الإخوان المسلمون تعاني من أمراض الشيخوخة ويتهددها خطر الانهيار من الداخل
في كتاب جديد صدر هذا الأسبوعالإخوان المسلمون تعاني من أمراض الشيخوخة ويتهددها خطر الانهيار من الداخلعلي طريقة نفذ ثم اعترض الجماعة تري في الطاعة أمرا سابقا علي الاختلاف في الرأيالتحدي الماثل أمام الجماعة اليوم يتركز في كيفية الحفاظ علي الأجيال الجديدة التي تنتمي لعالم مختلفحسن البنا سعي إلي تدشين منهج سلفي إصلاحي وسيد قطب حاول نقل الجماعة إلي سلفية تقليدية تتقوقع علي نفسهاالانتهاك الصارخ لحرية الفرد دفع الكثير إلي الخروج من الجماعةمواقف الجماعة من المرأة والأقباط والحجاب تنم عن السطحية وعدم الجرأة علي استنباط أحكام من مفكرين إسلاميين مستقلين أو حتي من تيارات إخوانية أكثر تقدميةأليس غريبا أن جماعة حجم الإخوان لا تمتلك مشروعا فلسفيا متجددا واكتفت بتقديم كبسولات لتوضيح مواقفها؟كثيرا ما تغلب أهل الثقة علي أهل الجماعة في احتلال المناصب المؤثرة داخل الجماعةالبنا كان أحوج إلي من يقدر جمهوره ويبني عليه أكثر من حاجته إلي من يقدسه ويتوقف عندهيمثل هذا الكتاب محاولة لاستكشاف جماعة الإخوان المسلمين علي مدار عامين متواصلين، وقد كان حتميا بعدما أنهيت العمل في هذا المؤلف، أن أتوقف قليلا كي ألتقط أنفاسي وأتخلص من عبء التفاصيل والتناول الرأسي للجماعة كي أضع صورة متكاملة «أفقية» لها صورة من العمق الإخواني، بعيدا عن التأثير الطاغي الذي دشنه الصعود السياسي، الملفت للجماعة علي مدار العامين الآخرين.وكان أول ملامح هذه الصورة شعوري بأنني أقف أمام جماعة تعاني من بدايات واضحة لأمراض الشيخوخة، وكأنني أقف أمام كائن حي ناهز الثمانين من عمره، ويسعي جاهدا من أجل الحفاظ علي حيويته ونشاطه، من خلال أجهزة اصطناعية «إنعاشية».أو بالأحري أمام جسد كبير مترهل، يعاني غيبوبة فكرية وعقلية ولا يقوي علي إدراك التغيرات التي تحدث من حوله، حتي بدا وكأنه علي وشك أن يفقد السيطرة علي أعضائه.انفجار داخليوبالنسبة لي تبدو الجماعة «العجوز» كما لو كانت علي مفترق طرق في تاريخها النضالي، فإما القيام طوعا بثورة إصلاحية داخلية تخلص الجماعة من عيوبها التاريخية خصوصا ما يتعلق بالجمود الفكري والديني، الذي أصابها علي مدار العقود الثلاثة الماضية وإما أن تتعرض لنوع من الانفجار الداخلي ربما يكون بداية الاندثار للطبيعة الكلاسيكية للجماعة بما قد يمهد الأرض لبروز تيار إسلامي جديد ينعم بالجدوة والحيوية.وللخروج من دائرة التوصيف، يمكنني الإشارة إلي عدة ملاحظات استطعت أن أسجلها طيلة عامين من المراقبة وأداء الجماعة في كل مستوياتها تمثل في مجملها فيما أري أعراضا لشيخوخة تصارع الزمن.أولا: شيخوخة فكريةالفكر، بحسب المستشار طارق البشري، كشأن أي كائن حي، لن نحميه بأن نضعه في المعازل وإن السبيل الأمثل للدفاع عن الوجود هو بالتجديد والتفاعل مع أوضاع الواقع المعاش، وستقوي الجذور إذا امتدت الفروع وأورقت الأغصان.وأول ما يلاحظ علي جماعة الإخوان المسلمين، هو ضعف الجانب الفكري التنظيري، وذلك علي الأقل مقارنة بأدائها الحركي وأقصد بالجانب الفكري هنا ذلك النشاط العقلي الذي تمارسه قيادات الجماعة ومنظريها علي المستويين الديني والفلسفي، ويفضي إلي بلورة مشروع سياسي واضح المعالم.فعلي المستوي الديني يصعب تلمس وجود مشروع لتجديد الفكر الديني، وتحديث الخطاب «الفقهي» لدي جماعة الإخوان المسلمين وذلك علي الرغم من كونها جماعة دينية ـ دعوية بحسبما يقرر أعضاؤها.وهي حقيقة تضرب بجذورها في العمق التأسيسي للجماعة فبحسب الدكتور محمد عمارة، فإن «الإخوان المسلمين» لم يبلغوا في فهمهم للإسلام، وتجديدهم له ولفكره، وفي طرحهم الحلول الإسلامية لمشكلات العصر الفكرية ما بلغته حركة «الجماعة الإسلامية» التي بلور فكرها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبدالرحمن الكواكبي وعبدالحميد بن باديس، ويضيف: فدرجة العقلانية لدي تيار الجامعة الإسلامية لا نجدها عند الإخوان المسلمين، كما لا نجد عندها الجرأة في تناول القضايا ولا الحسم إذا ما عرضت لهذه القضايا!!وإذا كان الدكتور عمارة يرجع السبب في ضعف البناء الفكري والعقلي لدي جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها بالأساس جماعة سلفية تجديدية إلا أن هناك الكثير من المآخذ التي يأخذها السلفيون التقليديون والتجديديون من خارج الجماعة علي طريقة تعاطيها مع قضايا العصر وإشكالياته.بكلمات أخري إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين لم تقو علي اتباع المنهج العقلي في التعاطي مع العديد من القضايا الجدلية التي تطرح علي الساحة بين الفينة والأخري، إلا أنها أيضا لم تنجح في تقديم منهج سلفي تجديدي، يمكن أن يشكل بديلا للسلفية التقليدية التي تحولت لدي البعض إلي سلفية جهادية!!سطحية واختزالويجسد المشروع الفكري للراحل سيد قطب هذه الازدواجية المربكة ففي الوقت الذي سعي فيه مؤسس الجماعة حسن البنا إلي تدشين منهج سلفي إصلاحي يستهدف تقديم بديل إسلامي للوضع القائم جاء سيد قطب كي ينقل الجماعة نحو منهج جديد يتسم بالسلفية التقليدية المتقوقعة علي نفسها، وكانت لدي البعض مبررات للخروج عن المجتمع وانتهاج العنف.وتعبر مواقف الجماعة عن العديد من القضايا الدينية الراهنة كالنظرة للمرأة والأقباط والحجاب.. إلخ، عن مدي السطحية والاختزال وأحيانا الارتباك الذي يسم ردود فعل قادتها ليس فقط لعدم القدرة علي استنباط وقائع وأحكام دينية اجتهادا وقياسا وإنما وهذا هو الأغرب لعدم الجرأة علي اقتباس هذه الأحكام من غيرهم سواء مفكرين إسلاميين مستقلين، أو من تيارات فكرية إسلامية تنتمي لمدرسة الإخوان، ولكنها أكثر تقدمية وجرأة في تناولها لقضايا مجتمعاتها.والغريب أنه في الوقت الذي تبدو فيه الجماعة أكثر احتياجا لتطوير خطابها الديني، عطفا علي انخراطها في العمل السياسي واشتباكها في العديد من القضايا إلا أنها لم تبذل جهدا كافيا لتحرير نفسها ورجالها من أسر المنهج التقليدي الجامد في التعاطي مع العديد من القضايا الإجرائية كالمواطنة والحرية والعلاقة مع الآخر.لذا يصبح من الصعوبة بمكان القول إن جماعة الإخوان المسلمين تمتلك مشروعا فكريا لتجديد الخطاب أو الفهم، بل علي العكس يبدو مشروعها الديني، كما لو كان دليلا علي العزلة والانغلاق وعدم التساوق مع الواقع.مدرسة مستقلةكما لا يمكن لأحد أن يضع يديه علي ملامح مثل هذا المشروع في حين تمثل اجتهادات بعض الأفراد المحسوبين علي الجماعة كالمرحوم الشيخ محمد الغزالي والعلامة الدكتور يوسف القرضاوي مدرسة التجديد الديني مستقلة بحد ذاتها يصعب وضعها ضمن تيار عريض داخل الجماعة.ولا يوجد في أدبيات الجماعة القديمة والراهنة ما يدل علي وجود مثل هذا المشروع بل تكشف مناهج التربية والتنشئة الدينية التي عرضنا لها في فصول سابقة علي عدم الاهتمام ببلورة أي مشروع لتجديد الفكر الديني في حين تنصب كل الجهود لتنشئة أجيال إخوانية تحمل فكرة الدفاع عن الجماعة والتماهي، معها كما لو كانت هدفا بحد ذاته.