إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عملية الجليل عام 1985 الأولى التي تجبر العدو الصهيوني على تحرير 1150 أسيراً فلسطينيا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عملية الجليل عام 1985 الأولى التي تجبر العدو الصهيوني على تحرير 1150 أسيراً فلسطينيا

    مقدمة المؤلف:


    تحسين الحلبي (أسير سابق لدى العدو الصهيوني تحرر في صفقة النورس عام 1979م، ويعمل حاليا كمترجم عن العبرية)




    إذا كانت القضية الفلسطينية منذ نكبة عام 1948 و ما سبقها من نضال ضد الحركةالصهيونية والاستعمار العالمي تتعلق بمسألة وطنو شعب أبعد بالقوة عن أرضه و ممتلكاته و بضرورة تحريرهذا الوطن والعودة إليه فإن تطورات هذه القضيه بعد احتلال بقية أجزاء فلسطين في حرب حزيران عام 1967 فرزت معها عاملاً آخر هو مسألة المعتقلين المناضلين و ضرورة تحريرهم من الأسر و الاعتقال وعودتهمأحراراً إلى ساحة النضال .

    ففي أعقاب احتلال عام 1967 تحول جزء مهم من الشعب الفلسطيني في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة إلى شعب يتعرض لكافة أشكال قمع قوات الاحتلال و مخططات " إسرائيل " التوسعية . وكان من الطبيعي بعد امتداد انتشار قوات الاحتلال من أراضي عام 1948 إلى أراضي عام 1967 أن تتسع و تتصاعد المقاومة المسلحة و السياسية و تتحول الى نشاط سري وعلني تحت شعار طرد الاحتلال واستعادة الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني فوق ترابه الوطني .

    و على غرار كافة التجارب الثورية و النضالية ونتائجالحروب كان من المتوقع بشكل طبيعي أن يسقط الشهداء و أن يقع مناضلونو مقاتلون جرحى و مناهضون سياسياً للاحتلال في أسر قوات الجيش الإسرائيلي و يتعرضون للمحاكمات العسكرية الصورية و الزج في السجون في أسوء ظروف الاعتقال الوحشية .

    و في داخل تلك المعتقلات التي افتتحتها قوات الاحتلال داخل أراضي فلسطين عام 1948 و في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزه أصبح الآلافو في بعض الأحيان عشرات الآلاف من أفراد الشعب الفلسطيني شباباً و شيوخاً و نساءً أيضاً يزجون في زنازينها و أقبيتها.

    و كان هؤلاء يعتقلون في هذه السجونبصيغ و أسباب متعددة هي : -

    1-إما أنهم مقاتلون مسلحون وقعوا في الأسر جرحى في أعقاب عمليات فدائية قاموا بتنفيذها عبر اختراق حدود نهر الأردن أو جنوب لبنان أو في داخل الأرض المحتله.

    2-و إما أنهم مقاتلون محليون من داخل المدن الفلسطينية المحتلةو تمكنت قوات الاحتلال من أسرهم بعد اشتباك مسلح .

    3-و إما أنهم أعضاء في منظمات فلسطينية أو شخصيات وطنية مستقلة من داخل الأرض المحتلة و يتولون مهاماً نضالية سرية سياسية و لوجستية و تنظيمية لمقاومة الاحتلال وتنظيمالعمليات المسلحة داخل فلسطين المحتلة .

    4-و إما أنهم اعتقلوا لأسباب طارئة كرهائن يراد من خلال اعتقالهم لفترة غير طويلة إرهاب الشعب الفلسطيني و مقاومته المسلحة لأن هذا الشكل من الاعتقال الجماعي غالباً ما يتعرض له الآباءو النساء والأطفال الذين لا علاقة لهم بمثل هذه النشاطات .

    و كان من بين هؤلاء المعتقلين عرب فلسطينيون و عرب أشقاء و بعض الأجانب . و كانت سجون الاحتلال قد شهدت منذ حرب عام 1967 حتى عام 1973 وجود ما بينأربعة آلاف الىستة آلافمعتقل صدرت بحق معظمهم أحكاماً عسكرية بالسجن المؤبد و غير المؤبد وأصبحت قضية تحريرهم من الاعتقال و عودتهم أحراراً بين أهلهم و فوق أرضهم لمتابعة النضالمن بين المهام الأساسية على جدول العمل الوطني الثوري الفلسطيني منذ بداية وقوعهمفي أسر العدو بعد حرب عام 1967. و لقد شكلت هذه المهمة الوطنية الثورية لتحرير المعتقلين إلهاماً مبدعاً و ثورياً للثورة الفلسطينية و قادتها طول فترة طويلة.

    و كانت الطليعة الأولى في إنجازهذه المهمة هي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة - حين نجحت في أسر ضابط إسرائيلي يدعى إبراهام عمرامعام ( 1978) أثناء اجتياح الجيش الإسرائيلي لجنوب لبنان.

    و بعد عملية التبادل التي فرضتها على العدو الإسرائيلي بعد عام من أسره و تحرير( 76 ) معتقلاً من كافة فصائل الثورة الفلسطينية في آذار 1979 تمكنت الجبهة مرة أخرى أثناء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982في لبنانمن أسر ثلاثة جنود من قوات العدو الإسرائيلي و فرض أكثر الشروط ثورية على العدو في أهم عملية تبادل أسرى جرت في تاريخ الصراع العربي الصهيوني بل و في تاريخ أي صراع مسلح بين قوات حرب العصابات و بين جيش نظامي حديث.

    و هذا الكتاب سيتحدث بالتفصيل عن مجريات هذه العملية من جديد في ظلظروفأصبحت المعتقلات الإسرائيلية فيها تشهد وجود ما يزيد على سبعة آلاف معتقل فلسطيني نصفهم حشدتهم قوات الاحتلال كرهائن بشرية لأسباب سياسية و إرهابية في أعقاب اتفاقات أوسلو و ما تضمنته من تنازلات لم يسبق لها مثيل تجاه إسرائيل و احتلالها الغاصب .

    و من صفحات هذا الكتاب سيدرك القارئ دونما جهد طبيعة هذا العدو و ماهية العامل الحاسم الذي يفرض عليه الإفراج عن المعتقلين أحراراً و أسياداً فوق وطنهم و بشروطهم الثورية دون أي تنازل سياسي أو أخلاقي أو معنوي.

    و إن إجراء أي مقارنة بين ما حدث في عملية تبادل الجليل كقضية على جدول العمل الوطني الثوري الفلسطيني و بين عملية مطالبة السلطة الفلسطينية بضرورة إفراج إسرائيل عن المعتقلين بعد اتفاقات أوسلو كقضية على جدول عمل خارطة الطريق ستوفر للقارئ صورة كافية لفهم هذا العدو الإسرائيلي و اللغة التي يفهمها و تجعله ينصاع إلى شروطها.

    و في هذا الكتاب سيجد القارئ و بشكل موضوعي كيف تجسد إدراك الأمين العام أحمد جبريل وقيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة – في أدق التفاصيل لطبيعة هذا العدو الإسرائيلي وللهدف الذي أراد تحقيقه من خلال ادارته للمفاوضات وتحديد الاسلوب واللغة التي يفهمها ويخضع لها .





    مدخل :
    في جدلية إمكانات تركيع العدو ....

    الشيء الذي جرى ليس مفاوضات بالتحديد .. هو معركة بسلاح الشروط و المطالب العادلة 0
    وفي هذا يكمن سر إمكانات فرض تركيع العدو الذي ،حتى العشرين من أيار 1985 – (يوم التبادل )– كان يأمل بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء ، بعد عامين من الوساطة التي شارك بها كل من الدكتور هربرت إيمري سفير النمسا لدى أثينا
    ومبعوث السيد كرايسكي ، المستشار السابق للنمسا ومنظمة الصليب الأحمر الدول0
    ونحن نرى ، أن الثوري يفترق عن اللاثوري و المهادين ، - حين يتعلق الأمر بعملية تبادل الأسرى مع العدو – في نقطة الهدف الذي يرسمه ، كما في نتائج العملية وتأثيرها في تصليب موقف المقاتلين من أجل الحرية ، وقبل هذا في التحليل الدقيق والعميق ، لتوازن القوى عبر حساب قوة النفس ومكوناتها ، وقوة العدو ومكوناتها أيضاً 0
    إن معيار التمسك بالحق ، بمقابل التفريط به ، يظهر هنا – في مفاوضات التبادل – مثلما يظهر في ساحة المجابهة .. يظهر في رصد الشروط والمطالب وبنائها ، من خلال الوسيط ، أو القناة ، أو الطاولة ، مثلما يظهر في رصد حركة العدو من خلال ناظور البندقية .. يظهر في الانتقال إلى حيث لا يجد الطرف الثاني بداً من التسليم ، مثلما يظهر في الزحف عبر الأسلاك الشائكة المضروبة حول الوطن ، إلى حيث نقطة الضعف لدى العدو .. أو نقطة الغطرسة لديه 0
    وهكذا ، ففي دمشق وجنيف ، وفي دمشق مرة ثانية وجنيف مرة أخرى ، جرى ما يمكن تسميته " صدام " ولكن بأساليب معينة .. بأساليب الحوار عبر طرف ثالث 0
    إننا نتفق مع ما ذكره " إيتان هبر " حول مفاوضات جنيف حين قال : " اجتمعت هناك ثقافتان مختلفتان وقيم متغايرة تماماً " رغم أننا نعرف أن الكاتب الصهيوني يضع ثقافة و قيم عصابة " شتيرن " و " الأرغون " وفرق اللصوص والتدمير
    والاحتلال ، في موقع أسمى من موقعها الحقيقي الذي تحتله في الحضيض ،فيما ينتسب الفلسطيني إلى تلك الكرامة الحضارية المشعة التي لا يختلف اثنان على قوة امتدادها في التاريخ .. إنها ثقافتان حقاً : ثقافة متصلة بالأرض وأخرى معلقة بالأوهام والخلفيات الملفقة 0
    وحين يحاول الفلسطيني تركيع عدوه أمام شروطه العادلة ، فينبغي أن تكون يده دائماً على الزناد ، على نابض عيه وخبرته وأصالته الثورية .. فمن بين شرخ دقيق في الانتباه يمكن للريح الصهيونية الصفراء أن تسلل .. ويمكن لها أن تسمم الجو وتصادر عدالة المطالب ومكسب اضطرار العدو للتسليم بالحق 0
    وحين يكون أمام الفلسطيني ، في الطرف الآخر مفاوضا ، مثل شموئيل تمير أو عاموس يارون ، يوقع على صك تحرير الأسرى صاغراً ،فإن المسافة إلى استعادة الوطن لم تعد أمامه شاسعة أو مستحيلة ... وحين يقايض ثلاثة أفراد من أفراد العدو بألف ومائة وخمسين أسيراً فدائياً فهو يمتلئ إعجاباً بهويته ، لأنه في الأقل سيدخل الفرحة إلى ألف ومائة وخمسين عائلة ، ولآلاف المنازل في الموطن المحتل والشتات ... وهنا بالتحديد أعطت عملية التبادل .." عملية الجليل " مثالاً حياً على اتحاد الفلسطيني بالفلسطيني رغم شروط التباعد والضياع والاحتراب أحياناً
    يكفي – لكي نعطي لأنفسنا مبرر الاعتزاز – أن نتذكر أن ثمة أكثر من ستمائة مناضل فلسطيني توردت بهم بيارات وقرى ومدن الوطن المحتل من الشمال إلى الجنوب .. حين ضمنت لهم " عملية الجليل " – رغم أنف العدو – حرية العودة إلى بيوتهم، وحالت دون انتزاعهم من جغرافية فلسطين إلى الشتات .. فاستقبلت القدس وبيت لحم والخليل ورام الله ونابلس وطولكرم وجنين وأريحا وغزة أبناءها البررة ، وفي أيديهم وثيقة التحرير التي كانت لجبهتنا شرف صياغتها ..كما استقبلت – ولأول مرة في تاريخ تبادل الأسرى مع العدو – مدن الجليل والمثلث ، من الأراضي المحتلة عام 1948 ، مناضلين قضوا سنوات من الاعتقال والأسر في السجون الصهيونية ، كان لعملية الجليل شرف تحريرهم ويكفي فوق هذا أن نستعيد صدى الدويّ الواسع الذي أحدثته عملية الجليل ، سلباً حين انعكس في مزاج القيادة الصهيونية ومؤسساتها وفي تآكل الائتلاف الحكومي وتعمق الصراع بين أجنحته وإيجاباً ، في ذلك الاحتضان الشعبي الفلسطيني الذي حظيت به العملية في الوطن المحتل وخارجه ، كما وفي مظاهر الاحتفاء والتأييد العربي الواسع الذي عبر عن نفسه ، في الساحة اللبنانية و في سورية والجماهيرية ، بتظاهرات الترحيب ،
    وقبل هذا في دعم موقف الجبهة وشروطها و تهيئة مستلزمات التبادل... فضلاً عن الأبعاد الدولية ، بمستوياتها التي تبلورت باهتزاز صورة الكيان الصهيوني والشك في متانة حكومته لدى الرأي العام في الغرب ، وبآيات التضامن والإعجاب من قبل الدول والقوى الصديقة ، وبما وطد الثقة بقدرة الثورة الفلسطينية على الرد والتواصل رغم الغزو الصهيوني للبنان و الصعوبات التي نشأت عنه 0
    وبالرغم من أننا لم نكن نضع في الاعتبار الهدف الإعلامي من وراء " عملية الجليل " ولم نتدخل في سياقات التحليل والتقويم المحلية والدولية مكتفين بوضع المأثرة في إطارها وحجمها الواقعي ، غير أن كمّ الأضواء الذي سلط على مفاصل ومراحل ونتائج العملية ، يعزز فينا روح التمسك بهذا الخط ، خط العمل النضالي الملموس غير المسبوق بنوايا الكسب الدعائي 0
    و بتواضع نقول :
    لقد خضنا هذه المفاوضات – المعركة بشعور مليء بعدالة مطالبنا ، وكنا شرفاء في التعامل مع الوسيط ، أمناء على الكثير من الملاحظات التي سمعناها منه ، دون أن ننسى بأن " عملية الجليل " ليس سوى واحدة من المعارك التي تخوضها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة و الثورة الفلسطينية باتجاه تحرير الوطن المحتل ، تلك العملية الكبرى التي يعد شعبنا نفسه لها ، منذ أن دنست أرض فلسطين عصابات الاستيطان الصهيوني 0
    عمر الشهابي –عضو المكتب السياسي, رئيس الوفد المكلف بالمفاوضات
    .................................................. .....
    الدلالات العميقة
    الرفيق / طلال ناجي
    الأمين العام المساعد للجبهة الشعبية – القيادة العامة
    جرت عملية الجليل لتبادل الأسرى مع العدو الصهيوني في ظروف دقيقة فلسطينياً وعربياً ، نتيجة الغزو الصهيوني للبنان ، فقد كان العدو الصهيوني لا يزال جاثماً فوق قسم كبير من الأراضي اللبنانية وكانت الجماهير الفلسطينية تعيش في ظل الانطباع الذي تولد عن الغزو الصهيوني للبنان عام 1982 وهو تقاعس الأنظمة الرجعية بل ومعظم الأنظمة العربية والتي نستثني منها مواقف سوريا والجماهيرية العربية الليبية والجزائر تجاه الغزو الصهيوني للبنان ومواقفها الحالية إلى جانب الشعب العربي الفلسطيني وإلى جانب صمود الشعب الفلسطيني والثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية والقوات العربية السورية والتي كان جزءاً منها موجوداً في بيروت وكذلك تلك القوات الباسلة في الجبل والبقاع التي تصدت للغزو الصهيوني . ما عدا موقف هذه الدول كان الموقف العربي الرسمي سيئاً للغاية بل إنه حال دون عقد قمة عربية تبحث في عدوان واسع بشع يحتل عاصمة عربية ويقتل الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني واللبناني المكافحين والمتصدين للغزو الصهيوني في جنوب لبنان وتحتل مساحات واسعة من الأرض العربية ومع ذلك لم يؤد هذا العدوان البشع إلى تحر ك هذه الأنظمة أو موافقتها حتى على عقد قمة عربية رغم الدعوات العديدة التي صدرت من جانب أكثر من طرف لعقد مثل هذه القمة ولكن كما قلت كان الموقف العربي موقفاً متقاعساً عن نجدة المقاتلين السوريين والفلسطينيين واللبنانيين في لبنان في ظل هذه الظروف الدقيقة جاءت عملية الجليل لتبادل الأسرى وأيضاً جاءت في ظل أوضاع فلسطينية معقدة ومتردية ترتبت .
    بسبب النهج اليميني الذي مثله ويمثله من يقف على رأس منظمة التحرير الفلسطينية وهي قيادة هذه المنظمة , والتي كانت قد قدمت سلسلة من التراجعات عن الحقوق الوطنية الثابتة لشعب فلسطين , عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال الوطني والعودة إلى الوطن عن حق منظمة التحرير الفلسطينية بأنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني لقد اتفق عرفات مع الأردن على مبدأ التقسيم في التنفيذ , ومن ثم أيضاً على إقامة دولة متحدة تلبي المطالب والرغبات الأمريكية بما يتعلق بحل القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني . وكما هو معلوم كان الأمريكيون قد طلبوا رسمياً في مبادرة ريغان , وبعد مبادرة ريغان ومع الأردن ومن المنظمة عبر الوسطاء على أن يكون حل القضية الفلسطينية عبر الخيار الأردني , وكانت قيادة المنظمة قد وافقت على الخيار رسمياً من خلال ما سمي من بعد اتفاق عمان سيئ الصيت والسمعة , وكانت القيادة الفلسطينية قد بدأت بالتراجع على الأرض في لبنان عندما أوعزت لبعض الرموز السيئة في صفوفها للعمل على تهجير المقاتلين الفلسطينيين من الساحة اللبنانية وبالتالي التحاقهم في لواء شكل حديثاً في ذلك الوقت أو كان في صدد التشكيل على طريق الالتحاق بقوات بدر الموجودة في الأردن على قاعدة إنهاء الكفاح المسلح وإنهاء وجود قوات الثورة الفلسطينية على الأرض اللبنانية . وكانت القيادة الفلسطينية أيضاً قد قدمت تنازلات في علاقتها مع نظام كامب ديفيد في مصر , حيث خرقت مقررات القمم العربية وخاصة قمة بغداد عام 1978 م وأقامت علاقات وثيقة مع النظام في مصر ـوأصبحت بالتالي تنسق خطواتها مع أطراف هذا النظام من أجل البحث عن مكان أو حصة لها في مشاريع التسوية الأمريكية التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية .ويذكر الجميع أن عملية التبادل وقعت بعد تكريس الانقسام في الساحة الفلسطينية والذي قادت اليه تلك القيادة اليمينية في المنظمة من خلال عقد ما سمي بالمجلس الوطني في عمان لعام 1984 م الذي أدى الى انقسام منظمة التحرير وانقسام الثورة الفلسطينية. كماأرادت هذه القيادة تعميق خطواتها المنحرفة بالتساوق مع المشاريع الأمريكية المطروحة للتسوية في المنطقة .
    في ظل كل هذه الظروف جاءت عملية الجليل لتبادل الأسرى لتشكل رافعة للنضال الوطني الفلسطيني ورافعة للنضال القومي العربي عموماً حيث استطاعت هذه العملية الكبيرة والعظيمة أن تفرض على العدو الصهيوني تقديم تنازلات جوهرية وأساسية لم يكن يقبل بها من قبل وبالتالي لم يكن يدور في خلد الكثيرين من المتتبعين للصراع العربي الصهيوني بأن العدو الصهيوني يمكن أن يرضخ لمثل الشروط التي رضخ لها في عملية التبادل ( الجليل ) .فقد تعود العالم على الصلف والعنجهية التي يمارسها العدو الصهيوني في موقفه وسياسته وعدوانه المستمر على الأمة العربية واغتصابه للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني . وبالتالي كان العدو الصهيوني يرفض باستمرار تقديم أي تنازل لصالح نضال الشعب العربي الفلسطيني ولصالح الأمة العربية ، فجاءت عملية الجليل وأرغمت هذا العدو على تقديم تنازلات مهمة عندما رضخ لشروط الجبهة الشعبية – القيادة العامة في إطلاق سراح المئات من المناضلين المرموقين الذي قدموا وأبلوا بلاء حسنا في معركة التصدي للعدو الصهيوني ، وفي النضال الوطني الفلسطيني عموماً . رضخ هذا العدو لمطالب الجبهة وقرر إطلاق سراح هؤلاء المناضلين ، وان الأمر لم يقتصر على إطلاق سراح ( 1150 ) من المناضلين الفلسطينيين من سجون العدو فحسب بل إن هذا العدو كان قد حاول أثناء المفاوضات التي استمرت أكثر من عامين رفض إطلاق سراح بعض الرموز من المناضلين الفلسطينيين الذين صدرت بحقهم أحكاماً عالية للغاية و كانوا قد قدموا على لائحة غير قابلة للبحث في إطلاق سراحهم . اضطر العدو للرضوخ – نتيجة إصرار الجبهة و إرادة قيادتها أثناء المفاوضات عبر الصليب الأحمر – لإطلاق سراح عدد من هذه الرموز و هؤلاء المناضلين الذين يقومون الآن بدورهم النشط النضالي الوطني الفلسطيني ً في عموم فصائل الثورة الفلسطينية ، لقد دلت عملية الجليل على أن الإرادة تستطيع أن تصنع النجاح فعندما نملك إرادة الصمود ، إرادة التصدي لمخططات العدو ، لصلف العدو و غروره ، التصدي لأطماع العدو ، ولعدوانه ، نستطيع أن ننتصر ، أن نحرز النجاحات المطلوبة في نضالاتنا الوطنية العادلة وفي نضالاتنا القومية ضد هذا العدو ومن أجل حقوقنا الوطنية و القومية .
    من هذا المنطلق شكلت عملية الجليل رافداً للنضال الوطني الفلسطيني وهاهي آثار تلك العملية تتفاعل حتى يومنا هذا داخل المجتمع الصهيوني وتتفاعل في جسم الثورة الفلسطينية وفي جسم الشعب الفلسطيني حيث شكل هؤلاء المناضلون الأبطال الذين خرجوا من سجن العدو الصهيوني رافداً مهماً للثورة الفلسطينية و لكل فصائلها ورافداً مهما للنضال الوطني الفلسطيني ورافداً مهما للنضال القومي من أجل حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية ومن أجل حقوق الأمة العربية بأجمعها أيضاً .
    عملية الجليل حملت دلالات واضحة في النضال الوطني و القومي عموماً
    وأثبتت أن العرب يستطيعون إذا امتلكوا الإرادة الحاسمة و المصداقية ، أن يفرضوا على هذا العدو تقديم التنازلات ، يستطيعون أن يفرضوا على العدو الصلف والمغرورالتراجع ،و أن يدحروا هذا العدو من خلال إرادتهم الصلبة القوية المتماسكة . ولكن التفريط أي القبول بشروط العدو أو التنازل عن حقوقنا الوطنية
    والقومية من شانها أن تزيد العدو غروراً وأن تزيد العدو تمسكاً في مطامعه
    وعدوانه ضد الأمة العربية وضد الشعب العربي الفلسطيني . ولا بد من التأكيد على أن عملية الجليل وما جسدته من دلالات على الإرادة و على الصمود وعلى تحقيق الانتصار من خلال التمسك بالمطالب العادلة و المطالب الوطنية والقومية للأمة العربية تمثل الوجه الآخر المناقض لما جرى بين النظام في مصر في زمن السادات وبين العدو الصهيوني عندما وافق السادات على تقديم التنازل تلو الآخر والذي انتهى في اتفاقات كامب ديفيد المشؤومة وفي معاهدة الصلح المشؤوم مع العدو الصهيوني في 1978/1979 كما يذكر الجميع .
    وحين تابعنا آلية عملية التبادل في القنيطرة المحررة ، عن قرب كنا تفترض بأن هذا العدو سيحاول لآخر لحظة المماطلة ، سيحاول لآخر لحظة الهرب من الوفاء بالتزاماته التي أبرمها ووقع عليها للصليب الأحمر الدولي ، وكنا ننتظر بفارغ الصبر وصول الأبطال المحررين إلى بوابة العبور بالقرب من القنيطرة المحررة حتى نتأكد من فرض إرادتنا على هذا العدو ومن نجاحنا في إلزام هذا العدو بالوفاء بالتزاماته . ومن هذا المنطلق كانت الفرحة غامرة لدينا باستقبال الأبطال في القنيطرة و كانت فرحة الأبطال المحررين غامرة بلقاء إخوانهم الذين غابوا عنهم لفترة من الوقت والذين كانت توقعات الكثيرين وخاصة العدو الصهيوني بأن غيابهم سيطول كثيراً فكان اللقاء الذي يدل على متابعة الكفاح ، بمتابعة الكفاح ، بمتابعة النضال ، بمتابعة مسيرة العمل الوطني والنضال الوطني والقومي ضد هذا العدو
    وهذا واقع الحال الآن. فقد عاد هؤلاء المناضلون إلى صفوف أحزابهم وقواهم الوطنية و فصائلهم في الثورة الفلسطينية ، يتابعون النضال و الكفاح ضد العدو ، ويتابعوا المسيرة التي بدءوها قبل أسرهم . وكما قلت لقد ابلوا ولا زالوا يبلون بلاء حسناً في صفوف الثورة الفلسطينيةوالحركة الوطنية اللبنانية والقوى الوطنية والإسلامية في لبنان .
    وعلى صعيد آخر أدت عملية الجليل إلى هزة كبيرة وشديدة في صفوف المجتمع الصهيوني لا زالت هذه الهزة تتفاعل إلى يومنا الحالي ولعل أكثر ما يدل على هذه الهزة هو الاتهامات التي صدرت على لسان عدد من القادة الصهاينة ومنهم عضو الكنيست الصهيوني النائبة العنصرية غيئولا كوهين التي طالبت بطرد وإبعاد المناضلين المحررين في عملية الجليل الموجودين داخل الوطن المحتل ، إلى خارج فلسطين ، خارج الوطن المحتل متهمة إياهم بأنهم هم العمود الفقري للانتفاضة وهم المحرك الرئيسي لجماهير شعبنا في الداخل في انتفاضته الرائعة الراهنة ،
    وبالتالي قالت فلنعاقبهم على ذلك من خلال إبعادهم وعندها نستطيع أو نتمكن من إخماد جذوة الانتفاضة أو التأثير عليها من خلال إبعاد هذه الرموز والكوادر المجربة والقادرة على النضال و على تأطير الجماهير وقيادتها . فالعدو الصهيوني ، يعتبر هؤلاء المحررين ووجودهم في الوطن المحتل قنبلة موقوتة في داخل المجتمع الصهيوني تحت أقدام الطغاة المحتلين للأرض العربية الفلسطينية . وكان شارون وعدد من قادة العدو الصهيون قد أعربوا عن غضبهم من رضوخ القيادة الصهيونية و حكومة العدو لشروط الجبهة في حينه ، عندما أجبرت العدو الصهيوني على الإبقاء على أكثر من605 مناضلاً من المحررين في الوطن المحتل . كان شرط الجبهة أن يبقى هؤلاء المناضلون الأبطال ، أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة وحتى قسم من الأهالي و أبناء القرى الفلسطينية في الجليل المحتل داخل الوطن المحتل و حاول العدو الصهيوني جاهداً أن يرفض هذه الشروط إلا أن الجبهة أجبرت العدو على الرضوخ لهذا المطلب فأدى ذلك فيما بعد إلى هزة شديدة في المجتمع الصهيوني فيما عمت الأفراح مدن وقرى الضفة الغربية والجليل
    والنقب وساحل فلسطين وغزة نتيجة خروج المحررين .وكانت الأعراس والأفراح تعم القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية ،و بالمقابل كانت حالة من الشعور بالاحباط والكآبة تخيم على المجتمع الصهيوني نتيجة خروج هؤلاء الأبطال المحررين لأن العدو أدرك لأول مرة ، أدرك المجتمع و الفرد معاً أن أصحاب الإرادة أصحاب الحق العرب والفلسطينيين نجحوا في فرض إرادتهم على القادة الصهاينة ، على قادة الكيان الصهيوني وبأن هذا مؤشر خطر للمستقبل ونذير شؤم عليهم وبأن اليوم الذي يفرض المناضلون الفلسطينيون و العرب على العدو الصهيوني ، على الكيان الصهيوني ، التسليم بكل المطالب الوطنية والقومية العربية ليس ببعيد ، وطالما رضخ العدو لهذا المطلب فإنها أول الطريق وبالتالي سيتبع هذا سلسلة من التنازلات اذا ما أحسن المناضلون العرب و المناضلون الفلسطينيون التمسك بمطالبهم والتمسك بإرادتهم وفرض شروطهم على هذا العدو .
    وحتى يومنا هذا ما زالت عملية الجليل تحدث أثراً واسعاً في صفوف المجتمع الصهيوني وهزة شديدة ، جعلت القادة الصهاينة يتحدثون عن آثار هذه العملية بعد مرور سنوات كثيرة على وقوعها ،وبأنها أحد أهم أسباب قيام الانتفاضة في الوطن المحتل . فقد أدت إلى خروج مئات المناضلين الفلسطينيين وبقائهم في بيوتهم في قراهم ن في مدنهم وهؤلاء لعبوا وما زالوا يلعبون دوراً هاماً وكبيراً في عملية التصدي للعدو الصهيوني وفي إذكاء نار الانتفاضة في إذكاء نار الحماس
    والمشاعر الوطنية و القومية لدى الجماهير الفلسطينية داخل وطننا المحتل وهم يقفون هذه الأيام على رأس المنتفضين على رأس جماهير الانتفاضة في الوطن المحتل .

    .................................................. ............


    مركز بيسان ... يرحب بكم
    http://besancenter.maktoobblog.com/

  • #2
    الفصل الثاني ..أسرى إسرائيليين في قبضة المقاومة

    الفصل الأول
    عامان من المفاوضات
    معتقل أنصار 000 القضية
    في سياق الحرب الواسعة النطاق التي شنتها القوات الصهيونية على لبنان لتصفية الشعب الفلسطيني ، و مقاومته المسلحة ، و لضرب القوى الوطنية اللبنانية وسوريا، و قع الجنوب اللبناني – حتى صيدا – تحت سيطرة قوات الاحتلال الصهيوني فأسرت وحداته و اعتقلت مئات الآلاف من المواطنين اللبنانيين و الفلسطينيين المقيمين في تلك المناطق 0
    و لأن جيش الاحتلال كان يدرك جيداً أن هذا الكم البشري ، الذي عاش سنوات طويلة ً معبأ ضده ، لا بد وأن يشكل حالة من المقاومة الداخلية المسلحة ، فقد بدأ على الفور بتجميع آلاف الشبان من المدنيين و نقلهم إلى معسكر بلدة أنصار في الجنوب ، و حوله إلى معسكر اعتقال يشبه معتقلات النازية في الحرب العالمية الثانية . بل لم يكن من الغرابة أن يجد المرء في المعسكر عائلات بأكملها ، أخوة و آباء زجتهم قوات الاحتلال في ذلك المعتقل بصفة " أسرى " . وإذا كان من الطبيعي في تلك الحرب أن يقع عدد من عناصر المقاومة الفلسطينية و اللبنانية لبنانيين كانوا أو فلسطينيين أو عرباً آخرين ، أسرى بأيدي قوات الاجتياح الصهيوني ، إلا أنه ليس صحيحاً أبداً أن كل من زج به في معتقل أنصار كان بالأصل مقاتلاً ، وهذا ما أكده الصليب الأحمر الدولي والهيئات الدولية و اعترافات مسئولي الكيان الصهيوني أنفسهم 0
    وكان من السهل ، على منظمة التحرير و المنظمات الفلسطينية ، تحديد عدد عناصرها من الأسرى في أنصار وفقا لسجلاتها ومعلوماتها و مواقعها في الجنوب و صيدا ، لكن هذا التحديد لم يكن ليتعدى المئات ، بينما كانت الصحافة الإسرائيلية وتقارير الصليب الأحمر تشير الى أن المعتقلين في أنصار يزيد عددهم على أربعة آلاف ..!
    و لذلك من الطبيعي أن يكون معظم هؤلاء من المدنيين ، الفلسطينيين و اللبنانيين ، و القلة القليلة منهم كانت تنتمي لمنظمات المقاومة الفلسطينية ومن الملاكات غير القتالية ، بموجب المعلومات التي كانت ترد من داخل معتقل أنصار ... و كان من الصعب تحديد عدد المنتمين بدقة ، وبشكل مسبقً من قبل المنظمات ، كما أن قوائم أسماء المعتقلين في أنصار ، والتي وضعها الصليب الأحمر بعد زياراته للمعسكر ، كانت تخلو هي أيضاً من أسماء هذه العناصر التي تأكد وجودها بالأسر حسب تقارير الرفاق المناضلين الأسرى داخل أنصار . بالإضافة إلى ذلك كان كل فصيل قد أعد قائمة مستقلة بأسماء أسراه في أنصار ، أو مفقوديه ، دون أن يجد العديد من هذه الأسماء ضمن قوائم سجناء أنصار التي جمعها الصليب الأحمر . و هكذا ظهرت مسألة أساسية ،أو فلنقل عقبة رئيسة ، وقفت في وجه أي محادثات حول تبادل الأسرى مع العدو الصهيوني و هي مسألة الأسرى المكتومين . و لذلك كان من المجحف تماماً بحق مناضلينا المفقودين أو الأسرى ، أن تبدأ منظمة التحرير أو فصائل المقاومة بأي محادثات حول مسألة تبادل أسرى دون معرفة وتبيان مصير هؤلاء المفقودين و الأسرى ، أو انتزاع اعتراف من العدو الصهيوني بوجودهم أحياء لديه ، و زيارة مندوبي الصليب الأحمر الدولي لهم ، وتزويدنا بتقارير عنهم ، خاصة وأن العدو الصهيوني لم يعتد أبداً على احترام ميثاق جنيف الخاص بمعاملة أسرى الحرب و حقوق الإنسان0
    فسجل العدو التاريخي إرهابي واضح تماماً في كل ما يتعلق بأسرى أومعتقلين ، و لم تشهد المنطقة بشكل عام و الشعب الفلسطيني بشكل خاص ، من قواته و حكوماته أي سابقة تدل على جدية أو احتمال احترامه لميثاق جنيف وحقوق الإنسان 0
    كما أنه من الطبيعي و البديهي أن تتولد لدى قيادة المقاومة الفلسطينية القناعة الكاملة بأن المحتل الصهيوني لا بد و أن يعمد إلى التكتم على وجود الكثيرين من المقاتلين الفلسطينيين ، مدفوعاً بحقده و انتقامه ، جراء الخسائر البشرية التي منيت بها قواته أثناء الاجتياح ، ولن يتيح لمندوبي الصليب الأحمر فرصة العثور عليهم وزيارتهم حسب قوانين جنيف 0
    وكان قد ورد لقيادة الجبهة الشعبية – القيادة العامة – تقارير سرية من بعض معتقليها في أنصار ، تؤكد هذا التصرف الصهيوني ، و تتحدث عن الخطة التي اتبعتها مخابرات العدو الصهيوني في وضع تصنيفات عديدة لمعتقلي معسكر أنصار استندت فيها الى نوعية كل معتقل من ناحية كونه:
    مدنيا لبنانيا
    مدنيا فلسطينيا
    مقاتلا من حركة فتح
    مقاتلا من المنظمات الأخرى
    مقاتلا من الجبهة الشعبية – القيادة العامة –
    فالمخابرات وضعت مثل هذا الترتيب لأسباب خبيثة متعددة ، و أخذت تتعامل مع معتقلي أنصار بالاستناد إليه ، وكانت تعمد بموجبه إلى إخفاء بعض معتقلي " القيادة العامة " عن طريق نقلهم من معتقل أنصار الى سجون و معتقلات فلسطين المحتلة ، و ذلك بحجة أن الجبهة لم تعلن بعد عن أسماء من وقع بأيديها من أسرى العدو بعد الاجتياح الصهيوني ، و تحسبا من فرضها " لشروط قاسية " بشأن أية عملية تبادل ممكنة 0
    و لذلك رأى العدو أن الاحتفاظ بأسرى الجبهة دون الاعلان عن وجودهم في معتقلاته يمكن أن يخفف ، بنظر العدو الصهيوني ، شروط المساومة عليهم في حال إجراء صفقة تبادل منفردة مع عرفات ، وفرض شروط أقل من الشروط التي تضعها الجبهة اذا ما جرت عملية تبادل مشتركة بينها وبين فتح 0
    و لذلك كان وضع مسألة الأسرى في معسكر أنصار معقد لأسباب أهمها :
    1- إجراءات التكتم التي لجأ العدو اليها تجاه عدد مهم من المعتقلين الفلسطينيين بشكل عام و من مقاتلي الجبهة الشعبية – القيادة العامة – بشكل خاص ، فقد قام العدو بنقل عدد من أعضاء جبهتنا الذين ثبت وجودهم في معتقل أنصار إلى سجون الأرض المحتلة دون إبلاغ الصليب الأحمر بدواعي هذه الإجراءات 0
    2- وضع العراقيل والصعوبات أمام مندوبي الصليب الأحمر ، لتجنب الكشف عن المكتومين و عدم تعاون سلطات العدو مع مندوبي الصليب الأحمر بشأن المكتومين ، بعد أن زودت جبهتنا و بقية الفصائل ، مندوبي الصليب الأحمر بالأدلة الكافية على وقوع عدد من المقاتلين بالأسر ، و ثبات وجودهم في معتقلات العدو وبشهادات رفاقهم الأسرى 0
    وكانت الجبهة الشعبية – القيادة العامة – على اطلاع جيد بطبيعة مسألة الأسرى في معسكر أنصار ، بمثل ما كانت " فتح " و بقية المنظمات على معرفة بذلك أيضاً ، و كان عرفات قد أثار ضجيجاً حول وقوع ستة من الجنود الاسرائيليين أسرى بيد قواته دون أن يربط الأمر بمصير المقاتلين الفلسطينيين الذين أخفى العدو الصهيوني وجودهم عن الصليب الأحمر و أعلن – اضافة لذلك – عن استعداده الفوري لبحث شروط التبادل مع اسرائيل 0
    وكما كان في منظمة التحرير خطان واضحان متناقضان في طريقة التعامل مع قضية كفاح الشعب الفلسطيني وحقوقه ومشاريع التسوية , فقد كانت في داخل المنظمة عقليتان ، أيضاً ، في طريقة ومضمون التعامل مع قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين ، في أنصار ، أو في سجون العدو في الداخل ، فمنطق عرفات يربط مسألة الأسرى الفلسطينيين بما تثيره من أضواء إعلامية و دعائيةوسياسية ضيقة0
    أما منطق الجبهة الشعبية – القيادة العامة – فلا يستند إلى أضواء الإعلام و الصحافة باعتبارها غاية .. لقد كانت أمامها غاية كبيرة و نبيلة تنبع من صلب وجودها كحركة كفاحية ثورية ، و هي المقاتل الفلسطيني ، الإنسان المناضل الذي لجأ جيش الاحتلال و مخابراته إلى تجريده من حقيقة وجوده حياً أسيراً في معتقلاته و سجونه . و لم يكن عدد هؤلاء المفقودين غير المعلن عنهم قليلاً , فبموجب سجلات الجبهة ، وحدها ، بلغ عدد مفقوديها من الأسرى إلى (109) فما بالك في عدد البقية من المفقودين المكتومين من عناصر الفصائل الأخرى ؟ لقد أضافت نتائج الغزو الصهيوني للبنان عام 1982 أسباباً أخرى لضرورة التمسك بخط الثورة و منطلقاته ، و لذلك كان من الطبيعي أن تتعامل قيادة الجبهة مع مسألة الأسرى بنوع من الحذر والدقة من أجل إجبار العدو على الاعتراف للصليب الأحمر الدولي بوجود أسرى المقاومة " المفقودين " أحياء و يتمتعون بحق بزيارتهم من قبل مندوبيه0
    و من هنا جاء إجراء الجبهة بعدم السماح لمندوبي الصليب الأحمر بزيارة الأسرى الذين وقعوا في أيديها ، إلا بعد أن يسمح العدو بزيارة جميع أسرى المقاومة ممن كانوا في عداد " المفقودين " أو تبيان مصيرهم 0
    و قد بينت الجبهة في رسالتها للصليب الأحمر الدولي بهذا الصدد ، الأسباب التي تدعوها إلى اتخاذ هذا الإجراء الذي لامفر منه . وعبثاً حاول الصليب الأحمر انتزاع أي زيارة للأسرى الفلسطينيين الذي نقلهم العدو من معسكر أنصار إلى سجون الداخل دون جدوى . فالسلطات الصهيونية لم تعره اهتماماً ، و لم تزوده بأية معلومات عن الـ ( 109 ) من الرفاق الذين اعتبروا في عداد المفقودين من رفاق الجبهة ، إضافة لعدد آخر من أسرى بقية الفصائل ، رغم أن قيادة الجبهة زودته بقوائم تفصيلية ، تضمنت أسماءهم وأماكن وقوعهم بالأسر ، و الشهود العيان الذين يؤكدون وجودهم أحياء أسرى 0
    --------------------------------
    2- كيف وقع جنود العدو أسرى في أيدي
    فدائيي الجبهة الشعبية – القيادة العامة
    الأمين العام و مبدأ استغلال انتشار قوات العدو في حرب العصابات :

    وجه الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة – أحمد جبريل تعليماته وأوامره ، منذ الاجتياح الإسرائيلي للأراضي اللبنانية الىجميع الكوادر و الرفاق المقاتلين في الجبهة بأن الظروف التي فرضت على جنود العدو الانتشار على أكبر مساحة ممكنة من الأرض اللبنانية ستوفر للجبهة ولوحداتها الفدائية الآن الفرصة الأمثل لضرب جنود العدو دونما عقبات و حواجز كبيرة .
    فقد كان انتشار قوات العدوبموجب تعليمات جبريل يمنح لمقاتلي حرب العصابات ميزات كثيرة منها :
    أن الوحدات القتالية في الجبهة ستتمكن الآن من التحرك لمسافة قصيرة قد لا تتعدى عدة كيلو مترات للوصول إلى نقطة التماس مع العدو ومفاجئته ليلاً دونما وجود لأي حواجز شائكة أو عقبات إلكترونية ورادارات تكشف تحرك هذه الوحدات الفدائية .
    ولذلك كانت تعليماته بصفته الأمين العام ورئيس الدائرة العسكرية للجبهة و قائد قواتها واضحة في دعوته لجميع قادة المواقع والوحدات الفدائية لتكثيف عملياتهم واستغلال هذا الظرف بأقصى ما يمكن من السرعة و الجهد عن طريق شن العمليات المسلحة .
    وكان الأمين العام قبل الاجتياح غالبا ما تطرق إلى الجهود المطلوبة و الترتيبات التي تستلزمها عمليات إدخال الوحدات الفدائية إلى مواقع العدو و التي كانت تنتشر قبل الاجتياح خلف حواجز إلكترونية وأسلاك شائكة وأسوار و مراقبة ليلية دائمة واستخدامه أفضل أجهزة الكشف عن تحركات الفدائيين .
    ومع بداية الاجتياح الإسرائيلي الواسع للأراضي اللبنانية أدرك أحمد جبريل الميزة التي وفرها انتشار قوات الاحتلال في مختلف مناطق الجبل و البقاع من فرصة ذهبية تمنح المقاتلين في الجبهة إمكانات أفضل في ضرب أفراده وفي أسر عدد منهم أيضا .
    وكان الوضع على أرض ميدان المعركة يوفر هذه الفرص لأن مواقع الجبهة المتحركة و الثابتة في الأراضي اللبنانية التي يعرف منافذها وممراتها جميع المقاتلين أصبحت قريبة من المواقع التي تمركزت فيها بعض وحدات الجيش الإسرائيلي في جبل لبنان و قرب القرى التي احتلتها بل وفي داخلها .
    وكان الجميع يذكر أن الأمين العام انطلق من سريره في أحد مشافي بلغاريا عندما بدأ الاجتياح قبل استكمال علاجه وما زال القفص المعدني الطبي يحيط بظهره ، واتجه نحو دمشق ليغادر مطارها مباشرة إلى البقاع فبيروت التي نجح في دخولها قبيل ساعات قليلة من إحكام الحصار الإسرائيلي عليها .وفي البقاع أصدر تعليماته للوحدات الموجودة فيها بالعمل فوراً على استغلال الظروف القتالية الجديدة و ترتيب العمليات العسكرية المفاجئة لقوات العدو التي لا تعرف طبيعة المنطقة وممراتها وشعابها وكان يتابع من بيروت المحاصرة كل ما يحدث في البقاع اللبناني مع الرفاق في تلك المنطقة.
    وكان الرفيق أبو علي مراد بشناق من بين الكوادر التي تلقت هذه التعليمات بصفته مسؤول عن قيادة منطقة جبل لبنان التي تمركز فيها عدد من الوحدات الفدائية التابعة للجبهة قرب خطوط التماس مع جنود العدو وعلى مسافة قريبة جداً من المواقع التي تمركزت فيها القوات الإسرائيلية .
    كمين إسرائيلي يقع في مصيدة فدائيين فلسطينيين

    يحدثنا أبو علي مراد بشناق عن عملية أسر الجنود الإسرائيليين من قبل الجبهة قائلاً :
    " في منطقة الجبل كانت هناك عدة مواقع عسكرية للوحدات الفدائية أحدها للحزب السوري القومي الاجتماعي ( اللبناني ) وآخر لوحداتنا الفدائية و الثالث لوحدات حركة فتح ."
    وكانت هذه المواقع تقع في منطقة الوادي التي تفصل بين قرية الهلالية المحتلة و بين قرية رأس المثن غير المحتلة . وفي ذلك المكان أقمنا مع مجموعة من فدائي فتح موقع مشتركاً لمراقبة ورصد كمائن للجيش الإسرائيلي الذي كان يتقدم باتجاه الوادي . وكانت خطتنا تقضي بوضع عدد من وحداتنا في مواقع غير ثابتة ضمن أقرب منطقة من كمائن الجيش الإسرائيلي و تحريكها ليلاً إلى بعض الكمائن من أجل مهاجمتها ."
    وكان الرفيق أبو علي مراد قد اتفق بعد اجتماعات مطولة مع النقيب سامح المسؤول عن قوات فتح في منطقة الجبل على القيام بسلسلة عمليات عسكرية ضد كمائن الجنود الإسرائيليين التي كانت تنتقل في الوادي وكذلك خلف مواقع الكمائن أيضاً .
    ومع تطور العمل المشترك بين المجموعتين يقول الرفيق مراد :" توصلنا مع الأخ سامح إلى وضع خطة لأسر عدد من أفراد الوحدات الإسرائيلية الموجودة في أحد تلك الكمائن .وفي سياق الإعداد لهذه الخطة و جدنا أن عملية أسر جنود أحد الكمائن سهلة جداً بعد قيامنا بإجراء مراجعة يومية مشتركة لذلك الكمين و تبين من مراقبتنا اليومية أن عدد من جنود العدو اعتادوا على نصب كمين في نفس بلدة العبيدية القريبة من قرية الهلالية التي تمركزت وحداتنا فيها . وكان كمين الجيش الإسرائيلي لا يدوم إلا نهاراً ويخلى موقع الكمين في الليل
    وقمت بنفسي وبمشاركة أبو ربيع خضر وعدد من الرفاق في الجبهة برصد واستطلاع ذلك الكمين في العبيدية خلال أربع وعشرين ساعة متواصلة و توفر لنا بالتالي معلومات دقيقة عن طبيعة ذلك الكمين و عدد أفراده الجنود و كيفية انتقالهم ليلاً و في أي ساعة تماماً .
    وبناء على ما تجمع من معلومات ودراسة نظرية لطبيعة العملية المراد تحقيقها اتفقنا أنا وسامح من حركة فتح على تنفيذ عملية مزدوجة يشارك بها مجموعتان مشتركتان من الجبهة ومن حركة فتح لأسر عدد من جنود العدو من الكمين الموجود في العبيدية ومن الكمين الإسرائيلي الآخر الموجود قرب قرية الهلالية وفي نفس التوقيت للحصول على أكبر عدد من الأسرى. وبعد هذا الاتفاق استلزم تنفيذ العمليتين وجود وسائل ومعدات قتالية خاصة مثل مسدسات كاتمة للصوت وقيود معدنية لتقييد ما نأسره من جنود ومعدات لوجستيكية أخرى وتجهيز وسائط نقل مناسبة .
    ويتابع مراد قائلاً : ( فقمت على الفور بإبلاغ الرفيق الأمين العام والقيادة العسكرية الميدانية في البقاع بهذه الخطة وما تستلزمه من معدات ضرورية وعلمت مباشرة أن الأمين العام أثنى على الخطة وأصدر تعليماته بتوفير كافة المستلزمات المطلوبة والبدء فورا في تنفيذها.
    وفي تلك الليلة التاريخية من الرابع من أيلول عام 1982 لم تشأ الظروف المحيطة توفير فرصة تنفيذ العمليتين معاً وفي نفس الوقت فالتطورات على الأرض حالت دون إعداد المجموعتين معاً بسبب ظروف قاهرة . ولذلك توجهت المجموعة المشتركة من وحدات الجبهة ومن وحدات فتح باتجاه الكمين الإسرائيلي القريب من قرية الهلالية وتعطل توجه مجموعة أخرى نحو كمين العبيدية وتمكنت مجموعتنا مع سامح من حركة فتح بأسر كافة أفراد الكمين الإسرائيلي الذي قمنا بمباغتته ومهاجمة أفراده وعددهم ثمانية أصيب واحد منهم بجراح فاضطررنا إلى ترحيله من موقع المعركة بأقصى سرعة في سيارة خاصة بنا إلى اقرب مستوصف لحركة فتح .
    وانطلقنا بعد تقييد الأسرى الجنود السبعة نحو مناطقنا الآمنة لنكتشف أن قوات العدو ومروحياته كثفت تحركها لمطاردتنا بعد معرفتها بما حصل لجنودها . فاجبرنا على الانفصال الى مجموعتين تتجه كل منها باتجاه مختلف عن الأخرى وبصحبة كل مجموعة عدد من الأسرى حتى إذا تم محاصرة مجموعة نجحت الأخرى بالاحتفاظ بما معها من أسرى . وعلى هذا النحو قمت أنا وأبو ربيع خضر باصطحاب أسيرين من جنود العدو بسيارتنا التي لا تتسع إلا لعدد محدود من الأفراد و اصطحبت مجموعة فتح التي توفر لديها ثلاث سيارات الأسرى الخمسة الآخرين ومضت كل سيارة باتجاه . وعند وصولنا إلى مواقعنا الآمنة في البقاع ظهر لنا أن الأسيرين الإسرائيليين هما يوسف غروف ونيسيم شاليم وهما مجندان أحدهما من أصل هنغاري و الأخر من أصل يهودي مصري ".
    ويستذكر أبو علي مراد و أبو ربيع خضر بالتقدير و الإعجاب الشديد الدور البطولي الذي قام به الرفيقان (أبوالجماجم وأبو الهوى ) اللذان شاركا في أسر جنود العدو في تلك العملية واستشهدا فيما بعد في عمليتين منفصلتين بعد سنوات أحدهما في قصف جوي استهدف مواقع الجبهة في منطقة الناعمة قرب البحر و الآخر في عملية إنزال بحري وجوي باستخدام كلاب مفخخة بالمتفجرات ضد موقع للجبهة قرب منطقة ( الناعمة ) نفسها.
    الاعتراف الإسرائيلي بشجاعة الفدائيين الذين أسروا جنود العدو في أيلول 1982
    يقول المراسل العسكري لصحيفة ( عل همشمار ) في 23/5/1985 بعد إجرائه مقابلة مع الأسرى الإسرائيليين في أعقاب عملية تبادل الأسرى ( الجليل ) في أيار من نفس العام :
    ( لم يتصور الجنود الإسرائيليون الذين تم أسرهم أن الفلسطينيين هم من فاجأهم وطلب منهم الاستسلام في موقع كمينهم " قرب الهلالية " فقد طلب منهم المسلحون الفلسطينيون إلقاء سلاحهم بسرعة ودون تهديد عنيف . ولذلك لم يشعر الجنود الثمانية بوجود خطر حقيقي يهدد حياتهم من قبل المسلحين الفلسطينيين وكأن الأمر عادي بكل بساطة ) .
    ويقول المراسل : ( بل إن الأجواء التي سادت أثناء اختطاف واسر الجنود الثمانية ودون الدفاع عن أنفسهم لم تدفع أي منهم إلى محاولة الهرب أو الصراخ بصوت مرتفع لانه لو أطلقت طلقة في ذلك الموقع تماماً رصاصة واحدة لانطلق جنود إسرائيليون لنجدتهم من نقطة مراقبة لا تبعد عن ذلك الكمين إلا ( 400 متراً ) .
    وذكرت الصحيفة العبرية أيضاً أن الجنود الأسرى أدركوا انهم وقعوا في الأسر حقاً حين توقفت السيارة أمام حاجز تبين انه للجبهة الشعبية _ القيادة العامة .
    وهكذا كان من نصيب الجبهة أسيران من الثمانية واحتفظت فتح في قواعدها بالستة الآخرين بسبب ظروف ميدان المعركة واضطرار المجموعة المشتركة من الوحدات الفدائية إلى الافتراق و المناورة أثناء انسحابها وبصحبتها الأسرى الإسرائيليين .
    في اليوم التالي أعلن ناطق عسكري إسرائيلي في 5/9/1982 أن ثمانية من الجنود الإسرائيليين فقدوا من موقعهم في بحمدون و(أن الآثار دلت على أنهم أسروا من رجال " المنظمات " الذين اقتادوهم نحو الأراضي اللبنانية الواقعة تحت سيطرة القوات السورية )
    وأضاف ( أن قوات إسرائيلية قامت بالبحث عن الجنود , حيث عثرت على أجهزتهم العسكرية و على أثار أقدامهم وأقدام الذين أسروهم , وهي تعبر خط إطلاق النار ) .
    وفي اليوم الثالث , وجه أريل شارون تحذيراً للمقاومة الفلسطينية من المس بحياة الجنود الصهاينة ( الذين اختطفوا خلال وجودهم داخل الخطوط الإسرائيلية في عملية تشكل خرقاً لوقف إطلاق النار ) .
    وفي عددها الصادر يوم 7 أيلول ذكرت صحيفة هآرتس الصهيونية ( أن رئاسة الأركان الإسرائيلية قد استقبلت خبر أسر الجنود الثمانية مع أسلحتهم بوجوم ) وأضافت نقلا عن مسؤولين عسكريين : ( أن الخطورة تتمثل , هذه المرة , في أن الجنود الثمانية قد وقعوا في الأسر دون إطلاق رصاصة واحدة ) .
    وفي الثامن من أيلول ذكرت إذاعة العدو ( أن الأوامر صدرت إلى الجنود الإسرائيليين بالبقاء في حالة يقظة قصوى , خاصة في المنطقة الشرقية الوسطى من لبنان , وذلك لتفادي عمليات مشابهة في المستقبل ) .
    وفي نفس هذا اليوم أشارت وكالات الأنباء , نقلاً عن هيئة الصليب الأحمر الدولي , إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية أبلغت الهيئة الدولية بوقوع الجنود الصهاينة الثمانية في الأسر , وأنهم يعاملون معاملة حسنة وفق اتفاقيات جنيف الدولية .
    وبعد أقل من شهرين , من أسر الجنود الصهاينة , سمح لبعثة منظمة الصليب الأحمر بزيارة الأسرى الستة .. وذكر مراسل إذاعة مونت كارلو الذي تابع الزيارة , أن هؤلاء الأسرى طالبوا حكومتهم ( بالعمل فوراً على إطلاق سراحهم وأوضحوا أنهم يعاملون معاملة حسنة , وأنهم على اتصال دائم مع بعضهم ) . وفي غضون ذلك أعلن المستشار النمساوي برونو كرايسكي ( وكالات 28/11/1982 ) بأنه تلقى من عائلات الجنود الإسرائيليين الأسرى طلباً للتوسط من أجل إعداد صفقة لتبادل الأسرى مع الجبهة الشعبية _ القيادة العامة ومع منظمة التحرير وفي حديث مع إذاعة النمسا أعلن كرايسكي أن تدخله للتوسط من أجل إجراء عملية التبادل للأسرى لا يحمل إلا صفة الدافع الإنساني وليس له أي صفة سياسية . وأن دوره حساس إلى حد لا يستطيع فيه التحدث بشيء .
    ( حازي شاي ) الرقيب أول الذي وقع في اسر فدائيي الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة

