدع العلمية والعملية لوجدتها من هذا القبيل فسبحان من جعل التمسك بالكتاب والسنة عصمة وجعل الافتئات عليها ضلالة.
6 يقال لمعتقد حسن بعض البدع إذا جوَّزت الزيادة في دين الله باسم البدعة الحسنة جاز أن يستحسن مستحسن حذف شيء من الدين بإسم البدعة الحسنة أيضًا ولا فرق بين البابين لأن الابتداع يكون بالزيادة والنقصان والاستحسان الذي تراه يكون كذلك بالزيادة والنقصان وكفى بهذا قبحًا وذمًا وضلالا.
7 أن القول بالبدعة الحسنة يؤدي إلى تحريف الدين وإفساده، إذ كلما جاء قوم، زاد في الدين عباده وسموها: بدعة حسنة، فتكثر البدع، وتزيد على العبادات الشرعية، فيتغير الدين ويفسد كما فسدت الأديان السابقة، فيجب إغلاق باب الابتداع كله حماية للدين من التحريف والانتحال.
{انظر تحذير المسلمين عن الابتداع لابن حجر البوطامي}
8 من علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أعلم الخلق بالحق، وأفصح الخلق في البيان والنطق، وأنصح الخلق للخلق، علم أنه قد اجتمع في حقه صلى الله عليه وسلم الكمالات كلها: كمال العلم بالحق وكمال القدرة على بيانه، وكمال الإرادة له، ومع كمال العلم والقدرة والإرادة يجب وجود المطلوب على أكمل وجه؛ فيعلم أنه كلامه صلى الله عليه وسلم أبلغ ما يكون؛ وأتم ما يكون، وأعظم ما يكون بيانًا لأمور الدين. {مجموع الفتاوى 17-129}
9 يقال لمحسن البدع: إذا كان في الشريعة بحسب زعمك بدعة حسنة فإننا نبتدع ترك البدعة الحسنة ونرى عدم جوازها وعدم العمل بها لأن ذلك هو الأنفع لعاجلتنا وآجلتنا وأجمع لكلمتنا وأبعد عن الفرقة والخلاف.
فإن كان قولنا هذا صحيحًا وعليه برهان فلا تجوز مخالفته وإن لم يكن عليه برهان فهو بدعة حسنة وهو معمول بها عندكم فالبدعة على جميع الفروض باطلة وهو ما نريد.
ثانيًا: الأدلة الصحيحة التي استدل بها المبتدعة على تحسين بدعهم ومناقشتها.
1 استدلالهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من سن في الإسلام سنة حسنة وأن سن بمعنى اخترع وابتدع على وجود البدعة الحسنة شرعًا.
فالجواب: أنه ليس المراد بالاستنان هنا الاختراع وإنما المراد به العمل بما ثبت في السنة النبوية أو احياء أمرٌ مشروع غفل عنه الناس أو تركوه وبيان ذلك من وجوه:
الوجه الأول:
أن سبب ورود الحديث يفسر المراد بذلك وهو الحث على الصدقة المشروعة ففي صحيح مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار فجاء قومٌ مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة... الآية {النساء:1}، والآية التي في الحشر: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد... {الحشر:18}.
تصدق رجلٌ من ديناره، من درهمه من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: "ولو بشق تمره" قال: فجاء رجل من الأنصار بصره كادت كفه تعجر عنها بل قد عجزت. قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سن في الإسلام سنة حسنه فله أجرها وأجر من عمل بها بعدهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء.
فسياق الحديث يدحض تفسيره الذي شاع عند المبتدعين: "من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة..." فخصصوا عموم قوله صلى الله عليه وسلم : "كل بدعة ضلالة" ويدل على فساد تصورهم وتفسيرهم أن كل ما فعله الصحابي رضي الله عنه أنه أتى بتلك الصرة فانفتح بسببه باب الصدقة وتتابع الناس بعده فكان فاتحة الخير في هذا الإحسان، وإذا نظرنا إلى ما فعله هذا الصحابي رضي الله عنه نجد أن هذه الصدقة أمر مشروع وأنه لم يخترع شيئًا جديدًا.
بل كان له الفضل في تنبيه الصحابه وتشجيعهم بفعله على الصدقة وعلى ذلك فالمراد بالسنة الحسنة في الحديث: هو العمل بالسنة خاصةً إذا غفل عنها الناس أو تركوها.