الأكثر من ذلك أن تصدر دعوات التجديد علي لسان شخصية بوزن وقامة الدكتور القرضاوي الذي عبر عن مخاوفه من جمود حركة الإخوان ودعاهم إلي البحث عن وسائل جديدة تدفق الدم في شرايين العمل الإسلامي حيث حذر في كتابه «الصحوة الإسلامية من المراهقة إلي الرشد» من المخاطر التي تتعرض لها الجماعة ومشيرا إلي أن حسن البنا لم يكن جامدا بل كان دائم التجديد والتطوير للوسائل والأساليب في أبنية الحركة ومؤسساتها وأنظمتها قائلا: لن يضيق الشهيد حسن البنا في قبره إذا خالفه بعض أبنائه وأتابعه في قضية من القضايا ولا يوجد مانع شرعي ولا عرفي ولا عقلي من إعادة البحث في الوسائل والأنظمة التربوية داخل الجماعة مثل نظام الأسرة والكتيبة وكذلك البحث في الوسائل السياسية في ضوء المستجدات والمتغيرات المحلية ذلك أن الجمود آفة من آفات الفكر الحركي المؤطر وهو عائق من العوائق الداخلية في الحركة الإسلامية وما يحدث الآن هو الجمود علي شكل معين في التنظيم وعلي وسائل معينة في التربية وعلي صور معينة في الدعوي ومن حاول أن يغير في هذا الشكل أو تلك الوسيلة قوبل بالرفض الشديد أو الاتهام والتنديد.طابع صوفي حماسيأما علي المستوي الفلسفي، فمن الغرائب ألا تمتلك جماعة بحجم وضخامة الإخوان المسلمين مشروعا فلسفيا متجددا علي غرار الحركات الإسلامية والعلمانية الكبري، بحيث يجمع بين أهداف الجماعة ومتطلبات الواقع وذلك باستثناء الأهداف العامة التي صاغها المؤسس الأول بتأسيس الفرد السليم والأسرة المسلمة والشعب المسلم والحكومة المسلمة والدولة المسلمة والإمبراطورية المسلمة، انتهاء بأستاذية العالم.وهي أهداف تلتئم معا لتحقيق الشعار الكبير الذي تردده أجيال الجماعة دائما «الله غايتنا والرسول قدوتنا والقرآن شريعتنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمي أمانينا». وهي أهداف يغلب عليها الطابع الصوفي الحماسي وذلك علي حساب العقلانية والإقناع وإلا لما بقي مسلم واحد خارج جماعة الإخوان المسلمين حتي الآن.ولربما كان مشروع البنا فاعلا ومؤثرا في وقت كانت تعاني فيه البلاد من كل أشكال القهر والاستعباد والتغريب بيد أننا نتحدث اليوم عن واقع سياسي وثقافي وفكري وأيديولوجي مختلف يتطلب إعادة النظر في طبيعة هذا المشروع أو علي الأقل تجديد أدوات الحفاظ عليه.ولا ضير في أن يتمسك الإخوان بأهداب هذا المشروع بيد أن ما يضير هو عدم قدرة الجماعة علي تطوير مفرداته وأدواته والعيش أسيرة له طيلة هذه المدة دون القدرة علي تجديده وإعادة تقديمه وطرحه بشكل يتلاءم وتبدل الأحوال والظروف.بالطبع هناك مشروع حضاري يتمسك به الإخوان المسلمون وهو الذي أفاض في شرحه الدكتور يوسف القرضاوي في كتاب «الإخوان المسلمون.. 70 عاما في الدعوة والتربية والجهاد» مبينا جوانبه المختلفة ما بين إصلاح سياسي واقتصادي قد لا يختلف حوله أو عليه أي مسلم.بيد أن ما نقصده عندما نتحدث عن المشروع الفلسفي للجماعة هو مدي امتلاك الجماعة لخطاب تنويري يستند إلي فهم عصري وواقعي لمتغيرات الداخل والخارج بديلا حقيقيا للأيديولوجيات والمشاريع الفلسفية القائمة بعيدا عن اللغة الخشبية التي لا تفلح في إقناع الآخرين بوجاهة المشروع الإخواني برمته.وقد انكشف الخطاب الفكري والفلسفي للجماعة بشكل واضح بعد الصعود السياسي الكبير لها طيلة العامين الماضيين، واشتباكها مع قضايا مجتمعية وسياسية عديدة كشفت مدي سطحية الخطاب السياسي والفكري للجماعة وهو ما يتضح جليا عندما نقارن الخطاب الفكري للجماعة بنظيره لدي العديد من التيارات الإسلامية بما فيها تلك التي تنتمي لمدرسة الإخوان التربوية.فعلي سبيل المثال لا يقارن الخطاب الفكري للجماعة في مصر بنظيره لدي حركة النهضة التونسية بزعامة راشد الغنوشي، الذي تجاوز الكثير من أطروحات الجماعة الأم فيما يخص قضايا الحريات العامة والعدالة والمواطنة والعلاقة مع الآخر... كما لا يقارن أيضا بأطروحات حزب العدالة والتنمية في المغرب أو أطروحات المفكرين الإسلاميين المستقلين كالدكتور محمد سليم العوا والدكتور حسن الترابي. «خصوصا في بداياته» والدكتور عبدالله النفيسي والمستشار طارق البشري.. إلخ.والمفارقة الحقيقية أنه في الوقت الذي كان من المفترض أن تقدم فيه الجماعة مشروعا فكريا وفلسفيا قد يمثل إضافة إن لم يكن نموذجا لبقية التيارات الإسلامية فإنها اكتفت علي مدار ثلاثة عقود بتقديم كتيبات أو كبسولات خفيفة الوزن والقيمة لتوضيح مواقف الجماعة تجاه العديد من القضايا الإشكالية.ثانيا: شيخوخة تنظيميةمن الثابت أن الجانب التنظيمي يمثل أبرز ميزات جماعة الإخوان المسلمين وكثيرا ما تنتقد الجماعة نظرا لاهتمامها بالأمور التنظيمية والحركية علي حساب الجوانب الفكرية والدينية... بيد أن ما نقصده بالشيخوخة التنظيمية لدي الجماعة ينصرف بالأساس إلي عقم وتكلس «القيم» التنظيمية التي تغزل معا لبنات الهيكل التنظيمي للجماعة وهو ما يتضح من خلال تناول القضايا التالية:ـ إشكالية الطاعة مقابل الحريةتمثل الطاعة إحدي القيم الأصيلة لدي جماعة الإخوان المسلمين وهي تستمد تمايزها وسموها داخل الجماعة انطلاقا من فلسفة أرسي قواعدها مؤسس الجماعة ورسختها ممارسات من جاء بعده، تقوم علي التزام الجماعة وعدم الخروج عنها وضرورة طاعة ولي الأمر.وهو ما أكده العديد من فقهاء ومنظري الجماعة استنادا إلي أحاديث نبوية عديدة منها حديث من رأي من أميره شيئا فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت ميتة جاهلية» ومنها أيضا «من خلع يدا من طاعة لقي الله لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» وهي أحاديث وردت في معان تتعلق بالخروج علي الدولة والحكام.ولا تتوقف محاولات شيوخ الجماعة لإسقاط مثل هذه الأحاديث وغيرها علي جماعتهم باعتبارها تمثل الفئة التي تعمل لأجل الدين، انظر مثلا إلي ما يقوله أحد منظري الجماعة حول مسألة الطاعة ، إن الطاعة من العوامل الأساسية التي تحتاجها العلاقات التنظيمية في كل حركة من الحركات والحركة مثلها مثل أي حركة لا يمكن أن تبلغ المستوي التنظيمي المطلوب ما لم يكن عنصر الطاعة قد بلغ لديها ذروة الكمال... ومفهوم الطاعة في الإسلام يستمد من أصول الدين العقيدية والتشريعية قوته ومداه.فطاعة الأخ المسلم للقيادة يؤكد امتثاله لأمر الله فالقيادة في الإسلام هي السلطة التنفيذية التي تتولي تطبيق أحكام الإسلام.أو تسعي وتمهد لاستئناف حياة إسلامية تطبق فيها هذه الأحكام.. وبذلك تصبح طاعة الأخ المسلم للقيادة من طاعة الله وعصيانها عصيان الله».ولا ترتبط الطاعة بحد ذاتها بأية معان سلبية، بيد أن المعضلة هي في تحول هذه القيمة كي تصبح معيارا رئيسيا في إدارة العمل التنظيمي داخل الجماعة بحيث طغت علي كل ما عداها من قيم وأدوات للتجنيد والارتقاء السياسي... أو علي حد قول علاء النادي، أحد المنتمين للجيل الوسط في الجماعة في دراسة متميزة له حول «شواغل الإصلاح داخل الحركة الإسلامية» فإن مسألة الطاعة تحولت كي تصبح إحدي الركائز الأساسية في إدارة دولاب العمل الحركي في حين تشربت العقول القائمة قيمة الطاعة كما لو كانت القيمة الوحيدة للتنشئة والتربية داخل الجماعة وبحيث باتت الطاعة هي المعيار الأساسي في الفرز والترقية والمتحكم الرئيسي في كل أنواع الحراك الداخلي.