    في سياق المعارك الأولى التي جرت في منطقة البقاع الغربي و التي تميزت بقصف من الدبابات الإسرائيلية للمواقع الفلسطينية ومواقع الجيش السوري ووحدات المليشيات الوطنية اللبنانية في تلك المنطقة كان " حازي شاي " اليهودي من اصل عراقي يقود إحدى الدبابات ضمن رتل من الدبابات الإسرائيلية التي ظهر إنها ضلت طريقها ولم تعد تعرف كيف تتصرف مع غروب الشمس وشراسة المقاومة في ذلك القطاع.
    في ذلك الوقت بالذات كانت وحدات فدائية من قوات الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة تعمل بموجب أوامر صدرت لها في تلك المنطقة بتعقب بعض الدبابات وإطلاق قذائف ( آ ر ب ج ) عليها وتدميرها .
    وفي ليلة 11/6/1982 بعد مرور أيام على الاجتياح الإسرائيلي للبنان رصدت الوحدات إحدى الدبابات التي انعزلت عن رتلها في منطقة طوبوغرافية معقدة فأطلقت عليها قذائف ( آ ر ب ج )وانتظرت مدة من الوقت ريثما يتبين ما إذا كان عدد من الناجين منها قد خرجوا من الدبابة التي أعطبت وخرج منها الدخان .
    وعلى الفور لمح رجال الوحدة الفدائية جندياً إسرائيلياً جريحاً يترنح محولا الهرب من الموقع الذي أصيبت فيه الدبابة فحملته وسارعت بنقله إلى موقع قريب للجبهة سيراً على الأقدام .
    وعلى الفور ابلغ قائد الموقع الرفيق الأمين العام أحمد جبريل بوقوع أسير برتبة رقيب أول قائد دبابة يتحدث بلغة عربية ضعيفة وبلهجة عراقية وبسبب مجريات المعارك المتواصلة في تلك الأيام الأولى للاجتياح الإسرائيلي و التصدي له تم نقل قائد الدبابة حازي شاي سراً إلى إحدى المواقع الآمنة حيث تم تامين العلاج الطبي المناسب لجراحه وضمان سلامة وجوده حياً يرزق . ولم تعلن قيادة الجبهة في نفس اليوم عن أسره بانتظار تطور الظروف ووقوع المزيد من جنود العدو أسرى لديها .
    3 – المفاوضات الأولى مع ممثل مستشار النمسا برونو كرايسكي :
    في مطلع عام 1983 أبلغ الأمين العام أحمد جبريل برغبة السيد " هربرت إيمري " سفير النمسا في أثينا والمدير السابق للمستشار النمساوي كرايسكي أثناء توليه رئاسة الوزراء في فيينا بالاجتماع بالأمين العام بغرض استطلاع إمكانية لتوسط بين الجبهة والطرف الإسرائيلي حول إمكانية إجراء عملية تبادل للأسرى بين الجانبين بعد أن طلبت تل أبيب منه القيام بهذا الدور . وكانت هذه المبادرة الإسرائيلية قد تجاوزت بالتالي التوجه للهيئة الدولية للصليب الأحمر ودعوتها إلى هذا الدور لأنها أرادت كما علم فيما بعد إعطاء الصليب الأحمر دوراً في مرحلة لاحقة.
    و قد قبلت قيادة الجبهة هذه المهمة انطلاقا من الحقائق التالية :
    1- أن إيمري كان معروفا بصلاته المباشرة و الوثيقة مع قيادة منظمة التحرير منذ أن كان مديراً لمكتب حكومة كرايسكي المستشار النمساوي السابق ، و سفير دولته في بيروت و بعد ذلك في أثينا 0
    2- كان على علاقة ما ببعض أوساط الحكم في تل أبيب ( قادة حزب العمل ) و بعض أعضاء الكنيست مثل : "أرييه إلياف ) مما جعله مقبولاً لدى الطرف الصهيوني أيضاً 0
    3- كان يحظى باحترام المنظمات الفلسطينية لمواقفه المعروفة و المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني و منظمة التحرير الفلسطينية 0
    4- كان ديبلوماسياً معروفاً بديناميكيته و ذكائه كمؤهلات مناسبة لدور كهذا 0
    5- كان يمثل دولة محايدة معروفة بسياستها المتوازنة ، و تأييدها للعالم الثالث و للشعوب العربية 0
    و حين حضر إيمري إلى المنطقة ، في أول جولاته في أوائل آذار 1983 , لم يحمل معه سوى رغبة الطرف الآخر باستطلاع آراء قيادة عرفات و الجبهة الشعبية – القيادة العامة معاً ، بشأن إمكانية البدء بمحادثات تؤدي إلى تبادل للأسرى بين الطرفين ، و هذا ما نقله لقيادة عرفات وقيادة الجبهة ، التي كان يحمل لها أيضاً مقترحات من الطرف الآخر بشأن الإعلان عن أسماء من لديها من أسرى العدو ، و ترتيب زيارة للصليب الأحمر لهم . وكان عرفات قد أعلن مسبقاً عن أسماء الأسرى الستة الذين يحتجزهم ، ورتب للصليب الأحمر زيارةهم ، دون الحصول على ضمانات الكشف عن مصير المناضلين الفلسطينيين الذين أخفاهم العدو في سجون الداخل ، ولم يعترف بوجودهم للصليب الأحمر الدولي.
    و لذلك أصبحت هذه النقطة ، بالتحديد ، موضع مناقشات مستفيضة في المراحل اللاحقة من مفاوضات التبادل ، و كان واضحاً أن العدو الصهيوني يخطط لابتزاز موقف الجبهة و استخدام موضوع المكتومين لتخفيف و احتواء الشروط و المطالب التي قدمها جبريل للوسيط النمساوي.
    و من جانبها أدركت الجبهة هذا المخطط ، و فوتت الفرصة على العدو حين أصرت على كشف مصائر الرفاق غير المعلن عنهم وضمهم إلى قائمة المطلوب تحريرهم دون المس بالشروط و المطالب الأخرى 0
    و منذ اللقاء الأول مع إيمري كانت قيادة الجبهة الشعبية – القيادة العامة – تدرك جيداً ما ينبغي أن تقوله بهذا الشأن خاصة حول المسألة الأساسية : " المفقودين " أو بتعبير آخر " المكتومين " فقد تجمع لديها أسماء ( 109 ) من عناصرها إضافة لأسماء عناصر أخرى لبقية الفصائل ممن أنكر العدو وجودهم في رده على طلب الصليب الأحمر الدولي ، و لم يسمح له بزيارتهم بعد أن زودته الجبهة بأسمائهم و بالدلائل التي تثبت وجودهم أسرى في سجون الاحتلال 0
    كان ذلك في 29/3/1983 ... و قد حضر الاجتماع عن الجانب النمساوي الدكتور إيمري و قنصل النمسا في دمشق " ولفغانج شتيغر " و عن الجبهة الشعبية " القيادة العامة " الرفيق الأمين العام أحمد جبريل والرفيق طلال ناجي الأمين العام المساعد و الرفيق عمر الشهابي رئيس الدائرة السياسية و العلاقات الخارجية .
    و في ذلك اللقاء ، و بعد الترحيب بالدكتور إيمري ، أوضح الرفيق أحمد جبريل حقيقة احترام الجبهة لشخصية السيد كرايسكي المعادية للصهيونية رغم الاختلاف معه في وجهات النظر حول الصراع العربي – الصهيوني ، و أشار السيد إيمري إلى مقدمات فكرة الوساطة النمساوية بشأن تبادل الأسرى بين الإسرائيليين و الفلسطينيين ، و أنها ليست وساطة سياسية تتعلق بالصراع بين الجانبين ، و أوضح أن كرايسكي سبق و أن رد على طلب للوساطة السياسية وأعتبرها غير ممكنة أبداً ، لأنه يفترض بالوسيط أن يكون مقبولاً من الطرفين ، و النمسا بزعامة كرايسكي ليست مقبولة من تل أبيب لأن موقفها واضح من القضية الفلسطينية . ولذلك أضاف إيمري : أن باستطاعة النمسا التوسط في قضايا لا تمس الأمور السياسية رغم أننا نريد أن تنالوا حقوقكم المشروعة ، و قد جرى بيننا و بين بعض الفصائل الفلسطينية لقاءات متعددة ، و أنا جئتكم اليوم بعد أن طلب مني المسؤولون في النمسا و في منظمة التحرير ، بحث بعض المسائل المتعلقة أساساً بأسراكم و بللا سرى الإسرائيليين الذين تحتفظون بهم وآمل أن تطلعوني على التفاصيل المتعلقة بالمفقودين من رفاقكم ، بعد حرب لبنان ، و هكذا فإننا بحاجة لمعرفة عدد رفاقكم الذين تعتقدون أنهم وقعوا بالأسر و لم تردكم عنهم أية معلومات ،و أنتم تعرفون أن الطرف الآخر طلب مني الاتصال بمنظمة التحرير و المعنيين بهذا الأمر حول مسألة تبيان مفقودي كل طرف ، و وافقت المنظمة على ذلك " 0
    وخلال هذا اللقاء عرض الوسيط النمساوي الأفكار التالية للتأكد من مصائر المفقودين :
    أ- تفويض ممثل عن أسرى الجبهة في " أنصار " يتم الاتفاق عليه للقيام بمهمة التأكد من وجود المفقودين ، و بعد ذلك تطلق السلطات " الإسرائيلية " سراحه لكي يبلغ قيادة الجبهة عن هؤلاء المفقودين 0
    ب- يطلق سراح هذا الرفيق للالتقاء بقيادة الجبهة و بالتزويد بتعليماتها حول ظروف و عدد المفقودين ، و يعود لمعتقل أنصار ثم يبلغ الجبهة النتائج . و مقابل ذلك يطلب الطرف " الإسرائيلي " :
    1- إما أن يزور الصليب الأحمر الدولي الجنود الأسرى ، الذين تحتفظ الجبهة بهم 0
    2- أو أن تسمح الجبهة لكل أسير صهيوني بأن يكتب رسالة بخط يده و بالعبرية أو أن تنشر وسائل الإعلام كدليل على وجوده حياً 0
    3- أو أن يرسل الطرف " الإسرائيلي " استمارة يقوم جنوده الأسرى بتعبئتها 0
    وقد أحضر إيمري معه نسخة من هذه الاستمارة 0
    ورداً على ذلك أوضح الرفيق الأمين العام أن المحتلين الصهاينة نقلوا حسب معطيات الجبهة أكثر من ( 300 ) مناضل من معتقل أنصار إلى سجون أخرى لم يصلها الصليب الأحمر , وأنهم يحاولون القيام بلعبة غير إنسانية بهذا الشأن , وقال: ( ومن يقوم يدس السم لأطفال المدارس بالماء كما حصل قبل أيام في الضفة الغربية , لا يتورع أبداً عن إخفاء الأسرى ) , وأضاف: ( أن الجبهة لن تسير ولو ميليمتراً واحداً بشأن الإعلان عمن لديها من أسرى دون اعتراف العدو بوجود المكتومين من أسرانا لديه , فحين يحصل هذا الاعتراف و يسمح للصليب الأحمر بزيارتهم و تفقد أحوالهم ستقوم الجبهة من جانبها بالسماح لأسير من جنوده بإرسال رسالة لأهله . فقضية المكتومين أو ( المفقودين ) تعني بالنسبة , للجبهة , مناقبية و شرف و أخلاق لايمكن تجاهلها ولن نقبل افخاخه الخبيثة بان يرسل لنا أحداً من أسرانا لإبلاغنا لان العدو سيستخدم ذلك للتأثير على الروح المعنوية للمعتقلين , أما أن نكلف الصليب الأحمر بالالتقاء على انفراد بأحد رفاقنا الأسرى أو باثنين منهم فهذا أمر نراه معقولا . من جانبه أقر ايمري انه لا مفاوضات حول تبادل للأسرى إلا بعد الحصول على معلومات بشأن الـ 109 وأثنى على اقتراح التقاء الصليب الأحمر بأحد أسرى الجبهة ثم عرض و فد الجبهة للوسيط النمساوي ثلاثة مصنفات :
    المصنف الأول : يضم أسماء الأسرى ( المكتومين ) .
    المصنف الثاني : يضم أسماء الموجودين حالياً في أنصار .
    المصنف الثالث : ما جمعته الملكة دينا عبد الحميد من أسماء ومعلومات عن الأسرى المكتومين .
    كما زودته باسمي اثنين من أسرى الجبهة , في أنصار للاتصال بهما و التحقق عن طريقهما ما إذا كان بعض الرفاق الأسرى استخدموا أسماء غير أسمائهم الحقيقة , لضمهم إلى قوائم الأسرى .
    فهذا الأمر سيسهل حل مسألة بعض ( المكتومين ) لان معظم هؤلاء المكتومين , وليسوا جميعهم , أخفاهم العدو في سجون أخرى . وجرى الإيضاح أن الجبهة ستتيح للأسرى الإسرائيليين الاحتفال بعد خاص بالديانة اليهودية ,ولاحظ قائلاً: ( وإننا في المقابل لا نعرف لماذا ينبغي لليهودي أن يحل عقدة الشعور بالاضطهاد على حساب شعبنا و قضيتنا ) , و استذكر أمام أميري انه كان للجبهة تجربة في معاملة أسرى العدو حين و قع في أيديها من جيش العدو مساعد ضابط عام 1978 و بعد أجراء التبادل , اتضح انه مازال يكن كل احترام و تقدير , وهو الآن من المناهضين للحرب في الكيان الصهيوني
    و في الثالث من نيسان عام 1983 عاد . هربرت ايمري , واجتمع بالأمين العام بحضور الرفيق أبو حازم و الرفيق الأمين العام المساعد وقال بعد زيارته لمعتقل أنصار , ( أن الأسرى هناك قاموا بتنظيم أنفسهم على نحو جيد , وهم يتمتعون بمعنويات عالية ولديهم لجنة قيادية وقد اجتمعت باللجنة القيادية , و بضمنها اثنين من رفاقكم اللذين أوصيتموني بالاجتماع بهما بشأن المفقودين و لدي الآن فعلاً نتائج إيجابية بشأن العديد من المفقودين , فالمعلومات التي قدمها رفيقاكم جلت الكثير من الأمور ) .
    و قدم ايمري قوائم بأسماء المفقودين و على هوامشها الكثير من المعلومات التي كتبها الرفاق الأسرى حول رفاقهم المفقودين , مؤكدين و جودهم في سجون الداخل . و الذي حدث بعد لقاء الوسيط النمساوي بالرفاق الأسرى في أنصار أن رفاقنا سارعوا بكتابة رسالة خطية سرية إلى القيادة وصلت قبل وصول السيد ايمري و كانت المعلومات التي تضمنتها مطابقة لما ابلغه الوسيط النمساوي لقيادة الجبهة في ذلك الاجتماع حول حقيقة أن العدو قد أخفى فعلاً معظم الرفاق الذين صنفوا لدى الجبهة كمفقودين و الذين بلغ عددهم 109 .
    وفي هذا الاجتماع تحدث ايمري عن اجتماعه بقيادة ( فتح ) و ابلغ الجبهة بان عرفات قدم عرضاً لمطالبة بشأن تبادل الأسرى , فمقابل إطلاق سراح الثمانية أسرى ( الإسرائيليين ) ( ستة لديه و اثنان لدى الجبهة ) , تقدم عرفات بالمطالب التالية :
    1- إطلاق سراح جميع معتقلي أنصار .
    2- إطلاق سراح (1000) أسير من المعتقلين داخل سجون الوطن المحتل .
    3- إعادة وثائق مركز الأبحاث .
    وأضاف , ايمري انه كان قد ابلغ الصف الصهيوني بهذه المطالب ولكن تل أبيب لم تعلق بشيء . واستفسر ايمري عما إذا كانت هذه المطالب قد و ضعت بمعرفة الجبهة و علمها . و كانت قيادة الجبهة على علم بهذه المطالب بل وناقشتها مع قيادة فتح و اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية , ولكن لم يجري الاتفاق عليها بالطبع .
    وعبرت الجبهة في ذلك النقاش عن آرائها و على ضرورة تعديل المطالب على النحو التالي :
    1- إطلاق سراح جمع معتقلي أنصار و جميع المعتقلين في سجون صيدا وصور و النبطية .
    2- إطلاق سراح 1250 أسير من المعتقلين في داخل سجون الوطن المحتل و أن توضع قائمة بأسمائهم على نحو مشترك بين " فتح " و " القيادة العامة " .
    3- إعادة وثائق مركز الأبحاث .
    4- حق تخيير كل أسير بالداخل ما بين أن يبقى حراً بين أهله ووطنه أو أن يغادر .
    و طلب وفد الجبهة من ايمري وضع الصليب الأحمر بصورة زيارته لمعتقل أنصار و المعلومات الجديدة حول المفقودين , ومن جانبها ستزود الجبهة مندوبي الصليب الأحمر بهذه المعلومات كي يقوموا بزيارة ميدانية للأسرى الذين تبين وجودهم , واجبار العدو الصهيوني على السماح بزيارتهم , وتزويد الجبهة بتقارير عن ذلك . كما أبلغت قيادة الجبهة الوسيط ايمري بموقفها من أية محادثات قادمة بشأن تبادل للأسرى و الذي يتضمن ما يلي :
    ( لايمكن تحت أي ظرف كان إجراء محادثات تبادل أسرى دون حل مسالة جميع ( المفقودين ) أو المكتومين من الأسرى المناضلين الفلسطينيين وتبيان مصيرهم .. وفقط بعد ذلك يمكن التحدث بشأن محادثات عبر الصليب الأحمر من اجل التوصل لاتفاق حول تبادل الأسرى ) .
    كانت الجبهة تدرك تماماً أن موقفها هذا لايمكن التنازل عنه لاعتبارات أخلاقية و نضالية يصعب تجاوزها , فالوفاء للمناضلين الفلسطينيين يلزم الجبهة كمنظمة ثورية بان لا تساوم أبداً على مصير مناضليها . وقد استفيد فعلاً من تلك المعلومات في تبيان مصير عدد من ( المكتومين ) و لكن ليس جميعهم , مما جعل ايمري و الصليب الأحمر الدولي يواصلان مساعيهما لحل هذا الأمر .
    وفي غضون شهور النصف الثاني لعام 1983 ظلت مسألة إجراء محادثات تبادل للأسرى تراوح في مكانها , بانتظار حل مسألة أسرى المقاومة ( المفقودين ) . وفي نفس الوقت كان الطرف الصهيوني أيضاً مهتماً بمصير أربعة من مفقوديه , أحياء كانوا أم أمواتا . و لكنه خلافاً لموقف الجبهة الشعبية _ القيادة العامة , كان يرتأي البدء بمحادثات تبادل للأسرى في جنيف تحت وساطة و رعاية الصليب الأحمر , جنباً إلى جنب مع بحث مسالة المفقودين . وبقيت الأمور على هذا الحال بينما كان السيد ايمري والصليب الأحمر يواصلان التعبير عن الاستعداد للاجتماع بالأطراف المعنية عند حصول أي جديد بهذا الشأن . وبعد ذلك أبلغت قيادة الجبهة و قيادة فتح بان الطرف الصهيوني يقترح إجراء محادثات لتبادل الأسرى في جنيف الأسبوع الأول من تشرين أول 1983 , ويقترح بحث مسألة المفقودين هناك كمقدمة أولى مفضلاً هذه الطرقة على طريقة تبادل الآراء القائمة عبر الرحلات المكوكية للسيد ايمري و اتصالات الصليب الأحمر بين الطرفين .
    في تلك المرحلة تماماً , ونتيجة لبدء الاتصالات التي قام بها الوسيط النمساوي , ناقشت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير مسألة وضع أسرى العدو الثمانية , واتخذت قراراً بالإجماع بتشكيل لجنة لإنجاز هذه المسألة و معالجتها من الأخوة و الرفاق :
    خالد الفاهوم . طلال ناجي . عبد المحسن أبو ميزر . أحمد اليماني . و كلفت اللجنة بمناقشة الجبهة الشعبية _ القيادة العامة حول :
    1- تشكيل وفد مشترك من كلا الفصيلين فتح ـ و القيادة العامة , للتفاوض مع الصليب الأحمر الدولي لإجراء تبادل للأسرى .
    2- المطالب و الشروط الأساسية التي يضعها الفصيلان لعملية التبادل .
    و لقد وافقت قيادة الجبهة على تشكيل وفد مشترك , وعلى وضع مطالب و شروط مشتركة و موحدة يستند إليها الوفد المشترك في مفاوضاته مع الصليب الأحمر .
    وهكذا تقرر أن تكون الخطوة الأولى الطبيعية قبل تحديد أي موعد للمفاوضات مع الصليب الأحمر في جنيف , هي صياغة مطالب و شروط منظمة التحرير الفلسطينية و التي سيضعها الفصيلان فتح _ و القيادة العامة بشكل مشترك ومتفق عليه.
    ولذلك تشكلت لجنة مشتركة من ( القيادة العامة ) و ( فتح ) لصياغة هذه المطالب و تحديد عدد و أسماء الأسرى المراد تحريرهم من السجون الصهيونية , مقابل الإفراج عن أسرى العدو الثمانية .
    وبعد سلسلة اجتماعات و مشاورات تم وضع المطالب و الشروط التالية وفق الاقتراحات التي قدمتها الجبهة الشعبية _ القيادة العامة ـللجنة التنفيذية وهي:

    1- تحرير كافة معتقلي معسكر أنصار , و إغلاق المعتقل نهائياً و كذلك معتقلي سجون صيدا _ صور _ النبطية .
    2- إعادة جميع ما سلبه الجيش الصهيوني من مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت و تسليمه للمنظمة .
    3- تحرير /1250/ معتقلا من سجون الاحتلال الصهيوني في فلسطين , حسب قوائم الأسماء التي يضعها الفصيلان .
    4- تخيير كل معتقل في سجون الاحتلال الصهيوني في فلسطين بين البقاء بين أهله و في وطنه أو المغادرة .
    5- أن تتعهد ( الحكومة الصهيونية ) بعدم إعادة اعتقال أي أسير محرر بنفس التهم التي دخل بسببها المعتقل .
    واستندت هذه المطالب إلى شروط خروج المقاومة من بيروت و شروط إفراج منظمة التحرير عن اثنين من جنود الاحتلال الصهيوني ( الطيار وجندي الدبابات )اللذين وقعا بأسر الجبهة الشعبية القيادة العامة , التي تعهد العدو حينها بإطلاق سراح معتقلي أنصار و إغلاقه ( إذا لم يكن بأيدي المقاومة الفلسطينية حينذاك سوى هذين الأسيرين ) . وكان عرفات قد ذكر ذلك أمام قيادة المقاومة في بيروت قبيل خروجها , حين أعلن لهم بأن منظمة التحرير ستسلم الطيار الأسير و الجندي إلى الصليب الأحمر . ومقابل ذلك يضمن كل من فيليب حبيب و شفيق الوزان رئيس الوزراء اللبناني آنذاك بأن ينفذ العدو تعهده هذا . و كانت قيادة الجبهة تدرك جيداً انه ما كان ينبغي الإفراج عن الطيار و الجندي ألا بعد تحرير معتقلي أنصار . وكذلك الرفيق الأمين العام أحمد جبريل قد ألح على عرفات في بيروت و قبل الخروج بعدم تسليمهما خاصة وان للقيادة العامة رأياً سابقاً بهذا الشأن , هو أن تحتفظ بأسير منهما ضمانة لتحرير معتقلي أنصار فيما كانت لعرفات تقديرات أخرى مختلفة تماماً عن منطق الأمور والواقع أن طلب تحرير 1250 أسير من سجون الوطن المحتل في فلسطين , كان هو المطلب الأساسي و المفصلي لإجراء عملية التبادل . بل و كانت هذه المسألة تعني أنه كان ينبغي أن يكون قد تم تحرير معتقلي أنصار بعد خروج المقاومة من بيروت وفق وعود حبيب و الوزان و بعد الإفراج عن الأسيرين الصهيونيين , ( الطيار و الجندي ) من قبل المنظمة . وكانت جميع الفصائل الفلسطينية قد طالبت بأن يكون المطلب الأساسي هو تحرير أكبر عدد من أسرانا من السجون الصهيونية في فلسطين . دون أن يعني هذا تقليلاً من شأن الاهتمام بتحرير معتقل أنصار و الجنوب اللبناني , بل كان هذا المطلب ملحاً أيضاً . وكان منطلق الجبهة المعبر عنه في الجلسات المشتركة مع فتح , وفي جلسات اللجنة التنفيذية , يقوم على استثمار هذه الفرصة التاريخية , ( ثمانية أسرى بأيدي منظمة التحرير ) لتحرير اكبر عدد من أسرى الداخل . ولذلك عكفت اللجان المشتركة في منتصف عام 1983 و لعدة أسابيع على تحديد أسماء /1250/ من المناضلين الأسرى داخل سجون فلسطين المحتلة وبعناية فائقة , تم إعداد القوائم و اتفق على عدم تقديم أي تنازل بشأنها .وتقرر أن تبقى قوائم الأسماء سرية ولاتسلم إلى أي جهة كانت لكي لا تطلع عليها السلطات الإسرائيلية إلا بعد موافقتها على مطالبنا كافة . وإذا ما تم ذلك حقاً يمكن تسليم هذه القوائم قبل أيام من موعد التبادل للصليب الأحمر الدولي وف وقت تكون فيه فرص المناورة أمام العدو قد ضاقت إلى أدنى حد .


    مركز بيسان ... يرحب بكم
    http://besancenter.maktoobblog.com/

    تعليق


    • #3
      ويتابع مراد قائلاً : ( فقمت على الفور بإبلاغ الرفيق الأمين العام والقيادة العسكرية الميدانية في البقاع بهذه الخطة وما تستلزمه من معدات ضرورية وعلمت مباشرة أن الأمين العام أثنى على الخطة وأصدر تعليماته بتوفير كافة المستلزمات المطلوبةوالبدء فورا في تنفيذها.

      وفي تلك الليلة التاريخية من الرابع من أيلول عام 1982 لم تشأ الظروف المحيطة توفير فرصة تنفيذ العمليتين معاً وفي نفس الوقت فالتطورات على الأرض حالت دون إعداد المجموعتين معاً بسبب ظروف قاهرة . ولذلك توجهت المجموعة المشتركة من وحدات الجبهة ومن وحدات فتح باتجاه الكمين الإسرائيلي القريب من قرية الهلالية وتعطل توجه مجموعة أخرى نحو كمين العبيدية وتمكنت مجموعتنا مع سامح من حركة فتح بأسر كافة أفراد الكمين الإسرائيلي الذي قمنا بمباغتته ومهاجمة أفراده وعددهم ثمانية أصيب واحد منهم بجراح فاضطررنا إلى ترحيله من موقع المعركة بأقصى سرعة في سيارة خاصة بنا إلى اقرب مستوصف لحركة فتح .

      وانطلقنا بعد تقييد الأسرى الجنود السبعة نحو مناطقنا الآمنة لنكتشف أن قوات العدو ومروحياته كثفت تحركها لمطاردتنا بعد معرفتها بما حصللجنودها . فاجبرنا على الانفصال الى مجموعتين تتجه كل منها باتجاه مختلف عن الأخرى وبصحبة كل مجموعة عدد من الأسرى حتى إذا تم محاصرة مجموعة نجحت الأخرى بالاحتفاظ بما معها من أسرى . وعلى هذا النحو قمت أنا وأبو ربيع خضر باصطحاب أسيرين من جنود العدو بسيارتنا التي لا تتسع إلا لعدد محدود من الأفراد و اصطحبت مجموعة فتح التي توفر لديها ثلاث سيارات الأسرى الخمسة الآخرين ومضت كل سيارة باتجاه . وعند وصولنا إلى مواقعنا الآمنة في البقاع ظهر لنا أن الأسيرين الإسرائيليين هما يوسف غروف ونيسيم شاليم وهما مجندان أحدهما من أصل هنغاري و الأخر من أصل يهودي مصري ".

      ويستذكر أبو علي مراد و أبو ربيع خضر بالتقدير و الإعجاب الشديد الدور البطولي الذي قام به الرفيقان (أبوالجماجموأبو الهوى ) اللذان شاركا في أسر جنود العدو في تلك العملية واستشهدا فيما بعد في عمليتين منفصلتين بعد سنوات أحدهما في قصف جوي استهدف مواقع الجبهة في منطقة الناعمة قرب البحر و الآخر في عملية إنزال بحري وجوي باستخدام كلاب مفخخة بالمتفجرات ضد موقع للجبهة قرب منطقة ( الناعمة ) نفسها.

      الاعتراف الإسرائيلي بشجاعة الفدائيين الذين أسروا جنود العدو في أيلول 1982

      يقول المراسل العسكري لصحيفة ( عل همشمار ) في 23/5/1985 بعد إجرائه مقابلة مع الأسرى الإسرائيليين في أعقاب عملية تبادل الأسرى ( الجليل ) في أيار من نفسالعام :

      ( لم يتصور الجنود الإسرائيليون الذين تم أسرهم أن الفلسطينيين هم من فاجأهم وطلب منهم الاستسلام في موقع كمينهم " قرب الهلالية " فقد طلب منهم المسلحون الفلسطينيون إلقاء سلاحهم بسرعة ودون تهديد عنيف . ولذلك لم يشعر الجنود الثمانية بوجود خطر حقيقي يهدد حياتهم من قبل المسلحين الفلسطينيين وكأن الأمر عادي بكل بساطة ) .

      ويقول المراسل : ( بل إن الأجواء التي سادت أثناء اختطاف واسر الجنود الثمانية ودون الدفاع عن أنفسهم لم تدفع أي منهم إلى محاولة الهرب أو الصراخ بصوت مرتفع لانه لو أطلقت طلقة في ذلك الموقع تماماً رصاصة واحدة لانطلق جنود إسرائيليون لنجدتهم من نقطة مراقبة لا تبعد عن ذلك الكمين إلا ( 400 متراً ) .

      وذكرت الصحيفة العبرية أيضاً أن الجنود الأسرى أدركوا انهم وقعوا في الأسر حقاً حين توقفت السيارة أمام حاجز تبين انه للجبهة الشعبية _ القيادة العامة .

      وهكذا كان من نصيب الجبهة أسيران من الثمانية واحتفظت فتح في قواعدها بالستة الآخرين بسبب ظروف ميدان المعركة واضطرار المجموعة المشتركة من الوحدات الفدائية إلى الافتراق و المناورة أثناء انسحابها وبصحبتها الأسرى الإسرائيليين .

      في اليوم التالي أعلن ناطق عسكري إسرائيلي في 5/9/1982 أن ثمانية من الجنود الإسرائيليين فقدوا من موقعهم في بحمدون و(أن الآثار دلت على أنهم أسروا من رجال " المنظمات " الذين اقتادوهم نحو الأراضي اللبنانية الواقعة تحت سيطرة القوات السورية )

      وأضاف ( أن قوات إسرائيلية قامت بالبحث عن الجنود , حيث عثرت على أجهزتهم العسكرية و على أثار أقدامهم وأقدام الذين أسروهم , وهي تعبر خط إطلاق النار ) .

      وفي اليوم الثالث , وجه أريل شارون تحذيراً للمقاومة الفلسطينية من المس بحياة الجنود الصهاينة ( الذين اختطفوا خلال وجودهم داخل الخطوط الإسرائيلية في عملية تشكل خرقاً لوقف إطلاق النار ) .

      وفي عددها الصادر يوم 7 أيلول ذكرت صحيفة هآرتس الصهيونية ( أن رئاسة الأركان الإسرائيلية قد استقبلت خبر أسر الجنود الثمانية مع أسلحتهم بوجوم ) وأضافت نقلا عن مسؤولين عسكريين : ( أن الخطورة تتمثل , هذه المرة , في أن الجنود الثمانية قد وقعوا في الأسر دون إطلاق رصاصة واحدة ) .

      وفي الثامن من أيلول ذكرت إذاعة العدو ( أن الأوامر صدرت إلى الجنود الإسرائيليين بالبقاء في حالة يقظة قصوى , خاصة في المنطقة الشرقية الوسطى من لبنان , وذلك لتفادي عمليات مشابهة في المستقبل ) .

      وفي نفس هذا اليوم أشارت وكالات الأنباء , نقلاً عن هيئة الصليب الأحمر الدولي , إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية أبلغت الهيئة الدولية بوقوع الجنود الصهاينة الثمانية في الأسر , وأنهم يعاملون معاملة حسنة وفق اتفاقيات جنيف الدولية .

      وبعد أقل من شهرين , من أسر الجنود الصهاينة , سمح لبعثة منظمة الصليب الأحمر بزيارة الأسرى الستة .. وذكر مراسل إذاعة مونت كارلو الذي تابع الزيارة , أن هؤلاء الأسرى طالبوا حكومتهم ( بالعمل فوراً على إطلاق سراحهم وأوضحوا أنهم يعاملون معاملة حسنة , وأنهم على اتصال دائم مع بعضهم ) . وفي غضون ذلك أعلن المستشار النمساوي برونو كرايسكي ( وكالات 28/11/1982 ) بأنه تلقى من عائلات الجنود الإسرائيليين الأسرى طلباً للتوسط من أجل إعداد صفقة لتبادل الأسرى مع الجبهة الشعبية _ القيادة العامة ومع منظمة التحرير وفي حديث مع إذاعة النمسا أعلن كرايسكي أن تدخله للتوسط من أجل إجراء عملية التبادل للأسرى لا يحمل إلا صفة الدافع الإنساني وليس له أي صفة سياسية . وأن دوره حساس إلى حد لا يستطيع فيه التحدث بشيء .

      ( حازي شاي ) الرقيب أول الذي وقع في اسر فدائيي الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة


      في سياق المعارك الأولى التي جرت في منطقة البقاع الغربي و التي تميزت بقصف من الدبابات الإسرائيلية للمواقع الفلسطينية ومواقع الجيش السوري ووحدات المليشيات الوطنية اللبنانية في تلك المنطقة كان " حازي شاي " اليهودي من اصل عراقي يقود إحدى الدبابات ضمن رتل من الدبابات الإسرائيلية التي ظهر إنها ضلت طريقها ولم تعد تعرف كيف تتصرف مع غروب الشمس وشراسة المقاومة في ذلك القطاع.

      في ذلك الوقت بالذات كانت وحدات فدائية من قوات الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة تعمل بموجب أوامر صدرت لها في تلك المنطقة بتعقب بعض الدبابات وإطلاق قذائف( آ ر ب ج ) عليها وتدميرها .

      وفي ليلة 11/6/1982 بعد مرور أيام على الاجتياح الإسرائيلي للبنان رصدت الوحدات إحدى الدبابات التي انعزلت عن رتلها في منطقة طوبوغرافية معقدة فأطلقت عليها قذائف ( آ ر ب ج )وانتظرت مدة من الوقت ريثما يتبين ما إذا كان عدد من الناجين منها قد خرجوا من الدبابة التي أعطبت وخرج منها الدخان .

      وعلى الفور لمح رجال الوحدة الفدائية جندياً إسرائيلياً جريحاً يترنح محولا الهرب من الموقع الذي أصيبت فيه الدبابة فحملته وسارعت بنقله إلى موقع قريب للجبهة سيراً على الأقدام .

      وعلى الفور ابلغ قائد الموقع الرفيق الأمين العام أحمد جبريل بوقوع أسير برتبة رقيب أول قائد دبابة يتحدث بلغة عربية ضعيفة وبلهجة عراقية وبسبب مجريات المعارك المتواصلة في تلك الأيام الأولى للاجتياح الإسرائيلي و التصدي له تم نقل قائد الدبابة حازي شاي سراً إلى إحدى المواقع الآمنة حيث تم تامين العلاج الطبي المناسب لجراحه وضمان سلامة وجوده حياً يرزق . ولم تعلن قيادة الجبهة في نفس اليوم عن أسره بانتظار تطور الظروف ووقوع المزيد من جنود العدو أسرى لديها .

      3 – المفاوضات الأولى مع ممثل مستشار النمسا برونو كرايسكي :

      في مطلع عام 1983 أبلغ الأمين العام أحمد جبريل برغبة السيد " هربرت إيمري " سفير النمسا في أثينا والمدير السابق للمستشار النمساوي كرايسكي أثناء توليه رئاسة الوزراء في فيينا بالاجتماع بالأمين العام بغرض استطلاع إمكانية لتوسط بين الجبهة والطرفالإسرائيلي حول إمكانية إجراء عملية تبادل للأسرى بين الجانبين بعد أن طلبت تل أبيب منه القيام بهذا الدور . وكانت هذه المبادرة الإسرائيلية قد تجاوزت بالتالي التوجه للهيئة الدولية للصليب الأحمر ودعوتها إلى هذا الدور لأنها أرادت كما علم فيما بعد إعطاء الصليب الأحمر دوراً في مرحلةلاحقة.

      و قد قبلت قيادة الجبهة هذه المهمة انطلاقا من الحقائق التالية :

      1-أن إيمري كان معروفا بصلاته المباشرة و الوثيقة مع قيادة منظمة التحرير منذ أن كان مديراً لمكتب حكومة كرايسكي المستشار النمساوي السابق ، و سفير دولته في بيروت و بعد ذلك في أثينا 0

      2-كان على علاقة ما ببعض أوساط الحكم في تل أبيب ( قادة حزب العمل ) و بعض أعضاء الكنيست مثل :"أرييه إلياف ) مما جعله مقبولاً لدى الطرف الصهيوني أيضاً 0

      3-كان يحظى باحترام المنظمات الفلسطينية لمواقفه المعروفة و المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني و منظمة التحرير الفلسطينية 0

      4-كان ديبلوماسياً معروفاً بديناميكيته و ذكائه كمؤهلات مناسبة لدور كهذا 0

      5-كان يمثل دولة محايدة معروفة بسياستها المتوازنة ، و تأييدها للعالمالثالث و للشعوب العربية 0

      و حين حضر إيمري إلى المنطقة ، في أول جولاته في أوائل آذار 1983 , لم يحمل معه سوى رغبة الطرف الآخر باستطلاع آراء قيادة عرفات و الجبهة الشعبية – القيادة العامة معاً ، بشأن إمكانية
      --------------------------
      البدء بمحادثات تؤدي إلى تبادل للأسرى بين الطرفين ، و هذا ما نقله لقيادة عرفات وقيادة الجبهة ، التي كان يحمل لها أيضاً مقترحات من الطرف الآخر بشأن الإعلان عن أسماء من لديها من أسرى العدو ، و ترتيب زيارة للصليب الأحمر لهم . وكان عرفات قد أعلن مسبقاً عن أسماء الأسرى الستة الذين يحتجزهم ، ورتب للصليب الأحمر زيارةهم، دون الحصول على ضمانات الكشف عن مصير المناضلين الفلسطينيين الذين أخفاهم العدو في سجون الداخل ، ولم يعترف بوجودهم للصليب الأحمر الدولي.

      و لذلك أصبحت هذه النقطة ، بالتحديد ، موضع مناقشات مستفيضة في المراحل اللاحقة من مفاوضات التبادل ، و كان واضحاً أن العدو الصهيوني يخطط لابتزاز موقف الجبهة و استخدام موضوع المكتومين لتخفيف و احتواء الشروط و المطالب التي قدمها جبريل للوسيط النمساوي.

      و من جانبها أدركت الجبهة هذا المخطط ، و فوتت الفرصة على العدو حين أصرت على كشف مصائر الرفاق غير المعلن عنهم وضمهمإلى قائمة المطلوب تحريرهم دون المس بالشروط و المطالب الأخرى 0

      و منذ اللقاء الأول مع إيمري كانت قيادة الجبهة الشعبية – القيادة العامة – تدرك جيداً ما ينبغي أن تقوله بهذا الشأن خاصة حول المسألة الأساسية : " المفقودين " أو بتعبير آخر " المكتومين " فقد تجمع لديها أسماء ( 109 ) من عناصرها إضافة لأسماء عناصر أخرى لبقية الفصائلممن أنكر العدو وجودهم في رده على طلب الصليب الأحمر الدولي ، و لم يسمح له بزيارتهم بعد أن زودته الجبهة بأسمائهم و بالدلائل التي تثبت وجودهم أسرى في سجون الاحتلال 0

      كان ذلك في 29/3/1983 ... و قد حضر الاجتماع عن الجانب النمساوي الدكتور إيمري و قنصل النمسا في دمشق " ولفغانج شتيغر " و عن الجبهة الشعبية " القيادة العامة " الرفيق الأمين العام أحمد جبريل والرفيق طلال ناجي الأمين العام المساعد و الرفيق عمر الشهابي رئيس الدائرة السياسية و العلاقات الخارجية.

      و في ذلك اللقاء ، و بعد الترحيب بالدكتور إيمري ، أوضح الرفيق أحمد جبريل حقيقة احترام الجبهة لشخصية السيد كرايسكي المعادية للصهيونية رغم الاختلاف معه في وجهات النظر حول الصراع العربي – الصهيوني ، و أشار السيد إيمري إلى مقدمات فكرة الوساطة النمساوية بشأن تبادل الأسرى بين الإسرائيليين و الفلسطينيين ،و أنها ليست وساطة سياسية تتعلق بالصراعبين الجانبين ، و أوضح أن كرايسكي سبق و أن رد على طلب للوساطة السياسية وأعتبرها غير ممكنة أبداً ، لأنه يفترض بالوسيط أن يكون مقبولاً من الطرفين ،و النمسا بزعامة كرايسكي ليست مقبولةمن تل أبيب لأن موقفها واضح من القضية الفلسطينية . ولذلك أضاف إيمري : أن باستطاعة النمسا التوسط في قضايا لا تمس الأمور السياسية رغم أننا نريد أن تنالوا حقوقكم المشروعة ،و قد جرى بيننا و بين بعض الفصائل الفلسطينية لقاءات متعددة ، و أناجئتكم اليوم بعد أن طلب مني المسؤولون في النمسا و في منظمة التحرير ، بحث بعض المسائل المتعلقةأساساً بأسراكم و بللا سرى الإسرائيليين الذين تحتفظون بهم وآمل أن تطلعوني على التفاصيل المتعلقة بالمفقودين من رفاقكم ، بعد حرب لبنان ، و هكذا فإننا بحاجة لمعرفة عدد رفاقكم الذين تعتقدون أنهم وقعوا بالأسر و لم تردكم عنهم أية معلومات ،و أنتم تعرفون أن الطرف الآخر طلب مني الاتصال بمنظمة التحرير و المعنيين بهذا الأمر حول مسألة تبيان مفقودي كل طرف ، و وافقت المنظمة على ذلك " 0

      وخلال هذا اللقاء عرض الوسيط النمساوي الأفكار التالية للتأكد من مصائر المفقودين :

      أ- تفويض ممثل عن أسرى الجبهة في " أنصار " يتم الاتفاق عليه للقيام بمهمة التأكد من وجود المفقودين ، و بعد ذلك تطلق السلطات " الإسرائيلية " سراحه لكي يبلغ قيادة الجبهة عن هؤلاء المفقودين 0

      ب- يطلقسراح هذا الرفيق للالتقاء بقيادة الجبهة و بالتزويد بتعليماتها حول ظروفو عدد المفقودين ، و يعودلمعتقل أنصار ثم يبلغ الجبهة النتائج . و مقابل ذلك يطلب الطرف " الإسرائيلي " :

      1-إما أن يزور الصليب الأحمر الدولي الجنود الأسرى ، الذين تحتفظ الجبهة بهم 0

      2-أو أن تسمح الجبهة لكل أسير صهيوني بأن يكتب رسالة بخط يدهو بالعبرية أو أن تنشر وسائل الإعلام كدليل على وجوده حياً 0

      3-أو أن يرسل الطرف " الإسرائيلي " استمارة يقوم جنوده الأسرى بتعبئتها 0

      وقد أحضر إيمري معه نسخة من هذه الاستمارة 0

      ورداً على ذلك أوضح الرفيق الأمين العام أن المحتلين الصهاينة نقلوا حسب معطيات الجبهة أكثر من ( 300 ) مناضل من معتقل أنصار إلى سجون أخرى لم يصلها الصليب الأحمر , وأنهم يحاولون القيام بلعبة غير إنسانية بهذا الشأن , وقال: ( ومن يقوم يدس السم لأطفال المدارس بالماء كما حصل قبل أيام في الضفة الغربية , لا يتورع أبداً عن إخفاء الأسرى ) , وأضاف: ( أن الجبهة لن تسير ولو ميليمتراً واحداً بشأن الإعلان عمن لديها من أسرى دون اعتراف العدو بوجود المكتومين من أسرانا لديه , فحين يحصل هذا الاعتراف و يسمح للصليب الأحمر بزيارتهم و تفقد أحوالهم ستقوم الجبهة من جانبها بالسماح لأسير من جنوده بإرسال رسالة لأهله . فقضية المكتومين أو( المفقودين ) تعني بالنسبة , للجبهة , مناقبية و شرف و أخلاق لايمكن تجاهلها ولن نقبل افخاخه الخبيثة بان يرسل لنا أحداً من أسرانا لإبلاغنا لان العدو سيستخدم ذلك للتأثير على الروح المعنوية للمعتقلين , أما أن نكلف الصليب الأحمر بالالتقاء على انفراد بأحد رفاقنا الأسرى أو باثنين منهم فهذا أمر نراه معقولا . من جانبه أقر ايمري انه لا مفاوضات حول تبادل للأسرى إلا بعد الحصول على معلومات بشأن الـ 109 وأثنى على اقتراح التقاء الصليب الأحمر بأحد أسرى الجبهة ثم عرض و فد الجبهة للوسيط النمساوي ثلاثة مصنفات :

      المصنف الأول : يضم أسماء الأسرى ( المكتومين ) .

      المصنف الثاني : يضم أسماء الموجودين حالياً في أنصار .

      المصنف الثالث : ما جمعته الملكة دينا عبد الحميد من أسماء ومعلومات عن الأسرى المكتومين .

      كما زودته باسمي اثنين من أسرى الجبهة , في أنصار للاتصال بهما و التحقق عن طريقهما ما إذا كان بعض الرفاق الأسرى استخدموا أسماء غير أسمائهم الحقيقة , لضمهم إلى قوائم الأسرى .

      فهذا الأمر سيسهل حل مسألة بعض ( المكتومين ) لان معظم هؤلاء المكتومين , وليسوا جميعهم , أخفاهم العدو في سجونأخرى . وجرى الإيضاح أن الجبهة ستتيح للأسرى الإسرائيليين الاحتفال بعد خاص بالديانة اليهودية ,ولاحظ قائلاً: ( وإننا في المقابل لا نعرف لماذا ينبغي لليهودي أن يحل عقدة الشعور بالاضطهاد على حساب شعبنا و قضيتنا ) , و استذكر أمام أميري انه كان للجبهة تجربة في معاملة أسرى العدو حين و قع في أيديها من جيش العدو مساعد ضابط عام 1978 و بعد أجراء التبادل , اتضح انه مازال يكن كل احترام و تقدير , وهو الآن من المناهضين للحرب في الكيان الصهيوني

      و في الثالث من نيسان عام 1983 عاد . هربرت ايمري , واجتمع بالأمين العام بحضور الرفيق أبو حازم و الرفيق الأمين العام المساعد وقال بعد زيارته لمعتقل أنصار , ( أن الأسرى هناك قاموا بتنظيم أنفسهم على نحو جيد , وهم يتمتعون بمعنويات عالية ولديهم لجنة قياديةوقد اجتمعت باللجنة القيادية , و بضمنها اثنين من رفاقكم اللذين أوصيتموني بالاجتماع بهما بشأن المفقودينو لدي الآن فعلاً نتائج إيجابية بشأن العديد من المفقودين , فالمعلومات التي قدمها رفيقاكم جلت الكثير من الأمور ) .

      و قدم ايمري قوائم بأسماء المفقودين و على هوامشها الكثير من المعلومات التي كتبها الرفاق الأسرى حول رفاقهم المفقودين , مؤكدينو جودهم في سجون الداخل . و الذي حدث بعد لقاء الوسيط النمساوي بالرفاق الأسرى في أنصار أن رفاقنا سارعوا بكتابة رسالة خطية سرية إلى القيادة وصلت قبل وصول السيد ايمري و كانت المعلومات التي تضمنتها مطابقة لما ابلغه الوسيط النمساوي لقيادة الجبهة في ذلك الاجتماع حول حقيقة أن العدو قد أخفى فعلاً معظم الرفاق الذين صنفوا لدى الجبهة كمفقودين و الذين بلغ عددهم 109 .

      وفي هذا الاجتماع تحدث ايمري عن اجتماعه بقيادة ( فتح ) و ابلغ الجبهة بان عرفات قدم عرضاً لمطالبة بشأن تبادل الأسرى , فمقابل إطلاق سراح الثمانية أسرى ( الإسرائيليين ) ( ستة لديه و اثنان لدى الجبهة ) , تقدم عرفات بالمطالب التالية :

      1-إطلاق سراح جميع معتقلي أنصار .

      2-إطلاق سراح (1000) أسير من المعتقلين داخل سجون الوطن المحتل .

      3-إعادة وثائق مركز الأبحاث .

      وأضاف , ايمري انه كان قد ابلغ الصف الصهيوني بهذه المطالب ولكن تل أبيب لم تعلق بشيء . واستفسر ايمري عما إذا كانت هذه المطالب قد و ضعت بمعرفة الجبهة و علمها . و كانت قيادة الجبهة على علم بهذه المطالب بل وناقشتها مع قيادة فتحو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية , ولكن لم يجري الاتفاق عليها بالطبع .

      وعبرت الجبهة في ذلك النقاش عن آرائها و على ضرورة تعديل المطالب على النحوالتالي :

      1- إطلاق سراح جمع معتقلي أنصار و جميع المعتقلين في سجون صيدا وصور و النبطية .

      2- إطلاق سراح 1250 أسير من المعتقلين في داخل سجون الوطن المحتل و أن توضع قائمة بأسمائهم على نحو مشترك بين" فتح "و" القيادة العامة " .

      3- إعادة وثائق مركز الأبحاث .

      4- حق تخيير كل أسير بالداخل ما بين أن يبقى حراً بين أهله ووطنه أو أن يغادر .

      و طلب وفد الجبهة من ايمري وضع الصليب الأحمر بصورة زيارته لمعتقل أنصار و المعلومات الجديدة حول المفقودين , ومن جانبها ستزود الجبهة مندوبي الصليب الأحمر بهذه المعلومات كي يقوموا بزيارة ميدانية للأسرى الذين تبين وجودهم , واجبار العدو الصهيوني على السماح بزيارتهم , وتزويد الجبهة بتقارير عن ذلك . كما أبلغت قيادة الجبهة الوسيط ايمري بموقفها من أية محادثات قادمة بشأن تبادل للأسرى و الذي يتضمن ما يلي :

      ( لايمكن تحت أي ظرف كان إجراء محادثات تبادل أسرى دون حل مسالة جميع ( المفقودين ) أو المكتومين من الأسرى المناضلين الفلسطينيين وتبيان مصيرهم .. وفقط بعد ذلك يمكن التحدث بشأن محادثات عبر الصليب الأحمر من اجل التوصل لاتفاق حول تبادل الأسرى ) .

      كانت الجبهة تدرك تماماً أن موقفها هذا لايمكن التنازل عنه لاعتبارات أخلاقية و نضالية يصعب تجاوزها , فالوفاء للمناضلين الفلسطينيين يلزم الجبهة كمنظمة ثورية بان لا تساوم أبداً على مصير مناضليها . وقد استفيد فعلاً من تلك المعلومات في تبيان مصير عدد من( المكتومين ) و لكن ليس جميعهم , مما جعل ايمري و الصليب الأحمر الدولي يواصلان مساعيهما لحل هذا الأمر .

      وفي غضون شهور النصف الثاني لعام 1983 ظلت مسألة إجراء محادثات تبادل للأسرى تراوح في مكانها , بانتظار حل مسألة أسرى المقاومة ( المفقودين ) . وفي نفس الوقت كان الطرف الصهيوني أيضاً مهتماً بمصير أربعة من مفقوديه , أحياء كانوا أم أمواتا . و لكنه خلافاً لموقف الجبهة الشعبية _ القيادة العامة , كان يرتأي البدء بمحادثات تبادل للأسرى في جنيف تحت وساطة و رعاية الصليب الأحمر , جنباً إلى جنب مع بحث مسالة المفقودين . وبقيت الأمور على هذا الحال بينما كان السيد ايمري والصليبالأحمر يواصلان التعبير عن الاستعداد للاجتماع بالأطراف المعنية عند حصول أي جديد بهذا الشأن . وبعد ذلك أبلغت قيادة الجبهة و قيادة فتح بان الطرف الصهيوني يقترح إجراء محادثات لتبادل الأسرى في جنيف الأسبوع الأول من تشرين أول 1983 , ويقترح بحث مسألة المفقودين هناك كمقدمة أولى مفضلاً هذه الطرقة على طريقة تبادل الآراء القائمة عبر الرحلات المكوكية للسيد ايمري و اتصالات الصليب الأحمر بين الطرفين .

      في تلك المرحلة تماماً , ونتيجة لبدء الاتصالات التي قام بها الوسيط النمساوي , ناقشت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير مسألة وضع أسرى العدو الثمانية , واتخذت قراراً بالإجماع بتشكيل لجنة لإنجاز هذه المسألة و معالجتها من الأخوة و الرفاق :

      خالد الفاهوم . طلال ناجي . عبد المحسن أبو ميزر . أحمد اليماني . و كلفت اللجنة بمناقشة الجبهة الشعبية _ القيادة العامة حول :

      1-تشكيل وفد مشترك من كلا الفصيلين فتح ـ و القيادة العامة , للتفاوض مع الصليب الأحمر الدولي لإجراء تبادل للأسرى .

      2-المطالب و الشروط الأساسية التي يضعها الفصيلان لعملية التبادل .

      و لقد وافقت قيادة الجبهة على تشكيل وفد مشترك , وعلى وضع مطالب و شروط مشتركة و موحدة يستند إليها الوفد المشترك في مفاوضاته مع الصليب الأحمر .

      وهكذا تقرر أن تكون الخطوة الأولى الطبيعية قبل تحديد أي موعد للمفاوضات مع الصليب الأحمر في جنيف , هي صياغة مطالبو شروط منظمة التحرير الفلسطينية و التي سيضعها الفصيلان فتح _ و القيادة العامة بشكل مشترك ومتفق عليه.

      ولذلك تشكلت لجنة مشتركة من ( القيادة العامة ) و ( فتح ) لصياغة هذه المطالب و تحديد عدد و أسماء الأسرى المراد تحريرهم من السجون الصهيونية , مقابل الإفراج عن أسرى العدو الثمانية .

      وبعد سلسلة اجتماعات و مشاورات تم وضع المطالب و الشروط التالية وفق الاقتراحات التي قدمتها الجبهة الشعبية _القيادة العامة ـللجنة التنفيذية وهي:


      1- تحرير كافة معتقلي معسكر أنصار , و إغلاق المعتقل نهائياً و كذلك معتقلي سجون صيدا _ صور _ النبطية .

      2- إعادة جميع ما سلبه الجيش الصهيوني من مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت و تسليمه للمنظمة .

      3- تحرير /1250/ معتقلا من سجون الاحتلال الصهيوني في فلسطين , حسب قوائم الأسماء التي يضعها الفصيلان .

      4- تخيير كل معتقل في سجون الاحتلال الصهيوني في فلسطين بين البقاء بين أهله و في وطنه أو المغادرة .

      5- أن تتعهد ( الحكومة الصهيونية ) بعدم إعادة اعتقال أي أسير محرر بنفس التهم التي دخل بسببها المعتقل .

      واستندت هذه المطالب إلى شروط خروج المقاومة من بيروت و شروط إفراج منظمة التحرير عن اثنين من جنود الاحتلال الصهيوني( الطيار وجندي الدبابات )اللذين وقعا بأسر الجبهة الشعبية القيادة العامة , التي تعهد العدو حينها بإطلاق سراح معتقلي أنصار و إغلاقه ( إذا لم يكن بأيدي المقاومة الفلسطينية حينذاك سوى هذين الأسيرين ) . وكان عرفات قد ذكر ذلك أمام قيادة المقاومة في بيروت قبيل خروجها , حين أعلن لهم بأن منظمة التحرير ستسلم الطيار الأسير و الجندي إلى الصليب الأحمر . ومقابل ذلك يضمن كل من فيليب حبيب و شفيق الوزان رئيس الوزراء اللبناني آنذاك بأن ينفذ العدو تعهده هذا . و كانت قيادة الجبهة تدرك جيداً انه ما كان ينبغي الإفراج عن الطيار و الجندي ألا بعد تحرير معتقلي أنصار . وكذلك الرفيق الأمين العام أحمد جبريل قد ألح على عرفات في بيروت و قبل الخروج بعدم تسليمهما خاصة وان للقيادة العامة رأياً سابقاً بهذا الشأن , هو أن تحتفظ بأسير منهما ضمانة لتحرير معتقلي أنصار فيما كانت لعرفات تقديرات أخرى مختلفة تماماً عن منطق الأموروالواقع أن طلب تحرير 1250 أسير من سجون الوطن المحتل في فلسطين , كان هو المطلب الأساسي و المفصلي لإجراء عملية التبادل . بل و كانت هذه المسألة تعني أنه كان ينبغي أن يكون قد تم تحرير معتقلي أنصار بعد خروج المقاومة من بيروت وفق وعود حبيب و الوزان و بعد الإفراج عن الأسيرين الصهيونيين , ( الطيار و الجندي ) من قبل المنظمة . وكانت جميع الفصائل الفلسطينية قد طالبت بأن يكون المطلب الأساسي هو تحرير أكبر عدد من أسرانا من السجون الصهيونية في فلسطين . دون أن يعني هذا تقليلاً من شأن الاهتمام بتحرير معتقل أنصار و الجنوب اللبناني , بل كان هذا المطلب ملحاً أيضاً . وكان منطلق الجبهة المعبر عنه في الجلسات المشتركة مع فتح , وفي جلسات اللجنة التنفيذية , يقوم على استثمار هذه الفرصة التاريخية , ( ثمانية أسرى بأيدي منظمة التحرير ) لتحرير اكبر عدد من أسرى الداخل . ولذلك عكفت اللجان المشتركة في منتصف عام 1983 و لعدة أسابيع على تحديد أسماء /1250/ من المناضلين الأسرى داخل سجون فلسطين المحتلة وبعناية فائقة , تم إعداد القوائم و اتفق على عدم تقديم أي تنازل بشأنها .وتقرر أن تبقى قوائم الأسماء سرية ولاتسلم إلى أي جهة كانت لكي لا تطلع عليها السلطات الإسرائيلية إلا بعد موافقتها على مطالبنا كافة . وإذا ما تم ذلك حقاً يمكن تسليم هذه القوائم قبل أيام من موعد التبادل للصليب الأحمر الدولي وف وقت تكون فيه فرص المناورة أمام العدو قد ضاقت إلى أدنى حد .


      مركز بيسان ... يرحب بكم
      http://besancenter.maktoobblog.com/

      تعليق


      • #4
        الفصل الثالث ..مفاوضات ماراثونية

        .ـ الوفد الفلسطيني المشترك
        يبدأ المفاوضات مع مندوبي الصليب الأحمرفي جنيف:
        بالاستناد إلى هذه الشروط تشكل الوفد المشترك بعد أن أتصل ممثل الصليب الأحمر الدولي السيد جون هوفليجر رئيس دائرة الشرق الاوسط في المنظمة الدولية بمنظمة التحرير للاستفسار منها حول إمكانية عقد أول جلسات التفاوض معه في جنيف في منتصف شهر تشرين أول 1983وقد ضم الوفد المشترك : جمال الصوراني , عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة _ و فخري شقورة من منظمة فتح _ والرفيق عمر الشهابي عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية القيادة العامة _ و الرفيق تحسين حلبي .
        و قبيل سفر وفد الجبهة برئاسة الرفيق عمر الشهابي عقد الأمين العام اجتماعاً لقيادة الجبهة و اتفق على الموقف الذي ستتخذه الجبهة في هذه المفاوضات المشتركة الموحدة والذي سوف يحمله وفدها الى تلك المفاوضات و خصوصاً تجاه مسألة الأسرى المفقودين من رفاق الجبهة و تجاه التأكيد على المطالب الأساسية الموحدة التي اتفق عليها باسم منظمة التحرير الفلسطينية 0
        وفي 20 تشرين أول 1983 اجتمع الوفد المشترك في جنيف في مكتب المنظمة وبحضور ممثل المنظمة في جنيف نبيل الرملاوي , لوضع تصور مشترك للطريقة الواجب اتباعها في المباحثات مع وفد الصليب الأحمر و عن المواضيع التي ينبغي التحدث معه بشأنها قبل الدخول بالحديث عن التبادل .

        الجلسة الأولى ... جنيف 22/10/1983

        في مقر المنظمة الدولية للصليب الأحمر التأم أول اجتماع لأول جلسة رسمية بين الوفد المشترك ووفد الصليب الأحمر الذي ضم السيد جون هوفليجر مدير دائرة الشرق الأوسط في الصليب الأحمر و السيد ميشيل كانيو مدير قسم فلسطين المحتلة في المنظمة الدولية وذلك صباح يوم السبت 22/10/1983 .
        استهل جمال الصوراني وحسب التنسيق المعد سلفاً بين أعضاء الوفد الحديث , مؤكداً على أهمية مسألة نقل عدد من معتقلي أنصار إلى سجون الأرض المحتلة في الداخل و معتبراً أن هذا الإجراء يهدف إلى نسف أية مفاوضات قبل إجرائها , وطالب الصليب الأحمر بتزويد الوفد المشترك بقوائم كاملة تضم أسماء جميع معتقلي أنصار .
        هوفليجر : نحن لدينا معلومات بأن عدداً من أسرى أنصار قد تم فعلاً نقلهم إلى سجون الداخل و هم يقدرون بـ 30 معتقلاً . وقد قام مندوبو الصليب الأحمر بزيارتهم و قدموا احتجاجاً للسلطات الإسرائيلية لأن نقلهم يخالف اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب و المدنيين ونحن نخشى أن تلجأ السلطات إلى محاكمتهم , ولكننا و باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر نؤكد بان كل معتقل كان في أنصار هو جزء من عملية التفاوض على تبادل الأسرى و جزء من أي اتفاق يتم التوصل إليه بين الطرفين .
        عمر الشهابي : نحن نطالب بأن تتوقف عملية نقل المعتقلين من أنصار فوراً و إعادة جميع من نقلوا منه أليه , لأننا إذا تجاهلنا ما تقوم به السلطات الصهيونية فلن نجد في النهاية أي معتقل في أنصار .
        جمال الصوراني : أريد أن أؤكد على النقاط التالية :
        1- إن الجبهة الشعبية _ القيادة العامة , وافقت على قيام الصليب الأحمر بزيارات منتظمة للأسيرين اللذين تحتفظ بهما مع التأكيد على انتظام زيارة الصليب الأحمر للأسيرين الفلسطينيين مراد و مصطفى خروبي .
        2- إننا جئنا هنا للتفاوض مع الصليب الأحمر بشأن الاتفاق على تبادل الثمانية أسرى من جنود الاحتلال الصهيوني ومناضلينا الأسرى في سجون الاحتلال أي أن موضوع التبادل هو : الثمانية و ليس الستة الذين تحتفظ بهم حركة (فتح) .
        3- إن الجبهة الشعبية _ القيادة العامة تؤكد على أن ليس لديها سوى أسيرين من جنود الاحتلال و ليس غير ذلك .
        4- إن منظمة التحرير لم تتلق حتى الان أية معلومات حول مفقوديها , ولذلك فإننا بانتظار هذه المعلومات .
        5- نحن نعتبر أن مطالبنا التي أرسلناها للصليب الأحمر هي نفس المطالب التي نطلبها في هذه المفاوضات ( ويذكر أن الوفد المشترك كان قد زود الصليب بنسخة عن تلك المطالب الأساسية لمنظمة التحرير مقابل الإفراج عن الثمانية أسرى ) وهذه المطالب هي :
        6- تحرير كافة معتقلي معسكر أنصار _ وإغلاق المعتقل نهائياً و تحرير كافة المعتقلين في سجون صيدا وصور و النبطية .
        7- إعادة جميع الوثائق التي سلبها الاحتلال الصهيوني من مركز الأبحاث الفلسطيني .
        8- تحرير 1250 معتقلاً من سجون الاحتلال الصهيوني في فلسطين حسب قوائم الأسماء التي سلمت للصليب الأحمر .
        9- تخيير كل معتقل في سجون الداخل بين البقاء عند أهله و في وطنه أو المغادرة .
        10- أن تتعهد السلطات الصهيونية بعدم اعتقال أي أسير محرر بنفس التهم التي أدت إلى اعتقاله و محاكمته .

        هوفليجر : حسناً هذا ما نعرفه جيداً عن مطالبكم و لكن ماذا بشأن زيارة الأسيرين يوسف غروف و نسيم شاليم اللذين تحتفظ بهما الجبهة الشعبية _ القيادة العامة ؟
        عمر الشهابي : سيتم ترتيب زيارة لهما من قبل الصليب الأحمر و لكن بشرط أن تتم زيارة المناضلين الأسيرين مراد بشناق ومصطفى خروبي قبل ذلك .
        هوفليجر : إن مهمتي هي زيارة الأسرى و بدون ربط , فبالاضافة الىكوني وسيطا في مفاوضات تبادل الأسرى فأنا مندوب للصليب الأحمر و مهمتي هي زيارة الأسرى , سواء من كان عندكم أو عند الطرف الآخر . ومثلما ألح عليكم حول هذا الأمر ألح على الطرف الآخر أيضاً .
        عمر الشهابي : حسناً , هذا مفهوم , لكن يسعدنا أن نلمس نتائج مطالبتكم و ضغطكم على الطرف الآخر أولاً .
        هوفليجر : وبالمناسبة دعوني اعرض عليكم ملاحظة أبداها الطرف الإسرائيلي حول بعض مفقوديه فقد ابلغني الوفد الإسرائيلي أنه يريد معرفة مصير بعض جنوده المفقودين . على أية حال سأنقل الآن طلباتكم للطرف الآخر و سأعاود الاجتماع بكم في الثلاثاء لانقل لكم رد الطرف الآخر .
        _ عند هذا الحد انتهى الاجتماع الأول , وتحدد صباح يوم الثلاثاء الموافق 25/10/1983 موعداً للجلسة الثانية .
        وكان قد حضر ذلك الاجتماع إضافة إلى جمال الصوراني و فخري شقورة و عمر الشهابي و تحسين حلبي و نبيل الرملاوي كل من نور علي من مكتب عرفات ودينا عبد الحميد ( مطلقة ملك الأردن و زوجة صلاح التعمري ) .

