إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مشروع بحث / تأصيل جذور الحركة الجهادية الإسلامية في فلسطين منذ 1936 .. تثبيت

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #46
    تالياً أذكر أسماء شهداء الحركة [من سوريا ومصر على وجه التحديد]، وهذه الفترة التي جاهد واستشهد فيها هؤلاء كانت بين 1940 ولغاية حرب 1948، أي في عقد الأربعينيات، ومن هؤلاء نذكر:
    - المجاهد الشهيد عيسى إسماعيل عيسيى.
    - المجاهد الشهيد محمد سلطان من محافظة الشرقية بمصر.
    - المجاهد الشهيد فتحي الخولي الذي كان يقول "إن الجنة تناديني".
    - المجاهد الشهيد عمر عثمان بلال من الإسكندرية – مصر.
    - المجاهد الشهيد علي الفيومي.
    - المجاهد الشهيد حسن الفرازي.
    - المجاهد الشهيد محمود منصور – الشرقية – مصر.
    - المجاهد الشهيد بسيوني خطاب.
    - المجاهد الشهيد مكاوي محمد مصطفى – العريش.
    - المجاهد الشهيد محمد عبد الخالق يوسف.
    - القائد الشهيد ضيف الله مراد – سوريا، – طالب في كلية الطب في جامعة دمشق -.
    - المجاهد الشهيد الرقيب هاشم – حلب.
    - المجاهد الشهيد محمد القباني – سوريا.
    - المجاهد الشهيد محمد عرنوس – اللاذقية.
    - المجاهد الشهيد محمود الدندشي – حمص.
    - المجاهد الشهيد راشد طالب – سوريا.
    - المجاهد الشهيد حسن عودة – سوريا.
    - المجاهد الشهيد راضي الجوهري – نابلس.
    - المجاهد الشهيد محمد جميل الحسيني / من مدينة القدس، ودرس في روضة المعارف الإسلامية واستشهد في معركة حي الشيخ جراح.
    - المجاهد الشهيد عبد الرحيم عبد الحي – الإسكندرية.
    - المجاهد الشهيد إبراهيم هبد الجواد – مصر.
    - المجاهد الشهيد محمد قارون – مصر.
    - المجاهد الشهيد مختار منصور.
    - المجاهد الشهيد تيسير طه – سوريا.
    - المجاهد الشهيد محمد الصباغ.

    [شهداء فلسطين؛ أبو فارس، ص 24 – 25]، 278-.


    مركز بيسان ... يرحب بكم
    http://besancenter.maktoobblog.com/

    تعليق


    • #47
      أما المتطوعين، فكانوا بالمئات، لذا نشير إلى القيادات التي أخذت على عاتقها تنظيم التطوع وشاركت في الجهاد، ومنها:
      - الشيخ محمد الفرغلي – المسئول عن شعبة المتطوعين المصريين.
      - الأستاذ الدكتور مصطفى السباعي – رحمه الله – المراقب العام للأخوان في سوريا.
      - والقائد الشهيد أحمد عبد العزيز – سوريا.
      - القائد مسئول كتيبة الأخوان في الأردن: عبد اللطيف أبو قورة.
      - الشيخ المجاهد محمود الصواف؛ مسئول كتيبة الأخوان المتطوعة من العراق.
      [المصدر السابق].




      مع بداية تحرك الشعوب العربية والإسلامية لنجدة أرض فلسطين، وذلك بعد أن توسعت الاعتداءات الصهيونية البريطانية، كان أن بدأ الأخوان بتنظيم عملهم الجهادي، من إرسال فرق متطوعة للجهاد، إلى إرساء قواعد وأسس للعملية، حيث أمر البنا بتشكيل:
      - قسم جمع التبرعات، ومركزه القاهرة.
      - قسم إمداد المجاهدين بالسلاح والمؤن والأغذية في ميادين القتال، وإسعاف الجرحى، وتدريب المتطوعين.
      - قسم لتدريب المتطوعات على العمل العسكري، وكان يشرف على هذا القسم، كل من السيدة زينب الغزالي، الدكتورة فاطمة أبو العز، والدكتورة زمزم شريف، والدكتورة زينب العرقوسي.

      كما ويسجل للأخوان المسلمين في تلك الفترة رفض قرار التقسيم لفلسطين الصادر عن هيئة الأمم المتحدة.
      [المصدر السابق؛ ص 188].


      كان عدد المتطوعين للجهاد الذين استشهدوا في معارك 1948 من سوريا 150 مجاهد، ومن لبنان 150، ومن السعودية 105، ومن العراق 200، ومصر 200، والأردن 200، ومن باقي الدول العربية 560، هذا بخلاف من تطوع ضمن الجيوش العربية الرسمية [المصدر؛ جهاد شعب فلسطين، ص 413-114].


      مركز بيسان ... يرحب بكم
      http://besancenter.maktoobblog.com/

      تعليق


      • #48
        بقي أن نذكر، أننا إلى الآن قد انتهينا من فصول الجهاد الحركي الذي أخذ الطابع الإسلامي في العمل والتنظيم لغاية 1948م، والحلقة القادمة ستفتح التوثيق لما بعد حرب النكبة، ولغاية منتصف عقد التسعينيات.


        مركز بيسان ... يرحب بكم
        http://besancenter.maktoobblog.com/

        تعليق


        • #49
          السلام عليكم إخوتي من جديد وإعذروني لأني لم أكمل معكم الفترة الماضية لوجود بعض المشاغل لدي وإن شاء الله نستكمل الأن ..

          وساسرد وأساعدكم بما تفضلت به أخي البيساني

          ولنتوكل على الله
          القناعة كنز لا يفنى

          تعليق


          • #50


            أمين الحسيني



            النشأة

            وُلِد محمد أمين الحسيني في القدس عام 1897م، والده هو طاهر الحسيني مفتي القدس (وكانت العائلة جاءت من الحجاز منذ استعاد صلاح الدين الأيوبي القدس، ونزلت في القدس بعض فروع العائلة غزة واللد)، ومن ثَم نشأ محمد في بيت علم وتقوى وصلاح، تلقَّى القرآن واللغة العربية والعلوم الدينية في بيت والده، فقد خصص له والده عدداً من العلماء والأدباء لتعليمه في البيت، وقد أرسله والده إلى مدارس القدس الابتدائية والثانوية كسائر أبناء البلدة، ثم أدخله مدرسة الفرير لمدة عامين لتعلم الفرنسية، ثم أرسله والده إلى جامعة الأزهر بالقاهرة ليستكمل عدته، وقد اجتهد الشاب في تحصيل العلم أيضًا في كلية الآداب في الجامعة المصرية، وكذلك في مدرسة محمد رشيد رضا "دار الدعوة والإرشاد"، وفي إجازة له في القدس عام 1914م قامت الحرب العالمية الأولى، فلم يستطع العودة لاستكمال دراسته، فوجَّهه والده إلى إستانبول لاستكمال عدته العلمية في معاهدها، ولكن الشاب آثر الالتحاق بكليتها العسكرية، وتخرج ضابطاً في الجيش العثماني، وقد عمل في عدة مراكز عسكرية، وبذلك اجتمع للشاب عُدَّة من الكفاية العلمية والعسكرية، وكان أدى فريضة الحج مع والدته في عام 1913م، فاكتسب لقب الحاج من حينها. وقد ترك الخدمة العسكرية مع نهاية الحرب العالمية الأولى.

            الوظائف والمناصب

            أسس ورأس "النادي العربي" 1915م، وهو أول منظمة سياسية عرفتها فلسطين، وانطلقت منها الحركة الوطنية الفلسطينية، ثم عمل معلمًا بمدرسة روضة المعارف الوطنية.

            انتخب مفتيًا للقدس عام 1921م خلفاً لشقيقه كامل الحسيني.

            رأس أول مجلس للشئون الإسلامية والأوقاف والمحاكم الشرعية وهو المجلس الإسلامي الأعلى لفلسطين عام 1922م.

            أشرف على إعادة تنظيم المحاكم الشرعية في سائر قطاعات فلسطين (18 محكمة شرعية).

            استعاد الإشراف على الأوقاف الإسلامية بعد أن كانت في يد النائب العام (وهو اليهودي الإنجليزي بنتويش).

            تأسيس وتقوية المدارس الإسلامية في كل أنحاء فلسطين.

            تأسيس الكلية الإسلامية (من 1924م إلى 1937م).

            تأسيس والإشراف على "دار الأيتام الإسلامية الصناعية" في القدس.

            رئاسة لجنة إعادة إعمار وترميم المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وهو المشروع الذي تم في عام 1929م.

            رئاسة المؤتمر الإسلامي العام - وهو الذي بدأ منذ عام 1931م في القدس من أجل القضية الفلسطينية، وتكرر عقده برئاسته في مكة وبغداد وكراتشي وغيرها.

            تكوين جمعيات "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" للإصلاح بين المتخاصمين ومقاومة الدعوة الصهيونية للعرب ببيع أرضهم.

            تنسيق الجهود والإشراف على إعداد التنظيمات المسلحة في أرض فلسطين، والتي أثمرت "جيش الجهاد المقدس" في أطواره المختلفة.

            تأسيس ورئاسة "اللجنة العربية العليا لفلسطين".

            المشاركة في ثورة رشيد علي الكيلاني في العراق ضد الإنجليز عام 1941م.

            إنشاء مكاتب للحركة العربية والقضية الفلسطينية في برلين وروما، ثم في أماكن مختلفة من أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

            رئاسة "الهيئة العربية العليا لفلسطين" والتي تشكلت بموجب قرار من جامعة الدول العربية عام 1946م.

            رئاسة وفد فلسطين في مؤتمر باندونج عام 1955م، وقد حضر الوفد بصفة مراقب.

            تنسيق جهود الأعمال الفدائية بعد حرب 1948م.

            رئاسة "المؤتمر الوطني الفلسطيني" عام 1948، والذي أعلن حكومة عموم فلسطين ووضع دستورها، وبرنامج الحكومة.



            جهاده للقضية الفلسطينية

            شارك أمين الحسيني في العمل الوطني الفلسطيني منذ نهاية الحرب العالمية الأولى في عام 1918م، وشارك في عقد المؤتمر العربي الفلسطيني" الأول عام 18/1919م، والمظاهرات الفلسطينية في عام 1920م، وقد اتهمته السلطات البريطانية بأنه وراء هذه المظاهرات، وهاجم شباب القدس القافلة البريطانية المشرفة على ترحيله للسجن، وهرب إلى سوريا، وحكم عليه غيابيًّا بالسجن 15 سنة، وتحت ضغط الغضب الفلسطيني تم العفو عنه، وبعد عودته بأشهر يُتَوفَّى شقيقه مفتي القدس، ويرشِّحه رجال فلسطين لخلافه شقيقه وهو ابن خمسة وعشرين عامًا، ويفوز الشاب بالمنصب، ولكنه لا يكتفي بهذا، فيطالب بتشكيل هيئة إسلامية تشرف على كافة الشئون الإسلامية في فلسطين، وينجح في حمل السلطة البريطانية على الموافقة، ويفوز في انتخابات رئاسة هذه الهيئة، ويعمد من خلال هذه الهيئة إلى تنظيم الشعب الفلسطيني، فينظم الجمعيات الكشفية، وفرق الجوالة، وإعدادها إعدادًا جهاديًّا، ويتصل بكافة المخلصين من أمثال عزِّ الدين القسَّام وعبد القادر الحسيني وغيرهما؛ لتنظيم جمع السلاح وتدريب المجاهدين لمقاومة المؤامرة الصهيونية.

            وقد توجهت الدعاية المعارضة لأمين الحسيني لتظهره وكأنه الرجل المسالم للإنجليز، وفي لقاء بينه وبين بعض قادة العمل الوطني على رأسهم عبد القادر الحسيني يدور الحديث عن موقفه من مقاومة الإنجليز، فيرد الرجل قائلاً: ما رأيكم أن تقاوموا أنتم الإنجليز وتتركوني لمقاومة اليهود؟

            وأحسَّ القوم أن الرجل له علم ونظرة أعمق من مجرد دفع عدو ظاهر، وأن الأمر أخطر من مجرد السيطرة الإنجليزية، وأن هذه السيطرة ستار لمؤامرة استيطانية شيطانية، وتتوحد الجهود، ويكون عبد القادر الحسيني قائداً للأعمال العسكرية، والمفتي أمين الحسيني هو الواجهة السياسية، والمنسق (من خلال منصبه واتصالاته) للجهود العسكرية، وتوفير التمويل اللازم لكافة الجهود لنصرة القضية الفلسطينية، وتتحرك الثورة عام 1929م، ثم في عام 1933م، ثم تكون الثورة الكبرى عام 36 - 1939م، ويتولى أمين الحسيني مسئولية اللجنة العربية العليا لفلسطين"، وهي لجنة سرية لتنسيق الجهود على مستوى الدول العربية لنصرة القضية الفلسطينية، وتتعقب بريطانيا المفتي في كل مكان، ويلجأ الرجل للمسجد الأقصى يدير الثورة من داخله، ويصدر قرار بإقالة المفتي من جميع مناصبه من السلطة الإنجليزية.

            ويضطر الفتى إلى الخروج من فلسطين إلى لبنان، وقد وقع في قبضة السلطة الفرنسية بها، وترفض فرنسا تسليمه للسلطة البريطانية، وتسمح له بالعمل في الفترة من 37 إلى 1939م، ومع بشائر الحرب العالمية الثانية، تقرر السلطة الفرنسية القبض عليه ونقله للسجن، فيهرب إلى العراق، وهناك يشجع الضباط العراقيين على الثورة، وتقوم ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941م، ويناصر المفتي الثورة، ويشترك معه مجموعات فلسطينية على رأسها عبد القادر الحسيني الذي يشترك في مقاومة التقدم الإنجليزي في العراق، ومع بشائر الفشل للثورة ينتقل إلى طهران، ثم انتقل سرًّا بين عدة عواصم أوروبية حتى انتهى به الأمر إلى برلين، وقد التقى في هذه المرحلة مع قادة دول المحور سواء في إيطاليا أو ألمانيا، ولم يكن الأمر مفاجئاً، فقد أجرى المفتي اتصالات سابقة مع القيادة الألمانية في بداية الحرب، وهذا أمر طبيعي، فالدول العربية كلها تقريبًا ليس بينها وبين ألمانيا عداوة، ثانيًا ألمانيا صارت العدو القوي المواجه لكل من إنجلترا وفرنسا "وهما الدولتان اللتان يحتلان أغلب الدول العربية".

            وكانت رسالة المفتي السابقة على وصوله لألمانيا تتضمن المطالب الآتية:

            الاعتراف الرسمي من جانب دول المحور باستقلال كل من: مصر، السعودية، العراق، اليمن.

            الاعتراف بحق البلدان العربية الخاضعة للانتداب: سورية، لبنان، فلسطين والأردن بالاستقلال.

            الاعتراف بحق البلدان الخاضعة للاحتلال الإنجليزي بالاستقلال: السودان، البحرين، الكويت، عمان، قطر، حضرموت، إمارات الخليج العربي.

            إعادة عدن وبقية الأجزاء المنفصلة عن اليمن، والتي يستعمرها الإنجليز.

            الإعلان من قبل دول المحور أنها لا تطمع في مصر والسودان.

            الاعتراف بحق العرب في إلغاء الوطن القومي اليهودي وعدم الاعتراف به.

            وفي لقاء مع هتلر في عام 1941م، رد هتلر أن هذه المطالب سابقة لأوانها، وأنه عند هزيمته لقوات الحلفاء في هذه المناطق يأتي وقت مثل هذا الإعلان، ثم كانت المفأجاة عندما عرض أمين الحسيني في لقائه الثاني تكوين جيش عربي إسلامي من المتطوعين في الشمال الأفريقي وشرق المتوسط لمقاومة الحلفاء، فكان رد هتلر "إنني لا أخشى الشيوعية الدولية، ولا أخشى الإمبريالية الأمريكية البريطانية الصهيونية، ولكن أخشى أكثر من ذلك كله هذا الإسلام السياسي الدولي، ومن ثَم بدأ الرجل يضع قواعد للاستفادة من الوضع الراهن، فبدأ يستفيد من وجوده بالأوجه الآتية.