الأمر الذي أدي إلي هجرة الكثير من أهل الكفاية وخنق روح المبادرة داخل الحركة الإسلامية.في حين تبدو قيمة الحرية هي الوجه الآخر للطاعة أو حسب النادي، فقد تحولت الحرية إلي قيمة مهملة وفكرة يطويها التجاهل والتغافل، وهو ما ساهم بحسب النادي، في محدودية الرؤي الاجتهادية وحول قسط كبير من المنتمين إلي الجماعة إلي مجرد كم وأرقام مدجنة لا تقوي علي التصدي للقضايا الإشكالية المتجددة.نفذ ثم اعترضالآن تبدو إشكالية الطاعة مقابل الحرية أكثر إلحاحا خصوصا في ظل المتغيرات الضاغطة التي تتعرض لها الجماعة بسبب صعودها السياسي الكبير وانخراطها في تفاصيل الحياة السياسية ما يتطلب معها تجنيد قيادات شابة قادرة علي التفكير بحرية وانطلاق بحيث تخلق جيلا قادرا علي الإبداع والابتكار في مواجهة التحديات الفكرية المطروحة علي الجماعة حاليا.وقد حرمت الطاعة بمفهومها الجامد الجماعة من قوة الاختلاف في الرأي بحيث باتت لا تري سوي مزاياها دون عيوبها وبحيث فقدت العديد من أصحاب الرؤي المختلفة التي تبدو الجماعة في أشد الاحتياج إليهم حاليا.وعلي الرغم من نفي العديد من القيادات لأي اتهام يتعلق بوجود مسألة الطاعة وتحكمها في البنية الهيراركية والتنظيمية للجماعة إلا أن واقع الحال يؤكد عكس ذلك تماما علي نحو ما أوضحنا آنفا.والأسوأ من ذلك أنني عندما سألت نفرا من إخوان القواعد حول موقفهم من مسألة الطاعة ومدي قدرتهم علي التعبيرعن رؤاهم المختلفة وجدت كثيرين منهم يحملون لبسا وغلطا واضحا لديناميكية العلاقة بين الطاعة وحرية التعبير فهم يرون في الطاعة أمرا سابقا علي الاختلاف في الرأي بحيث يبدو معه هذا الأخير كما لو كان تحصيل حاصل، وذلك تنفيذا لمبدأ «نفذ ثم اعترض».ـ إشكالية الثقة مقابل الكفاءةنظرا لكونها جماعة محظورة كثيرا ما اعتمدت جماعة الإخوان المسلمين علي معايير السرية والثقة في بنيانها التنظيمي، ونادرا ما اجتمع عنصرا الكفاءة والثقة في اختيارات الجماعة لمناصبها القيادية وكثيرا ما تغلب أهل الثقة علي أهل الكفاءة في احتلال المناصب المؤثرة داخل الجماعة.وقد أدي اعتماد هذا المبدأ كوسيلة للترقية والحراك الداخلي، إلي سيطرة شخصيات بعينها علي عملية صنع القرار داخل الجماعة ما أتاح بحسب البعض صورا من التزلف والانتهازية وأحيانا الفساد لم تكن موجودة من قبل داخل الجماعة في حين يسعي كثير منهم لسد منافذ النقد وممارسة حق الاختلاف.ويري كثيرون أن اعتماد الجماعة علي هذا المبدأ قد ساهم في عسكرتها من الداخل لضمان انعدام أية فرصة للاختلاف في حين تحولت الجماعة إلي عامل طرد مستمر للكفاءات الفكرية النادرة والطاقات المبدعة حتي إنه أصبح عجزا لافتا للانتباه.فرغم السيولة الكبيرة في تجهيز وإعداد الكفاءات المهنية والنقابية بصورة لافتة تعجز الجماعة عن إيجاد قاعدة موازية من أهل الفكر والعطاء الثقافي المتميز والمبدع، بل إن القاعدة الآن أصبحت شبه مسلمة أن أية كفاءة فكرية تنبغ فإنه لا مكان لها داخل الجماعة وهي مشروع للخروج حتما ولا تعدو المسألة أن تكون مسألة وقت.ـ إشكالية تصنيم القيادةتعد القيادة أحد العناصر الفعالة في البنية التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين إلي الدرجة التي وصل فيها الأمر إلي تصنيم المفهوم وتقديسه بطريقة قل وجودها في أي تنظيم سياسي وحسب الباحث الإسلامي محمد مختار الشنقيطي فإن البؤس القيادي الذي تعاني منه جماعة الإخوان المسلمين ليس ناتجا عن نقص في الكفاءات داخل الحركة المصرية التي استوعبت أغلب النخبة المتعلمة في أكبر الدول العربية وإنما هو نتيجة التصلب في الإجراءات المتبعة وإهمال معايير الأمانة والقوة التي جعلها الإسلام أساس الجدارة القيادية واستبدالها باعتبارات زمنية وشخصية وفي الحركة يقوم كثيرون من ذوي الجدارة الفكرية والعملية كما خرج عليها بالأمس العديد من هؤلاء.ومنطقيا في ظل اتباع معايير السمع والطاعة وعدم القدرة علي الاختلاف في الرأي أن تتمتع قيادات الجماعة في مختلف مستوياتها بقدر من التقديس والإحساس بالذات إلي الدرجة التي قد تفصلها عن قواعدها.وهو ما يحدث في كل مرة يغيب عنها مرشد الجماعة فجأة حيث تصاب الجماعة بقدر من التخبط وعدم الاتزان.وقد رصد الدكتور محمد عمارة هذه الظاهرة وأوضح الارتباط بين صفة الرشد وشخص المرشد في حركة الإخوان لأنها بنت أمرها من أول يوم علي مواهب شخص لا علي اطراد المؤسسة حسب تعبيره.ويضيف أن قادة الإخوان في الغالب لا يهتمون إلا بصناعة الأتباع الذين يحسنون التلقي والتنفيذ الفوري، والإيمان بأوامر القائد وحكمته دون تعطيل ولاتأويل وقد لاحظ الدكتور عبدالله النفيسي أن من نقاط الضعف الأساسية في قيادة حسن البنا، إهماله تدريب كوادر قيادية تتمتع بأهلية القيادة لتأتي من بعده.ووفقا له فإن الذين جاءوا من بعد البنا في قيادة حركة الإخوان كانوا أشد تفريطا في ذلك!وتتمثل أهم عيوب القيادة الفردية المحورية دخل الجماعة في سيادة مفهوم السيطرة علي مفهوم القيادة بحيث يتركز اهتمام القائد علي التطلع إلي الوراء للتأكد من ان الناس لايزالون تبعا له، ويهمل التطلع إلي الأمام والتفكير فيما يحقق تقدما وتحسنا في أداء التنظيم ورسالته فضلا عن إغراء الأتباع بالصراع علي مناصب القيادة نظرا لسد المنافذ السلمية إليها، وفي ذلك من الأخطار علي التنظيم ما فيه، وأقله داخل التنظيم عن رسالته وأهدافه الأصيلة واستنزاف طاقته في المعارك الداخلية.كذلك أيضا التأثير السيئ علي لغة التواصل بين القائد والعاملين معه فهم يحسون أنهم أتباع لا أقران ومن شأن المستمعين إلي القائد المسيطر ألا يفهموا كلامه فهما موضوعيا لأنهم لا يبحثون عن قيمة الكلام في ذاته، بل عما يقصده القائد ويريده.بالإضافة إلي عزلة القائد عن أتباعه، لأنه لا يستطيع التحقق من مقاصدهم في أجواء المجاملات والهالة التي رسمها حول نفسه، وبذلك يتعطل تدفق المعلومات الصحيحة لنسد أبواب التناصح النزيه. لذلك فإن من أهم أسباب النجاح التنظيمي المرونة الداخلية وذلك بأن يكون التنظيم قادرا علي تغيير قيادته بيسر، وبأسلوب مرن يفتح باب الصعود إلي القيادة والنزول منها بناء علي معايير موضوعية لا شخصية ودون انقطاع في المسيرة أو جمود في الأداء أو تمزق في الصف، ولا تروق هذه المرونة للقادة الذين يميلون إلي الاستبداد والهيمنة فيبقون تنظيماتهم في حال من التصلب الإجرائي يمكنهم من التحكم فيها.وبحسب الشنقيطي فقد فسر الأستاذ فريد منذ عقدين من الزمان أزمة الإخوان القيادية تفسيرا فكريا فهو يري أن سببها العميق يرجع إلي الخلط بين مبررات النشوء ومبررات الاستمرار بمعني أن حسن البنا كان أحوج إلي من يقر جهده ويبني عليه أكثر من حاجته إلي من يقدسه ويتوقف عنده.لكن هذا الاتجاه الأخير هو الذي ساد لدي حركة الإخوان المصريين ومن نحا نحوها من الإسلاميين في البلدان الأخري!!ـ إشكالية الانفجار الجيليإذا كانت جماعة الإخوان المسلمين قد نجحت علي مدار ثلاثة عقود في تجديد أجيالها والحفاظ علي الروابط الفكرية والتربوية بين مختلف مستوياتها التنظيمية فإن التحدي الماثل أمام الجماعة يتركز في كيفية الحفاظ علي الأجيال الجديدة التي تنتمي لعالم جديد ومختلف تماما عن عالم القيادات الحالية.