        الجلسة الثانية ـ جنيف 25/10/1983

        استهل السيد هوفليجر هذه الجلسة بالمطالعة التالية :
        _ إن الطرف الآخر يعرض إطلاق سراح 2500 معتقلاً من أنصار و 50 معتقلاً من الداخل مقابل الإفراج عن الستة أسرى من جنوده وهو يريد أن يعرف مصير المفقودين من جنوده كشرط لتنفيذ عرضه هذا .
        جمال صوراني : لدينا ثمانية أسرى , ستة منهم لدى حركة فتح و اثنان لدى الجبهة الشعبية _ القيادة العامة , و هؤلاء جميعاً موضوع التبادل و ليس ستة فقط . سنحاول جهدنا معرفة مصير المفقودين و لا حاجة لتكرار طلباتنا , باستثناء نقطة أريد توضيحها وهي أن الأسرى الذين خطفتهم القوات الصهيونية من قارب في عرض البحر هم أيضاً جزء من طلباتنا ..
        أما بشأن عرضه فنحن نرفض كلياً هذا العرض الذي لا يدل على جدية الطرف الأخر .
        هوفليجر : إن الطرف الأخر يستحسن ردكم بشأن البحث عن مفقوديه ولكنه يريد بالأسماء و التفاصيل , كما أن شموئيل تامير , رئيس وفد الطرف الأخر يرجو تأجيل الاجتماع إلى الأحد القادم , ولكنه يوجه سؤاله أيضاً حول البحث عن مفقوديه , للجبهة الشعبية _ القيادة العامة أيضاً .
        جمال صوراني : نحن وفد واحد و الموضوع بالتالي يتعلق بثمانية و سنحاول استكشاف أمر المفقودين هذا أولاً , أما ثانياً : فنحن حضرنا هنا بنية طيبة و استعداد حين للوصول إلى نتائج , ولكننا بدأنا نلاحظ أن الطرف الأخر يحاول حتى الآن الحصول على مكاسب دون أن يقدم شيئاً .. فهو ما زال يصر على سرية المحادثات ومن جهة أخرى يحاول التأثير على مقاتلينا بادعائه بان المنظمة تهملهم . و لذلك فنحن لا نستطيع الاستمرار بالحفاظ على سرية هذه المفاوضات . وفي النهاية يقدم عرضاً لا جدية فيه مطلقاً .
        ثم إننا نريد لائحة بأسماء الجرحى و الشهداء من مناضلينا ممن عذبوا و قتلوا داخل معسكر أنصار , وكذلك للذين نقلوا إلى داخل الوطن المحتل . مطالبنا معروفة جيداً و يجب أن نحصل على رد من الطرف الأخر , وإذا لم نحصل على الرد فلن يكون هناك من مبرر للاجتماع مرة أخرى في الأحد القادم , حسبما يقترح تامير و نحن لم نأت للبحث بإعطاء معلومات الخ ..
        هوفليجر : حول سرية المفاوضات انتم تعرفون أننا كصليب احمر حريصون على نقاط العمل للوصول إلى نتائج . ولكنني أسألكم : هل تعتبرون أن الإعلان أو عدمه له أغراض معينة لدى الطرف الأخر ؟
        عمر الشهابي : نعم , انهم يتذرعون بالسرية لاستخدامها ضدنا فهم يصرون على سريتها ثم تعمد أجهزتهم إلى إشعار مقاتلينا بأننا لا نهتم بهم ولا نسعى إلى إجراء عملية تبادل و إنما نتهرب . هذا ما يقصدونه من وراء عدم الإعلان عن مفاوضات تبادل الأسرى . وهذا ما يسربونه و يسهمون به إلى الأسرى في أنصار و في السجون الأخرى .
        هوفليجر : حسناً و لكنني اعتقد أن صلاح التعمري الأسير في معتقل أنصار على علم بوجود مفاوضات تبادل أسرى , و النقطة الأخرى هي أن المناقشات بين الطرفين ستصعب إذا ما تم الإعلان عنها , فهذا سيدفع الصحافة و الإعلام إلى الاستفسار من الصليب الأحمر عن هذا الأمر ونحن كما تعرفون جيداً ليس من شأننا أبداً أو اهتمامنا القيام بمثل هذا الأمر .
        جمال صوراني : اسمحوا لنا أن نعيد و نكرر بأننا لسنا السبب في قطع المحادثات فنحن حددنا ما نريد وهم لم يردوا بجدية أبداً و استعدادهم لاطلاق سراح 2500 من معتقلي أنصار و 50 من معتقلي سجون الوطن المحتل لا يعني لنا شيئاً لان اهتمامنا هو منصب على الداخل أساساً و سرية المحادثات أمر لا نقبله لانه لا يعني أسرانا فقط بل ويعني شعبنا أيضاً . فوفدنا جاء هنا متوقعاً أن تبحث مواضيع تفصيلية تتعلق بكيف و متى و أين و ماهي طريقة إجراء التبادل , أما هم فقد جاؤوا ليبحثوا مسألة مفقوديهم وموعد زيارة سجنائهم الخ ..
        وعند هذا الحد انتهى الاجتماع على أن يعاود السيد هو فليجر ممثل الصليب الأحمر الاتصال بالوفد بعد أن يكون قد التقى بالطرف الآخر لأخذ رأيه بالقضايا المطروحة .
        و في اليوم التالي ، الأربعاء 26/10/1983 ، عقدت جلسة أخرى استهلها السيد هو فليجر بعرض رد الطرف الآخر الذي تتضمن:
        1- أنه يقدر مسألة تقديم معلومات حول جثث مفقوديه و يرغب بأن تكون المعلومات كاملة 0
        2- مقابل الإفراج عن الأسرى الثمانية من جنوده و تسليم ثلاثة جثث لجنوده فهو يعرض إطلاق سراح /3000/ معتقل من معسكر أنصار و جميع سجناء صيدا و صور و النبطية ، كما يوافق على إعادة وثائق مركز الأبحاث و إطلاق سراح 78 معتقلاً من معتقلي سجون السلطات الإسرائيلية داخل الوطن المحتل0
        و أوضح مندوب الصليب الأحمر الدولي أن الطرف الآخر يؤكد على الملاحظات التالية في نطاق مواصلة المفاوضات:
        1- إن بدء عملية التبادل ينبغي أن يتم بعد الحصول على المعلومات الكافية حول بقية المفقودين من جنوده 0
        2- يقترح تشكيل لجنة فرعية من كل وفد ، و تكون مهمتها وضع دراسة لوجستيكية لعملية التبادل ، وبالاتفاق بين الطرفين 0
        3- الحفاظ على سرية المفاوضات و ما يتمخض عنها 0
        4- إن الوقت ثمين و ينبغي التقدم بأقصى سرعة ممكنة 0
        و هو يتعجل عودته إلى بلاده و لا يمكنه المكوث مزيداً من الوقت هنا 0
        جمال صوراني : حسناً دعنا نناقش فيما بيننا كوفد مشترك رد الطرف الآخر و لنجتمع مساء 0
        ـ واتفق على دراسة تقديم رد الوفد الفلسطيني على عرض الطرف الآخر في الساعة 5.30 مساء من نفس يوم الأربعاء 27/10/1983 0
        و في ذلك الاجتماع أكد وفد الجبهة الشعبية – القيادة العامة – على :
        1 ـ أن الطرف الصهيوني يقوم بمناورات يستهدف من وراءها إبعادنا عن الغاية الرئيسية في أية عملية تبادل ، و هي تحرير أسرانا في الداخل 0
        2 ـ أن الطرف الصهيوني يريد استدراجنا لموضوع المفقودين و إلهائنا بالبحث عنهم كابتزاز يرمي من ورائه الاحتفاظ بمفقودينا المكتومين كورقة مساومة بعد اطمئنانه على مصير مفقوديه ، و لذلك فإنه قدم إلى هذه المحادثات لاستطلاع الأمور و المواقف التي ستمكنه من وضع استراتيجية و خطة تحركه بهذا الشأن ، لذا سيكون إيجابياً جداً أن نكون موقفاً موحداً و نصر عليه ، مما يمكننا تفويت الفرصة لاستفرادنا ...
        و من جانبه أكد وفد " فتح " برئاسة الصوراني تصوراتنا و استنتاجاتنا آنفة الذكر ، و أنه منتبه لمناورات الطرف الصهيوني و سيواصل إصراره على نفس المواقف بأسلوب يفوت الفرصة على مناورات الطرف الصهيوني 0
        ـ و عند ذلك المساء حضر مندوبو الصليب الأحمر ، و التأم الاجتماع من جديد حيث عرض الموقف الموحد للوفد الفلسطيني على الوجه التالي :
        (( إن وفدنا يرفض عرض الطرف الآخر و يعتبره غير جدي و لا يقدم أي جديد و هذا الأمر سيعقد المفاوضات ، على أية حال إذا ما أصر الطرف الآخر على ما قدمه في عرضه ، فنحن ما جانبنا نقترح : إطلاق سراح أسيرين من جنوده مقابل عرضه الذي تضمن : إطلاق سراح /3000/ من معتقلي أنصار و 78 من معتقلي فلسطين المحتلة ، و إعادة وثائق مركز الأبحاث ، و في الوقت نفسه فنحن ما زلنا جديين بما طلبناه و ملتزمين بطلباتنا الأساسية )) 0
        و عند هذا الحد انتهى الاجتماع بعد أن طلب مندوبو الصليب الأحمر فرصة من الوقت لإبلاغ وفد الطرف الآخر بردنا هذا ، و تقرر أن يعاود الاجتماع بوفد منظمة التحرير مساء الجمعة 28/10/1983 .
        ـ وفي هذا الموعد حضر السيد هو فليجر لإبلاغ وفد منظمة التحرير برد الطرف الآخر 0
        هو فليجر : إن وفد الطرف الآخر أبلغني بأن أقول لكم :
        1- قام وفد منظمة التحرير ، خلافاً لما اتفق عليه ، بإعلان نبأ المحادثات التي تجري في جنيف ، و أن وكالة الأنباء الكويتية نشرت خبراً عن هذه المحادثات و ذكرت بالاسم جمال الصوراني و عمر الشهابي 0
        2- إن وفد السلطات " الإسرائيلية " قرر مغادرة جنيف ، و لكنه على استعداد للعودة للمحادثات ، عبر الصليب الأحمر ، عندما يكون وفد منظمة التحرير جاهزاً للرد بجدية على اقتراحاته ، كما أنه يمتنع عن التعليق على ردكم 0
        3- إن ما عرضه وفد السلطات " الإسرائيلية " لن يبقى صالحاً إلا لمدة محدودة من الوقت ، و يعتبر نفسه في حل من عرضه إذا تجاوز الوقت المحدد ( أي أنه سيقلص ما عرضه ) 0
        4- إن تعليق المحادثات الحالية لمدة قصيرة أمر مفضل لإعطاء وفد منظمة التحرير الفلسطينية فرصة للتفكير 0
        ـ و بعد استماع وفد منظمة التحرير لهذا الرد العنيف و الخبيث من قبل السلطات الصهيونية قرر وفد المنظمة إعطاء رده الرسمي في اليوم التالي : السبت 29/10/1983
        و على الفور تشاور أعضاء الوفد ، بعد ذهاب مندوبي الصليب الأحمر ، حيث قال الرفيق عمر الشهابي : " إننا لا نتسول منهم ، فنحن لدينا أسرى ثمانية ، و مطالبنا عادلة ، و هي هدف أساسي لا يمكن أن نحيد عنه ، وبتقديري أن الطرف الصهيوني يريد إثارة الخلاف بين الوفد الفلسطيني خاصة من خلال مسألة جنوده المفقودين ، تماماً كما يريد منا أن نتنازل عن مطلب أساسي هو معتقلي الداخل . فقد لاحظتم استهانته بمصائرهم حين عرض إطلاق سراح /50/ منهم ثم 78 ، و كأن الأمر يتعلق ببضعة عشرات ، إننا نملك أوراقاً قوية لا تحتاج إلى مساومة رخيصة معه ، بل إلى الصبر ، و تبدو لي المسألة وكأنها " عض على الأصابع " ونحن لن " نتوجع " ، فهو الذي " ستوجع " و يأتي صاغراً لتنفيذ طلباتنا مقابل إطلاق أسراه الثمانية ، و في تقديري أنه ما جاء إلا للمناورة و ليس جاداً في إنجاح مفاوضات جنيف " 0
        جمال الصوراني : لقد كان رد الطرف الصهيوني لئيماً جداً و هو فعلاً ما جاء إلا للمناورات و استطلاع المواقف ، إن تكتيكاته مكشوفة ، و لكنه يخطئ كثيراً إذا ظن أنه سيخدعنا . إن موقفنا قوي فعلاً 0
        و أقترح بعد المداولة أن يكون ردنا كما يلي :
        إن وفد منظمة التحرير :
        1- يستهجن الأسلوب الذي اتبعه الطرف الآخر في رده ، و هو أسلوب مكشوف و لذلك نحن نرفض :
        أ‌- وصفهم المحادثات بأنها غير جدية من جانبنا 0
        ب‌- قولهم بأنهم يمتنعون عن وصف ردنا ، و هو قول نمتنع عن وصفه بدورنا 0
        2- نحن التزمنا بعدم الإعلان عن المباحثات ، و لكننا لم نقل أننا نضمن عدم الإعلان من هنا أو هناك ، و لا يزال التزامنا قائماً 0
        3- إن مغادرة الطرف الآخر لجنيف يعتبر قراراً منفرداً بوقف المحادثات و نحن نحمله المسؤولية لكل ما يترتب على ذلك من أخطار قد تلحق بأبنائنا في معسكر أنصار و غيره من المعتقلات ، كما نحمله مسؤولية ما يمكن أن يلحق بأسراه
        4- إن الأسلوب الذي يتبعه الطرف الآخر هو أسلوب تهديدي ، يؤكد عدم توفر حسن النية لديه للوصول إلى حل لهذه المشكلة الإنسانية ، و هو أسلوب مرفوض 0
        5- إننا نؤكد أن عرضينا ، اللذين تقدمنا بهما ، لا يزالان قائمين و لمدة غير محددة 0
        6- نحن على استعداد للعودة من خلال الصليب الأحمر ، في الوقت الذي يكون فيه الطرف لآخر مستعداً لإجراء محادثات بناءة و الاستجابة لمطالبنا 0
        • و بعد إبداء ملاحظات متعددة من قبل أعضاء الوفد و التي أثنت على هذه الصيغة للرد ، تلي على مندوبي الصليب الأحمر ، لإبلاغه للطرف الآخر ، و تقرر أن يغادر الوفد جنيف بانتظار أية اتصالات جديدة من الصليب الأحمر 0
        و قد أكد السيد هو فليجر بأنه بمجرد تلقيه أية اتصالات ، بشأن معاودة المحادثات فسيقوم بتبليغها للأخ جمال الصوراني و الرفيق عمر الشهابي على الفور 0
        و قبل مغادرة الوفد الفلسطيني جنيف أجرى لقاء اتخذ طابعاً تقييمياً للمفاوضات و صياغة الموقف اللاحق على الوجه التالي :
        1- لا تراجع عن المطالب الأساسية التي طرحها الوفد في جنيف 0
        2- لا عودة للمفاوضات في جنيف قبل أن ينقل الصليب الأحمر رأياً جديداً ، و إيجابياً من وفد العدو 0
        5- الجبهة في مفاوضات منفصلة ... لماذا ؟
        و قبل أن يمضي شهر واحد على وقف مفاوضات جنيف فوجئت الجبهة الشعبية – القيادة العامة – و وفدها المفاوض كما فوجئ الصليب الأحمر و الوسيط النمساوي – صبيحة 24/11/1983 ، بنبأ يعلن بدء تنفيذ عملية تبادل الأسرى بين قيادة عرفات و العدو الصهيوني من ميناء طرابلس بلبنان ، حيث سلم في الساعة الثامنة صباحاً الأسرى الست من جنود العدو عبر الصليب الأحمر ، إلى باخرة فرنسية سلمتهم بدورها إلى قوارب عسكرية إسرائيلية في عرض البحر 0



        كيف تم التوصل إلى هذه الصفقة المفرطة ،و ما هي أهداف عرفات من ورائها ؟
        لا شك أنه من غير المعقول أبداً ، أن تكون قيادة عرفات قد توصلت إلى عقد هذه الصفقة المنفردة المفرطة مع تل أبيب خلال الأسابيع القليلة التي تلت إيقاف المحادثات في جنيف من قبل الطرف الصهيوني المفاوض في 27/10/1983 ولقد تبين بشكل واضح بأن عرفات أرسل وفده إلى جنيف برئاسة الصوراني في وقت كان يرتب من مكتبه في طرابلس وعبر مساعديه ، محادثات أخرى مع الطرف الصهيوني لعقد صفقة التبادل المفرطة 0
        و قد نفى الصوراني – بشكل مضحك – معرفته بعملية التبادل ،و بما جرى في صبيحة 23/11/1983 ، وحتى الوسيط النمساوي " السيد إيمري " والمندوب الدولي للصليب الأحمر في الشرق الأوسط السيد جون هو فليجر لم يكونا على معرفة أو إطلاع مسبق بكيفية التوصل إلى هذه الصفقة 0
        و رداً على استفسار الجبهة الشعبية – القيادة العامة - ، أوضح مسؤولو الصليب الأحمر بأنه لم يكن لديهم علم بالمفاوضات إلا قبل عدة أيام من تنفيذ العملية ، حين طلبت منهم كل من تل أبيب و قيادة عرفات الاستعداد لاستلام الأسرى الستة من ميناء طرابلس في 24/11/1983 و تهيئة المستلزمات لنقلهم إلى باخرة فرنسية ، و بالوقت نفسه تهيئة الإجراءات للإشراف على إطلاق سراح أسرى أنصار ، و بعض من معتقلي سجون الوطن المحتل و نقلهم 0
        لقد أطلقت السلطات الصهيونية /63/ أسيراً فلسطينياً فقط من أصل ( مائة ) كان عرفات قد اتفق معها على تحريرهم فقد أوصلت المعتقلين المائة إلى المطار ، و لما لم نجد من يسأل و يدقق و يتكفل ضمانات التحرير أعادت /37/ منهم إلى السجون ، و من بينهم المناضل زياد أبو عين ، الذي سلمته حكومة الولايات المتحدة إلى السلطات الصهيونية منذ عام 1983 0
        كما أطلق سراح ( 3 ) آلاف معتقل من " أنصار " كانوا في الواقع عبئاً على المحتلين الصهاينة بسبب الطريقة العشوائية للاعتقالات التي رافقت الاجتياح الصهيوني للجنوب اللبناني ، و انقضاء الغرض من عملية حجز آلاف المدنيين من نساء و شيوخ ، و منها أسر كاملة بدون محاكمات بما أثارته من ردود فعل دولية واسعة 0
        و يذكر أن المحتلين الصهاينة كانوا قد فاجأوا معتقلي أنصار عشية عملية التبادل مع قيادة عرفات بالاستفسار عمن هو من عناصر الجبهة الشعبية – القيادة العامة – و الإيحاء لهم بتبادل قريب معها ، الأمر الذي دفع العديد من المعتقلين إلى تسجيل أسمائهم على ملاك الجبهة ، فقام العدو بعزلهم و اختطافهم إلى معتقل عتليت و استثنائهم من عملية التبادل مع قيادة عرفات
        و لكن من الذي كان يتوسط بين عرفات و تل أبيب ؟
        يقول شموئيل تامير وزير العدل السابق ، مستشار وزير الدفاع " الإسرائيلي " لشؤون الأسرى ، و رئيس الوفد الصهيوني المفاوض في حديث بالعبرية بثه التلفزيون " الإسرائيلي " في نفس اليوم الذي جرى فيه تنفيذ التبادل – 24/11/1983 – " أريد أن أنوه لأمر ، من المهم جداً عدم إغفاله ، و هو أن الدور الذي دفع عملية التبادل هذه دفعة عملية أدبية ، هو ذلك الذي قام به المحامي الإسرائيلي ميرينسكي ، فقد عمل ميرينسكي وقتاً طويلاً و ليالي و شهور ، إلى درجة أنه مرض من شدة الجهد الذي بذله لخدمة الدولة و الأسرى و عائلاتهم . و من الواجب ذكر هذه الحقيقة ، لأنه هو الذي أعطى الدفعة الأولى للعملية وشق بداية الطريق ، و نحن لم نفعل سوى أننا واصلنا ما بدأه السيد ميرينسكي " 0 ( تلفزيون العدو 24/11/1983 ) 0
        ففي تلك الصفقة ظهر جلياً بعد إتمامها ، أن عرفات وافق على القبول بتنازلات خطيرة ، انتهت إلى ضياع الفرصة بتحرير المعتقلين الفلسطينيين منذ عام 1967 ، والذين قضوا /16/ عاماً ، وممن حكم عليهم بالسجن المؤبد بشكل خاص ، بل و المعتقلين في أنصار نفسها بشكل عام ... و في ضوء ذلك يمكن ملاحظة :
        أولاً : تنازل عرفات عن مطلبه بتحرير /1250/ أسير فلسطيني من سجون الداخل و قبل بدلاً من ذلك بتحرير (63) سجين 0
        ثانياً : قبل عرفات أن لا تشمل الصفقة مائتي معتقل من أسرى أنصار نقلوا عشية الصفقة ، و أن يبقوا معتقلين داخل سجون العدو ، لأن معظمهم من عناصر الجبهة الشعبية – القيادة العامة –
        ثالثاً : فرط عرفات بشروط التبادل التي تبنتها منظمة التحرير بموافقة كافة الفصائل، و أبرم صفقة ( البالون ) لاستخدام أرقامها الوهمية ( 3600) معتقل مقابل ( 6 ) أسرى من جنود العدو إعلامياً 0
        و لو كان عرفات خيّر هؤلاء بين أن يخرجوا من الأسر أم يخرج /1250/ أسيراً ممن قضوا ما بين 10-16 عاماً في سجون الاحتلال و من المحكومين بالمؤبد لاختاروا بالإجماع أن يخرج معتقلو سجون الداخل بدلاً منهم 0
        لكن عملية التبادل هذه لم تكن فاصلة غريبة عن سياق نهج قيادة عرفات في تلك الفترة التي اتسمت بالاندفاع في البحث عن مكان على طاولة المفاوضات مع الإدارة الأمريكية وصولاً إلى لقاء العدو .. و قد كانت بمثابة التعبير عن " حسن الظن " بالحكومة الصهيونية ، و محاولة لتأسيس أجواء من الثقة يمكن توظيفها في سياسة الاستجداء و المساومة 0
        ولم يكن طابع السرية وحده يدعو الى تسمية عملية تبادل قيادة عرفات مع الصهاينة ، بأنها " صفقة " ، بل إن دور عواصم حلف الأطلسي في تأمين توقيعها و المشاركة المتميزة لنظام مبارك ، يكشف الطبيعة و الأبعاد الكامنة في الاتفاق فضلاً عن تلك المخاطبات و المحاضر والوثائق التي تثبت بأن هدف قيادة عرفات من وراء عملية التبادل ليس تحرير أكبر عدد من الأسرى المناضلين و لا استنهاض الكفاح الوطني الفلسطيني و لا تركيع العدو أمام المطالب المشروعة ، بل هو تصنيع ضجة إعلامية سياسية تردّ الاعتبار لمكانته من جهة ، و ترسخ وجهة تعامله مع الحلول الأمريكية المطروحة بصدد الصراع العربي – الصهيوني من جهة أخرى .
        6- إيمري يعود إلى فتح الاتصال مع الجبهة :

        كانت الأشهر التي أعقبت عملية تبادل قيادة عرفات مع العدو قد شهدت جواً من التمزق و الإحباط ، و عمت المعتقلين الوطنيين الفلسطينيين في سجون العدو مشاعر الخيبة و الألم ، فيما استظل عرفات في " زفة الفرح " التي اختلقها بعد عملية التبادل 0
        و على النطاق السياسي ، أضيفت عملية التبادل إلى قوام عناصر الفرقة في الساحة الفلسطينية ، و تشكلت علامة استفهام أخرى أمام الشوط الذي رسمته القيادة الرسمية في م.ت.ف. لمستقبل نشاطها ، و التي شكل التعامل مع كامب ديفيد في مصر مؤشراً صارخاً لمعالمه اللاحقة 0
        و فيما خسر النضال الوطني الفلسطيني فرصة هامة لتحرير أكبر عدد من المعتقلين ، جراء عملية التبادل " الإعلامية " هذه ، خسر وحدة منظمة التحرير الفلسطينية ، و سمعتها ، أيضاً ... و كلا الخسارتين هما من نتاج النهج اليميني لقيادة عرفات 0
        • وفي شباط 1984 بدأ السيد إيمري مواصلة جهوده السابقة بشأن موضوع الأسرى ، فاتصل بقيادة الجبهة عارضاً مبدأ التفاوض على أساس المعطيات السابقة ، فوضعت قيادة الجبهة صيغة الأولويات الملحة و عرضتها في اجتماع ضم الجانبين بحضور الأمين العام أحمد جبريل الذي أبلغه ما يلي :
        1- مسألة معرفة مصائر المفقودين من عناصر الثورة الفلسطينية ، بكافة فصائلها ، و متابعة البحث عن مصير مفقودين آخرين من عناصرنا لم يعثر على مصيرهما حتى ذلك الوقت و هما : الرفيقان محمود الوجيه و ويلسون شمعون ممن فقدوا أثناء الاجتياح الصهيوني و لم تظهر أسماؤهم في قوائم الصليب الأحمر الدولي ، و لا في شهادات و إفادات الرفاق في أنصار 0
        2- بعد التوصل إلى معرفة مصير و وجود هؤلاء المفقودين و الاطمئنان عليهم يمكن الانتقال إلى موضوع تبادل الأفكار بشروط الجبهة الشعبية – القيادة العامة – التي ستعلن عنها في الوقت المناسب 0
        و قام السيد إيمري بنقل وجهة نظر الجبهة إلى الطرف الآخر ، و اعتبر أن الوقت قد حان للإعلان عن المفقودين المكتومين من عناصر جبهتنا ، بغية متابعة الجهود بعد ذلك للشروع بتبادل الآراء و الشروط حول أية عملية تبادل ممكنة ،و إلا فإن الجبهة ستتمسك بموقفها هذا حتى يتبين مصيرهم 0
        • و في بداية شباط 1984 سلم الطرف الصهيوني بواسطة مندوب الصليب الأحمر بدمشق ، لقيادة الجبهة قائمة تضم أسماء /128/ معتقلاً ممن نقلوا إلى سجون الداخل من معتقل أنصار أثناء تنفيذ تبادل عرفات ، و بمقارنة هذه القوائم مع قائمة مفقودينا تبين أن الطرف الصهيوني يقر الآن بوجود المكتومين أسرى في سجونه ، باستثناء رفيقين ما زالا مفقودين ( ويلسون و الوجيه ) و مع ذلك لم تكتف الجبهة بهذا الجواب ، بل و طلبت من السيد إيمري ما يلي :
        1- رسالة تفصيلية و توقيع الأسير حسين الخطيب حول مدى وجود المائة والثمانية و عشرين أحياء و بصحة جيدة 0
        2- تأمين تصوير فوتوغرافي لكافة الرفاق في المعتقل جماعياً ، لكي نتأكد أيضاً من سلامة وجودهم 0
        3- استمرار الطرف الآخر بالبحث عن مصير الرفيقين المفقودين : ويلسون و الوجيه ، و تزويدنا بالوثائق الثابتة حول وجودهما أحياء أم أمواتاً 0
        • و في 15 آذار 1984 عاد الوسيط السيد إيمري إلى دمشق حيث وضع أمام قيادة الجبهة هذه المعطيات :
        1- رد الجنرال عاموس يارون حول المفقودين ويلسون – الوجيه 0
        2- رسالة تفصيلية من الرفيق الأسير حسين الخطيب مؤكداً وجود رفاقنا الأسرى أحياء في نفس المعتقل 0
        3- صورتان لرفاقنا الأسرى من داخل المعتقل0
        و مقابل ذلك أحضر معه بضع رسائل من عائلتي الجنديين الأسيرين ، يوسف غروف و نسيم شاليم 0
        و كانت قيادة الجبهة قد أتاحت للسيد إيمري ، أثناء وجوده ، فرصة مشاهدة الأسيرين غروف و شاليم ، و الاطمئنان على أوضاعهما في الأسر لدى الجبهة لهما ، و سمحت له بالتقاط صورة مشتركة مع الأسيرين تعبيراً عن الثقة بالوسيط و تسهيلاً لمهمته و للتأكيد على حسن معاملة الجبهة لأسرى العدو 0
        و بالإضافة إلى ذلك أوضح السيد إيمري أثناء اجتماعه بالرفيق الأمين العام و الرفيق عمر الشهابي و حضور تحسين حلبي ، أنه اتفق منذ وقت قريب مع أحد مسئولي الصليب الأحمر في جنيف ، حسب رغبة الجبهة على أن يشكل الاثنان فريق عمل مشترك بشأن الوساطة معاً ، و أنه اجتمع مع الطرف الصهيوني المفاوض – شموئيل تامير ، و زير العدل السابق
        ( من الليكود ) و مستشار وزير الدفاع و مسؤول مفاوضات تبادل الأسرى ، و عاموس يارون ، القائد السابق للقوات الصهيونية في لبنان أثناء الاجتياح و شموئيل ليمونيه الذي يعتبر في تقديرنا عقيداً في الموساد 0
        و قد أبلغه الوفد الصهيوني بأنهم يصرون على معرفة جندي " إسرائيلي " مفقود يعتقدون أنه أسير لدى الجبهة ولم تعلن حتى الآن عن وجوده علماً أنهم يؤكدون أن لديهم بعض المؤشرات التي تدل على وجوده حياً لدى الجبهة ، و قال السيد إيمري " أن البحث عن مفقودي الطرفين و التأكد من مصيرهم أمر متفق عليه ، و لذلك يريدون معرفة نتائج استقصاء الجبهة و بحثها عن مصير ضابط الصف " الإسرائيلي " قائد الدبابة حازي شاي ، إنهم يؤكدون على ضرورة الانتهاء من مسألة المفقودين لكي تبدأ محادثات التبادل "
        في هذا اللقاء أكد الرفيق الأمين العام على الثوابت قائلاً :
        " أننا و إن كنا نرغب ، اليوم قبل الغد ، البدء بمحادثات تبادل الأسرى لأسباب إنسانية ، إلا أننا في الجبهة لا يمكن أن نتخطى مسألة المفقودين و تبيان مصيرهم ، و كذلك لأسباب إنسانية ، فهذا موضوع يحتل أهمية كبيرة لدينا و هو ذو حساسية بالغة ، فطالما أن الرفيقين ويلسون و الوجيه مفقودين دون أي أثر فلا محادثات للتبادل قبل التأكد من مصيرهما و لا يمكن أن نسلم برد الطرف الآخر بأنهما ربما قتلا في المعارك ، طالما و أنه يصر على عدم وجودهما في سجونه فإذا كانا قد استشهدا فينبغي إحضار قرائن ثابتة و دامغة تؤكد ذلك 0000"
        و أوضح الرفيق أحمد جبريل خلال هذا اللقاء أن:" الصهاينة يحاولون التملص من مسؤولية المفقودين و إلقاء تهمة على القوات الكتائبية وقال: " بالأمس استلمنا جثث أربعة من رفاقنا كانوا قد استشهدوا في الدامور في مجريات مقاومة الاجتياح ،و خلال كمين نصبوه و قتلوا فيه ضباطاً صهاينة من بينهم الجنرال يكوئيل آدام ، إننا في الواقع نشك في صحة روايات الطرف الآخر حول صعوبة الكشف عن مصائر مفقودينا ، و سنعتبرهم أحياء حتى وصول الدلائل الثابتة على خلاف ذلك .. و إذا كان الطرف الصهيوني يدعي أن الرفيقين ويلسون و الوجيه قد قتلا على أيدي الكتائب فعليه هو تقع مسؤولية البحث عنهما لأن الاجتياح الصهيوني وقع ضمن تنسيق حرب مشتركة خاضها الطرفان معاً ، بل و تحت قيادة الجيش الصهيوني 0
        ولعل أسطع دليل على مسؤولية الطرف الصهيوني ، بهذا الشأن هو العملية الصهيونية الكتائبية المشتركة في أسر الرفيق مراد بشناق و مصطفى خروبي ، ألم يعترف الطرف الصهيوني بوجودهما أحياء في سجونه ، و هما اللذان خطفتهما الكتائب ؟ فكيف وصلا إلى السجون الصهيونية في الوطن المحتل ؟ نحن مع تقديرنا لمهمتكم إلا أننا لا يمكن أن نبدأ بأية محادثات حول شروط التبادل ما لم نقطع الشك باليقين بشأن مفقودينا ، والطرف الآخر يعرف ذلك جيداً و لن تفيده المناورات 0
        و إذا كان المسؤلون في الكيان الاسرائيلي يسعون إلى الإسراع في بحث شروط التبادل و يعلنون عن ذلك في صحفهم و إذاعاتهم فهم إنما يفعلون ذلك لاستخدام هذه المسألة لصالح الموازين الانتخابية في الانتخابات المقررة بعد عدة أسابيع ، بينما نحن لا ننظر إلى هذه المسألة من هذه الزاوية ، و إنما ننظر إليها من زاوية المفهوم والحس الإنساني لأسرانا و عائلات أسرانا و وفاء لهم 0
        لأننا نعرف جيداً أن ظروف اعتقالهم وحشية و لا إنسانية ، و هم بين يدي عدو معروف بممارساته الدموية ، خلافاً لما يلقاه الأسيران غروف و شاليم ، فهما يتمتعان بأفضل المعاملة الإنسانية التي يمكن أن يلقاها أسير ، و نحن حين نوفر مثل هذه المعاملة لهما ، لا نفعل ذلك لأهداف دعائية أو إعلامية ، لا بل أن أخلاقنا و مبادئنا و تقاليدنا العربية هي التي تملي علينا توفير مثل هذه المعاملة لهما 0
        و رد السيد إيمري قائلاً :
        " لست أشك في ذلك أبداً ، خاصة و أنكم تبدون حرصكم على تبيان مصير المفقودين ، على أية حال سأنقل وجهة نظركم ، وكما عبرتم ، إلى الطرف الآخر لإنجاز نتائج جدية حقيقية بشأن موضوع المفقودين ، و دعني أذكركم أيضاً يتوقعون منكم رداً بشأن ضابط الصف حازي شاي ، المفقود ، كما أنهم يقترحون بإلحاح كالسابق ، بأن يبدأ الصليب الأحمر زيارته للجنديين الأسيرين "0
        • و في اليوم التالي عقد اجتماع آخر أكد خلاله وفد الجبهة على استعداده للبحث عن مصير ضابط الصف الإسرائيلي المفقود"حازي شاي " بمقابل البحث عن الرفيقين المفقودين ويلسون و الوجيه ... و بعد أن جرى الكشف عن مصائر الأسرى الذين نقلوا من أنصار 0
        أما مسألة زيارة الصليب الأحمر للجنديين الأسيرين فقد أوضح الوفد أن المفاوضات لم تصل بعد لهذه المرحلة طالما أن مصيراً الرفيقين المفقودين لم يظهر بعد ، و طلب من إيمري إحاطة الصليب الأحمر في جنيف و تل أبيب ، بصورة المجريات ، و ما تم حتى الآن التوصل إليه بشأن المفقودين ، لأننا نحن من جانبنا نطلع الصليب ، هنا ، على كافة المجريات ، لكي يكون مطلعاً على الأمور عند الضرورة خاصة و أن دوره سيكون رئيسياً إلى جانبكم وصولا ً على محادثات التبادل ، إن جرت مع الطرف الآخر بجدية و دون خداع 0
        • غادر السيد إيمري , دمشق , حاملاً هذه الأجوبة إلى الطرف الآخر على أمل أن يتصل بقيادة الجبهة عند تلقيه الأجوبة . بعد ذلك , وتمهيداً لعرض وجهة نظر الجبهة عند عودة السيد ايمري , عقد الأمين العام اجتماعاً لقيادة الجبهة لتقييم مدى ما تحقق بشأن حل المسألة الأساسية بتبيان مصير الرفاق المكتومين , قبل البدء بأي حديث رسمي حول مفاوضات و شروط إجراء التبادل فتوصلت إلى ما يلي :
        أولاً : انه بالنسبة لرفاقنا الأسرى الذين نقلوا من أنصار عند إجراء صفقة عرفات , فقد تبين وجودهم أحياء في معتقل عتليت , إضافة إلى إقرار العدو بوجودهم , ووجود مراد و خروبي أحياء لديه و أن هذه المسألة التي استغرق الحوار و الجدل بشأنها خمسة أشهر قد حلت .
        ثانياً : انه بالنسبة لرفيقينا المفقودين محمود الوجيه و ويلسون شمعون لم تظهر الدلائل الكافية بعد على تبيان مصيرهما أحياء كانوا أم شهداء ولذلك بقيت دون حل حاسم لان معلوماتنا أكدت بأنهما وقعا في اسر القوات الكتائبية أثناء العمليات الكتائبية الإسرائيلية المشتركة , وربما سلما إلى العدو الصهيوني .
        وبناء عليه ريثما يتم حسم مسألة تبيان مصير الرفيقين تبقى طبيعة الحوار عبر السيد إيمري مع الطرف الآخر على حالها , ويمكن تلخيصها بالتالي :
        1- مصير ضابط الصف الأسير حازي شاي لا يعلن عن وجوده بشكل رسمي ما لم يتضح مصير رفيقينا , ولذلك يبقى الحديث عن جدية البحث عنه من قبلنا رهناً بجدية بحث الطرف الأخر عن رفيقنا و لا مانع من رفع نسبة القول بوجوده حياً إلى اكثر قليلاً و التعبير عن ذلك بالقول أننا بحثنا فوجدنا إمكانية تتزايد بشأن العثور عليه حياً ولكننا بانتظار نتائج بحث الطرف الصهيوني عن رفيقينا
        2- لايمكن التوجه إلى جنيف لإجراء محادثات حول تبادل الأسري عبر الصليب الأحمر الدولي إلا بعد تحقيق ذلك الشرط إضافة إلى شرط آخر أساسي هو موافقة الطرف الآخر على المبادئ الأساسية للمحادثات حول التبادل .
        • وفي 26/3/1984 عاد إيمري إلى دمشق و اجتمع بالرفيق الأمين العام و عمر الشهابي بحضور تحسين حلبي و أبلغ ما يلي :
        1- حول الرفيقين المفقودين يقول الطرف الأخر أنه سيواصل البحث رغم تأكده من مقتلهما على يد القوات الكتائبية حسب رأيه و في مناطقهم الأمر الذي يجعل من الصعب العثور على جثتيهما . على أية حال لقد زود الطرف الآخر بآخر المعلومات التي تقدمتم بها حول تأكدكم من وقوعهما بالأسر لدى القوات الإسرائيلية .
        2- لقد قمت بزيارة جميع رفاقكم في معتقل عتليت , وطمأنتهم على حسن سير الأمور و استفسرت منهم عن كافة أسمائهم للتأكد من صحة وجود مفقوديكم
        3- إن الطرف الأخر يعتقد انه و بينما يواصل البحث عن الدلائل الكافية بشأن استشهاد الرفيقين المفقودين ثمة مجال لعقد محادثات أخرى في جنيف عبر الصليب الأحمر لبحث مسألة مكان عملية التبادل و عدد الذين تطلبون تحريرهم و في غضون ذلك فإن الطرف الآخر يقترح بدء الزيارات المتزامنة لأسرى الطرفين من قبل مندوبي الصليب الأحمر "
        إزاء هذه المقترحات , وحسب التقديرات السابقة , أعرب الأمين العام في رده عن شكوكه في مصداقية الطرف الصهيوني و التمسك بحق الكشف عن مصير الرفيقين المفقودين و أجاب إيمري بان عاموس يارون الذي كان قائداً للجيش الإسرائيلي في لبنان ابلغه بأنه استدعى فادي افرام قائد ( القوات اللبنانية ) مرتين وطلب منه تبيان مصير ويلسون و الوجيه . وفي كل مرة كان افرام يؤكد ليارون بأنهما قتلا في منطقة ما أثناء الاشتباكات و ليس من السهل العثور على جثتيهما .
        و مع ذلك طلب الأمين العام من الوسيط النمساوي مواصلة الجهود للبحث عن دلائل ووثائق استشهاد الرفيقين , وإلا فإن الجبهة ستوقف البحث عن مصير ضابط الصف حازي شاي و أعرب الرفيقين جبريل و شهابي عن التقدير للسيد إيمري و الصليب الأحمر , لكشفهم مصائر المفقودين من أسرى ( أنصار ) وطلبا توثيق المعلومات بشأن وجودهم , أحياء أسرى , في الوثائق الدولية لكي لا يعود العدو الصهيوني إلى إنكار و جودهم .
        بالنسبة لمحادثات تبادل الأسرى .. العدد و المكان .. أوضح الأمين العام أن وضع العدو من الناحية السياسية الآن سيئ جداً فهو يعد نفسه لانتخابات مجهولة النتائج وهو يمكن أن يماطل بهذه المسألة إلى ما بعد الانتخابات و ليس معلوماً ما إذا كانت حكومة العدو الانتقالية الراهنة قادرة على اتخاذ القرار .
        و تحدث السيد إيمري قائلاً :
        (( أشكركم أولاً على الإيضاحات التي زودتموني بها و دعوني أوضح لكم من جانبي بان الأوضاع في الشرق الأوسط أخذت تتعثر بحيث لا تدفع المرء إلى التفاؤل و أرى انه من الصعب علينا أن نفعل شيئاً , وكما قلت سابقاً فثمة ضغوط من الرأي العام في إسرائيل حول مسألة الأسرى مما يجعل الأمر صعباً على الحكومة فهي لا يمكنها في هذه الحالة أن تضع مثل هذه المسألة على الرف وربما أكون مخطئاً و لكن لعل الحكومة الإسرائيلية ستضطر إلى المناورة فهي تخطو في عملية التبادل و حين الوصول إلى نقطة محددة تتوقف عن مواصلة البحث عن حل وحتى هذا يعتبر خياراً صعباً .
        و بالنسبة لجدية أو عدم جدية الطرف الآخر في البحث عن وجيه و ويلسون فأنا متفق معكم على أن ما قدموه من معلومات حول مقتلهما غير كافية أو مقنعة و أنا كوسيط يمكنني أن أعطي إجابة و لكنني سأنقل وجهة نظركم إلى يارون لعله يستدعي افرام مرة أخرى و يطالبه بالدلائل .
        و بعد ذلك عاد الأمين العام و الرفيق شهابي فأكدا أن الوقائع تشير إلى انه ليس ثمة اختلافات بين بيريز وشامير سوى أن حزب العمل محترف سياسة وخداع ومناورات و يمكن أن تسبب سياسته نوعاً من فقدان التوازن في منطقتنا .
        أما بالنسبة لمكان التبادل فيمكن تصوره في جنيف , النمسا _ رودس , كريت , أو أي مكان أخر . وحين يتم التوصل إلى اتفاق على المكان فللجبهة مطالب أساسية تتعلق بالضمانات منعاً للخداع .. أما وثيقة المبادئ الأساسية بشأن إجراء محادثات التبادل وخطوطها العريضة فقد أعدت و سيزود الوسيط النمساوي بنسخة عنها مع شرط عدم البدء بإجراء المحادثات إلا بعد موافقة العدو على هذه المبادئ و العمل بموجبها و كذلك شرط عدم ربط عملية التبادل هذه _ حين يتم التوصل إليها _ بالتبادل مع سوريا ( كان لدى سوريا بعض الضباط الأسرى ممن اسروا أثناء الاجتياح و لدى العدو أسرى سوريين ) , وإذا ما جرى التبادل مع الاخوة في سوريا فيجب على عملية التبادل القائمة أن تبدأ بعد فترة شهر من انتهاء التبادل مع سوريا ..فلا علاقة بين الاثنتين بتاتاً و جدد و فد الجبهة التأكيد على أن اهتمام الطرف الآخر بمصير شاي جدياً يستدل عليه من اهتمامه بالكشف عن مصير الرفيقين وجيه و ويلسون .
        ورد إيمري انه سيقوم بزيارة لجميع أسرى الجبهة , والتأكد من وصول الرسائل إليهم , وبالنسبة لزيارة متزامنة للصليب الأحمر إلى أسرى الطرفين فهذا أمر مفيد , أيضاً و حول ما ذكر عن حازي شاي فهذا تقدم هائل .
        و في ختام اللقاء وجه الأمين العام عدداً من الأسئلة التي سيحملها الوسيط النمساوي إلى الطرف الصهيوني تتعلق بالاستعداد الجدي لعملية التبادل حالياً و حرية المعتقلين باختيار أطراف أخرى و قضية الضمانات الخ ..
        وكانت قيادة الجبهة قد قدرت أن العدو يعمل على اختزال طلبات الجبهة و إدخالها في قوام عملية تبادل مع سوريا و اعتبار أسراها الثلاثة هم أسرى لدى الجهات السورية و قد جرى مفاتحة _ ثم التنسيق مع _ الأشقاء السوريين بقطع الطريق على تلك المناورة و قد أجابت من جهتها لجنة الهدنة السورية رداً على استفسار الصليب الأحمر , بان لا علاقة لسوريا بموضوع الأسرى الإسرائيليين لدى الجبهة الشعبية _ القيادة العامة .
        محاولة الابتزاز الإسرائيلية الفاشلة للرفيق الأمين العام أحمد جبريل :
        في أحد أيام تموز الحارة من عام 1983 رنّ جرس الهاتف في منـزل الأمين العام أحمد جبريل ، و حين رفع سماعة الهاتف قال المتحدث في الجانب الآخر: "إننا إسرائيليون و قررنا إبلاغك بما هو موجود لدينا هنا الآن ". حاول جبريل التأكد عبر بعض الأسئلة من هوية المتحدث و أدرك أن المقصود من هذه المكالمة الغريبة هو إبلاغه بخطف ابن شقيقته مراد بشناق من لبنان إلى إسرائيل . و بعد أن ذكر المتحدث من الطرف الإسرائيلي هذا الأمر في محاولة لابتزاز جبريل و تقليص مطالب الجبهة في مفاوضات تبادل الأسرى سارع الأمين العام فوراً إلى قطع الطريق عليه و اختار تذكير إسرائيل بما فعله ستالين في الحرب العالمية الثانية حين وقع ابنه أسيراً في أيدي القوات الألمانية النازية.
        قال جبريل : " أنتم تعرفون دون أدنى شك ما فعله ستالين بالجنرالات الأسرى من الجيش الألماني الذين وقعوا في أسر الجيش السوفيتي . لقد قتلهم حين بعثت قيادة الجيش الألماني له رسالة ابتزاز تطلب منه فيها الإفراج عن عدد من الجنرالات الألمان مقابل ابنه ، و أنا لست ممن يخضع لأي ابتزاز . و إذا واصلتم اتباع هذه الطريقة فلن تحصلوا منذ الآن إلا على نفس النتيجة التي حصل عليها النازيون الألمان ." ولأن هذا الموقف وقع عليهم كالصاعقة حاول المتحدث من الجانب الإسرائيلي التخفيف من طبيعة ما تعنيه هذه المكالمة و قال أن المقصود هو إبلاغ جبريل بوجود مراد بصحة جيدة و دون أن يمسه أي ضرر و أن الغاية تنحصر في طمأنته فحسب 0
        كان جبريل يعرف أن مراد تم خطفه عبر عملية مشتركة نفذتها المخابرات الإسرائيلية بالتعاون مع بعض عملائها داخل قوات الكتائب في لبنان لأنه ابن شقيقة الأمين العام و بهدف استخدام عملية أسره كعنصر ابتزاز تحقق منه إسرائيل عدداً من المطالب مثل : إرغام جبريل على الكشف عن وجود حازي شاي قائد الدبابة الأسير في أيدي الجبهة قبل كل شيء و بالإضافة إلى ذلك إجباره على تخفيض عدد الأسرى الفلسطينيين الذين يطالب بالإفراج عنهم ضمن صفقة التبادل مقابل الإفراج عن ابن شقيقته في نفس الصفقة
        لكن طريقة رد جبريل و المضمون الذي حمله جعلا القيادة الإسرائيلية تتراجع عن متابعة طريقة الابتزاز هذه ، و إرجائها إلى أي وقت آخر حرصاً على سلامة الأسرى الإسرائيليين الثلاثة خصوصاً و أن جبريل ألمح للمتحدث الإسرائيلي عبر سماعة الهاتف أن من الأفضل لإسرائيل أن تعقد صفقة تبادل أسرى مقابل جنود إسرائيليين أحياء و ليس جثثاً 0
        بعد هذه الحادثة أدركت القيادة الإسرائيلية أن مثل هذه الطرق لن تفيد بل قد تعرض إمكانية عودة الأسرى الإسرائيليين وعملية التبادل كلها للخطر ، و كان الوسيط هربرت إيمري من بين نصح الإسرائيليين فيما بعد بعدم اللجوء إلى مثل هذه المحاولات الابتزازية لأنها لن تحمل إلا نتائج وخيمة على الإسرائيليين أنفسهم 0 وفي أعقاب ذلك نجحت قيادة الجبهة عبر مفاوضات عقدها الأمين العام و الوفد المكلف بالمفاوضات مع هربرت إيمري ( الوسيط النمساوي ) في إرغام إسرائيل على الكشف عن وجود عدد كبير من أعضاء الجبهة المختطفين من معتقل أنصار الذين أخفت و جودهم و الإعلان عن وجودهم للصليب الأحمر الدولي و وضعتهم في معتقل خاص بعد صفقة الإفراج عن معتقلين أنصار في عملية التبادل مع عرفات . و من جانبها أعلنت الجبهة عن وجود قائد الدبابة حازي شاي الذي كانت إسرائيل تطلب من الجبهة تبيان مصيره أسيراً لدى الجبهة 0
        و بعد ذلك كلف الأمين العام الرفيق عمر الشهابي رئيس وفد المفاوضات بعقد مؤتمر صحفي يعرض خلاله كافة الحقائق على وسائل الإعلام 0
        وقائع المؤتمر الصحفي الذي عقده الرفيق عمر الشهابي رئيس وفد الجبهة المكلف بالمفاوضات في نيسان 1984 أمام مراسلي الصحف ووكالات الأنباء العربية و العالمية في دمشق :
        " افضل أن أدخل مباشرة في الموضوع , ولعلها المرة الأولى التي نتحدث فيها بمثل هذا المستوى من الوضوح عن مجريات موضوع الأسرى .
        كالعادة كنا قليلي الكلام في هذا الموضوع لأنه في النهاية تهمنا النتائج , والآن يبدو أن الحديث أصبح ضرورياً و التوضيح ضروري و سيكون حديثاً شاملاً بقدر ما تريدون . ويهمني هنا أن أتكلم عن موضوع الأسرى خلال مرحلتين
        المرحلة الأولى : و كنا بشأن التبادل سوية مع الأسرى الموجودين لدى فتح ( عرفات ) فقد سبق و أن قررت اللجنة التنفيذية بأن يتم التبادل بصفة مشتركة . وبعد التبادل الذي تم مع عرفات في شهر تشرين الأول ( 1983 ) بدأت مرحلة أخرى من اتصالات الصليب الأحمر حول إمكانية إجراء عملية تبادل أخرى معنا .
        هذا التبادل كان يعنينا نحن في الجبهة الشعبية – القيادة العامة . وفي هذه المرحلة أيضاً كان هناك مستويين من القضايا الأول، بيان مصير المفقودين و زيارة الصليب الأحمر الدولي لهم بعد انقطاع دام أربعة أو خمسة اشهر . والثاني مستقبل التبادل و آفاقه في المرحلة المقبلة تعرفون أن الحرب يقتل خلالها أناس و يؤسر آخرون و تفاصيل الحرب في لبنان تعرفونها فقد وقع بأيدينا أسرى للعدو , ووقع بيد العدو أسرى للمقاومة .. وخلال الحرب فقد الكثير من المقاتلين مما لم تكن معروفة ظروف فقدانهم .. ومعروف أن للأشقاء السوريين أسرى لدى العدو و بالعكس . وان نهاية موضوع الأسرى في الحروب هي التبادل .. وهكذا بدا الصليب الأحمر الدولي يتصل و يسعى أولاً , لزيارة هؤلاء الأسرى ثم لإمكان تبادلهم بواسطة المفاوضات . وباعتبار منظمة التحرير الفلسطينية كما تعلمون تحالف وطني فإنها تضم في تحالفها عدة فصائل , ومنها نحن الذين وقع بأيدينا عدد من الأسرى و هناك لدى فصيل أخر في منظمة التحرير هو فتح .
        لقد قررت اللجنة التنفيذية تشكيل لجنة خاصة من أعضائها لإدارة موضوع تبادل الأسرى و قد تعاونا مع هذه اللجنة إلى أخر حد باعتبار أن موضوع التبادل موضوع إنساني و نظامي بنفس الوقت في حين كان يرى اليمين الفلسطيني و ياسر عرفات و لجنته المركزية في ذلك الوقت , أن هذا الموضوع ليس فقط إنساني و نظامي بل هو سياسي و بالتالي أصبحنا نسمع عن حوارات و صفقات و مفاوضات , في جنيف , فطلبنا مزيداً من التفاصيل .
        في البداية كانت مشكلة المفقودين من مناضلينا هي مشكلة أساسية تعيق التفاوض سواء عن طريق النمسا أو عن طريق الصليب الأحمر , وكنا معنيين تماما ً بمصير مفقودينا و يبدو أن الجهات الأخرى لم يكن لديها مثل هذا الإحصاء الذي لدينا عن المفقودين إذ كانوا يقللون من أهميته .
        و بعد جدال طويل حول المفقودين التقت اللجنة المشكلة بقرار من اللجنة التنفيذية لبحث موضوع الأسرى ووضعه على السكة الصحيحة ومن جانبنا تعاونا مع هذه اللجنة ووضعنا خبراتنا في موضوع التبادل تحت تصرفها .. فلدينا خبرات لا يملكها أي تنظيم فلسطيني ثم صدر قرار رسمي من منظمة التحرير الفلسطينية بشروط التبادل و هي كالتالي :
        1- إطلاق سراح أسرى أنصار جميعاً . ثم إغلاق هذا المعتقل .
        2- إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين و اللبنانيين و العرب و المناضلين الآخرين من صيدا و صور و إطلاق سراح عدد من بين 20-30 فتاة مناضلة في سجن النبطية هذا فيما يتعلق في الجنوب اللبناني المحتل .
        3- إعادة وثائق و موجودات مركز الأبحاث الفلسطيني الذي نهبه الإسرائيليون الغزاة يوم دخولهم بيروت .
        4- إطلاق سراح 250 مناضلاً أسيراً من مناضلي و أسرى الأرض المحتلة خارج لبنان و هم محكومين و مسجونين منذ فترة طويلة متباينة عملياً .
        هذا ما كان يمثل رأي كل الفصائل الفلسطينية و رأي منظمة التحرير و بقرار و كتاب منها للصليب الأحمر الدولي .
        لم يرد العدو الصهيوني على هذه الشروط بحدود علمنا , وقد أكد الصليب الأحمر ذلك أيضا و لكننا كنا نسمع , مرة من ياسر عرفات و خليل الوزير , ومرة من أبو زياد , دعوة إلى الحوار في جنيف باعتبار أن لدى الجبهة اثنين من أسرى العدو . فنسألهم لماذا في جنيف أولاً ؟ ثم ما الذي سنتفاوض عليه هناك ؟ نحن أرسلنا شروطاً للتبادل لم يرد عليها العدو لا بالموافقة و لا بالرفض فيجب أن نتلقى بعض المؤشرات من الصليب الأحمر الدولي حتى يمكن لنا أن نفهم ما الذي سنتفاوض عليه , فيردون علينا أن الإسرائيليين موافقون . ولكن على ماذا موافقون ؟ لا يعلمون . المهم كانت هناك رغبة في أن تجري الأمور بسرعة . وكان لدخول بعض الجهات الأوربية على الخط هي محاولات لها أبعاد سياسية وليست إنسانية , ولا تستهدف فقط مجرد إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين و الفلسطينيين و اللبنانيين و العرب الذين يعانون في أنصار .
        إننا نعتقد انه من حقنا أن نبحث عن مصير مفقودينا , وفي أن يكون هناك حد أدنى من الأسس التي يمكن تثبيتها في مخاطبة الصليب الأحمر حول موضوع التبادل فلا يصح أن تستمر مخاطبة الصليب الأحمر دون أي رد من الطرف الآخر وقد تعرض موقفنا هذا إلى تشويه مقصود من قبل قيادة عرفات حتى إن إسرائيل صارت ترحب بتصريحاته التي يقول فيها إن الجبهة الشعبية _ القيادة العامة ترفض التبادل , ويجري تسريب هذه التشويهات إلى أسرى أنصار بزعم أننا نماطل و نعرقل عملية التبادل وقد صدق البعض من الأسرى ذلك و لم يتلمسوا الحقائق إلا حين اصبحوا خارج المعتقل إننا قليلو الكلام , ولكن أن الأوان لنضع النقاط على الحروف بشأن المجريات .
        بدأت مفاوضاتنا مع الصليب الأحمر الدولي في جنيف في 22/10/1983 , وبالضرورة كان علينا أن نبدأ منذ البداية طرح طلباتنا التي تتلخص من إطلاق سراح معتقلي أنصار جميعاً و مسجوني صيدا و صور و النبطية وإعادة وثائق و موجودات مركز الأبحاث الفلسطيني و إطلاق سراح 1250 مناضلاً أسيراً من الأرض المحتلة . أما الطرف الأخر فقد طالب بإطلاق سراح ( ستة ) عند فتح و ( 2 ) لدينا في الجبهة الشعبية _ القيادة العامة .وكان للعدو خمسة مفقودين فأوضحنا للوسطاء من الصليب الأحمر الدولي أننا نتحدث عن ثمانية أسرى , _ ( ستة ) لدى فتح و ( اثنين ) لدى الجبهة الشعبية _ القيادة العامة , أما المفقودون فلا علم لنا بهم .
        لقد توصلنا بعد مفاوضات مضنية استمرت حوالي عشر جلسات مع الصليب الأحمر الدولي إلى أن العدو الإسرائيلي مستعد لاطلاق /2500/ من أسرى أنصار الذين يبلغ عددهم /5000/ وان يعيد موجودات ووثائق مركز الأبحاث الفلسطيني وأن يطلق سراح عدة عشرات من أسرى الأرض المحتلة فقط . رفضنا هذا و أصررنا على كل مطالبنا المتعلقة ب /1250/ من الداخل و/5000/ من أنصار _ إغلاق سجون أنصار _ صيدا _ صور _ النبطية , ويطلق سراح كل معتقليها.
        وكان أخر ما توصلنا إليه انهم يقبلون بإطلاق سراح /3000/من أنصار و /78/ سجيناً من الأرض المحتلة و إعادة وثائق مركز الأبحاث الفلسطيني و إطلاق سراح أسرى صيدا _ صور _ النبطية , ولكنهم يضعون شرطاً مقابل ذلك هو الكشف عن مصير المفقودين الخمسة من جنوده .
        حول مصائر مفقود يهم أوضحنا للصليب الأحمر أن الصهاينة غزوا لبنان وخاضوا حرباً ضد اللبنانيين و الفلسطينيين و السوريين .. وهذا يعني أن عليهم الاستفسار من جميع هذه الأطراف عن مفقوديهم , وأكدنا مجددا مطاليبنا وأننا نتحدث عن ثمانية أسرى هم هؤلاء الذين لدينا .
        في مرحلة المفاوضات الأخيرة ابلغنا أن لدى عرفات ثلاث جثث فأصبح الحديث يدور عن ثمانية أسرى و ثلاثة جثث , لانعلم عنها شيئاً في الواقع , ثم أعلن ممثلو الصليب الأحمر أن الجانب الآخر قدم عرضاً و مطلوب منا تقديم عرضنا , فأوضحنا انه إذا كان من الضروري تقديم عرض معين فأننا نقبل بإطلاق سراح /3000/ أسير من أنصار و 78 من الأرض المحتلة و إغلاق سجون صيدا _ صور _ النبطية _ وإعادة وثائق مركز الأبحاث الفلسطيني , مقابل أسيرين و جثتين مما لدينا .
        غضب وفد العدو و قطع المفاوضات من جانب واحد و بالتالي عدنا إلى دمشق , و ابلغنا الصليب الأحمر أننا نحمل الطرف الآخر المسؤولية في قطع المفاوضات و إننا واثقون بصمود أسرانا , كما نحمله مسؤولية حياة مناضلينا و أسرانا و أي ضرر أو خطر بالمقابل على مصير أسراه و مساجينه لدينا , لان المنطقة مقبلة على تطورات خطيرة بسبب نشاطات الأسطول الأمريكي في البحر المتوسط , فإذا حدث أي ضرر للأسرى الذين لدينا يكون الطرف الآخر مسؤولاً لانه هو الذي قطع المفاوضات من طرف واحد , كما حملناه مصير المفقودين , وكذلك أي ضرر يمكن أن يلحق بأسرانا في أنصار . ولقد قرأنا يومها و نحن في جنيف أن العدو دفن ثلاثة معتقلين من أنصار , ونشر هذا في الصحف ووسائل الإعلام , فحذرناهم وحملناهم المسؤولية من المعاملة اللاإنسانية التي يلقاها مناضلونا في أنصار .
        بعد أن توقفت المفاوضات عبر الصليب الأحمر الدولي في جنيف عاد الأمر و كأنه تعقد مرة أخرى بشكل لم نكن مسؤولين عنه , حتى أن الصليب الأحمر الدولي نفسه حمل الطرف الآخر مسؤولية قطع المفاوضات , أما الطرف الآخر فزعم أن المفاوضات ستتوقف لمدة مؤقتة و الواقع كنا نحن ممثلو الجبهة الشعبية _ القيادة العامة نتشكك في ذلك و نؤكد ضرورة استئناف هذه المفاوضات سريعاً . لقد فهمنا و مازلنا نفهم أن عودة المفاوضات عبر الصليب الأحمر الدولي في جنيف ستكون على أساس أن يقدم طرف من الطرفين تنازلات . على أي حال نحن كنا واثقين من أننا الطرف الذي لن يقدم أية تنازلات على حساب مثل تلك القضية الإنسانية و النضالية و لا تحت أي ظرف لأننا أصحاب حق .
        بعد أيام من عودتنا من جنيف اتصل بنا جمال الصوراني يقول أن الصليب الأحمر الدولي يطلب العودة إلى المفاوضات فتساءلنا ما إذا كان هناك تطور في الموقف فأجاب الصوراني بان الصليب الأحمر الدولي لم يبلغه عن أي تطور في الموقف و لاتنازلات و لا استجابة لشروطنا من الطرف الآخر ,وأوضح انه سيذهب لوحده , فإذا وجد أن هناك ما نتفاوض عليه سيتصل بنا هاتفياً و خلافه لا جدوى من التفاوض .
        وبعد أسبوع سمعنا عن التبادل الذي سمعتم به وتمت عملية التبادل في 24/11/1983 و التي كانت صفقة سياسية شاركت فيها مصر و فرنسا و إيطاليا .
        معلوماتنا تؤكد أن الصفقة أسفرت عن إطلاق سراح 4000 من أنصار و بعضهم يقول 4300 أو 4400 و بهذه الحدود أخليت سجون صيدا و صور و النبطية و لم يغلق معتقل أنصار . وهو الآن مفتوح يستقبل العديد من المعتقلين حتى هذه اللحظة و كان من المفترض وفق الشروط أن يتم إطلاق سراح معتقلي أنصار يقيناً أن هناك 128 معتقلاً هم أعضاء في جبهتنا . أو كما يعتقدهم العدو خطفوا عند إغلاق معسكر أنصار و لم يرسلوا إلى الطائرات بل اخذوا إلى عتليت و هم إلى هذا اليوم في السجن , مما اضطر الصليب الأحمر الدولي أن يحمل العدو لمسؤولية هذا العمل . فهو أول خرق من الجانب الصهيوني للاتفاق الذي جرى في جنيف بينه وبين جمال الصوراني عبر الصليب الأحمر الدولي . كما عرفنا أيضاً انهم اتفقوا على إخراج 100 أسير من الأرض المحتلة . غير أن الذين صعدوا إلى الطائرة 63 معتقلاً فقط من الأرض المحتلة و 37 آخرون أعيدوا , من بينهم زياد أبو عين المناضل الفلسطيني الذي سلمته الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاحتلال الصهيوني و استبدل هؤلاء بـ 11 أسير كانوا قد اسروا على ظهر باخرة قبل أحداث طرابلس بقليل .. وكل هذا مقابل ( 6 ) أسرى من العدو موجودين لدى فتح عرفات و ثلاث جثث ابلغ الصليب الأحمر عنهم حين كنا في جنيف .
        و حتى الآن لم نتلق أية معلومات عن مفقودينا الذين خطفوا من أنصار , والذين كان يجب أن يطلق سراحهم وفق التبادل , كما منع الصليب الأحمر الدولي أو أية جهة دولية أخرى من زيارتهم بالإضافة إلى المفقودين الآخرين الذين نطالب ببيان مصيرهم في بداية المفاوضات , نخص بالذكر ويلسون شمعون و محمود عبد العزيز الوجيه اللذين فقدا خلال الغزو الإسرائيلي للبنان في صيف 1982 بالإضافة إلى مفقودين آخرين مثل مراد بشناق و مصطفى خروبي الذين فقدا في 15/7/1983 .
        و لقد بذل الوسيط النمساوي السيد ايمري جهوداً إنسانية مشكورة و كذلك الصليب الأحمر الدولي للحصول على معلومات حول المفقودين وجرت تحقيقات و استطلاعات كثيرة أمكن للجانب النمساوي و الصليب الأحمر الدولي أن يزودنا بمعلومات مقبولة عن المفقودين , ويهمني هنا أن أوضح أن الجانب النمساوي يقوم بجهود محض إنسانية و ليس لها أبعاد سياسية سواء في قضية المفقودين أو في مسألة التبادل . لقد أذاعت حكومة النمسا بلسان وزير خارجيتها وقائع وساطة السفير السيد إيمري و ما آلت إليه جهوده في بيان مصير المفقودين , وقد درسنا هذا التصريح و هو يعبر عن الواقع تماماً .
        يقول التصريح :
        ( انطلاقا من الدوافع الإنسانية المحضة , قامت وزارة الخارجية النمساوية بجهود متواصلة من اجل تأمين إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين الموجودين في سجون السلطات الإسرائيلية و كذلك إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى الجبهة الشعبية _ القيادة العامة و لقد كانت مسألة المفقودين التابعة للجبهة من المسائل الأساسية التي أصرت عليها الجبهة قبل البت في موضوع الأسيرين لديها و هما يوسف غروف و نسيم شاليم . و لقد أثمرت الجهود التي قامت بها إلى معرفة مصير عدد من المفقودين ومن بينهم ويلسون شمعون و محمود عبد العزيز الوجيه اللذين أفادت المعلومات و التحقيقات الإسرائيلية انه القي القبض عليهما في لبنان وتم قتلهما على يد القوات اللبنانية . كما تم التأكد من وجود بعض المفقودين و الأسرى للجبهة , ومن بينهم مراد بشناق و مصطفى خروبي اللذين تم أسرهما في الفترة الأخيرة , وهما حالياً في سجون السلطات الإسرائيلية كما أمكن معرفة مصير جندي إسرائيلي و هو المدعو حازي شاي , أفادت الجبهة انه قد تم نقله من لبنان في وقت ما , وفي ضوء النتائج الإيجابية التي تحققت بشأن مفقودي الجبهة الشعبية _ القيادة العامة , وعلى ضوء التأكيدات التي ابلغها الجانبان للنمسا , فقد اصبح بإمكان ممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي زيارة أسرى الفريقين في اقرب فرصة , وبهذه المناسبة تعرب النمسا عن شكرها للأطراف التي ساهمت في معرفة مصير المفقودين مما بذلوه من جهود إنسانية ) .
        و تنفيذاً لهذا , فإننا طلبنا أن تتم زيارة أسرى الفريقين زيارة متزامنة بمعنى أوضح أن الصليب الأحمر الدولي يزور رفاقنا في عتليت مراد بشناق و مصطفى خروبي , وبقية المخطوفين , في نفس الوقت الذي يزور الأسرى الثلاثة الموجودين لديناو هكذا تمت الزيارة , حيث ابلغنا ممثل الصليب الأحمر الدولي في سورية انه يشعر بالارتياح الكامل لدى زيارته الأسرى الذين لدينا فهم في وضع نفسي و صحي جيد وأن زيارته لهؤلاء الأسرى تمت وفق اتفاقية جنيف بشأن الأسرى تماماً و عبر عن اعتزازه بتعاون الجبهة مع جهود الصليب الأحمر الدولي الإنسانية و تمنى أن يكون الطرف الآخر متعاوناً مع الصليب الأحمر الدولي أسوة بالجبهة وأن يلتزم باتفاقيات جنيف حول الأسرى و أوضحنا إننا ولأسباب إنسانية و تاريخية تتعلق بتقاليدنا قمنا بمعاملة أسرانا وفق القوانين الدولية , ومنذ أيام ربما قرأتم تقارير المحامية المعروفة فيليسا لانكر إذ طالبت بلجنة تحقيق حول أوضاع المعتقلين الفلسطينيين في سجون العدو لانهم يلقون معاملة اقل ما يمكن أن يقال فيها أنها معاملة لا إنسانية إن السلطات الإسرائيلية لا تسيء معاملة المعتقلين فقط بل تقتلهم أيضاً و حادثة قتل الأسير بعد عملية الباص قبل أسابيع ليست بعيدة .
        إننا أمام هذا الحشد من رجال الصحافة و الإعلام نطالب بلجنة دولية للتحقيق في أوضاع الأسرى والمعتقلين العرب في سجون العدو الصهيوني .
        غير أن السلطات الإسرائيلية تحاول إثارة حملة دولية حول إلحاح عائلات بعض الأسرى الإسرائيليين للقاء بأبنائهم , ونحن أيضاً مستعجلون و نعمل لكي يكون رفاقنا و أبناؤنا بالمقابل بيننا ومع عائلاتهم , ولكن الذي يهمه مصير أسيره عليه الضغط على السلطات الإسرائيلية التي لا يبدو أنها معنية بما فيه الكفاية بمصير هؤلاء البشر .
        من المنطقي ، أن تكون الخطوة التالية بعد الكشف عن مصائر المفقودين هي عملية التبادل و هذا التبادل سيكون بجهود الصليب الأحمر الدولي ، و لهذا و منذ كنا نبحث عن مصير المفقودين طرحنا ما نستطيع أن نسميه مبادئ أساسية للعمل بشأن التفاوض عبر الصليب الأحمر الدولي و تتضمن إعطاء كل أسير يطلق سراحه حق الخروج من الأرض المحتلة أو البقاء فيها و أن لا تعتقله السلطات الإسرائيلية على التهم السابقة لتاريخ الإفراج عنه ، و عدم رفض أي اسم تتضمنه القائمة التي نقدمها لإطلاق سراحهم 0
        والواقع أن الطرف الآخر لم يرد على هذه المبادئ إلا إجابات عامة لا تقدم الأمور إلى الأمام ، فالمرحلة المقبلة منطقياً هي مرحلة التبادل و أن زيارة الصليب الأحمر الدولي و زيارة السيد إيمري لأسرى الطرفين يفتح باباً واسعاً أمام احتمال كهذا ، إن الكرة الآن في الملعب الآخر فحين تقر مبادئ العمل سنكون جاهزين لحوار جدي مع الصليب الأحمر الدولي حولي عملية التبادل المقبلة 0
        أسئلة واضحة و أجوبة ناقصة :
        و في الثامن من نيسان 1984 ، عقد لقاء جديد برئاسة الرفيق أحمد جبريل الأمين العام للجبهة و وفد الجبهة المفاوض من جهة و ممثل حكومة النمسا السيد إيمري و السفير النمساوي في دمشق من جهة ثانية ... و قد سلم الوسيط رسائل كتبها الرفيق مراد و رفيقه ، و ذكر أن لم يتسن له اللقاء المباشر بهما ، و قال خلال اللقاء عن رد الصهاينة على أسئلة الجبهة :
        " إن الإسرائيليين يقولون أن الجبهة تريد كل شيء و كأنها تريد القمر و الثريا من وراء الأسرى الذين لديها ، و هذا غير معقول ، و أخبروني أن هذا يدمر التوازن في المسألة ، و أنا أخبرتهم أن كلامهم غير معقول فهم الذين طلبوا المفاوضات و عليهم أن يجيبوا على المطالب و الأسئلة بطريقة معقولة بما يعني أنهم جادون ، و قد حصلت نقاشات طويلة آخذين بعين الاعتبار ظروف الأسئلة ، لكنهم لم يجدوا مناصاً إلا الإجابة على الأسئلة 0
        لم يجيبوا بلا .. فقد طلبوا مني ألا أجري زيارة للسجناء ، و لكني تأكدت من وصول الرسائل إلى رفيقيكم .
        لقد أحضرت الرسائل حتى أبرهن بأنهم في صحة جيدة و لقد حصلت على تأكيد مكتوب من الجانب الإسرائيلي أن جميع السجناء تلقوا كتاباً باللغة العربية كي يقرأوا و يقضوا أوقاتهم ، و من أجل تحقيق التوازن بين سجناء الطرفين أحضرت كتبا للأسرة الإسرائيليين الذين لديكم 0 بالنسبة للأسئلة التي حملتها لهم .. النقطة الأولى حول ما إذا كان الطرف الأول جاهزاً للتبادل ، الجواب هو أنهم مستعدون للمفاوضات فوراً و اليوم قبل الغد ، و لكن بعد التأكد الرسمي من وجود ثلاثة من أسراهم لديكم ، وسبب ذلك أن إطار المفاوضات سيقوم على هذه المعادلة ، و على الأسئلة التي تتعلق بالاستعداد لإطلاق سراح الفلسطينيين الذين سيحددون ، أكدوا أن المسألة تتوقف على الأسرى الذين تريدونهم ، و لا شك أن هناك بعض الأمور الإجرامية ولكن النقطة الأهم هي قائمة أسماء الأسرى التي تريدون الإفراج عنها 0
        من المهم ، بالنسبة لهم ، معرفة أسماء الأسرى الذين تريدون إطلاق سراحهم ... أما بشأن الصليب الأحمر ، فقد تحدثت مع مدير الشرق الأوسط في الصليب الأحمر السيد هو فليجر و أخبرني أنه مستعد ، فوراً لعقد مناقشات غير مباشرة بين الطرفين في جنيف ، و أنا أفترض و أتمنى ذلك خلال أيام و يمكنني الاتصال به خلال دقائق متى شئتم ، إن المفاوضات الإجرائية بالنسبة للسلطات الإسرائيلية يجب أن تجري من خلال الصليب الأحمر في جنيف ، و هم يعتقدون أن المفاوضات تبدأ لدى زيارة الصليب الأحمر للطرفين ... إنهم يعتقدون أنه في حالة إجراء المفاوضات من خلال الصليب الأحمر ، و عند حدوث عقبة ما ، حينها يمكنني أن أحضر للمساعدة ... سأتدخل فقط حين يعتقد الطرفان أن الأمور لا تسير إلى الأمام ، أما بالنسبة للتفاصيل الأخرى فيقولون أنه يمكن الوصول إلى نقاط إيجابية حولها ، و استناداً إلى التجربة السابقة في عام 1979 بين الطرفين ، و عندما تبدأ المفاوضات من خلال الصليب الأحمر فإن جميع الأمور التمهيدية تكون قد انتهت ، و الآن ينبغي أن ننجز هذه الأمور التمهيدية ، إن بداية المفاوضات تكون عندما يوضع أسرى الطرفين تحت تصرف الصليب الأحمر الدولي 0
        و حول طلبكم بإجراء المفاوضات مع منظمتكم من خلال الصليب الأحمر الصليب دون أي علاقة بأسرى أي طرف آخر ، خاصة سوريا ، .. لقد قبلوا بهذا التأكيد كما قبلوا أن تجري لاحقاً في جنيف مفاوضات غير مباشرة بالنسبة لتاريخ و ظروف التبادل ، إن هذا سيجري تحديده لا حقاً ..إنه برأي الشخصي رد إيجابي على استفساراتكم ، أما حول مكان التبادل ، أنتم زودتمونا بأربع أماكن وهم يرون أما جنيف أو فينا 0
        النقطة الثالثة و هي الضمانات ، فهم يعتقدون منعاً لأي خداع ، أن ضمانات كهذه يجب أن تناقش بالتفصيل معكم ، ففي حال إجراء التبادل ، في فيينا أو جنيف ، فهم يوافقون أن تعطي النمسا أو سويسرا هذه الضمانات ، إن المسائل الإجرائية حول الضمانات ستناقش معكم في جنيف 0
        النقطة الرابعة ، الخاصة بالأسرى الفلسطينيين في الأرض المحتلة ، إنهم يرون أنه يمكن التوصل إلى حل ، استناداً إلى تجربة التبادل في 1979 ، حول مسألة الخيار للأسرى فيما إذا قبلوا البقاء مع أسرهم أو الخروج ، و لكن هذه تعتمد على عدد الأسرى الذين ستطلبونهم في القائمة ، و لكن بشكل أساسي هم لا يعترضون على صيغة عام 1979 ، لقد وافقوا على ألا يكون هناك فيتو ، من قبلهم على أي مجموعة من الأسرى تطالبون بها ، ما عدا اليهود و هذه المسألة ستناقش بينكم في جنيف فهم يعتقدون أن هذه المسألة مهمة لعلاقتها ، حسب انطباعاتي ، بموضوع أوكوموتو الذي تزعم إسرائيل أنه اعتنق الدين اليهودي ، لا أعرف بالدقة ماذا حصل ، و لكن هذا ما سمعت به ، و الإجابات على هذه النقاط الخمس إيجابية كما أرى "0