            فتح أبواب الكليات العسكرية الألمانية لتدريب الشباب العربي والفلسطيني بما يُعَدُّ نواه لجيش الجهاد المقدس في طوره الثاني.

            العمل على استصدار بيان من قيادة المحور يضمن الاستقلال لأكبر عدد من الدول العربية بعد انتصار المحور على الحلفاء في هذه البلاد.

            العمل على الحصول على أكبر كمية من الأسلحة وتخزينها، استعداداً لمرحلة قادمة، وقد قام بالفعل بتخزين السلاح في مصر وليبيا وجزيرة رودس. نجح في تكوين معهد لإعداد الدعاة في إلمانيا، وقام بإقناع القيادة الألمانية في وضع داعية في كل الفرق العسكرية التي بها مسلمون، وفي نفس الوقت دفع بعض الشباب المسلم العربي بها على الاشتراك في الجيش لتدريب على كافة الأعمال القتالية.

            نجح في وقف الأعمال الإرهابية ضد البوسنة (البوشناق) من جانب الصرب، ونجح في إقناع القيادة الألمانية بتشكيل جيش بوسني لمنع تكرار هذه المذابح، وتم بالفعل تكوين جيش من 100 ألف بوسني، ولكن تم تسريحه بعد انتهاء الحرب.

            مطاردة من جديد

            استطاع المفتي الهروب إلى ألمانيا في اللحظات الخيرة قبل سقوط برلين، وتم القبض عليه في فرنسا، وقضى يومين في زنزانة مظلمة، ولكنه تقدم للضابط المسئول وعرَّفه بنفسه ومكانته، وطالب أن يعامل بالشكل اللائق، وبالفعل انتقل لمنزل جنوب باريس، وعندما أعلن عن وجوده في فرنسا، بدأت المطاردة له من السلطات البريطانية والأمريكية، والصهيونية داخل فرنسا، ورفضت فرنسا أن تسلِّمه بسبب خلافها مع المصالح البريطانية والأمريكية، وحرصًا على عدم استثارة المشاعر الإسلامية، وتدخل ملك المغرب ورئيس تونس أثناء وجودهما في باريس، وطالَبَا باصطحاب المفتي معهما، وتدخلت الجامعة العربية، ورئيس باكستان محمد علي جناح، من أجل سلامة المفتي، ورفضت فرنسا، وبدأت المقايضة الأمريكية مع مشروعات إعادة إعمار فرنسا بتمويل أمريكي، وقبل أن تقرر فرنسا تسليمه لأمريكا استطاع أن يهرب المفتي من فرنسا عن طريق استخدام جواز سفر لأحد أنصاره في أوروبا، وهو الدكتور معروف الدواليبي بعد استبدال الصورة. ونجح المفتي في الوصول إلى القاهرة عام 1947م، ويظل متخفيًا بها عدة أسابيع حتى استطاع أن يحصل على ضيافة رسمية من القصر الملكي تحميه من المطاردة الدولية لشخصه.

            ويبدأ الحاج أمين الحسيني في تنظيم صفوف المجاهدين من القاهرة، وتدخل القضية الفلسطينية طورها الحرج، وتعلن الأمم المتحدة مشروع التقسيم، وتعلن دولة إسرائيل، ويرأس المفتي الهيئة العربية العليا لفلسطين، وتبدأ الحرب، وتبدأ المؤامرات والخيانات، وتقوم بعض الدول العربية بمنع المجاهدين من الاستمرار في مقاومة العصابات الصهيونية، وذلك بحجة أن جيوشهم سوف تقوم بهذه المهمة، ثم يبدأ مسلسل الخيانات لاستكمال المؤامرة، وتنتهي الحرب بهزيمة الجيوش الدول العربية، ويتم حمل المفتي من خلال موقعه كرئيس للهيئة العربية العليا على أن يصدر أمرًا للمجاهدين الفلسطينيين بوضع السلاح، وما إن يتخلص المفتي من بعض القيود حتى يسرع لعقد المؤتمر الفلسطيني في القدس ليعلن استقلال فلسطين وقيام حكومتها، ولكن مصر تعتقل المفتي وحكومة عموم فلسطين وتحدد إقامتهم في القاهرة، ومع قيام الثورة، يبدأ المفتي في تنظيم الأعمال الفدائية على كافة الجبهات، وتستمر العمليات حتى عام 1957م. وفي نفس الوقت ينشط في الجانب السياسي على مستوى الدول العربية والإسلامية، وبعض من الدول الآسيوية؛ وذلك لتأييد الحق الفلسطيني في وطنه، ودعم الجهاد المسلح في مواجهة العدو الإسرائيلي، ويمثل فلسطين في تأسيس حركة عدم الانحياز عام 1955م في مؤتمر باندونج، ولكن تدريجيًّا يتم تقييد حركته السياسية ووقف العمل الفدائي من عام 1957م على معظم الجبهات، وتظهر بشائر مؤامرة جديدة، ومحاولة لإنهاء القضية في خطوات سلمية، وتظهر خطة التسوية مع أعوام 1959م، 1960م والمعروفة بخطة هامر شولد، وهي الخطة التي وافقت عليها دولة المواجهة العربية مقابل ثلاثة مليارات من الدولارات، وينتقل الحاج أمين الحسيني إلى بيروت عام 1961م، وينقل إليها مقر الهيئة العربية العليا، ويفضح الرجل خطوط المؤامرة، وتفشل الخطة.

            وتبدأ خطة عربية بإنشاء كيان بديل للهيئة العربية العليا، وتبدأ بإصدار قرار من جامعة الدول العربية بإنشاء كيان فلسطيني عام 1963م، وينشأ الكيان تحت رعاية مصر باسم "منظمة التحرير الفلسطينية" عام 1964م، ويعين رئيساً له "أحمد الشقيري" الذي يخضع للتوجهات العربية، وبعد نكسة عام 1967م، يبدأ الرجل من جديد نشاطه من أجل القضية، موضحاً موقفه الثابت أن القضية لن يتم حلها إلا بالجهاد المسلح، ويستمر الرجل في نضاله حتى تُفضي روحه إلى بارئها عام 1974م شاهدة على عصر الخيانات الكثيرة والتضحيات الكبيرة، ولم يجرؤ أحد من القادة الفلسطينيين أن يدعو إلى حل سياسي إلا بعد اختفاء روح المقاتل محمد أمين الحسيني من ساحة القضية الفلسطينية.



            المصدر
            http://www.islamonline.net/arabic/fa...article4.shtml
            القناعة كنز لا يفنى

            تعليق


            • #51
              موسى كاظم باشا الحسيني



              ، شغل بعض المناصب العالية في الدولة العثمانية متنقلاً في عمله بين أرجاء الدولة العثمانية، فعمل في اليمن والعراق ونجد واستانبول ذاتها بالإضافة إلى فلسطين.

              ونظراً لخدماته الجليلة للدولة العثمانية، أنعمت عليه الحكومة بلقب (باشا)، وعندما انهارت الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى، ووقعت فلسطين في قبضة بريطانيا كان موسى كاظم (باشا) الحسيني يشغل منصب رئاسة بلدية القدس، كما تم انتخابه رئيساً للجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني الفلسطيني.

              كان موسى أول من رفع صوته في وجه الانتداب البريطاني، وأول من دعا أهل فلسطين إلى الاحتجاج والتظاهر وإعلان السخط والغضب ضد وعد بلفور، فتولى قيادة أول مظاهرة شعبية في تاريخ فلسطين عام 1920م، وبسبب ذلك عزلته سلطات الانتداب البريطاني عن رئاسة بلدية القدس، فلم يكترث واستمر في نضاله الدؤوب، واشترك في الكثير من المظاهرات، كانت آخرها المظاهرة الكبيرة في يافا في 27/10/1933، حيث أصيب فيها بضربات هراوات قاسية من قبل الجنود الإنجليز ظل بعدها طريح الفراش أياماً، حتى فارق الحياة سنة 1934م.

              المصدر : موسوعة ويكبيديا
              التعديل الأخير تم بواسطة أسود الحرب; الساعة 08-10-2007, 07:21 PM.
              القناعة كنز لا يفنى

              تعليق


              • #52
                فوزي القاوقجي






                فوزي القاوقجي (الثالث من اليمين) عام 1936.


                ولد فوزي القاوقجي في مدينة طرابلس (لبنان) عام 1890، وخرج منها طفلاً إلى الأستانة للدراسة، وظل يتدرج في المدارس التركية إلى أن وصل إلى المدرسة الحربية حيث بدأت بواكير وعيه السياسي تتفتح.

                تخرج القاوقجي سنة 1912 ضابطاً في سلاح الخيالة العثماني، وقد عمل أولاً في الموصل حيث ظهرت قدراته فغدا بعد وقت قصير معلماً للفروسية في الكتيبة كلها.

                لما نشبت الحرب العالمية الأولى اتصل به بعض الساسة العرب ليقوم بالدعاية للثورة بين قبائل البدو التي يعرفها حق المعرفة وتكن له الحب والتقدير.

                اشترك في الحرب ضد الإنجليز الذين احتلوا البصرة، وأصيب سنة 1914 في معركة القرنة، وأُدخل المستشفى للعلاج، ثم غادره سراً.

                عُين في شهر أيار عام 1916 في فرقة الخيالة العثمانية الثالثة المرابطة على خط بئر السبع ـ غزة الدفاعي في وجه القوات البريطانية، وقد أكسبته أيامه في بئر السبع خبرة واسعة في أصول الاستطلاع ونصب الكمائن، ونال شهرة واسعة لجرأته وحصل على عدد من الأوسمة، وقويت صلته بالقادة الألمان وأصبح مرافقاً لهم.

                آثر القاوقجي الولاء للجيش العثماني حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وظل يقاتل في صفوف الأتراك، رغم مضايقتهم له وكرهه لتسلطهم وتيقنه من خسارتهم. ويعلل ذلك بشكه في نوايا البريطانيين والفرنسيين الذين اعتمدت عليهم الثورة العربية.

                عاد القاوقجي فور انتهاء الحرب إلى مسقط رأسه طرابلس عام 1918، وأقام هناك إلى أن زارها الملك فيصل بن الحسين ودعاه إلى العمل في خدمة الدولة العربية الجديدة فقبل الدعوة، وقد عُين في الشعبة الثالثة في ديوان الشورى الحربي، وهناك تكشف له غدر الحلفاء، فطلب نقله إلى إحدى الوحدات العاملة، فعُين آمر السرية الأولى من لواء الخيالة الهاشمي، ولدى دخول الفرنسيين دمشق كان القاوقجي يتولى حراسة قصر الملك وقلعة دمشق.

                أصبح القاوقجي أيام الانتداب الفرنسي آمراً لسرية الخيالة في حماه، ومعاوناً للمستشار الفرنسي، فسعى جهده لاكتساب ثقة الفرنسيين والعمل على تخفيف مظالمهم، وقد أثرت أحداث ثورة الأمير عبد الكريم الخطابي في الريف المغربي وشجعته على التفكير بثورة مماثلة.

                بدأ القاوقجي يعد للثورة ويدعو لها وينظم الخلايا، ثم أطلق الشرارة في 5/10/1925 مغتنماً فرصة ثورات صالح العلي وإبراهيم هنانو وسلطان الأطرش، وكاد يستولي مع من معه على مدينة حماه لولا قصف الطائرات، فخرج إلى البادية حيث استثار القبائل ضد الفرنسيين وكان أبرز آثار حركته تخفيف الضغط على الثوار في جنوبي سورية.

                انتقل القاوقجي مع نفر من المجاهدين إلى منطقة القلمون وغوطة دمشق وجبل العرب، وأسند إليه مجلس الثورة الوطني قيادة الثورة في منطقة الغوطة مع سلطات واسعة، واستطاع أن يحقق انتصارات كبيرة على الجيش الفرنسي، لكن نقص العتاد واستشهاد الكثير من رجاله اضطراه إلى الانسحاب باتجاه جبل العرب.

                استدعته اللجنة الثورية إلى عمّان والقدس سنة 1927، وكلف السفر إلى تركية لإقناعها بمساعدة الثورة السورية، ولكنه عاد إلى القاهرة حيث كانت الخلافات قد اشتدت بين الزعماء السياسيين للثورة، فلم يمكث فيها طويلاً وذهب إلى السعودية سنة 1928.

                استطاع القاوقجي في السعودية بمساعدة الأمير فيصل بن عبد العزيز (الملك فيصل فيما بعد) إقناع الملك عبد العزيز بن سعود بتكوين جيش نظامي مدرب. وحاول تنظيم بعض الأمور ولكن العراقيل الكثيرة التي وضعت في طريقه والدسائس التي تعرض لها أجبرته على الاستقالة، وبعد ذلك عُين مستشاراً للأمير فيصل.

                غادر القاوقجي السعودية سراً إلى مصر عقب اندلاع أحداث فلسطين سنة 1929، والتقى أعضاء الوفد الفلسطيني المسافر إلى لندن لمفاوضة الإنجليز محاولاً إقناعهم بعدم جدوى المفاوضة، وأن لا بد من العمل والإعداد العسكري كما يفعل الصهاينة، ولكنه أخفق في سعيه وعاد إلى السعودية.

                ترك القاوقجي السعودية بعد سنتين ونصف، والتحق بخدمة الملك فيصل بن الحسين في بغداد أواخر سنة 1932. وعين معلماً للفروسية وأستاذاً للطبوغرافيا في المدرسة الحربية الملكية برتبة نقيب.

                ومع تفاقم أحداث فلسطين مع الإضراب الكبير واشتعال نار الثورة فيها، كُلف القاوقجي من قبل زعماء الثورة الفلسطينية تجهيز قوة من المتطوعين لنجدة فلسطين. فبدأ الاتصال بالأردن وسورية ولبنان لاختيار الشبان العرب المجاهدين وتزويدهم بالسلاح وإرسالهم إلى جبهة الثورة في فلسطين، وفي 25/8/1936 وصل القاوقجي على رأس حملة من العراق واتخذ من مثلث نابلس ومنطقة جنين خاصة ساحة لنشاط حملته ووزع بوصفه القائد العام للثورة منشوراً ثورياً يدعو فيه الثوار إلى الالتفاف حوله والانضمام إليه ويقرر ميثاقاً له (الاستمرار في النضال إلى أن تتحرر فلسطين وتستقل وتلتحق بقافلة البلاد العربية المحررة).

                خاضت قوات الثورة بقيادة القاوقجي معارك عدة هزمت فيها الإنجليز وألحقت بهم خسائر كبيرة، وعندما أُعلنت الهدنة بين الإنجليز والفلسطينيين وفُك الاضراب بقرار سياسي من اللجنة العربية العليا بعد وساطة ملوك العرب ورؤسائهم، أوعزت القيادة السياسية للقاوقجي بسحب قواته من فلسطين، فانسحب عبر نهر الأردن إلى الأردن، وهناك سرح معظم القوات وعاد مع المفرزة العراقية إلى العراق.

                أقام القاوقجي في بغداد مدة، ثم نفته حكومة بكر صدقي في العراق إلى كركوك لتقييد حركته استجابة لطلب الإنجليز، ولاحتجاج السفير التركي على موقف القاوقجي من قضية لواء الاسكندرون. وهناك طفق يتصل من منفاه بعدد من الشخصيات السورية والأردنية والفلسطينية لتجهيز حملة تعيد تفجير الثورة، ولاسيما بعد إعلان مشروع التقسيم الذي أوصت به اللجنة الملكية سنة 1937.