وتبدو الجماعة في موقف صعب فيما يخص الهيمنة علي المنابع الفكرية والتكوينية لأجيالها الشابة في ظل كثافة المدخلات الثقافية والسياسية التي تتعرض لها هذه الأجيال.وقد تحدثت بعض وسائل الإعلام عن بدايات تحول داخل الفكر السياسي لشباب الجماعة عبرت عنه مدوناتهم علي شبكة الإنترنت وذلك إلي الدرجة التي اعتبرها البعض قد تكون بداية لثورة تصحيح داخل الجماعة. ويشير بعض المدونين إلي أن الجماعة لم تعد تحتكر الحقيقة وحدها مطالبين بضرورة السماح لهم بمناقشة أفكارهم بحرية وشفافية.وتشير إحدي المدونات التي تديرها ابنة إحدي القيادات البارزة في الجماعة إلي أن مشكلة شباب الإخوان في انفصالهم عن القيادات والفجوة بين الأجيال حيث تصر هذه القيادات علي عدم الاستماع إليهم وإلي أفكارهم وتعكس الطفرة التي حققتها وسائل الاتصال والتنشئة السياسية مدي الانفصال بين قيادات الجماعة وجيلها الجديد جيل تربي بأسلوب مختلف علي حياة مختلفة وهو ما لاحظه المتعاملون معهم فأفكار الشباب أكثر انفتاحا ووعيا من قادتهم ويظهر هذا بوضوح من خلال اجتماعات الشباب التي لا تنحصر في الدين والدعوة ولكنها تمتد إلي الموسيقي والسينما أيضا فلا يجد شباب الجماعة حاليا أي حرج من سماع الموسيقي ومشاهدة السينما ونقدها.المشكلة التي تواجه الجماعة الآن لا تتمثل فحسب في إمكانية خروج بعض أجيالها لشابه عن طوعها وإنما في قدرتها علي إعادة صياغة رسالتها التربوية والتنشوية للتأقلم مع احتياجات شبابها وتطلعاتهم لمستقبل مختلف تماما عن تطلعات القيادات الراهنة.ولا غرو في القول إن الجماعة قد تكون مقبلة علي نوع من الانفجار الجيلي تجسده المطالب المتصاعدة للأجيال الجديدة بضرورة تغيير الطريقة التي تتعاطي بها الجماعة معهم والتي تقوم بالأساس علي مبدأ السمع والطاعة مع إهمال رأي المخالفين والمحبين للجماعة في آن واحد.ـ إشكالية السياسي مقابل الدينيكثيرا ما اتهمت جماعة الإخوان المسلمين بالاهتمام بالعمل الدعوي علي حساب نظيره السياسي بيد أن الحالة انقلبت مؤخرا وبدا الاهتمام بالنشاط السياسي أكثر طغيانا علي نظيره الديني، والدعوي للجماعة وهو ما أدي إلي توجيه انتقادات لاذعة من قبل الكثيرين لحال التسييس التي تغلب علي أنشطة الجماعة علي حساب الأبعاد الدينية والتربوية.وقد جاءت أبرز الدعوات في هذا الصدد من المفكر الإسلامي الكويتي د. عبدالله النفيسي الذي طالب جماعة الإخوان في مصر بأن تحل نفسها، وأن تعود لممارسة دورها الحضاري والريادي في تصحيح المفاهيم وتنقية العقيدة الإسلامية بدلا من استنزاف الوقت والجهد في ممارسة العمل السياسي.كما طالب الدكتور محمد سليم العوا الإخوان بالتخلي عن ممارسة العمل السياسي وأن تتوقف عن مباشرة الحقوق السياسية ترشيحا وانتخابا وتصويتا والتحول تماما عن العمل السياسي فيما يتعلق بممارسة السلطة أو الحصول علي جزء من السلطة إلي ممارسة العمل التوعوي والترشيدي عن طريق إحياء روح النهضة في الجماهير وإحياء روح مقاومة الاستبداد والظلم.وقد واجهت هذه الدعوة رفضا قاطعا من قبل قيادات الجماعة تحت ادعاءات أن العمل السياسي جزء من الدعوة وأنها إحدي وسائل مكافحة الظلم والفساد وتحقيق الإصلاح المنشود في المجتمع.ويري البعض أنه علي الرغم من أن مؤسس الجماعة حسن البنا مارس العمل السياسي وخاض الانتخابات البرلمانية مرتين في الأربعينيات من القرن العشرين إلا أنه أدرك مغبة تعريض الإخوان للعمل السياسي وحاول قدر جهده أن يعيد الجماعة إلي حظيرة الدعوة الخالصة!وإذا كان ضعف المكون الديني «التربوي» يمثل صفة ملازمة للجماعة منذ نشأتها حيث لم يكن مؤسسها رجل دين أو فقيها أزهريا فقد زادت هذه الحال منذ عودة الجماعة لممارسة العمل السياسي قبل ما يقرب من ربع قرن.. وقد وصل هذا الأمر مؤخرا إلي مستويات غير مسبوقة من حيث تدني مستوي التأهيل الديني والدعوي.وقد حدثني بعض نقباء الأسر وهم اللبنة الأولي في تشكيل الوعي الديني لدي القواعد بأن مقررات التربية الدينية باتت سطحية للغاية وذلك بسبب الانهماك في النشاط السياسي واستنزاف العديد من قدرات الإخوة في العمل التنظيمي.ـ إشكالية تصنيم التنظيمعلي الرغم من أن الفرد يمثل اللبنة الأولي في البناء التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين إلا أنه ليس الهدف الرئيسي لنشاطها ويبدو تعاطي الجماعة مع الفرد كما لو كان مجرد ترس في ماكينة الجماعة يعمل لأجلها وقد يضحي بنفسه من أجل بقائها وهو بذلك يفقد كل مقومات فردانيته وفي مقدمتها الحرية وما يترتب عليها من حقوق والتزامات.وتركز كل أدبيات الجماعة ووسائل تربيتها لأعضائها علي الجماعة وليس علي الفرد وقد وصل الحال إلي أن بات الشعار الرئيسي للجماعة هو أن الفرد في خدمة الجماعة ويتجسد هذا الخلل الرهيب في قسم البيعة «أعاهد الله العظيم علي التمسك بأحكام الإسلام والجهاد في سبيله والقيام بشروط عضوية جماعة الإخوان المسلمين وواجباتها والسمع والطاعة لقيادتها في المنشط والمكره في غير معصية ما استطعت إلي ذلك سبيلا وأبايع علي ذلك والله علي ما أقول وكيل»... ومن الملاحظ أنه لا يوجد أي ذكر لحقوق الفرد وواجبات الجماعة تجاهه في هذا القسم.وقد نجم عن هذا الانتهاك الصارخ لحرية الفرد وكينونته إلي عدم ارتياح كثيرين لطريقة عمل الجماعة ومن ثم خروجهم منها دون عودة وقد لمست هذا المفهوم لدي كثيرين من إخوان القواعد الذين قابلتهم... حيث وجدت غالبيتهم لا يتحدثون عن حقوقهم والتزامات الجماعة تجاههم، بقدر تركيزهم علي الجماعة وكيفية خدمتها إلي الدرجة التي ظننت فيها أن الجماعة باتت تمثل الهدف الأساسي لهم، وليس الدعوة في خدمة الدين.بيد أن فكرة «الجماعة تظل أحد مصادر الجذب لدي جمهور واسع من الشباب، خصوصا في ظل مجتمع لا ينعم بأية مؤسسات وسيطة يمكنها امتصاص طاقات هؤلاء الشباب وتوظيفها، وهو ما تقوم به جماعة الإخوان علي خير وجه.وتحرص الجماعة علي غرس قيم الولاء والانتماء «للتنظيم» من خلال عمليات التنشئة الدينية والتجنيد، حتي يتحول معظم هؤلاء الشباب إلي مريدين و«مخلصين» للجماعة ولأهدافها الساحرة، ولشعاراتها الملهة، وحينئذ تصبح الجماعة والدعوة صنوين لا يفترقان.وقد لمست أن مظعم شباب الجماعة تحولوا إلي «نساك» في محراب التنظيم، وبدوا بالنسبة لي كما لو كانوا مسلوبي العقل والإرادة إزاء قياداتهم، وربما هذا أحد أسباب بقاء الجماعة علي قيد الحياة طيلة ثمانين عاما.بيد أن المعضلة الحقيقية التي قد تواجه الجماعة خلال المرحلة المقبلة تتمثل في عدم قدرتها علي السيطرة علي عقول أبنائها، ليس فقط لاتساع دائرة التأثير الخارجي من خلال ثورة الإعلام والميديا فحسب، إنما أيضا لعدم وجود ممارسات ديمقراطية داخل الجماعة تسمح باستيعاب وامتصاص حماس وأفكار هؤلاء الشباب الذين قد يشكلون أول الخيط في انفراط عقد الجماعة في المستقبل المنظور.وتشي أمراض الشيخوخة، التي استعرضناها آنفا، بأن الزمن لا يسير لمصلحة جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وهي أمراض أراها أقرب لإرهاصات «انفجار» داخلي، وهو ما يفرض علي قيادة الجماعة أن تعيد النظر في أفكارها وآليات عملها بأعين متريثة، وإلا ستجد نفسها تقف وحيدة خارج حدود الزمن.خليل العناني