        شكر الرفيق الأمين العام السيد إيمري على جهوده ، و عرض بعض الإيضاحات و الاستفسار و التحديدات و الأسئلة قائلاً :
        (( الموضوع الأول : لقد تساءلنا ما إذا كانوا مستعدين للبدء و إنهاء التبادل قبل إجراء انتخاباتهم أم لا ؟ لأننا قلنا إننا لا نرغب بالعمل على مراحل ، لذلك طرحنا مجموعة الأسئلة لتكون الأمور أمامنا واضحة جداً 0
        الموضوع الثاني : حول دور الصليب الأحمر ، نحن نشعر كما تشعرون و حكومتكم ، إنه من الضروري أن يكون للصليب الأحمر دور هام ، و لكن نقولها بكل صراحة : إننا محتاجون لضمانات دولة مثل النمسا ،اليونان ، سويسرا ، لتنفيذ الاتفاق و التبادل ، و إذا كانوا لا يوافقون على اليونان فإما النمسا أو سويسرا 0
        الموضوع الثالث : نحن نشعر ، من الضروري أن نصل إلى المبادئ الأساسية والموافقة عليها بوضوح لئلا نذهب إلى جنيف بدون فائدة ، كما في المرة السابقة ، فلا وقت لدينا نضيعه ، لذلك نحن نفضل أن يبقى السيد إيمري و حكومته على اتصال بالمفاوضات حتى الموافقة على المبادئ الأساسية ، و عندها يمكن أن يذهب وفد مفاوض إلى جنيف للاتفاق على التفاصيل ، مهم جداً أن نفهم رأياً رسمياً حول النقاط التي أثرناها عندما قلنا أن لا يكون هناك فيتو إلا على اليهود فنحن نعني ما نقول بوضوح سواء أكان كوزوا أوكوموتو أم غيره ،و حول اعتناق " أوكوموتو " اليهودية نريد رسالة من الحاخام الأكبر في إسرائيل حول هذا الموضوع .. اليهودية ليست ديانة تبشيرية و هم أنفسهم يقولون هذا ، ومرات كثيرة نسمع نقاشهم حول الأب و الأم اليهوديين ، وعلى أوكوموتو الذي ذهب إلى فلسطين ليقاتل من أجل قضيتنا العادلة أن يرسل رسالة حول اعتناقه اليهودية ، إنه يفضل البقاء في السجن ،و هذا يعود إليه 0
        أما إذا لم تتوفر لدينا القناعة و الثبوتيات ، فنحن نعتبر أن هناك فيتو عليه ، و هذا مخالف لما وافقوا عليه و نقض لأهم مبدأ من المبادئ الأساسية 0))
        إيمري :" ليس هناك فيتو على أي أحد في القائمة التي ستقدمونها ، حسب ما فهمت فإن لديهم رأى حول هذه النقطة ولديهم ما يقولونه حول أوكوموتو "0
        جبريل :" نحن نعتقد أن المطالبة بتحرير معتقل بقي خمسة عشر عاماً في السجون أمر إنساني ، و هو جزء من الدين الذي يثقل كاهلنا ، و لا يمكننا التخلي عنه ، فضلاً عن أن السلطات الصهيونية تجاوزت كل تقاليد الحروب و مبادئ التعامل مع الأسرى في تعاملها مع أسرى الثورة الفلسطينية 0 لذلك يجب أن يكون هذا الأمر واضحاً جداً 0 إننا نرى أنه من الضروري أن نحصل على إجابات دقيقة و واضحة لكي نستطيع الانتقال إلى جنيف ، و عندما تكون هذه الإجابات أمامنا سنكون غداً في جنيف ، أما موضوع العدد و الأسماء فستكون هي التفاصيل بعد الاتفاق على المبادئ 0
        بالنسبة إلى الإعداد و الإجراءات ستكون جاهزة للتفاوض عليها بعد الاتفاق على المبادئ الأساسية 0"
        إيمري :" باعتقادي أن الأجوبة على الأسئلة قد قدمت ، و كانت برأيي إيجابية ، و لكن هناك نقطة و هي تفاصيل الأسماء نفسها " 0
        جبريل :" الأسماء ، في جنيف إذا كانت الأمور واضحة نوقع على هذه المبادئ باللغتين العربية و الإنكليزية ، كي لا نعود إلى الوراء أيضاً ، حول موضوع المفقود حازي شاي نحن في مشكلة حول ما يتعلق بالمفقودين الآخرين من جبهتنا ، و هنا نرجو أن تسألهم عن رتبة حازي شاي ؟ فنحن علمنا أنه نائب ضباط احتياط في المدرعات . عندما سندخل في المفاوضات سندخل بثلاثة جنود .. و سنكون مسؤولين عن هذا الموضوع ، ولكن الموضوع بصراحة يتوقف على كيفية إقناع عائلات مفقودينا بمصير أبنائهم .. نحن نعرف جيداً عندما نشرك الصليب الأحمر سنضع الأسرى الذين لدينا تحت تصرفه ، كما هو الحال مع أسرانا لدى الطرف الآخر ، و عودة إلى المقدمة التي تقدمتم بها ، نحن لا نعتبر الموازين قد اختلت ، و لكن الطرف الآخر سيحاول أن يوحي لنا بأن هناك اختلالاً ما قد حصل ، و ما قمتم به ، كان جيداً لدى الطرفين ، نعتقد أن الأسرى لدينا ، يعاملون حسب اتفاقات و ميثاق جنيف وستبادلون الصور و الرسائل مع أهلهم ، و بنفس الوقت لأول مرة تصل من أسرانا لعوائلهم رسائل ، رغم ذلك فإن مراد و رفيقه لم يكتبوا أنهم استلموا الرسائل قبل الأخيرة ، و قد ذكروا فقط أن سجانيهم أوصلوا الرسائل لهم ، لا يوجد في الرسالة التي وصلتنا أي إشارة عن وصول رسائل سابقة ، معنى ذلك أنهم لا يزالوا معزولين عن أسرهم ، لذلك نأمل منكم تحميل المسؤولية و عقدة الذنب لهم و ليس لنا أو لك 0
        سؤال آخر : هل ثمة حاجة لتوجيه رسالة إلى الحكومة النمساوية لتتعهد و تضمن عملية إجراء التبادل في النمسا و دون أي تلاعب ؟ إننا لا نريد في النهاية أن يقدم الصليب الأحمر اعتذاراًَ بأن إسرائيل خدعته ، و بالمناسبة لقد ناقشنا معكم أن تبقى هذه المسألة بعيدة عن الإعلان لتأمين نجاحها و سريتها دون عراقيل ، أما ما تداولته وكالات الأنباء من أثينا فنحن لسنا مسؤولين عنه ، و بسبب التزامنا الأخلاقي معكم لم نستطع إعطاء الإجابات المتعددة لعدة تساؤلات خلال هذا الأسبوع ، عرفات يريد أن يقنع الناس أن ما حصل هو جزء مما أجراه في السابق وتتمة لمبادلته ، إن هذا الموضوع – كما تعلم – ليس له أي علاقة بالصفقة التي أجراها عرفات ، و إلا كان من المفروض أن يكون رفاقنا الموجودين الآن في عتليت هم مع عائلاتهم ،و كان من المفروض أن يكون وفدنا الذي ذهب إلى جنيف قد اطلع على مجرى المفاوضات ، ولكنه أبعد ، وجرت صفقة منفردة لم نسمع عنها إلا من وسائل الإعلام ، نحن نأمل أن تكون هذه المفاوضات بعيدة عن الأحاديث الإعلامية حتى يتم كل شيء في حدوده ، و سيكون لدينا الوقت لنتحدث عن دور النمسا وعلى رأسهم دوركم أنتم ، هذا ما لدينا " إيمري :" بالنسبة للنبأ الذي تسرب حول ما يجري فقد جاء من وكالة الأنباء الفرنسية ، و حسب ما سمعتم في الخبر لم يتحدثوا عن اتصالات تجري للتبادل ، بل إن تبادلاً سيحصل قريباً ، و ربما لاحظتم ما أصدرناه في أثينا من نفي من أن يكون هناك أسير ثالث في التبادل ، المشكلة هو أنه حين تجري المفاوضات بهذا الشكل فإن أناساً كثيرين يعرفون بها ، و تعلمون أن هذا النبأ منع عن الإعلام الإسرائيلي و لكن الصحفيين الإسرائيليين عندما يعرفون شيئاً و لا يستطيعوا نشره يهربونه إلى صحف أجنبية ، و أنتم تعرفون أن المعنيين بالمحادثات هم وحدهم يعرفون بالمجريات ، فضلاً عن عائلات الأسرى و المفقودين و هذا ما هيأ ظروفاً مناسبة لتسرب المعلومات حول المحادثات ، ولكن بالطبع كان ينبغي أن نقوم بالمتابعة بشكل صحيح و أن نتحاشى أي خطأ ، وأن لا نخلق عراقيل 0
        أما بشأن الضمانات الفعلية من حكومة النمسا للتبادل فنحن نعتقد أنه حين يتوصل الطرفان إلى مرحلة الاتفاق يمكن حينها أن نضع تفاصيل الضمانات المناسبة ، و لكن بالطبع ينبغي أن نعرف ما نضمن ؟ و على ماذا نضع ضماناتنا ؟ كما أن الطرف الآخر يطلب الحصول على ضمانات أيضاً ".


        مركز بيسان ... يرحب بكم
        http://besancenter.maktoobblog.com/

        تعليق


        • #5
          4ـ الوفد الفلسطيني المشترك
          يبدأ المفاوضات مع مندوبي الصليب الأحمرفي جنيف:

          بالاستناد إلى هذه الشروطتشكل الوفد المشترك بعد أن أتصل ممثل الصليب الأحمر الدولي السيد جون هوفليجر رئيس دائرة الشرق الاوسط في المنظمة الدولية بمنظمة التحرير للاستفسار منها حول إمكانية عقد أول جلسات التفاوض معه في جنيف في منتصف شهر تشرين أول 1983وقد ضم الوفد المشترك : جمال الصوراني , عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة _ و فخري شقورة من منظمة فتح _ والرفيق عمر الشهابي عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية القيادة العامة _ و الرفيق تحسين حلبي .

          و قبيل سفر وفد الجبهة برئاسة الرفيق عمر الشهابي عقد الأمين العام اجتماعاً لقيادة الجبهة و اتفق على الموقف الذي ستتخذه الجبهة في هذه المفاوضات المشتركة الموحدة والذي سوف يحمله وفدها الى تلك المفاوضات و خصوصاً تجاه مسألة الأسرى المفقودين من رفاق الجبهة و تجاه التأكيد على المطالب الأساسية الموحدة التي اتفق عليها باسم منظمة التحرير الفلسطينية 0

          وفي 20 تشرين أول 1983 اجتمع الوفد المشترك في جنيف في مكتب المنظمة وبحضور ممثل المنظمة في جنيف نبيل الرملاوي , لوضع تصور مشترك للطريقة الواجب اتباعها في المباحثات مع وفد الصليب الأحمر و عن المواضيع التي ينبغي التحدث معه بشأنها قبل الدخول بالحديث عن التبادل .


          الجلسة الأولى ... جنيف 22/10/1983

          في مقر المنظمة الدولية للصليب الأحمر التأم أول اجتماع لأول جلسة رسمية بين الوفد المشترك ووفد الصليب الأحمر الذي ضم السيد جون هوفليجر مدير دائرة الشرق الأوسط في الصليب الأحمر و السيد ميشيل كانيو مدير قسم فلسطين المحتلة في المنظمة الدولية وذلك صباح يوم السبت 22/10/1983 .

          استهل جمال الصوراني وحسب التنسيق المعد سلفاً بين أعضاء الوفد الحديث , مؤكداً على أهمية مسألة نقل عدد من معتقلي أنصار إلى سجون الأرض المحتلة في الداخل و معتبراً أن هذا الإجراء يهدف إلى نسف أية مفاوضات قبل إجرائها , وطالب الصليب الأحمر بتزويد الوفد المشترك بقوائم كاملة تضم أسماء جميع معتقلي أنصار .

          هوفليجر : نحن لدينا معلومات بأن عدداً من أسرى أنصار قد تم فعلاً نقلهم إلى سجون الداخل و هم يقدرون بـ 30 معتقلاً . وقد قام مندوبو الصليب الأحمر بزيارتهم
          وقدموا احتجاجاً للسلطات الإسرائيلية لأن نقلهم يخالف اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب والمدنيينونحن نخشى أن تلجأ السلطات إلى محاكمتهم , ولكننا و باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر نؤكد بان كل معتقل كان في أنصار هو جزء من عملية التفاوض على تبادل الأسرى و جزء من أي اتفاق يتم التوصل إليه بين الطرفين .

          عمر الشهابي : نحن نطالب بأن تتوقف عملية نقل المعتقلين من أنصار فوراً و إعادة جميع من نقلوا منه أليه , لأننا إذا تجاهلنا ما تقوم به السلطات الصهيونية فلن نجد في النهاية أي معتقل في أنصار .

          جمال الصوراني : أريد أن أؤكد على النقاط التالية :

          1-إن الجبهة الشعبية _ القيادة العامة , وافقت على قيام الصليب الأحمر بزيارات منتظمة للأسيرين اللذين تحتفظ بهما مع التأكيد على انتظام زيارة الصليب الأحمر للأسيرين الفلسطينيين مراد و مصطفى خروبي .

          2-إننا جئنا هنا للتفاوض مع الصليب الأحمر بشأن الاتفاق على تبادل الثمانية أسرى من جنود الاحتلال الصهيوني ومناضليناالأسرى في سجون الاحتلال أي أن موضوع التبادل هو : الثمانية و ليس الستة الذين تحتفظ بهم حركة (فتح) .

          3-إن الجبهة الشعبية _ القيادة العامة تؤكد على أن ليس لديها سوى أسيرين من جنود الاحتلال و ليس غير ذلك .

          4-إن منظمة التحرير لم تتلق حتى الان أية معلومات حول مفقوديها , ولذلك فإننا بانتظار هذه المعلومات .

          5-نحن نعتبر أن مطالبنا التي أرسلناها للصليب الأحمر هي نفس المطالب التي نطلبها في هذه المفاوضات ( ويذكر أن الوفد المشترك كان قد زود الصليب بنسخة عن تلك المطالب الأساسية لمنظمة التحرير مقابل الإفراج عن الثمانية أسرى ) وهذه المطالب هي :

          6-تحرير كافة معتقلي معسكر أنصار _ وإغلاق المعتقل نهائياً و تحرير كافة المعتقلين في سجون صيدا وصور و النبطية .

          7-إعادة جميع الوثائق التي سلبها الاحتلال الصهيوني من مركز الأبحاث الفلسطيني .

          8-تحرير 1250 معتقلاً من سجون الاحتلال الصهيوني في فلسطين حسب قوائم الأسماء التي سلمت للصليب الأحمر .

          9-تخيير كل معتقل في سجون الداخل بين البقاء عند أهله و في وطنه أو المغادرة .

          10-أن تتعهد السلطات الصهيونية بعدم اعتقال أي أسير محرر بنفس التهم التي أدت إلى اعتقاله و محاكمته .


          هوفليجر : حسناً هذا ما نعرفه جيداً عن مطالبكم و لكن ماذا بشأن زيارة الأسيرين يوسف غروف و نسيم شاليم اللذين تحتفظ بهما الجبهة الشعبية _ القيادة العامة ؟

          عمر الشهابي : سيتم ترتيب زيارة لهما من قبل الصليب الأحمر و لكن بشرط أن تتم زيارة المناضلين الأسيرين مراد بشناق ومصطفىخروبي قبل ذلك .

          هوفليجر : إن مهمتي هي زيارة الأسرى و بدون ربط , فبالاضافة الىكوني وسيطا في مفاوضات تبادل الأسرى فأنا مندوب للصليب الأحمر و مهمتي هي زيارة الأسرى , سواء منكان عندكم أو عند الطرف الآخر . ومثلماألح عليكم حول هذا الأمر ألح على الطرف الآخر أيضاً .

          عمر الشهابي : حسناً , هذا مفهوم , لكن يسعدنا أن نلمس نتائج مطالبتكم و ضغطكم على الطرف الآخر أولاً .

          هوفليجر : وبالمناسبة دعوني اعرض عليكم ملاحظة أبداها الطرف الإسرائيلي حول بعض مفقوديه فقد ابلغني الوفد الإسرائيلي أنه يريد معرفة مصير بعض جنوده المفقودين . على أية حال سأنقل الآن طلباتكم للطرف الآخر و سأعاود الاجتماع بكم في الثلاثاء لانقل لكم رد الطرف الآخر .

          _ عند هذا الحد انتهى الاجتماع الأول , وتحدد صباح يوم الثلاثاء الموافق 25/10/1983 موعداً للجلسة الثانية .

          وكان قد حضر ذلك الاجتماع إضافة إلى جمال الصوراني و فخري شقورة و عمر الشهابي و تحسين حلبي و نبيل الرملاوي كل من نور علي من مكتب عرفات ودينا عبد الحميد ( مطلقة ملك الأردن و زوجة صلاح التعمري ) .


          الجلسة الثانية ـ جنيف 25/10/1983

          استهل السيد هوفليجر هذه الجلسة بالمطالعة التالية :

          _ إن الطرف الآخر يعرض إطلاق سراح 2500 معتقلاً من أنصار و 50 معتقلاً من الداخل مقابل الإفراج عن الستة أسرى من جنوده وهو يريد أن يعرف مصير المفقودين من جنوده كشرط لتنفيذ عرضه هذا .

          جمال صوراني : لدينا ثمانية أسرى , ستة منهم لدى حركة فتح و اثنان لدى الجبهة الشعبية _ القيادة العامة , و هؤلاء جميعاً موضوع التبادل و ليس ستة فقط . سنحاول جهدنا معرفة مصير المفقودين و لا حاجة لتكرار طلباتنا , باستثناء نقطة أريد توضيحها وهي أن الأسرى الذين خطفتهم القوات الصهيونية من قارب في عرض البحر هم أيضاً جزء من طلباتنا ..

          أما بشأن عرضه فنحن نرفض كلياً هذا العرض الذي لا يدل على جدية الطرف الأخر .

          هوفليجر : إن الطرف الأخر يستحسن ردكم بشأن البحث عن مفقوديه ولكنه يريد بالأسماء و التفاصيل , كما أن شموئيل تامير , رئيس وفد الطرف الأخر يرجو تأجيل الاجتماع إلى الأحد القادم , ولكنه يوجه سؤاله أيضاً حول البحث عن مفقوديه , للجبهة الشعبية _ القيادة العامةأيضاً .

          جمال صوراني : نحن وفد واحد و الموضوع بالتالي يتعلق بثمانية و سنحاول استكشاف أمر المفقودين هذا أولاً , أما ثانياً : فنحن حضرنا هنا بنية طيبة و استعداد حين للوصول إلى نتائج , ولكننا بدأنا نلاحظ أن الطرف الأخر يحاول حتى الآن الحصول على مكاسب دون أن يقدم شيئاً .. فهو ما زال يصر على سرية المحادثات ومن جهة أخرى يحاول التأثير على مقاتلينا بادعائه بان المنظمة تهملهم . و لذلك فنحن لا نستطيع الاستمرار بالحفاظ على سرية هذه المفاوضات . وفي النهاية يقدم عرضاً لا جدية فيه مطلقاً .

          ثم إننا نريد لائحة بأسماء الجرحى و الشهداء من مناضلينا ممن عذبوا و قتلوا داخل معسكر أنصار , وكذلك للذين نقلواإلى داخل الوطن المحتل . مطالبنا معروفة جيداً و يجب أن نحصل على رد من الطرف الأخر , وإذا لم نحصل على الرد فلن يكون هناك من مبرر للاجتماع مرة أخرى في الأحد القادم , حسبما يقترح تامير و نحن لم نأت للبحث بإعطاء معلومات الخ ..

          هوفليجر : حول سرية المفاوضات انتم تعرفون أننا كصليب احمر حريصون على نقاط العمل للوصول إلى نتائج . ولكننيأسألكم : هل تعتبرون أن الإعلان أو عدمه له أغراض معينة لدى الطرف الأخر ؟

          عمر الشهابي : نعم , انهم يتذرعون بالسرية لاستخدامها ضدنا فهم يصرون على سريتها ثم تعمد أجهزتهم إلى إشعار مقاتلينا بأننا لا نهتم بهمولا نسعى إلى إجراء عملية تبادل و إنما نتهرب . هذا ما يقصدونه من وراء عدم الإعلان عن مفاوضات تبادل الأسرى . وهذا ما يسربونه و يسهمون به إلى الأسرى في أنصار و في السجون الأخرى .

          هوفليجر : حسناً و لكنني اعتقد أن صلاح التعمري الأسير في معتقل أنصار على علم بوجود مفاوضات تبادل أسرى , و النقطة الأخرى هي أن المناقشات بين الطرفين ستصعب إذا ما تم الإعلان عنها , فهذا سيدفع الصحافة و الإعلام إلى الاستفسار من الصليب الأحمر عن هذا الأمر ونحن كما تعرفون جيداً ليس من شأننا أبداً أو اهتمامنا القيام بمثل هذا الأمر .

          جمال صوراني : اسمحوا لنا أن نعيد و نكرر بأننا لسنا السبب في قطع المحادثات فنحن حددنا ما نريد وهم لم يردوا بجدية أبداً و استعدادهم لاطلاق سراح 2500 من معتقلي أنصار و 50 من معتقلي سجون الوطن المحتل لا يعني لنا شيئاً لان اهتمامنا هو منصب على الداخل أساساً و سرية المحادثات أمر لا نقبله لانه لا يعني أسرانا فقط بل ويعني شعبنا أيضاً . فوفدنا جاء هنا متوقعاً أن تبحث مواضيع تفصيلية تتعلق بكيف و متى و أين و ماهي طريقة إجراء التبادل , أما هم فقد جاؤوا ليبحثوا مسألة مفقوديهم وموعد زيارة سجنائهم الخ ..

          وعند هذا الحد انتهى الاجتماع على أن يعاود السيد هو فليجر ممثل الصليب الأحمر الاتصال بالوفد بعد أن يكون قد التقى بالطرف الآخر لأخذ رأيه بالقضايا المطروحة .

          و في اليوم التالي ، الأربعاء 26/10/1983 ، عقدت جلسة أخرى استهلها السيد هو فليجر بعرض رد الطرف الآخر الذي تتضمن:

          1-أنه يقدر مسألةتقديم معلومات حول جثث مفقوديه و يرغب بأن تكون المعلومات كاملة 0

          2-مقابل الإفراج عن الأسرى الثمانية من جنوده و تسليم ثلاثة جثث لجنوده فهو يعرض إطلاق سراح/3000/ معتقل من معسكر أنصار و جميع سجناء صيدا و صور و النبطية ، كما يوافق على إعادة وثائق مركز الأبحاث و إطلاق سراح 78 معتقلاً من معتقلي سجون السلطات الإسرائيليةداخل الوطن المحتل0

          و أوضح مندوب الصليب الأحمر الدولي أن الطرف الآخر يؤكدعلى الملاحظات التالية في نطاق مواصلة المفاوضات:

          1-إن بدء عملية التبادل ينبغي أن يتم بعد الحصول على المعلومات الكافية حول بقية المفقودين من جنوده 0

          2-يقترح تشكيل لجنة فرعية من كل وفد ، و تكون مهمتها وضع دراسة لوجستيكية لعملية التبادل ، وبالاتفاقبين الطرفين 0

          3-الحفاظ على سرية المفاوضات و ما يتمخض عنها 0

          4-إن الوقت ثمين و ينبغي التقدم بأقصى سرعة ممكنة 0

          و هو يتعجل عودته إلى بلاده و لا يمكنه المكوث مزيداً من الوقت هنا 0

          جمال صوراني: حسناً دعنا نناقش فيما بيننا كوفد مشترك رد الطرف الآخر و لنجتمع مساء 0

          ـ واتفق على دراسة تقديم رد الوفد الفلسطيني على عرض الطرف الآخر في الساعة 5.30 مساء من نفس يوم الأربعاء27/10/1983 0

          و في ذلك الاجتماع أكد وفد الجبهة الشعبية – القيادة العامة – على :

          1 ـ أن الطرف الصهيوني يقوم بمناورات يستهدف من وراءها إبعادنا عن الغاية الرئيسية في أية عملية تبادل ، و هي تحرير أسرانا في الداخل 0

          2 ـ أن الطرف الصهيوني يريد استدراجنا لموضوع المفقودين و إلهائنا بالبحث عنهم كابتزاز يرمي من ورائه الاحتفاظ بمفقودينا المكتومين كورقة مساومة بعد اطمئنانه على مصير مفقوديه ، و لذلك فإنه قدم إلى هذه المحادثات لاستطلاع الأمور و المواقف التي ستمكنه من وضع استراتيجية و خطة تحركه بهذا الشأن ، لذا سيكون إيجابياًجداً أن نكون موقفاً موحداً و نصر عليه ، مما يمكننا تفويت الفرصةلاستفرادنا ...

          و من جانبه أكد وفد " فتح " برئاسة الصوراني تصوراتنا و استنتاجاتنا آنفة الذكر ، و أنه منتبه لمناورات الطرف الصهيونيو سيواصل إصراره على نفس المواقف بأسلوب يفوت الفرصة على مناورات الطرف الصهيوني 0

          ـ و عند ذلك المساءحضر مندوبو الصليب الأحمر ، و التأم الاجتماع من جديد حيث عرض الموقف الموحد للوفد الفلسطيني على الوجه التالي :

          (( إن وفدنا يرفض عرض الطرف الآخر و يعتبره غير جدي و لا يقدم أي جديد و هذا الأمر سيعقد المفاوضات ، على أية حال إذا ما أصر الطرف الآخر على ما قدمه في عرضه ، فنحن ما جانبنا نقترح : إطلاق سراح أسيرين من جنوده مقابل عرضه الذي تضمن : إطلاق سراح /3000/ من معتقلي أنصار و 78 من معتقلي فلسطين المحتلة ، و إعادة وثائق مركز الأبحاث ، و في الوقت نفسه فنحن ما زلنا جديينبما طلبناه و ملتزمين بطلباتنا الأساسية )) 0

          و عند هذا الحد انتهى الاجتماع بعد أن طلب مندوبو الصليب الأحمر فرصة من الوقت لإبلاغ وفد الطرف الآخر بردنا هذا ، و تقرر أن يعاود الاجتماع بوفد منظمة التحرير مساء الجمعة 28/10/1983 .

          ـ وفي هذا الموعد حضر السيد هو فليجر لإبلاغ وفد منظمة التحرير برد الطرفالآخر


          مركز بيسان ... يرحب بكم
          http://besancenter.maktoobblog.com/

          تعليق


          • #6
            هو فليجر : إن وفد الطرف الآخر أبلغني بأن أقول لكم :

            1-قام وفد منظمة التحرير ، خلافاً لما اتفق عليه ، بإعلان نبأ المحادثات التي تجري في جنيف ، و أن وكالة الأنباء الكويتية نشرت خبراً عن هذه المحادثات و ذكرت بالاسم جمال الصوراني و عمر الشهابي 0

            2-إن وفد السلطات " الإسرائيلية " قرر مغادرة جنيف ، و لكنه على استعداد للعودة للمحادثات ، عبر الصليب الأحمر ، عندما يكون وفد منظمة التحرير جاهزاً للرد بجدية على اقتراحاته ، كما أنه يمتنع عن التعليق على ردكم 0

            3-إن ما عرضه وفد السلطات " الإسرائيلية " لن يبقى صالحاً إلا لمدة محدودة من الوقت ، و يعتبر نفسه في حل من عرضه إذا تجاوز الوقت المحدد ( أي أنه سيقلص ما عرضه ) 0

            4-إن تعليق المحادثات الحالية لمدة قصيرة أمر مفضل لإعطاء وفد منظمة التحرير الفلسطينية فرصة للتفكير 0

            ـ و بعد استماع وفد منظمة التحرير لهذا الرد العنيف و الخبيث من قبل السلطات الصهيونية قرر وفد المنظمة إعطاء رده الرسمي في اليوم التالي : السبت 29/10/1983

            و على الفور تشاور أعضاء الوفد ، بعد ذهاب مندوبي الصليب الأحمر ، حيث قال الرفيق عمر الشهابي : " إننا لا نتسول منهم ، فنحن لدينا أسرى ثمانية ، و مطالبناعادلة ، و هي هدف أساسي لا يمكن أن نحيد عنه ، وبتقديري أن الطرف الصهيوني يريد إثارة الخلاف بين الوفد الفلسطيني خاصة من خلال مسألة جنوده المفقودين ، تماماً كما يريد منا أن نتنازل عن مطلب أساسي هو معتقلي الداخل .فقد لاحظتم استهانته بمصائرهم حين عرض إطلاق سراح /50/ منهم ثم 78 ، و كأن الأمر يتعلق ببضعة عشرات ، إننا نملك أوراقاً قوية لا تحتاج إلى مساومة رخيصة معه ، بل إلى الصبر ، و تبدو لي المسألة وكأنها " عض على الأصابع " ونحن لن " نتوجع " ، فهو الذي " ستوجع " و يأتي صاغراً لتنفيذ طلباتنا مقابل إطلاق أسراه الثمانية ،و في تقديري أنه ما جاء إلا للمناورة و ليس جاداً في إنجاح مفاوضاتجنيف " 0

            جمال الصوراني : لقد كان رد الطرف الصهيوني لئيماً جداً و هو فعلاً ما جاء إلا للمناورات و استطلاع المواقف ، إن تكتيكاته مكشوفة ، و لكنه يخطئ كثيراً إذا ظن أنه سيخدعنا . إن موقفنا قوي فعلاً 0

            و أقترح بعد المداولة أن يكون ردنا كما يلي :

            إن وفد منظمة التحرير :

            1-يستهجن الأسلوب الذي اتبعه الطرف الآخر في رده ، و هو أسلوب مكشوف و لذلك نحن نرفض :

            أ‌-وصفهم المحادثات بأنها غير جدية من جانبنا 0

            ب‌-قولهم بأنهم يمتنعون عن وصف ردنا ، و هو قول نمتنع عن وصفه بدورنا 0

            2-نحن التزمنا بعدم الإعلان عن المباحثات ، و لكننا لم نقل أننا نضمن عدم الإعلان من هنا أو هناك ، و لا يزال التزامنا قائماً 0

            3-إن مغادرة الطرف الآخر لجنيف يعتبر قراراً منفرداً بوقف المحادثات و نحن نحمله المسؤولية لكل ما يترتب على ذلك من أخطار قد تلحق بأبنائنا في معسكر أنصار و غيره من المعتقلات ، كما نحمله مسؤولية ما يمكن أن يلحق بأسراه

            4-إن الأسلوب الذي يتبعه الطرف الآخر هو أسلوب تهديدي ، يؤكد عدم توفر حسن النية لديه للوصول إلى حل لهذه المشكلة الإنسانية ، و هو أسلوب مرفوض 0

            5-إننا نؤكد أن عرضينا ، اللذين تقدمنا بهما ، لا يزالان قائمين و لمدة غير محددة 0

            6-نحن على استعداد للعودة من خلال الصليب الأحمر ، في الوقت الذي يكون فيه الطرف لآخر مستعداً لإجراء محادثات بناءة و الاستجابة لمطالبنا 0

            ·و بعد إبداء ملاحظات متعددة من قبل أعضاء الوفد و التي أثنت على هذه الصيغة للرد ، تلي على مندوبي الصليب الأحمر ، لإبلاغه للطرف الآخر ، و تقرر أن يغادر الوفد جنيف بانتظار أية اتصالات جديدة من الصليب الأحمر 0

            و قد أكد السيد هو فليجر بأنه بمجرد تلقيه أية اتصالات ، بشأن معاودة المحادثات فسيقوم بتبليغها للأخ جمال الصوراني و الرفيق عمر الشهابي على الفور 0

            و قبل مغادرة الوفد الفلسطيني جنيف أجرى لقاء اتخذ طابعاً تقييمياً للمفاوضات و صياغة الموقف اللاحق على الوجه التالي :

            1-لا تراجع عن المطالب الأساسية التي طرحها الوفد في جنيف 0

            2-لا عودة للمفاوضات في جنيف قبل أن ينقل الصليب الأحمر رأياً جديداً ،و إيجابياً من وفد العدو 0

            5- الجبهة في مفاوضات منفصلة ... لماذا ؟

            و قبل أن يمضي شهر واحد على وقف مفاوضات جنيف فوجئت الجبهة الشعبية – القيادة العامة – و وفدها المفاوض كما فوجئ الصليب الأحمر و الوسيط النمساوي – صبيحة 24/11/1983 ، بنبأيعلن بدء تنفيذ عملية تبادل الأسرى بين قيادة عرفاتو العدو الصهيوني من ميناء طرابلس بلبنان ، حيث سلم في الساعة الثامنة صباحاً الأسرى الست من جنود العدو عبر الصليب الأحمر ، إلى باخرة فرنسية سلمتهم بدورها إلى قوارب عسكرية إسرائيلية في عرض البحر 0




            كيف تم التوصل إلى هذه الصفقة المفرطة ،و ما هي أهداف عرفات من ورائها ؟

            لا شك أنه من غير المعقول أبداً ، أن تكون قيادة عرفات قد توصلت إلى عقد هذه الصفقة المنفردةالمفرطة مع تل أبيب خلال الأسابيع القليلة التي تلت إيقاف المحادثات في جنيف من قبل الطرف الصهيوني المفاوض في 27/10/1983ولقد تبين بشكل واضح بأن عرفات أرسل وفده إلى جنيف برئاسة الصوراني في وقت كان يرتب من مكتبه في طرابلس وعبر مساعديه ، محادثات أخرى مع الطرف الصهيوني لعقد صفقة التبادل المفرطة 0

            و قد نفى الصوراني – بشكل مضحك – معرفته بعملية التبادل ،و بما جرى في صبيحة 23/11/1983 ، وحتى الوسيط النمساوي " السيد إيمري " والمندوب الدولي للصليب الأحمر في الشرق الأوسط السيد جون هو فليجر لم يكونا على معرفة أو إطلاع مسبق بكيفية التوصل إلى هذه الصفقة 0

            و رداً على استفسار الجبهة الشعبية – القيادة العامة - ، أوضح مسؤولو الصليب الأحمر بأنه لم يكن لديهم علم بالمفاوضات إلا قبل عدة أيام من تنفيذ العملية ، حين طلبت منهم كل من تل أبيب و قيادة عرفات الاستعداد لاستلام الأسرى الستة من ميناء طرابلس في 24/11/1983و تهيئة المستلزمات لنقلهم إلى باخرة فرنسية ، و بالوقت نفسه تهيئة الإجراءات للإشراف على إطلاق سراح أسرى أنصار ، و بعض من معتقلي سجون الوطن المحتل و نقلهم 0

            لقد أطلقت السلطات الصهيونية /63/ أسيراً فلسطينياً فقط من أصل ( مائة ) كان عرفات قد اتفق معها على تحريرهم فقد أوصلت المعتقلين المائة إلى المطار ، و لما لم نجد من يسأل و يدقق و يتكفل ضمانات التحرير أعادت /37/ منهم إلى السجون ،و من بينهم المناضل زياد أبو عين ، الذي سلمته حكومة الولايات المتحدة إلى السلطات الصهيونية منذ عام 1983 0

            كما أطلق سراح ( 3 ) آلاف معتقل من " أنصار " كانوا في الواقع عبئاً على المحتلين الصهاينة بسبب الطريقة العشوائية للاعتقالات التي رافقت الاجتياح الصهيوني للجنوب اللبناني ، و انقضاء الغرض من عملية حجز آلاف المدنيين من نساء و شيوخ ، و منها أسر كاملة بدون محاكماتبما أثارته من ردود فعل دولية واسعة 0

            و يذكر أن المحتلين الصهاينة كانوا قد فاجأوا معتقلي أنصار عشية عملية التبادل مع قيادة عرفات بالاستفسار عمن هو من عناصر الجبهة الشعبية – القيادة العامة – و الإيحاء لهم بتبادل قريب معها ، الأمر الذي دفع العديد من المعتقلين إلى تسجيل أسمائهم على ملاك الجبهة ، فقام العدو بعزلهم و اختطافهم إلى معتقل عتليت و استثنائهم من عملية التبادل مع قيادة عرفات

            و لكن من الذي كان يتوسط بين عرفات و تل أبيب ؟

            يقول شموئيل تامير وزير العدل السابق ، مستشار وزير الدفاع " الإسرائيلي " لشؤون الأسرى ، و رئيس الوفد الصهيوني المفاوض في حديث بالعبرية بثه التلفزيون " الإسرائيلي " في نفس اليوم الذي جرى فيه تنفيذ التبادل – 24/11/1983 – " أريد أن أنوه لأمر ، من المهم جداً عدم إغفاله ، و هو أن الدور الذي دفع عملية التبادل هذه دفعة عملية أدبية ، هو ذلك الذي قام به المحامي الإسرائيلي ميرينسكي ، فقد عمل ميرينسكي وقتاً طويلاً و ليالي و شهور ، إلى درجة أنه مرض من شدة الجهد الذي بذله لخدمة الدولة و الأسرىو عائلاتهم . و من الواجب ذكر هذه الحقيقة ، لأنه هو الذي أعطى الدفعة الأولى للعملية وشق بداية الطريق ، و نحن لم نفعل سوى أننا واصلنا ما بدأه السيد ميرينسكي " 0 ( تلفزيون العدو 24/11/1983 ) 0

            ففي تلك الصفقة ظهر جلياً بعد إتمامها ، أن عرفات وافق على القبول بتنازلات خطيرة ، انتهت إلى ضياع الفرصة بتحرير المعتقلين الفلسطينيين منذ عام 1967 ، والذين قضوا /16/ عاماً ، وممن حكم عليهم بالسجن المؤبد بشكل خاص ، بلو المعتقلين في أنصار نفسها بشكل عام ... و في ضوء ذلك يمكن ملاحظة :

            أولاً : تنازل عرفات عن مطلبه بتحرير /1250/ أسير فلسطيني من سجون الداخل و قبل بدلاً من ذلك بتحرير (63) سجين 0

            ثانياً : قبل عرفات أن لا تشمل الصفقة مائتي معتقل من أسرى أنصار نقلوا عشيةالصفقة ، و أن يبقوا معتقلين داخل سجون العدو ، لأن معظمهم من عناصر الجبهة الشعبية – القيادة العامة –

            ثالثاً : فرط عرفات بشروط التبادل التي تبنتها منظمة التحرير بموافقة كافة الفصائل، و أبرم صفقة ( البالون ) لاستخدام أرقامها الوهمية( 3600) معتقل مقابل ( 6 ) أسرى من جنود العدو إعلامياً 0

            و لو كان عرفات خيّر هؤلاء بين أن يخرجوا من الأسر أم يخرج /1250/ أسيراً ممن قضوا ما بين 10-16 عاماً في سجون الاحتلالو من المحكومين بالمؤبد لاختاروا بالإجماع أن يخرج معتقلو سجون الداخل بدلاً منهم 0

            لكن عملية التبادل هذه لم تكن فاصلة غريبة عن سياق نهج قيادة عرفات في تلك الفترة التي اتسمت بالاندفاع في البحث عن مكان على طاولة المفاوضات مع الإدارة الأمريكية وصولاً إلى لقاء العدو .. و قد كانت بمثابة التعبير عن " حسن الظن " بالحكومة الصهيونية ،و محاولة لتأسيس أجواء من الثقةيمكن توظيفها في سياسة الاستجداء و المساومة 0

            ولم يكن طابع السريةوحده يدعو الى تسمية عملية تبادل قيادة عرفات مع الصهاينة ، بأنها " صفقة " ، بل إن دور عواصم حلف الأطلسي في تأمين توقيعها و المشاركة المتميزة لنظام مبارك ، يكشف الطبيعة و الأبعاد الكامنة في الاتفاق فضلاً عن تلك المخاطباتو المحاضر والوثائق التي تثبت بأن هدف قيادة عرفات من وراء عملية التبادل ليس تحرير أكبر عدد من الأسرى المناضلين و لا استنهاض الكفاح الوطني الفلسطينيو لا تركيع العدو أمام المطالب المشروعة ، بل هو تصنيع ضجة إعلامية سياسية تردّ الاعتبار لمكانته من جهة ، و ترسخ وجهة تعامله مع الحلول الأمريكية المطروحة بصدد الصراع العربي – الصهيوني من جهة أخرى .

            6- إيمري يعود إلى فتح الاتصال مع الجبهة :



            كانت الأشهر التي أعقبت عملية تبادل قيادة عرفات مع العدو قد شهدت جواً من التمزق و الإحباط ، و عمت المعتقلين الوطنيين الفلسطينيين في سجون العدو مشاعر الخيبة و الألم ، فيما استظل عرفات في " زفة الفرح " التي اختلقها بعد عمليةالتبادل 0

            و على النطاق السياسي ، أضيفت عملية التبادل إلى قوام عناصر الفرقة في الساحة الفلسطينية ، و تشكلت علامة استفهام أخرى أمام الشوط الذي رسمته القيادة الرسمية في م.ت.ف. لمستقبل نشاطها ، و التي شكل التعامل مع كامب ديفيد في مصر مؤشراً صارخاً لمعالمه اللاحقة 0

            و فيما خسر النضال الوطني الفلسطيني فرصة هامة لتحرير أكبر عدد من المعتقلين ، جراء عملية التبادل " الإعلامية " هذه ، خسر وحدة منظمة التحرير الفلسطينية ، و سمعتها ، أيضاً ... و كلا الخسارتين هما من نتاج النهج اليميني لقيادة عرفات 0

            ·وفي شباط 1984 بدأ السيد إيمري مواصلة جهوده السابقة بشأن موضوع الأسرى ، فاتصل بقيادة الجبهة عارضاً مبدأ التفاوض على أساس المعطيات السابقة ، فوضعت قيادة الجبهة صيغة الأولويات الملحة و عرضتها في اجتماع ضم الجانبين بحضور الأمين العام أحمد جبريل الذي أبلغه ما يلي :

            1-مسألة معرفة مصائر المفقودين من عناصر الثورة الفلسطينية ، بكافة فصائلها ، و متابعة البحث عن مصير مفقودين آخرين من عناصرنا لم يعثر على مصيرهما حتى ذلك الوقت و هما : الرفيقان محمود الوجيه و ويلسون شمعون ممن فقدوا أثناء الاجتياح الصهيونيو لم تظهر أسماؤهم في قوائم الصليب الأحمر الدولي ، و لا في شهادات و إفادات الرفاق في أنصار 0

            2-بعد التوصل إلى معرفةمصير و وجود هؤلاء المفقودين و الاطمئنان عليهم يمكن الانتقال إلى موضوع تبادل الأفكار بشروط الجبهة الشعبية – القيادة العامة – التي ستعلن عنها في الوقت المناسب 0

            و قام السيد إيمري بنقل وجهة نظر الجبهة إلى الطرف الآخر ، و اعتبر أن الوقت قد حان للإعلان عن المفقودين المكتومين من عناصر جبهتنا ، بغية متابعة الجهود بعد ذلك للشروع بتبادل الآراء و الشروط حول أية عملية تبادل ممكنة ،و إلا فإن الجبهة ستتمسك بموقفها هذا حتى يتبين مصيرهم 0

            ·و في بداية شباط 1984سلم الطرف الصهيوني بواسطة مندوب الصليب الأحمر بدمشق ، لقيادة الجبهة قائمة تضم أسماء/128/ معتقلاً ممن نقلوا إلى سجون الداخل من معتقل أنصار أثناء تنفيذ تبادل عرفات ، و بمقارنة هذه القوائم مع قائمة مفقودينا تبين أن الطرف الصهيوني يقر الآن بوجود المكتومين أسرى في سجونه ، باستثناء رفيقين ما زالا مفقودين ( ويلسونو الوجيه ) و مع ذلك لم تكتف الجبهة بهذا الجواب ، بل و طلبت من السيد إيمري ما يلي :

            1-رسالة تفصيلية و توقيع الأسير حسين الخطيب حول مدى وجود المائة والثمانية و عشرين أحياء و بصحة جيدة 0

            2-تأمينتصوير فوتوغرافي لكافة الرفاق في المعتقل جماعياً ، لكي نتأكد أيضاً من سلامة وجودهم 0

            3-استمرار الطرف الآخر بالبحث عن مصير الرفيقين المفقودين : ويلسون و الوجيه ، و تزويدنا بالوثائق الثابتة حول وجودهما أحياء أم أمواتاً 0

            ·و في 15 آذار 1984 عاد الوسيط السيد إيمري إلى دمشق حيث وضع أمام قيادة الجبهة هذه المعطيات :

            1-رد الجنرال عاموس يارون حول المفقودين ويلسون – الوجيه 0

            2-رسالة تفصيلية من الرفيق الأسير حسين الخطيب مؤكداً وجود رفاقنا الأسرى أحياء في نفس المعتقل 0

            3-صورتان لرفاقنا الأسرى من داخل المعتقل0

            و مقابل ذلك أحضر معه بضع رسائل من عائلتي الجنديين الأسيرين ، يوسف غروف و نسيم شاليم 0

            و كانت قيادة الجبهة قد أتاحت للسيد إيمري ، أثناء وجوده ، فرصة مشاهدة الأسيرين غروف و شاليم ، و الاطمئنان على أوضاعهما في الأسر لدى الجبهة لهما ، و سمحت له بالتقاط صورة مشتركة مع الأسيرين تعبيراً عن الثقة بالوسيط و تسهيلاً لمهمته و للتأكيد على حسن معاملة الجبهة لأسرى العدو 0

            و بالإضافةإلى ذلك أوضح السيد إيمري أثناء اجتماعه بالرفيق الأمين العام و الرفيق عمر الشهابي و حضور تحسين حلبي ، أنه اتفق منذ وقت قريب مع أحد مسئولي الصليب الأحمر في جنيف ، حسب رغبة الجبهة على أن يشكل الاثنان فريق عمل مشترك بشأن الوساطة معاً ،و أنه اجتمع مع الطرف الصهيوني المفاوض – شموئيل تامير ، و زير العدل السابق

            ( من الليكود ) و مستشار وزير الدفاع و مسؤول مفاوضات تبادل الأسرى ، و عاموس يارون ، القائد السابق للقوات الصهيونية في لبنان أثناء الاجتياح و شموئيل ليمونيه الذي يعتبر في تقديرنا عقيداً في الموساد 0

            و قد أبلغه الوفد الصهيوني بأنهم يصرون على معرفة جندي " إسرائيلي " مفقود يعتقدون أنه أسير لدى الجبهة ولم تعلن حتى الآن عن وجودهعلماً أنهم يؤكدون أن لديهم بعض المؤشرات التي تدل على وجوده حياً لدى الجبهة ، و قال السيد إيمري " أن البحث عن مفقودي الطرفين و التأكد من مصيرهم أمر متفق عليه ، و لذلك يريدون معرفة نتائج استقصاء الجبهة و بحثها عن مصير ضابط الصف " الإسرائيلي " قائد الدبابة حازي شاي ، إنهم يؤكدون على ضرورة الانتهاء من مسألة المفقودين لكي تبدأ محادثات التبادل "

            في هذا اللقاء أكد الرفيق الأمين العام على الثوابتقائلاً :

            " أننا و إن كنا نرغب ، اليوم قبل الغد ، البدء بمحادثات تبادل الأسرى لأسباب إنسانية ، إلا أننا في الجبهة لا يمكن أن نتخطى مسألة المفقودين و تبيان مصيرهم ، و كذلك لأسباب إنسانية ، فهذا موضوع يحتل أهمية كبيرة لدينا و هوذو حساسية بالغة ، فطالما أن الرفيقين ويلسون و الوجيه مفقودين دون أي أثر فلا محادثات للتبادل قبل التأكد من مصيرهما و لا يمكن أن نسلم برد الطرف الآخر بأنهما ربما قتلا في المعارك ، طالما و أنه يصر على عدم وجودهما في سجونه فإذا كانا قد استشهدا فينبغي إحضار قرائن ثابتة و دامغة تؤكدذلك 0000"

            و أوضح الرفيق أحمد جبريل خلال هذااللقاء أن:"الصهاينة يحاولون التملص من مسؤولية المفقودين و إلقاء تهمة على القوات الكتائبية وقال: " بالأمس استلمنا جثث أربعة من رفاقنا كانوا قد استشهدوا في الدامور في مجريات مقاومة الاجتياح ،و خلال كمين نصبوه و قتلوا فيه ضباطاً صهاينة من بينهم الجنرال يكوئيل آدام ،إننا في الواقع نشك في صحة روايات الطرف الآخر حول صعوبة الكشف عن مصائر مفقودينا ، و سنعتبرهم أحياء حتى وصول الدلائل الثابتةعلى خلاف ذلك .. و إذا كان الطرف الصهيوني يدعي أن الرفيقين ويلسونو الوجيه قد قتلا على أيدي الكتائب فعليه هو تقع مسؤولية البحث عنهما لأن الاجتياح الصهيوني وقع ضمن تنسيق حرب مشتركة خاضها الطرفان معاً ،بل و تحت قيادة الجيش الصهيوني 0

            ولعل أسطع دليل على مسؤولية الطرف الصهيوني ، بهذا الشأن هو العملية الصهيونية الكتائبية المشتركة في أسر الرفيق مراد بشناقو مصطفى خروبي ، ألم يعترف الطرف الصهيوني بوجودهما أحياء في سجونه ، و همااللذان خطفتهما الكتائب ؟ فكيف وصلا إلى السجون الصهيونية في الوطن المحتل ؟نحن مع تقديرنا لمهمتكم إلا أننا لا يمكن أن نبدأ بأية محادثات حول شروط التبادل ما لم نقطع الشك باليقين بشأن مفقودينا ، والطرف الآخر يعرف ذلك جيداً و لن تفيده المناورات 0

            و إذا كان المسؤلون في الكيان الاسرائيلي يسعون إلى الإسراع في بحث شروط التبادل و يعلنون عن ذلك في صحفهم و إذاعاتهم فهم إنما يفعلون ذلك لاستخدام هذه المسألة لصالح الموازين الانتخابية في الانتخابات المقررة بعد عدة أسابيع ، بينما نحن لا ننظر إلى هذه المسألةمن هذه الزاوية ، و إنما ننظر إليها من زاوية المفهوم والحس الإنساني لأسرانا و عائلات أسرانا و وفاءلهم 0

            لأننا نعرف جيداً أن ظروف اعتقالهم وحشية و لا إنسانية ، و هم بين يدي عدو معروف بممارساته الدموية ، خلافاً لما يلقاه الأسيران غروف و شاليم ، فهما يتمتعان بأفضل المعاملةالإنسانية التي يمكن أن يلقاها أسير ، و نحن حين نوفر مثل هذه المعاملة لهما ، لا نفعل ذلك لأهداف دعائية أو إعلامية ، لا بل أن أخلاقنا و مبادئنا و تقاليدنا العربية هي التي تملي علينا توفير مثل هذه المعاملةلهما 0

            و رد السيد إيمري قائلاً :

            " لست أشك في ذلك أبداً ، خاصة و أنكم تبدون حرصكم على تبيان مصير المفقودين ، على أية حال سأنقل وجهة نظركم ، وكما عبرتم ، إلى الطرف الآخر لإنجاز نتائج جدية حقيقية بشأن موضوع المفقودين ، و دعني أذكركم أيضاً يتوقعون منكم رداً بشأن ضابط الصف حازي شاي ، المفقود ، كما أنهم يقترحون بإلحاح كالسابق ، بأن يبدأ الصليب الأحمر زيارته للجنديين الأسيرين "0

            ·و في اليوم التالي عقد اجتماع آخر أكد خلاله وفد الجبهة على استعداده للبحث عن مصير ضابط الصف الإسرائيلي المفقود"حازي شاي " بمقابل البحث عن الرفيقين المفقودين ويلسون و الوجيه ...و بعد أن جرى الكشف عن مصائر الأسرى الذين نقلوا من أنصار 0

            أما مسألة زيارة الصليب الأحمر للجنديين الأسيرين فقد أوضح الوفد أن المفاوضات لم تصل بعد لهذه المرحلة طالما أن مصيراً الرفيقين المفقودين لم يظهر بعد ، و طلب من إيمري إحاطة الصليب الأحمر في جنيف و تل أبيب ، بصورة المجريات ، و ما تم حتى الآن التوصل إليه بشأن المفقودين ، لأننا نحن من جانبنا نطلع الصليب ، هنا ، على كافة المجريات ، لكي يكون مطلعاً على الأمور عند الضرورة خاصة و أن دوره سيكون رئيسياً إلى جانبكم وصولا ً على محادثات التبادل ، إن جرت مع الطرف الآخر بجديةو دون خداع 0

            ·غادر السيد إيمري , دمشق , حاملاً هذه الأجوبة إلى الطرف الآخر على أمل أن يتصل بقيادة الجبهة عند تلقيه الأجوبة . بعد ذلك , وتمهيداً لعرض وجهة نظر الجبهة عند عودة السيد ايمري , عقد الأمين العام اجتماعاً لقيادة الجبهةلتقييم مدى ما تحقق بشأن حل المسألة الأساسية بتبيان مصير الرفاق المكتومين , قبل البدء بأي حديث رسمي حول مفاوضات و شروط إجراء التبادل فتوصلت إلى ما يلي :

            أولاً : انه بالنسبة لرفاقنا الأسرى الذين نقلوا من أنصار عند إجراء صفقة عرفات , فقد تبين وجودهم أحياء في معتقل عتليت , إضافة إلى إقرار العدو بوجودهم , ووجود مراد و خروبي أحياء لديه و أن هذه المسألة التي استغرق الحوار و الجدل بشأنها خمسة أشهر قد حلت .