                أُفرج عن القازقجي بعد مقتل بكر صدقي فعاد إلى بغداد، ولما نشبت ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق سنة 1941، قاد القاوقجي فريقاً من المتطوعين السوريين والفلسطينيين والعراقيين وتصدى لقوافل الإنجليز العسكرية القادمة من الأردن عند الرطبة وخاض عدداً من المعارك الناجحة، ثم أصيب بجراح خطرة حين سارع إلى صد هجوم إنجليزي على تدمر، فنقل إلى مستشفى دير الزور ثم مستشفى حلب حيث تم تدبير نقله إلى برلين، وقد أُجريت له عدة عمليات جراحية استخرجت فيها 19 رصاصة وشظية من جسده وظلت رصاصة واحدة تسكن رأسه حتى أواخر حياته.

                عندما دعا الألمان القاوقجي إلى العمل معهم أصر على أخذ اعتراف رسمي بحقوق العرب واستقلالهم قبل الالتزام بالعمل، وشعر أنهم يحاولون استغلاله واستغلال غيره من الزعماء العرب الموجودين هناك. وقد اتهم القاوقجي الألمان النازيين بتسميم ابنه مجدي (وكانت أسرته قد لحقت به إلى ألمانيا) لأنه، أي الأب، لم يتعاون معهم.

                مع تراجع ألمانيا على مختلف الجبهات، أخذت آمال القاوقجي وبقية العرب تخبو، وبدخول السوفييت برلين عام 1946، اعتقل القاوقجي وزوجته ومرافقه ثم أُطلق سراحهم بعد شهر، وظل هناك تحت الرقابة ولكنه استطاع أن يصل إلى باريس عبر القطاع الفرنسي من برلين، ومن باريس طار إلى القاهرة ثم إلى مدينة طرابلس الشام وذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

                في سنة 1947، تولى فوزي القاوقجي قيادة (جيش الإنقاذ) للدفاع عن فلسطين وذلك بتكليف من جامعة الدول العربية، وفي ظل ظروف شديدة الصعوبة منها عدم التكافؤ بين قوات الشعب الفلسطيني والمتطوعين من جهة والقوات الصهيونية من جهة أخرى من حيث الإعداد والتدريب والتسليح، إضافة إلى تحفظات الهيئة العربية العليا على قيادته، وتشكيل جيش الجهاد المقدس، إلا أنه أبلى بلاء حسناً في كل المعارك التي خاضها ضد الإنجليز والصهاينة، وكانت معركة (المالكية) من أهم المعارك وأشهرها والتي خاضها القاوقجي مع الجيش السوري واللبناني بتاريخ 6 حزيران 1948، وانتصروا فيها، فضمن من خلالها لجبل عامل بأسره البقاء في يد العرب.

                أدرك فوزي القاوقجي بعد تلكؤ المسؤولين العرب عن نصرته، وتواطؤ البعض الآخر ونقص العتاد في جيشه، وبعد إبرام الهدنة بين الدول العربية والصهاينة، أن الاستمرار بهذا العمل غير مجد، ويؤدي إلى الكارثة، فقدم استقالته إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية عبد الرحمن عزام، ثم انسحب إلى جنوب لبنان، وبعد ذلك انسحب عن مسرح الأحداث بمرارة وألم.

                شعر القاوقجي بمرارة الهزيمة حين وقعت الدول العربية اتفاقيات الهدنة الدائمة في رودس، فانتقل إلى دمشق ليعيش فيها فيما يشبه العزلة، ثم غادرها إلى بيروت تحت وطأة ظروف مادية ونفسية أليمة حتى وافاه الأجل عام 1977، وقد ترك مذكرات له بعنوان (مذكرات فوزي القاوقجي).

                المصدر :

                ـ (الموسوعة الفلسطينية)، إصدار هيئة الموسوعة الفلسطينية، دمشق، طبعة أولى 1984، المجلد الثالث، ص (480ـ 484).


                :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::

                فوزي القاوقجي:

                الثائر الأسطوري الذي طالما ألهب اسمه خيال السوريين والعرب، شيوخهم وشبابهم وأطفالهم، فغدت أفعاله في الأعداء المستعمرين مادة ملاحم تنشد في سمرهم، وأخباراً يستقصونها في لقاءاتهم، وبشرى يطربون لسماعها أيما طرب. وما انقطع نجمه عن التصاعد من أوج إلى أوج، بتوالي الثورات العربية ضد المستعمرين، الثورات التي لم يتخلّف عن أيّ واحدة منها، وكأنه قد نذر لها، وسمع الناس بأن الأعداء الإنجليز تمكنوا برشاش إحدى طائراتهم من إصابته بجراح خطيرة أثناء استمراره بمقاومتهم في بادية الشام بعد انهيار ثورة رشيد عالي الكيلاني، وسمعوا أنه نقل وهو فاقد الوعي بين الحياة والموت بالطائرة إلى اليونان ثم إلى ألمانيا لمعالجته، فكانت قلوبهم معه تلهج بالدعاء له بالشفاء، فقد كان فارسهم وبطلهم الذي ملأ قلوبهم بمحبته ونفوسهم اعتزازاً به.

                وكان من الطبيعي أن يكون القاوقجي هدفاً للتشويه والتشهير الكاذب اللئيم من قبل الأعداء وأعوانهم على اختلاف نزعاتهم. فأمتنا العربية في الحروب النفسية التي يشنّها عليها الأعداء يجب أن تجرّد من كل ما يؤكد وجودها، وعلى الأخص إنكار كفاحها بتشويه معانيه وغاياته، والاستخفاف به، والنيل من قادته، واتهامهم بالتهم الباطلة، مع محاولات إبراز "أشباه ثورات" وقادة لها يتوسدون الحشايا والخزّ بدلاً من الثورات الحقيقية ومجاهديها الميامين الذين عاشوا مع الأخطار، وتعايشوا مع الشقاء حتى أكلت الصخور والحجارة والأتربة التي توسدوها من جلودهم، ثم لم يطلبوا شيئاً سوى خلاص أمتهم وتحررها. في هذه الحالة، عندما لا تجد ثوراتنا (بزعم أعدائنا ومن تبعهم من أصحاب المصالح الدنيئة والسخفاء) سوى اللصوص كمجاهدين، والعجزة الجَهَلَة (إن لم نقل العملاء) كقادة خلال عقود طويلة من السنين لم ينقطع فيها القهر النازل بنا، نقول إننا عندما ننخدع بهذه الصورة الكاذبة، ونروّج لها فإنها تنعكس على أمتنا، وقد تسبّب في تيئيس العديد من بسطاء الناس من الجهاد وجدواه وتقعدهم عن ردّ القهر النازل بهم، وهذا هدف كبير من أهداف العدو.

                إن فوزي القاوقجي ضابط لامع من ضباط الجيش العثماني. وقد خاض في هذا الجيش غمار الحرب العالمية الأولى كلها، وأبلى فيها البلاء الحسن وخاصة في الجبهة الفلسطينية ضد ذلك الصليبي اللنبي المارّ ذكره أعلاه. وقد استخلص من تلك الحرب، كإنسان اشتهر بالذكاء الحاد، ثروة ضخمة من الدروس والعبر، وعندما شكّل الفرنسيون وحدات الشرق الخاصة، في إثر احتلالهم لسورية، كان فوزي القاوقجي الضابط الوحيد الذي احتفظ برتبته التي اكتسبها في الجيش العثماني، وهي رتبة الكابتن (النقيب)، في الوقت الذي خفّضت فيه رتب الضباط العرب الآخرين إلى رتبة الملازم. وكان أيضاً ضابطاً لامعاً في وحدات الشرق الخاصة. ثم خرج ليمارس الكفاح المسلح ضد المستعمرين السنين الطوال. وهذا النوع من الصراع المسلح هو من أكثر أنواع الحروب تعقيداً، وهو أصعب على ممارسيه الثائرين وقياداتهم من أي حرب نظامية، فأبدع فيه القاوقجي أيما إبداع وغدا فيه أسطورة في شعبه، وشبحاً مرعباً للأعداء المستعمرين. ومع ذلك فقد ردّد بعضهم في كتابته كل ما أشاعه عنه العدو الصهيوني من أكاذيب وأضاليل. فنقرأ مثلاً في كتاب "حرب فلسطين" المارّ ذكره العبارة التالية: "…القاوقجي كان يعتقد أن قصف المدفعية لوحده يكفي لاستسلام المستعمرة..". مع أن أبسط عريف في أي جيش من جيوش العالم يعرف بديهة كون المدفعية سلاح مساندة، ولابدّ من استخدام القوى المناسبة التي تأتي في طليعتها قوى المشاة لاحتلال المواقع، فكيف بالإمكان تصور فوزي القاوقجي جاهلاً لهذه القاعدة البسيطة المعروفة من أقدم الأزمنة، وهو الذي خاض، بعد تخرّجه من أعلى المعاهد العسكرية، معارك طاحنة في الحرب العالمية الأولى، في جبهة فلسطين بالذات، ثم اطّلع على تقدّم التقنية العسكرية وجرّب نتائجها بممارساته الثورية ضد أعتى القوى الاستعمارية، كما كان في الوسط الألماني الذي كان يخوض الحرب العالمية الثانية وشاهد عن كثب تجارب هذه الحرب وتتّبع أخبارها وأوصاف دقائق أحداثها بشكل جيد بحكم مركزه الممتاز الذي كان يتمتع به هناك؟.. ونقرأ أيضاً في هذا الكتاب العبارات التالية، التي قال المؤلف إنه قرأها في كتاب أجنبي لم يذكر اسمه ولا عنوانه (ولعله لمؤلف صهيوني لتطابق هذه العبارات مع ما كتبه بعض الصهاينة عن فوزي القاوقجي). وفي هذه العبارات ازدراء لا للقاوقجي وحده، بل لكل المجاهدين العرب: "وكان القائد فوزي القاوقجي قائد جيش الإنقاذ كبقية المجاهدين العرب غير النظاميين يميل إلى العمليات القصيرة ولا يعتمد على الإغارات العنيفة التي ظهرت في الحرب العالمية الثانية. وكان يحمل عقلية المحارب القديم المتخرّج من الكلية العسكرية قبل الحرب العالمية الأولى. وكانت خططه بطيئة وغير مستمرة وبمعدّات ضعيفة. ولهذا لم يستطع أن يستثمر أية معركة بدأها ولم يصل إلى قرار حاسم في الوقت المناسب. ولم يمارس هذا الرجل قيادة وحدات كبيرة (ألوية وحتى أفواج) لأن رتبته في الجيش لم تتجاوز رتبة النقيب. لهذا كان يقاتل بأعداد صغيرة ولمدة قصيرة وإذا لاقى مقاومة يتراجع..". ليس من المفيد تفنيد مغالطات هذه العبارات المتعارضة المتناقضة، ولكن للإنصاف نقول إن وطنية القاوقجي هي التي دفعته لقبول مهمة قيادة قوات ضئيلة، وأن يضع نفسه بإمرة أناس كان بإمكانه أن يتخطّاهم بأشواط برتبته العسكرية، فيما لو بقي في الخدمة النظامية، ولم يخرج ليمارس الثورات ضد المستعمرين العادين على أوطانه. تلك الثورات التي ارتقى بها إلى مراتب الاحترام والمحبة الكبيرين من أبناء وطنه كثائر عظيم نذر عمره للكفاح في سبيل حريتهم بكل مهارة انتزعت تقدير الأعداء وإعجابهم، وإن لم تكسبه شارات الرتب النظامية وأوسمتها.

                وعاد فوزي القاوقجي عام 1947 من أوروبا إلى مصر ثم إلى لبنان فطرابلس مسقط رأسه، بعد ما يقرب من ربع قرن من الجهاد واللجوء إلى المنافي. وكان قد طلب إليه وزير خارجية لبنان هنري فرعون أن تكون عودته إلى الوطن بالسرّ والخفاء بحجة "حفظ النظام" وفي الواقع كان وصوله إلى الأرض العربية من البشائر الكبيرة التي فرح بها الناس أيما فرح. فتقاطرت الوفود بالألوف على بيروت وطرابلس من لبنان وسورية وفلسطين والأردن، على الرغم من السرّية التي أحيط بها وصوله إلى بلده. وكان إقباله على مسقط رأسه طرابلس يوماً مشهوداً تمثلت فيه الجماهير العربية بمئات ألوف المستقبلين، لولا النهاية المحزنة التي انتهى إليها الاستقبال بتلك المجزرة الرهيبة المدبرة من خدم الأعداء الذين دفعوا عائلتين كانتا تتنازعان زعامة البلد الطيب المذكور إلى الاقتتال وسط زحمة جماهير المستقبلين. لذلك وبحجة تلك المجزرة طلبت الحكومة اللبنانية حينذاك من فوزي القاوقجي مغادرة بلده مع أنه لادخل له

                المصدر :
                http://www.liberation-inside-imperia...s/page0003.htm
                القناعة كنز لا يفنى

                تعليق


                • #53
                  بقي أن نذكر، أننا إلى الآن قد انتهينا من فصول الجهاد الحركي الذي أخذ الطابع الإسلامي في العمل والتنظيم لغاية 1948م، والحلقة القادمة ستفتح التوثيق لما بعد حرب النكبة، ولغاية منتصف عقد التسعينيات.
                  الظروف الدولية لحرب 1948 مجلوبةمن بحث الظروف العامة لكفاح العرب في فلسطين



                  الأوضاع العامة في فلسطين قبيل ال 48 :


                  عند صدور قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين في 29 تشرين الثاني عام 1947 كان عدد اليهود أقل من نصف عدد العرب: العرب 1,415,000 واليهود 650 ألف نسمة. وما كان حينذاك بحوزة اليهود أكثر من 6% من الأراضي بينما كان بحوزة العرب 48% من أرض فلسطين ونحو 46% من الأراضي أملاكاً للدولة. وهذا على الرغم من كل المساعدات الهائلة التي قدمتها بريطانيا لليهود في كل مجالات الهجرة والتوطين ونهب الأراضي طوال عهد الانتداب. وكانت كثافة اليهود تتوزع بالشكل التالي (انظر الخارطة):

                  1- السهل الساحلي: من راحبوت في جنوب غرب الرملة إلى تل أبيب فنتانيا والخضيرة، ثم حيفا ونهاريا.

                  2- سهل بيسان: العفولة وما حولها.

                  3- سهل الحولة: من مشمار هايردن إلى المطلّة بمحاذاة مرتفعات الجليل.

                  4- القدس اليهودية: مع المستعمرات اليهودية على طريقي تل أبيب (باب الواد) وبيت لحم.

                  وكان تخطيط المدن والمستعمرات اليهودية على أسس حربية عدوانية، تماماً كما بنيت معسكرات اليانكي في زحفهم نحو الغرب عندما أتمّوا عملية إبادة الشعب الهندي الأحمر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر واستولوا على مرابعه.

                  وكان العرب يحيطون باليهود من كل جهة ويتحكمون بالطرق التي تصل بين مختلف بؤر كثافتهم (انظر الخارطة). كما أن المدن العربية والقرى العربية في معظمها تعطي إمكانات جيدة للدفاع، بالإضافة إلى أن العرب كانوا يسيطرون على كل المرتفعات والوعرات على اختلافها في فلسطين الأمر الذي كان بالإمكان أن يتيح لهم تحضير جملة دفاعية متماسكة تجعلهم يقاومون الغزوة الصهيونية مقاومة مثمرة تنتهي بهزيمتها وسحقها. ولكن المقاومة العربية بكل فصائلها استمرت كعادتها بالاستسلام للأنظمة الرسمية التي كانت، وما تزال، كما سبق وأسلفنا، جزءاً من النظام العالمي الذي عمل جادّاً على صنع تلك الكارثة للعرب. ولم تبرز بكل أسف من هذه المقاومة أي فئة تعي الواقع الحقيقي للعالم فتتجه في الطريق الصحيح لمنع وقوع هذه الكارثة ولقيادة أمتنا نحو خلاصها من عدوّها الذي هو النظام الرأسمالي الاحتكاري بكل أوجهه الاستعمارية القديمة والمستجدة. وهكذا بقي الكفاح العربي من أجل الحرية في حدود قفص المستعمرين.