في كتاب جديد صدر هذا الأسبوعالإخوان المسلمون تعاني من أمراض الشيخوخة ويتهددها خطر الانهيار من الداخلعلي طريقة نفذ ثم اعترض الجماعة تري في الطاعة أمرا سابقا علي الاختلاف في الرأيالتحدي الماثل أمام الجماعة اليوم يتركز في كيفية الحفاظ علي الأجيال الجديدة التي تنتمي لعالم مختلفحسن البنا سعي إلي تدشين منهج سلفي إصلاحي وسيد قطب حاول نقل الجماعة إلي سلفية تقليدية تتقوقع علي نفسهاالانتهاك الصارخ لحرية الفرد دفع الكثير إلي الخروج من الجماعةمواقف الجماعة من المرأة والأقباط والحجاب تنم عن السطحية وعدم الجرأة علي استنباط أحكام من مفكرين إسلاميين مستقلين أو حتي من تيارات إخوانية أكثر تقدميةأليس غريبا أن جماعة حجم الإخوان لا تمتلك مشروعا فلسفيا متجددا واكتفت بتقديم كبسولات لتوضيح مواقفها؟كثيرا ما تغلب أهل الثقة علي أهل الجماعة في احتلال المناصب المؤثرة داخل الجماعةالبنا كان أحوج إلي من يقدر جمهوره ويبني عليه أكثر من حاجته إلي من يقدسه ويتوقف عندهيمثل هذا الكتاب محاولة لاستكشاف جماعة الإخوان المسلمين علي مدار عامين متواصلين، وقد كان حتميا بعدما أنهيت العمل في هذا المؤلف، أن أتوقف قليلا كي ألتقط أنفاسي وأتخلص من عبء التفاصيل والتناول الرأسي للجماعة كي أضع صورة متكاملة «أفقية» لها صورة من العمق الإخواني، بعيدا عن التأثير الطاغي الذي دشنه الصعود السياسي، الملفت للجماعة علي مدار العامين الآخرين.وكان أول ملامح هذه الصورة شعوري بأنني أقف أمام جماعة تعاني من بدايات واضحة لأمراض الشيخوخة، وكأنني أقف أمام كائن حي ناهز الثمانين من عمره، ويسعي جاهدا من أجل الحفاظ علي حيويته ونشاطه، من خلال أجهزة اصطناعية «إنعاشية».أو بالأحري أمام جسد كبير مترهل، يعاني غيبوبة فكرية وعقلية ولا يقوي علي إدراك التغيرات التي تحدث من حوله، حتي بدا وكأنه علي وشك أن يفقد السيطرة علي أعضائه.انفجار داخليوبالنسبة لي تبدو الجماعة «العجوز» كما لو كانت علي مفترق طرق في تاريخها النضالي، فإما القيام طوعا بثورة إصلاحية داخلية تخلص الجماعة من عيوبها التاريخية خصوصا ما يتعلق بالجمود الفكري والديني، الذي أصابها علي مدار العقود الثلاثة الماضية وإما أن تتعرض لنوع من الانفجار الداخلي ربما يكون بداية الاندثار للطبيعة الكلاسيكية للجماعة بما قد يمهد الأرض لبروز تيار إسلامي جديد ينعم بالجدوة والحيوية.وللخروج من دائرة التوصيف، يمكنني الإشارة إلي عدة ملاحظات استطعت أن أسجلها طيلة عامين من المراقبة وأداء الجماعة في كل مستوياتها تمثل في مجملها فيما أري أعراضا لشيخوخة تصارع الزمن.أولا: شيخوخة فكريةالفكر، بحسب المستشار طارق البشري، كشأن أي كائن حي، لن نحميه بأن نضعه في المعازل وإن السبيل الأمثل للدفاع عن الوجود هو بالتجديد والتفاعل مع أوضاع الواقع المعاش، وستقوي الجذور إذا امتدت الفروع وأورقت الأغصان.وأول ما يلاحظ علي جماعة الإخوان المسلمين، هو ضعف الجانب الفكري التنظيري، وذلك علي الأقل مقارنة بأدائها الحركي وأقصد بالجانب الفكري هنا ذلك النشاط العقلي الذي تمارسه قيادات الجماعة ومنظريها علي المستويين الديني والفلسفي، ويفضي إلي بلورة مشروع سياسي واضح المعالم.فعلي المستوي الديني يصعب تلمس وجود مشروع لتجديد الفكر الديني، وتحديث الخطاب «الفقهي» لدي جماعة الإخوان المسلمين وذلك علي الرغم من كونها جماعة دينية ـ دعوية بحسبما يقرر أعضاؤها.وهي حقيقة تضرب بجذورها في العمق التأسيسي للجماعة فبحسب الدكتور محمد عمارة، فإن «الإخوان المسلمين» لم يبلغوا في فهمهم للإسلام، وتجديدهم له ولفكره، وفي طرحهم الحلول الإسلامية لمشكلات العصر الفكرية ما بلغته حركة «الجماعة الإسلامية» التي بلور فكرها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبدالرحمن الكواكبي وعبدالحميد بن باديس، ويضيف: فدرجة العقلانية لدي تيار الجامعة الإسلامية لا نجدها عند الإخوان المسلمين، كما لا نجد عندها الجرأة في تناول القضايا ولا الحسم إذا ما عرضت لهذه القضايا!!وإذا كان الدكتور عمارة يرجع السبب في ضعف البناء الفكري والعقلي لدي جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها بالأساس جماعة سلفية تجديدية إلا أن هناك الكثير من المآخذ التي يأخذها السلفيون التقليديون والتجديديون من خارج الجماعة علي طريقة تعاطيها مع قضايا العصر وإشكالياته.بكلمات أخري إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين لم تقو علي اتباع المنهج العقلي في التعاطي مع العديد من القضايا الجدلية التي تطرح علي الساحة بين الفينة والأخري، إلا أنها أيضا لم تنجح في تقديم منهج سلفي تجديدي، يمكن أن يشكل بديلا للسلفية التقليدية التي تحولت لدي البعض إلي سلفية جهادية!!سطحية واختزالويجسد المشروع الفكري للراحل سيد قطب هذه الازدواجية المربكة ففي الوقت الذي سعي فيه مؤسس الجماعة حسن البنا إلي تدشين منهج سلفي إصلاحي يستهدف تقديم بديل إسلامي للوضع القائم جاء سيد قطب كي ينقل الجماعة نحو منهج جديد يتسم بالسلفية التقليدية المتقوقعة علي نفسها، وكانت لدي البعض مبررات للخروج عن المجتمع وانتهاج العنف.وتعبر مواقف الجماعة عن العديد من القضايا الدينية الراهنة كالنظرة للمرأة والأقباط والحجاب.. إلخ، عن مدي السطحية والاختزال وأحيانا الارتباك الذي يسم ردود فعل قادتها ليس فقط لعدم القدرة علي استنباط وقائع وأحكام دينية اجتهادا وقياسا وإنما وهذا هو الأغرب لعدم الجرأة علي اقتباس هذه الأحكام من غيرهم سواء مفكرين إسلاميين مستقلين، أو من تيارات فكرية إسلامية تنتمي لمدرسة الإخوان، ولكنها أكثر تقدمية وجرأة في تناولها لقضايا مجتمعاتها.والغريب أنه في الوقت الذي تبدو فيه الجماعة أكثر احتياجا لتطوير خطابها الديني، عطفا علي انخراطها في العمل السياسي واشتباكها في العديد من القضايا إلا أنها لم تبذل جهدا كافيا لتحرير نفسها ورجالها من أسر المنهج التقليدي الجامد في التعاطي مع العديد من القضايا الإجرائية كالمواطنة والحرية والعلاقة مع الآخر.لذا يصبح من الصعوبة بمكان القول إن جماعة الإخوان المسلمين تمتلك مشروعا فكريا لتجديد الخطاب أو الفهم، بل علي العكس يبدو مشروعها الديني، كما لو كان دليلا علي العزلة والانغلاق وعدم التساوق مع الواقع.مدرسة مستقلةكما لا يمكن لأحد أن يضع يديه علي ملامح مثل هذا المشروع في حين تمثل اجتهادات بعض الأفراد المحسوبين علي الجماعة كالمرحوم الشيخ محمد الغزالي والعلامة الدكتور يوسف القرضاوي مدرسة التجديد الديني مستقلة بحد ذاتها يصعب وضعها ضمن تيار عريض داخل الجماعة.ولا يوجد في أدبيات الجماعة القديمة والراهنة ما يدل علي وجود مثل هذا المشروع بل تكشف مناهج التربية والتنشئة الدينية التي عرضنا لها في فصول سابقة علي عدم الاهتمام ببلورة أي مشروع لتجديد الفكر الديني في حين تنصب كل الجهود لتنشئة أجيال إخوانية تحمل فكرة الدفاع عن الجماعة والتماهي، معها كما لو كانت هدفا بحد ذاته.