            ثانياً : انه بالنسبة لرفيقينا المفقودين محمود الوجيه و ويلسون شمعون لم تظهر الدلائل الكافية بعد على تبيان مصيرهما أحياء كانوا أم شهداء ولذلك بقيت دون حل حاسم لان معلوماتنا أكدت بأنهما وقعا في اسر القوات الكتائبية أثناء العمليات الكتائبية الإسرائيلية المشتركة , وربما سلما إلى العدو الصهيوني .

            وبناء عليه ريثما يتم حسم مسألة تبيان مصير الرفيقين تبقى طبيعة الحوار عبر السيد إيمري مع الطرف الآخر على حالها , ويمكن تلخيصها بالتالي :

            1-مصير ضابط الصف الأسير حازي شاي لا يعلن عن وجوده بشكل رسمي ما لم يتضح مصير رفيقينا , ولذلك يبقى الحديث عن جدية البحث عنه من قبلنا رهناً بجدية بحث الطرف الأخر عن رفيقنا و لا مانع من رفع نسبة القول بوجوده حياً إلى اكثر قليلاًو التعبير عن ذلك بالقول أننا بحثنا فوجدنا إمكانية تتزايد بشأن العثور عليه حياً ولكننا بانتظار نتائج بحث الطرف الصهيوني عن رفيقينا

            2-لايمكن التوجه إلى جنيف لإجراء محادثات حول تبادل الأسري عبر الصليب الأحمر الدولي إلا بعد تحقيق ذلك الشرط إضافة إلى شرط آخر أساسي هو موافقة الطرف الآخر على المبادئ الأساسية للمحادثات حول التبادل .

            ·وفي 26/3/1984 عاد إيمري إلى دمشق و اجتمع بالرفيق الأمين العام و عمر الشهابي بحضور تحسين حلبيو أبلغ مايلي:

            1-حول الرفيقين المفقودين يقول الطرف الأخر أنه سيواصل البحث رغم تأكده من مقتلهما على يد القوات الكتائبية حسب رأيه و في مناطقهم الأمر الذي يجعل من الصعب العثور على جثتيهما . على أية حال لقد زود الطرف الآخر بآخر المعلومات التي تقدمتم بها حول تأكدكم من وقوعهما بالأسر لدى القوات الإسرائيلية .

            2-لقد قمت بزيارة جميع رفاقكم في معتقل عتليت , وطمأنتهم على حسن سير الأمور و استفسرت منهم عن كافة أسمائهم للتأكد من صحة وجود مفقوديكم

            3-إن الطرف الأخر يعتقد انه و بينما يواصل البحث عن الدلائل الكافية بشأن استشهاد الرفيقين المفقودين ثمة مجال لعقد محادثات أخرى في جنيف عبر الصليب الأحمر لبحث مسألة مكان عملية التبادل و عدد الذين تطلبون تحريرهم و في غضون ذلك فإن الطرف الآخر يقترح بدء الزيارات المتزامنة لأسرى الطرفين من قبل مندوبي الصليب الأحمر "

            إزاء هذه المقترحات , وحسب التقديرات السابقة , أعرب الأمين العام في رده عن شكوكهفي مصداقية الطرف الصهيونيو التمسك بحق الكشف عن مصير الرفيقين المفقودين و أجاب إيمري بان عاموس يارون الذي كان قائداً للجيش الإسرائيلي في لبنان ابلغه بأنه استدعى فادي افرام قائد ( القوات اللبنانية ) مرتين وطلب منه تبيان مصير ويلسون و الوجيه . وفي كل مرة كان افرام يؤكد ليارون بأنهما قتلا في منطقة ما أثناء الاشتباكات و ليس من السهل العثور على جثتيهما .

            و مع ذلك طلب الأمين العاممن الوسيط النمساوي مواصلة الجهود للبحث عن دلائل ووثائق استشهاد الرفيقين , وإلا فإن الجبهة ستوقف البحث عن مصير ضابط الصف حازي شاي و أعرب الرفيقين جبريل و شهابي عن التقدير للسيد إيمري و الصليبالأحمر , لكشفهم مصائر المفقودين من أسرى ( أنصار ) وطلبا توثيق المعلومات بشأن وجودهم , أحياء أسرى , في الوثائق الدولية لكي لا يعود العدو الصهيوني إلى إنكار و جودهم .

            بالنسبة لمحادثات تبادل الأسرى .. العدد و المكان .. أوضح الأمين العامأن وضع العدو من الناحية السياسية الآن سيئ جداً فهو يعد نفسه لانتخابات مجهولة النتائج وهو يمكن أن يماطل بهذه المسألة إلى ما بعد الانتخابات و ليس معلوماً ما إذا كانت حكومة العدو الانتقالية الراهنة قادرة على اتخاذ القرار .

            و تحدث السيد إيمري قائلاً :

            (( أشكركم أولاً على الإيضاحات التي زودتموني بها و دعوني أوضح لكم من جانبي بان الأوضاع في الشرق الأوسط أخذت تتعثر بحيث لا تدفع المرء إلى التفاؤل و أرى انه من الصعب علينا أن نفعل شيئاً , وكما قلت سابقاً فثمة ضغوط من الرأي العام في إسرائيل حول مسألة الأسرى مما يجعل الأمر صعباً على الحكومة فهي لا يمكنها في هذه الحالة أن تضع مثل هذه المسألة على الرفوربما أكون مخطئاًو لكن لعل الحكومة الإسرائيلية ستضطر إلى المناورة فهي تخطو في عملية التبادل و حين الوصول إلى نقطة محددة تتوقف عن مواصلة البحث عن حل وحتىهذا يعتبر خياراً صعباً .

            و بالنسبة لجدية أو عدم جدية الطرف الآخر في البحث عن وجيه و ويلسون فأنا متفق معكم على أن ما قدموه من معلومات حول مقتلهما غير كافية أو مقنعة و أنا كوسيط يمكنني أن أعطي إجابة و لكنني سأنقل وجهة نظركم إلى يارون لعله يستدعي افرام مرة أخرىو يطالبه بالدلائل .

            و بعد ذلك عاد الأمين العام و الرفيق شهابي فأكدا أن الوقائع تشير إلى انه ليس ثمة اختلافات بين بيريز وشامير سوى أن حزب العمل محترف سياسة وخداع ومناورات و يمكن أن تسبب سياسته نوعاً من فقدان التوازن في منطقتنا .

            أما بالنسبة لمكان التبادل فيمكن تصوره في جنيف , النمسا _ رودس , كريت , أو أي مكان أخر . وحين يتمالتوصل إلى اتفاق على المكان فللجبهة مطالب أساسية تتعلق بالضمانات منعاً للخداع .. أما وثيقة المبادئ الأساسية بشأن إجراء محادثات التبادل وخطوطها العريضةفقد أعدت و سيزود الوسيط النمساوي بنسخة عنها مع شرط عدم البدء بإجراء المحادثات إلا بعد موافقة العدو على هذه المبادئ و العمل بموجبها و كذلك شرط عدم ربط عملية التبادل هذه _ حين يتم التوصل إليها _ بالتبادل مع سوريا ( كان لدى سوريا بعض الضباط الأسرى ممن اسروا أثناء الاجتياح و لدى العدو أسرى سوريين ) , وإذا ما جرى التبادل مع الاخوة في سوريا فيجب على عملية التبادل القائمة أن تبدأ بعد فترة شهر من انتهاء التبادل مع سوريا ..فلا علاقة بين الاثنتين بتاتاً و جدد و فد الجبهة التأكيد على أن اهتمام الطرف الآخر بمصير شاي جدياً يستدل عليه من اهتمامه بالكشف عن مصير الرفيقين وجيه و ويلسون .

            ورد إيمري انه سيقوم بزيارة لجميع أسرى الجبهة , والتأكد من وصول الرسائل إليهم , وبالنسبة لزيارة متزامنة للصليب الأحمر إلى أسرى الطرفين فهذا أمر مفيد , أيضاً و حول ما ذكر عن حازي شاي فهذا تقدم هائل .

            و في ختام اللقاء وجه الأمين العامعدداً من الأسئلة التي سيحملهاالوسيط النمساوي إلى الطرف الصهيوني تتعلق بالاستعداد الجدي لعملية التبادل حالياً و حرية المعتقلين باختيار أطراف أخرى و قضية الضمانات الخ ..

            وكانت قيادة الجبهة قد قدرت أن العدو يعمل على اختزال طلبات الجبهة و إدخالها في قوام عملية تبادل مع سوريا و اعتبار أسراها الثلاثة هم أسرى لدى الجهات السورية و قد جرى مفاتحة _ ثم التنسيق مع _ الأشقاء السوريين بقطع الطريق على تلك المناورة و قد أجابت من جهتهالجنة الهدنة السورية رداً على استفسار الصليب الأحمر , بان لا علاقة لسوريا بموضوع الأسرى الإسرائيليين لدى الجبهة الشعبية _ القيادة العامة .

            محاولة الابتزاز الإسرائيلية الفاشلة للرفيق الأمين العام أحمد جبريل :

            في أحد أيام تموز الحارة من عام 1983 رنّ جرس الهاتف في منـزل الأمين العام أحمد جبريل ، و حين رفع سماعة الهاتف قال المتحدث في الجانب الآخر: "إننا إسرائيليون و قررنا إبلاغك بما هو موجود لدينا هنا الآن ". حاول جبريل التأكد عبر بعض الأسئلة من هوية المتحدث و أدرك أن المقصود من هذه المكالمة الغريبة هو إبلاغه بخطف ابن شقيقته مراد بشناق من لبنان إلى إسرائيل . و بعد أن ذكر المتحدث من الطرف الإسرائيلي هذا الأمر في محاولة لابتزاز جبريل و تقليص مطالب الجبهة في مفاوضات تبادل الأسرى سارع الأمين العام فوراً إلى قطع الطريق عليهو اختار تذكير إسرائيل بما فعله ستالين في الحرب العالمية الثانية حين وقع ابنه أسيراً في أيدي القوات الألمانية النازية.

            قالجبريل : " أنتم تعرفون دون أدنى شك ما فعله ستالين بالجنرالات الأسرى من الجيش الألماني الذين وقعوا في أسر الجيش السوفيتي . لقد قتلهم حين بعثت قيادة الجيش الألماني له رسالة ابتزاز تطلب منه فيها الإفراج عن عدد من الجنرالات الألمان مقابل ابنه ، و أنا لست ممن يخضع لأي
            ابتزاز . و إذا واصلتم اتباع هذه الطريقة فلن تحصلوا منذ الآن إلا على نفس النتيجة التي حصل عليها النازيون الألمان ." ولأن هذا الموقف وقع عليهم كالصاعقة حاول المتحدث من الجانب الإسرائيلي التخفيف من طبيعة ما تعنيه هذه المكالمة و قال أن المقصود هو إبلاغ جبريل بوجود مراد بصحة جيدة و دون أن يمسه أي ضرر و أن الغاية تنحصر في طمأنته فحسب 0

            كان جبريل يعرف أن مراد تم خطفه عبر عملية مشتركة نفذتها المخابرات الإسرائيلية بالتعاون مع بعض عملائها داخل قوات الكتائب في لبنان لأنه ابن شقيقة الأمين العام و بهدف استخدام عملية أسره كعنصر ابتزاز تحقق منه إسرائيل عدداً من المطالب مثل : إرغام جبريل على الكشف عن وجود حازي شاي قائد الدبابة الأسير في أيدي الجبهة قبل كل شيءو بالإضافة إلى ذلك إجباره على تخفيض عددالأسرى الفلسطينيين الذين يطالب بالإفراج عنهم ضمن صفقة التبادل مقابل الإفراج عن ابن شقيقته في نفس الصفقة

            لكن طريقة رد جبريل و المضمون الذي حمله جعلا القيادة الإسرائيلية تتراجع عن متابعة طريقة الابتزاز هذه ، و إرجائها إلى أي وقت آخر حرصاً على سلامة الأسرى الإسرائيليين الثلاثة خصوصاً و أن جبريل ألمح للمتحدث الإسرائيلي عبر سماعة الهاتف أن من الأفضل لإسرائيل أن تعقد صفقة تبادل أسرى مقابل جنود إسرائيليين أحياء و ليس جثثاً 0

            بعد هذه الحادثة أدركت القيادة الإسرائيلية أن مثل هذه الطرق لن تفيد بل قد تعرض إمكانية عودة الأسرى الإسرائيليين وعملية التبادل كلها للخطر ، و كان الوسيط هربرت إيمري من بين نصح الإسرائيليين فيما بعد بعدم اللجوء إلى مثل هذه المحاولات الابتزازية لأنها لن تحمل إلا نتائج وخيمة على الإسرائيليين أنفسهم 0 وفي أعقاب ذلك نجحت قيادة الجبهة عبر مفاوضات عقدها الأمين العام و الوفد المكلف بالمفاوضات مع هربرت إيمري ( الوسيط النمساوي ) في إرغام إسرائيل على الكشف عن وجود عدد كبير من أعضاء الجبهة المختطفين من معتقل أنصار الذين أخفت و جودهم و الإعلان عن وجودهم للصليب الأحمر الدولي و وضعتهم في معتقل خاص بعد صفقة الإفراج عن معتقلين أنصار في عملية التبادل مع عرفات . و من جانبها أعلنت الجبهة عن وجود قائد الدبابة حازي شاي الذي كانت إسرائيل تطلب من الجبهة تبيان مصيره أسيراً لدى الجبهة 0

            و بعد ذلك كلف الأمين العام الرفيق عمر الشهابي رئيس وفد المفاوضات بعقد مؤتمر صحفي يعرض خلاله كافة الحقائق على وسائل الإعلام 0

            وقائع المؤتمر الصحفي الذي عقده الرفيق عمر الشهابي رئيس وفد الجبهة المكلف بالمفاوضات في نيسان 1984 أمام مراسلي الصحف ووكالات الأنباء العربية و العالمية في دمشق :

            " افضل أن أدخل مباشرة في الموضوع , ولعلها المرة الأولى التي نتحدث فيها بمثل هذا المستوى من الوضوح عن مجريات موضوعالأسرى .

            كالعادة كنا قليلي الكلام في هذا الموضوع لأنه في النهاية تهمنا النتائج , والآن يبدو أن الحديث أصبح ضرورياً و التوضيح ضروريو سيكون حديثاً شاملاً بقدر ما تريدون . ويهمني هنا أن أتكلم عن موضوع الأسرى خلال مرحلتين

            المرحلة الأولى : و كنا بشأن التبادل سوية مع الأسرى الموجودين لدى فتح ( عرفات ) فقد سبق و أن قررت اللجنة التنفيذية بأن يتم التبادل بصفة مشتركة . وبعد التبادل الذي تم مع عرفات في شهر تشرين الأول ( 1983 ) بدأت مرحلة أخرى من اتصالات الصليب الأحمر حول إمكانية إجراء عملية تبادل أخرى معنا .

            هذا التبادلكان يعنينا نحن في الجبهة الشعبية – القيادة العامة . وفي هذه المرحلة أيضاً كان هناك مستويين من القضاياالأول،بيان مصير المفقودين و زيارة الصليب الأحمر الدولي لهم بعد انقطاع دام أربعة أو خمسة اشهر . والثاني مستقبل التبادل و آفاقه في المرحلة المقبلةتعرفون أن الحرب يقتل خلالها أناس و يؤسر آخرون و تفاصيل الحرب في لبنان تعرفونها فقد وقع بأيدينا أسرى للعدو , ووقع بيد العدو أسرى للمقاومة .. وخلال الحرب فقد الكثير من المقاتلين مما لم تكن معروفة ظروف فقدانهم .. ومعروف أن للأشقاء السوريين أسرى لدى العدو و بالعكس . وان نهاية موضوع الأسرى في الحروب هي التبادل .. وهكذا بدا الصليب الأحمر الدولي يتصل و يسعى أولاً , لزيارة هؤلاء الأسرى ثم لإمكان تبادلهم بواسطة المفاوضات . وباعتبار منظمة التحرير الفلسطينية كما تعلمون تحالف وطني فإنها تضم في تحالفها عدة فصائل , ومنها نحن الذين وقع بأيدينا عدد من الأسرى و هناك لدى فصيل أخر في منظمة التحرير هو فتح .

            لقد قررت اللجنة التنفيذية تشكيل لجنة خاصة من أعضائها لإدارة موضوع تبادل الأسرى و قد تعاونا مع هذه اللجنة إلى أخر حد باعتبار أن موضوع التبادل موضوع إنساني و نظامي بنفس الوقت في حين كان يرى اليمين الفلسطيني و ياسر عرفات و لجنته المركزية في ذلك الوقت , أن هذا الموضوع ليس فقط إنساني و نظامي بل هو سياسي و بالتالي أصبحنا نسمع عن حواراتو صفقات و مفاوضات , في جنيف , فطلبنا مزيداً من التفاصيل .

            في البداية كانت مشكلة المفقودين من مناضلينا هي مشكلة أساسية تعيق التفاوض سواء عن طريق النمسا أو عن طريق الصليب الأحمر , وكنا معنيين تماما ً بمصير مفقودينا و يبدو أن الجهات الأخرى لم يكن لديها مثل هذا الإحصاء الذي لدينا عن المفقودين إذ كانوا يقللون من أهميته .

            و بعد جدال طويل حول المفقودين التقت اللجنة المشكلة بقرار من اللجنة التنفيذية لبحث موضوع الأسرى ووضعه على السكة الصحيحة ومن جانبنا تعاونا مع هذه اللجنة ووضعنا خبراتنا في موضوع التبادل تحت تصرفها .. فلدينا خبرات لا يملكها أي تنظيم فلسطيني ثم صدر قرار رسمي من منظمة التحرير الفلسطينية بشروط التبادل و هيكالتالي :

            1-إطلاق سراح أسرى أنصار جميعاً . ثم إغلاق هذا المعتقل .

            2-إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين و اللبنانيين و العرب و المناضلين الآخرين من صيدا و صور و إطلاق سراح عدد من بين 20-30 فتاة مناضلة في سجن النبطية هذا فيما يتعلق في الجنوب اللبناني المحتل .

            3-إعادة وثائق و موجودات مركز الأبحاث الفلسطيني الذي نهبه الإسرائيليون الغزاة يوم دخولهم بيروت .

            4-إطلاق سراح 250 مناضلاً أسيراً من مناضلي و أسرى الأرض المحتلة خارج لبنان و هم محكومين و مسجونين منذ فترة طويلة متباينة عملياً .

            هذا ما كان يمثل رأي كل الفصائل الفلسطينية و رأي منظمة التحرير و بقرار و كتاب منها للصليب الأحمر الدولي .

            لم يرد العدو الصهيوني على هذه الشروط بحدود علمنا , وقد أكد الصليب الأحمر ذلك أيضا و لكننا كنا نسمع , مرة من ياسر عرفات و خليل الوزير , ومرة من أبو زياد , دعوة إلى الحوار في جنيف باعتبار أن لدى الجبهة اثنين من أسرى العدو . فنسألهم لماذا في جنيف أولاً ؟ ثم ما الذي سنتفاوض عليه هناك ؟ نحن أرسلنا شروطاً للتبادل لم يرد عليها العدولا بالموافقة و لا بالرفض فيجب أن نتلقى بعض المؤشرات من الصليب الأحمر الدولي حتى يمكن لنا أن نفهم ما الذي سنتفاوض عليه , فيردون علينا أن الإسرائيليين موافقون . ولكن على ماذا موافقون ؟ لا يعلمون . المهم كانت هناك رغبة في أن تجري الأمور بسرعة . وكان لدخول بعض الجهات الأوربية على الخط هي محاولات لها أبعاد سياسية وليست إنسانية , ولا تستهدف فقط مجرد إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين و الفلسطينيين و اللبنانيين و العرب الذين يعانون في أنصار .

            إننا نعتقد انه من حقنا أن نبحث عن مصير مفقودينا , وفي أن يكون هناك حد أدنى من الأسس التي يمكن تثبيتها في مخاطبة الصليب الأحمر حول موضوع التبادل فلا يصح أن تستمر مخاطبة الصليب الأحمر دون أي رد من الطرف الآخروقد تعرض موقفنا هذا إلى تشويه مقصود من قبل قيادة عرفات حتى إن إسرائيل صارت ترحب بتصريحاته التي يقول فيها إن الجبهة الشعبية _ القيادة العامة ترفض التبادل , ويجري تسريب هذه التشويهات إلى أسرى أنصار بزعم أننا نماطل و نعرقل عملية التبادل وقد صدق البعض من الأسرى ذلك و لم يتلمسوا الحقائق إلا حين اصبحوا خارج المعتقل إننا قليلو الكلام , ولكن أن الأوان لنضع النقاط على الحروف بشأن المجريات .

            بدأت مفاوضاتنا مع الصليب الأحمر الدولي في جنيف في 22/10/1983 , وبالضرورة كان علينا أن نبدأ منذ البداية طرح طلباتنا التي تتلخص من إطلاق سراح معتقلي أنصار جميعاً و مسجوني صيدا و صور و النبطية وإعادةوثائق و موجودات مركز الأبحاث الفلسطيني و إطلاق سراح 1250 مناضلاً أسيراً من الأرض المحتلة . أما الطرف الأخر فقد طالب بإطلاق سراح ( ستة ) عند فتح و ( 2 ) لدينا في الجبهة الشعبية _ القيادة العامة .وكان للعدو خمسة مفقودين فأوضحنا للوسطاء من الصليب الأحمر الدولي أننا نتحدث عن ثمانية أسرى , _ ( ستة ) لدى فتح و ( اثنين ) لدى الجبهة الشعبية _ القيادة العامة , أما المفقودون فلا علم لنا بهم .

            لقد توصلنا بعد مفاوضات مضنية استمرت حوالي عشر جلسات مع الصليب الأحمر الدولي إلى أن العدو الإسرائيلي مستعد لاطلاق/2500/ من أسرى أنصار الذين يبلغ عددهم /5000/ وان يعيد موجودات ووثائق مركز الأبحاث الفلسطيني وأن يطلق سراح عدة عشرات من أسرى الأرض المحتلة فقط . رفضنا هذا و أصررنا على كل مطالبنا المتعلقة ب /1250/ من الداخل و/5000/ من أنصار _ إغلاق سجون أنصار _ صيدا _ صور _ النبطية , ويطلق سراح كل معتقليها.

            وكان أخر ما توصلنا إليه انهم يقبلون بإطلاق سراح /3000/من أنصار و /78/ سجيناً من الأرض المحتلة و إعادة وثائق مركز الأبحاث الفلسطيني و إطلاق سراح أسرى صيدا _ صور _ النبطية , ولكنهم يضعون شرطاً مقابل ذلك هو الكشف عن مصير المفقودين الخمسة من جنوده .

            حول مصائر مفقود يهم أوضحنا للصليب الأحمر أن الصهاينة غزوا لبنان وخاضوا حرباً ضد اللبنانيين و الفلسطينيين و السوريين .. وهذا يعني أن عليهم الاستفسار من جميع هذه الأطراف عن مفقوديهم , وأكدنا مجددا مطاليبنا وأننا نتحدث عن ثمانية أسرى هم هؤلاء الذين لدينا .

            في مرحلة المفاوضات الأخيرة ابلغنا أن لدى عرفات ثلاث جثث فأصبح الحديث يدور عن ثمانية أسرى و ثلاثة جثث , لانعلم عنها شيئاً في الواقع , ثم أعلن ممثلو الصليب الأحمر أن الجانب الآخر قدم عرضاً و مطلوب منا تقديم عرضنا , فأوضحنا انه إذا كان من الضروري تقديم عرض معين فأننا نقبل بإطلاق سراح /3000/ أسير من أنصار و 78 من الأرض المحتلة و إغلاق سجون صيدا _ صور _ النبطية _ وإعادة وثائق مركز الأبحاث الفلسطيني , مقابل أسيرين و جثتين مما لدينا .

            غضب وفد العدو و قطع المفاوضات من جانب واحد و بالتالي عدنا إلى دمشق , و ابلغنا الصليب الأحمر أننا نحمل الطرف الآخر المسؤولية في قطع المفاوضات و إننا واثقون بصمود أسرانا , كما نحمله مسؤولية حياة مناضلينا و أسرانا و أي ضرر أو خطر بالمقابل على مصير أسراه و مساجينه لدينا , لان المنطقة مقبلة على تطورات خطيرة بسبب نشاطات الأسطول الأمريكي في البحر المتوسط , فإذا حدث أي ضرر للأسرى الذين لدينا يكون الطرف الآخر مسؤولاً لانه هو الذي قطع المفاوضات من طرف واحد , كما حملناه مصير المفقودين , وكذلك أي ضرر يمكن أن يلحق بأسرانا في أنصار . ولقد قرأنا يومها و نحن في جنيف أن العدو دفن ثلاثة معتقلين من أنصار , ونشر هذا في الصحف ووسائل الإعلام , فحذرناهم وحملناهم المسؤولية من المعاملة اللاإنسانية التي يلقاها مناضلونا في أنصار .

            بعد أن توقفت المفاوضات عبر الصليب الأحمر الدولي في جنيف عاد الأمر و كأنه تعقد مرة أخرى بشكل لم نكن مسؤولين عنه , حتى أن الصليب الأحمر الدولي نفسه حمل الطرف الآخر مسؤولية قطع المفاوضات , أما الطرف الآخر فزعم أن المفاوضات ستتوقف لمدة مؤقتة و الواقع كنا نحن ممثلو الجبهة الشعبية _ القيادة العامة نتشكك في ذلك و نؤكد ضرورة استئناف هذه المفاوضات سريعاً . لقد فهمنا و مازلنا نفهم أن عودة المفاوضات عبر الصليب الأحمر الدولي في جنيف ستكون على أساس أن يقدم طرف من الطرفين تنازلات . على أي حال نحن كنا واثقين من أننا الطرف الذي لن يقدم أية تنازلات على حساب مثل تلك القضية الإنسانية و النضالية و لا تحت أي ظرف لأننا أصحاب حق .

            بعد أيام من عودتنا من جنيف اتصل بنا جمال الصوراني يقول أن الصليب الأحمر الدولي يطلب العودة إلى المفاوضات فتساءلنا ما إذا كان هناك تطور في الموقف فأجاب الصوراني بان الصليب الأحمر الدولي لم يبلغه عن أي تطور في الموقف و لاتنازلات و لا استجابة لشروطنا من الطرف الآخر ,وأوضح انه سيذهب لوحده , فإذا وجد أن هناك ما نتفاوض عليه سيتصل بنا هاتفياً و خلافه لا جدوى من التفاوض .

            وبعد أسبوع سمعنا عن التبادل الذي سمعتم به وتمت عملية التبادل في 24/11/1983 و التي كانت صفقة سياسية شاركت فيها مصر و فرنسا و إيطاليا .

            معلوماتنا تؤكد أن الصفقة أسفرت عن إطلاق سراح 4000 من أنصار و بعضهم يقول 4300 أو 4400 و بهذه الحدود أخليت سجون صيدا و صور و النبطية و لم يغلق معتقل أنصار . وهو الآن مفتوح يستقبل العديد من المعتقلين حتى هذه اللحظة و كان من المفترض وفق الشروط أن يتم إطلاق سراح معتقلي أنصار يقيناً أن هناك 128 معتقلاً هم أعضاء في جبهتنا . أو كما يعتقدهم العدو خطفوا عند إغلاق معسكر أنصار و لم يرسلوا إلى الطائرات بل اخذوا إلى عتليت و هم إلى هذا اليوم في السجن , مما اضطر الصليب الأحمر الدولي أن يحمل العدو لمسؤولية هذا العمل . فهو أول خرق من الجانب الصهيوني للاتفاق الذي جرى في جنيف بينه وبين جمال الصوراني عبر الصليب الأحمر الدولي . كما عرفنا أيضاً انهم اتفقوا على إخراج 100 أسير من الأرض المحتلة . غير أن الذين صعدوا إلى الطائرة 63 معتقلاً فقط من الأرض المحتلة و 37 آخرون أعيدوا , من بينهم زياد أبو عين المناضل الفلسطيني الذي سلمته الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاحتلال الصهيوني و استبدل هؤلاء بـ 11 أسير كانوا قد اسروا على ظهر باخرة قبل أحداث طرابلس بقليل .. وكل هذا مقابل ( 6 ) أسرى من العدو موجودين لدى فتح عرفات و ثلاث جثث ابلغ الصليب الأحمر عنهم حين كنا في جنيف .

            و حتى الآن لم نتلق أية معلومات عن مفقودينا الذين خطفوا من أنصار , والذين كان يجب أن يطلق سراحهم وفق التبادل , كما منع الصليب الأحمر الدولي أو أية جهة دولية أخرى من زيارتهم بالإضافة إلى المفقودين الآخرين الذين نطالب ببيان مصيرهم في بداية المفاوضات , نخص بالذكر ويلسون شمعون و محمود عبد العزيز الوجيه اللذين فقدا خلال الغزو الإسرائيلي للبنان في صيف 1982 بالإضافة إلى مفقودين آخرين مثل مراد بشناق و مصطفى خروبي الذين فقدا في 15/7/1983 .

            و لقد بذل الوسيط النمساوي السيد ايمري جهوداً إنسانية مشكورة و كذلك الصليب الأحمر الدولي للحصول على معلومات حول المفقودينوجرت تحقيقات و استطلاعات كثيرة أمكن للجانب النمساوي و الصليب الأحمر الدولي أن يزودنا بمعلومات مقبولة عن المفقودين , ويهمني هنا أن أوضح أن الجانب النمساوي يقوم بجهود محض إنسانية و ليس لها أبعاد سياسية سواء في قضية المفقودين أو في مسألة التبادل . لقد أذاعت حكومة النمسا بلسان وزير خارجيتها وقائع وساطة السفير السيد إيمري و ما آلت إليه جهوده في بيان مصير المفقودين , وقد درسنا هذا التصريح و هو يعبر عن الواقع تماماً .

            يقول التصريح :

            ( انطلاقا من الدوافع الإنسانية المحضة , قامت وزارة الخارجية النمساوية بجهود متواصلة من اجل تأمين إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين الموجودين في سجون السلطات الإسرائيلية و كذلك إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى الجبهة الشعبية _ القيادة العامة و لقد كانت مسألة المفقودين التابعة للجبهة من المسائل الأساسية التي أصرت عليها الجبهة قبل البت في موضوع الأسيرين لديها و هما يوسف غروفو نسيم شاليم . و لقد أثمرت الجهود التي قامت بها إلى معرفة مصير عدد من المفقودين ومن بينهم ويلسون شمعون و محمود عبد العزيز الوجيه اللذين أفادت المعلومات و التحقيقات الإسرائيلية انه القي القبض عليهما في لبنان وتم قتلهما على يد القوات اللبنانية . كما تم التأكد من وجود بعض المفقودين و الأسرى للجبهة , ومن بينهم مراد بشناق و مصطفى خروبي اللذين تم أسرهما في الفترة الأخيرة ,وهما حالياً في سجون السلطات الإسرائيلية كما أمكن معرفة مصير جندي إسرائيليو هو المدعو حازي شاي , أفادت الجبهة انه قد تم نقله من لبنان في وقت ما , وفي ضوء النتائج الإيجابية التي تحققت بشأن مفقودي الجبهة الشعبية _ القيادة العامة , وعلى ضوء التأكيدات التي ابلغها الجانبان للنمسا , فقد اصبح بإمكان ممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي زيارة أسرى الفريقين في اقرب فرصة , وبهذه المناسبة تعرب النمسا عن شكرها للأطراف التي ساهمت في معرفة مصير المفقودين مما بذلوه من جهود إنسانية ) .

            و تنفيذاً لهذا , فإننا طلبنا أن تتم زيارة أسرى الفريقين زيارة متزامنة بمعنى أوضح أن الصليب الأحمر الدولي يزور رفاقنا في عتليت مراد بشناق و مصطفى خروبي , وبقية المخطوفين , في نفس الوقت الذي يزور الأسرى الثلاثة الموجودين لديناو هكذا تمت الزيارة , حيث ابلغنا ممثل الصليب الأحمر الدولي في سورية انه يشعر بالارتياح الكامل لدى زيارته الأسرى الذين لدينا فهم في وضع نفسي و صحي جيدوأن زيارته لهؤلاء الأسرى تمت وفق اتفاقية جنيف بشأن الأسرى تماماً و عبر عن اعتزازه بتعاون الجبهة مع جهود الصليب الأحمر الدولي الإنسانية و تمنى أن يكون الطرف الآخر متعاوناً مع الصليب الأحمر الدولي أسوة بالجبهة وأن يلتزم باتفاقيات جنيف حول الأسرىو أوضحنا إننا ولأسباب إنسانية و تاريخية تتعلق بتقاليدنا قمنا بمعاملة أسرانا وفق القوانين الدولية , ومنذ أيام ربما قرأتم تقارير المحامية المعروفة فيليسا لانكر إذ طالبت بلجنة تحقيق حول أوضاع المعتقلين الفلسطينيين في سجون العدو لانهم يلقون معاملة اقل ما يمكن أن يقال فيها أنها معاملة لا إنسانيةإن السلطات الإسرائيلية لا تسيء معاملة المعتقلين فقط بل تقتلهم أيضاً و حادثة قتل الأسير بعد عملية الباص قبل أسابيع ليست بعيدة .

            إننا أمام هذا الحشد من رجال الصحافة و الإعلام نطالب بلجنة دولية للتحقيق في أوضاع الأسرى والمعتقلين العرب في سجون العدو الصهيوني .

            غير أن السلطات الإسرائيلية تحاول إثارة حملة دولية حول إلحاح عائلات بعض الأسرى الإسرائيليين للقاء بأبنائهم , ونحن أيضاً مستعجلون و نعمل لكي يكون رفاقنا و أبناؤنا بالمقابل بيننا ومع عائلاتهم , ولكن الذي يهمه مصير أسيره عليه الضغط على السلطات الإسرائيلية التي لا يبدو أنها معنية بما فيه الكفاية بمصير هؤلاء البشر .

            من المنطقي ، أن تكون الخطوة التاليةبعد الكشف عن مصائر المفقودين هي عملية التبادل و هذا التبادل سيكون بجهود الصليب الأحمر الدولي ، و لهذا و منذ كنا نبحث عن مصير المفقودين طرحنا ما نستطيع أن نسميه مبادئ أساسية للعمل بشأن التفاوض عبر الصليب الأحمر الدولي و تتضمن إعطاء كل أسير يطلق سراحه حق الخروج من الأرض المحتلة أو البقاء فيها و أن لا تعتقله السلطات الإسرائيلية على التهم السابقة لتاريخ الإفراج عنه ، و عدم رفض أي اسم تتضمنه القائمة التي نقدمها لإطلاقسراحهم 0

            والواقع أن الطرف الآخر لم يرد على هذه المبادئ إلا إجابات عامة لا تقدم الأمور إلى الأمام ، فالمرحلة المقبلة منطقياً هي مرحلة التبادلو أن زيارة الصليب الأحمر الدولي و زيارة السيد إيمري لأسرى الطرفين يفتح باباً واسعاً أمام احتمال كهذا ، إن الكرة الآن في الملعب الآخر فحين تقر مبادئ العمل سنكون جاهزين لحوار جدي مع الصليب الأحمر الدولي حولي عملية التبادل المقبلة 0

            أسئلة واضحة و أجوبة ناقصة :

            و في الثامن من نيسان 1984 ، عقد لقاء جديد برئاسةالرفيق أحمد جبريل الأمين العام للجبهة ووفد الجبهة المفاوض من جهة و ممثل حكومة النمسا السيد إيمري و السفير النمساوي في دمشقمن جهة ثانية ... و قد سلم الوسيط رسائل كتبها الرفيق مراد و رفيقه ،و ذكر أن لم يتسن له اللقاء المباشر بهما ، و قال خلال اللقاء عن رد الصهاينة على أسئلة الجبهة :

            " إن الإسرائيليين يقولون أن الجبهة تريد كل شيء و كأنها تريد القمر و الثريا من وراء الأسرى الذين لديها ، و هذا غير معقول ،و أخبروني أن هذا يدمر التوازن في المسألة ، و أنا أخبرتهم أن كلامهم غير معقول فهم الذين طلبواالمفاوضات و عليهم أن يجيبوا على المطالب و الأسئلة بطريقة معقولة بما يعني أنهم جادون ، و قدحصلت نقاشات طويلة آخذين بعين الاعتبار ظروف الأسئلة ، لكنهم لم يجدوا مناصاً إلاالإجابة على الأسئلة 0

            لم يجيبوا بلا .. فقد طلبوا مني ألا أجري زيارة للسجناء ، و لكني تأكدت من وصول الرسائل إلى رفيقيكم .

            لقد أحضرت الرسائل حتى أبرهن بأنهم في صحة جيدة و لقد حصلت على تأكيد مكتوب من الجانب الإسرائيلي أن جميع السجناء تلقوا كتاباً باللغة العربية كي يقرأوا و يقضوا أوقاتهم ، و من أجل تحقيق التوازن بين سجناء الطرفين أحضرت كتبا للأسرة الإسرائيليين الذين لديكم 0 بالنسبة للأسئلة التي حملتها لهم .. النقطة الأولى حول ما إذا كان الطرف الأول جاهزاً للتبادل ، الجواب هو أنهم مستعدون للمفاوضات فوراً و اليوم قبل الغد ، و لكن بعد التأكد الرسمي من وجود ثلاثة من أسراهم لديكم ، وسبب ذلك أن إطار المفاوضات سيقوم على هذه المعادلة ، و على الأسئلة التي تتعلق بالاستعداد لإطلاق سراح الفلسطينيين الذين سيحددون ، أكدوا أن المسألة تتوقف على الأسرى الذين تريدونهم ، و لا شك أن هناك بعض الأمور الإجرامية ولكن النقطة الأهم هي قائمة أسماء الأسرى التي تريدون الإفراج عنها 0

            من المهم ، بالنسبة لهم ، معرفة أسماء الأسرى الذين تريدون إطلاق سراحهم ... أما بشأن الصليب الأحمر ، فقد تحدثت مع مدير الشرق الأوسط في الصليب الأحمر السيد هو فليجر و أخبرني أنه مستعد ، فوراً لعقد مناقشات غير مباشرة بين الطرفين في جنيف ، و أنا أفترض و أتمنى ذلك خلال أيام و يمكنني الاتصال به خلال دقائق متى شئتم ، إن المفاوضات الإجرائية بالنسبة للسلطات الإسرائيلية يجب أن تجري من خلال الصليب الأحمر في جنيف ، و هم يعتقدون أن المفاوضات تبدأ لدى زيارة الصليب الأحمر للطرفين ... إنهم يعتقدون أنه في حالة إجراء المفاوضات من خلال الصليب الأحمر ، و عند حدوث عقبة ما ، حينها يمكنني أن أحضر للمساعدة ... سأتدخل فقط حين يعتقد الطرفان أن الأمور لا تسير إلى الأمام ، أما بالنسبة للتفاصيل الأخرى فيقولون أنه يمكن الوصول إلى نقاط إيجابية حولها ، و استناداً إلى التجربة السابقة في عام 1979 بين الطرفين ، و عندما تبدأ المفاوضات من خلال الصليب الأحمر فإن جميع الأمور التمهيدية تكون قد انتهت ، و الآن ينبغي أن ننجز هذه الأمور التمهيدية ، إن بداية المفاوضات تكون عندما يوضع أسرى الطرفين تحت تصرف الصليب الأحمر الدولي 0

            و حول طلبكم بإجراء المفاوضات مع منظمتكم من خلال الصليب الأحمر الصليب دون أي علاقة بأسرى أي طرف آخر ، خاصةسوريا ، .. لقد قبلوا بهذا التأكيد كما قبلوا أن تجري لاحقاً في جنيف مفاوضات غير مباشرة بالنسبة لتاريخ و ظروف التبادل ، إن هذا سيجري تحديده لا حقاً ..إنه برأي الشخصي رد إيجابي على استفساراتكم ، أما حول مكان التبادل ، أنتم زودتمونا بأربع أماكن وهم يرون أما جنيف أو فينا 0

            النقطة الثالثة و هي الضمانات ، فهم يعتقدون منعاً لأي خداع ، أن ضمانات كهذه يجب أن تناقش بالتفصيل معكم ، ففي حال إجراء التبادل ، في فيينا أو جنيف ، فهم يوافقون أن تعطي النمسا أو سويسرا هذه الضمانات ، إن المسائل الإجرائية حول الضمانات ستناقش معكم في جنيف 0

            النقطة الرابعة ، الخاصة بالأسرى الفلسطينيين في الأرض المحتلة ، إنهم يرون أنه يمكن التوصل إلى حل ، استناداً إلى تجربة التبادل في 1979 ، حول مسألة الخيار للأسرى فيما إذا قبلوا البقاء مع أسرهم أو الخروج ، و لكن هذه تعتمد على عدد الأسرى الذين ستطلبونهم في القائمة ، و لكن بشكل أساسي هم لا يعترضون على صيغة عام 1979 ، لقد وافقوا على ألا يكون هناك فيتو ، من قبلهم على أي مجموعة من الأسرى تطالبون بها ، ما عدا اليهود و هذه المسألة ستناقش بينكم في جنيففهم يعتقدون أن هذه المسألة مهمة لعلاقتها ، حسب انطباعاتي ، بموضوع أوكوموتو الذي تزعم إسرائيل أنه اعتنق الدين اليهودي ، لا أعرف بالدقة ماذا حصل ، و لكن هذا ما سمعت به ، و الإجابات على هذه النقاط الخمس إيجابية كما أرى "0


            شكر الرفيق الأمين العام السيد إيمري على جهوده ، و عرض بعض الإيضاحات و الاستفسار و التحديدات و الأسئلة قائلاً :

            (( الموضوع الأول : لقد تساءلنا ما إذا كانوا مستعدين للبدء و إنهاء التبادل قبل إجراء انتخاباتهم أم لا ؟ لأننا قلنا إننا لا نرغب بالعمل على مراحل ، لذلك طرحنا مجموعة الأسئلة لتكون الأمور أمامنا واضحة جداً 0

            الموضوع الثاني : حول دور الصليب الأحمر ، نحن نشعر كما تشعرون و حكومتكم ، إنه من الضروري أن يكون للصليب الأحمر دورهام ، و لكن نقولها بكل صراحة : إننا محتاجون لضمانات دولة مثل النمسا ،اليونان ، سويسرا ، لتنفيذ الاتفاقو التبادل ، و إذا كانوا لا يوافقون على اليونان فإما النمسا أو سويسرا 0

            الموضوع الثالث : نحن نشعر ، من الضروري أن نصل إلى المبادئ الأساسية والموافقة عليها بوضوح لئلا نذهب إلى جنيف بدون فائدة ، كما في المرة السابقة ، فلا وقت لدينا نضيعه ، لذلك نحن نفضل أن يبقى السيد إيمري و حكومته على اتصال بالمفاوضات حتى الموافقة على المبادئ الأساسية ، و عندها يمكن أن يذهب وفد مفاوض إلى جنيف للاتفاق على التفاصيل ، مهم جداً أن نفهم رأياً رسمياً حول النقاط التي أثرناها عندما قلنا أن لا يكون هناك فيتو إلا على اليهودفنحن نعنيما نقول بوضوح سواء أكان كوزوا أوكوموتو أم غيره ،و حول اعتناق " أوكوموتو " اليهودية نريد رسالة من الحاخام الأكبر في إسرائيل حول هذا الموضوع .. اليهودية ليست ديانة تبشيريةو هم أنفسهم يقولون هذا ، ومرات كثيرة نسمع نقاشهم حول الأب و الأم اليهوديين ، وعلى أوكوموتو الذي ذهب إلى فلسطين ليقاتل من أجل قضيتنا العادلة أن يرسل رسالة حول اعتناقه اليهودية ، إنه يفضل البقاء في السجن ،و هذا يعود إليه 0

            أما إذا لم تتوفر لدينا القناعة و الثبوتيات ، فنحن نعتبر أن هناك فيتو عليه ، و هذا مخالف لما وافقوا عليه و نقض لأهم مبدأ من المبادئ الأساسية 0))

            إيمري :" ليس هناك فيتو على أي أحد فيالقائمة التي ستقدمونها ، حسب ما فهمت فإن لديهم رأى حول هذه النقطة ولديهم ما يقولونه حول أوكوموتو "0

            جبريل :" نحن نعتقد أن المطالبة بتحرير معتقل بقي خمسة عشر عاماً في السجون أمر إنساني ، و هو جزء من الدين الذي يثقل كاهلنا ،و لا يمكننا التخلي عنه ، فضلاً عن أن السلطات الصهيونية تجاوزت كل تقاليد الحروب و مبادئ التعامل مع الأسرى في تعاملها مع أسرى الثورة الفلسطينية 0 لذلك يجب أن يكون هذا الأمر واضحاً جداً 0 إننا نرى أنه من الضروري أن نحصل على إجابات دقيقة و واضحة لكي نستطيع الانتقال إلى جنيف ، و عندما تكون هذه الإجابات أمامنا سنكون غداً في جنيف ، أما موضوع العدد و الأسماء فستكون هي التفاصيل بعد الاتفاق على المبادئ 0

            بالنسبة إلى الإعداد و الإجراءات ستكون جاهزة للتفاوض عليها بعد الاتفاق على المبادئ الأساسية 0"

            إيمري :"باعتقادي أن الأجوبة على الأسئلة قد قدمت ، و كانت برأيي إيجابية ، و لكن هناك نقطة و هي تفاصيل الأسماءنفسها " 0

            جبريل :" الأسماء ، في جنيف إذا كانت الأمور واضحة نوقع على هذه المبادئ باللغتين العربية و الإنكليزية ، كي لا نعود إلى الوراء أيضاً ، حول موضوع المفقود حازي شاي نحن في مشكلة حول ما يتعلق بالمفقودين الآخرين من جبهتنا ، و هنا نرجو أن تسألهم عن رتبةحازي شاي ؟ فنحن علمنا أنه نائب ضباط احتياط في المدرعات . عندما سندخل في المفاوضات سندخل بثلاثة جنود .. و سنكون مسؤولين عن هذا الموضوع ، ولكن الموضوع بصراحة يتوقف على كيفية إقناع عائلات مفقودينا بمصير أبنائهم .. نحن نعرف جيداً عندما نشرك الصليب الأحمر سنضع الأسرى الذين لدينا تحت تصرفه ، كما هو الحال مع أسرانا لدى الطرف الآخر ، و عودة إلى المقدمة التي تقدمتم بها ، نحن لا نعتبر الموازين قد اختلت ، و لكن الطرف الآخر سيحاول أن يوحي لنا بأن هناك اختلالاً ما قد حصل ، و ما قمتم به ، كان جيداً لدى الطرفين ، نعتقد أن الأسرى لدينا ، يعاملون حسب اتفاقاتو ميثاق جنيف وستبادلون الصور و الرسائل مع أهلهم ، و بنفس الوقت لأول مرة تصل من أسرانا لعوائلهم رسائل ، رغم ذلك فإن مراد و رفيقه لم يكتبوا أنهم استلموا الرسائل قبل الأخيرة ، و قد ذكروا فقط أن سجانيهم أوصلوا الرسائل لهم ، لا يوجد في الرسالة التي وصلتنا أي إشارة عن وصول رسائل سابقة ، معنى ذلك أنهم لا يزالوا معزولين عن أسرهم ،لذلك نأمل منكم تحميل المسؤولية و عقدة الذنب لهم و ليس لنا أو لك 0

            سؤال آخر : هل ثمة حاجة لتوجيه رسالة إلى الحكومة النمساوية لتتعهد و تضمن عملية إجراء التبادل في النمسا و دون أي تلاعب ؟ إننا لا نريد في النهاية أن يقدم الصليب الأحمر اعتذاراًَ بأن إسرائيل خدعته ، و بالمناسبة لقد ناقشنا معكم أن تبقى هذه المسألة بعيدة عن الإعلان لتأمين نجاحها و سريتها دون عراقيل ، أما ما تداولته وكالات الأنباء من أثينا فنحن لسنا مسؤولين عنه ، و بسبب التزامنا الأخلاقي معكم لم نستطع إعطاء الإجابات المتعددة لعدة تساؤلات خلال هذا الأسبوع ، عرفات يريد أن يقنع الناس أن ما حصل هو جزء مما أجراه في السابق وتتمة لمبادلته ، إن هذا الموضوع – كماتعلم – ليس له أي علاقة بالصفقة التي أجراها عرفات ، و إلا كان من المفروض أن يكون رفاقنا الموجودين الآن في عتليت هم مع عائلاتهم ،و كان من المفروض أن يكونوفدنا الذي ذهب إلى جنيف قد اطلع على مجرى المفاوضات ، ولكنه أبعد ، وجرت صفقة منفردة لم نسمع عنها إلا من وسائل الإعلام ،نحن نأمل أن تكون هذه المفاوضات بعيدةعن الأحاديث الإعلامية حتى يتم كل شيء في حدوده ، و سيكون لدينا الوقت لنتحدث عن دور النمسا وعلى رأسهم دوركم أنتم،هذا ما لدينا " إيمري :"بالنسبة للنبأ الذي تسرب حول ما يجري فقد جاء من وكالة الأنباء الفرنسية ، و حسبما سمعتم في الخبرلم يتحدثوا عن اتصالات تجري للتبادل ، بل إن تبادلاً سيحصل قريباً ، و ربما لاحظتم ما أصدرناه في أثينا من نفي من أن يكون هناك أسير ثالث في التبادل ،المشكلة هو أنه حينتجري المفاوضات بهذا الشكل فإن أناساً كثيرين يعرفون بها ، و تعلمون أن هذا النبأ منع عن الإعلام الإسرائيلي و لكن الصحفيين الإسرائيليين عندما يعرفون شيئاً و لا يستطيعوا نشره يهربونه إلى صحف أجنبية ، و أنتم تعرفون أن المعنيين بالمحادثات هم وحدهم يعرفون بالمجريات ، فضلاً عن عائلات الأسرى و المفقودينو هذا ما هيأ ظروفاً مناسبة لتسرب المعلومات حول المحادثات ، ولكن بالطبع كان ينبغي أن نقوم بالمتابعة بشكل صحيح و أن نتحاشى أي خطأ ، وأن لا نخلق عراقيل 0

            أما بشأن الضمانات الفعلية من حكومة النمسا للتبادل فنحن نعتقد أنه حين يتوصل الطرفان إلى مرحلة الاتفاق يمكن حينها أن نضع تفاصيل الضمانات المناسبة ، و لكن بالطبع ينبغي أن نعرف ما نضمن ؟ و على ماذا نضع ضماناتنا ؟ كما أن الطرف الآخر يطلب الحصول على ضمانات أيضاً "0


            مركز بيسان ... يرحب بكم
            http://besancenter.maktoobblog.com/

            تعليق


            • #7
              الفصل الرابع ..
              أحمد جبريل و استراتيجيات التفاوض

              المبادئ الأساسية للمفاوضات

              وضع الرفيق الأمين العام أحمد جبريل في اجتماع عقده مع المكتب السياسي للجبهة المبادئ الأساسية للمفاوضات ، في رسالة وجهتها إلى كل من السيد إيمري و الصليب الأحمر الدولي تقول " يرجى أخذ العلم بأننا ملتزمون بالمبادئ التالية كأساس للمفاوضات اللاحقة والتي ستتم عبر الصليب الأحمر الدولي في جنيف بشأن تبادل الأسرى :
              1- استعداد الطرفين للقيام بعملية التبادل بين الأسرى الذين لدى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة – مقابل عدد يتفق عليه من المناضلين الأسرى المحتجزين في سجون الطرف الآخر ، و ذلك من خلال المفاوضات اللاحقة عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي في جنيف 0
              2- لا يجوز لأي من الطرفين أن يعترض ( يضع فيتو ) على أي اسم ( أي معتقل ) يطلب إطلاق سراحه من أي من الطرفين عند التبادل النهائي ، و الجبهة الشعبية – القيادة العامة – من جانبها لا تقوم بالمطالبة بإطلاق سراح أي يهودي من سجون الطرف الآخر في هذا التبادل 0
              3- إعطاء الأسرى ، الذين سيطلق سراحهم في عملية التبادل موضوع البحث ، و الذين يسكنون في الأرض المحتلة ، حرية الاختيار بين خروجهم من السجن إلى خارج الأرض المحتلة أو البقاء مع أسرهم في فلسطين بحدودها الطبيعية أيام الانتداب البريطاني ، مع تقديم الضمانات بعدم المس بهم أو اعتقالهم مجدداً أو ملاحقتهم بسبب التهم السابقة التي سجنوا بسببها 0
              4- عدم ربط عملية التبادل الحالية ( و المزمع إحياؤها بين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة – والطرف الآخر عبر الصليب الأحمر الدولي و الأطراف الدولية المشاركة الأخرى ) بأية عملية تبادل أخرى، جرت أو تجري قبلها ، أو ستجري بعدها أي طرف آخر ، و إن أي عملية تبادل أخرى مع أي طرف ، قبل أو بعد هذا التبادل ، يجب أن تكون بفاصل زمني لا يقل عن مدة شهر من تاريخ التبادل موضوع البحث 0
              5- تجري المباحثات التفصيلية مع الطرف الآخر من خلال الصليب الأحمر الدولي في جنيف بعد الاتفاق على المبادئ المبينة في هذه الوثيقة لتحديد ما يلي : -
              أ‌- العدد الذي سيشمله التبادل 0
              ب‌- مكان و زمان التبادل 0
              ت‌- الضمانات الضرورية لصحة و تمام الاتفاق بكافة التفاصيل المتفق عليها 0
              ث‌- أية تفاصيل أو إجراءات ضرورية أخرى 0
              التوقيع
              الأمين العام

              الآن نأتي إلى السجناء و تحديداً المفقودين ، بالنسبة إلى حازي شاي ، إنني أقترح أن يبدأ الصليب الأحمر بزيارة الطرفين بما فيهم الأسير الثالث و من جانبي قمت بإجراء محادثات ، بالنسبة لمفقوديكم في لبنان ، لمعرفتي بأهميته ... حدّثت الجنرال عاموس يارون و قال لي إنه أجرى تحقيقاً ثانياً حول هذا الموضوع ، و قد أخبرني بأنه لم يستطع أن يعرف المزيد من التفاصيل ، و أخبرته كما أبلغتموني رسمياً أن مسألة المفقودين هذه قائمة على حس إنساني و موازية لإطار المفاوضات في أهميتها ، فقد توصل يارون إلى اتفاق مع الكتائب بشكل مواز لمتابعة هذه المفاوضات و التي ستأخذ مجراها في جنيف ، و أكد أنه سيتفرغ لمتابعة التحقيق بهذا الشأن 0
              هذه هي الردود التي أعطاني إياها يارون ، و سأتحدث الآن عن انطباعاتي الشخصية التي سأكون مسؤولاً عنها مسؤولية كاملة ... لقد حصلت على انطباع أن مفقوديكم أسرا من قبل الكتائب ، و كما نعلم بما يحدث في مثل هذه الحالات من القوى الفاشية ، فيبدو أنهم قتلوهما بعد أسرهما . و هذا ما يحول دون اعتراف الكتائب بقتلهما ، كونهما أعزلين ، لقد قتولهما في الوقت الذي كانا فيه مجردين من السلاح ، و يقول يارون ، الذي كان قائداً لبيروت ، إن كل جهة أصبحت خائفة ، فإذا تحدث الكتائبيون أو الإسرائيليون حول هذه المسألة فهم يعترفون بهذه الجريمة ... إنهم يخشون أن تأخذوا هذه النقطة و تستخدمونها إعلامياً ، و لكنني أعتقد أن هذه المسألة ستسير إلى الأمام إذا ما شعر الطرف الآخر بنوع من الثقة بشأن التعامل معكم ، و لكن يجب أن أؤكد هنا أن هذا الرأي هو تقديري الشخصي 0
              هذا الموضوع إنساني و مبدئي و ليس إعلامي في هذه الظروف ، و نحن نعلم أن هذه الحادثة ليست الأولى بالنسبة للكتائب أو الإسرائيليين فتاريخهم مليء ، المشكلة ، ماذا نقول لأسرهم ؟ إذا قلنا لهم أن أولادهم قتلوا فما إثباتنا على ذلك ، إننا نضع هذا الموضوع في حيزه الإنساني ، لا بد أنكم قرأتم يا سيد إيمري أننا قبل أيام أخرجنا جثثاً من منطقة الدامور و الناعمة لرفاقنا ، آنذاك اقتنعت عائلاتهم بوفاتهم ، إنهم لم يقتلوا في معركة بل في الدامور بعد قتل الجنرال الإسرائيلي أدام في المنطقة 0
              أمامنا مشكلتان حقيقيتان ، الناحية الإنسانية و إقناع أسرهم ، إن أسرهم تسألنا يومياً عن المعلومات 0
              ----------------------------