الوجه الثاني:
أن قوله: "من سن سنة حسنة... ومن سن سيئة" لا يمكن حمله على الاختراع من أصل لأن كونها حسنة أو سيئة لا يعرف إلا من جهة الشرع لأن التحسين والتقبيح مختص بالشرع لا مدخل للعقل فيه وهو مذهب أهل السنة فلزم أن تكون "السنة" في الحديث: إما حسنة في الشرع وإما قبيحة بالشرع فلا يصدق إلا على مثل الصدقة المذكورة وما أشبهها من السنن المشروعة وتبقى السنة السيئة منزلة على المعاصي التي ثبت بالشرع كونها معاصي، كالقتل المنبه عليه في حديث بن آدم حيث قال عليه الصلاة والسلام: "... لأنه أول من سن القتل" وعلى البدع لأنه قد ثبت ذمها والنهي عنها بالشرع.
وعليه، فالسنة الحسنة هي: إحياءُ أمر مشروع لم يعهد العمل به بين الناس لتركهم السنن ففي عصرنا لو أن إنسانًا أحيى سنة مهجورة يقال: أتى بسنة حسنة ولا يقال: أتى ببدعة حسنة.
إذن فالسنة الحسنة هي ما كان أصله مشروعًا بنص صحيح وترك الناس العمل به ثم جاء من يجدده بين الناس مثال ذلك إحياء سنة صلاة العيدين في المصلى فقد كان الناس من قبل يصلونها في المساجد ظنًا منهم أنها السنة فجاء أهل السنة فنبهوا على هذه السنة المباركة. {البدعة وآثارها السيئ في الأمة - الهلالي}
الوجه الثالث:
1 أن القائل: "من سن في الإسلام سنة حسنة"، هو القائل: "كل بدعة ضلالة"، ولا يمكن أن يصدر عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قول يكذب له قولا آخر، ولا يمكن أن يتناقص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدًا.
وعليه: فإنه لا يجوز لنا أن نأخذ بحديث، ونعرض عن الحديث الآخر، فإن هذه حال من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض.
2 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سن"، ولم يقل: "من ابتدع"، وقال: "في الإسلام"، والبدع ليست من الإسلام، وقال: "حسنة"، والبدعة ليست بحسنة.
3 لم ينقل عن أحد من السلف أنه فسر السنة الحسنة بالبدعة التي يحدثها الناس من عند أنفسهم؛ فَبَطَل ما احتج به أهل البدع على تحسين بدعهم.
والله من وراء القصد.
وللحديث بقية إن شاء الله
وفي هذا المقال نعرض للشبهات وندحضها ونكشف عوارها ونبين زيفها فنقول مستعينين بالله عز وجل.
أولا: القول بأن البدعة الشرعية تنقسم إلى حسنة وسيئة هو قول محدث ومبتدع وذلك للأسباب الآتية:
1 أن أدلة ذم البدعة جاءت مطلقة عامة وعلى كثرتها لم يقع فيها استثناءٌ البته ولم يأت فيها ما يقتضي أن منها ما هو حسن مقبول عند الله ولا جاء فيها: كل بدعة ضلالة إلا كذا وكذا ولا شيء من هذه المعاني ولو كانت هنالك محدثات يقتضي النظر الشرعي فيها أنها حسنة أو مشروعة لذكر ذلك في نصوص الكتاب والسنة ولكنه لا يوجد ما يدل على ذلك فدل على أن تلك الأدلة بأثرها على حقيقة ظاهرها من الكلية والعموم الذي لا يتخلف عن مقتضاه فرد من الأفراد {الاعتصام للشاطبي}
2 أنه قد ثبت في الأصول العلمية أن كل قاعدة كلية أو دليل شرعي كلي إذا تكررت في أوقات شتى وأحوال مختلفة ولم يقترن بها تقييد ولا تخصيص فذلك دليل على بقائها على مقتضى لفظها العام المطلق وأحاديث ذم البدع والتحذير منها من هذا القبيل.
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يردد من فوق المنبر على ملأ من المسلمين في أوقات كثيرة وأحوال مختلفة أن: "كل بدعة ضلالة".