الأكثر من ذلك أن تصدر دعوات التجديد علي لسان شخصية بوزن وقامة الدكتور القرضاوي الذي عبر عن مخاوفه من جمود حركة الإخوان ودعاهم إلي البحث عن وسائل جديدة تدفق الدم في شرايين العمل الإسلامي حيث حذر في كتابه «الصحوة الإسلامية من المراهقة إلي الرشد» من المخاطر التي تتعرض لها الجماعة ومشيرا إلي أن حسن البنا لم يكن جامدا بل كان دائم التجديد والتطوير للوسائل والأساليب في أبنية الحركة ومؤسساتها وأنظمتها قائلا: لن يضيق الشهيد حسن البنا في قبره إذا خالفه بعض أبنائه وأتابعه في قضية من القضايا ولا يوجد مانع شرعي ولا عرفي ولا عقلي من إعادة البحث في الوسائل والأنظمة التربوية داخل الجماعة مثل نظام الأسرة والكتيبة وكذلك البحث في الوسائل السياسية في ضوء المستجدات والمتغيرات المحلية ذلك أن الجمود آفة من آفات الفكر الحركي المؤطر وهو عائق من العوائق الداخلية في الحركة الإسلامية وما يحدث الآن هو الجمود علي شكل معين في التنظيم وعلي وسائل معينة في التربية وعلي صور معينة في الدعوي ومن حاول أن يغير في هذا الشكل أو تلك الوسيلة قوبل بالرفض الشديد أو الاتهام والتنديد.طابع صوفي حماسيأما علي المستوي الفلسفي، فمن الغرائب ألا تمتلك جماعة بحجم وضخامة الإخوان المسلمين مشروعا فلسفيا متجددا علي غرار الحركات الإسلامية والعلمانية الكبري، بحيث يجمع بين أهداف الجماعة ومتطلبات الواقع وذلك باستثناء الأهداف العامة التي صاغها المؤسس الأول بتأسيس الفرد السليم والأسرة المسلمة والشعب المسلم والحكومة المسلمة والدولة المسلمة والإمبراطورية المسلمة، انتهاء بأستاذية العالم.وهي أهداف تلتئم معا لتحقيق الشعار الكبير الذي تردده أجيال الجماعة دائما «الله غايتنا والرسول قدوتنا والقرآن شريعتنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمي أمانينا». وهي أهداف يغلب عليها الطابع الصوفي الحماسي وذلك علي حساب العقلانية والإقناع وإلا لما بقي مسلم واحد خارج جماعة الإخوان المسلمين حتي الآن.ولربما كان مشروع البنا فاعلا ومؤثرا في وقت كانت تعاني فيه البلاد من كل أشكال القهر والاستعباد والتغريب بيد أننا نتحدث اليوم عن واقع سياسي وثقافي وفكري وأيديولوجي مختلف يتطلب إعادة النظر في طبيعة هذا المشروع أو علي الأقل تجديد أدوات الحفاظ عليه.ولا ضير في أن يتمسك الإخوان بأهداب هذا المشروع بيد أن ما يضير هو عدم قدرة الجماعة علي تطوير مفرداته وأدواته والعيش أسيرة له طيلة هذه المدة دون القدرة علي تجديده وإعادة تقديمه وطرحه بشكل يتلاءم وتبدل الأحوال والظروف.بالطبع هناك مشروع حضاري يتمسك به الإخوان المسلمون وهو الذي أفاض في شرحه الدكتور يوسف القرضاوي في كتاب «الإخوان المسلمون.. 70 عاما في الدعوة والتربية والجهاد» مبينا جوانبه المختلفة ما بين إصلاح سياسي واقتصادي قد لا يختلف حوله أو عليه أي مسلم.بيد أن ما نقصده عندما نتحدث عن المشروع الفلسفي للجماعة هو مدي امتلاك الجماعة لخطاب تنويري يستند إلي فهم عصري وواقعي لمتغيرات الداخل والخارج بديلا حقيقيا للأيديولوجيات والمشاريع الفلسفية القائمة بعيدا عن اللغة الخشبية التي لا تفلح في إقناع الآخرين بوجاهة المشروع الإخواني برمته.وقد انكشف الخطاب الفكري والفلسفي للجماعة بشكل واضح بعد الصعود السياسي الكبير لها طيلة العامين الماضيين، واشتباكها مع قضايا مجتمعية وسياسية عديدة كشفت مدي سطحية الخطاب السياسي والفكري للجماعة وهو ما يتضح جليا عندما نقارن الخطاب الفكري للجماعة بنظيره لدي العديد من التيارات الإسلامية بما فيها تلك التي تنتمي لمدرسة الإخوان التربوية.فعلي سبيل المثال لا يقارن الخطاب الفكري للجماعة في مصر بنظيره لدي حركة النهضة التونسية بزعامة راشد الغنوشي، الذي تجاوز الكثير من أطروحات الجماعة الأم فيما يخص قضايا الحريات العامة والعدالة والمواطنة والعلاقة مع الآخر... كما لا يقارن أيضا بأطروحات حزب العدالة والتنمية في المغرب أو أطروحات المفكرين الإسلاميين المستقلين كالدكتور محمد سليم العوا والدكتور حسن الترابي. «خصوصا في بداياته» والدكتور عبدالله النفيسي والمستشار طارق البشري.. إلخ.والمفارقة الحقيقية أنه في الوقت الذي كان من المفترض أن تقدم فيه الجماعة مشروعا فكريا وفلسفيا قد يمثل إضافة إن لم يكن نموذجا لبقية التيارات الإسلامية فإنها اكتفت علي مدار ثلاثة عقود بتقديم كتيبات أو كبسولات خفيفة الوزن والقيمة لتوضيح مواقف الجماعة تجاه العديد من القضايا الإشكالية.ثانيا: شيخوخة تنظيميةمن الثابت أن الجانب التنظيمي يمثل أبرز ميزات جماعة الإخوان المسلمين وكثيرا ما تنتقد الجماعة نظرا لاهتمامها بالأمور التنظيمية والحركية علي حساب الجوانب الفكرية والدينية... بيد أن ما نقصده بالشيخوخة التنظيمية لدي الجماعة ينصرف بالأساس إلي عقم وتكلس «القيم» التنظيمية التي تغزل معا لبنات الهيكل التنظيمي للجماعة وهو ما يتضح من خلال تناول القضايا التالية:ـ إشكالية الطاعة مقابل الحريةتمثل الطاعة إحدي القيم الأصيلة لدي جماعة الإخوان المسلمين وهي تستمد تمايزها وسموها داخل الجماعة انطلاقا من فلسفة أرسي قواعدها مؤسس الجماعة ورسختها ممارسات من جاء بعده، تقوم علي التزام الجماعة وعدم الخروج عنها وضرورة طاعة ولي الأمر.وهو ما أكده العديد من فقهاء ومنظري الجماعة استنادا إلي أحاديث نبوية عديدة منها حديث من رأي من أميره شيئا فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت ميتة جاهلية» ومنها أيضا «من خلع يدا من طاعة لقي الله لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» وهي أحاديث وردت في معان تتعلق بالخروج علي الدولة والحكام.ولا تتوقف محاولات شيوخ الجماعة لإسقاط مثل هذه الأحاديث وغيرها علي جماعتهم باعتبارها تمثل الفئة التي تعمل لأجل الدين، انظر مثلا إلي ما يقوله أحد منظري الجماعة حول مسألة الطاعة ، إن الطاعة من العوامل الأساسية التي تحتاجها العلاقات التنظيمية في كل حركة من الحركات والحركة مثلها مثل أي حركة لا يمكن أن تبلغ المستوي التنظيمي المطلوب ما لم يكن عنصر الطاعة قد بلغ لديها ذروة الكمال... ومفهوم الطاعة في الإسلام يستمد من أصول الدين العقيدية والتشريعية قوته ومداه.فطاعة الأخ المسلم للقيادة يؤكد امتثاله لأمر الله فالقيادة في الإسلام هي السلطة التنفيذية التي تتولي تطبيق أحكام الإسلام.أو تسعي وتمهد لاستئناف حياة إسلامية تطبق فيها هذه الأحكام.. وبذلك تصبح طاعة الأخ المسلم للقيادة من طاعة الله وعصيانها عصيان الله».ولا ترتبط الطاعة بحد ذاتها بأية معان سلبية، بيد أن المعضلة هي في تحول هذه القيمة كي تصبح معيارا رئيسيا في إدارة العمل التنظيمي داخل الجماعة بحيث طغت علي كل ما عداها من قيم وأدوات للتجنيد والارتقاء السياسي... أو علي حد قول علاء النادي، أحد المنتمين للجيل الوسط في الجماعة في دراسة متميزة له حول «شواغل الإصلاح داخل الحركة الإسلامية» فإن مسألة الطاعة تحولت كي تصبح إحدي الركائز الأساسية في إدارة دولاب العمل الحركي في حين تشربت العقول القائمة قيمة الطاعة كما لو كانت القيمة الوحيدة للتنشئة والتربية داخل الجماعة وبحيث باتت الطاعة هي المعيار الأساسي في الفرز والترقية والمتحكم الرئيسي في كل أنواع الحراك الداخلي.الأمر الذي أدي إلي هجرة الكثير من أهل الكفاية وخنق روح المبادرة داخل الحركة الإسلامية.