              إن هذا الموضوع له علاقة بموضوع آخر .. موضوع حازي شاي و سيواجهنا في لقائنا مع الصليب الأحمر 0
              _ هل بالإمكان أن أزوره شخصياً و التأكد من صحته ؟ و كما تعرفون ، سيصادف الأحد القادم عيداً يهودياً هو عيد الفصح اليهودي و هذا يعتبر بالدين اليهودي عيد المعجزات حيث تتجمع الأسر مع بعضها البعض لذلك سيكون الآن علامة مشجعة وتعزز جهودي مستقبلاً 0
              _ أنت يا سيد إيمري صديق و عزيز ، و لكن كما قلنا ، الموضوع معقد و نحن نقول رسمياً أنه بصحة جيدة ، و لكن كما قلت ، نحن الذين تقدمنا خطوات إلى الأمام ، أما الإسرائيليين فلم يتقدموا بشيء ، نحن مسلمون و نعرف معنى ذلك في كل الديانات . تخيل أننا نبحث و نبشر أسرة ما بأن ولدهم حي ، بينما لدينا عائلتان لا تعرفان مصير وليديهما و لا مكان دفنهما ، إننا على ثقة أن الطرف الآخر يستطيع التأكد مستعيناً بتحالفه مع الكتائب ، ليس من السهل أن يقنعونا أنهم لا يستطيعون تحقيق هذا الأمر لقد تمت عملية تنسيق واسعة في خطف مراد و رفيقه بين الجانبين و لم نصدر أي بيان رغم أن لدينا التفاصيل الدقيقة لهذا العملية ، نرجو في زيارتكم القادمة لنا أن تكون الأمور واضحة تماماً ، و حول المبادئ الأساسية نضع بين أيديكم صيغة مكتوبة ليصار الموافقة عليها من الطرف الآخر بشهادتكم ، و تحملون معكم في زيارتكم القادمة الموافقة ، بالإضافة إلى القرائن الثابتة لمقتل الرفيق التي سنقدمها لأسرهم ، عندها يستطيع السيد إيمري زيارة حازي شاي 0
              _ شكراً لك ، أعتقد أنها قاعدة مناسبة لمتابعة العمل ، لدي فقط ملاحظة : عندما أبلغت الطرف الآخر بما أبلغتموني عن مصير حازي شاي ، يساورني خوف أن الأمر سيصل إلى الإعلام أو الصحافة عن طريق أسرته 0
              هذا سنتفق عليه ، أي إعلان لذلك ينبغي أن لا نذيع شيئاً عن الاتفاق منعاً لحدوث عقبات 0
              أنا سأتخذ احتياطاً آخر إذا كان مقبولاً لديكم ، فسأوضح للطرف الآخر أنه لا يكون أي إعلان عن الجندي الثالث حتى تقديم المعلومات عن موت المفقودين 0
              _ لسنا متأكدين من أن رسائلنا السابقة إلى أسرانا قد وصلت 0
              _ لم أطلب زيارتهم هذه المرة لأني شعرت أن الطرف الآخر سيرفض ، على قاعدة أنه يجب أن أحضر رسائل من أسراهم إلى عائلاتهم 0
              _ إذا كنت متأكداً من وصلوها إلى أسرانا باليد ، سنكتب رسائل إلى حسين الخطيب ومراد و رفيقه ...
              و هذه المرة ستصلهم الرسائل ، و أنا أعتقد حسب حالة المفاوضات أنها ستصلهم ، غداً سأغادر ، لذلك من الأفضل أن أحصل على الشروط و المبادئ العامة 0
              _ المبادئ العامة معدة ، ستأخذها معك ، مع ثلاث رسائل إلى أسرانا في عتليت ، وسنوجه هذه المبادئ إلى السيد إيمري ، باعتبارها المبادئ التي نقترحها للتفاوض عبر الصليب الأحمر في جنيف ، و على الطرف الآخر أن يوجه رسالة إلى السيد إيمري بأنه يوافق على هذه المبادئ التي سيتم التفاوض عليها في جنيف . و هنا لا نرى مانعاً أن تتم زيارة في الأسبوع القادم لأسرى الطرفين و بهذا نكون قد أشركنا الصليب الأحمر
              _ أقدر هذا الاقتراح و أقدر أن الإسرائيليين سيوافقون ، بالنسبة للصليب الأحمر أعتقد أنه يؤيد هذا الاقتراح و سأقدمه له رسمياً 0
              • و بعد أيام أبلغت قيادة الجبهة موافقة الطرف الصهيوني على " المبادئ الأساسية " للمفاوضات و ترك موضوعات مكان و زمان عملية التبادل إلى جنيف حيث تتكفل لجنة الصليب الأحمر الدولية مواصلة جهود السيد إيمري على أساس جدول العمل الذي أعدته الجبهة 0
              • أما موضوع العدد المطلوب تحريره من الأسرى فلم يبت به ، و ترك لمفاوضات جنيف ، فيما كانت قيادة الجبهة قد ركزت على ضرورة توثيق موافقة الطرف الآخر على جميع النقاط التي تم الاتفاق عليها منعاً لمناورة العدو وتراجعه 0
              و هكذا ، اتخذت قيادة الجبهة قراراً باستئناف اللقاء مع الصليب الأحمر في جنيف و وضعت وفدها في صورة الاتجاهات العامة للتحرك 0
              7ـ المفاوضات مع الصليب الأحمر ... مجدداً

              جنيف الحادي عشر من أيلول 1984
              بدأ هذا اليوم الاجتماع ا لمقرر بين وفد الجبهة المكلف بالمفاوضات برئاسة الرفيق عمر الشهابي عضو المكتب السياسي و عضوية الرفيق تحسين حلبي ، و بين وفد الصليب الأحمر الدولي برئاسة السيد هو فليجر و عضوية السيد منجوني 0
              استهل رئيس وفد الصليب الأحمر الاجتماع بالتأكيد على أجواء الثقة في اجتماعات الجانبين ، لا سيما بعد موافقة الطرفين المعنيين على النقاط الأساسية للتفاوض ، و قد رد وفد الجبهة على هذا الاستهلال بالتأكيد على أهمية "توثيق ما جرى الاتفاق عليه .. أي توثيق المبادئ الأساسية قبل الانتقال إلى ترتيب جدول الأعمال ، و ليس الشروع مباشرة في مناقشة نقاط جدول العمل حسب الترتيب الذي يريده الطرف الثاني في ضوء رسالته بهذا الشأن " 000
              و قال : " إن لنا اقتراحنا الخاص ،أيضاً بشأن ترتيب الجدول " و أضاف ... " إننا نقترح أن نبدأ أولاً ببحث الضمانات ، ثم مكان و زمان تبادل الأسرى ، ثم العدد ، ثم المواضيع الأخرى " 0
              وأوضح ( هوفليجر ) أن الصليب الأحمر يشدد على مسألة ( الضمانات ) وتنفيذها و قال ( ولي مطلق الحق , استناداً إلى تجربة التبادل لعام 1983 وما جرى فيها من سلبيات التأكيد على ضبط الضمانات التي تكفل التنفيذ الكامل ) .
              ومن جانبه حمل وفد الجبهة المفاوض الطرف الصهيوني مسؤولية التسويف وإضاعة الوقت , وجدد التمسك بالمطيب العادلة و الشروط التي تقدم بها .. وأوضح ممثل الصليب الأحمر بأن لديه أفكاراً حول الضمانات سيناقشها مع وفد الجبهة , ولكنه استدرك قائلاً : ( إن مناقشة الضمانات على ( العدد ) الذي ينبغي تحريره سيثير خلافات فالعدد هو الذي يحدد طبيعة الضمانات و تفاصيلها .. فالضمانات فيما لو كان العدد بالمئات تختلف عنها لو كان بالآلاف ..هذا هو رأيي و لكم الحق بقبوله أو رفضه ) . ورد وفد الجبهة على ذلك بأنه ( بعد توثيق ما اتفق عليه يمكن الانتقال إلى جدول الأعمال , لننجز الآن التوثيق باعتباره قضية إجرائية .. ومطلب من الطرف الآخر التوقيع على البنود التي جرت الموافقة عليها , عن طريق رسالة صريحة من قبله موجهة للصليب الأحمر و سنقوم نحن بدورنا بذلك ) .
              وخلال الحوار جرى اعتماد نصوص موافقات العدو الواردة في رسائله التي يحمل وفد الصليب الأحمر نسخاً منها و تتضمن إقراره بـ :
              1- عدم الاعتراض على أي أسم تطلب الجبهة إطلاق سراحه .
              2- احترام مبدأ التخيير في بقاء المحرر مع أهله أو مغادرته إلى الخارج .
              3ـ عدم أجراء أية عملية تبادل إلا قبل شهر من إجراء التبادل الراهن أو بعد شهر منه .
              ثم توجه الرفيق الشهابي بالسؤال لرئيس وفد الصليب الأحمر عن أفكاره بشأن الضمانات وأمن التنفيذ فقال السيد هو فليجر :
              _ لقد وضعنا نظاماً دقيقاً يقيد إلى حد كبير أية إمكانيات للخداع أو استخدام العنف ولكن انتم تعرفون انه لا يمكن تحقيق ضمانات بنسبة مائة بالمائة فقد يقوم طرف مثلاً بإطلاق رصاص على أية طائرة فتحصل المصيبة .. المهم , استناداً إلى تجربتنا السابقة فقد وضعنا الأفكار بحيث تردع وتماماً بهذا التعبير أية إمكانية لحدوث خرق .
              المبدأ الأول في أفكارنا هو :
              الحصول على كتاب رسمي بالالتزام بعدم خرق الاتفاق أو استخدام العنف و قد جاء ارتأينا أن يكون موقعاً من مستوى عال ( رئيس أركان ـ أو وزير دفاع ) و الكلام بيننا فإننا نرى أن توقيع رئيس أركان بصفة قائد جيش أكثر ردعاً و ضمانة .
              و النقطة الثانية في الضمانات أيضاً :
              هي مسألة أمن الطائرات .
              _ بالضبط , فأنت تعرف أن رفاقنا أثناء نقلهم في تبادل 1979 كانوا قد تعرضوا لضرب و أذى كبير كنوع من الانتقام .
              _ مسألة أمن الطائرات أي حسن التنفيذ وضعنا لها حلولاً : انتم تعرفون أن العملية غير متوازنة أي بالعدد و لذلك فقد جهزنا أنفسنا لوضع مندوبي الصليب الأحمر و صحفيين أيضاً بين الأسرى أثناء نقلهم , حتى وصولهم إلى نقطة الأمان و بذلك سنمنع الطرف الأخر من التفكير بتفجير الطائرات بمن فيها من مندوبي الصليب والصحفيين .
              هاتان أهم مسألتين بما يتعلق بالضمانات .
              _ في الحقيقة لنا أفكار مشابهة خاصة حول الضمان المكتوب و الموقع و حول سير التنفيذ و إجراءاته العملية . وحين يأتي الأوان سنقدم خطتنا بهذا الشأن .
              _ أنتم تعرفون أن تجربة 1979 ناجحة و لكنها كانت بطائرة واحدة و الآن ربما اكثر من طائرة مما يستدعي الدقة و حسن التنفيذ ولاشك أن كل طرف يريد وصول أسراه أولاً قبل أسرى الطرف الآخر وهذه المسألة تدعو إلى أن تقدموا انتم اقتراحاتكم , والطرف الآخر يقدم اقتراحاته , ونحن ندرس اقتراحات الطرفين ونضع التصور للوصول للأفضل .. ونحن , كصليب متشددون في هذه المسألة خاصة بعد تجربة 1983 .
              الثاني عشر من أيلول ـ 1984
              كان السيد هوفيلجر قد أوضح في لقاء أمس انه سيعكف على صياغة و ثقتي التوثيق , قبل التوقيع عليهما .. وفي هذا الاجتماع قال الرفيق عمر الشهابي :
              _ بودنا أن نطلع على تفاصيل الضمانات التي تحدث عنها السيد هوفليجر على افتراض أن تكون جنيف مكاناً للتبادل .. وهذا يلزم أولاً , أن تقدم الحكومة السويسرية ضمان الأمن للعملية في أراضيها و أجوائها و فيما يتعلق بضمانات داخل السجون فنحن بصدد تسمية لجنة في كل سجن .. تجتمع بمن سيطلق سراحهم و تشف على تخييرهم و التأكد من أسمائهم , بالتنسيق مع الصليب الأحمر بهذا الشأن و أن تبقى مع الصليب الأحمر دون وجود الإسرائيليين .
              _ لدي ملاحظة حول هذه النقطة من الممكن أن يعرضنا هذا الأمر لهجوم من قبل الطرف الآخر فنحن في قوانينا يحق لنا زيارة السجين دون طرف ثالث ووجود هذا الطرف يثير الانتقاد . فالطرف الآخر يمكن أن يدعي بأن الجبهة لا تثق بالصليب الأحمر إذن .
              ـ واخذ هو فليجر يتعرض لحساسية هذا الموضوع بالنسبة للصليب الأحمر إذا ما رفض الطرف الآخر هذا الطلب ولذلك يقترح هوفليجر أن لا توضع هذه النقطة كمطلب رسمي و سيقوم هو بتأمين الحصول عليها مع ضمان ممارسة اللجنة لعملها لان الصليب الأحمر معني بمهمتها تماماً كما جرى في التبادل السابقة فقال وفد الجبهة :
              _ إن للجنة مهمة أخرى أساسية أيضاً وهي التأكد من ثبوتية الأسماء فأنتم تعرفون أن السجناء يعرفون بعضهم اكثر من غيرهم فلضمان عدم التلاعب بالأسماء أو تغيير أو تحريف بالكنية من قبل الطرف الآخر نؤكد على دور اللجنة و ضرورتها .
              ـ وعرض وفد الجبهة بالتفصيل الإشكالية التي توفرها الأسماء العربية لمثل هذا التلاعب ,و أعطى مثلا على ما حصل في تبادل 1983 حين خرج أربعة بدل أربعة بعد تحريف أسمائهم و أضاف قائلا :
              _ نحن لا نريد تكرار مثل هذا الأمر و طالما أن الجبهة لا تثق بالطرف الآخر بهذا الصدد فهذا الآمر يسهل مهمة الصليب الأحمر إننا نعرف و نتفهم طبيعة قوانين و لوائح الصليب الأحمر و لكن حين يتم اتفاق بين طرفين على مثل هذا المطلب يصبح ما اتفق عليه بمثابة قانون يشرف على تنفيذه الصليب الأحمر وهذا يبعد عنكم الإحراج أو أي اعتراض قانوني و الطرف الثاني لن يرفضه إذا وضع كمطلب أما لم يكن كذلك فهذا الأمر يعود إلى نصيحتكم فهل انتم واثقون من ضمانة و ضمان تنفيذه دون أن يثبت كالتزام ؟ أنا لا اعتقد ذلك .
              _ إننا خدعنا فعلاً في المرة السابقة و لا نريد أن نخدع ثانية و لقد كانت تلك الخديعة تجربة لنا فعلاً أنا اقترح أن تتركوا الأمر لي فأنا لن أؤكد أي اسم إلا من خلال اللجان هذا أيضاً مطلبي أنا.
              _ تخييرهم و التأكد من أسمائهم هذه مسألة تبقى بيننا و لكن هذا الشيء يجب أن يوافقوا عليه و على أن تعرض أمام السجين ورقة واضحة حول تحريره ليوقعها أمام الصليب و اللجنة كما حدث في المرة السابقة وأن تعود إلينا قبل مدة كافية من التبادل لا تقل عن أسبوع .
              _ هذا ما سيتم سواء طلبتم أو لم تطلبوا ذلك إنها إجراءات أساسية من اجل التأكد من الأسماء و التخيير و من ثم إرسالها لكم .
              _ إننا نريد تثبيت هذه النقطة .
              _ حسناً فالان لدينا أمران :
              1- استلام الصليب لرسائل التخيير منكم ليجري توقيعها من قبل المعتقلين .
              2- ما تودون أن تتضمن من الضمانات من نقاط أولية .
              نحن نتكلم الآن بشكل عام فعندما يجري الاتفاق على خطوطها العريضة سنعمل على صياغتها و بعد أن نصل في كل نقطة إلى اتفاق سنوثقها هذا مبدأ عام في حوارنا معكم .
              _ حسناً ولكن لا أريد أن يشعر الطرف الأخر بان هذا الشرط , أو ذاك قد وضع على يدكم سوية مع الصليب الأحمر أنا لا أرغب أن يشعروا انهم أمام طرفين بصف واحد هذا ما قصدته .
              _ إذا قدمت لنا الضمانات منهم نقترح أن تضع لنا تصورك و خطتك بشأنها لنناقشها معك ونضع في داخلها أفكارنا و خططنا .
              _ إنني اعتقد انه حين اطلب منهم جميع تفصيلات الضمانات فمن الممكن أن يعترضوا على هذه أو تلك من نقاط أو تفاصيل الضمانات وفي حال اعتراضهم سأستشهد بتجربة سابقة حدثت فيها خروقات و بهذا فلدي نقطة قوة .
              _ وليحذروا جيداً من أي تدخل أو عمل إرهابي سوف يكون دموياً و لن يضمنوا آنذاك عودة أسراهم أحياء فأي خداع لن يكون نزهة للتصفيق و أنا اعتقد أن حرص الصليب و تدقيقه يتوجب أن يتركز على الأسماء بمساعدة اللجان في السجن و هناك جوانب أمنية ضرورية هنا في جنيف سنناقشها .
              _ لدي الآن الجانب السياسي من الضمانات وهي الوثيقة الموقعة من المستوى العالي و ثانياً ضمانات سير العملية و تنفيذها على نحو أمني و مضمون .. يمكن أن تقولوا لي تصوركم للإجراء الفني و كيف يحصل ؟
              _ فيما يتعلق بهذا الجانب إننا نرى انه بعد الاتفاق على العدد سنقوم بتقديم الأسماء قبل المدة المتفق عليها بـ /20/ يوماً .
              _ عشرون يوماً , هل الحد الأقصى منذ يوم تسليم الأسماء ؟
              _ نعم في اليوم العشرين تجري عملية التبادل .
              _ اقترح أن لا تضعوها كحد أقصى بل كحد أدنى .
              وهنا أوضح الرفيق الشهابي المحاذير الأمنية لإطالة المدة وعرض تصوراً لسيناريو التبادل
              _ عندما تعرف الأسماء تبدأ عملية الابتزاز و غسل الأدمغة فهناك أشياء عديدة و خطرة نحن نعرفها وليس بوسعنا إعطاء الطرف الآخر وقتاً كافياً للقيام بمثل هذه الأعمال التي حصلت سابقاً .. فإذا نشط الصليب الأحمر وقلل من هذه المدة فهي خدمة لعملية التبادل . ما أعنيه هو انه خلال العشرين يوماً و مباشرة بعد أخذكم القائمة تبدءون بالإجراءات التالية :
              1- الفحص الطبي لكل سجين ويجب أن يصلنا تقرير قبل أسبوع من تاريخ التبادل على الأقل .
              2- بدء التخيير حتى نعلم من سيخرج و من سيبقى و أن تصلنا وثائق موقعة من الأسرى قبل أسبوع من الموعد المقترح لبدء التبادل , بالتنسيق مع اللجنة المعينة من قبلنا .
              3- يجري تجميعهم في مكان واحد قبل زمن من يوم التبادل الذي سيتم الاتفاق عليه تمهيداً لنقلهم إلى جنيف .
              4- نتفق على عملية مغادرة الطرفين في وقت متزامن .
              5- نتكفل تأمين إجراءات الصليب الأحمر الدولي في دمشق , كالاتصال مع الأسرى اليهود أو فتح خط دولي إلى جنيف للإشراف و التأكد من أية أمور أخرى و كذلك الضمانات من الحكومة السورية و بالتعاون معكم بما فيها أمن المطار و الانطلاق المتزامن
              6- يغادر مندوبون من الصليب الأحمر مع الأسرى الإسرائيليين كضمان لسلامة السفر فضلاً عن مرافقين من الجبهة .
              7- يغادر مع كل مجموعة من أسرانا مندوب من الصليب الأحمر أو أكثر حسب الحاجة لأسباب أمنية .
              8- ترتيب وقت الوصول حسب خطتكم و التي تتضمن تخصيص مكان محايد على أرض المطار يتجمع الأسرى فيه و تقومون كصليب أحمر بعملية التدقيق دون أي تدخل منا أو من الطرف الأخر .
              9- لايتم التبادل إلا إذا كان صحيحاً مائة بالمائة وليبلغ الطرف الآخر من قبلكم بأنه في حال حدوث أي خداع أو خطأ فلن يتم التبادل .
              10- أن يكون الطرف المحايد هو الصليب الأحمر + السلطة السويسرية المسؤولة عن الأمن و ضمان العملية و ما لديها من قوات أمن أو جيش .
              _ سأناقش ذلك مع الطرف الآخر و سأحيطكم علماً بما يتفق بشأنه .

              جنيف الثالث عشر من أيلول 1984 ( صباحاً )
              في هذا الاجتماع أوضح السيد هوفليجر أن الطرف الأخر وافق على الدخول في جدول الاجتماع وفق مقترحات وفد الجبهة , فأعلنوا موافقتهم على إعداد رسالة التعهد بعدم الخديعة كما وافقوا على مبدأ تسليم المعتقلين إلى الصليب الأحمر في المنطقة المحايدة ولكن على ثلاث مراحل الأولى يسلمون فيها الصليب الأحمر على أرض المطار ثلث عدد الأسرى بمقابل إطلاق سراح أسير واحد لهم .. وهكذا حتى تتم العملية .و أضاف السيد هوفليجر أن الطرف الآخر وافق على موضوع لجان الأسرى ولكنهم طالبوا مناقشة الـ (20 ) يوماً بين تثبيت العدد وإعلان الأسماء و التبادل في ضوء تحديد الزمن النهائي لعملية التبادل . وهم يفضلون _ بصدد موضوع الأسماء _ ربط الأسماء الذين تريدون إطلاق سراحهم مع كل رقم تطلبونه ( لأن ذلك سيفيد في مسألة موافقتهم على العدد )
              و هنا رد وفد الجبهة على ذلك بالقول :
              _ عندما نتفق على العدد بعدها نعطيهم الأسماء بفترة محدودة , هذا رأينا و لا نقاش فيه أبداً .
              شهابي : عندما طلبوا الأسماء قالوا أنهم يناقشونها ولكن تصورهم أنه عندما تقول لهم العدد و الأسماء فيمكن أن تسهل عملية الحوار حول العدد 0
              هوفليجر : باختصار و صلنا منهم شفهياً بأنهم لن يناقشوا الأسماء و لكن العدد الذي يوافقون عليه يعتمد على كم من أوراق ( أس ) ستشمل قائمتنا فليفهموا أننا نعتبر جميع المطلوبين أوراق ( أس ) أو أن جميعهم ليسوا ( أس ) بل مجرد أوراق عادية .
              أما وضع قائمة للأسماء قبل الموافقة على العدد فهذا ليس ممكناً وليس خاضعاً لأي نقاش و قد تعطلت المفاوضات لأجله مدة ستة أشهر وتلقينا إجابة كانت واضحة , وفيما يبدو الآن يوجد ( ولكن ) . دعنا نكمل المفاوضات دون هذه ( المناورات ) و إلا فهناك مشاكل تعترضنا ويصبح الكلام لاغياً و بدون فائدة .
              أما حول الضمانات الأمنية فالوفود توقع عليها لامانع لدينا ولكن سوف يوقعها غيرهم أي رئيس الوزراء .
              _ لجنة السجن , وافقوا عليها أما مدة 20يوماً فهم يعتبرونها مرتبطة بالزمان و المكان .
              _ دعنا نحسم المسألة .. إننا نختصر القول و نقول : حين تنتهي المحادثات بعد ذلك بأسبوع أو 10ايام , نسلم القائمة أي تسلم القائمة قبل موعد التبادل بـ 20 يوماً , أي بعد شهر من إنجاز الاتفاق النهائي .
              أما قواهم أن المدة طويلة فنحن نقول بمجرد أن نتفق على العدد نحدد شهراً .و بالنسبة للمكان نحدد المكان بعد ثلاثة أيام من الاتفاق النهائي و ترتيبنا هو جنيف _ فينا _ القنيطرة .
              _ إن هذا التقسيم للمدة يعترضون عليه و يقولون هذه نقطة لاحقة .
              _ إنه اقتراح و لكن تقدير شهر بعد الاتفاق النهائي نعتبره مدة كافية .. هذا مجرد اقتراح و بعد الاتفاق على العدد مباشرة تحل هذه النقطة تفصيلياً .
              • ثم جرى حوار حول مكان التبادل و مواصفات و ظروف كل من المكنة المطروحة و ضمانات أمن الطائرات .

              • وفي الاجتماع الثاني ( بنفس اليوم ظهراً ) أبلغ السيد هوفليجر وفد الجبهة أن وفد الطرف الآخر يطلب وقتاً للاتصال بحكومته الجديدة التي تشكلت مؤخراً لأخذ التعليمات .

              الرابع عشر من أيلول 1984 ـ جنيف :
              استأنف وفد الجبهة برئاسة الرفيق الشهابي و الصليب الأحمر برئاسة السيد هوفليجر في الاجتماع الذي عقد اليوم مناقشة القضايا المطروحة فبدأ هوفليجر بإيضاح أن الطرف الصهيوني أصر على تقديم أسماء المطلوب تحريرهم و إزاء إصرار وفد الجبهة على تحديد العدد قبل تعيين الأسماء وافق الطرف الآخر على ذلك و أوضح ممثل الصليب الأحمر أنهم وافقوا على مبدأ التوثيق و توقيع التعهد من جهة عليا .
              ثم تقدم وفد الجبهة بطلب إطلاق سراح ( 1187 ) معتقلا من الداخل , وهو مطلب قديم كان جزءاً من اتفاق عام 1983 الذي تم فيه إطلاق سراح ( 63 ) معتقلاً بدلاً من ( 1250 ) و كذلك إطلاق سراح ( 128 ) معتقلا كانوا قد نقلوا من معتقل أنصار عشية الاتفاق على التبادل مع قيادة عرفات , منهم كل من مراد و خروبي , ومقاتلي الجبهة اللذين أخفيا في لبنان , فيصبح المجموع ( 1315 ) أسير و جدد وفد الجبهة المطالبة بإغلاق معتقل أنصار و إطلاق سراح جميع معتقليه استناداً إلى اتفاق 1983 . وهنا كشف هوفليجر أن الاتفاق الذي تم مع عرفات في عملية تبادل 1983 لم يتضمن شرط إغلاق معتقل أنصار ..رغم أن الأمر طرح في أحد مراحل الاتصالات وحصل اتفاق بشأنه ولكن لم يثبت رسمياً , فيما رد وفد الجبهة تمسكه بطلب فتح جامعة بيرزيت باعتبار ذلك حقاً من حقوق الشعب الفلسطيني في الداخل
              وعقب السيد رئيس وفد الصليب الأحمر على مطالبة الجبهة قائلاً :
              " هوفليجر هل بوسعي أن أقدم ردي الشخصي على المطالب ؟
              شهابي هذا مفتوح .
              _ أعتقد انهم سيفاجئون كثيراً , وعلى أية حال , سأبلغهم بمطالبكم كاملة وهنا أود نقل طلب الطرف الآخر بعدم إبلاغ الإعلام و الصحافة بالمفاوضات الجارية .
              _ نحن موافقون على هذا منذ البداية هل الطرف الآخر ملتزم به ؟
              _ لقد طلبت من الطرفين ذلك وقالوا انهم ملتزمون .
              _ هناك مسألة نود تجديد التأكيد عيها هي أن لا يجري الطرف الآخر أي تبادل مع جهات أخرى أي عدم ربط عملية التبادل الجارية مع أية عملية ثانية .
              _ إنني سألتقي , الآن , الطرف الآخر و أعرض عليه طلباتكم وننتظر ردود الفعل .. هناك إمكانيتان أمامهم , أما أن يؤجلوا إعطاء أي رد فعل و يأخذوا ساعة أو ساعتين للاستشارة ويبلغونا بردهم , وأما أن يردوا مباشرة على أية حال إذا ردوا أو أخذوا بعض الوقت نحن بانتظارهم و أنا أعتقد أنهم سيطلبون التشاور مع الجهات الرسمية . بالطبع سنبلغكم بإجاباتهم .
              _ إن مطالبنا متوازنة و عادلة تماماً .
              • في اليوم الثاني , الخامس عشر من أيلول اتصل ممثل الصليب الأحمر بوفد الجبهة مؤكداً أنه قام بإبلاغ الطرف الإسرائيلي مطالب الوفد حول العدد و شروط التبادل و أنهم وعدوا بالاتصالات مع رؤسائهم للتشاور , وسيقومون بإبلاغ الصليب الأحمر نتائج تلك الاتصالات التي لن تتجاوز يوم غد .

              السادس عشر من أيلول ـ جنيف :
              في جلسة صباح هذا اليوم أعلن ممثل الصليب الأحمر أن الطرف الثاني وافق على إطلاق سراح ( 3 ) فقط من سجناء الداخل إضافة إلى الـ( 119 ) من سجناء ( عتليت ) باستثناء كل من مراد وخروبي , وقال : هذا هو مضمون ردهم ولكنهم أكدوا أنهم على استعداد للسير قدماً في زيادة هذا الرقم إذا ما قدم وفد الجبهة قائمة الأسماء المطلوب إطلاق سراحهم قبل مناقشة العدد المطلوب ..
              أما وفد الجبهة فقد أصر على شرط الاتفاق المسبق على العدد قبل الشروع بتقديم الأسماء , و أوضح أن الوفد الصهيوني يناور و يتشبث على قائمة الأسماء لكي يتحكم هو بمن يتم إطلاق سراحه , وليكون صورة عن الطريقة التي نفكر بها يشأن المعتقلين , فضلاً عن محاولته استخدام القائمة لتنظيم حملات نفسية ضد أسرانا , وهي مسألة أوضحناها مراراً و كررنا رفضها مراراً , ونؤكد الآن موقفنا مجدداً بضرورة موافقة الطرف الآخر الواضحة و غير المشروطة على إطلاق سراح ( 1187 ) أسيراً مقابل موافقتنا على إطلاق سراح أسراه , كمدخل لتزويده بقائمة الأسماء .. وأوضح الوفد قناعته بأن الطرف الصهيوني ليس جاداً في التوصل إلى اتفاق عملي حول التبادل . وهذا ما يستدل عليه من العرض الذي تقدم به .
              • وقبل أن ينتهي هذا الاجتماع طرح هو فليجر ملاحظة على سؤال , ما إذا كان وفد الجبهة يحمل تصوراً دقيقاً و موثقاً عن الأسرى الفلسطينيين لدى الصهاينة و العدد الإجمالي للمحكومين بفترات طويلة .
              فرد وفد الجبهة على ذلك بالإيجاب :
              • انتهى الاجتماع دون نقاشات مطولة ، فقد بدا واضحاً أن وفد العدو يستهدف وضع وفد الجبهة أمام جدار من المستحيل أملاً في إضعاف موقفه و شروطه ، و الإيحاء بعدم التراجع قبل أن يتراجع الوفد عن بعض شروط
              • و في الساعة السادسة مساءً نقل السيد هو فليجر لوفد الجبهة " أن الطرف الآخر تقدم خطوة تعتبر أساساً مقبولاً للحل ، بأن وافق على إطلاق سراح ( 30 ) معتقلاً من الداخل بدلاً من (3) و (119) من عتليت .." و أضاف " .. أن المطلوب منكم أن تستغلوا تحرك الطرف الآخر من ( 3 ) إلى (30 ).. كما أنهم يكررون طلبهم بالحصول على الأسماء مسبقاً ، و عرضهم هذا ليس الأخير وتتوقف النتائج على مدى تجاوبكم و تراجعكم " .
              و أجاب وفد الجبهة بأنه متمسك بمطاليبه ، و جدد شروطه :
              1- لا تسليم لقائمة الأسماء قبل موافقتهم النهائية ، و غير المشروطة ، على العدد .
              2- إطلاق سراح جميع الـ 119 الذين نقلوا من أنصار إلى عتليت 0
              3- 1187 من سجون الداخل 0
              وفي هذا اللقاء كان واضحاً أن الوفد الصهيوني المفاوض يخطط لإطالة أمد المفاوضات لأقصى حد ممكن ،و لإنهاك وفد الجبهة و استدراجه للتراجع 0
              السابع عشر من أيلول – 1984 – جنيف
              في الساعة العاشرة و النصف صباحاً بدأت المفاوضات ، و لم يستغرق طويلاً حيث بدأها ممثل الصليب الأحمر بقوله :
              - نقلنا موقفكم للطرف الثاني .. صمتوا بعض الوقت ثم قالوا ما يلي :
              إن تحركنا بالموافقة من ( 3 ) معتقلين في الداخل إلى (30) هو برأينا خطوة هامة إلى الأمام ، وأننا سرنا كثيراً و على الطرف الفلسطيني أن يتقدم باتجاهنا .. نريده أن يجسد ذلك بالأرقام إذا كان المطلوب أن نقدم المزيد 0
              _ إننا نريد مواصلة المفاوضات ، إذ تتضح و تتكون لدينا ، يوماً بعد آخر ، القناعة بأن الطرف الثاني ليس جاداً في مفاوضاته ، و هدفه منها هو جمع معلومات عن أفكارنا و تصوراتنا و طريقة إدارتنا للمفاوضات .. و هو ما نرفضه ونرفض الخوض فيه 0
              و من جانبه أكد رئيس وفد الصليب الأحمر أنه سيواصل الجهود بحثاً عن نقاط مشتركة 000

              التاسع عشر من أيلول – 1984 – جنيف :
              استهل ممثل الصليب الأحمر الاجتماع بالقول .
              _ أصارحكم ، أن للطرف الآخر شعور بأنكم ما زلتم في نفس المكان ..و يذهبون إلى تقدير أنها ليست مفاوضات حقيقية . سيما و أنهم تحركوا عدة مرات .. و يعتقدون أن الوقت طال ، إنهم يريدون الاستمرار بالمفاوضات في جنيف و لكن يرون أنهم بحاجة لعدة أيام للتفكير و الاتصال بحكومتكم ، و هذا يعني طلباً للتوقف المؤقت للمفاوضات .. ويعودون بعدها إلى جنيف لاستئناف الاجتماعات 0
              _ لا تخفي عليكم أننا كونا انطباعاً بأنهم سيلجأون إلى هذا الموقف ، لأنهم غير جادين في المفاوضات ، و أن هدفهم هو استطلاع أوراقنا و حملنا على وضعها كلياً على الطاولة لغرض المناورة 0
              _ حسناً .. دعوني أواصل اتصالاتي بين الطرفين خلال الفترة القادمة ، لتأمين استئناف اللقاءات ، و أود أن أعلمكم أنني حاولت أمس بحث موضوع الضمانات فرفضوا ذلك قائلين بأنه لا داعي لذلك ، طالما أننا لم نتوصل إلى اتفاق حول العدد .. و لم تنفع حين كررت طلبي و ألححت عليه 0
              _ في ذلك الوقت تقرر مغادرة وفد الجبهة مدينة جنيف لوضع المعطيات كاملة أمام القيادة ، و التي تلخص بحل جميع القضايا التي تشكل مراحل ضرورية لعملية التبادل ، ما عدا عقدة ( العدد ) التي كانت قيادة الجبهة تتوقع صعوبة انتزاعه ، في الجولات الأولى ، نظراً لما عرف عن الصهاينة من روح المناورة و المخاتلة 0
              8 ـ وقفة عند حصيلة مفاوضات جنيف و لقاء مع كرايسكي :
              بعد عودة وفد الجبهة من جنيف ، عقدت قيادة الجبهة اجتماعاً مكرساً لتقويم حصيلة المفاوضات حتى النقطة التي انتهت إليها ، و خرجت القيادة بالتقديرات التالية :
              1- أن العدو ما زال يناور ،و لن يعطي إجابته إلا بعد فترة من الزمن آملاً في تحقيق هدف الحصول على أسماء الأسرى الفلسطينيين التي تريد الجبهة تحريرهم ، و الإيحاء – خلال هذه الفترة – بالتشدد ، و بأنه لن يوافق على تحرير أكثر من ضعف العدد الذي اقترحه في جنيف 0
              2- يحتاج العدو إلى ستة أشهر أخرى ليستنفذ مناوراته قبل أن يعود إلى المفاوضات مجدداً ، على أساس زيارة العدد إلى بضع مئات أخرى ، و حين يعود لن يأتي بالموافقة على كافة مطالب الجبهة 0
              3- كلما طال الوقت ، كلما فتحت آفاق أرحب لإرغام العدو على التسليم بمطالب الجبهة .. و الأمر يستوجب الاحتكام إلى الصبر و التمسك بالمطالب ، و شحذ كفاءة الحذر و اليقظة إزاء الاحتمالات المؤكدة للجوء العدو إلى الحل العسكري تجنباً لدفع ثمن باهظ لقاء استعادة أسراه 0
              ـ في تشرين الأول من نفس العام قام برونو كرايسكي المستشار السابق لدولة النمسا بزيارة لسوريا بصحبة الدكتور إيمري ، تلبية لدعوة جرى ترتيبها قبل وقت طويل من الحكومة السورية ، حيث حل ضيفاً على الرئيس الأسد ، و على هوامش الزيارة الودية طلب كرايسكي من إيمري ترتيب لقاء بينه و بين الرفيق الأمين العام أحمد جبريل في قصر الضيافة بدمشق .. وفي ذلك اللقاء الذي حضره الوفد النمساوي و وفد الجبهة المفاوض ، جرى استعراض عام للوضع في الشرق الأوسط و القضية الفلسطينية من الناحية السياسية و مواقف السيد كرايسكي المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني و تضمن استعراضاً تاريخياً للصراع العربي – الصهيوني و جوهره القضية الفلسطينية ثم تقدم الرفيق الأمين العام ، في حديث مطول مؤكداً من خلاله على تمسك الثورة الفلسطينية بثوابتها الوطنية و حتمية انتصارها 0
              كما جرى في نفس اللقاء استعراض آخر ما تم التوصل إليه عبر وساطة المبعوث إيمري من أفكاره و آراء حول تبادل الأسرى و توقف المحادثات ، في جنيف ،و بهذا الصدد قال الرفيق الأمين العام :
              " إن المسألة يا سيد كرايسكي واضحة بالنسبة لنا لأن قناعاتنا في الجبهة عميقة و لا مساومة عليها أبداً ...و أنتم يا سيد كرايسكي ناضلتم ضد النازية إبان احتلالها لوطنكم النمسا ، و سجنت أنت شخصياً في معتقلات النازية .. وهذا ما يجعلني أقول إنكم خير من يتفهم وضعنا ، نحن كثورة فلسطينية و خاصة فيما يتعلق بمسألة تبادل الأسرى و تحرير أكبر عدد من الأسرى المناضلين من أبناء شعبنا ... نحن على ثقة بأنه لو كنتم في محلنا لما كان موقفكم يختلف عنا ، فمنذ عام 1967 و حتى الآن ( 1984 ) و آلاف المناضلين من أبناء شعبنا يقبعون في معتقلات الصهيونية و التي لا تقل بشاعة عن معتقلات النازية التي تعرفونها جيداً ..لقد مضى ، كما ترون ، 17 عاماً على وجود الآلاف من أبناء شعبنا في الأسر ، فمن اعتقل صغيراً أصبح في العقد الرابع أو الخامس من العمر ، و من اعتقل شاباً في الثلاثينات من العمر أصبح في الخمسينات ، وإلى متى ؟
              إن آلاف الأطفال و الأمهات والعائلات بانتظار هؤلاء المناضلين .. فهل نتركهم ؟ أو هل نكتفي بما قدمه الطرف الآخر حتى الآن من أعداد و أرقام ما زال يناور حولها ويضع اشتراطاته بشأنها ؟ أو ليس من مسئوليتنا ، كقيادة ، (وأنتم خير من تحمل مسؤوليات وطنكم النمسا وعلى مستوى أوروبا والعالم ) أن نتمسك بالحرص على أبناء شعبنا وبصراحة أعلنها لكم ، يا سيد كرايسكي ، نحن في الجبهة لسنا كعرفات .. و لسنا ممن يعقد الصفقات المشبوهة على حساب شعبه .. فأنتم تعرفون أن عرفات ، في صفقته ، اكتفى بطلب بضع عشرات من أسرى الوطن المحتل ، بل و اكتفى بـ 63 من أنصاره فقط ... إننا لسنا عصبويين ، و لا نتصرف بردود الأفعال ..
              لقد ارتضينا تحمل المسؤولية ، التي تخلى عنها عرفات لصالح بالونات إعلامية تاركاً الآلاف من أبناء شعبنا المناضلين داخل معتقلات العدو يقاسون الأمرين على مدى مسئوليتنا ترسخت قناعاتنا بأن الطرف الآخر لا بد أن يذعن لتحرير العدد الذي نريد ، لقد أجرينا دراسة تفصيلية عن كل أسير به من أبناء شعبنا ومن كافة النواحي ، ومن هنا نجد أنفسنا على حق ... سبعة عشر عاماً في معتقلات وحشية ، ألا يستحق هؤلاء الناس الحياة كبقية البشر ؟؟ ألا ترى أنه في هذا الأمر تماماً يكمن الجوهر الإنساني لمهمتكم و وساطتكم ..؟ و هذا ما نشهده منكم عبر مختلف نشاطاتكم الإقليمية و الدولية ...
              هكذا هي المسألة بالنسبة لنا .. مسؤولية و قناعة نضالية بجوهر إنساني .. وهذا ما يجعلني أتمنى عليكم تفهم موقفنا وتقدير الأسباب التي تجعلنا متمسكين به 0
              و لكي يبرهن جبريل على ذلك أشار إلى تحسين حلبي و قال لكرايسكي : " دعه يحدثكم أيها المستشار النمساوي عن هؤلاء المعتقلين و ظروف اعتقالهم خصوصاً و أنه من بين من قضى ( 12 ) عاماً في تلك المعتقلات و تم تحريره في عملية تبادل سابقة جرت عام 1979 "
              فعرض تحسين على كرايسكي و بشكل موضوعي طبيعة ظروف الاعتقال الوحشية و آثاره الصحية و الإنسانية على المعتقلين . و كان من جملة ما قاله تحسين : " نحن الآن في عام 1984 و يكون بالتالي قد انقضى على وجود ما يقرب من 700 إلى 1000 معتقل في سجون إسرائيل ما بين ( 14 ) إلى ( 17 ) عاماً منذ احتلال إسرائيل لأراضي الضفة الغربية و قطاع غزة . و من اعتقل و هو في الأربعين من العمر و أصبح في نهاية الستينات ، و الشبان الذين اعتقلوا في الثلاثين أو العشرين فقد أصبحوا في بداية الهرم بسبب ظروف الاعتقال السيئة من كافة النواح و إن من كان أباً و أصبح جداً في المعتقل و من كان متزوجاً و لديه أطفال صغار فأصبحوا شباباً وهو داخل المعتقل " و هؤلاء يا سيدي المستشار كرايسكي هم أجدر المعتقلين في الأرض بنيل الحرية و التحرر بعد كل هذه المعاناة ، و هؤلاء من تطالب بتحريرهم الجبهة الشعبية – القيادة العامة .
              و هل هناك قضية إنسانية تفوق مثل هذه القضية لمعتقلين أصبحوا مسنين و جدوداً و آباء دون أن يعيشوا مع أبنائهم و أحفادهم . "
              و تابع تحسين قائلاً : " أما المرضى فثمة الكثير ممن أصيب بالقرحة المزمنة بسبب سوء الطعام و هناك من أصيب بفقر الدم ناهيكم عن أمراض أخرى تأصلت في أجساد المعتقلين . و ملفات الصليب الأحمر الدولي حافلة بهذه الحقائق . ألا يستحق هؤلاء المعتقلون تلقي العلاج خارج أسوار سجون عسقلان و بيت ليد و جنيد و بئر السبع . "
              ظهر التأثر واضحاً على المستشار كرايسكي و قال مخاطباً جبريل : " ثقوا أننا نقدر كل هذه المعاناة ونرى ضرورة الإفراج عن المعتقلين و إحلال السلام الذي يعد شعبكم الفلسطيني بأمس الحاجة إليه . "
              بعد ذلك تحدث السيد برونو كرايسكي قائلاً : " إن المسألة تنطوي على الكثير من الأبعاد الإنسانية الجديرة بالتأمل والتروي .. و أنا لا أستطيع تجاهل المعطيات التي تقدمتم بها .. و لتسمحوا لي أن أقول أن البعد الإنساني يخص أيضاً أسرى الطرف الآخر و أنا اقصد هنا مدى اهتمامه بالبعد الإنساني لأسراه الثلاثة ... و لا شك أن كل إنسان متمدن حضاري لا بد و أن يتمنى عودة كل أسير إلى بيته و عائلته .. إن الحروب تجر عادة معها آلاف الويلات ونحن في أوروبا خبرنا ذلك جيداً و نتمنى لهذه المنطقة ، و لشعبكم ، سرعة التخلص من نتائجها غير الإنسانية حتماً على أية حال ، لا بد و أن يجمعني قريباً لقاء في فيينا مع بيريز و سأحاول بذل جهودي للوصول إلى معادلة مرضية للطرفين ، و بما ينسجم مع الأبعاد الإنسانية التي تحركنا في جهودنا و وساطتنا مع الطرفين ، و اسمحوا لي أن أقول والسيد إيمري بجانبي ، أنني أبارك حتى الآن ، و إلى أن نصل إلى النتيجة الإنسانية المنشودة ، جميع الجهود التي قام بها عبر محادثاته المكوكية ، فهي محل ثقتي و تقديري .. و أنا راضٍ تماماً عن كل ما قام به ، و أشارككم الشعور بضرورة إطلاق سراح أكبر عدد ممكن من أسراكم 0
              إيمري يستأنف مهمته :
              و في التاسع عشر من تشرين الثاني – نوفمبر 1984 اتصل في مكتب الجبهة بدمشق السفير النمساوي في سوريا السيد " غروب ماير " مؤكداً أن الوسيط النمساوي السيد " هربرت إيمري " سيصل العاصمة السورية ، بعد يومين ،و هو يحمل أموراً تتعلق بعملية تبادل الأسرى 0
              • وفي الحادي و العشرين من تشرين الثاني – نوفمبر عقد الاجتماع الأول بعد التوقف ، بحضور السيدين هربرت إيمري و السفير ماير عن الجانب النمساوي ، و الرفيق عمر الشهابي والرفيق تحسين الحلبي عن الجبهة ، و قد نقل فيه إيمري وقائع من جهوده لمتابعة موضوع المفاوضات الخاصة بالأسرى ، ولقاءه مع الطرف الآخر و الحوار الذي دار بين الطرفين حول الصعوبات و قال :
              " لا بد أن الأمور ستستغرق وقتاً لتصل إلى نهايتها وهذا أمر طبيعي . على أية حال لدي أشياء قليلة أريد إطلاعكم عليها ، فلا شك أنكم تذكرون الحديث الذي جرى بين السيد كرايسكي و بينكم حول موضوع الأسرى ، فبعد ذلك الحديث بعدة أسابيع اتصلت بالطرف الآخر لمعرفة رأيه بهذا الشأن ، ذهبت إليهم و اتصلت بالمسوؤلين و قلت لهم "مضت فترة طويلة من الانتظار و هذا غير مفيد باعتقادي و لا سيما و أنكم تتحملون المسؤولية التي تعترض الاتفاق" ثم تقدموا – ضوء ذلك – بعرض جديد يتضمن إطلاق سراح 119 ممن نقلوا من أنصار إضافة لمراد و زميله و 120 من سجناء الداخل و هم – كما قال إيمري – لا يستطيعون المجازفة بإعطاء رقم أعلى من هذا ، لأنهم لا يعرفون طبيعة أسماء المطلوبين ، و ذلك لأنهم يعتقدون بوجود عدد من الأسرى إذا ما طلبتم الجبهة ضمن قوائمها ، فإن ذلك سيثير لديهم إشكالات و صعوبات خاصة من بعض أطراف معينة عندهم ، عند ذلك قلت لهم إن هذه المسألة لا تعني أن لا يعرضوا أرقاماً جديدة ،حيث من الممكن أن يرد ضمن قوائم الجبهة عدد من هذا النوع من الأسرى أو ربما لا يرد أحد منهم ، على كل حال " و أوضح السيد إيمري إنه طلب من الطرف الآخر أسماء هذا النوع من الأسرى ليرى ما بوسعه اقتراحه بهذا الشأن ، و فعلاً حصلت على قائمة الأسماء هذه و لكن بعد صعوبات و مراحل من الحوار ( وسلم إيمري وفد الجبهة نسختين من هذه القائمة ) عند ذلك اقترح الطرف الآخر أنه إذا امتنعت الجبهة عن إيراد أسماء هؤلاء الأسرى في قوائمها فإنه يعرض مقابل إطلاق سراح أسراه الثلاثة ، إطلاق سراح 450 أسير من بينهم سجناء من الداخل و ممن نقلوا من أنصار ( و بضمنهم مراد و زميله ) و قد قيل بأن هذا العدد هو أقصى ما يمكنهم عرضه على الجبهة 0
              و لخص إيمري انطباعه بالقول " أعتقد بأن رقم 450 ليس عرضهم الأخير و قد استنتجت ذلك من حديثهم معي حين سألوني عما يجب عليهم أن يعرضوا حسب تصوري و فهمي ، كيفما تتحرك المفاوضات فقد أجبتهم بأنه عليهم أن يعرضوا إطلاق سراح 600 أسير ، و حينذاك قدموا عرضهم بـ 450 و لذلك فإن زيادة هذا الرقم واردة ، حسب تصوري ، و ربما كنت مصيباً أو مخطئاً " 0
              و عبر جبريل في هذا الاجتماع عن اتفاقه مع إيمري ، بأن هذا الرقم لن يكون العرض الأخير للطرف الآخر ، و أكد أن الجبهة لا تقبله كعرض ، كما لا تقبل أبداً القائمة التي تتضمن 36 معتقلاً تشترط إسرائيل عدم المطالبة بالإفراج عنهم ، فهذه المطالبة تتعارض مع وثيقة المبادئ التي تحظر وجود مبدأ ( الفيتو ) على أي اسم مطلوب تحريره ... و قال إيمري: " إن الطرف الآخر ( محرج ) إزاء هذه الأسماء ، و يتوقع أنه إذا تجنبت الجبهة هذه الأسماء في القائمة فسيكون بوسعه إعطاء رقم أكثر من 450 لأن إطلاق سراح هؤلاء الـ 36 ، على حد رأيهم ، سيثير ردود فعل بالنسبة للقوى المتطرقة اليهودية ، فاليهود لهم منظمات إرهابية سجن العديد من أعضائها ،و هناك شخصيات يهودية ، الآن تطالب بإطلاق سراح هؤلاء اليهود ، فإذا أطلق سراح أي من قائمة الـ 36 سيثير إشكالات لدى الإرهابيين اليهود السجناء ، ويشجع حملات اليهود لإطلاق سراحهم ، و الجدير بالذكر أنه حين قدموا لي هذه الأسماء المعترض عليها كنت قد فكرت بما كان السيد جبريل قد ذكره للسيد كرايسكي بأن الجبهة معينة بإطلاق سراح أكبر عدد من الأسرى لأنهم قضوا فترات طويلة في السجن ."
              و هنا قال جبريل : " إن الجبهة تتمسك بمبدأ إطلاق سراح جميع المطلوبين دون استثناء وأن هذه التبريرات حول قائمة الـ( 36 ) من صنع الإسرائيليين أنفسهم و هي مخالفة واضحة لوثيقة المبادىء التي وضعناها و وقعوا عليها قبل البدء بالمفاوضات كشرط للمفاوضات ".
              و أضاف الشهابي : " إن الطرف الآخر يصنع المشكلة و يبالغ بها و يضخمها لإخافتنا ثم يصبح هو الخائف فيها ، فهو يكذب ثم يصدق كذبه . و إسرائيل ليست بعيدة عن الإرهاب اليهودي الذي تصدره ضدنا . و عندما يحصل التبادل من السهل أن يخرج رئيس الحكومة أو وزير الدفاع و يعلن أنه أعاد ثلاثة من الإسرائيليين مقابل الأسرى الفلسطينيين . "
              و أعاد جبريل تكرار الموقف الأساسي و هو: " إن الجبهة لن تقدم قائمة بالأسماء قبل الاتفاق على العدد ، و إن الجبهة ليس لديها ما تراجعه في مواقفها . بل على الطرف الآخر مراجعة مواقفه و مناوراته التي كان آخرها المحاولة الفاشلة لإستغلال أو توظيف عملية اختطاف مراد بشناق و زميله في صفقة جانبية ، فنحن لن نعتبر هذين الأسيرين عاديين كبقية الأسرى . و نحن لا تهمنا الأضواء الإعلامية التي يهتم بها عرفات كثيراً في أي صفقة كانت . إننا نتعامل مع قضية وطنية ذات بعد إنساني كبير في قضية الأسرى . "
              ثم عرض جبريل و الشهابي باختصار موقف الجبهة الذي تمثل في : "
              1- لن نقدم قائمة مسبقة بأسماء من نريد تحريرهم و هو أمر نؤكده للمرة العشرين 0
              2- سنعتبر أنفسنا و كأننا نطلع على قائمة الـ 36 ، لأنه قد يرد في قائمتنا التي سنضعها الـ 36 المعنيين جميعهم وقد يرد ثلثهم و قد يرد ربعهم و قد لا يرد أحد 0
              إن الصهاينة عمدوا مؤخراً إلى اتخاذ إجراءات ، بعضها قطع الرسائل عن بعض المناضلين الأسرى ، و إعطائهم معلومات خاطئة ، و محاولة غسل أدمغتهم .. كما بدأوا باستخدام ضغوطات ضد الأسرى في وسائل الإعلام ، وأرسلت الموساد رسائل كاذبة من العائلات عن طريق أوروبا، فإذا ما تمادوا في ذلك فإن تصرفات كهذه ستؤثر على حياة أسراهم و ظروف سجنهم 0
              إننا نريد المفاوضات بدون منعطفات كثيرة و حادة ، و إذا كنا ننوي إنهائها بنجاح ، و أن تسير العملية بسرعة وبطريق مقبول ، فلن نستطيع التعليق على أي عرض إلا إذا كان بدون شروط ... أي ما إذا كان يصلح كبداية أم لا . "
              إيمري : إن عرض الإسرائيليين الأخير أنهى تعدد صيغ الأسرى الذي تم عرضه في جنيف ، و هذا يعني أنه بدلاً من أن يكون في عرضهم شرطان ، فالعرض الحالي قد ألغى شرطاً و أبقى شرطاً ، و بالرغم من ذلك فإن الشرط المتبقي مختلف عن الشرط السابق ... فهناك ، كان الطرف الآخر يخفي نواياه و يطلب قائمة منكم أما العرض الحالي فقد أدى شرطه إلى تقديم أسماء من يعترض على إطلاق سراحهم ، لذلك فقد تحددت نواياه ، و أرغموا بتصوري ، على فتح أوراقهم ولن تدعو الحاجة الآن لأن يدرس أو يساوم على قائمة بمئات الأسماء ..الآن لديهم أسماء محددة للاعتراض على إطلاق سراحهم ، الأمر الذي أحدث تغييراً على وضع المفاوضات ، و أعتقد أنها أحدثت تغييراً على مجرى المفاوضات 0
              • و في ختام اللقاء جدد جبريل اعتراضه على شرط الطرف الآخر ، و ترك للوسيط النمساوي نقل هذا الموقف ومتابعة مهمته ، ثم غادر الوسيط النمساوي دمشق حاملاً جواب الجبهة ليعود في 31 كانون الأول 1984 بمقترح من الطرف الصهيوني يعرض استعداده لزيادة الرقم ، و لكن بعد أن تطرح الجبهة رقماً محدداً ، فردت الجبهة على هذا العرض من خلال اجتماع عقد ه جبريل بحضور الوفد المكلف بالمفاوضات من جهة و السيد إيمري والسفير النمساوي من جهة ثانية وفي نفس اليوم ، و أكد جبريل أن هذا العرض لم يكن ، في الواقع ، عرضاً بل مناورة أخرى لإضافة المزيد من التعقيد على مجرى المفاوضات ، و قال الرفيق الشهابي : " إن قضية التبادل بسيطة و هي إنسانية بحتة لدينا ثلاثة أسرى و لديهم أسرى لنا و المطلوب إجراء تبادل ، عرضنا ما نطلب و عليهم التقدم نحو مطالبنا و إن زيادة عدد أسرى أنصار من قبلهم أمر لا يلفت انتباهنا ، وهم يعرفون ذلك و يعرفون أن أسرى الداخل هم المعنيين بالأساس فإذا لم يتقدموا باتجاه مطالبنا فستظل الأمور على هذا النحو ،و ربما لسنوات أخرى إلى أن يستوعبوا مطالبنا و يوافقوا عليها. "
              و في اجتماع آخر عقد بين الرفيق الشهابي و الوسيط النمساوي أعاد الرفيق الشهاب تكرار مطالب الجبهة قائلاً أنها تتلخص بإطلاق سراح /1000/ من سجون الداخل إضافة إلى معتقلي أنصار و قال .. " إذا تقدموا نحو هذا فعندها يمكن القول بأن الأمور تتحرك و تسير نحو اتفاق ، و إلى الآن لم يعرضوا غير /450/ فليتقدموا إلى مطلبنا و حوله ، و عندها دعنا نفكر " و تساءل السفير النمساوي عن معنى ( و حوله ) فأجاب : " إن المقصود واضح أي حول الألف ، فما هو الرقم حول الألف ؟ 900-990-950 – و أكرر عندما يتقدمون بهذا " الحول " عندها نفكر، و نشعر أن الأمور إيجابية و نسير نحو الاتفاق ، فهم منذ البداية أخذوا يلفون و يدورون عبر ممرات مظلمة ، فليسيروا بالممر الصحيح و المستقيم والواضح وعندها تتحرك الأمور 0"
              9ـ طور حاسم في المفاوضات :
              بعد ذلك بأقل من شهر ، و تحديداً في 26/1/1985 إلتأم في دمشق اجتماع بين وفد الجبهة المفاوض و بين السفير النمساوي في دمشق الذي نقل رسالة من كرايسكي إلى الأمين العام جبريل يقول فيها أنه بعد اجتماعه به في تشرين أول 1984 في دمشق قام بوضع مقترحات مبدئية بغية تحريك الجمود المخيم على مسألة تبادل الأسرى ، و إن هذه المقترحات عرضت على الطرف الآخر و لم يرد عليها بعد .. و أن السيد كرايسكي وضع مقترحاته هذه بعد أن كون فكرة عن العدد الذي يمكن للطرف الآخر إبداء المرونة بشأنه أو قبوله 0
              و بدأ السفير غروب ماير بنقل المقترحات على النحو التالي :
              مقابل الأسرى الثلاثة يطلق الطرف الآخر سراح :
              629 معتقلاً من سجون الداخل .
              250 معتقلاً من سجن أنصار 0
              121 معتقلاً من عتليت 0
              المجموع = 1000 معتقل 0
              و طلب السفير أن تقوم الجبهة بتحديد الأسماء حسب طلبها الأساسي ، و أضاف السفير أن هذه المقترحات لم يرد عليها ، إيجاباً أم سلباً الطرف الآخر ، و لا يمكن معرفة رأيه بها إلا بعد مجيء السيد إيمري إلى دمشق و الاجتماع بقيادة الجبهة ، وهو عرض يقترح المستشار كرايسكي على الجبهة ، دراسته و تقديم ردها عليه 0
              و أجاب وفد الجبهة أنه في ضوء رد الطرف الآخر الذي سيحمله السيد إيمري ستعد الجبهة ردها ، و أثار الوفد الانتباه إلى تجنب وساطات أخرى فهناك استحقاقات يجب دفعها بدلاً من كثرة الوساطات ( هناك طريق أقصر ) .. فالجبهة لا ترى بميتران أو غيره من الفرنسيين ، أو الألمان ، ما يؤهلهم لمثل هذه الوساطة 0
              • و بعد يومين على ذلك اللقاء اتصل السيد غروب ماير مرة أخرى ليخبرنا بأن السيد إيمري اتصل به و أبلغه بأن الطرف الآخر يعتبر نفسه موافقاً على مقترحات السيد كرايسكي 0
              و طبقاً لآلية الاتصالات المقررة في الجبهة قام وفدنا المفاوض في 2/2/1985 بإحاطة ممثل الصليب الأحمر الدولي بدمشق ، الآنسة
              ( أليزابيت ) بمقترحات كرايسكي لإيصالها إلى جنيف حسب الأصول ، خاصة و أن الجبهة كانت ترى أن الهيئة الدولية للصليب الأحمر هي الهيئة الرسمية المخولة بالاحتفاظ بكافة التقارير و المعطيات ، و صاحبة الدور الأساسي عند الاتفاق و قبل الاتفاق و بعده في مسألة التبادل و رعاية الأسرى 0
              و هكذا جرى إبلاغ المنظمة الدولية ، من قبل الجبهة ، بموافقة العدو المبلغة للوسيط النمساوي ، و أشار وفد الجبهة ، في لقائه مع ممثل الصليب الأحمر إلى أن الأمر لم يصبح رسمياً بعد ، فهذه المقترحات عرضها السيد كرايسكي ، و الجبهة بانتظار السيد إيمري لإبلاغه بردها الرسمي و إحاطة الصليب الأحمر بالصورة الإجمالية لما وصلت إليه الأمور ... و طلب الوفد من مسؤولي المنظمة الدولية بتزويده بالإحصائيات عن معتقلينا في كافة سجون فلسطين و الجنوب ، لكي يتابع معرفة ما استجد عليها من أسماء معتقلين جدد .. و هو مطلب تقدمت به الجبهة منذ أن وقع الأسرى الصهاينة بأيديها على أساس تزويدها بقائمة كل ستة أشهر لملاحقة التطورات داخل السجون 0
              • وفي منتصف شباط حضر المبعوث النمساوي ، الدكتور إيمري ، إلى دمشق و اجتمع بجبريل بحضور وفد المفاوضات ليبلغ عن موافقة الطرف الآخر على مقترحات السيد كرايسكي ، و في حالة الموافقة دعا إلى التوقيع عليه رسمياً في فيينا ... وفي ذلك الاجتماع كرر جبريل التمسك بالمطالب حسب الأرقام التي سبق وقدمت، مع التأكيد على اعتبار مقترحات السيد كرايسكي خطوة إيجابية هامة، ومساعيه محمودة و مثمرة ، و لا تعتبر هذه المقترحات إطاراً للحدود النهائية المطلوبة ، إذا ما أراد الطرف الآخر التوصل حقاً إلى اتفاق
              و عرض جبريل تعديلات الجبهة على ما تضمنته مقترحات السيد كرايسكي من أرقام و على النحو التالي :