                  يقول المشير طه الهاشمي، المفتش العام لقوات الإنقاذ في مؤتمر صحفي عام 1951 ما يلي: "إن القوات العربية لم تحارب بالمعنى الصحيح حتى يقال إنها خسرت المعركة. وإذا كانت نتيجة القتال قد جاءت في صالح اليهود فمردّ ذلك لأسباب سياسية لا عسكرية. وعلى الرغم من أن الجيوش العربية لم تدخل فلسطين بقوات كافية إلا أنها كانت قادرة دون ريب على منع قيام الدولة اليهودية لو استخدمت حقاً في الأغراض العسكرية البحتة". انتهى قول المشير.

                  ولكن السياسة في سلوك سليم لكل طرف من أطراف الصراع لاتعارض الحرب التي هي امتداد لها بوسائل مناسبة، بحسب تعبير كلاوزفتز. ومما لاريب فيه أن المشير طه الهاشمي يقصد بتصريحه هذا أن سياسة الأنظمة العربية بنتيجة المؤثرات البريطانية والأميركية المشار إليها أعلاه حرّكت الجيوش العربية في اتجاه الفشل في صدّ الهجمة الاستعمارية الصهيونية وليس في اتجاه النصر الذي كانت قادرة على تحقيقه. فهذه الحرب انسجمت إذن تماماً مع تلك السياسة لأنظمة تعطي أُذنها للمستعمرين. ولكن هل كان ثمة سياسة أو حرب لتلك الأنظمة التي رضيت بكيركبرايد موجّهاً سياسياً وبكلوب قائداً عسكرياً؟ إننا هنا بالصورة المكوّنة بتحركات تلك الحكومات واجتماعاتها وتصريحات مسؤوليها وترتيباتها أمام ذلك الشكل الهزلي الأزلي الذي غطى تلك العملية الاستعمارية اللئيمة التي راح ضحيتها شعبنا العربي الفلسطيني وأفواج الشهداء من أبناء أمتنا. ولكن فلسطين مع ذلك لن تطير إلى المريخ بل ستبقى هنا ضمن وطننا وسيأتي اليوم كما أتى دوماً ليتمّ تطهيرها من رجس الصهيونية.

                  قلنا إن النفوذ الإنجليزي وإن اتجه في تلك الأيام نحو الاضمحلال والزوال، إلا أنه بقي طوال الأزمة الفلسطينية التي أدّت إلى كارثة قيام إسرائيل هو المؤثر الرئيسي المباشر في قرارات الأنظمة العربية بدءاً من الأردن فالعراق فبقية الدول العربية. ويتمم هذا التأثير، من وراء ستار لمصلحة اليهود بطبيعة الحال، التأثير الآخر الأميركي الذي كان يتسع لدى الأنظمة التي يضعف فيها النفوذ البريطاني كسورية مثلاً. إلا أنه على العموم، بشهادة كل المعلّقين الدارسين لأحداث تلك الأيام، كان موقف سورية ومصر أقرب إلى المصلحة الوطنية من مواقف الحكومات العربية الأخرى، وإن كان في قيادات هاتين الدولتين بعض الانتهازيين وبعض الخدم. وقد ذكرنا أعلاه أن نفراً من حكّام سورية كان يرى، مباشرة بعد جلاء الجيوش الأجنبية عن أرض الوطن، تحويل الجيش الوطني إلى قوة شرطة. وكان لهذا الرأي أثر حاسم في تصعيد صعوبات تسليح الجيش السوري. يقول العميد صلاح الدين البزري، وكان أمين سر مجلس الدفاع الأعلى السوري، ثم عضواً في اللجنة العليا لاستلام الجيش السوري من القيادة الفرنسية، كما كنت أنا حينذاك عضواً في لجنة الاستلام المباشر وشاهداً على هذا القول:"قبل جلاء الجيوش الأجنبية عن سورية كان همّ القيادة الإنجليزية الثابت إقناع الحكومة السورية بعدم حاجتها للجيش. وكل ما تحتاج إليه هذه الحكومة بحسب رأيهم هو لواء محمول من قوى البادية لمساندة قوى الأمن في الحضر والبادية.
                  القناعة كنز لا يفنى

                  تعليق


                  • #54
                    المناطق الدفاعية:

                    إن ترتيبات العدو الأصلي، ترتيبات المستعمرين الأميركان والإنجليز، التي نفذتها الحكومات العربية والتي قلنا إنها كانت تهدف إلى تسهيل تحقيق أطماع الصهاينة الأميركان والإنجليز واليهود تحت ستار التظاهر بإنقاذ فلسطين، لا يصح انتقادها والقول بأنها كانت مقصرّة في هذه الناحية أو تلك كما لو كانت ترتيبات وطنية بقصد تحرير حقيقي، فهي قد وضعت في الأصل لتكون "مقصرة وعاجزة لفائدة الأعداء. إلا أنه من الواجب وضعها وإبراز تطابقها مع مخططات المستعمرين، ومن الواجب أيضاً إبراز جهاد وصبر جماهير أمتنا وتضحياتها كي لا يصعّد العدو الصهيوني اليهودي من خيلائه الكاذبة. فلننظر إذن في البدء، فيما يلي، إلى ترتيبات اللجنة العسكرية للجامعة العربية.

                    قبل تولّي هذه الجامعة عبر لجنتها العسكرية أمور المقاومة في فلسطين كانت تنشأ وتتصاعد بقيادة الهيئة العربية العليا مقاومة شعبية فلسطينية هي إحياء وامتداد لتلك المقاومة الوطنية الكبيرة التي كانت تقودها ذات الهيئة قبل الحرب العالمية الثانية. فكان مثلاً الجهاد المقدس في منطقة القدس، كما كانت المقاومات في المناطق الفلسطينية الأخرى كمنطقة اللدّ يافا، ومنطقة حيفا والمثلث، ومنطقة بيسان، ومنطقة الجليل. ولكن الأنظمة العربية "بحجة عدم إغضاب الملك عبد الله" أقنعت المفتي الحاج أمين الحسيني رئيس الهيئة العربية العليا بالخروج من فلسطين مع بعض رفاقه وإلحاق النشاط العسكري لهذه الهيئة باللجنة العسكرية للجامعة العربية الآنفة الذكر التي ستتولى أمور "تحرير فلسطين" كلها ريثما يتم تدخل الجيوش العربية. وكان هذا يعني من الناحية العملية شلّ المقاومة المحلية الفلسطينية والاستعاضة عنها بجهاز هزيل خارجي سبق أن أعطينا بعض ملامحه في مطلع القسم الثاني من هذا البحث عندما تكلمنا عن أركان مفتشية اللجنة العسكرية في دمشق. وكانت هذه الخطوة الأولى لإعداد ظروف تسليم فلسطين إلى الصهاينة. فمن نافل القول إبراز الأهمية الحاسمة للمقاومة المحلية في الثورات الإنسانية وخاصة في ثورات الشعب الفلسطيني المتمرس طويلاً منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية، الشعب الذي يخوض حالياً ونحن في أواخر عام 1987 وأوائل عام 1988 نضالاً بطولياً نال إعجاب العالم أجمع في ظروف لا مثيل لصعوباتها. إن ثورة وجهاد هذا الشعب، وفي طليعته أطفاله ونساؤه وشيوخه الذين لم يتوفر لديهم سوى أظافرهم وحجارة أرض الوطن الغالي (إلى جانب اجتماعات وزراء خارجية الجامعة العربية لشجب العدو الصهيوني دون أميركا ورحلات مسؤولي أمتهم مع عوائلهم إلى أوروبا وأميركا لكسب الأعداء إلى القضية!…) نقول أن انتفاضة هذا الشعب تتصدى حالياً بجدوى كبيرة للترسانة الأميركية الموضوعة بيد الصهاينة اليهود. ثم إن اللجنة العسكرية الآنفة الذكر قامت بتقسيم فلسطين إلى المناطق الدفاعية التالية:

                    اللواء الشمالي:

                    يشمل نظرياً المنطقة الممتدة من الحدود السورية اللبنانية حتى الخط الذاهب من جسر داميا على الأردن، فنابلس، فطول كرم، فنتانيا على البحر الأبيض المتوسط. وقد عهد بالدفاع عن هذا القسم الكبير الواسع من فلسطين إلى "شبح لواء" يقوده المجاهد فوزي القاوقجي. وسنأتي فيما يلي من البحث على الكيفية التي تشكل بها هذا اللواء، وعلى تسليحه، وكيف أخذ مراكزه على الأرض الفلسطينية. وكان توزيع هذه القوة على الشكل التالي:

                    _ كتيبة لمنطقة الجليل بقيادة النقيب أديب شيشكلي (من سورية)؛

                    _ كتيبة لمنطقة جنين بقيادة النقيب محمد صفا (من سورية)؛

                    _ كتيبة لمنطقة طول كرم بقيادة النقيب مدلول (من العراق)؛

                    _ سرية سعودية تمركزت في منطقة الجلمة تجاه العفولة؛

                    _ سرية اسماعيلية بقيادة الملازم الأول سليمان نصر تمركزت في مجدو تجاه العفولة وحيفا؛

                    _ المقر العام في جبع بقيادة, ركن اللواء, المجاهد الشهيد النقيب مأمون البيطار. ويرتبط بهذا المقر بطاريتا مدفعية غير متجانسة العيارات بقيادتي، وأربع مصفّحات خفيفة بقيادة المجاهد الشهيد الملازم الأول فايز حديفة، وسرية علوية بقيادة الملازم الأول غسان جديد، وسرية جركسية؛

                    _ عناصر مقاومة فسطينية هنا وهناك في هذا القسم من فلسطين، كانوا في السابق جزءاً من قوى تقودها الهيئة العربية العليا.

                    إن تعداد كل القوات الآنفة الذكر لا يتجاوز الثلاثة آلاف مجاهد، وكان عليها أن تواجه ثقل الكثافة اليهودية الرئيسية في فلسطين، مع أنه لو ترك الأمر للفلسطينيين لكان بإمكانهم أن يحشدوا في هذا القسم من فلسطين أكثر بكثير من ثلاثين ألف مقاتل. وما كان بداهة بإمكان أولئك المجاهدين من قوات الإنقاذ أن يشنّوا حرب تحرير ضد المناطق اليهودية الكثيفة فبقوا لذلك على الدفاع في المناطق العربية، أي في المناطق المخصصة للعرب بموجب قرار الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين الآنف الذكر.

                    ومن جهة ثانية نجد أن ضآلة إمكانات هذا اللواء بالعدد والأسلحة جعلت المقاومة في هذا القسم من فلسطين تنشطر إلى شطرين مستقلين الواحد منهما عن الآخر تماماً: كان الشيشكلي في الجليل وكانت تفصله عن قائده القاوقجي وبقية قوات اللواء المنتشرة في المثلث جنين نابلس طول كرم مئات الكيلومترات، بالإضافة إلى خط المستعمرات اليهودية الذاهب من حيفا فالعفولة فطبريا. وفي الواقع العملي كان الاتصال طوال فترة قوات الإنقاذ في فلسطين قبل دخول الجيوش العربية بين القاوقجي والشيشكلي شكلياً: للسؤال لاسلكياً عن الأحوال.. وكان الأخير يرتبط مباشرة باللجنة العسكرية في دمشق على قدم المساواة مع قائده القاوقجي ومستقلاً عنه، وذلك فيما يخصّ المسائل التموينية، أما فيما يخص العمليات العسكرية فإن كل جهة من هاتين الجهتين كانت تقوم بما يخصّها منها بشكل مستقل تماماً عن الأخرى وعن اللجنة العسكرية في دمشق أيضاً.. وفي المحصلة ما كانت هذه المقاومة في هذا القسم من فلسطين وفي بقية أقسام هذا القطر، في تلك الفترة التي سبقت دخول الجيوش العربية، غير مجدية فقط في منع تنفيذ قرار التقسيم المذكور، وإنما تنسجم مع هذا القرار باقتصارها على الدفاع عن مناطق عربية دون التعرّض للعدو الصهيوني في مواقعه، بالإضافة إلى أنها هيأت الظروف الملائمة ليبتلع هذا العدو أكثر مما خصّص له بالتقسيم.

                    اللواء الأوسط:

                    يشمل مناطق القدس ورام الله وأريحا والخليل، وتدافع عنه قوات الجهاد المقدس بقيادة المجاهد الشهيد عبد القادر الحسيني. وكان على هذه القوات مواجهة يهود القدس ويهود مناطق رحبوت ـ تل أبيب، بأسلحة فردية وذخيرة قليلة. وما كان حالها ليختلف عن حال قوات اللواء الشمالي الآنفة الذكر بل أسوأ، وبالتالي فقد اقتصر فعلها على الدفاع عن مناطق عربية، وما كان باستطاعتها تطوير تنظيماتها وهي مرتبطة باللجنة العسكرية العاجزة للجامعة العربية لكي تتمكن من القيام بهجمات مجدية على المناطق اليهودية وعلى الأخص منها منطقة القدس الجديدة والحيّ اليهودي في القدس القديمة. ولكن هذه القوات تمكنت بصمودها البطولي في مواقعها التي أحاطت بالقدس الجديدة من ضرب الحصار على الصهاينة هنا طوال الأشهر التي سبقت دخول الجيوش العربية إلى فلسطين. أما علاقتها بقوات القاوقجي المجاورة فكانت تتم عبر اللجنة العسكرية الموجودة على بعد يزيد على الألف كيلومتر في دمشق. ونجد في النتيجة أن ترتيبات الأنظمة العربية هنا في القدس تتمشى مع الخطة البريطانية في تقاسم المنطقة بين الأردن المكبّل "بالنفوذ البريطاني" وبين إسرائيل القاعدة الأميركية. وهذا أمر يخالف قرار الأمم المتحدة القاضي بتدويل القدس.

                    اللواء الغربي:

                    يشمل اللدّ والرملة والمناطق العربية حول تل أبيب ويافا ويتألف من مجاهدين محليين وعرب غير فلسطينيين، وخاصة منهم المجاهدين الحمويين الذين طالما أنجدوا فلسطين في ثوراتها. وكان القائد هنا المجاهد المشهور الشهيد حسن سلامة. وترتبط القوات المجاهدة هنا، كغيرها في فلسطين باللجنة العسكرية في دمشق. ولم يكن بين هذه القوات وبين جهات المقاومة الأخرى في فلسطين أي تنسيق أو صلة مباشرة، وكانت الظروف تفرض عليها مختلف اشتباكاتها مع العدو الصهيوني، بينما تكتفي اللجنة العسكرية البعيدة بتلقّي أخبارها من آن إلى آخر. ثم إن نصف هذا القسم من فلسطين يقع في المنطقة التي خصّصها التقسيم لليهود. وقد دافع مجاهدوه بأسلحتهم الفردية ببطولة نادرة ضد أكبر كثافة يهودية كانت تتجمع في تل أبيب وفيما حولها طوال أشهر قبل دخول الجيوش العربية التي تركته لليهود يلتهمونه بدلاً من أن تجعل منه قاعدة لضرب الصهاينة في قلبهم.

                    اللواء الجنوبي:

                    يشمل تقريباً قطاع غزة، وكان يقوده المجاهد طارق الأفريقي. وما كانت المقاومة هنا تختلف عن سابقاتها أعلاه سوى أنها كانت ترتبط بمصر بحاجاتها بدلاً من اللجنة العسكرية في دمشق.