في حين تبدو قيمة الحرية هي الوجه الآخر للطاعة أو حسب النادي، فقد تحولت الحرية إلي قيمة مهملة وفكرة يطويها التجاهل والتغافل، وهو ما ساهم بحسب النادي، في محدودية الرؤي الاجتهادية وحول قسط كبير من المنتمين إلي الجماعة إلي مجرد كم وأرقام مدجنة لا تقوي علي التصدي للقضايا الإشكالية المتجددة.نفذ ثم اعترضالآن تبدو إشكالية الطاعة مقابل الحرية أكثر إلحاحا خصوصا في ظل المتغيرات الضاغطة التي تتعرض لها الجماعة بسبب صعودها السياسي الكبير وانخراطها في تفاصيل الحياة السياسية ما يتطلب معها تجنيد قيادات شابة قادرة علي التفكير بحرية وانطلاق بحيث تخلق جيلا قادرا علي الإبداع والابتكار في مواجهة التحديات الفكرية المطروحة علي الجماعة حاليا.وقد حرمت الطاعة بمفهومها الجامد الجماعة من قوة الاختلاف في الرأي بحيث باتت لا تري سوي مزاياها دون عيوبها وبحيث فقدت العديد من أصحاب الرؤي المختلفة التي تبدو الجماعة في أشد الاحتياج إليهم حاليا.وعلي الرغم من نفي العديد من القيادات لأي اتهام يتعلق بوجود مسألة الطاعة وتحكمها في البنية الهيراركية والتنظيمية للجماعة إلا أن واقع الحال يؤكد عكس ذلك تماما علي نحو ما أوضحنا آنفا.والأسوأ من ذلك أنني عندما سألت نفرا من إخوان القواعد حول موقفهم من مسألة الطاعة ومدي قدرتهم علي التعبيرعن رؤاهم المختلفة وجدت كثيرين منهم يحملون لبسا وغلطا واضحا لديناميكية العلاقة بين الطاعة وحرية التعبير فهم يرون في الطاعة أمرا سابقا علي الاختلاف في الرأي بحيث يبدو معه هذا الأخير كما لو كان تحصيل حاصل، وذلك تنفيذا لمبدأ «نفذ ثم اعترض».ـ إشكالية الثقة مقابل الكفاءةنظرا لكونها جماعة محظورة كثيرا ما اعتمدت جماعة الإخوان المسلمين علي معايير السرية والثقة في بنيانها التنظيمي، ونادرا ما اجتمع عنصرا الكفاءة والثقة في اختيارات الجماعة لمناصبها القيادية وكثيرا ما تغلب أهل الثقة علي أهل الكفاءة في احتلال المناصب المؤثرة داخل الجماعة.وقد أدي اعتماد هذا المبدأ كوسيلة للترقية والحراك الداخلي، إلي سيطرة شخصيات بعينها علي عملية صنع القرار داخل الجماعة ما أتاح بحسب البعض صورا من التزلف والانتهازية وأحيانا الفساد لم تكن موجودة من قبل داخل الجماعة في حين يسعي كثير منهم لسد منافذ النقد وممارسة حق الاختلاف.ويري كثيرون أن اعتماد الجماعة علي هذا المبدأ قد ساهم في عسكرتها من الداخل لضمان انعدام أية فرصة للاختلاف في حين تحولت الجماعة إلي عامل طرد مستمر للكفاءات الفكرية النادرة والطاقات المبدعة حتي إنه أصبح عجزا لافتا للانتباه.فرغم السيولة الكبيرة في تجهيز وإعداد الكفاءات المهنية والنقابية بصورة لافتة تعجز الجماعة عن إيجاد قاعدة موازية من أهل الفكر والعطاء الثقافي المتميز والمبدع، بل إن القاعدة الآن أصبحت شبه مسلمة أن أية كفاءة فكرية تنبغ فإنه لا مكان لها داخل الجماعة وهي مشروع للخروج حتما ولا تعدو المسألة أن تكون مسألة وقت.ـ إشكالية تصنيم القيادةتعد القيادة أحد العناصر الفعالة في البنية التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين إلي الدرجة التي وصل فيها الأمر إلي تصنيم المفهوم وتقديسه بطريقة قل وجودها في أي تنظيم سياسي وحسب الباحث الإسلامي محمد مختار الشنقيطي فإن البؤس القيادي الذي تعاني منه جماعة الإخوان المسلمين ليس ناتجا عن نقص في الكفاءات داخل الحركة المصرية التي استوعبت أغلب النخبة المتعلمة في أكبر الدول العربية وإنما هو نتيجة التصلب في الإجراءات المتبعة وإهمال معايير الأمانة والقوة التي جعلها الإسلام أساس الجدارة القيادية واستبدالها باعتبارات زمنية وشخصية وفي الحركة يقوم كثيرون من ذوي الجدارة الفكرية والعملية كما خرج عليها بالأمس العديد من هؤلاء.ومنطقيا في ظل اتباع معايير السمع والطاعة وعدم القدرة علي الاختلاف في الرأي أن تتمتع قيادات الجماعة في مختلف مستوياتها بقدر من التقديس والإحساس بالذات إلي الدرجة التي قد تفصلها عن قواعدها.وهو ما يحدث في كل مرة يغيب عنها مرشد الجماعة فجأة حيث تصاب الجماعة بقدر من التخبط وعدم الاتزان.وقد رصد الدكتور محمد عمارة هذه الظاهرة وأوضح الارتباط بين صفة الرشد وشخص المرشد في حركة الإخوان لأنها بنت أمرها من أول يوم علي مواهب شخص لا علي اطراد المؤسسة حسب تعبيره.ويضيف أن قادة الإخوان في الغالب لا يهتمون إلا بصناعة الأتباع الذين يحسنون التلقي والتنفيذ الفوري، والإيمان بأوامر القائد وحكمته دون تعطيل ولاتأويل وقد لاحظ الدكتور عبدالله النفيسي أن من نقاط الضعف الأساسية في قيادة حسن البنا، إهماله تدريب كوادر قيادية تتمتع بأهلية القيادة لتأتي من بعده.ووفقا له فإن الذين جاءوا من بعد البنا في قيادة حركة الإخوان كانوا أشد تفريطا في ذلك!وتتمثل أهم عيوب القيادة الفردية المحورية دخل الجماعة في سيادة مفهوم السيطرة علي مفهوم القيادة بحيث يتركز اهتمام القائد علي التطلع إلي الوراء للتأكد من ان الناس لايزالون تبعا له، ويهمل التطلع إلي الأمام والتفكير فيما يحقق تقدما وتحسنا في أداء التنظيم ورسالته فضلا عن إغراء الأتباع بالصراع علي مناصب القيادة نظرا لسد المنافذ السلمية إليها، وفي ذلك من الأخطار علي التنظيم ما فيه، وأقله داخل التنظيم عن رسالته وأهدافه الأصيلة واستنزاف طاقته في المعارك الداخلية.كذلك أيضا التأثير السيئ علي لغة التواصل بين القائد والعاملين معه فهم يحسون أنهم أتباع لا أقران ومن شأن المستمعين إلي القائد المسيطر ألا يفهموا كلامه فهما موضوعيا لأنهم لا يبحثون عن قيمة الكلام في ذاته، بل عما يقصده القائد ويريده.بالإضافة إلي عزلة القائد عن أتباعه، لأنه لا يستطيع التحقق من مقاصدهم في أجواء المجاملات والهالة التي رسمها حول نفسه، وبذلك يتعطل تدفق المعلومات الصحيحة لنسد أبواب التناصح النزيه. لذلك فإن من أهم أسباب النجاح التنظيمي المرونة الداخلية وذلك بأن يكون التنظيم قادرا علي تغيير قيادته بيسر، وبأسلوب مرن يفتح باب الصعود إلي القيادة والنزول منها بناء علي معايير موضوعية لا شخصية ودون انقطاع في المسيرة أو جمود في الأداء أو تمزق في الصف، ولا تروق هذه المرونة للقادة الذين يميلون إلي الاستبداد والهيمنة فيبقون تنظيماتهم في حال من التصلب الإجرائي يمكنهم من التحكم فيها.وبحسب الشنقيطي فقد فسر الأستاذ فريد منذ عقدين من الزمان أزمة الإخوان القيادية تفسيرا فكريا فهو يري أن سببها العميق يرجع إلي الخلط بين مبررات النشوء ومبررات الاستمرار بمعني أن حسن البنا كان أحوج إلي من يقر جهده ويبني عليه أكثر من حاجته إلي من يقدسه ويتوقف عنده.لكن هذا الاتجاه الأخير هو الذي ساد لدي حركة الإخوان المصريين ومن نحا نحوها من الإسلاميين في البلدان الأخري!!ـ إشكالية الانفجار الجيليإذا كانت جماعة الإخوان المسلمين قد نجحت علي مدار ثلاثة عقود في تجديد أجيالها والحفاظ علي الروابط الفكرية والتربوية بين مختلف مستوياتها التنظيمية فإن التحدي الماثل أمام الجماعة يتركز في كيفية الحفاظ علي الأجيال الجديدة التي تنتمي لعالم جديد ومختلف تماما عن عالم القيادات الحالية.