ولم يرد في آية ولا حديث ما يقيد أو يخصص هذا اللفظ المطلق العام، بل ولم يأت ما يفهم منه خلاف ظاهر هذه القاعدة الكلية وهذا يدل دلالة واضحة على أن هذه القاعدة علي عمومها وإطلاقها.
{انظر الاعتصام للشاطبي}
3 عند النظر في أقوال وأحوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم نجد أنهم مجمعون على ذم البدع وتقبيحها والتنفير عنها ولم يرد عنهم في ذلك توقف ولا استثناء فهو بحسب الاستقراء اجماع ثابت يدل دلالة واضحة على أن البدع كلها سيئة لا يوجد فيها شيء حسن.
4 القول بالبدعة الحسنة يفسد الدين ويفتح المجال للمتلاعبين فيأتي كل ما يريد بما يريد تحت ستار البدعة الحسنة وتتحكم حينئذٍ أهواء الناس وعقولهم وأذواقهم في شرع الله وكفى بذلك إثمًا وضلالا مبينًا.
5 عند النظر في بعض المحدثات التي يسميها أصحابها بدعًا حسنة نجد أنها قد جلبت على المسلمين المفاسد العظيمة كما في بدعة المولد وما يترتب عليها من فسوق عصيان باختلاط الرجال والنساء والرقص والغناء.
وكما في بدعة البناء على القبور وما يترتب عليها من شرك بالتوسل والاستغاثة والدعاء ومن أكلٍ لأموال الناس بالباطل ومن التطاول والتفاخر بالبناء على هذه الأضرحة وغير ذلك وهذا المذكور هنا إنما هو بمجرد التمثيل على أن البدع التي يطلق عليها أصحابها حسنة هي عين القبح والضلال والفساد وإلا فلو استعرضت سائر البدع العلمية والعملية لوجدتها من هذا القبيل فسبحان من جعل التمسك بالكتاب والسنة عصمة وجعل الافتئات عليها ضلالة.
6 يقال لمعتقد حسن بعض البدع إذا جوَّزت الزيادة في دين الله باسم البدعة الحسنة جاز أن يستحسن مستحسن حذف شيء من الدين بإسم البدعة الحسنة أيضًا ولا فرق بين البابين لأن الابتداع يكون بالزيادة والنقصان والاستحسان الذي تراه يكون كذلك بالزيادة والنقصان وكفى بهذا قبحًا وذمًا وضلالا.
7 أن القول بالبدعة الحسنة يؤدي إلى تحريف الدين وإفساده، إذ كلما جاء قوم، زاد في الدين عباده وسموها: بدعة حسنة، فتكثر البدع، وتزيد على العبادات الشرعية، فيتغير الدين ويفسد كما فسدت الأديان السابقة، فيجب إغلاق باب الابتداع كله حماية للدين من التحريف والانتحال.
{انظر تحذير المسلمين عن الابتداع لابن حجر البوطامي}
8 من علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أعلم الخلق بالحق، وأفصح الخلق في البيان والنطق، وأنصح الخلق للخلق، علم أنه قد اجتمع في حقه صلى الله عليه وسلم الكمالات كلها: كمال العلم بالحق وكمال القدرة على بيانه، وكمال الإرادة له، ومع كمال العلم والقدرة والإرادة يجب وجود المطلوب على أكمل وجه؛ فيعلم أنه كلامه صلى الله عليه وسلم أبلغ ما يكون؛ وأتم ما يكون، وأعظم ما يكون بيانًا لأمور الدين. {مجموع الفتاوى 17-129}
9 يقال لمحسن البدع: إذا كان في الشريعة بحسب زعمك بدعة حسنة فإننا نبتدع ترك البدعة الحسنة ونرى عدم جوازها وعدم العمل بها لأن ذلك هو الأنفع لعاجلتنا وآجلتنا وأجمع لكلمتنا وأبعد عن الفرقة والخلاف.
فإن كان قولنا هذا صحيحًا وعليه برهان فلا تجوز مخالفته وإن لم يكن عليه برهان فهو بدعة حسنة وهو معمول بها عندكم فالبدعة على جميع الفروض باطلة وهو ما نريد.
ثانيًا: الأدلة الصحيحة التي استدل بها المبتدعة على تحسين بدعهم ومناقشتها.
1 استدلالهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من سن في الإسلام سنة حسنة وأن سن بمعنى اخترع وابتدع على وجود البدعة الحسنة شرعًا.