                    يافا:

                    بقيادة المقدّم العراقي عادل نجم بمواجهة صهاينة تل أبيب وارتباطها المباشر بدمشق.

                    حيفا:

                    بقيادة الملازم الأردني محمد الحنيطي وارتباطها المباشر بدمشق.

                    نلاحظ إذن أن هذا الشكل في تقسيم المهمات الذي قامت به اللجنة العسكرية قد "فتّت" المقاومة العربية بدلاً من تنظيمها في جملة عسكرية مترابطة متناسقة تتنامى مع مرور الأيام والتجارب. ولا يعود الذنب في ذلك على القيادة العامة لجيش الإنقاذ التي كان على رأسها المشير طه الهاشمي ويعاونه اللواء اسماعيل صفوت والتي فرضت عليها الأنظمة العربية الأمرين التاليين:

                    الأول: إلغاء دور الهيئة العربية العليا في المقاومة، الهيئة التي كان بإمكانها وحدها حشد وتنظيم الشعب الفلسطيني وتطوير مقاومته. وهذا لا يمنع أن يكون دور اللجنة العسكرية للجامعة العربية دور المستشار الفني فقط لتلك الهيئة المحلية. ولكن الأمور جرت على عكس هذا عندما "قطع الرأس" الطبيعي للمقاومة العربية واستعيض عنه برأس مستورد من خارج فلسطين يجهل أمور هذا القطر من كل النواحي الاجتماعية والسياسية والجغرافية والعسكرية.

                    الثاني: تزويد اللجنة العسكرية بإمكانات ضئيلة جداً من كل النواحي البشرية والفنية والتسليح بحيث ما كان بوسعها سوى أن تضع في فلسطين "عقبات" فقط هنا وهناك في وجه الهجمة الصهيونية بدلاً من أن تطور الأمور إلى الدرجة التي تتمكن فيها من توجيه أمواج الجماهير المجاهدة العربية والإسلامية لإغراق أولئك المعتدين القذرين وصدّ من كان ولا يزال يقف وراءهم يساندهم.
                    القناعة كنز لا يفنى

                    تعليق


                    • #55
                      تشكيل وحدات الإنقاذ:

                      ذهبت بناءً على أمر المفتش العام المشير طه الهاشمي إلى معسكر تجمّع وتنظيم وتدريب المجاهدين في قطنا للاطّلاع على أحوالهم وتقديم تقرير حول هذا الأمر إلى المفتشية. لقد كان الازدحام والفوضى ينتشران بشكل واسع هناك لضآلة عدد المدربين والمشرفين وقلة وسائلهم وإمكاناتهم.

                      كانت أمكنة النوم غير كافية، وكان المجاهد لا يحظى، في شهر كانون الأول حينذاك، إلا على بطانية واحدة، بل إنه كان في كثير من الحالات لا يحصل على هذه البطانية فيتدبر أمره كيفما اتفق. أو إنه كان قد استعد لمثل تلك الحالة فحمل من بيته بعض أدوات النوم. وحدّث ولا حرج عن أمور الغذاء السيئ وأمور التدريب وغيره. ولكن المعنويات مع كل هذا كانت مرتفعة جداً، وكان الجميع ينتظرون بصبر فارغ ساعة الانطلاق إلى ساحات الجهاد في فلسطين. وقد رفعت تقريراً كتابياً بما شاهدته إلى المفتشية قرنته بتقرير شفهي إلى المفتش العام واقترحت التدابير التالية:

                      _ السعي لدى الأركان العامة السورية لتوسيع معسكر التدريب بضم أمكنة مجاورة له كانت حينذاك غير مشغولة من قبل الجيش السوري؟

                      _ تحسين أحوال المجاهدين من كل النواحي المادية والروحية والفنية؛

                      _ الإسراع بتشكيل وحدات الجهاد للاستفادة من كادراتها في التنظيم والتدريب؛

                      _ تعويض النقص في الكادرات الفنية المؤلفة من الضباط ومساعديهم من صف الضباط والعساكر الممتهنين بتنظيم المجاهدين، ما أمكن ذلك، على أساس المدن والأحياء التي أتوا منها، وإقامة قيادات شعبية تخرج من صفوفهم، ملائمة ومعترف بها من قبل المجاهدين بالذات لتساعد الكادرات الفنية المذكورة في توطيد النظام وتوحيد مختلف الفئات وزيادة التلاحم فيما بينها، وذلك تشبهاً بجيوش الإسلام الأولى المجاهدة.

                      وكانت المدة التي يقضيها المجاهد في معسكر التدريب في قطنا تتراوح في بادئ الأمر بين الأسبوعين والثلاثة أسابيع. وهذا وقت غير كافٍ أبداً للتدرّب على استخدام السلاح والاستفادة من مزايا الأرض والتغلّب على صعوباتها وغير هذا من الأمور التي لابدّ للمقاتل أن يلمّ بها وأن يتمرن على تنفيذها إفرادياً وضمن الجماعة، بالإضافة إلى ضرورة تهيئته عضوياً بالرياضة مدة كافية ليتمكن من تحمّل مشاق الجهاد. ولكن هل كانت الأنظمة العربية جادّة ومصمّمة على التحرير في تلك الأيام لتقوم باستعداداتها في وقت مناسب بحيث تتمكن من وضع القوات الكافية المدربة في ساحات الجهاد عندما يتطلب الأمر ذلك؟ لقد سبق وقلنا إن الأمر كان بيد المستعمرين الأميركان والإنجليز الذين وضعونا في الحال الذي لا يمكن أن نكون فيه إلا مقصرين في كل النواحي عندما استسلمنا للأنظمة التابعة لهم.

                      وكانت أولى كتائب الإنقاذ التي شكّلت كتيبة النقيب أديب الشيشكلي. وقد ثار جدل كبير حول درجة تسليح هذه الكتيبة. فالمشير طه الهاشمي لقلة الأسلحة والذخائر عنده أمر في البدء أن تقتصر أسلحة الكتيبة على البواريد للأفراد مع مائة طلقة لكل بارودة، وعلى ثلاثة رشيشات إف إم فرنسية عيار 7.5 مم للكتيبة: لكل سرية من سرايا الكتيبة رشيش إف إم واحد مع ألف طلقة. ويضاف رشيش إف إم رابع لفصيل قيادة الكتيبة. وأمر أيضاً أن يزوّد كل مجاهد ببطانية واحدة وبطعام جاف لمدة ثلاثة أيام وبمطرة ماء. وكانت فكرة المشير أن هذه التشكيلة هي تشكيلة مجاهدين يحاربون حرب عصابات خفيفة الحركة فيجب أن لا تثقل بالمعدّات والأسلحة الكثيفة من مختلف العيارات وبالمطابخ وغيره، أما تموينها وإمداداتها فتكون من دمشق ومن المناطق الفلسطينية التي تنشط فيها.

                      ولكن النقيب أديب الشيشكلي رأى أن تعطى الكتيبة كامل أسلحتها النظامية في الجيش الحديث: أن تكون الفئة مثلاً هي الخلية الأولى للكتيبة فتتألف من عناصر يعملون حول رشيش إف إم واحد، وأن تشكّل كل ثلاث فئات قتال فصيلاً، والثلاثة أفصال سرية، والثلاث سرايا كتيبة. وأن يكون لدى قيادة الكتيبة وحدة رشاشات ثقيلة عيار 8 مم، ووحدة هاون 81 مم، ووحدة اتصال سلكي ولاسلكي ومطبخ متنقل وغيره. وأن يكون لكل قيادة سرية فئة قيادة مزوّدة برشيش إف إم إلخ…

                      هنا يتضح أمامنا البون الشاسع بين الصورتين: صورة فقر قيادة الإنقاذ التي ما كان بإمكانها أن تزوّد كتيبة المجاهدين إلا بالبواريد مع أربعة رشيشات فحسب، وصورة كتيبة يطلبها المجاهدون فتتسلح بأكثر من ثلاثين رشيشاً مع هاونات ورشاشات ثقيلة وما يتبع كل هذا من ذخائر وأثقال. وقد ارتفع الجدل بين المفتشية وبين النقيب أديب شيشكلي الذي كان في أثناء ذلك يشتم المفتشية ويتهم القائمين عليها بالخيانة. وكان يسانده سياسيون متنفذون يتزعمون في تلك الأيام المعارضة اليسارية للحكم في سورية، وكان منهم الأستاذ أكرم الحوراني نائب حماة في البرلمان ورفاقه، وقد تطوع كل هؤلاء في كتيبته الآنفة الذكر للجهاد في فلسطين. وأخيراً حسم الخلاف بتوسط القاوقجي، وتم تزويد كل فصيل في الكتيبة برشيش إف إم واحد وتزويد قيادة الكتيبة ببطارية هاون 81 مم وفصيل رشاشات ثقيلة 8 مم. وقد تم تشكيل بقية كتائب قوات الإنقاذ على هذا الأساس وتحمّل الجيشان السوري واللبناني أعباء هذا التسليح كاملة تقريباً. وكانت الأسلحة بشكل عام من طراز فرنسي، وهي أسلحة جيدة وفعّالة.

                      وسعيت لدى كلٍّ من المشير طه الهاشمي والمجاهد فوزي القاوقجي والأركان السورية لتشكيل كتيبة مدفعية تتألف من مدافع غير مستعملة كانت أنواعها كالآتي:

                      _ أربع مدافع أميركية عيار 75 مم ذاتية الحركة، يمكن أن يشكّل منها بطارية مدفعية؛

                      _ مدفعان فرنسيان عيار 75 مم مقطوران، يمكن أن يشكّل منهما فصيل مدفعية؛

                      _ مدفعان فرنسيان عيار 105 مم قصير مقطوران، يمكن أن يشكّل منهما فصيل مدفعية؛

                      _ مقنبلات عيار 75 مم طراز 1870 فرنسيان، يمكن أن يشكّل منهما فصيل مدفعية.

                      ولم أجد صعوبة لدى الجيش السوري في هذا المسعى، وإنما الصعوبة كانت في التغلّب على الرأي الذي كان سائداً في المفتشية والذي رأينا أثره في "تخفيف" تسليح كتائب الإنقاذ التي يجب أن تقوم برأي المفتشية المذكورة بحرب عصابات لا تقيدها الأسلحة الثقيلة. إلا أنه


                      مجاهدو قوات الإنقاذ:


                      ألمحنا أعلاه إلى بعض من جاهد من العرب في صفوف قوات الإنقاذ وفيما يلي نذكر الملامح العامة مع بعض الأسماء للتركيب الاجتماعي العقائدي لهذه القوات. وليس بوسعنا هنا أن نذكر بالاسم كل من اشترك وجاهد في صفوف تلك القوات، كما أن عدم ذكر البعض منهم لا يعني أن ما أدّاه هذا البعض كان أدنى بالثواب مما أدّاه من ذكرناهم أو أشرنا إليهم إشارة واضحة. يكفي العلم بأن هناك المئات العديدة من الشهداء، من الذين لم نأتِ على ذكرهم، للتذكير بصدق جهادهم. وأقول بهذه المناسبة إن معظم قادة وحدات الإنقاذ كانوا في الأساس من العسكريين الذين ثاروا أو دعموا حركات ضد المستعمرين القدامى الفرنسيين والإنجليز. فالسوريون مثلاً, كمأمون البيطار وصلاح البزري وأديب الشيشكلي ومحمد صفا وصلاح الشيشكلي وأنا عفيف البزري, كانوا من عصبة الضباط القوميين العرب التي تشكلت في الجيش السوري في أعقاب معاهدة 1936 السورية الفرنسية. وكان هدف هذه العصبة العمل في كل ظرف مناسب لتحقيق جلاء المستعمرين عن بلاد العرب وتحقيق الوحدة العربية. وكان الضباط المصريون من تلاميذ المجاهد المشهور الفريق عزيز المصري. كما كان الضباط العراقيون من الذين اشتركوا في ثورة رشيد عالي الكيلاني ثم قامت السلطات البريطانية بعدها بمطاردتهم والتنكيل بهم. فالجهاد في فلسطين عام 1948، كما سبق وقلنا، لم يأتِ من عدم وإنما قام في مناخات ثورية تتركز في المنطقة العربية من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها وهي جزء من الغليان العالمي العام في تلك الأزمنة ضد المستعمرين الرأسماليين الاحتكاريين. ولنستعرض بالترتيب فيما يلي مختلف فئات المجاهدين:

                      1- المجاهدون المحليون: الشعب العربي الفلسطيني بكل عقائده.

                      2- كتيبة أديب الشيشكلي:

                      يغلب فيها العنصر الحموي، وخاصة من منتسبي الحزب العربي الاشتراكي بزعامة الأستاذ أكرم الحوراني نائب حماة في البرلمان السوري حينذاك ورئيس هذا البرلمان في دورتيه اللتين سبقتا الوحدة السورية المصرية. وشارك في هذه الكتيبة الأستاذ أحمد حسين زعيم مصر الفتاة مع بعض أتباعه. ولكنه بعد دخوله أرض الجليل سارع بتركها والعودة إلى مصر لينظم له أتباعه في القاهرة استقبالاً حافلاً امتطى فيه سيارة مكشوفة وأخذ يستعرض أفراد حزبه بثيابه الرسمية، ثم ألقى فيهم خطاباً من سيارته تلك تشبّهاً بموسوليني. ولعل تخطيط وإخراج هذا الأمر بهذا الشكل كان بقصد الدعاية لحزب مصر الفتاة، ولكنها كانت دعاية سيئة. فالجماهير المصرية، كغيرها من الجماهير في الأقطار العربية الأخرى، كان همّها حينذاك وشغلها الشاغل إنقاذ الأرض المقدسة من الخطر المحدق بها وذلك بالعمل الجدّي المخلص وليس بالاستعراضات الفارغة. وما كنّا لنشير إلى هذه الحكاية التافهة إلا لأنها نموذج للعديد من أمثالها التي شغل أصحابها أمكنة هامة في صفوف الثورة العربية وكانوا من المسبّبين لتأخر نضج هذه الثورة وتعثّر صعودها إلى طور الحسم مع المستعمرين الجدد الأميركان وخدمهم من قدماء المستعمرين ومن الصهاينة اليهود ومن الرجعيين العرب.

                      وقد دبّت الخلافات العميقة بين الأستاذ أكرم الحوراني وأديب الشيشكلي منذ أيام الجليل تلك على الرغم من القرابة والصداقة اللتين كانتا تربطهما. وقد قال لي الأستاذ الحوراني في مرة من المرات إن أديب كان متردداً وخائر العزيمة وكان ضباط ومسؤولو كتيبته يجهلون في غالب الأحيان مقرّه. وأقول الآن للإنصاف: بعد أن ألغت الأنظمة العربية دور الشعب الفلسطيني في مقاومة الهجمة الصهيونية وأوكلت إلى كتيبة الشيشكلي وحدها مهمة حماية الجليل بكليّته، من البحر الأبيض المتوسط حتى الحدود السورية ومن الحدود اللبنانية حتى سهل حيفا بيسان، فإن هذه الكتيبة ما كان باستطاعتها فعل الشيء الكثير لتنفيذ تلك المهمة الواسعة. ثم إنه كان في هذه الكتيبة من رجال السياسة إلى جانب الأستاذ أكرم بعض رفاقه كالأستاذين المرحومين عبد الكريم زهور وخليل كلاّس، ومن الضباط عبد الحميد السراج وصلاح الشيشكلي والشهيدين فتحي الأتاسي وإحسان كم الماس الذي رويت الأساطير عن شجاعته وبطولته في مهاجمة الصهاينة في مستعمراتهم ومواقعهم وتكبيدهم الخسائر الفادحة إلى أن خرج ذات مرة ولم يعد مع رجاله حيث بقي هناك في بطن ذلك الثرى الطاهر.