وتبدو الجماعة في موقف صعب فيما يخص الهيمنة علي المنابع الفكرية والتكوينية لأجيالها الشابة في ظل كثافة المدخلات الثقافية والسياسية التي تتعرض لها هذه الأجيال.وقد تحدثت بعض وسائل الإعلام عن بدايات تحول داخل الفكر السياسي لشباب الجماعة عبرت عنه مدوناتهم علي شبكة الإنترنت وذلك إلي الدرجة التي اعتبرها البعض قد تكون بداية لثورة تصحيح داخل الجماعة. ويشير بعض المدونين إلي أن الجماعة لم تعد تحتكر الحقيقة وحدها مطالبين بضرورة السماح لهم بمناقشة أفكارهم بحرية وشفافية.وتشير إحدي المدونات التي تديرها ابنة إحدي القيادات البارزة في الجماعة إلي أن مشكلة شباب الإخوان في انفصالهم عن القيادات والفجوة بين الأجيال حيث تصر هذه القيادات علي عدم الاستماع إليهم وإلي أفكارهم وتعكس الطفرة التي حققتها وسائل الاتصال والتنشئة السياسية مدي الانفصال بين قيادات الجماعة وجيلها الجديد جيل تربي بأسلوب مختلف علي حياة مختلفة وهو ما لاحظه المتعاملون معهم فأفكار الشباب أكثر انفتاحا ووعيا من قادتهم ويظهر هذا بوضوح من خلال اجتماعات الشباب التي لا تنحصر في الدين والدعوة ولكنها تمتد إلي الموسيقي والسينما أيضا فلا يجد شباب الجماعة حاليا أي حرج من سماع الموسيقي ومشاهدة السينما ونقدها.المشكلة التي تواجه الجماعة الآن لا تتمثل فحسب في إمكانية خروج بعض أجيالها لشابه عن طوعها وإنما في قدرتها علي إعادة صياغة رسالتها التربوية والتنشوية للتأقلم مع احتياجات شبابها وتطلعاتهم لمستقبل مختلف تماما عن تطلعات القيادات الراهنة.ولا غرو في القول إن الجماعة قد تكون مقبلة علي نوع من الانفجار الجيلي تجسده المطالب المتصاعدة للأجيال الجديدة بضرورة تغيير الطريقة التي تتعاطي بها الجماعة معهم والتي تقوم بالأساس علي مبدأ السمع والطاعة مع إهمال رأي المخالفين والمحبين للجماعة في آن واحد.ـ إشكالية السياسي مقابل الدينيكثيرا ما اتهمت جماعة الإخوان المسلمين بالاهتمام بالعمل الدعوي علي حساب نظيره السياسي بيد أن الحالة انقلبت مؤخرا وبدا الاهتمام بالنشاط السياسي أكثر طغيانا علي نظيره الديني، والدعوي للجماعة وهو ما أدي إلي توجيه انتقادات لاذعة من قبل الكثيرين لحال التسييس التي تغلب علي أنشطة الجماعة علي حساب الأبعاد الدينية والتربوية.وقد جاءت أبرز الدعوات في هذا الصدد من المفكر الإسلامي الكويتي د. عبدالله النفيسي الذي طالب جماعة الإخوان في مصر بأن تحل نفسها، وأن تعود لممارسة دورها الحضاري والريادي في تصحيح المفاهيم وتنقية العقيدة الإسلامية بدلا من استنزاف الوقت والجهد في ممارسة العمل السياسي.كما طالب الدكتور محمد سليم العوا الإخوان بالتخلي عن ممارسة العمل السياسي وأن تتوقف عن مباشرة الحقوق السياسية ترشيحا وانتخابا وتصويتا والتحول تماما عن العمل السياسي فيما يتعلق بممارسة السلطة أو الحصول علي جزء من السلطة إلي ممارسة العمل التوعوي والترشيدي عن طريق إحياء روح النهضة في الجماهير وإحياء روح مقاومة الاستبداد والظلم.وقد واجهت هذه الدعوة رفضا قاطعا من قبل قيادات الجماعة تحت ادعاءات أن العمل السياسي جزء من الدعوة وأنها إحدي وسائل مكافحة الظلم والفساد وتحقيق الإصلاح المنشود في المجتمع.ويري البعض أنه علي الرغم من أن مؤسس الجماعة حسن البنا مارس العمل السياسي وخاض الانتخابات البرلمانية مرتين في الأربعينيات من القرن العشرين إلا أنه أدرك مغبة تعريض الإخوان للعمل السياسي وحاول قدر جهده أن يعيد الجماعة إلي حظيرة الدعوة الخالصة!وإذا كان ضعف المكون الديني «التربوي» يمثل صفة ملازمة للجماعة منذ نشأتها حيث لم يكن مؤسسها رجل دين أو فقيها أزهريا فقد زادت هذه الحال منذ عودة الجماعة لممارسة العمل السياسي قبل ما يقرب من ربع قرن.. وقد وصل هذا الأمر مؤخرا إلي مستويات غير مسبوقة من حيث تدني مستوي التأهيل الديني والدعوي.وقد حدثني بعض نقباء الأسر وهم اللبنة الأولي في تشكيل الوعي الديني لدي القواعد بأن مقررات التربية الدينية باتت سطحية للغاية وذلك بسبب الانهماك في النشاط السياسي واستنزاف العديد من قدرات الإخوة في العمل التنظيمي.ـ إشكالية تصنيم التنظيمعلي الرغم من أن الفرد يمثل اللبنة الأولي في البناء التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين إلا أنه ليس الهدف الرئيسي لنشاطها ويبدو تعاطي الجماعة مع الفرد كما لو كان مجرد ترس في ماكينة الجماعة يعمل لأجلها وقد يضحي بنفسه من أجل بقائها وهو بذلك يفقد كل مقومات فردانيته وفي مقدمتها الحرية وما يترتب عليها من حقوق والتزامات.وتركز كل أدبيات الجماعة ووسائل تربيتها لأعضائها علي الجماعة وليس علي الفرد وقد وصل الحال إلي أن بات الشعار الرئيسي للجماعة هو أن الفرد في خدمة الجماعة ويتجسد هذا الخلل الرهيب في قسم البيعة «أعاهد الله العظيم علي التمسك بأحكام الإسلام والجهاد في سبيله والقيام بشروط عضوية جماعة الإخوان المسلمين وواجباتها والسمع والطاعة لقيادتها في المنشط والمكره في غير معصية ما استطعت إلي ذلك سبيلا وأبايع علي ذلك والله علي ما أقول وكيل»... ومن الملاحظ أنه لا يوجد أي ذكر لحقوق الفرد وواجبات الجماعة تجاهه في هذا القسم.وقد نجم عن هذا الانتهاك الصارخ لحرية الفرد وكينونته إلي عدم ارتياح كثيرين لطريقة عمل الجماعة ومن ثم خروجهم منها دون عودة وقد لمست هذا المفهوم لدي كثيرين من إخوان القواعد الذين قابلتهم... حيث وجدت غالبيتهم لا يتحدثون عن حقوقهم والتزامات الجماعة تجاههم، بقدر تركيزهم علي الجماعة وكيفية خدمتها إلي الدرجة التي ظننت فيها أن الجماعة باتت تمثل الهدف الأساسي لهم، وليس الدعوة في خدمة الدين.بيد أن فكرة «الجماعة تظل أحد مصادر الجذب لدي جمهور واسع من الشباب، خصوصا في ظل مجتمع لا ينعم بأية مؤسسات وسيطة يمكنها امتصاص طاقات هؤلاء الشباب وتوظيفها، وهو ما تقوم به جماعة الإخوان علي خير وجه.وتحرص الجماعة علي غرس قيم الولاء والانتماء «للتنظيم» من خلال عمليات التنشئة الدينية والتجنيد، حتي يتحول معظم هؤلاء الشباب إلي مريدين و«مخلصين» للجماعة ولأهدافها الساحرة، ولشعاراتها الملهة، وحينئذ تصبح الجماعة والدعوة صنوين لا يفترقان.وقد لمست أن مظعم شباب الجماعة تحولوا إلي «نساك» في محراب التنظيم، وبدوا بالنسبة لي كما لو كانوا مسلوبي العقل والإرادة إزاء قياداتهم، وربما هذا أحد أسباب بقاء الجماعة علي قيد الحياة طيلة ثمانين عاما.بيد أن المعضلة الحقيقية التي قد تواجه الجماعة خلال المرحلة المقبلة تتمثل في عدم قدرتها علي السيطرة علي عقول أبنائها، ليس فقط لاتساع دائرة التأثير الخارجي من خلال ثورة الإعلام والميديا فحسب، إنما أيضا لعدم وجود ممارسات ديمقراطية داخل الجماعة تسمح باستيعاب وامتصاص حماس وأفكار هؤلاء الشباب الذين قد يشكلون أول الخيط في انفراط عقد الجماعة في المستقبل المنظور.وتشي أمراض الشيخوخة، التي استعرضناها آنفا، بأن الزمن لا يسير لمصلحة جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وهي أمراض أراها أقرب لإرهاصات «انفجار» داخلي، وهو ما يفرض علي قيادة الجماعة أن تعيد النظر في أفكارها وآليات عملها بأعين متريثة، وإلا ستجد نفسها تقف وحيدة خارج حدود الزمن.خليل العناني
تعليق