              مقترحات السيد كرايسكي ما تطلبه الجبهة
              629 من أسرى الداخل مقابلها 850
              121 عتليت مقابلها 121
              250 من أنصار مقابلها 345
              المجموع /1000/ المجموع /1316/

              أما قائمة الـ( 36 ) معتقل و التي يرى الطرف الصهيوني أن لا نطلب أحداًً ممن ورد فيها ، فموقفنا الأول و الأخير هو أن لنا الحق في أن نحدد من نشاء ممن ورد فيها ، حسب المدة التي قضاها إلى الآن في المعتقل ، فكل من قضى أربعة سنوات فأكثر ، نرى أنفسنا ملزمين بالمطالبة به ، حتى لو كان عدد من قضى أربع سنوات فأكثر منها يبلغ عشرين أو أكثر أو أقل و هذا حق لا رجعة عنه ولا مساومة عليه 00 أما بشأن عرضهم بأن لا نطلب من " أوكوموتو " أو "أبو عين " فليعلم الطرف الصهيوني أن هذين الأسيرين لا مساومة على تحريرهما أبداً 0
              و بكل رحابة صدر و نفاذ بصيرة حمل إيمري تعديلات الجبهة على مقترحات السيد كرايسكي و مضى لنقلها إلى الطرف الآخر ، و كأنه يعرف جيداً أن الأفضل في هذه المرحلة : " طرق الحديد و هو ساخن " و أعلن لنا بأنه سيبلغ كرايسكي بتعديلاتنا و من ثم يحملها إلى الطرف الآخر ، و أضاف بأنه متفائل و لن يتشاءم أبداً .
              • و في 22 شباط 1985 ، و بعد تقييم شامل و دقيق و دراسة مستفيضة لمقترحات السيد كرايسكي من قبل قيادة الجبهة ، أرسلت الجبهة ردها ، كتابياً ، إلى إيمري عبر السفير غروب ماير ، فيما يلي نصه الكامل :
              " السيد هربرت إيمري سفير حكومة النمسا في أثينا
              عزيزي السيد إيمري
              واضعين في اعتبارنا جهودكم الإنسانية المخلصة حول مسألة تبادل الأسرى ، تلك الجهود التي نقيمها التقييم الإيجابي الذي يليق بها ، و بالإشارة إلى الحوار الذي أجريناه معكم في دمشق في 14/2/1985 ، و كذلك في لقاءات سابقة ، يسعدني إبلاغكم التالي :
              1- إننا نثمن عالياً دور السيد كرايسكي ، و الجهود الإنسانية التي بذلها حول موضوع الأسرى ، قانعون أن هذا الدور الإنساني إنما يعبر عن تعاطف مع شعبنا و معتقلينا ، و نرحب بواسطته و اقتراحاته بهذا الشأن ، و نريد أن نؤكد مجدداً أن أي مناقشة لهذه الاقتراحات من قبلنا ، إنما هي لأسباب مبدئية و يقصد تطويرها بحيث تصل لإطلاق سراح أكبر عدد من الأسرى الفلسطينيين ، الذين يعانون أشد المعاناة في السجون الإسرائيلية ، و هو ما نعتقد أنه هدف مشروع ، و يلقي التفهم العميق من السيد كرايسكي
              2- أما تعنت الطرف الآخر ، و تلك المساومة غير المقبولة ، و بعد أن وافق الطرفان على اعتبار مقترحات السيد كرايسكي أساساً ننطلق منه نحو الوصول إلى اتفاق حول العدد ، فإن الطرف الآخر ما يزال يضع العراقيل في طريق الاتفاق على إطلاق سراح أسرى الداخل خصوصاً ، و هذا الأمر ، كما نعلم هو الأساس في المناقشات حول العدد ، مما أوصلنا إلى وضع لا نرى فيه فائدة من التوجه إلى فيينا لإقرار الاتفاق0
              3- و من جانبنا فإننا نذكر باقتراحاتنا التي كنا نناقشها وهي :
              أ‌- إما إطلاق سراح /850/من الداخل بالإضافة إلى /121/من عتليت بالإضافة /345 /من أنصار (200+145 ) 0
              ب-أو إطلاق سراح /879/من الداخل بالإضافة إلى /121/من عتليت بالإضافة لـ / 150(200-50 ) 0
              و هنا نود أن نكرر تأكيدنا أن ما يهمنا أساساً هو أسرى الداخل ، و لا مانع لدينا أن نحصر حديثنا في مفاوضات قادمة وأن لزم الأمر ، بأسرى الداخل و أسرى عتليت فقط 0
              4- و استطراداً و توضيحاً لموقفنا ، فإن أي محاولة من الطرف الآخر لاستعمال " أنصار " كورقة ضغط علينا لن تنجح فكما نعلم أنه أمام تصاعد المقاومة في الجنوب ، فهو ملزم أن يطلق سراح أسرى أنصار ، في مرحلة لاحقة حين انسحابه من الجنوب ، لعدة أسباب معروفة سلفاً 0
              آملين أن يكون موقفنا مفهوماً و إيجابياً ، و هذا تماماً ما نقصده ، وما نحن حريصون على أن يكون مفهوماً لديكم ، كما أننا مستعدون لمناقشة أي اقتراح أو إجراء ، بقصد الوصول إلى اتفاق سريع حول العدد و حول التبادل ، في إطار ما أوضحنا من مواقف و أفكار 0
              وتقبلوا أسمى التحية ختاماً
              التوقيع
              رئيس الوفد المكلف بالمفاوضات
              عمر الشهابي
              22/5/1985
              -------------------------------
              * وفي النصف الثاني من آذار وصل الوسيط النمساوي الدكتور إيمري إلى دمشق ليضع أمام جبريل و الوفد المفاوض خلاصة النتائج وعلى الوجه التالي :
              " لم يجد الطرف الآخر مجالاً ، أو هامشاً للمناورة ، بعد أن وافق من قبل على العرض الخاص بـ " الألف" فبعد عرض شروطكم عليه علمت أنه ظهرت بعض الخلافات فيما بينهم حتى أن أحدهم قال : " من يوافق على ألف يوافق على 1150 فهل بقي بعد هذا العدد الكثير من السجناء ؟ هذا ما تريده الجبهة ، فالأجدر بنا الآن و طالما وصلنا إلى الطريق الذي لا رجعة عنه اختصار المزيد من الوقت " .. و لذلك يسعدني أن أبلغكم بأن الطرف الآخر أعلن موافقته لي على الأرقام التي يتضمنها جوابكم في الفقرة ( ب ) أي أنه يوافق على إطلاق سراح :
              " 879 من الداخل ، 121 من عتليت ، 150 من أنصار ، و ذلك مقابل الأسرى الثلاثة "
              و خاطب إيمري جبريل و الوفد المفاوض قائلاً : " أعتقد الآن ، أن إصراركم و صبركم أثمرا في النهاية عن تحقيق هدفكم من عملية التفاوض ، لقد قمت بمهمتي و توصلنا في النهاية إلى الحلول المنشودة 0"
              • و هكذا لم يبق الآن سوى التحرك لوضع إطار التنفيذ عبر تثبيت التزامات العدو أمام مسؤولي الصليب الأحمر والحكومة السويسرية وقد أبلغ الصليب الأحمر بذلك تفصيلياً ، و رحب بالنتائج التي وصلت الأمور إليها الأمور ، ثم دعا وفد الجبهة إلى الحضور إلى جنيف للاتفاق على إجراءات التنفيذ و لتوثيق ما اتفق عليه 0
              10ـ جنيف الاتفاق .. التوقيع
              في الثامن من نيسان 1985 تلقى جبريل الأمين العام رسالة من الصليب الأحمر تتضمن دعوة وفد الجبهة للمفاوضات إلى الاجتماع في جنيف مع مسؤولي الصليب الأحمر الدولي لبحث الخطة التفصيلية لعملية وآلية التبادل على ضوء آخر مانتج عنها من اتفاق . وقبيل سفر الوفد إلى جنيف عقد الأمين العام جبريل اجتماعاً للوفد استعرض فيه معه كيفية تنفيذ عملية التبادل على الأرض و كافة تفاصيلها و مواقيتها في مختلف المناطق ومعابر الحدود و مطار جنيف و الضمانات الملموسة على الأرض و الموثقة مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر . و اعتبر جبريل أن هذه المرحلة هي أدق و أصعب المراحل لأن العدو لا يوثق به و لا بتعهداته و لذلك لابد من وضع آلية تفصيلية تحول دون إتاحة أي فرصة أو ثغرة للتلاعب و إفشال هذا الإنجاز التاريخي و العظيم .
              و تحدث جبريل في ذلك الاجتماع بتفاصيل التفاصيل عن مهام وفد المفاوضات و اللجنة الأمنية الخاصة بعملية التبادل وآليتها و هي تحت مسؤولية المباشرة و كيفية إشرافها في نفس الطائرات التي ستقل أسرى العدو و أسرانا فيما بعد على كامل الشروط الأمنية والتنسيق الدائم بين الرفيق رئيس الوفد المفاوض عمر الشهابي و هذه اللجنة و جميع اللجان الفرعية المنبثقة عنها . في المناطق و المعابر التي سيتم استخدامها لاستلام المحررين .
              كما أكد على أهمية متابعة التنسيق و آليته المباشرة عبر الصليب الأحمر الدولي مع لجان الأسرى داخل سجون الاحتلال لإحباط أي محاولة تغيير في أسماء المطلوبين عند بدء ساعة صفر التبادل .
              كان الاجتماع طويلاً و نوقشت فيه جميع المسائل و وضعت على أوراق رئيس الوفد المفاوض عمر الشهابي كافة الملاحظات و الشروط التي سيتعين نقلها لرئاسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي بصفتها المشرف الأول و المباشر على عملية استلام أسرى العدو و استلام الأسرى الفلسطينيين في مطار جنيف ، وفي حدود لبنان و في حدود الجولان السوري ، و في قلب الأرض المحتلة في الضفة الغربية و فلسطين المحتلة منذ عام 1948 .
              و بعد أسبوع من ذلك الاجتماع حمل رئيس الوفد المفاوض كافة هذه الأوراق والملاحظات و الشروط إلى جنيف حيث عُقدت بين الوفد و بين السيد هوفليجر المندوب الأعلى المكلف من الصليب الأحمر الدولي بمتابعة عملية التبادل و آليتها اجتماعات مكثفة عرض فيها الشهابي ما يلي : -
              _ تثبيت و توثيق موافقات العدو , عبر الصليب الأحمر , بما فيها ( العدد و المبادئ الأساسية ) وشروط الجبهة الخاصة بتخيير كل معتقل بالمكان الذي يحرر فيه .. داخل الوطن أو خارجه .
              _ الضمانات و سبلها و مستوياتها :
              1- ضمانة يقدمها الطرف الأخر , يتعهد بها أن لا يقوم بأية مغامرة تعرض أمن عملية التبادل لأية مخاطر و ارباكات.
              2- ضمانة من الصليب الأحمر بان يتولى , بنفسه ضبط عملية التبادل دون أي خلل أو تجاوز .
              3- ضمانة الالتزام بالعدد الذي اتفق على تحريره من الأسرى دون أي تدخل وسبل التأكد من ذلك .
              _ زمان و مكان و سير عملية تحرير الأسرى .
              _ أية مواضيع مستجدة .
              وكانت قيادة الجبهة قد أعدت _ قبل هذا _ الأسس العامة لخطة وميكانيكية عملية التبادل ابتداء من استلام قوائم متكاملة بأسماء الأسرى الذين سيحررون , وانتهاء بضمان وصولهم سالمين إلى المواقع الآمنة .
              واستندت الخطة إلى بحث مستفيض للعقد و الاحتمالات مع وضع هامش للخيارات حين يلجأ العدو إلى محاولات تعطيل أو نسف الخطة , أو التنصل من التزامات تحرير الأسرى أو من تأمين وصولهم إلى المواقع المفترضة التي تتوزع على ثلاثة أماكن متباعدة وفي ظروف جغرافية وسياسية مختلفة :
              _ جنيف ( سويسرا ) ارض المطار .
              _ المنطقة الحدودية بين فلسطين و سوريا .
              _ فلسطين المحتلة , كافة مناطقها : الشمال _ حيفا _ الوسط _ الرملة _ نابلس _ القدس _ رام الله _ الجنوب _ عسقلان _ غزة و بئر السبع .
              ولعل الحلقة الأشد تعقيداً في الخطة تكمن في تنفيذ عملية تحرير الأسرى في شقيها , خارج فلسطين و داخل فلسطين , وتحديد الجهة التي تتكفل وتؤتمن على التنفيذ الذي سيأخذ مستويين :
              1- محررون تستلمهم الجبهة الشعبية على الحدود السورية الفلسطينية وعلى أرض مطار جنيف وتنقلهم إلى أمكنة آمنة
              2- محررون داخل فلسطين يأخذون طريقهم بحرية إلى بيوتهم وقراهم .
              خطة و ميكانيكية التبادل :
              وأخذاً لكل هذه العقد , ومستويات التنفيذ , وكل الاعتبارات بالحسبان وتأميناً لوصول المناضلين إلى المواقع الآمنة ومن اجل شل تراجعات العدو واحتواء لمناوراته التي قد تحصل في مجرى عملية التنفيذ , صيغت خطة التبادل ضمن آلية محسوبة بدقة على أساس أن نجاح المفاوضات لتحرير الأسرى أصبح رهن نجاح هذه الخطة و تنفيذها . وفي موعد الاجتماع الذي اقترحه الصليب الأحمر الدولي بجنيف قدم الرفيق الشهابي خطة الجبهة ضمن الآلية التالية :
              _ المرحلة الأولى :
              وقد تستغرق أسبوعاً تقريباً تقوم خلاله الجبهة بتزويد الصليب الأحمر بقائمة تتضمن 879 معتقلاً من السجون الصهيونية و أخرى 121 من سجناء عتليت منذ عام 1983 وقائمة ثالثة بأسماء 150معتقلاً تم نقلهم من أنصار إلى عتليت عام 1985 , وقائمة أخيرة بأسماء الذين تختارهم الجبهة ليقوموا بالأشراف على تشكيل لجان من المعتقلين , كما تقوم الجبهة خلال هذه المرحلة بتوجيه رسالة إلى لجان المعتقلين تتضمن توجهاتها التنفيذية , ونسخ من الوثائق التي سيجري توقيعها من قبل المعتقلين الذي تختارهم الجبهة كلجان قيادية للمعتقلات ومشرفة على سلامة تنفيذ التوجيهات وتوقيع الأسرى على الوثائق , وخلال هذه المرحلة تكون لجنة الصليب الأحمر قد أخذت توقيع الطرف الآخر على ضمان أمن وتنفيذ العملية كما تقوم بتأمين وضمان دور وموافقة الحكومة السويسرية في رعاية التبادل على أراضيها وفي الأجواء السويسرية ..كما يجري إعداد تقرير من قبل الجبهة , حول وضع الأسرى الصهاينة الثلاث وتسليمهم للصليب الأحمر .

              _ المرحلة الثانية :
              وتستمر أسبوعاً أيضاً يقوم الصليب الأحمر خلاله بالاجتماع مع كافة المعتقلين الفلسطينيون الذين تقرر تحريرهم وعددهم 1150 والطلب من كل واحد منهم تحديد المكان الذي يرغب إطلاق سراحه فيه , ويوقع المعتقل على الوثيقة المعدة , من قبل الجبهة , بحضور لجان المعتقلين مع إقرار حق الجبهة باستبدال أي معتقل , يجري التثبت من إطلاق سراحه , أو استشهاده أو وفاته , أثناء وقبل هذا الوقت , بغيره من المعتقلين .
              _ المرحلة الثالثة :
              وتستغرق يوماً أو يومين , يتلقى الصليب الأحمر القائمة النهائية للمعتقلين الفلسطينيين الذين سيحررون في جنيف , حيث يكون فرز أوراق التخيير قد انتهى واستلمته قيادة الجبهة وعرفت في ضوءه عدد الذين يحررون في جنيف أو في فلسطين المحتلة , بالإضافة إلى التقارير الطبية للمعتقلين الذين هم بحاجة إلى علاج عاجل بعد العملية أو أثناء التبادل .
              _ المرحلة الرابعة :
              وتستغرق عشرة أيام , يتقرر فيها تثبيت تاريخ التبادل وإحاطة الأطراف المعنية به , ويقوم الطرفان بتأمين طائرات نقل الأسرى إلى جنيف ومستلزمات نقل الأمتعة الشخصية وسبلها .

              _ المرحلة الخامسة :
              وتستغرق يوماً واحداً تجري فيه عملية التبادل في جنيف والقنيطرة وفلسطين المحتلة . ووضع الاتفاق النهائي لحالات التأخر , ومواعيد بديلة لإنجاز عملية التبادل يقوم الصليب الأحمر بمتابعتها , ويتفق بشأن تنفيذها فورياً وقبل إتمام تسليم آخر الأسرى الصهاينة إلى الطرف الأخر كضمانة أساسية للجبهة .
              وبعد أن اطلع مندوب الصليب الأحمر و المسؤول المباشر عن عملية التبادل السيد هوفليجر على الخطة قال , بعد دراسة متأنية لها : ( لاشك أنها مقنعة ودقيقة , ومتتابعة , ومترابطة , الأمر الذي يوفر علينا وقتاً طويلاً من المناقشات .. ولكن باعتقادي أن الخطة تفتقر لاحتياجات الطرف الآخر من تفاصيل مما يتعين علينا مناقشتها معه .. وهذا أمر بديهي . وربما أضفنا لها بعض الضمانات التي تخص أسراهم ) .

              يقظة تحول دون الابتزاز

              وخلال الأيام من 16 إلى 21 نيسان عقد وفد الجبهة للمفاوضات برئاسة عمر الشهابي وعضوية الرفيق تحسين الحلبي تسعة اجتماعات مفصلية متواصلة , في جنيف مع ممثلي الصليب الأحمر الدولي برئاسة السيد دوفور وكان واضحاً أن وفد العدو راح يتربص لإيجاد ثغرة في منظومة المقترحات و الأفكار التي تقدم بها وفد الجبهة للتسلل منها , وقد حاول استخدام العديد من الأوراق و الموضوعات التي طويت و تجاوزتها المفاوضات غير أن المحاولات اصطدمت بيقظة الوفد وإصراره على الالتزام بنتائج الاتفاقات الموثقة .
              ففي الاجتماع الذي عقد في 16/ 4 طرح وفد الصليب الأحمر الدولي مطلب وفد العدو بحث مسألة الأسماء المطلوب تحريرها بعد أن اتفق على الرقم النهائي ( 879 من الداخل و121 من عتليت و 150 من أنصار ) فرد وفد الجبهة قائلاً :
              عمر الشهابي : ( نحن لا نرى أن تقديم الأسماء هي النقطة التي يجب البداية بها .هناك جدول زمني تحدثنا عنه بشكل عام في المرة السابقة هنا بجنيف , والان نحن بحاجة إلى وضع سيناريو ( ميكانيزم التبادل ) و ذلك بعد حل كل التفاصيل و مناقشتها .. وكي نصل إلى هذا نقترح جدول أعمال كالتالي :
              1- تثبيت ما اتفق عليه .. وهناك مسائل ثبتت ووقع عليها في السابق وبودي فقط أن أذكر بها وهي :
              أ‌- عدم وضع فيتو على أي اسم يطلب إطلاق سراحه .
              ب‌- موضوع حق السجناء بالاختيار ما بين البقاء في الداخل أو الخروج .
              ت‌- عدم ربط عملية التبادل مع الجبهة بأية عملية تبادل أخرى زمنياً وقانونياً .
              تبقى مسألة العدد الذي اتفق عليه الآن .. نرى أن تثبت وتوقع من الطرفين .
              2- الضمانات الأمنية .. وهناك ضمانات مطلوبة من الأطراف المعنية .
              1. ضمانة من الطرف الآخر يوقعا رئيس الوزراء , أو وزير الدفاع , موجهة للصليب الأحمر ونتلقى نسخة عنها بحيث تتضمن تعهداً بعدم المس بعملية التبادل _ بجميع مراحلها _حتى وصول المعتقلين المحررين إلى مقصدهم النهائي , بشكل مباشر أو غير مباشر براً وبحراً و جواً .
              2. تعهد من السلطات الفيدرالية السويسرية لنا وللصليب الأحمر بضمان أمن عملية التبادل على الأرض السويسرية و أجوائها .
              3. تعهد من الصليب الأحمر بتنفيذ الاتفاق بين الطرفين بدقة وبنصوصه و الإشارة إلى أن الصليب الأحمر سيوقف إجراءات التبادل في حال الإخلال بهذه المبادئ , أو أحدها ,أو جزئياً من أي طرف من الطرفين .
              3- المكان .. نحن اخترنا جنيف وما زال اختيارنا قائماً , وحتى نضع بعض المؤشرات لعملنا وحوارنا فإن هناك أمكنة أخرى ستكون ضرورية . هناك معتقلون سيختارون الإقامة بالأرض المحتلة وسيكون مكان تبادلهم ( إطلاق سراحهم ) في أحد مكاتب الصليب الأحمر هناك وبإمكانكم ترتيب هذا الأمر حسب ظروفكم و بمعرفتكم .. على أية حال سنتحاور في هذا الأمر .
              دوفور : لدينا مكتبان رئيسيان , واحد في القدس وأخر في غزة الأول صغير بينما الآخر ذو حديقة واسعة ويناسب هذا الغرض ويمكننا أن نختارهما إذا ارتأيتم أن يذهب سكان غزة الأسرى إلى مكتب غزة وسكان الضفة إلى القدس .
              عمر الشهابي : سنتحاور في هذا عند الوقت المناسب ولن نختلف على ذلك دعني أتابع الآن اقتراحنا بشأن جدول الأعمال مع أنني أرى بصدد المكان أن في تخصيص مكانين تعقيداً للعملية .
              4- بشأن تحديد زمان التبادل .. نقترح , بعد اتفاقنا هنا أن يكون يوم التبادل بعد 25 يوماً من تاريخ اتفاقنا النهائي على كافة التفاصيل 0
              5- القوائم .... نسلمها بعد الاتفاق بخمسة أو سبعة أيام . و بهذه المناسبة لدينا حول القوائم بعض التفاصيل نطلب تعاون الصليب الأحمر و مساعدته فيما يتعلق بها ... فأنتم تعلمون أننا تلقينا قوائم الصليب الأحمر التي يعود تاريخها إلى تشرين الثاني 1984 ، و قمنا بمقارنة بما ورد بها و قد أفادتنا كثيراً ، و هنا فمنذ تشرين الثاني 1984 و حتى الآن لا بد و أن تطورات حدثت في أوضاع الأسرى ، نريد قائمة بمن أخلي سبيله ، خلال هذه الفترة ، أو من توفي ربما .. وقائمة أخرى بمن اعتقل في الفترة نفسها .
              دوفور : هذا جيد .. وممكن أن نرتبه و نزودكم به بعد مخاطبة مندوبنا في تل أبيب ، الذي توجه إليه مثل هذه المعلومات
              عمر الشهابي : و حول القوائم أيضاً ، معروف أننا سنطلب الإفراج عن أسرى ليسوا موجودين في قوائم الصليب...
              أعني سجناء من فلسطين المحتلة عام 1948 ، فهؤلاء لدينا قائمة بأسماء من سنطلبهم و نحن سنزودكم بهذه القائمة ، ما نطلبه منكم هو : زيارتهم و تحييرهم و تقديم تقرير لنا في وقت مبكر 0
              دوفور : ربما تعرفون أن الصليب و منذ عام 1948 وهو يحاول زيارة السجناء ( من الداخل ) أي الذين يحملون وثائق إسرائيلية و لكن دون جدوى ... فهذه مسألة سياسية للطرف الآخر . و لذلك أريد أن أفهم تماماً ما إذا كنتم تطلبون مني زيارتهم في مكان سجنهم الحالي أم عند تجميعهم مع بقية السجناء و تخييرهم هناك 0
              عمر الشهابي : نحن معنيون أن تزورهم يا سيد دوفور و تراهم ، قبل التبادل و التخيير ، سواء أجمعوا في مكان واحد أم في أماكن أسرهم الراهنة ... دعنا الآن نطلب زيارتهم في مكان سجنهم و سنرى .
              دوفور : حسناً ، هذا ما سأفعله طالما و أن الهدف واضح لي ، لكن أرجو أن تضعوا إشارة على أسمائهم في قائمتكم الإجمالية كي أعرفهم لأنهم كما تعرفون لم يردوا في قوائم الصليب .
              شهابي : حول ميكانيزم التبادل فإننا أمام ثلاث أمكنة على الأقل و ستجري على أرضها عملية التبادل في تزامن واحد جنيف – القنيطرة – القدس أو غزة أو كلاهما حسبما نتفق .
              دوفور : إن التزامن مسألة دقيقة و لدى السيد هو فليجر تصوراً كاملاً حول الحل الحاسم و سيعرضه عليكم 0
              شهابي : و بالنسبة للطائرات فما زال قائماً لدينا إمكانية استخدام طائرات الصليب الأحمر حسب اقتراح هو فليجر 0
              دوفور : إن مسألة الطائرات ليس من الصعب ، على الصليب الأحمر ، تأمينها ولكن الصعوبة تكمن في التكاليف الباهظة ، وهناك نقطة أخرى هي أن كل طرف سترافقه بالطائرة عناصر أمنية ومسلحة خاصة للطرف الآخر ، و هذا سيجعل من الصعب على بعض الشركات أن تتيح لطائراتها الاشتراك في العملية . على أية حال حين تحل مسألة التكاليف تنتهي كل الصعوبات 0
              شهابي : أعتقد أنه من الأفضل على ضوء هذا أن يأتي كل طرف بطائرته ، و أرى أن تعرض عليهم جدول أعمالنا المقترح بنقاطه الرئيسية و ليس بالتفاصيل التي ذكرناها الآن ، لأنها أفكار ناقشناها حتى تكونوا بصورة أفكارنا ، وإذا وجدتم ذلك مناسباً فاعرضوها ، باسمكم ، كاقتراح بجدول الأعمال 0
              دوفور : بالطبع . هذا ما سنفعله ، لأننا جئنا لنكون بصورة آرائكم بعد مقابلتنا للطرف الآخر . و سنذهب إليهم ونتوقع أن نلتقي معكم في الغد صباحاً .
              • وفي الاجتماع الذي عقد في اليوم التالي أوضح وفد الصليب الأحمر أنه تابع موضوع المرضى من الأسرى الفدائيين ، وقال رئيس الوفد أن الطرف الآخر أبلغه بأن عاموس يارون أو رئيس الأركان الإسرائيلي سيوقع على الضمانات الأمنية باعتبار أن عملية التبادل من اختصاص الجيش الإسرائيلي ، فرد وفد الجبهة على ذلك بالقول :
              شهابي : نحن لا نقر بأن العملية من اختصاص الجيش ، وما نعنيه بالضمانة الأمنية ليس الضمانة فحسب ، حتى يوقعها يارون أو رئيس الأركان ، بل نعني ضمانة أمنية سياسية ، و لذلك نريدها موقعة من رئيس الوزراء أو وزير الدفاع0
              دوفور : حسنا ... و الآن أريد أن أفهم ، كصليب أحمر ، ما هو المقصد النهائي لأسراكم لإعلام الطرف الآخر . أما بشأن كتاب التعهد بالضمانة الأمنية الذي طلبتموه من الطرف الآخر ، فقد طلبوا أن أضع صياغته ليقوموا بدراسته ، وقد وضعت نصاً أعرضه عليكم و بضمنه أن الضمانة الأمنية تبدأ منذ بدء العملية و حتى وصول الأسرى إلى مقصدهم النهائي ، و أسراكم لا بد من تبليغهم بالمقصد النهائي بعد جنيف عند تخييرهم ، فلربما كان للبعض منهم ما يمنعه ، حسب تصوره ، من الذهاب إلى ذلك البلد ... أي المقصد النهائي 0
              شهابي : لا أرى ضرورة أن يقال للأسرى أين سيذهبون عند الخروج ، فقط يبلغون أنهم سيبادلون في جنيف ، و ليس هناك مشكلة جدية لهم طالما أن الجبهة سترتب ذلك و تضمن سلامتهم ، نحن في النهاية سنبلغكم بالمقصد النهائي ، وهذا طبيعي ، لأن الصليب


              مركز بيسان ... يرحب بكم
              http://besancenter.maktoobblog.com/

              تعليق


              • #8
                المبادئ الأساسية للمفاوضات

                وضع الرفيق الأمين العام أحمد جبريل في اجتماع عقده مع المكتب السياسي للجبهة المبادئ الأساسية للمفاوضات ، في رسالة وجهتها إلى كل من السيد إيمري و الصليب الأحمر الدولي تقول " يرجى أخذ العلم بأننا ملتزمون بالمبادئ التالية كأساس للمفاوضات اللاحقة والتي ستتم عبر الصليب الأحمر الدولي في جنيف بشأن تبادل الأسرى :

                1-استعداد الطرفين للقيام بعملية التبادل بين الأسرى الذين لدى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة – مقابل عدد يتفق عليه من المناضلين الأسرى المحتجزين في سجون الطرف الآخر ، و ذلك من خلال المفاوضات اللاحقة عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي في جنيف 0

                2-لا يجوز لأي من الطرفين أن يعترض ( يضع فيتو ) على أي اسم ( أي معتقل )يطلب إطلاق سراحه من أي من الطرفين عند التبادل النهائي ، و الجبهة الشعبية – القيادة العامة – من جانبها لا تقوم بالمطالبة بإطلاق سراح أي يهودي من سجون الطرف الآخر في هذا التبادل 0

                3-إعطاء الأسرى ،الذين سيطلق سراحهم في عملية التبادل موضوعالبحث ، و الذين يسكنون في الأرض المحتلة ، حرية الاختيار بين خروجهم من السجن إلى خارج الأرض المحتلة أو البقاء مع أسرهم في فلسطين بحدودها الطبيعية أيام الانتداب البريطاني ، مع تقديم الضمانات بعدم المس بهم أو اعتقالهم مجدداً أو ملاحقتهمبسبب التهم السابقة التي سجنوا بسببها 0

                4-عدم ربط عملية التبادل الحالية ( و المزمع إحياؤها بين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة – والطرف الآخر عبر الصليب الأحمر الدولي و الأطراف الدولية المشاركة الأخرى ) بأية عملية تبادل أخرى،جرت أو تجري قبلها ، أو ستجري بعدها أي طرف آخر ، و إن أي عملية تبادل أخرى مع أي طرف ، قبل أو بعد هذا التبادل ، يجب أن تكون بفاصل زمني لا يقل عن مدة شهر من تاريخ التبادل موضوع البحث 0

                5-تجري المباحثات التفصيلية مع الطرف الآخر من خلال الصليب الأحمر الدولي في جنيف بعد الاتفاق على المبادئ المبينة في هذه الوثيقة لتحديد ما يلي : -

                أ‌-العدد الذي سيشمله التبادل 0

                ب‌-مكان و زمان التبادل 0

                ت‌-الضمانات الضرورية لصحة و تمام الاتفاق بكافة التفاصيل المتفق عليها 0

                ث‌-أية تفاصيل أو إجراءات ضرورية أخرى 0

                التوقيع

                الأمين العام

                الآن نأتي إلى السجناء و تحديداً المفقودين ،بالنسبة إلى حازي شاي ، إنني أقترح أن يبدأ الصليب الأحمر بزيارة الطرفين بما فيهم الأسير الثالثو من جانبي قمت بإجراءمحادثات ، بالنسبة لمفقوديكم في لبنان ، لمعرفتي بأهميته ... حدّثت الجنرال عاموس يارونو قال لي إنه أجرى تحقيقاً ثانياً حول هذا الموضوع ، و قد أخبرني بأنه لم يستطع أن يعرف المزيد من التفاصيل ، و أخبرته كما أبلغتموني رسمياً أن مسألة المفقودين هذه قائمة على حس إنساني و موازيةلإطار المفاوضات في أهميتها ،فقد توصل يارون إلى اتفاق مع الكتائب بشكل مواز لمتابعة هذه المفاوضات و التي ستأخذ مجراها في جنيف ،و أكد أنه سيتفرغ لمتابعة التحقيق بهذا الشأن 0

                هذه هي الردود التي أعطاني إياها يارون ، و سأتحدث الآن عن انطباعاتي الشخصية التي سأكون مسؤولاً عنها مسؤولية كاملة... لقد حصلت على انطباع أن مفقوديكم أسرا من قبل الكتائب ، و كما نعلم بما يحدث في مثل هذه الحالات من القوى الفاشية ،فيبدو أنهم قتلوهما بعد أسرهما . و هذا ما يحول دون اعتراف الكتائب بقتلهما ،كونهما أعزلين ، لقد قتولهما في الوقت الذي كانا فيه مجردين من السلاح ، و يقول يارون ، الذي كان قائداً لبيروت ، إن كل جهة أصبحت خائفة ، فإذا تحدث الكتائبيون أو الإسرائيليون حول هذه المسألة فهم يعترفون بهذه الجريمة ... إنهم يخشون أن تأخذوا هذه النقطة و تستخدمونها إعلامياً ، و لكنني أعتقد أن هذه المسألة ستسير إلى الأمام إذا ما شعر الطرف الآخر بنوع من الثقة بشأن التعامل معكم ، و لكن يجب أن أؤكد هنا أن هذا الرأي هو تقديري الشخصي 0

                هذا الموضوع إنساني و مبدئي و ليس إعلامي في هذه الظروف ، و نحن نعلم أن هذه الحادثة ليست الأولى بالنسبة للكتائب أو الإسرائيليين فتاريخهم مليء ،المشكلة ، ماذا نقول لأسرهم ؟ إذا قلنا لهم أن أولادهم قتلوا فما إثباتنا على ذلك ، إننا نضع هذا الموضوعفي حيزه الإنساني ،لا بد أنكم قرأتم يا سيد إيمري أننا قبل أيام أخرجنا جثثاً من منطقة الدامور و الناعمة لرفاقنا ، آنذاك اقتنعت عائلاتهم بوفاتهم ، إنهم لم يقتلوا في معركة بل في الدامور بعد قتل الجنرال الإسرائيلي أدام في المنطقة 0

                أمامنا مشكلتان حقيقيتان ، الناحية الإنسانية و إقناع أسرهم ، إن أسرهم تسألنا يومياً عن المعلومات 0
                ----------------------------
                إن هذا الموضوع له علاقة بموضوع آخر .. موضوع حازي شاي و سيواجهنا في لقائنا مع الصليب الأحمر 0

                _ هل بالإمكان أن أزوره شخصياً و التأكد من صحته ؟ و كما تعرفون ، سيصادف الأحد القادم عيداً يهودياً هو عيد الفصح اليهوديو هذا يعتبر بالدين اليهودي عيد المعجزات حيث تتجمع الأسر مع بعضها البعض لذلك سيكون الآن علامة مشجعة وتعزز جهودي مستقبلاً 0

                _ أنت يا سيد إيمري صديق و عزيز، و لكن كما قلنا ، الموضوع معقد و نحن نقول رسمياً أنه بصحة جيدة ، و لكن كما قلت ، نحن الذين تقدمنا خطوات إلى الأمام ، أما الإسرائيليين فلم يتقدموا بشيء ، نحن مسلمون و نعرف معنى ذلك في كل الديانات . تخيل أننا نبحث و نبشر أسرة ما بأن ولدهم حي ، بينما لدينا عائلتان لا تعرفان مصير وليديهما و لا مكاندفنهما ، إننا على ثقة أن الطرف الآخر يستطيع التأكد مستعيناً بتحالفه مع الكتائب ، ليس من السهل أن يقنعونا أنهم لا يستطيعون تحقيق هذا الأمر لقد تمت عملية تنسيق واسعة في خطف مراد و رفيقه بين الجانبين و لم نصدر أي بيان رغم أن لدينا التفاصيل الدقيقة لهذا العملية ،نرجو في زيارتكم القادمة لنا أن تكون الأمور واضحة تماماً ، و حول المبادئ الأساسية نضع بين أيديكم صيغة مكتوبة ليصار الموافقة عليها من الطرف الآخر بشهادتكم ، و تحملون معكم في زيارتكم القادمة الموافقة ، بالإضافة إلى القرائن الثابتة لمقتل الرفيق التي سنقدمها لأسرهم ، عندها يستطيع السيد إيمري زيارة حازي شاي 0

                _ شكراً لك ، أعتقد أنها قاعدة مناسبة لمتابعة العمل ، لدي فقط ملاحظة : عندما أبلغت الطرف الآخر بما أبلغتموني عن مصير حازي شاي ، يساورني خوف أن الأمر سيصل إلى الإعلام أو الصحافة عن طريق أسرته 0

                هذا سنتفق عليه ، أي إعلان لذلك ينبغي أن لا نذيع شيئاً عن الاتفاق منعاً لحدوث عقبات 0

                أنا سأتخذ احتياطاً آخر إذا كان مقبولاً لديكم ، فسأوضح للطرف الآخر أنه لا يكون أي إعلان عن الجندي الثالث حتى تقديم المعلومات عن موت المفقودين 0

                _ لسنا متأكدين من أن رسائلنا السابقة إلى أسرانا قد وصلت 0

                _ لم أطلب زيارتهم هذه المرة لأني شعرت أن الطرف الآخر سيرفض ، على قاعدة أنه يجب أن أحضر رسائل من أسراهم إلى عائلاتهم 0

                _ إذا كنت متأكداً من وصلوها إلى أسرانا باليد ، سنكتب رسائل إلى حسين الخطيبومراد و رفيقه ...

                و هذه المرة ستصلهم الرسائل ، و أنا أعتقد حسب حالة المفاوضات أنها ستصلهم ،غداً سأغادر ، لذلك من الأفضل أن أحصل على الشروطو المبادئ العامة 0

                _ المبادئ العامة معدة ، ستأخذها معك ، مع ثلاث رسائل إلى أسرانا في عتليت ، وسنوجه هذه المبادئ إلى السيد إيمري ، باعتبارها المبادئ التي نقترحها للتفاوض عبر الصليب الأحمر في جنيف ، و على الطرف الآخر أن يوجه رسالة إلى السيد إيمري بأنه يوافق على هذه المبادئ التي سيتم التفاوض عليها في جنيف . و هنا لا نرى مانعاً أن تتم زيارة في الأسبوع القادم لأسرى الطرفين و بهذا نكون قد أشركنا الصليب الأحمر

                _ أقدر هذا الاقتراحو أقدر أن الإسرائيليين سيوافقون ،بالنسبة للصليب الأحمر أعتقد أنه يؤيد هذا الاقتراح و سأقدمه له رسمياً 0

                ·و بعد أيام أبلغت قيادة الجبهة موافقة الطرف الصهيوني على " المبادئ الأساسية " للمفاوضات و ترك موضوعات مكانو زمان عملية التبادل إلى جنيف حيث تتكفل لجنة الصليب الأحمر الدولية مواصلة جهود السيد إيمري على أساس جدول العمل الذي أعدته الجبهة 0

                ·أما موضوع العدد المطلوب تحريره من الأسرى فلم يبت به ، و ترك لمفاوضات جنيف ، فيما كانت قيادة الجبهة قد ركزت على ضرورة توثيق موافقة الطرف الآخر على جميع النقاط التي تم الاتفاق عليها منعاً لمناورة العدو وتراجعه 0

                و هكذا ، اتخذت قيادة الجبهة قراراً باستئناف اللقاء مع الصليب الأحمر في جنيفو وضعت وفدها في صورة الاتجاهات العامة للتحرك 0

                7ـ المفاوضات مع الصليب الأحمر ... مجدداً
                جنيف الحادي عشر من أيلول 1984

                بدأ هذا اليوم الاجتماع ا لمقرر بين وفد الجبهةالمكلف بالمفاوضات برئاسة الرفيق عمر الشهابي عضو المكتب السياسيو عضوية الرفيق تحسين حلبي ، و بين وفد الصليب الأحمر الدولي برئاسة السيد هو فليجر و عضوية السيد منجوني 0

                استهل رئيس وفد الصليب الأحمر الاجتماع بالتأكيد على أجواء الثقة في اجتماعات الجانبين ، لا سيما بعد موافقة الطرفين المعنيين على النقاط الأساسية للتفاوض ، و قد رد وفد الجبهة على هذا الاستهلال بالتأكيد على أهمية"توثيق ما جرى الاتفاق عليه .. أي توثيق المبادئ الأساسيةقبل الانتقال إلى ترتيب جدول الأعمال ، و ليس الشروع مباشرة في مناقشة نقاط جدول العمل حسب الترتيب الذي يريده الطرف الثاني في ضوء رسالته بهذا الشأن " 000

                و قال : " إن لنا اقتراحنا الخاص ،أيضاًبشأن ترتيب الجدول " و أضاف ... "إننا نقترح أن نبدأ أولاً ببحث الضمانات ،ثم مكان و زمان تبادل الأسرى ، ثم العدد ، ثم المواضيع الأخرى " 0

                وأوضح ( هوفليجر ) أن الصليب الأحمر يشدد على مسألة ( الضمانات ) وتنفيذها و قال ( ولي مطلق الحق , استناداً إلى تجربة التبادل لعام 1983 وما جرى فيها من سلبيات التأكيد على ضبط الضمانات التي تكفل التنفيذ الكامل ) .

                ومن جانبه حمل وفد الجبهة المفاوض الطرف الصهيوني مسؤولية التسويف وإضاعة الوقت , وجدد التمسك بالمطيب العادلةو الشروط التي تقدم بها .. وأوضح ممثل الصليب الأحمر بأن لديه أفكاراً حول الضمانات سيناقشها مع وفد الجبهة , ولكنه استدرك قائلاً : ( إن مناقشة الضمانات على ( العدد ) الذي ينبغي تحريره سيثير خلافات فالعدد هو الذي يحدد طبيعة الضمانات و تفاصيلها .. فالضمانات فيما لو كان العدد بالمئات تختلف عنها لو كان بالآلاف ..هذا هو رأيي و لكم الحق بقبوله أو رفضه ) . ورد وفد الجبهة على ذلك بأنه( بعد توثيق ما اتفق عليه يمكن الانتقال إلى جدول الأعمال , لننجز الآن التوثيق باعتباره قضية إجرائية .. ومطلب من الطرف الآخر التوقيع على البنود التي جرت الموافقة عليها , عن طريق رسالة صريحة من قبله موجهة للصليب الأحمر و سنقوم نحن بدورنا بذلك ) .

                وخلال الحوار جرى اعتماد نصوص موافقات العدو الواردة في رسائله التي يحمل وفد الصليب الأحمر نسخاً منها و تتضمن إقراره بـ :

                1-عدم الاعتراض على أي أسم تطلب الجبهة إطلاق سراحه .

                2-احترام مبدأ التخيير في بقاء المحرر مع أهله أو مغادرته إلى الخارج .

                3ـعدم أجراء أية عملية تبادل إلا قبل شهر من إجراء التبادل الراهن أو بعد شهر منه .

                ثم توجه الرفيق الشهابي بالسؤال لرئيس وفد الصليب الأحمر عن أفكاره بشأن الضمانات وأمن التنفيذ فقال السيدهو فليجر :

                _ لقد وضعنا نظاماً دقيقاً يقيد إلى حد كبير أية إمكانيات للخداع أو استخدام العنف ولكن انتم تعرفون انه لا يمكن تحقيق ضمانات بنسبة مائة بالمائة فقد يقوم طرف مثلاً بإطلاق رصاص على أية طائرة فتحصل المصيبة .. المهم , استناداً إلى تجربتنا السابقة فقد وضعنا الأفكار بحيث تردع وتماماً بهذا التعبير أية إمكانية لحدوث خرق .

                المبدأ الأول في أفكارنا هو :

                الحصول على كتاب رسمي بالالتزام بعدم خرق الاتفاق أو استخدام العنف و قد جاء ارتأينا أن يكون موقعاً من مستوى عال( رئيس أركان ـ أو وزير دفاع ) و الكلام بيننا فإننا نرى أن توقيع رئيس أركان بصفة قائد جيش أكثر ردعاً و ضمانة .

                و النقطة الثانية في الضمانات أيضاً :

                هي مسألة أمن الطائرات .

                _ بالضبط , فأنت تعرف أن رفاقنا أثناء نقلهم في تبادل 1979 كانوا قد تعرضوا لضرب و أذى كبير كنوع من الانتقام .

                _ مسألة أمن الطائرات أي حسن التنفيذ وضعنا لها حلولاً : انتم تعرفون أن العملية غير متوازنة أي بالعدد و لذلك فقد جهزنا أنفسنا لوضع مندوبي الصليب الأحمر و صحفيين أيضاً بين الأسرى أثناء نقلهم , حتى وصولهم إلى نقطة الأمان و بذلك سنمنع الطرف الأخر من التفكير بتفجير الطائرات بمن فيها من مندوبي الصليب والصحفيين .

                هاتان أهم مسألتين بما يتعلق بالضمانات .

                _ في الحقيقة لنا أفكار مشابهة خاصة حول الضمان المكتوب و الموقع و حول سير التنفيذ و إجراءاته العملية . وحين يأتي الأوان سنقدم خطتنا بهذا الشأن .

                _ أنتم تعرفون أن تجربة 1979 ناجحة و لكنها كانت بطائرة واحدة و الآن ربما اكثر من طائرة مما يستدعي الدقة و حسن التنفيذ ولاشك أن كل طرف يريد وصول أسراه أولاً قبل أسرى الطرف الآخر وهذه المسألة تدعو إلى أن تقدموا انتم اقتراحاتكم , والطرف الآخر يقدم اقتراحاته , ونحن ندرس اقتراحات الطرفين ونضع التصور للوصول للأفضل .. ونحن , كصليب متشددون في هذه المسألة خاصة بعد تجربة 1983 .

                الثاني عشر من أيلول ـ 1984

                كان السيد هوفيلجر قد أوضح في لقاء أمس انه سيعكف على صياغة و ثقتي التوثيق , قبل التوقيع عليهما .. وفي هذا الاجتماع قال الرفيق عمر الشهابي :

                _ بودنا أن نطلع على تفاصيل الضمانات التي تحدث عنها السيد هوفليجر على افتراض أن تكون جنيف مكاناً للتبادل .. وهذا يلزمأولاً , أن تقدم الحكومة السويسرية ضمان الأمن للعملية في أراضيها و أجوائها و فيما يتعلق بضمانات داخل السجون فنحن بصدد تسمية لجنة في كل سجن .. تجتمع بمن سيطلق سراحهم و تشف على تخييرهم و التأكد من أسمائهم , بالتنسيق مع الصليب الأحمر بهذا الشأن و أن تبقى مع الصليب الأحمر دون وجود الإسرائيليين .

                _ لدي ملاحظة حول هذه النقطة من الممكن أن يعرضنا هذا الأمر لهجوم من قبل الطرف الآخر فنحن في قوانينا يحق لنا زيارة السجين دون طرف ثالث ووجود هذا الطرف يثير الانتقاد . فالطرف الآخر يمكن أن يدعي بأن الجبهة لا تثق بالصليب الأحمر إذن .

                ـ واخذ هو فليجر يتعرض لحساسية هذا الموضوع بالنسبة للصليب الأحمر إذا ما رفض الطرف الآخر هذا الطلبولذلك يقترح هوفليجر أن لا توضع هذه النقطة كمطلب رسمي و سيقوم هو بتأمين الحصول عليها مع ضمان ممارسة اللجنة لعملها لان الصليب الأحمر معني بمهمتها تماماً كما جرى في التبادل السابقة فقال وفد الجبهة :

                _ إن للجنة مهمة أخرى أساسية أيضاً وهي التأكد من ثبوتية الأسماء فأنتم تعرفون أن السجناء يعرفون بعضهم اكثر من غيرهم فلضمان عدم التلاعب بالأسماء أو تغيير أو تحريف بالكنية من قبل الطرف الآخر نؤكد على دور اللجنة و ضرورتها .

                ـ وعرض وفد الجبهة بالتفصيل الإشكالية التي توفرها الأسماء العربية لمثل هذاالتلاعب ,و أعطى مثلا على ما حصل في تبادل 1983 حين خرج أربعة بدل أربعة بعد تحريف أسمائهم و أضاف قائلا :

                _ نحن لا نريد تكرار مثل هذا الأمر و طالما أن الجبهة لا تثق بالطرف الآخر بهذا الصدد فهذا الآمر يسهل مهمة الصليب الأحمر إننا نعرف و نتفهم طبيعة قوانين و لوائح الصليب الأحمر و لكن حين يتم اتفاق بين طرفين على مثل هذا المطلب يصبح ما اتفق عليه بمثابة قانون يشرف على تنفيذه الصليب الأحمر وهذا يبعد عنكم الإحراج أو أي اعتراض قانوني و الطرف الثاني لن يرفضه إذا وضع كمطلب أما لم يكن كذلك فهذا الأمر يعود إلى نصيحتكم فهل انتم واثقون من ضمانة و ضمان تنفيذه دون أن يثبت كالتزام ؟ أنا لا اعتقد ذلك .

                _ إننا خدعنا فعلاً في المرة السابقة و لا نريد أن نخدع ثانية و لقد كانت تلك الخديعة تجربة لنا فعلاً أنا اقترح أن تتركوا الأمر لي فأنا لن أؤكد أي اسم إلا من خلال اللجان هذا أيضاً مطلبي أنا.

                _ تخييرهم و التأكد من أسمائهم هذه مسألة تبقى بيننا و لكن هذا الشيء يجب أن يوافقوا عليه و على أن تعرض أمام السجين ورقة واضحة حول تحريره ليوقعها أمام الصليب و اللجنة كما حدث في المرة السابقة وأن تعود إلينا قبل مدة كافية من التبادل لا تقل عن أسبوع .

                _ هذا ما سيتم سواء طلبتم أو لم تطلبوا ذلك إنها إجراءات أساسية من اجل التأكد من الأسماء و التخيير و من ثم إرسالهالكم .

                _ إننا نريد تثبيت هذه النقطة .

                _ حسناً فالان لدينا أمران :

                1-استلام الصليب لرسائل التخيير منكم ليجري توقيعها من قبل المعتقلين .

                2-ما تودون أن تتضمن من الضمانات من نقاط أولية .

                نحن نتكلم الآن بشكل عام فعندما يجري الاتفاق على خطوطها العريضة سنعمل على صياغتها و بعد أن نصل في كل نقطة إلى اتفاق سنوثقهاهذا مبدأ عام في حوارنا معكم .

                _ حسناً ولكن لا أريد أن يشعر الطرف الأخر بان هذا الشرط , أو ذاك قد وضع على يدكم سوية مع الصليب الأحمر أنا لا أرغب أن يشعروا انهم أمام طرفين بصف واحد هذا ما قصدته .

                _ إذا قدمت لنا الضمانات منهم نقترح أن تضع لنا تصورك و خطتك بشأنها لنناقشها معك ونضع في داخلها أفكارناو خططنا .

                _ إنني اعتقد انه حين اطلب منهم جميع تفصيلات الضمانات فمن الممكن أن يعترضوا على هذه أو تلك من نقاط أو تفاصيل الضمانات وفي حال اعتراضهم سأستشهد بتجربة سابقة حدثت فيها خروقات و بهذا فلدي نقطة قوة .

                _ وليحذروا جيداً من أي تدخل أو عمل إرهابي سوف يكون دموياً و لن يضمنوا آنذاك عودة أسراهم أحياء فأي خداع لن يكون نزهة للتصفيق و أنا اعتقد أن حرص الصليب و تدقيقه يتوجب أن يتركز على الأسماء بمساعدة اللجان في السجنو هناك جوانب أمنية ضرورية هنا في جنيف سنناقشها .

                _ لدي الآن الجانب السياسي من الضمانات وهي الوثيقة الموقعة من المستوى العالي و ثانياً ضمانات سير العملية و تنفيذها على نحو أمني و مضمون .. يمكن أن تقولوا لي تصوركم للإجراء الفني و كيف يحصل ؟

                _ فيما يتعلق بهذا الجانب إننا نرى انه بعد الاتفاق على العدد سنقوم بتقديم الأسماء قبل المدة المتفق عليها بـ /20/ يوماً .

                _ عشرون يوماً , هل الحد الأقصى منذ يوم تسليم الأسماء ؟

                _ نعم في اليوم العشرين تجري عملية التبادل .

                _ اقترح أن لا تضعوها كحد أقصى بل كحد أدنى .

                وهنا أوضح الرفيق الشهابي المحاذير الأمنية لإطالة المدة وعرض تصوراً لسيناريو التبادل

                _ عندما تعرف الأسماء تبدأ عملية الابتزاز و غسل الأدمغة فهناك أشياء عديدة و خطرة نحن نعرفها وليس بوسعنا إعطاء الطرف الآخر وقتاً كافياً للقيام بمثل هذه الأعمال التي حصلت سابقاً .. فإذا نشط الصليب الأحمر وقلل من هذه المدة فهي خدمة لعمليةالتبادل . ما أعنيه هو انه خلال العشرين يوماً و مباشرة بعد أخذكم القائمة تبدءون بالإجراءات التالية :

                1-الفحص الطبي لكل سجين ويجب أن يصلنا تقرير قبل أسبوع من تاريخ التبادل على الأقل .

                2-بدء التخيير حتى نعلم من سيخرج و من سيبقى و أن تصلنا وثائق موقعة من الأسرى قبل أسبوع من الموعد المقترح لبدء التبادل , بالتنسيق مع اللجنة المعينة من قبلنا .

                3-يجري تجميعهم في مكان واحد قبل زمن من يوم التبادل الذي سيتم الاتفاق عليه تمهيداً لنقلهم إلى جنيف .

                4-نتفق على عملية مغادرة الطرفين في وقت متزامن .

                5-نتكفل تأمين إجراءات الصليب الأحمر الدولي في دمشق , كالاتصال مع الأسرى اليهود أو فتح خط دولي إلى جنيف للإشراف و التأكد من أية أمور أخرى و كذلك الضمانات من الحكومة السورية و بالتعاون معكم بما فيها أمن المطارو الانطلاق المتزامن

                6-يغادر مندوبون من الصليب الأحمر مع الأسرى الإسرائيليين كضمان لسلامة السفر فضلاً عن مرافقين من الجبهة .

                7-يغادر مع كل مجموعة من أسرانا مندوب من الصليب الأحمر أو أكثر حسب الحاجة لأسباب أمنية .

                8-ترتيب وقت الوصول حسب خطتكم و التي تتضمن تخصيص مكان محايد على أرض المطار يتجمع الأسرى فيهو تقومون كصليب أحمر بعملية التدقيق دون أي تدخل منا أو من الطرف الأخر .

                9-لايتم التبادل إلا إذا كان صحيحاً مائة بالمائة وليبلغ الطرف الآخر من قبلكم بأنه في حال حدوث أي خداع أو خطأ فلن يتم التبادل .

                10-أن يكون الطرف المحايد هو الصليب الأحمر + السلطة السويسرية المسؤولة عن الأمن و ضمان العملية و ما لديها من قوات أمن أو جيش .

                _ سأناقش ذلك مع الطرف الآخر و سأحيطكم علماً بما يتفق بشأنه .
                جنيف الثالث عشر من أيلول 1984 ( صباحاً )

                في هذا الاجتماع أوضح السيد هوفليجر أن الطرف الأخر وافق على الدخول في جدول الاجتماع وفق مقترحات وفدالجبهة , فأعلنوا موافقتهم على إعداد رسالة التعهد بعدم الخديعة كما وافقوا على مبدأ تسليم المعتقلين إلى الصليب الأحمر في المنطقة المحايدة ولكن على ثلاث مراحل الأولى يسلمون فيها الصليب الأحمر على أرض المطار ثلث عدد الأسرى بمقابل إطلاق سراح أسير واحد لهم .. وهكذا حتى تتم العملية .و أضاف السيد هوفليجر أن الطرف الآخر وافق على موضوع لجان الأسرى ولكنهم طالبوا مناقشة الـ (20 ) يوماً بين تثبيت العدد وإعلان الأسماء و التبادل في ضوء تحديد الزمن النهائي لعملية التبادل . وهم يفضلون _ بصدد موضوع الأسماء _ ربط الأسماء الذين تريدون إطلاق سراحهم مع كل رقم تطلبونه ( لأن ذلك سيفيد في مسألة موافقتهم على العدد )

                و هنا رد وفد الجبهة على ذلك بالقول :

                _ عندما نتفق على العدد بعدها نعطيهم الأسماء بفترة محدودة , هذا رأينا و لا نقاش فيه أبداً .

                شهابي : عندما طلبوا الأسماء قالوا أنهم يناقشونها ولكن تصورهم أنه عندما تقول لهم العدد و الأسماء فيمكن أن تسهل عملية الحوار حول العدد 0

                هوفليجر : باختصار و صلنا منهم شفهياً بأنهم لن يناقشوا الأسماء و لكن العدد الذي يوافقون عليه يعتمد على كم من أوراق ( أس ) ستشمل قائمتنا فليفهموا أننا نعتبر جميع المطلوبين أوراق ( أس ) أو أن جميعهم ليسوا ( أس ) بل مجرد أوراق عادية .

                أما وضع قائمة للأسماء قبل الموافقة على العدد فهذا ليس ممكناً وليس خاضعاً لأي نقاش و قد تعطلت المفاوضات لأجله مدة ستة أشهروتلقينا إجابة كانت واضحة , وفيما يبدو الآن يوجد ( ولكن ) . دعنا نكمل المفاوضات دون هذه ( المناورات ) و إلا فهناك مشاكل تعترضنا ويصبح الكلام لاغياً و بدون فائدة .

                أما حول الضمانات الأمنية فالوفود توقع عليها لامانع لدينا ولكن سوف يوقعها غيرهم أي رئيس الوزراء .

                _ لجنة السجن , وافقوا عليها أما مدة 20يوماً فهم يعتبرونها مرتبطة بالزمان و المكان .

                _ دعنا نحسم المسألة .. إننا نختصر القول و نقول : حين تنتهي المحادثات بعد ذلك بأسبوع أو 10ايام , نسلم القائمة أي تسلم القائمة قبل موعد التبادل بـ 20 يوماً , أي بعد شهر من إنجاز الاتفاق النهائي .

                أما قواهم أن المدة طويلة فنحن نقول بمجرد أن نتفق على العدد نحدد شهراً .و بالنسبة للمكان نحدد المكان بعد ثلاثة أيام من الاتفاق النهائي و ترتيبنا هو جنيف _ فينا _ القنيطرة .

                _ إن هذا التقسيم للمدة يعترضون عليه و يقولون هذه نقطة لاحقة .

                _ إنه اقتراح و لكن تقدير شهر بعد الاتفاق النهائي نعتبره مدة كافية .. هذا مجرد اقتراح و بعد الاتفاق على العدد مباشرة تحل هذه النقطة تفصيلياً .

                ·ثم جرى حوار حول مكان التبادل و مواصفات و ظروف كل من المكنة المطروحة و ضمانات أمن الطائرات .

                ·وفي الاجتماع الثاني ( بنفس اليوم ظهراً ) أبلغ السيد هوفليجر وفد الجبهة أن وفد الطرف الآخر يطلب وقتاً للاتصال بحكومته الجديدة التي تشكلت مؤخراً لأخذ التعليمات .
                الرابع عشر من أيلول 1984 ـ جنيف :

                استأنف وفد الجبهة برئاسة الرفيق الشهابي و الصليب الأحمر برئاسة السيد هوفليجر في الاجتماع الذي عقد اليوم مناقشة القضايا المطروحةفبدأ هوفليجر بإيضاح أن الطرف الصهيوني أصر على تقديم أسماء المطلوب تحريرهم و إزاء إصرار وفد الجبهة على تحديد العدد قبل تعيين الأسماء وافق الطرف الآخر على ذلك و أوضح ممثل الصليب الأحمر أنهم وافقوا على مبدأ التوثيق و توقيع التعهد من جهة عليا .