                      3- كتيبة محمد صفا: تألفت بغالبيتها من الشباب الحمصي وبينهم عدد من عائلة الأتاسي. وكان قواد السرايا من الضباط العراقيين.

                      4- كتيبة محمد مدلول: مختلطة، يعاونه ضباط عراقيون، ومن سورية الملازم أكرم الديري والمساعد كمال البزري.

                      5- السرية العلوية: التي نمت بما التحق بها من مجاهدي جبل العلويين فأصبحت كتيبة بقيادة الملازم الأول غسان جديد ويساعده جودة الأتاسي وشقيقه المساعد فؤاد جديد.

                      6- السرية الاسماعيلية: بقيادة الملازم الأول سليمان نصر.

                      7- السرية النجدية: تألفت من عسكريين خدموا في قوى البادية السورية والأردنية.

                      8- السرية اليمنية: تألفت من مجاهدين يمنيين كانوا يعملون في مرفأ يافا.

                      9- السرية الشركسية: من شراكسة سورية والأردن ممّن كانت لهم خدمة في جيشي هذين القطرين.

                      10- كتيبة المدفعية: كان فيها مجاهدون من حزب البعث وعسكريون علويون وكانت بقيادتي ويساعدني الملازمون سليمان الحلو وعلي ماجد ونايف العبد الله وفائز القصري ووديع نعمة.

                      11- سرية المصفّحات: من المجاهدين الدروز بقيادة الشهيد فائز حديفة.






                      القناعة كنز لا يفنى

                      تعليق


                      • #56
                        قوات الإنقاذ تدخل فلسطين


                        اجتياز الحدود وانتشار المجاهدين:

                        أوكلت إليّ مفتشية الإنقاذ استطلاع الطريق ونقاط العبور إلى فلسطين لأول كتيبتين من لواء المجاهد فوزي القاوقجي: كتيبة أديب الشيشكلي (فوج اليرموك الأول) وكتيبة محمد صفا (فوج اليرموك الثاني). فذهبت في مطلع كانون الأول عام 1947 برفقة الأستاذين علي ناصر الدين

                        وعلي البزّي لهذا الغرض. ومن البديهي أن يكون الإنجليز والأميركان في تلك الأيام، وبالتالي الصهاينة، على اطّلاع تام بكل تحركاتنا، وذلك بما لهم من هيمنة استعمارية في عالمنا العربي، إلا أنه كان علينا مع ذلك أن نتخذ كل الاحتياطات الأمنية في تصرفاتنا. والأستاذ المجاهد علي ناصر الدين من أهالي بيروت ومن طائفة بني معروف هو أديب ومناضل قومي كبير كانت تربطني به صداقة من أيام تأسيس عصبة العمل القومي في الأعوام التي تلت معاهدة عام 1936 السورية الفرنسية، إذ كان من قادتها وكنت واحداً من مناضليها في مدينة حلب حيث كان والدي يعمل قاضياً هناك. وقد التحق الأستاذ ناصر الدين بقيادة الإنقاذ في جبع وقام بمهمة رئيس دائرة الإعلام فيها، ثم قام بعد ذلك بإدارة إذاعة فلسطين من رام الله عندما ألحقت هذه المنطقة بقيادة فوزي القاوقجي. أما الأستاذ علي بزّي فهو مناضل قومي من أهالي بنت جبيل وقد شغل فيما بعد مناصب هامة في وزارة الخارجية اللبنانية.

                        كان الأستاذان ناصر الدين وبزّي من أصدقاء المرحوم اللواء فؤاد الشهابي قائد الجيش اللبناني حينذاك. فذهبت برفقتهما في البدء لمقابلته وطلب مساعدته لتسهيل مرور كتيبة الشيشكلي عبر الأراضي اللبنانية عند ذهابها لعبور الحدود الفلسطينية. وقد استقبلنا بالترحاب وأصدر أمره بتعيين مفرزة من ست درّاجات نارية للقيام بتلك المهمة. وانطلقنا بعد ذلك إلى منطقة الحدود الشمالية لفلسطين. وفي بنت جبيل جعل الأستاذ علي بزّي بيته قاعدة كنّا ننطلق منها لاستطلاع منطقة الحدود اللبنانية الفلسطينية. وكانت لي معرفة جيدة بالأراضي اللبنانية، وخاصة منها مناطق جبل عامل مع منطقة صفد في الجليل، منذ أيام الحرب العالمية الثانية حيث أجرت كتيبتي العديد من المناورات هناك. وبنتيجة استطلاعنا والاستشارات التي أجريناها مع بعض المجاهدين الفلسطينيين هناك وجدنا أن أفضل منطقة للعبور إلى فلسطين هي المنطقة المحددة بالمحيط التالي: يعرون، رميش، عيتا الشعب، فسوطة، حرفيش، سعسع. واستقر الرأي أخيراً على أن تعبر كتيبة الشيشكلي إلى المنطقة الفلسطينية المحيطة بفسوطة في البدء، ثم تنتشر منها بعد ذلك في أرجاء الجليل. وعدت بعد إتمام الاستطلاع إلى دمشق وقدّمت تقريري إلى المشير طه الهاشمي والقائد فوزي القاوقجي. وفي 8 كانون الأول عام 1947، عند غروب الشمس، استعرض القاوقجي كتيبة الشيشكلي المذكورة في سهل قطنا، ثم تحركت هذه الكتيبة في اتجاه بنت جبيل التي بلغتها وعسكرت في مشارفها في صبيحة اليوم التالي. وبعد استراحة قصيرة ذهبت مع قائد الكتيبة النقيب أديب الشيشكلي وقادة السرايا لإعادة الاستطلاع الآنف الذكر ووضع خطة العبور. وفي المساء تم العبور إلى منطقة فسوطة بدون أي عائق، ثم انتشرت الكتيبة في الجليل بعد ذلك.

                        وفي صباح الواحد والعشرين من كانون الثاني 1948 استعرض القائد فوزي القاوقجي كتيبة الرئيس محمد صفا في معسكرات تدريب المجاهدين في قطنا. وبعد الاستعراض مباشرة توجهت الكتيبة إلى مدينة درعا محمولة بسيارات الجيش السوري فوصلتها في مساء ذلك اليوم. وكان المطر ينهمر بغزارة طوال المسيرة مما جعل تحرّك الآليات على الطريق صعباً بعض الشيء، ولكن الرتل بلغ المدينة المذكورة وعسكر في مشارفها بانتظار الإذن لعبور الحدود الأردنية. فالحال يختلف هنا عمّا صادفناه عند عبورنا الأراضي اللبنانية بكتيبة الشيشكلي إلى فلسطين. فوحدة الأراضي السورية اللبنانية كانت قائمة في ذلك الوقت وإن كان في كل قطر من هذين القطرين حكومته الخاصة به.

                        "فالمصالح المشتركة" كانت قائمة وما كانت هناك مخافر حدود تراقب المرور في هذا الاتجاه أو ذاك. كما أنه ما كان هناك حينذاك أجانب، كالإنجليز في الأردن يشرفون على الكبيرة والصغيرة في لبنان فكان لذلك يكفي الاستئذان من السلطة المسؤولة، وهي قيادة الجيش في حالتنا التي نحن بصددها الآن، وهذا ما حصل كما مرّ معنا أعلاه عندما أوصلنا كتيبة الشيشكلي إلى فلسطين عن طريق لبنان.

                        يقول المجاهد فوزي القاوقجي في مذكراته ما يلي: "…كنت قد تقدمت كتيبة محمد صفا مع اللواء صفوة والعقيد محمود الهندي لنؤمّن مرورها عبر الحدود الأردنية. إذ كان موقف بعض المسؤولين في الشام من طريقة دخولنا إلى فلسطين سبباً من أسباب العقبات التي اعترضت مسيرة فوج محمد صفا إلى فلسطين، تلك العقبات التي لم نتغلب عليها إلا بعد مخابرات ومداولات كثيرة بدأت في درعا. ذلك أنه بعد وصولنا إلى هذه البلدة اتصلت بمحافظ إربد في شرق الأردن ورجوت منه أن يوافيني إلى درعا لأمر هام جداً. وأطلعته على الواقع، وما لبث أن اتصل برئيس الوزارة الأردنية وبسط له الحال فقال إنه يأسف لاضطراره رفض السماح للكتيبة


                        ضباط إنجليز تجار للأسلحة:

                        قضينا شهر آذار في الانتشار والتمركز في المثلث جنين ـ نابلس ـ طول كرم، وفي الاستطلاعات حول هذه المنطقة وداخلها. وقد وضعت بناءً على طلب القائد فوزي القاوقجي بطارية المدافع ذاتية الحركة بقيادة علي ماجد تحت تصرف النقيب محمد صفا في جنين، وأبقيت في جبع بقية كتيبة المدفعية. وفي هذا الشهر قامت سرية الملازم الأول غسان جديد بعملية جريئة قادها النقيب صلاح الدين البزري وساعده فيها الضباط: زياد الأتاسي وعدنان الجراح وابراهيم فرهود وحازم الخالدي وكمال البزري وغسان جديد وجودة أتاسي وفؤاد جديد. ونحن نورد ذكر هذه العملية فيما يلي لنبيّن الأمور الهامة التالية:

                        تصميم عسكريينا واستعدادهم لبذل أرواحهم في سبيل الوطن الغالي فلسطين، ثم تعاون العسكريين العرب وسهرهم على سلامة بعضهم بعضاً في ظروف التقسيم الاستعماري لجيوشهم، ولنبيّن أن الصهاينة كانوا حينذاك يرتعبون من العساكر الأردنية حينما يكون هؤلاء العساكر بقيادة ضباطهم الأردنيين وليس الإنجليز. ففي منتصف كانون الثاني من عام 1948 اتصل الكولونيل البريطاني غور، وكان يشغل وظيفة المساعد الإداري لقائد المعسكرات والمستودعات الواقعة حينذاك في جنوب حيفا، بالسلطات السورية وعرض عليها تسهيل الاستيلاء على مستودعات الذخيرة هناك ونقلها إلى منطقة يسيطر عليها العرب في فلسطين، وذلك لقاء نصف مليون جنيه استرليني تدفع له في نهاية العملية. وقد وافقت السلطات السورية على هذا العرض تحت ضغط الحاجة الملحّة إلى السلاح في تلك الظروف وعيّنت الضباط المارّ ذكرهم أعلاه للقيام بتلك المهمة. وتوجه هؤلاء العسكريون، عدا غسان جديد وسريته التي كانت جزءاً من قوات المجاهد فوزي القاوقجي، إلى حيفا وهم يرتدون الثياب المدنية ضمن ركب نيافة المطران حكيم (البطريرك حالياً) الذي أوصلهم إلى مقر كتيبة أردنية كان يقودها الرائد المجاهد إدريس سلطان ويعاونه النقيب المجاهد محمود الموسى ليكونوا بضيافة هذه الكتيبة. ولابدّ هنا من التنويه بشجاعة ونجدة هذين الضابطين العربيين وتفانيهما في تقديم المساعدة إلى إخوانهم السوريين في تلك المحاولة. والنقيب محمود الموسى كان فيما بعد من أبطال المقاومة في القدس وتميز على الأخص في المعارك التي أدّت إلى القضاء على العدو الصهيوني في حيّ اليهود في القدس القديمة. وفي عام 1957 كان رئيساً لمخابرات الجيش الأردني برتبة عقيد ورئيساً أيضاً لمنظمة ضباط تقاوم المؤامرات الاستعمارية الأميركية التي ما كانت تنقطع في تلك الأيام للإطاحة بالأنظمة الوطنية والمؤسسات الديموقراطية في المنطقة. وقد اضطره انقلاب الزرقاء الأميركي إلى اللجوء إلى سورية، مع عشرات المجاهدين الأردنيين الآخرين، فمكث في المنفى نحو عشر سنوات.

                        ويصف العميد صلاح الدين البزري حيفا في تلك الأيام فيقول: "كان الصهاينة يسيطرون على مداخل المدينة. فالقسم العربي كان محصوراً شمالاً بين شارع الملوك الممتد على طول منطقة المرفأ ويسيطر عليه الصهاينة وجنوباً بين هادار الكرمل المبني على سفح جبل الكرمل المطل على حيفا ومينائها. ومدخل المدينة الشرقي يتحكم فيه سوق الخضار الواقع في أقصى شمال شرقي الهادار. وفي الواقع كان سوق الخضار هذا عبارة عن حصن كثيف التسليح بناه الصهاينة للتحكم بالمدخل الشرقي للمدينة وهو الممر الذي يمكن أن ترد إليه النجدات العربية. أما مدخل حيفا الجنوبي فكان يمر بحي يهودي يقع على بعد كيلومتر من المدينة وفيه مركز للشرطة وتسيطر عليه المطحنة الواقعة على طريق الهادار وقد بناها الصهاينة لتكون حصناً من حصونهم. وبكل هذا نجد أن مدينة حيفا كانت مطوّقة بمواقع الصهاينة بالإضافة إلى مستعمراتهم التي كانت تحيط بها بكثافة". انتهى قول العميد صلاح الدين البزري.

                        قضى الضباط المذكورون آنفاً مدة أسبوعين يستطلعون المدينة والمعسكرات الإنجليزية ومختلف المنافذ والطرقات ويجمعون مختلف المعلومات. ثم إن قائد العملية النقيب صلاح الدين البزري توجه إلى جبع بعد إتمام عمليات الاستطلاع ليطلب العون العسكري من القائد فوزي القاوقجي الذي قرر إرسال سرية غسان جديد لإتمام عملية الأسلحة المذكورة. وكان الوصول إلى حيفا من جنين عبر كل المستعمرات الصهيونية يشكّل عملية في غاية الدقّة والخطورة. لذلك تنكر عسكريو السرية بالزيّ الأردني ووضعوا شارات الجيش الأردني على السيارات التي أعطيت لهم لتحملهم. ثم إن السرية اتجهت من جنين إلى حيفا واجتازت كل مستعمرات الصهاينة وحواجزها وقد تحلّى كل أفرادها وضباطها بمعنويات عالية وانضباط مثالي مع ضبط شديد للنفس. ووصل الرتل إلى مداخل حيفا الشرقية حيث فوجئت بنار كثيفة من رشاشات صهيونية كانت متمركزة في سوق الخضار المارّ ذكره أعلاه. فهرع جنودها إلى اتخاذ تشكيلة القتال. ولكنهم ما لبثوا أن رأوا وسمعوا دويّ انفجارات قنابل تنهال على الصهاينة الكامنين في السوق المذكورة.

