خطأ في التنظير
أ. خالد سيف الدين
هناك ظاهرة ـ إن جاز لي تسميتها بالظاهرة ـ، عمرها بعمر حركتي (الجهاد الإسلامي وحماس)، أي أن عمر الظاهرة قارب على "الثلاثين" عاما، فهي ليست وليدة اليوم أو الأمس، أو شهر أو سنة مضت، بل عمرها سنوات عديدة.
الظاهرة: هي محاولة كل من أنصار الحركة الإسلامية في فلسطين وعلى وجه الخصوص (حركتا الجهاد الإسلامي وفلسطين) أن يجذب إلى صفه أنصار وأبناء الحركة الإسلامية الأخرى. بمعنى آخر، أن أبناء حماس يجتهدون ويبذلون جهدا كبيرا ومحاولات عديدة لاستقطاب وجر أبناء الجهاد الإسلامي إلى صفوفهم. أو العكس، محاولة أبناء الجهاد الإسلامي استقطاب أبناء حماس إلى صفهم. وكل حركة تفلح في جذب عنصر من الحركة الإسلامية الأخرى إلى صفها، ترى في ذلك انتصارا عظيما حققته على شقيقتها الإسلامية يستحق الاحترام والتقدير!!
هذا الأسلوب في التنظير يمثل خطئا كبيرا ـ إن لم يكن ـ الخطأ بعينه.
إذا كانت الحركتان (الجهاد الإسلامي وحماس) تعتبران أنفسهما، حركات إسلامية، تنطلق من الكتاب والسنة، وأن عقيدتهما عقيدة أهل السنة والجماعة، ولا اختلاف عقائدي ولا خلاف جوهري في أصول الدين بينهما، فلِم هذا الجهد الذي يبذله أنصار كل حركة لاستقطاب عناصر الحركة الأخرى إليها؟!
بما أنهما حركتان إسلاميتان، فإن الأمر مفروغ منه، فلا كبير خلاف بينهما في المنطلق والعقائد والأيديولوجية. فبدلا من أن يضيع الجهد والطاقة في تنظير أبناء حماس على الجهاد، أو العكس. من المفترض أن يستغل ويستثمر هذا الجهد في التنظير على الأعداد الكبيرة من الشباب "التائه والضائع" في ظل انتشار التيارات الفكرية الهدامة، واجتياح مظاهر العولمة الثقافية الغربية، التي تريد أن تسلخ الشباب المسلم من عقيدته ودينه وأخلاقه وعاداته.
لِمَ لم يوظف هذا الجهد في استقطاب شباب اليسار، أو الشباب المستقل الحائر الذي ليس له وجهة أو منطلق فكري ينظر للأمور من خلاله ومن منظاره في تقييم الأمور، أو شباب حركة فتح (العقلاني) الذي فقد الثقة في حركة يسيطر عليها أصحاب الأهواء والمصالح الشخصية.
إن المجتمع الفلسطيني فيه شريحة (كبيرة) من الشباب الذي لا يقع في حيز دائرة واهتمام الحركة الإسلامية، في المقابل تتنبه إلى صغائر الأمور وتجتهد في جر أنصار الحركة الإسلامية الأخرى إليها، والساحة خصبة لئن تضم الحركة الإسلامية في صفوفها شباب خيّر ممن ليس لهم توجه أو بحاجة إلى تصويب رؤية أو تصحيح فكرة.
والبعض قد يعيب على الحركة الإسلامية أن تضم في صفوفها شبابا كانت خلفيتهم يسارية أو فتحاوية، أو كانت لعم سابقة ثم عادوا إلى رشدهم وتابوا إلى الله تعالى!!
لم هذه النظرة وهذا العيب وهذا الانتقاد؟!
من المفترض حينما تضم الحركة الإسلامية في صفوفها واحدا من هؤلاء الشباب (سالف الذكر) أن تعتبره انتصارا حقيقيا لها، لا أن تعتبر استقطاب أخا من حركة إسلامية هو الانتصار الحقيقي لها!!
ألم تقرأ معي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ما معناه ـ "لئن يهدي الله بك رجلا خير لك من حمر النعم"، وفي رواية أخرى "خير لك مما طلعت عليه الشمس". فأي فضل وأي أجر عظيم أعده الله لهؤلاء الدعاة، فما المانع من أن نستثمر هذا الأجر ونعمل على دعوة من هم خارج دائرة الحركة الإسلامية واستقطابهم إلى داخل الحركة الإسلامية، بدلا من تنقل الشباب الإسلامي من حركة إسلامية إلى أخرى!!
إذن المطلوب، هو تصحيح هذه الرؤية وتفادي (خطأ التنظير) الذي يمارسه أبناء كلا الحركتين (الجهاد الإسلامي وحماس) واستثمار الجهد في استقطاب الشباب غير الإسلامي والمستقل إلى صف الحركة الإسلامية، أما ابن الحركة الإسلامية فهو مفروغ منه، ولا حرج عليه في اختيار الحركة الإسلامية التي يريد، فإن كان ابنا لحماس أو الجهاد الإسلامي فهو في المحصلة النهائية يصب في خانة الحركة الإسلامية عموما، أما أن نضيع الجهد في التنظير على أبناء الحركة الإسلامية، ففي هذا مضيعة للوقت والجهد وخطأ في التنظير ولابد من إعادة نظر في هذه القضية.
تعليق