فالجواب: أنه ليس المراد بالاستنان هنا الاختراع وإنما المراد به العمل بما ثبت في السنة النبوية أو احياء أمرٌ مشروع غفل عنه الناس أو تركوه وبيان ذلك من وجوه:
الوجه الأول:
أن سبب ورود الحديث يفسر المراد بذلك وهو الحث على الصدقة المشروعة ففي صحيح مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار فجاء قومٌ مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة... الآية {النساء:1}، والآية التي في الحشر: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد... {الحشر:18}.
تصدق رجلٌ من ديناره، من درهمه من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: "ولو بشق تمره" قال: فجاء رجل من الأنصار بصره كادت كفه تعجر عنها بل قد عجزت. قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سن في الإسلام سنة حسنه فله أجرها وأجر من عمل بها بعدهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء.
فسياق الحديث يدحض تفسيره الذي شاع عند المبتدعين: "من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة..." فخصصوا عموم قوله صلى الله عليه وسلم : "كل بدعة ضلالة" ويدل على فساد تصورهم وتفسيرهم أن كل ما فعله الصحابي رضي الله عنه أنه أتى بتلك الصرة فانفتح بسببه باب الصدقة وتتابع الناس بعده فكان فاتحة الخير في هذا الإحسان، وإذا نظرنا إلى ما فعله هذا الصحابي رضي الله عنه نجد أن هذه الصدقة أمر مشروع وأنه لم يخترع شيئًا جديدًا.
بل كان له الفضل في تنبيه الصحابه وتشجيعهم بفعله على الصدقة وعلى ذلك فالمراد بالسنة الحسنة في الحديث: هو العمل بالسنة خاصةً إذا غفل عنها الناس أو تركوها.
الوجه الثاني:
أن قوله: "من سن سنة حسنة... ومن سن سيئة" لا يمكن حمله على الاختراع من أصل لأن كونها حسنة أو سيئة لا يعرف إلا من جهة الشرع لأن التحسين والتقبيح مختص بالشرع لا مدخل للعقل فيه وهو مذهب أهل السنة فلزم أن تكون "السنة" في الحديث: إما حسنة في الشرع وإما قبيحة بالشرع فلا يصدق إلا على مثل الصدقة المذكورة وما أشبهها من السنن المشروعة وتبقى السنة السيئة منزلة على المعاصي التي ثبت بالشرع كونها معاصي، كالقتل المنبه عليه في حديث بن آدم حيث قال عليه الصلاة والسلام: "... لأنه أول من سن القتل" وعلى البدع لأنه قد ثبت ذمها والنهي عنها بالشرع.
وعليه، فالسنة الحسنة هي: إحياءُ أمر مشروع لم يعهد العمل به بين الناس لتركهم السنن ففي عصرنا لو أن إنسانًا أحيى سنة مهجورة يقال: أتى بسنة حسنة ولا يقال: أتى ببدعة حسنة.
إذن فالسنة الحسنة هي ما كان أصله مشروعًا بنص صحيح وترك الناس العمل به ثم جاء من يجدده بين الناس مثال ذلك إحياء سنة صلاة العيدين في المصلى فقد كان الناس من قبل يصلونها في المساجد ظنًا منهم أنها السنة فجاء أهل السنة فنبهوا على هذه السنة المباركة. {البدعة وآثارها السيئ في الأمة - الهلالي}
الوجه الثالث:
1 أن القائل: "من سن في الإسلام سنة حسنة"، هو القائل: "كل بدعة ضلالة"، ولا يمكن أن يصدر عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قول يكذب له قولا آخر، ولا يمكن أن يتناقص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدًا.
وعليه: فإنه لا يجوز لنا أن نأخذ بحديث، ونعرض عن الحديث الآخر، فإن هذه حال من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض.
2 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سن"، ولم يقل: "من ابتدع"، وقال: "في الإسلام"، والبدع ليست من الإسلام، وقال: "حسنة"، والبدعة ليست بحسنة.
3 لم ينقل عن أحد من السلف أنه فسر السنة الحسنة بالبدعة التي يحدثها الناس من عند أنفسهم؛ فَبَطَل ما احتج به أهل البدع على تحسين بدعهم.
والله من وراء القصد.
وللحديث بقية إن شاء الله
تعليق