                        لقد كان النقيب البطل محمود الموسى كامناً بسريته هناك بانتظار النقيب صلاح الدين البزري مع سرية غسان جديد. وعندما تعرّض الصهاينة للسرية انهال عليهم بقنابل مصفحاته وأسكت نيرانهم ومكّنها من المرور. ثم استمرت العملية إلى يوم 21/3/1948 حيث توجهت إلى مستودعات الذخيرة في المعسكرات الإنجليزية تلك القوة السورية تدعمها كتيبة الرائد المجاهد إدريس سلطان الأردنية. وتقدمت طليعة القوة، وكانت تتألف كلها من الضباط السوريين المارّ ذكرهم أعلاه وفتحت ثغرة في الشرطان الشائكة للمعسكر ثم اتجهت نحو المستودعات لتقوم بالاستطلاع الأخير لها ففوجئت بوجود حرس كثيف حولها وبدوريات معزّزة تتوالى بدون انقطاع. وتبيّن أن الأمر قد افتضح وأصبح من المستحيل الحصول على تلك الذخائر دون خوض معركة غير متكافئة مع الإنجليز والصهاينة. فاتخذ النقيب صلاح الدين البزري قراره بالتخلّي عن العملية والانسحاب. ثم إن القوة السورية خرجت من حيفا بمؤازرة الأشقّاء الأردنيين دون أن تصاب بأي خسائر في الأنفس.
                        القناعة كنز لا يفنى

                        تعليق


                        • #57
                          عمليات قوات الإنقاذ

                          قوات الإنقاذ تقف على الدفاع:

                          قلنا في فصل سابق من هذه الدراسة إن العرب كانوا في عام 1948 يحيطون باليهود من كل جهة ويتحكمون بالطرق التي تصل بين مختلف بؤر كثافتهم. كما أن المدن العربية والقرى العربية في معظمها كانت تعطي إمكانات جيدة للدفاع بالإضافة إلى أن العرب كانوا يسيطرون على كل المرتفعات والوعرات على اختلافها في فلسطين الأمر الذي كان بالإمكان أن يتيح لهم إقامة جملة دفاعية متماسكة تجعلهم يقاومون الغزوة الصهيونية مقاومة مثمرة تنتهي بهزيمتها وسحقها. وكان الصهاينة من الجهة الثانية ينتشرون في مستعمراتهم التي جعلوا من كل واحدة منها حصناً دفاعياً. وكانت لهم منظماتهم العسكرية وفي مقدمتها الهاغانا التي انقلبت فيما بعد إلى المؤسسة

                          العسكرية الإسرائيلية. ويمكن تقدير حجم قواهم العسكرية بالنسبة إلى تعدادهم في فلسطين الذي ما تجاوز حينذاك الستمائة ألف نسمة بنحو ستين ألف مقاتل على أكبر تقدير. ولكنه كان عليهم تخصيص جزء هام من هذا العدد للدفاع المحلي، أي للدفاع عن كل مستعمرة من مستعمراتهم. ونحن بالاستناد إلى مشاهداتنا في حرب 1948، وبغضّ النظر عن مبالغات الصهاينة بقصد التبجح والدعاية ومبالغات بعض العرب المنبهرين بعالم المستعمرين، نقدر حجم قواتهم المتحركة الضاربة حينذاك بمقدار لا يزيد عن الثلاثين ألف مقاتل كان عليهم توزيعها بحسب توزّع كثافة مستعمراتهم في فلسطين وتحكّم العرب بطرق الاتصال بين مختلف أماكن توضّعهم فيخصصوا مثلاً نحو الثلثين من الحجم المذكور، أي نحو عشرين ألف مقاتل، لمناطق القدس، تل أبيب، حيفا، مرج ابن عامر، والباقي، وهو نحو عشرة آلاف مقاتل، لمنطقة الجليل تجاه سورية ولبنان. وقد كان أقصى ما حشده الصهاينة من قوتهم المتحركة الضاربة ضد قوات الإنقاذ لا يتجاوز اللواء الذي تقاتل كل كتيبة من كتائبه وكل سرية من سراياه بشكل مستقل في عدد من مواقع منطقة معينة، في منطقة باب الواد مثلاً. وبشكل عام كانوا يخوضون المعارك مع قوات الإنقاذ بكتيبة فما دون، وقد مرّ معنا في هذه الدراسة الكيفية التي توزعت بها قوات الإنقاذ في فلسطين. فرأينا مثلاً أن لواء القاوقجي انتشر من الجليل إلى منطقة جنين، نابلس، طول كرم، وكان تعداده لا يتجاوز الثلاثة آلاف مقاتل منها خمسمائة مقاتل للجليل فقط. وكان ما خصّص للدفاع عن المدن كحيفا ويافا والقدس من قوات الإنقاذ لا يتجاوز بحجمه الكتيبة. فنستخلص من هذه الصورة أن قوات الإنقاذ كانت مجمّدة بمهام الدفاعات المحلية وما كان بمقدورها أن توفر أي قوة متحركة ضاربة ذات شأن وجدوى في هدف السير مثلاً لاجتياح منطقة مستعمرات صهيونية أو لمنازلة قوة ضاربة عدوّة تتجاوز بحجمها اللواء خارج مناطقها الدفاعية: لقد تمكنّا من إيقاع الهزيمة بكل محاولات الصهاينة لفتح ممرات باب الواد إلى القدس، كما تمكنّا من طرد العدو من موقع المالكية على الحدود اللبنانية، إلا أننا في باب الواد كنّا نقوم بحرب دفاعية في منطقة ملائمة، بينما توفرت لدينا في المالكية قوات كافية تتألف من لواء الإنقاذ بكليته تقريباً مع قوات سورية ولبنانية هامة. والخلاصة كانت قوات الإنقاذ بضآلتها وارتباطها الشديد بمواقعها الدفاعية وفقدان الاحتياطي المتحرك الضارب فيها الذي توجهه قيادة ميدانية واحدة مجموعة قوى مفكّكة لا يجمعها رابط يجعل منها جملة مادية واحدة. أما الشعب الفلسطيني، فقد مرّ معنا وقلنا في هذه الدراسة أنه أُخرج من ساحة المعركة التي هي معركة مصيره عندما مُنعت الهيئة العربية العليا برئاسة الحاج أمين الحسيني من ممارسة قيادته حينذاك. فلم يبق في الصورة كلها إذن في البدء قبل دخول الجيوش العربية سوى قوات الإنقاذ من جهة ثم الصهاينة وقواتهم من جهة أخرى.

                          يقول المجاهد فوزي القاوقجي في مذكراته ما يلي: "في الثاني من شهر شباط 1948 وصل إلى دمشق سماحة المفتي الحاج أمين الحسيني لأمور تتعلق بما كان يجري في فلسطين… وكان اللواء اسماعيل صفوة قد أخذ من سماحته في القاهرة تعهداً مكتوباً بواسطة الجامعة العربية بأنه لن يتدخل في أمور القيادة والحركات العسكرية مطلقاً، ومع ذلك فإن أول شيء طلبه في الاجتماع الذي انعقد في القصر الجمهوري في دمشق في 5 شباط 1948 تعيين ممثلين له "في قيادة فلسطين العامة، وفي قيادة جيش الإنقاذ، وفي كل قطاع من منطقة هذا الجيش. وكان أن ردّ المجتمعون هذا الطلب لأنهم وجدوا فيه فرضاً صارخاً لهيمنة الهيئة العربية العليا". والواقع نرى نحن اليوم أن المفتي طيّب الله ثراه كان متساهلاً جداً في طلبه هذا إلى حدّ التفريط. وما كان له أيضاً أن يقبل بضغط الجامعة العربية ليوقّع على التعهّد الآنف الذكر بعدم التدخل في أمور الدفاع عن بلده. ففلسطين قطر من أقطار الوطن العربي وكانت تمثله الهيئة العربية العليا حينذاك باعتراف العرب جميعاً فعلى هذه الهيئة إذن أن تقود كفاح شعبه ضد الصهاينة وضد من يقف وراءهم، المستعمرين الإنجليز والأميركان.


                          معركة مشمار هاعمك:

                          في مطلع شهر نيسان عام 1948 تلقيت أمراً من القائد فوزي القاوقجي بإعداد كتيبة المدفعية للاشتراك بهجوم على مشمار هاعمك. وتقع هذه المستعمرة، على بعد خمسة وعشرين كيلومتراً من جنين على طريق حيفا، في مدخل وادٍ صغير بين قريتين عربيتين مشرفتين عليها: غبيّات الفوقا الأقرب إلى جنين، وغبيّات التحتا الأقرب إلى حيفا. وكان علينا أن نعوّل على معطيات الخارطة في استطلاعاتنا وحساباتنا الطبوغرافية فلا نمرّ على الأرض إلا مروراً سريعاً عابراً كي لا نلفت الأنظار وننبّه العدو إلى أننا نهيئ لعملية ضده. وفي اليوم الرابع من نيسان 1948، وكان يوم سبت، تحرّكت قواتنا لتأخذ مواقع انطلاقها للهجوم على المستعمرة. وقد اتخذت لذلك كل إجراءات الأمن والسريّة لتكون مفاجأة العدو تامة. فعزلت منطقة المستعمرة تماماً عن بقية المناطق المحيطة بها بمنع الحركة على الطرقات والخروج من القرى. واتّبعت وحدات الإنقاذ بسيرها إلى مواقع القتال طرقاً داخلية بعيدة عن رصد العدو المباشر. وكانت هذه الوحدات تتألف من كتيبة مشاة بقيادة المقدّم العراقي مهدي وأربع مصفّحات بقيادة الملازم فائز حديفة وكتيبة مدفعية تتألف من: أربعة مدافع 75 مم ذاتية الحركة، ومدفعين 75 مم مقطورين، ومدفعين 105 مم مقطورين، ومقنبلتين من عيار 75 مم محمولتين.

                          وضعنا مرصدنا في قرية غبيّات الفوقا التي كانت (قبل أن يزيلها الصهاينة من الوجود كما أزالوا أختها وشردوا أهلها قبل عمليتنا ببضعة أسابيع) على مرتفع مشرف يبعد نحو ثلاثة أرباع الكيلومتر عن حدود المستعمرة. وربضت المدفعية في سهل ضيق يقع إلى يسار هذا المرتفع وخلفه، بينما وقفت المصفّحات على مدخل السهل قرب الطريق المؤدي إلى حيفا على بعد كيلومترين تقريباً من المستعمرة، وانتشرت سرية من كتيبة المشاة بين مرتفع غبيّات الفوقا والمستعمرة قبيل الساعة الخامسة التي حددها القائد لبدء الهجوم، أما بقية الكتيبة فقد وُزِّعَت على الطرق المؤدية إلى المستعمرة لمشاغلة النجدات التي قد تهرع لمساعدتها. ثم إن القائد فوزي القاوقجي صعد إلى المرصد مع أركانه في الساعة الخامسة إلا الربع. وكنا نرصد المستعمرة ونرى شبّانها يمارسون ألعابهم ليوم السبت وهم غافلون تماماً عمّا يدور حولهم من ترتيبات لمهاجمة المستعمرة. فقد كان تقدمنا إلى مواقعنا في غاية الإتقان في نظامه وسرِّيته. وفي الساعة الخامسة إلا دقيقة واحدة تقدمت إلى القائد فوزي القاوقجي وقلت له إن كتيبة المدفعية جاهزة للرمي، فأمرني بفتح النار. وكان عامل الهاتف ينتظر إشارتي لينقلها إلى الملازم علي ماجد ضابط الرمي في مربض المدفعية، فأعطيته الإشارة، فإذا بجحيم من النيران ينصبّ على الصهاينة الذين راحوا يتراكضون في كل اتجاه.

                          يقول القائد فوزي القاوقجي في مذكراته حول هذا الهجوم ما يلي: "ما كاد عقربا الساعة في يدي يدلاّن على الخامسة، حتى أصدرت أوامر للمدفعية ففغرت أفواهها دفعة واحدة وراحت تصبّ نيرانها على الأهداف الرئيسية التي عيّنت لها، لا تخطئ هدفاً، وأهل المستعمرة مأخوذين بالمفاجأة الرهيبة، ثم أخذوا يتراكضون في أنحاء المستعمرة على غير هدى. وتقدمت سرية المشاة بحماية نيران مدفعيتنا إلى الأسلاك الشائكة وفتحت فيها الثغرات، كما وصلت مصفّحاتنا إلى أبواب المستعمرة وأخذت تصلي أبراجها التي في مواجهتها بنيران رشاشاتها. ولم يحارب الصهاينة في البداية إلا من هذه الأبراج وبنار ضئيلة مرتبكة وتمركز قصف المدفعية على القلاع. حتى إذا ما قارب مشاتنا هذه القلاع في تقدمهم في شوارع المستعمرة تدعمهم مصفحاتنا أعطيت الإشارة لوقف القصف…". انتهى قول القائد فوزي القاوقجي.

                          سكتت المدفعية وخيّم سكون ثقيل على المنطقة كانت تعكره طلقات بواريد سرية الإنقاذ والصليات المتقطعة لرشاشات مصفحات الملازم فائز حديفة التي كانت تروح وتجيء هنا وهناك في شوارع المستعمرة. وأخذ المطر في النزول مع غياب الشمس واقتراب ظلمة الليل. وفي نحو الساعة السادسة أصدر القائد فوزي القاوقجي أمره بإنهاء العملية وانسحاب مشاتنا من المستعمرة للتمركز قبالتها في المواقع المشرفة عليها، على أن تبقى مدافعنا مسلطة عليها وتبقى مصفحاتنا تراقب مداخلها. وقد جرى نقاش ساخن بين القائد وضابط ركنه النقيب مأمون البيطار الذي اعترض على أمر الانسحاب وطالب بإكمال العملية وإزالة المستعمرة وأسر سكانها. ولكن القائد أصرّ على تنفيذ الأمر الذي أصدره وقال إن العملية قد انتهت وإن المستعمرة بحكم الساقطة والدرس المستفاد حاصل ولا لزوم لخوض معركة كبيرة لم نكن متهيئين لها عندما ستأتي نجدات الصهاينة لاسترداد المستعمرة.

                          والواقع، إن مستعمرة مشمار هاعمك لم تصمد في تلك الأمسية لهجوم قوات الإنقاذ وقد وقعت فيها خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، في الوقت الذي لم يصب فيه أيٍّ من مجاهدينا بخدش. وكان الهجوم عليها من الناحية النظرية يمثل اتجاهاً صحيحاً في صراعنا مع الصهاينة فيما لو كانت لدينا حينذاك القوات الكافية والوسائل. فمنها كان بالإمكان أن يبدأ زحف عربي للوصول إلى الميناء العربي الهام حيفا، مع الاتصال بالناصرة في الجليل، وبالتالي تمزيق شمل الصهاينة في مرج ابن عامر وفصل أرهاطهم في جنوب فلسطين عن تلك التي في شمال فلسطين ثم القضاء عليهم جميعاً. ومعركة تلك الأمسية، كبقية معارك الإنقاذ حينذاك، بيّنت بجلاء ما يمكن أن تنجزه القوات العربية في ظروف مادية لا يشوبها التآمر مع المستعمرين. ولكن القوات التي استطاع القائد فوزي القاوقجي أن يوفرها لتلك المعركة ما كانت كافية أبداً لتلك المهمة الستراتيجية الكبيرة. وفي مذكرات القائد إشارة واضحة إلى هذا الأمر فنقرأ مثلاً قوله التالي: "..إن مجموع القوة التي استطعت أن أحشدها لمعركة مشمار هذه كانت حوالي 500 جندي، اشترك منها في الهجوم سرية واحدة، أي ما لا يزيد على مائة وعشرين مجاهداً، وكنت أتوقع أن تصل حتماً نجدات يهودية كثيرة لإنقاذ المستعمرة وما كان لديّ من القوات ما أواجهها به".

                          أما أن المستعمرة كانت بحكم الساقطة فإن صورة فوتوغرافية نشرتها مجلة المصوّر المصرية في عددها الصادرة في ذلك التاريخ تبيّن بجلاء هذا الأمر. ففي هذه الصورة يظهر قائدا المصفحات والمدفعية (المرحوم فائز حديفة وأنا) وقد أحاط كل واحد منهما كتفي الآخر بذراعه أمام مصفحة على باب المستعمرة. فما كان بالإمكان قيام هذا الأمر لو لم تكن المستعمرة قد سقطت. ثم إن الصهاينة أرسلوا في اليوم التالي مندوباً عنهم برفقة ضباط بريطانيين لمفاوضة المقدّم مهدي الذي عيّنه القائد مسؤولاً عن الجبهة هناك. وكان غرضهم المطاولة ريثما تصل النجدات إليهم. وهذا أمر على غاية الأهمية إذ يدلّ بوضوح على عدم توفر الاحتياطي الصهيوني في المنطقة للتدخّل الآني حينذاك. وبالتالي يبرز بجلاء مدى التقصير العربي الذي ضيّع فرصة لا تعوّض كان بالإمكان اهتبالها لتنظيف ذلك المحور والوصول إلى المدينة الهامة حيفا وتمزيق شمل الصهاينة في مرج ابن عامر. أما البريطانيون فكانوا حينذاك منهمكين في عمليات الانسحاب من فلسطين وكان من الصعب جداً عليهم أن يبالغوا في انحيازهم إلى الصهاينة إلى درجة خوضهم المعارك الحربية الطويلة الأمد عنهم: ما كانوا على كل حال بحاجة إلى هذا الأمر لتحقيق ما خطّطوه فقد كان لديهم أنظمتنا العربية التي وفرت لهم ظروف إنجاح خططهم الاستعمارية.


                          معركة القسطل:

                          يقول بن غوريون في "بعث إسرائيل ومصيرها" ما يلي: " ما أن أطلّ شهر نيسان 1948 حتى كانت حربنا الاستقلالية قد تحولت بصورة حاسمة من الدفاع إلى الهجوم. لقد بدأت عملية نخشون باحتلال الطريق المؤدية إلى القدس حيث نقف الآن وكذلك بيت محيسير وتوّجت باحتلال القسطل التلّة الحصينة قرب القدس". إن هذا الإرهابي الذي اتخذ منه الصهاينة نبيّاً لهم يكذب في كلمته هذه ويتبجح كعادته. فالعالم كله يعرف أن عملية نخشون لفك الحصار عن القدس في مطلع نيسان 1948 قد هزمتها المقاومة العربية شرّ هزيمة وبقي طريق باب الواد إلى المدينة المقدسة مغلقاً إلى ما بعد دخول الجيوش العربية إلى فلسطين. ولكننا نستخلص بسهولة من هذه الكلمة أن قيام قوات الإنقاذ بالهجوم على مشمار هاعمك في مطلع الشهر المذكور أصاب بالشلل عملية نخشون المذكورة عندما أجبر الصهاينة على الامتناع عن زجّ احتياطيهم في منطقة تل أبيب ـ حيفا في تلك العملية لمحاولة فتح الطريق إلى القدس اعتباراً من سهل عمواس ومدخل باب الواد بالإضافة إلى هجومهم الفاشل على قرية القسطل مفتاح الطريق المذكور من جهة المدينة المقدسة بقواتهم المتوفرة في هذه المدينة: لقد قاموا بهذه المحاولة بالذات في أكثر من مرة وخاصة في شهر أيار قبيل مجيء الجيوش العربية فحاولوا فتح الطريق المذكور من مدخله الأول اعتباراً من القدس ومن مدخله الثاني في باب الواد من جهة تل أبيب، وسنأتي على ذكر صور من هذه المعارك فيما يلي من البحث. فالصهاينة اضطروا إلى إشغال احتياطيهم الخارجي المذكور أعلاه في ردّ الهجوم العربي على مشمار هاعمك وفي عمليات الهجوم الكبيرة التي شنّوها في مختلف الجبهات المحيطة بقوات القاوقجي في المثلث جنين، نابلس، طول كرم.

                          نقول إذن إننا عندما هاجمنا مستعمرة مشمار هاعمك كان الصهاينة منهمكين في الهجوم على القدس القديمة لتصفية قوات الجهاد المقدس التي كان يقودها المجاهد عبد القادر الحسيني وفي محاولة فك الحصار المضروب عليهم بفتح الطريق إلى تل أبيب. وكان أن ذهب المرحوم الحسيني إلى دمشق يطلب عبثاً المدد بالسلاح والذخيرة. وفي أثناء ذلك بلغه سقوط القسطل بيد الصهاينة، وهو الموقع الهام الذي يتحكم بمدخل المدينة المقدسة من الطريق الشهير الآنف الذكر. فأسرع بالعودة إلى القدس للعمل على استرداد هذا الموقع فاستشهد وهو على رأس سرية من المجاهدين في تلك العملية.

                          وكانت الجامعة العربية، تحت ضغط المستعمرين عن طريق الأنظمة العربية العميلة، قد تبنّت سياسة فصل القيادات الميدانية بعضها عن بعضها الآخر. فقد تلقى القائد فوزي القاوقجي مثلاً قبل دخوله فلسطين تعليمات مشددة من مفتشية الإنقاذ بعدم التدخل بأي شكل من الأشكال في شؤون الجهاد المقدس الموالي للحاج أمين الحسيني والمدافع عن منطقة القدس، وذلك بحجة تجنب الاحتكاك بين المفتي والقاوقجي، وهذه كما هو واضح حجة خبيثة الغاية منها إضعاف الدفاعات العربية.

                          إن وطنية هذين القائدين المجاهدين كانت في الواقع أقوى من أن تؤثر فيها خلافاتهما الشخصية. ففي مساء السابع من نيسان عام 1948 مثلاً وفد على مقر القائد فوزي القاوقجي في جبع النقيب العراقي فاضل العبد الله آمر حامية القدس من قبل مفتشية الإنقاذ مع نفر من قادة الجهاد المقدس طالبين المدد بالسلاح والرجال. وكان هذا الوفد قد أتى لطلب المدد هنا بموافقة عبد القادر الحسيني الذي كان حينذاك عائداً من دمشق لتوّه بعد أن يئس هناك من الحصول على أيّة مساعدة لردّ الهجمة الشرسة للصهاينة على المدينة المقدسة. وقد استجاب القاوقجي حالاً لطلب الوفد المذكور وأمر بتشكيل رتل يقوده ضابط ركنه النقيب مأمون البيطار ويتألف من سرية مشاة وثلاثة أفصال مدفعية ومصفحتين، وقد سحبت كل هذه القوات من جبهة مشمار هاعمك الساخنة. وكانت التعليمات تقضي بانضمام سرية المشاة مع فصيل المقنبلتين 75 مم إلى حامية القدس، بينما يقوم ما بقي من المدفعية، وهو فصيل 75 مم مقطور وفصيل 105 مم مقطور مع المصفحتين بمساندة الهجوم المعاكس الذي كان يقوده عبد القادر الحسيني في القسطل. ولكن هذا المجاهد البطل استشهد أثناء سير النجدة المذكورة إليه.

                          وقد توليت بنفسي قيادة فصيلي المدفعية الآنفي الذكر لمساندة ذلك الهجوم المعاكس للجهاد المقدس لاسترداد القسطل وطرد الصهاينة منها. وعند وصولنا إلى سفح مرتفع قرية "بدو" المشرفة على القسطل والقدس بعد ظهر الثامن من نيسان 1948 اعترضتنا صعوبة استحالة صعود السيارات قاطرة المدافع وحاملة الذخائر إلى ذلك المرتفع لوعورة الطريق. وكان علينا الاستعجال بوضع المدافع في مرابضها لندخل المعركة بأسرع وقت ممكن. عندئذ اتخذت قراراً بترك فصيل الـ 75 مم في السفح ريثما يتم تعبيد الطريق إلى المرتفع وبفك مدفعي الـ 105 مم، كل مدفع إلى أربع قطع، وحمل هذه القطع مع الذخائر على سواعد الرجال.

                          لقد كان رائعاً ذلك المنظر لأهل النجدة من الرجال والنساء والصبية أهل تلك الديرة مع عساكرنا المجاهدين الذين انقضوا جميعاً على تلك الأثقال الفادحة، أجزاء المدفعين والذخيرة، فحملوها وصعدوا بها إلى أعلى المرتفع بسرعة البرق. ثم إنهم عادوا جميعاً إلى الطريق وعبّدوه ونظّفوه ليصبح صالحاً لتقدّم السيارات عليه. لقد كنت في المربض على مرتفع "بدو" في أقل من ساعتين مع فصيل 105 مم وذخائره جاهزاً للرمي على القسطل ومستعمرة مودسا التي ما كانت سوى حيّ شرقي لها. وفتحت النيران قبيل الساعة الخامسة على الأهداف التي عيّنت لي، فصعق الصهاينة الذين فوجئوا تماماً بحضور مدفعيتنا. وصمتت رشاشاتهم التي كانت تلعلع عند وصولنا، فما كنّا نسمع ونشاهد سوى انفجار قنابلنا على رؤوسهم وبينهم. ولم تغرب شمس ذلك اليوم حتى كان الصهاينة يلوذون بالفرار ويقوم الجهاد المقدس باستعادة القسطل. وعند غروب الشمس كان الطريق إلى مرتفع "بدو" صالحاً لصعود السيارات، فوصل فصيل الـ 75 مم وربض إلى جانب شقيقه الـ 105 مم، ووصلت كل الذخائر، وبتنا ليلتنا في مربض


                          تكسّر هجمات الصهاينة النيسانية:


                          قلنا أعلاه إن العرب في فلسطين قبل مجيء جيوش أنظمتهم كانوا يسيطرون تماماً على طرق مواصلات العدو الصهيوني بين مختلف كثافاته المنتشرة من النقب جنوباً حتى الحدود السورية واللبنانية شمالاً، ومن البحر غرباً حتى الحدود الأردنية شرقاً: كانت مواقعه الهامة كلها تحت تهديد مدافعنا وفي كثير من الأحيان تحت تهديد رشاشاتنا. لذلك كان مخطط الصهاينة في فترة عمليات قوات الإنقاذ قبل الخامس عشر من أيار 1948، أي قبل دخول الجيوش العربية إلى فلسطين، توسيع منافذ الاتصال بين مختلف مناطق توضعهم مع الاستيلاء على بعض المدن الهامة إن أمكن كصفد وعكا وبيسان وحيفا واللد والرملة والقدس. وقلنا إن الجامعة العربية بترتيباتها التي اتخذتها تحت تأثير المستعمرين الإنجليز والأميركان عبر الأنظمة العربية حرمت الشعب الفلسطيني المتفوق عددياً على الصهاينة بنسبة اثنين إلى واحد من الاستفادة من ميزته هذه ومن مزاياه الأخرى المشار إليها أعلاه لحسم المعركة لصالحه. فلم يكن لدينا، بعد تجميد هذا الشعب الفلسطيني مع التقصير في حشد القوى العربية والإسلامية لتشكيل قوى إنقاذ كافية، ما يمكنّا من استثمار مواقعنا وتفوقنا المادي والمعنوي لتقويض الكيان الصهيوني بعد إلحاق الهزيمة بمخططه الآنف الذكر. فكانت، كما أشرنا إليه أعلاه، قوات الإنقاذ لقلّتها وضعف وسائلها مكلّسة في مناطقها الدفاعية، وإلى جانبها الشعب الفلسطيني مجمّد بحكم الوصاية المفروضة عليه: إن السلطات البريطانية أعطت، كما رأينا أعلاه، مهمة حفظ الأمن في المناطق العربية لقوات الإنقاذ، أي إن هذه القوات بدلاً من أن تكون رديفاً وقوة ضاربة بيد قيادة فلسطينية تعمل في الميدان (وليس من مكان بعيد كما كان حال المفتشية عندما كانت تقود الإنقاذ من دمشق) نقول إن هذه القوات تكلّست بوضع الدفاع وبمهام "حكم" المناطق التي أتت إليها.

                          كانت الظروف مثالية بالنسبة إلى الصهاينة ليحقّقوا مخططهم الآنف الذكر بكليته، ومع ذلك، وعلى الرغم من تبجحاتهم ومن إرجاف الجهلة وأصحاب الغايات من العرب، فإنهم فشلوا في تحقيق جوانب هامة منه يأتي في مقدمتها فكّ الحصار العربي عن مدينة القدس اليهودية وبقاء كل مواصلاتهم في متناول الأسلحة العربية، ولم يغيّر استيلاؤهم على صفد وحيفا ويافا وبيسان شيئاً كثيراً من الصورة العامة للوضع هناك، فبقي بإمكان العرب، لو كانت تحكمهم أنظمة ثورية وطنية، أن يحسموا الأمر لصالحهم بتمزيق كيان الصهاينة بما كان يتيسر لديهم من قوى في تلك الأيام. ولكن الطريق الصحيح المضمون كان وما يزال أبداً تسليم الأمر للشعب الفلسطيني ليكون الطليعة في ثورة العرب للخلاص من النظام الهمجي الرأسمالي العالمي.

                          قام الصهاينة من العاشر من شهر نيسان حتى أوائل أيار من عام 1948 بسلسلة متصلة من الهجمات الشرسة امتدت من زرعين شمالاً إلى قلقيلية جنوباً، مروراً بمنطقة اللجون ـ عارة. أما منطقة القدس ـ باب الواد فلم تهدأ فيها محاولاتهم طوال وجود قوات الإنقاذ لفتح الطريق إلى تل أبيب وكسر طوق الحصار العربي للقدس اليهودية والمستعمرات الصهيونية المحيطة بها. وفي منطقة الجليل كان قد بدأ تفسّخ وانحلال كتيبة أديب الشيشكلي منذ شهر آذار عام 1948. وبصورة عامة كانت البرقيات والطلبات من كل قوات الإنقاذ في كل أنحاء فلسطين تنهال على مختلف قيادات الإنقاذ للتعجيل بالإمدادات على اختلافها، وخاصة الإمدادات بالذخائر لكل أنواع الأسلحة، الذخائر التي كانت المعارك المتواصلة تلتهمها فتتناقص بشكل مخيف في جعب المجاهدين. ولنعط هنا نماذج من برقيات طلب الإمداد التي ما كانت لتلقى إلا الآذان الصمّاء لدى المسؤولين العرب:

                          _ من آمر الفوج أديب الشيشكلي بتاريخ 14/3/1948.

                          كارثة الحسينية التي أزالها الصهاينة من الوجود هي أولى نتائج عدم إرسال الإمدادات رغم طلباتي المتكررة أتنصل من كل مسؤولية.

                          _ من وكيل آمر الفوج في منطقة الشمال الملازم الأول فتحي أتاسي بتاريخ 18/3/1948.

                          ساءت حالة المجاهدين المعنوية لعدم تلبية دمشق الطلبات المتتالية بشأن النجدات والأسلحة والكساء والغذاء. التذمر عام يخشى انحلال الفوج.

                          _ من القائد فوزي القاوقجي في 19/4/1948 رقم 251.


                          المعارك الجارية في مناطقنا هي مع النخبة الممتازة والقوة الأساسية في جيش الهاغانا، منها معارك اختيارية نستطيع تجنبها ومنها ما نرغم على خوضه. فإذا كان لا يوجد عتاد عندكم ولا يمكن تأمين عتاد فبأي وسيلة تطلبون الدفاع والصمود في القتال؟ الجامعة قررت الحرب وهي ملزمة بتأمين وسائل الحرب.

                          _ من القائد فوزي القاوقجي في 12/5/1948 رقم 100 ص.

                          صرفت مدفعيتنا خلال معارك باب الواد واللطرون ألفاً ومائة قنبلة عيار 75 مم، ولم يبقَ لدينا إلا القليل. أما عيار 105 مم فقد كنت أعلمتكم أنها نفذت. أرجو إرسال ألفي طلقة منها وخمسمائة طلقة عيار 40 مم للمصفّحات وعتاد فرنسي.



                          القناعة كنز لا يفنى

                          تعليق


                          • #58
                            ملاحظة هامة // ما ذكر أعلاه عن قوات جيش الإنقاذ هو من بحث الظروف العامة لكفاح العرب في فلسطين

                            وهنا المصدر :

                            http://www.liberation-inside-imperia...cage.150m.com/
                            القناعة كنز لا يفنى

                            تعليق


                            • #59
                              بارك الله بك أخي أسود الحرب وجزاك خيراً
                              وكل عام وأنت بخير وسائر شباب المنتدى


                              لي عودة لمتابعة البحث

                              تحياتي


                              مركز بيسان ... يرحب بكم
                              http://besancenter.maktoobblog.com/

                              تعليق


                              • #60
                                شكرا لك أخي البيساني وأرجو أن تقدم لي رأيك وهل أستمر أم أنا مخطئ

                                وحياك الله
                                القناعة كنز لا يفنى

                                تعليق

                                يعمل...
                                X