                ثم تقدم وفد الجبهة بطلب إطلاق سراح ( 1187 ) معتقلا من الداخل , وهو مطلب قديم كان جزءاً من اتفاق عام 1983 الذي تم فيه إطلاق سراح ( 63 ) معتقلاً بدلاً من ( 1250 ) و كذلك إطلاق سراح ( 128 ) معتقلا كانوا قد نقلوا من معتقل أنصار عشية الاتفاق على التبادل مع قيادة عرفات , منهم كل من مراد و خروبي , ومقاتلي الجبهة اللذين أخفيا في لبنان , فيصبح المجموع ( 1315 ) أسير و جدد وفد الجبهة المطالبة بإغلاق معتقل أنصار و إطلاق سراح جميع معتقليه استناداً إلى اتفاق 1983 . وهنا كشف هوفليجر أن الاتفاق الذي تم مع عرفات في عملية تبادل 1983 لم يتضمن شرط إغلاق معتقل أنصار ..رغم أن الأمر طرح في أحد مراحل الاتصالات وحصل اتفاق بشأنهولكن لم يثبت رسمياً , فيما رد وفد الجبهة تمسكه بطلب فتح جامعة بيرزيت باعتبار ذلك حقاً من حقوق الشعب الفلسطيني في الداخل

                وعقب السيد رئيس وفد الصليب الأحمر على مطالبة الجبهة قائلاً :

                " هوفليجر هل بوسعي أن أقدم ردي الشخصي على المطالب ؟

                شهابي هذا مفتوح .

                _ أعتقد انهم سيفاجئون كثيراً , وعلى أية حال , سأبلغهم بمطالبكم كاملة وهنا أود نقل طلب الطرف الآخر بعدم إبلاغ الإعلام و الصحافة بالمفاوضات الجارية .

                _ نحن موافقون على هذا منذ البداية هل الطرف الآخر ملتزم به ؟

                _ لقد طلبت من الطرفين ذلك وقالوا انهم ملتزمون .

                _ هناك مسألة نود تجديد التأكيد عيها هي أن لا يجري الطرف الآخر أي تبادل مع جهات أخرى أي عدم ربط عملية التبادل الجارية مع أية عملية ثانية .

                _ إنني سألتقي , الآن , الطرف الآخر و أعرض عليه طلباتكم وننتظر ردود الفعل .. هناك إمكانيتان أمامهم , أما أن يؤجلوا إعطاء أي رد فعل و يأخذوا ساعة أو ساعتين للاستشارة ويبلغونا بردهم , وأما أن يردوا مباشرة على أية حال إذا ردوا أو أخذوا بعض الوقت نحن بانتظارهم و أنا أعتقد أنهم سيطلبون التشاور مع الجهات الرسمية . بالطبع سنبلغكم بإجاباتهم .

                _ إن مطالبنا متوازنة و عادلة تماماً .

                ·في اليوم الثاني , الخامس عشر من أيلول اتصل ممثل الصليب الأحمر بوفد الجبهة مؤكداً أنه قام بإبلاغ الطرف الإسرائيلي مطالب الوفد حول العدد و شروط التبادل و أنهم وعدوا بالاتصالات مع رؤسائهم للتشاور , وسيقومون بإبلاغ الصليب الأحمر نتائج تلك الاتصالات التي لن تتجاوز يوم غد .

                السادس عشر من أيلول ـ جنيف :

                في جلسة صباح هذا اليوم أعلن ممثل الصليب الأحمر أن الطرف الثاني وافق على إطلاق سراح ( 3 ) فقط من سجناء الداخل إضافة إلى الـ( 119 ) من سجناء ( عتليت ) باستثناء كل من مراد وخروبي , وقال : هذا هو مضمون ردهمولكنهم أكدوا أنهم على استعداد للسير قدماً في زيادة هذا الرقم إذا ما قدم وفد الجبهة قائمة الأسماء المطلوب إطلاق سراحهم قبل مناقشة العدد المطلوب ..

                أما وفد الجبهة فقد أصر على شرط الاتفاق المسبق على العدد قبل الشروع بتقديمالأسماء , و أوضح أن الوفد الصهيوني يناور و يتشبث على قائمة الأسماء لكي يتحكم هو بمن يتم إطلاق سراحه , وليكون صورة عن الطريقة التي نفكر بها يشأن المعتقلين , فضلاً عن محاولته استخدام القائمة لتنظيم حملات نفسية ضد أسرانا , وهي مسألة أوضحناها مراراً و كررنا رفضها مراراً , ونؤكد الآن موقفنا مجدداً بضرورة موافقة الطرف الآخر الواضحة و غير المشروطة على إطلاق سراح( 1187 ) أسيراً مقابل موافقتنا على إطلاق سراح أسراه , كمدخل لتزويده بقائمة الأسماء .. وأوضح الوفد قناعته بأن الطرف الصهيوني ليس جاداً في التوصل إلى اتفاق عملي حول التبادل . وهذا ما يستدل عليه من العرض الذي تقدم به .

                ·وقبل أن ينتهي هذا الاجتماع طرح هو فليجر ملاحظة على سؤال , ما إذا كان وفد الجبهة يحمل تصوراً دقيقاً و موثقاًعن الأسرى الفلسطينيين لدى الصهاينة و العدد الإجمالي للمحكومين بفترات طويلة .

                فرد وفد الجبهة على ذلك بالإيجاب :

                ·انتهى الاجتماع دون نقاشات مطولة ، فقد بدا واضحاً أن وفد العدو يستهدف وضع وفد الجبهة أمام جدار من المستحيل أملاً في إضعاف موقفه و شروطه ،و الإيحاء بعدم التراجع قبل أن يتراجع الوفد عن بعض شروط

                ·و في الساعة السادسة مساءً نقل السيد هو فليجر لوفد الجبهة " أن الطرف الآخر تقدم خطوة تعتبر أساساً مقبولاً للحل ، بأن وافق على إطلاق سراح ( 30 ) معتقلاً من الداخل بدلاً من (3) و (119) من عتليت .." و أضاف " .. أن المطلوب منكم أن تستغلوا تحرك الطرف الآخر من ( 3 ) إلى (30 ).. كما أنهم يكررون طلبهم بالحصول على الأسماء مسبقاً ، و عرضهم هذا ليس الأخيروتتوقف النتائج على مدى تجاوبكم و تراجعكم " .

                و أجاب وفد الجبهة بأنه متمسك بمطاليبه ، و جدد شروطه :

                1-لا تسليم لقائمة الأسماء قبل موافقتهم النهائية ، و غير المشروطة ،على العدد .

                2-إطلاق سراح جميع الـ 119 الذين نقلوا من أنصار إلى عتليت 0

                3-1187 من سجون الداخل 0

                وفيهذا اللقاء كان واضحاً أن الوفد الصهيوني المفاوض يخطط لإطالة أمد المفاوضات لأقصى حد ممكن ،و لإنهاك وفد الجبهةو استدراجه للتراجع 0

                السابع عشر من أيلول – 1984 – جنيف

                في الساعة العاشرة و النصف صباحاً بدأت المفاوضات ، و لم يستغرق طويلاً حيث بدأها ممثل الصليب الأحمر بقوله :

                -نقلنا موقفكم للطرف الثاني .. صمتوا بعض الوقت ثم قالوا ما يلي :

                إن تحركنا بالموافقة من ( 3 ) معتقلين في الداخل إلى (30) هو برأينا خطوة هامة إلى الأمام ، وأننا سرنا كثيراً و على الطرف الفلسطيني أن يتقدم باتجاهنا .. نريده أن يجسد ذلك بالأرقام إذا كان المطلوب أن نقدم المزيد 0

                _ إننا نريد مواصلة المفاوضات ،إذ تتضح و تتكون لدينا ، يوماً بعد آخر ، القناعة بأن الطرف الثاني ليس جاداً في مفاوضاته ،و هدفه منها هو جمع معلومات عن أفكارناو تصوراتنا و طريقة إدارتنا للمفاوضات .. و هو ما نرفضه ونرفض الخوض فيه 0

                و من جانبه أكد رئيس وفد الصليب الأحمر أنه سيواصل الجهود بحثاً عن نقاط مشتركة 000
                التاسع عشر من أيلول – 1984 – جنيف :

                استهل ممثل الصليب الأحمر الاجتماع بالقول .

                _ أصارحكم ،أن للطرف الآخر شعور بأنكم ما زلتم في نفس المكان ..و يذهبون إلى تقدير أنها ليست مفاوضات حقيقية . سيما و أنهم تحركوا عدة مرات .. و يعتقدون أن الوقت طال ، إنهم يريدون الاستمرار بالمفاوضات في جنيف و لكن يرون أنهم بحاجة لعدة أيام للتفكير و الاتصال .

                الفصل الخامس كيف تمت عملية لتبادل على الأرض

                الفصل الثاني
                آلية التبادل على الأرض

                (( عملية الجليل )) .. الاسم والقيادة

                بعد إغلاق أخر منفذ أمام مناورات العدو عقد الأمين العام اجتماعاً تقويمياً للمكتب السياسي للجبهة , ركز فيه على تجربة المفاوضات وتطوراتها وخلص إلى تسجيل الرضى عن النتائج التي تحققت باجبار العدو الصهيوني على التسليم بتحرير هذا العدد من الأسرى كما وضع تصوراً للشرط اللاحق بوصفه من أهم وأخطر حلقات عملية التبادل .
                وفي هذا الاجتماع أطلق اسم (( عملية الجليل )) على عملية تحرير الأسرى الفدائيين في السجون الإسرائيلية ,وكلف الرفيق عمر الشهابي عضو المكتب السياسي بقيادة ا لعملية في مطار جنيف. ومن اجل ضبط آلية التبادل , وتأمين المتابعة الميدانية لمراحلها تقرر أن يتولى الرفيق أحمد جبريل الأمين العام للجبهة الإشراف على كافة شؤون العملية من طرابلس بالجماهيرية الليبية , ويكون على رأس مستقبلي المحررين الذين ينقلون من جنيف ويقوم الرفيق طلال ناجي الأمين العام المساعد , من دمشق , بالإشراف على آلية تنفيذ التبادل في القنيطرة وعلى رأس مستقبلي المحررين . ويتولى الرفيق عمر الشهابي عضو المكتب السياسي الإشراف على خطوات التبادل الميداني في جميع مواقع التبادل في جنيف و القنيطرة و القدس و غزة ويقلع في الطائرة التي سيرافقه فيها الأسيران حازي شاي ويوسف غروف ويكون معه الرفيق تحسين حلبي لمساعدته في ا لاجراءات المرتبطة بمهمة الصليب الاحمر على ارض مطار جنيف. و يقوم الرفيق فضل شرورو عضو المكتب السياسي بمسؤولية إحدى طائرات الأسرى ( جليل 3 )التي سيكون على متنها الأسير الثالث نيسيم شاليم. , وكلف الرفيق أبو نضال بمسؤولية الطائرة الأخرى ( جليل 2 ) و الرفيق أبو محمد حافظ بمسؤولية الطائرة الثالثة ( جليل 1 ). ومن اجل احتواء محاولات العدو لإفشال العملية وتأمين السلامة الأمنية لها وضعت قيادة الجبهة خطة أمنية تفصيلية تقوم على معالجة المفاجآت والطوارئ وما يتعلق بسلامة الأسرى وضمان التنفيذ المرسوم , والتصرف الآني إزاء احتمال لجوء العدو إلى الخداع أو التأثير في النتائج , وكلف الرفيق ( أبو علي الدعبول ) بمسؤولية الإشراف على هذه الخطة التي وضعت على أساس من الوضوح وتقديرات الطوارئ وكلف ناصر حيفاوي بمساعدته.
                وعلى هامش هذه الخطة شكلت مجموعة أمنية ترافق الطائرات وتتوزع على مفاصلها ومراحلها مع تعليمات محددة بالتصرف المطلوب عند الحاجة .. وكان لهذه الخطة و المجموعة الأمنية تأثير إيجابي في نجاح عملية التبادل في جنيف ووصول المحررين إلى طرابلس .
                وقبل تنفيذ عملية التبادل كان الوفد المفاوض قد استعرض مع ممثلي الصليب الأحمر جميع المستلزمات الأمنية التفصيلية في مطار جنيف , وبخاصة في الجانب الذي يتعلق بالتعامل مع الطائرات التي تقل المحررين من المطار في طريق العودة . فقد اتفق أن يكون عمال خدمة الوقود من موظفي الصليب الأحمر و أن يجري تأمين ثلاثة صهاريج للوقود من جهات مختلفة , مع تخطي الشركة المعنية المكلفة بالخدمة آنذاك .. ثم يقوم ممثل الجبهة باختيار أحد تلك الصهاريج لتعبئة الطائرات , منعاً لاستخدام الوقود أو عمليات التعبئة من قبل العدو أو عملائه في ضرب العملية وإفشالها .

                آلية التبادل ..
                دمشق ..
                الاثنين 20/5/1985
                الساعة الآن هي السادسة صباحاً في دمشق .. واليوم هو يوم عملية الجليل ..هاهي الدقائق الحرجة .. بل أحرج دقائق العملية , وأكثرها دقة .
                إنها ساعة مفتوحة على احتمالات لاحصر لها , يمكن أن تنتهي إلى مجزرة أو انتكاسة مثلما يمكن أن تنتهي إلى انتصار .
                وقبل ذلك الصباح كانت الساعات الثمانية و الأربعين الماضية قد تواصلت متوترة , مشدودة إلى تلك الساعات المثيرة القادمة فمناضلو الجبهة : الأمين العام و القيادة و المفاوضون وفريق العمل و التدقيق و الحماية أخذوا عهداً على النفس أن يسدوا منافذ المناورة على العدو . وحين كان العدو يقف من الطرف الآخر متربصاً متحينا ً الفرصة للإفلات من خيار الاستسلام لشروط الجبهة كان فريق التدقيق المكون من 15 رفيقاً في سباق مع الساعات القليلة المتبيقة للعملية ..لقد تعود الجميع على السهر واستغنوا عن النوم وهم منكبون على طاولات تضم قوائم بالعربية والإنكليزية , واستمارات وتفاصيل مكدسة عن الأسرى الفلسطينيين .. كانت الأيدي والأعين تتابع الأسماء و المعلومات بانفعال ممتزج بالاعتزاز , وكان هناك قلق لا يبوح بنفسه , وهاجس بالترقب وتحدي الزمن .. أنه التدقيق النهائي للمعطيات بكل ما يعنيه ذلك من جاهزية فريدة لليقظة إزاء أي خطأ وغفلة , وحتى إزاء كل حرف من كل اسم .. فالعدو لا يرحم و لا يؤمن جانبه ولا يصحح الأخطاء التي قد تقع , بل يتسلل منها إلى ما هو ابعد .. وربما إلى اغتيال لحظة الانتصار الفلسطيني نفسها.
                وكان فريق العمل يعي مهمته و قيمتها و دلالات إنجازه لها .. وهذا ما كان يشكل مصدر حماسته للعمل , وهو حين يبدأ بتطبيق استمارات التخيير التي وقعها الأسرى الفلسطينيين مع تلك المدونة في القوائم التي رفعتها الجبهة , يشعر أنه يقطف ثمار الجهد المضني للرفيق الأمين العام والمكتب السياسي وللرفاق المفاوضين وكل من كلف بمهمة لانجاز هذه العملية العظيمة ويعيش ساعات من سعادة المناضل و هو يتلمس جدوى النضال وأرقى ثماره التي لا تقدر بثمن .
                إن التدقيق في صيغة الاستمارة يثير تداعيات كثيرة لدى أؤلئك الذين يتولون هذه المهمة , فقد أرغم العدو على تلاوة نص الصيغة الذي وضعته قيادة الجبهة علناً في جميع السجون , وعززت من خلاله ثقة الأسرى و أبناء شعبنا في الداخل بانتصار قضية الثورة وانه بالإمكان إجبار العدو على التراجع وتحرير المئات من الفدائيين من الفلسطينيين و العرب و أصدقائهم
                لقد قطعت تلك الاستمارات آلاف الأميال من دمشق إلى جنيف إلى تل أبيب و بالعكس وهي تحمل عنوان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة وقد استلمها كل محرر واطلع عليها ووقع عليها .وكان الشعور لايوصف حين كان الأسير يقرأ:
                (( اشهد أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر ولجنة المناضلين السجناء المعينة من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة قد أحاطتني علماً بالخيارات المقدمة لي في عملية تبادل الأسرى بين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة و بين الطرف الآخر عبر الصليب الأحمر الدولي وأني اختار بإرادتي :


                1- أن يطلق سراحي و أن أبقى في الداخل .
                2- أن يطلق سراحي وان أغادر ..
                3- إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة غير مسؤولة عما يترتب على اختياري بالبقاء في بيتي و بين أهلي في الداخل بل هي قامت بواجبها و حررتني من الأسر وبعد تفكير أوقع على هذا القرار مع علمي بأن سلطات الطرف الآخر تعهدت خطياً للجنة الدولية للصليب الأحمر بعدم اعتقالي ثانية بنفس التهم السابقة .
                4- اختار أن يطلق سراحي : عبر جنيف أو/ داخل الأرض المحتلة ) .
                وفي ذلك اليوم كانت هناك لجنة للمتابعة الميدانية من الصليب الأحمر وقيادة الجبهة ,. تتكفل عبر أجهزة الهاتف وطرق الاتصال المختلفة , معالجة جميع مستلزمات تنفيذ العملية , بمافيها تامين وصول الطائرات الثلاثة التي يفترض أن تقلع من مطار دمشق , صباح هذا اليوم وعلى متن كل واحدة أحد الأسرى الصهاينة مع الوفد المفاوض, و مقاتلي الجبهة وممثلين من فصائل الثورة الفلسطينية .
                ومن جهته كان السيد إيمري المفاوض النمساوي , يقيم في منزل سفير بلاده في دمشق و يتابع معه الاستعدادات و الضمانات لانجاح عملية التبادل وبخاصة موضوع الطائرات التي بدا أن وصولها في الوقت المحدد تحيطه الشكوك و الصعوبات .
                كانت قيادة الجبهة قد حجزت , قبل أيام ثلاث طائرات , واحدة ليبية و اثنتان بلغاريتان , على أن تصل في منتصف ليلة التبادل , غير انه في الساعة العاشرة مساء أعلن المسؤولون البلغار بأن الأتراك منعوا طائراتهم من استخدام الأجواء التركية وصولا إلى دمشق , مما يحول دون وصولهما في الوقت المحدد , الأمر الذي سجلته قيادة الجبهة ضمن محاولات عرقلة التبادل أو نسفها , أو إيجاد خلل في الآلية المتفق عليها بما يسمح للمناورة .
                مع تواصل مناشدة البلغار بضرورة تكرار الطلب على الحكومة التركية للسماح للطائرات بالمرور إلى سوريا , وتأكيد صوفيا , فيما بعد , أنها أخفقت في إقناع أنقرة بذلك , جرى التحول بالتفكير إلى ضرورة الحصول على طائرتين بديلتين بسرعة , وفي هذه اللحظة تكثفت الاتصالات والمحاولات بكل ما كانت تسمح به الساعات القليلة المتبقية . رن جرس الهاتف في منزل السفير النمساوي غروبماير بدمشق لتعلن له الجبهة بانها بحاجة الى تأمين طائرتين نمساويتين عاجلتين من أجل ترتيب اجراءات التبادل, فوعد بانه سيتصل بحكومته لبحث الطلب , بعد أن عبر عن انزعاجه و حيرته هو والسيد إيمري إزاء العراقيل الناشئة في الساعات الأخيرة .
                في غضون ذلك تشكل في مقر الجبهة فريق عمل من الوسيط إيمري و السفير النمساوي ومدير شركة الطيران النمساوية في دمشق لمتابعة الموضوع , وبعد ساعة أبلغت قيادة الجبهة أن هناك طائرة نمساوية من نوع ( دي سي 9 ) جاهزة وهي في طريقها إلى دمشق , وتجري محاولات جادة لتأمين الثانية , فيما اتصلت طرابلس لتعلن أن طائرتين ليبيتين بدلا من واحدة انطلقتا في طريقهما إلى العاصمة السورية لتوضعا تحت تصرف عملية التبادل .
                وهكذا بعد ساعات من القلق و المحاولات الشاقة , جرى تأمين الطائرات المطلوبة في نفس الوقت الذي كان فيه السيد إيمري يتابع الاتصال مع فينا للحصول على طائرة رابعة .
                الساعة الخامسة صباحاً جميع المستلزمات أصبحت معدة بانتظار التنفيذ .
                عملية الجليل تخرج الآن من بين الملفات و المحاضر و التمنيات إلى حيز التنفيذ .
                _ هاهي الطائرات الثلاث .. وها هم أسرى العدو , بدون قيود , ولا زجر أو شتائم , خلافاً لما يحصل للأسرى الفلسطينيين في نفس الساعة بمكان آخر . وهاهو الجمع الغفير من شهود وحماة ومدافعين عن الخطوة الحاسمة , يتأهب , ويتابع كل لحظة.
                و في جنيف يزداد الترقب و اليقظة و استبعاد أي اطمئنان للعدو , وحضور دقيق لأي احتمال منه..
                _ إلى المطار أيها الرفاق .
                فريق الحماية يقود الأسرى الثلاثة .
                و الوفد المفاوض من قيادة الجبهة وممثلوا الصليب الأحمر و السفارة النمساوية , وممثلوا الفصائل الوطنية الفلسطينية و العربية , في طريقهم إلى الطائرات .
                المرافقون .. الصحفيون .. الملاحون .
                مؤتمر صحفي للمكلف بقيادة العملية :
                و في مطار دمشق قبل أن تدور عجلات الطائرات , عقد الرفيق عمر الشهابي عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية _ القيادة العامة رئيس وفد الجبهة المفاوض و المكلف بقيادة (( عملية الجليل )) لتبادل الأسرى مؤتمراً صحفياً .. بحضور الرفيق طلال ناجي الأمين العام المساعد للجبهة وفضل شرورو عضو المكتب السياسي , وممثلي فصائل الثورة الفلسطينية و مندوبي الصحف و الوكالات العربية و العالمية .. وجاء في البيان الصحفي الذي وزع على الحضور ما يلي :
                ( نحن اليوم أمام حدث في غاية الأهمية في تاريخ الشعب العربي الفلسطيني الصامد و المناضل و المكافح حدث سيترك بصماته بعمق ووضوح في مجرى النضال الوطني الفلسطيني وحافز لثورة فلسطينية أصيلة و عملاقة , تعبر عن أماني و تطلعات شعب عظيم تمرس بالنضال , وتجذر صموداً في الأرض المحتلة و خارجها , انه حدث يعبر عن كل ما هو مشرق في نضال شعبنا منذ بدايات هذا القرن عن كل ما هو مشرق في نضالات الثورة الفلسطينية المعاصرة ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي و الوحيد لشعبنا و المعبر عن طموحاته و إرادته الوطنية , والمعادية للإمبريالية و الصهيونية , المتمسكة بخطها الوطني غير المساوم و لا المفرط , لا كما أراد لها المساومون و المفرطون .
                فبعد مفاوضات دامت اكثر من عامين مع الصليب الأحمر الدولي , مفاوضات كان طابعها من جانب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة _ الإصرار و الصمود و المبدئية وكان طابعها من الطرف الصهيوني المراوغة و المماطلة والتسويف و الخداع ومحاولات الابتزاز أعلن من دمشق و باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة و قيادتها بدء (( عملية الجليل )) البطولية لتحرير 1150 أسيراً مناضلاً محرراً من سجون الاحتلال الصهيوني , حيث أرغم العدو الصهيوني في النهاية للرضوخ لمطالبنا العادلة والتي كانت موضوع إصرارنا منذ البداية 0
                إن عملية الجليل البطولية هي امتداد لعملية النورس البطولية وهي تأكيد و امتداد لتقاليد نضالية اختطتها الجبهة الشعبية القيادة العامة وأكدتها خلال نضالها الطويل وعلى امتداد عشرين عاماً من نضالها المسلح , لقد جاءت هذه العملية البطولية و النوعية في وقت تحتفل الجبهة الشعبية _ القيادة العامة _ بذكرى انطلاقتها العشرين , لتكرس و تؤكد خط الجبهة الوطني وتقاليدها وممارساتها النضالية , وجاءت لتصلح الخلل الذي وقع في التبادل السابق ( تبادل عرفات نهاية عام 1983 ) .
                _ فسيحرر في عملية الجليل 121 معتقلاً من سجن عتليت , هؤلاء كانوا في عداد معتقل أنصار عندما أجرى عرفات تبادله وكان من المفترض أن يكونوا أحراراً عبر ذلك التبادل منذ ما يزيد عن السنة ونصف لكن الصهيونيين اختطفوهم في الطريق و استبقوهم ليساوموا الجبهة عليهم , لكنها مساومة فاشلة وعرفات لم يهتم بهم , ولم يذكرهم .
                _ المناضل زياد أبو عين الذي سلمته الولايات المتحدة للسلطات الصهيونية رغم احتجاجات واستنكار العالم وهيئاته الدولية , أعيد إلى سجنه بعد وصوله المطار ومعه 36 آخرين , حين لم يجد العدو من يسأل منهم . زياد أبو عين و المناضلون الآخرون سيكونون أحراراً منذ اليوم ومنهم المناضل الياباني كوزو اوكوموتو .
                _ لقد كان تحرير المعتقلين أخر اهتمامات عرفات ومعه نهج اليمين , لقد كان همهم تبادلهم هو الكسب الإعلامي الرخيص , على حساب قضايا الوطن و الثورة و التساهل بها ومع أن لجنة مشتركة في ذلك الوقت شكلت لإنجاز تبادل مشرف كنا في عدادها وتحاورت مع الصليب الأحمر ضمن مبادئ وشروط مشرفة , إلا أن العدو ماطل و حاول الابتزاز كعادته عندما رفضت اللجنة بلإجماع بوجودنا ورجال عرفات منها , الانصياع أو سماع الابتزاز الصهيوني , وأوقفت البحث مع الصليب الأحمر لكن فوجئنا كجبهة وبعد أيام عودة هؤلاء يتفاوضون على أسس رفضت قبل أيام وفوجئنا كما فوجئتم وكما فوجئ كل الشرفاء من شعبنا أنهم قبلوا هذه الشروط , وبمبدئية وتنظيم مختلف , بفهم وبعد وطني وأنساني افتقده المساومون في تبادلهم الهزيل . إن الجليل وأن لم تكن العملية الأولى فإنها اكبر عملية تبادل في تاريخ الصراع العربي _ الصهيوني أولاً , ولأنها بما تمثله من عمق وطني يعكس واقع الصراع الراهن والمحتدم بين الخط المساوم و المفرط الذي يمثله عرفات ونهجه و أعوانه والسائرون في ركابه , وبين حالة النهوض الوطني , المنبعثة الآن تصنع الحقائق على الأرض في لبنان و الأرض المحتلة وتضع العدو في مأزق استراتيجي خانق .
                بل وقبلوا الخداع الصهيوني وسكتوا عليه صاغرين .
                إن عملية الجليل البطولية والنوعية , وإن تأخرت , فلقد كانت بذهنية مختلفة بين ما يمثله المنهزمون والصغار بوجوههم الصفراء وصحفهم الصفراء وتهالكهم على الموائد , وهم المرفوضون المنبوذون , وإن قبلوا الشروط الأمريكية _ الصهيونية أو استعدوا لقبولها , وبين ما تمثله الجليل من أصالة وشموخ وتوق إلى عنان الوطن الصامد الجريح , سواء هؤلاء الذين ظلوا في الأرض المحتلة من المحررين لينضموا إلى أهلهم وأخوتهم ورفاقهم هناك , يدعمن صمودهم ويكبرون بوطنهم ويكبر الوطن بهم , أو هؤلاء الذين خرجوا .
                _ إن عملية الجليل بما تمثل من بعد سياسي وعمق وطني وصمود هي امتداد و انعكاس لنهج جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطينية , وما تمثل الآن كعملية ثورية وموقف وطني يتجذر على أرض الصراع ليعيد للثورة وجهها الوطني و بعدها القومي ويعزز انتصاراتها على المستوى العربي والدولي ويؤكد صلابة وصحة خطها الوطني .
                _ إنها انعكاس وطني وقومي , لكل إطار نضالي ثوري قومي يلتزم بقضايا الأمة العربية ووحدتها وتحررها وعلى رأسها القضية المركزية للامة العربية _ فلسطين _ إنها الدعم الحقيقي و النضالي للقيادة القومية للقوات الثورية العربية إننا نحيي من هنا الصمود العربي السوري الذي افشل اتفاق 17 أيار , ونحيي صمود الجماهيرية الليبية والتحالف الوطني النضالي الفلسطيني _ اللبناني _ السوري , هذه القوة الوطنية و القومية التي ترسم اليوم وعلى ارض الصراع ومن خلال صورة جديدة أصلية ومشرفة لمستقبل الأمة العربية ومستقبل جماهيرها .
                إن عملية الجليل البطولية هي إعلان لكل العالم من هذا المكان , من القطر العربي السوري الصامد , من القنيطرة المحررة التي سيكون أبطال معتقلي أنصار أحراراً فيها اليوم .. أنها إعلان يسمعه العالم , يعلن بالملموس وبوضوح كالشمس , فشل ما اسمي ( عملية سلامة الجليل ) الصهيونية , وهزيمة القوى المعادية مجتمعة , بفضل التحالف الوطني اللبناني _ الفلسطيني مدعوماً بالموقف السوري الثابت و المبدئي وقيادة سوريا الشجاعة , والموقف العربي و القومي للجماهيرية الليبية .
                إذا كانت عملية الجليل الحدث الأبرز من نوعه وحدثاً انتظره , بأمل , أؤلئك الذين يعانون في سجون الاحتلال , فقد استغرقت جهداً غير عادي من جانبنا حتى أمكن التوصل إلى نتائج غير عادية فلا يعلم الكثيرون ربما أن المباحثات من جانبنا مع الصليب الأحمر الدولي و الطرف النمساوي وخلال السنتين و النصف التي استغرقتها , بلغت ما يزيد عن 400 ساعة مفاوضات وحوار ودخول بالتفاصيل , واقتضى إنجاز هذا الجهد حتى يصبح حقيقة , اكثر من 900 ساعة عمل لتحضير القوائم و الأسماء و الأحكام ودراستها .
                ولقد قدمنا مبادئ أساسية أرغم العدو على الموافقة عليها في النهاية , اذكر أهم مبدئين فيها :
                1- لا يعترض العدو ( لا يضع فيتو ) على أي اسم أو شخص بعينه من الأسرى المعتقلين , تطلب الجبهة إطلاق سراحه .
                2- للمعتقل الحق أن يختار بأن يطلق سراحه ويخرج خارج الأرض المحتلة , أو يبقى بين أهله وعائلته وفي بيته وعلى أرضه والسلطات الصهيونية تلتزم أن لا تعيد اعتقاله بنفس التهم السابقة لإطلاق سراحه .
                وقد قدمت السلطات الصهيونية تعهداً موثقاً مكتوباً بذلك للصليب الأحمر الدولي , محفوظ لديه .
                و اليوم الاثنين 20/5/1985 ومنذ الساعة العاشرة بتوقيت جنيف سيخرجون أحراراً مطلقي السراح :
                1- ( 66 ) مناضلاً محرراً موزعين على 12 قرية ومدينة في منطقة القدس .
                2- ( 36 ) محرراً موزعين على 13 قرية ومدينة في بيت لحم .
                3- ( 85 ) محرراً موزعين على 14 قرية ومدينة في الخليل .
                4- ( 68 ) محرراً موزعين على 32 قرية ومدينة في رام الله .
                5- ( 86 ) محرراً موزعين على 26 قرية ومدينة في نابلس .
                6- ( 63 ) محرراً موزعين على 24 قرية ومدينة في طولكرم .
                7- ( 44 ) محرراً موزعين على 17 قرية ومدينة في جنين .
                8- ( 3 ) محررين موزعين على قريتين في منطقة أريحا .
                9- ( 273 ) محرراً موزعين على 22 قرية ومدينة في غزة .
                10- كما تمكنت الجبهة , ولأول مرة , من إطلاق 50 من أبناء الأرض المحتلة من عرب 1948 من الجليل و المثلث و الصامدين المناضلين .
                11- ( 99 ) محرراً موزعين على 6 دول عربية .
                12- ( 6 ) محررين موزعين على بعض الدول الأجنبية .
                وبهذا فإن 879 محرراً سيجري إطلاق سراحهم من سجون الأرض المحتلة بالإضافة إلى 121 معتقلاً من سجن عتليت كانوا في عداد معتقلي أنصار هم من تبقى من تبادل عرفات 1983 , بالإضافة إلى 150 معتقلاً من أنصار الذين نقلوا إلى الداخل هذا العام من فلسطينيين ولبنانيين مناضلين .
                ومنذ الساعة العاشرة حتى الساعة الثالثة بعد الظهر بتوقيت جنيف من يوم الاثنين 20/5/1985 , بإشراف الصليب الأحمر الدولي سيطلق سراح :
                ( 605 ) محرراً في داخل الأرض المحتلة في تجمعين : عسقلان ونابلس .
                ( 394 ) سيطلق سراحهم على أرض مطار جنيف .
                ( 151 ) مناضلاً سيطلق سراحهم في مدينة القنيطرة السورية .
                هذا جهدنا والتزامنا نقدمه هدية لشعبنا وعهداً لأولئك الذين لم يخرجوا , أن تحريرهم دين علينا وسنعمل على أن تخلى سجون العسف وزنازين الاضطهاد الصهيوني من كل المناضلين السائرين في شمس الحرية إلى فلسطين .
                ولا يفوتني هنا أن أقيم عالياً الدور المثابر للصليب الأحمر الدولي , قيادتهم في جنيف , ومندوبهم في دمشق , ومندوبهم في الأرض المحتلة , الذين ساهموا جميعاً بدأب ونشاط وبحس عال بالمسؤولية و الدقة و المثابرة و المتابعة .
                إنني باسم الجبهة الشعبية _ القيادة العامة _ اقدم الشكر إلى رئاسة اللجنة , رئاسة قسم الشرق الأوسط وكل المندوبين العاملين وكل من ساهم , وهم الآن مستنفرون يشرفون على هذا التبادل وصحة تنفيذه .
                وأقيم عالياً الدور الإنساني للسيد إيمري سفير حكومة النمسا في أثينا , ومبعوث السيد برونو كرايسكي و الجهد والدور الإنساني للجانب النمساوي , لدورهم الفعال و المثابر في هذه القضية الإنسانية وذلك الحس المفعم بالشعور الإنساني , ذلك الجهد وتلك المتابعة التي أثمرت في النهاية في رسم البسمة على وجوه الآلاف من الأسرى المحررين وعائلاتهم و أطفالهم وذويهم .
                والشكر للحكومة الفيدرالية السويسرية التي رعت هذا التبادل على أرضها , وقدمت كل التسهيلات التي ستجعل من هذه العملية ممكنة ومأمونة وهذا ما نأمله .
                كل هؤلاء ونحن معهم استلمنا جائزتنا وهي تحرير الأسرى المعتقلين وإنهاء معاناتهم الظالمة , انه دور جديرون به , للدأب والالتزام و النزاهة التي تحلوا بها وكل مساعدة قدموها .
                إنني باسم الجبهة و قيادتها , وأمام هذا العرس النضالي الإنساني , أتوجه بالتهنئة لكل محرر وعائلته , كل باسمه , وأدعو كل أهلنا الصامدين في الأرض المحتلة , وأخص القوى و الشخصيات الوطنية والاتحادات و النقابات الوطنية الفلسطينية وشعبنا في مخيماته وتجمعاته وكل جماهير شعبنا العربي في كل مكان , أن يرحبوا بهؤلاء الأبطال الترحيب الذي يليق بهم مناضلين صامدين أحراراً .
                إن ذلك تم إنجازه على قاعدة الصمود النضالي و الوطني , وتعزيز جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطينية لاستعادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى خطها ونهجها الوطني , التي هي الوجه المشرق لمنظمة التحرير الملتزمة بالميثاق وقرارات المجالس الوطنية .
                من دمشق إلى جنيف 20 /5 / 1985
                في الساعة 7.15 بتوقيت دمشق , الثالثة و الربع ( بتوقيت غرينتش ) أقلعت من مطار دمشق الدولي ثلاث طائرات مدنية .. اثنتان بوينغ
                ( 727 ) تابعة للخطوط الجوية الليبية , وواحدة ( د . س 9 ) تابعة للخطوط النمساوية .. وكان الأسرى الصهاينة الثلاث قد توزعوا على الطائرات الثلاث التي امتلأت بالمراسلين الصحفيين ( 40 مراسلاً ) وأعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر فضلاً عن مسؤولين و مقاتلين من الجبهة الشعبية _ القيادة العامة , وفصائل فلسطينية أخرى 0
                كان سفير النمسا لدى دمشق السيد " هربرت غروب ماير" و مندوب الصليب الأحمر الدولي و الرفيق طلال ناجي الأمين العام المساعد للجبهة يشرفون على ترتيبات ركوب و مغادرة الطائرات ، و قد حضر الأسرى قبيل ذلك الوقت إلى قاعة المطار ، من إحدى قواعد الجبهة ، مطلقي الأيدي ، التف حولهم الصحفيون والمصورون لتسجيل آرائهم وانطباعاتهم ، عشية إطلاق سراحهم ، فاكتفوا بالقول بـ " إننا سعداء جداً لدرجة يعجز الكلام عن وصفها .. لقد تركنا عند الفلسطينيين أصدقاء بل رفاق " 0
                و لم تنتقل الطائرات الثلاثة إلى جنيف مباشرة ، بل هبطت في فيينا متأخرة عن موعد الوصول ثلاث ساعات كان الهدف منها " إتاحة الفرصة أمام الصليب الأحمر للتأكد من هويات الفدائيين الأسرى الذين وصلوا جنيف "0
                و رافق الرحلة إلى جنيف عدد من مقاتلي و كوادر الجبهة و قيادات و وجوه فلسطينية بينهم الرفيق أبو علي مهدي من قيادة فتح ، و يحيى يخلف الأمين العام لاتحاد الكتاب و الصحفيين الفلسطينيين ، و جمع من الصحفيين و مراسلي وكالات الأنباء العربية و العالمية 0
                و من إحدى الطائرات كان الرفيق فضل شرورو يدير مؤتمراً صحفيا ًعبر الهواتف ، ينقل خلاله وقائع العملية ،و يركز على دلالاتها ، و قد رد خلال الرحلة من دمشق إلى جنيف على أسئلة مراسلي الصحف و وكالات الأنباء العالمية حول مضامين اتفاقية التبادل و أبعادها ، و وقائعها0
                من مطار بن غوريون 000 إلى جنيف :
                تلفزيون العدو أذاع باللغة العبرية عصر 20/5 تقريراً عن عملية التبادل فيما يلي نصه :
                " يعود الأسرى الثلاثة الذين كانوا في أسر " الفدائيين " إلى البلاد اليوم .. و الثلاثة هم :الرقيب أول حازي شاي ،و المجند يوسف غروف ، والمجند نسيم سالم ، ويتوجه هؤلاء في طريق عودتهم إلى البلاد مساء اليوم من مطار جنيف "0
                تجري عملية استبدال الأسرى في دمشق ومطار بنغوريون و جنيف و أشكلون ( عسقلان ) و نابلس ، و قد خرج الأسرى الثلاثة من دمشق على متن ثلاث طائرات مختلفة 0
                وبالمقابل غادرت " إسرائيل " ثلاث طائرات تابعة لسلاح الجو تضم كل واحدة منها حوالي 150 معتقلاً فلسطينياً كانوا في السجون الإسرائيلية 0
                أقلعت الطائرة الأولى من مطار بن غوريون في الساعة السابعة و النصف صباحاً بتوقيت غرينتش ، ثم تبعتها الطائرتان الأخريان بفارق زمني مقداره حوالي 30 دقيقة بين الواحدة و الأخرى ، و هي تحمل ( الفدائيين ) الذين أطلقت "إسرائيل " سراحهم ، و من بينهم منفذي عمليات بيت هداسا والخليل و الطريق الساحلي و نهاريا و العمليات التي طالت رجل المظلات إيلي لوبو و دايفيد روزتنفليد و الرائد حنان سمسون والنقيب يوسي كابلان ، أثناء عملية ملاحقة قرب نابلس ، و المقدم أوفير في عملية ملاحقة بعد حرب الأيام الستة ، و كوزوأوكوموتو أحد منفذي عملية مطار بنغوريون قبل 12 سنة ، و غير هؤلاء
                لقد تم تهيئة ( الفدائيين ) الذي سيتم إطلاق سراحهم قبل وقت من ذلك ، في سجني عسقلان و نابلس ، و وزعوا على ثلاث مجموعات ، أثناء تسلم رجالنا الثلاثة تسلم رجالنا الثلاثة في مطار جنيف سمح لـ (600 فدائي ) من الذين سيطلق سراحهم بالعودة إلى بيوتهم في المناطق المحتلة و ضمن مجالات الخط الأخضر 0
                وهذا ، و تم نقل 150 إلى سوريا في نقطة الحدود في القنيطرة ، ونقل 394 منهم بالطائرات إلى جنيف و من هناك سينقلون إلى ليبيا " 0
                " و عندما أقلعت طائرة (الفدائيين ) صباح اليوم من المطار كان أيضاً مراسلنا " بني ليث " :
                " الساعة الآن 2.30 ليلاً ، ضمن إجراءات أمنية مشددة تحيط بكل المطار ، وصل الباص الأول الذي يقل (الفدائيين) وعلى مدرج المطار تنتظر ثلاث طائرات بوينغ تابعة لسلاح الجو لنقل ( 394 فدائياً ) من " إسرائيل " إلى جنيف ، وكانت هذه المرحلة الأولى من عملية تبادل الأسرى ، وصلت الباصات و كانت نوافذها مغلقة ، ووصل ( الفدائيون) وهم مقيدو الأيدي و الأرجل ، و انتشرت قوات الأمن و الشرطة العسكرية على شكل ممر بين الباص والطائرة وبدا الأمر من بعيد كأنه حرس شرف لـ( الفدائيين ) ، و لكن قائد المنطقة الذي كان هناك أعلن أمراً بإبعاد جميع الجنود "0
                " لم نر هنا دموع الفرح و لا آثار الفرح ، ( الفدائيين ) صامتون ، لا يصرخون و لا يغنون الأغاني الحربية " 0
                " هذا هو كوزوأوكوموتو ( المقاتل ) الياباني الذي حكم عليه بالسجن المؤبد بسبب ( عملية ) في مطار اللد عام 1972 " 0
                من بين المغادرين " فدائيون " جلسوا في السجن عشرة أو خمسة عشر عاما ً ، و كثيرون منهم حكموا بالسجن لمدة /99 سنة /0
                " فدائيون " أطلقوا النار على الجنود ، ( فدائيون ) تسللوا إلى "إسرائيل " من البحر و البر والجو للقيام بعلميات (فدائية) ... من بين المغادرين شاهدنا ابن أخت أحمد جبريل الذي يرأس المنظمة التي قامت بخطف جنود الناحل الذين سيعود اثنان منهم غروف و سالم – اليوم "
                في الساعة الخامسة و النصف انتهت فحوص الصليب الأحمر و وجد أن كل شيء على ما يرام و ليس هناك من أخطاء و بعد خمس دقائق من ذلك ستغلق الأبواب ، و سيظل الفدائيون مقيدين بأيديهم و أرجلهم إلى أن يصلوا إلى جنيف "
                " تعرقلت عملية تبادل الأسرى لمدة ساعات عديدة و السبب هو أن الطائرات التي حملت أسرى جيش الدفاع الإسرائيلي من دمشق قد اضطرت إلى الهبوط في فيينا بسبب أعطال فنية و أن اثنين من الأسرى قد نقلوا إلى طائرات أخرى من أجل متابعة الطريق إلى جنيف " 0
                * وفي مطار جنيف انتظرت وصول الطائرات قوات كبيرة من الجيش و الشرطة لحماية العملية ، فيما تابعت إذاعة العدو " باللغة العربية " مجريات التبادل و ذكرت أن عملية التبادل توقفت فجأة بسبب " أجواء التوتر و انعدام الثقة بين الطرفين ، المتبادلين " 0
                و في غضون ذلك انتقلت وقائع عملية التبادل إلى النبأ رقم ( 1) في نشرات الأنباء في كل مكان ،و أصبحت المادة العاجلة لبرقيات الوكالات والصحف العالمية 0
                جنيف .... ساعات التبادل :
                كانت أنظار العالم كله تتجه نحو تلك الرقعة من الأرض السويسرية .. وكانت قضية تدقيق الأسماء و الدفعات والبرقيات تدخل امتحاناً عصيباً ، و تواجه مشكلات متداخلة في جو من الترقب و الحذر 0
                لقد أصر قائد عملية الجليل على تدقيق جداول المحررين على أرض مطار جنيف ، ليس رقماً رقماً، بل كل اسم من أسمائهم مع التوثق من توقيع ممثل الصليب الأحمر على تلك الجداول ، ( في فلسطين المحتلة ) وفي مطار جنيف ، التزاماً بلوائح الاتفاقات الخاصة بآلية التبادل ، فيما رفضت – من قبل ممثل الجبهة – برقيات معينة ، أكثر من مرة ، زيادة في التأكد من التزام العدو بالاتفاقات ،و في دقة و صحة إجراءات وصول المحررين إلى بيوتهم في مدن فلسطين المحتلة 0
                إلى جنيف ، العاصمة السويسرية ، وصلت الطائرات " الإسرائيلية " الثلاث ، قادمة من مطار بنغوريون في تل أبيب على النحو التالي :
                الساعة (8.12 ) ، (8.20) ، (8.30) بتوقيت غرينتش ... و كانت تقل 394 أسيراً فلسطينياً و لبنانياً و هي من نوع بوينغ 727 وطليت باللونين الأزرق والأبيض مع شعار " جيش الدفاع الإسرائيلي " 0
                و بعد ثلاث ساعات من وصول آخر طائرة تقل الأسرى العرب ، وصلت الطائرات الثلاث التي تقل – كل واحدة – أسيراً من الأسرى الصهاينة ... وهي طائرتان ليبيتان و واحدة نمساوية ، و كان سبب التأخير هو نزول الطائرات في مطار فيينا لكي يتأكد الصليب الأحمر من صحة هويات الفدائيين الأسرى الذين وصلوا الى مطار جنيف قبيل هذا الوقت 0
                وبعد التأكد من صحة هويات الأسرى لدى الطرفين ، عن طريق الصليب الأحمر بالذات ، بدأت المرحلة الأولى من عملية التبادل ، بحذر شديد ، ووسط تشديدات أمنية ترافقت مع انتشار قوات الشرطة السويسرية المعززة بالمدرعات في كافة أنحاء المطار .. فقد انتقل – بوقت واحد – حوالي 230 أسير فلسطيني و لبناني إلى الطائرتين ، ليبية و نمساوية مقابل انتقال الأسير الصهيوني نسيم شالم إلى الطائرة الإسرائيلية ، في ذات الوقت الذي استلم قائد العملية برقية بتحرير 238 أسير في الأرض المحتلة 0
                ــــــــــــــــــــــــــــــ

                وفي حديثه عن آلية إقلاع الطائرات قال الناطق باسم الصليب الأحمر ( آلان مدوكسي ) إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة _ اشترطت أن لا تغادر أي طائرة مطار جنيف قبل الانتهاء من عمليات التبادل وذلك منعاً لـ
                ( هجوم مفاجئ ) في آخر لحظة وتقرر أن تقلع الطائرات الست كل اثنتين معاً , واحدة إلى تل أبيب بمقابل أخرى إلى طرابلس , على أن يكون هناك في كل مرة فاصل من الوقت يتيح تأمين سلامة الطائرات جميعاً .
                في القنيطرة
                أذاع تلفزيون العدو في نشرته الأخبارية باللغة العربية مساء 21/5 ما يلي :
                ( في نقطة العبور , في القنيطرة . تم قبل منتصف الليلة الماضية , نقل 150 من " الفدائيين " المحتجزين في إسرائيل معظمهم من سكان لبنان , ينتمون إلى حركة أمل , ومنظمة الجهاد الإسلامي , وقام ضابط قوات الأمن التابعة للأمم المتحدة في منطقة هضبة الجولان بنقل هؤلاء إلى الجانب السوري حيث كان في استقبالهم ممثلو الصليب الأحمر الدولي وذووهم من سكان القرى المجاورة , وخالد الفاهوم رئيس المجلس الوطني الفلسطيني السابق .. ويفيد مراسلنا , أن عملية الإفراج جرت بصورة منتظمة , ولم تستغرق سوى نصف ساعة ) .

                وفي الجانب الأخر .. كانت القنيطرة تشهد استعدادات شعبية واسعة لاستقبال المحررين .. كان ثمة عرس وفرح , عندما التقى المحررون بممثلي الثورة الفلسطينية و محافظ المدينة وحشد من رجال الصحافة السورية و العربية ووكالات الأنباء وجمع غفير من المستقبلين وكان الرفيق طلال ناجي الأمين العام المساعد للجبهة على رأس المستقبلين بمشاركة الرفيقين أبو جهاد يوسف و أبو حسام زكي عضوي المكتب السياسي للجبهة. وشارك في الاستقبال عدد من القيادات الفلسطينية الوطنية , وفي مقدمتهم الرفاق و الاخوة خالد الفاهوم . أبو موسى . عبد المحسن أبو ميزر . أبو ماهر اليماني . سمير غوشة , وممثلي الأحزاب و المنظمات العربية في العاصمة السورية وفي الساعة الخامسة مساء تحرك موكب المحررين باتجاه البقاع الغربي , فوصل الساعة الثامنة صباحاً إلى مقر الاتحاد الاشتراكي العربي وسط آلاف المستقبلين .
                من نابلس إلى عسقلان
                في الساعة الخامسة من بعد الظهر _ بتوقيت دمشق _ 20/5 فتحت أبواب سجن نابلس , وخرجت ثمانية باصات تقل 238 معتقلاً فلسطينياً إلى مركز الصليب الأحمر الذي يتولى تامين وصولهم إلى بيوتهم .
                لنطالع ما أذاعه تلفزيون العدو عن أجواء عملية التحرير :
                ( منذ ساعات الصباح تجمعت مجموعات من الشبان في شوارع المدينة وعلى الرغم من التعتيم الذي فرضته السلطات على الضفة فقد انطلقت ( الشائعات ) في المدينة .
                جرت عملية الإطلاق ببساطة , وقد توقفت الباصات في شوارع المدينة وخرج ( فدائيون ) للحرية , بعضهم قضى سنوات طويلة في السجن
                أمام أعيننا تجري , الآن عملية توحيد إحدى العائلات , فأبناء هذه العائلة منفعلون بعد أن افترقوا لعدة سنوات , ولكن وراء هذه الصورة وهذه الصورة الإنسانية هناك ( أيد ملطخة بالدماء الصهيونية ) . وفي إحدى بيوت نابلس هناك ثلاثة أشخاص تم إطلاق سراحهم وقضى هؤلاء في السجن مدة 17 سنة , ولا يقول هؤلاء ما هو السبب , لكنهم يقولون أن ذلك من اجل فلسطين ويصفون الحرية هنا بقولهم ( إننا نخرج من سجن صغير إلى سجن كبير بسبب استمرار الاحتلال ) .


                قال أحد السجناء الذين تم إطلاق سراحهم : _ و الحديث ما زال لمذيع تلفزيون العدو _ ( شعورنا عادي , ولكن مشاعرنا مع زملائنا الذين بقوا وراءنا , ونأمل أن يجدوا طريقهم إلى التحرر مثلنا ) .
                س : هناك ثلاثة يهود مقابل أكثر من 1000 فلسطيني , ما هو شعوركم بالنسبة لهذا ؟
                ج : لا يهمنا , إلا زملاؤنا الذين بقوا وراءنا بالدرجة الأولى , انهم عزيزون علينا , وقد تركناهم خلفنا , وهم يتألمون جداً ونحن نتألم جداً لهم وكذلك كل أهالينا وشعبنا يتألمون لهم .
                قال آخر : لقد عشنا فترة طويلة في السجون ونتألم , كما يتألمون , أكثر لانهم بقوا ولم يتحرروا كما تحررنا من السجن
                أما المشاعر الصهيونية الآنية إزاء مشاهد تحرير الأسرى , فقد نقلها تلفزيون العدو في نشرة مساء عملية التبادل 20/5 على الوجه التالي :
                ( إن هذا ثمن مرتفع , ليس لان هذه الباصات أقلت عدداً من أعدائنا , وإنما لان هذا المشهد قد أعطى زخماً حقيقياً في المناطق المحتلة ..) .
                • على الطريق بين رام الله ونابلس كمنت عصابة مسلحة من منظمة ( غوش ايمونيم ) لمهاجمة قوافل الأسرى المحررين في الداخل .. وعلى الفور سارعت قوات من شرطة الأمن الصهيونية إلى الموقع وجرى حوار بين قائد القوة وزعماء العصابة استهله مسؤول الأمن قائلاً : ( يجب أن توقفوا هذا الأمر فوراً . انه قرار الحكومة .. أو لتذهبوا إلى مبنى الحكومة للاعتراض على القرار ) . فرد أحد أفراد العصابة : ( إنها هزيمة وطنية لإسرائيل , ولا ينبغي أن تمر .. أي تبادل هذا .. فدائيون قتلة يخرجون أحراراً ما بيننا .. هذا يعني تشجيعاً لهم .. ) ولكن المسؤول أجاب ( عليكم مغادرة المكان فوراً , وإلا تعرقلت العملية .. إن هناك أخر أسير من أسرانا لم يطلق سراحه حتى الآن في جنيف .. انهم بانتظار أن يتم هنا الإفراج عن الجميع ..) ( تلفزيون العدو 20/5/85 )
                • وفي كل مدن الأرض المحتلة وضعت مئات السيارات تحت تصرف المحررين تأميناً لوصولهم إلى بيوتهم فيما خرجت الجماهير إلى الشوارع لاستقبال الأبناء المناضلين في وقت حاصرت مجموعات صهيونية فاشية بناية
                ( الكنيست ) تعبيراً عن الاحتجاج على الإذعان لشروط الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة .

                في طرابلس الغرب ـ 20 / 5 / 1985
                وصل إلى طرابلس الغرب فجر 20/5/1985 , 394 مناضلاً محرراً فلسطينياً وعربياً ومن جنسيات أجنبية , على متن طائرتين ليبيتين وثالثة نمساوية , قادمتين من جنيف . وقد كان في استقبالهم على أرض مطار طرابلس الدولي الرفيق أحمد جبريل الأمين العام للجبهة الشعبية _ القيادة العامة و الاخوة عمر الحامدي أمين مؤتمر الشعب العربي وسامي قنديل وأبو مجدي عضو قيادة فتح وعدد من قادة جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطينية و المسؤولين الليبيين .
                ووسط لقاءات عاصفة بين الرفاق المحررين و المستقبلين حملت جموع غفيرة من الفلسطينيين و الليبيين الفدائي الياباني .. كوزو اوكوموتو .. على الأكتاف وهي تردد الشعارات و الهتافات النضالية المؤيدة لاستمرار الكفاح المسلح و المعادية للإمبريالية و الصهيونية و الرجعية مؤكدة عزمها على مواصلة المسيرة حتى تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني .
                في الأراضي المحتلة ـ 20 / 5 / 1985
                وفي الضفة الغربية المحتلة استقبلت المدن , والقرى , التي ينتمي إليها المحررون , أبناءها العائدين إليها بفرح غامر بعد انتظار دام اكثر من ثلاثة أسابيع كانت خلالها المفاوضات مستمرة .
                وقد أقام الأهالي احتفالات ترحيب بالمحررين في الخليل وغزة ونابلس ورام الله وسائر المدن و القرى الفلسطينية . وسار مئات من المتظاهرين الفلسطينيين وهم يرددون شعارات مناهضة للاحتلال الصهيوني وأناشيد وطنية فلسطينية .
                من جهة أخرى , وما أن انتشر الخبر حول وصول المحررين الستة إلى قرية الطيرة حتى خرج أهلها رجالاً ونساءً إلى الشوارع ليقيموا مراسم أعراس شعبية واسعة ابتهاجاً بعودة أبناء القرية الذين قضوا في السجون الصهيونية فترات تتراوح بين 10 _ 17 سنة .
                وفي عكا استقبل حشد واسع من أهلنا في المدينة القديمة بالأناشيد و الهتافات و الزغاريد في منتصف الليل , المناضل المحرر يوسف إدلبي , بعد أن قضى في سجن الرملة مدة 13 عاماً .
                وفي وادي النسناس بحيفا استقبل الأهالي يتقدمهم الشاعر الفلسطيني سالم جبران المناضل داوود تركي بعد أن قضى في سجون الاحتلال 12 عاماً .
                وخرجت قرية مجد الكروم عن بكرة أبيها لاستقبال المحررين من أبناء القرية العائدين إلى عائلاتهم . واستقبلت الجموع المحتشدة على مشارف القرية راجح بشرو ومنير منصور وجميل مصطفى دياب بعد أن قضوا في السجون الصهيونية مدداً تتراوح بين 10 – 16 سنة .
                كما استقبل أهالي قرية جديدة بعد انتظار طويل المناضلين المحررين أحمد كمال وفريد عكاوي بحفاوة بالغة وبالأناشيد الوطنية

                في البقاع ـ 21 / 5 / 1985
                في ساعة مبكرة من صباح هذا اليوم وعند نقطة المصنع وصل 151 محرراً قادمين من القنيطرة في 3 أوتوبيسات سورية
                ورافق العائدين الرفيق طلال ناجي الأمين العام المساعد للجبهة وأبو جهاد يوسف عضو المكتب السياسي وأبو ماهر اليماني عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين , وكان في مقدمة المستقبلين الاخوة عبد الرحيم مراد و عمر حرب وحافظ الصايغ من القيادات الوطنية اللبنانية وعضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي اللبناني فاروق دحروج . وانتقل الموكب إلى بلدة ( تعنايل ) حيث توزعوا من أمام مقر الاتحاد الاشتراكي العربي على مكاتب أحزابهم وفصائلهم .
                وأصبحت المناسبة مهرجاناً خطابياً , هنأ الرفيق طلال ناجي خلاله العائدين متمنياً لهم الوصول إلى أهاليهم بأسرع وقت ممكن و العودة إلى ساحة النضال .

                في صيدا ـ 22 / 5 / 1985
                وصل اليوم إلى صيدا ستة من المعتقلين الذين أطلق سراحهم من السجون الصهيونية حيث كان لهم استقبال حاشد أقامته منظمة العمل الشيوعي وحضره النائب نزيه البزري
                كما أقامت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني حفل استقبال في مركزها تكريماً للشيوعيين المحررين من معتقل عتليت وعددهم 21 محرراً في حضور النائب نجاح واكيم و الأعضاء في المكتب السياسي للحزب الشيوعي نديم عبد الصمد وجورج البطل وسعد الله المزرعاني .

                في مخيم عين الحلوة ـ 22 / 5 / 1985
                وصل إلى مخيم عين الحلوة 55 محرراً فلسطينياً , عابرين جسر نهر الأولي على متن باصين في السادسة و النصف مساء قادمين من دمشق , وكان في استقبالهم حشد كبير من أبناء شعبنا في مخيمات الجنوب , وقد انطلق الموكب بعد ذلك في تظاهرة جماهيرية ضخمة اخترقت شوارع صيدا , وهي تتحدى الصهاينة , وتتعهد بتصعيد الكفاح المسلح ضد الاحتلال و المحتلين الصهاينة .


                مركز بيسان ... يرحب بكم
                http://besancenter.maktoobblog.com/

                تعليق


                • #9
                  الفصل الثاني
                  آلية التبادل على الأرض
                  (( عملية الجليل )) .. الاسم والقيادة

                  بعد إغلاق أخر منفذ أمام مناورات العدو عقد الأمين العام اجتماعاً تقويمياً للمكتبالسياسي للجبهة, ركز فيه على تجربة المفاوضات وتطوراتها وخلص إلى تسجيل الرضى عن النتائج التي تحققت باجبار العدو الصهيوني على التسليم بتحرير هذا العدد من الأسرى كما وضع تصوراً للشرط اللاحق بوصفه من أهم وأخطر حلقات عملية التبادل .

                  وفي هذا الاجتماع أطلق اسم (( عملية الجليل )) على عملية تحرير الأسرى الفدائيين في السجون الإسرائيلية ,وكلفالرفيق عمر الشهابي عضو المكتب السياسي بقيادة ا لعمليةفي مطار جنيف. ومن اجل ضبط آلية التبادل , وتأمين المتابعة الميدانية لمراحلها تقرر أن يتولى الرفيق أحمد جبريل الأمين العام للجبهة الإشراف على كافة شؤون العملية من طرابلس بالجماهيرية الليبية , ويكون على رأس مستقبلي المحررين الذين ينقلون من جنيفويقوم الرفيق طلال ناجي الأمين العام المساعد , من دمشق , بالإشراف على آلية تنفيذ التبادل في القنيطرة وعلى رأس مستقبلي المحررين .ويتولى الرفيق عمر الشهابي عضو المكتب السياسي الإشراف على خطوات التبادل الميداني في جميع مواقع التبادل في جنيف و القنيطرة و القدس و غزة ويقلع في الطائرة التي سيرافقه فيها الأسيران حازي شاي ويوسف غروف ويكون معه الرفيق تحسين حلبي لمساعدته في ا لاجراءات المرتبطة بمهمة الصليب الاحمر على ارض مطار جنيف. و يقوم الرفيق فضل شرورو عضو المكتب السياسي بمسؤولية إحدى طائرات الأسرى ( جليل 3 )التي سيكون على متنها الأسير الثالث نيسيم شاليم. , وكلف الرفيق أبو نضال بمسؤولية الطائرة الأخرى ( جليل 2 ) و الرفيق أبو محمد حافظ بمسؤولية الطائرة الثالثة ( جليل 1 ). ومن اجل احتواء محاولات العدو لإفشال العمليةوتأمين السلامة الأمنية لها وضعت قيادة الجبهة خطة أمنية تفصيلية تقوم على معالجة المفاجآت والطوارئ وما يتعلق بسلامة الأسرى وضمان التنفيذ المرسوم , والتصرف الآني إزاء احتمال لجوء العدو إلى الخداع أو التأثير في النتائج , وكلف الرفيق ( أبو علي الدعبول ) بمسؤولية الإشراف على هذه الخطة التي وضعت على أساس من الوضوح وتقديرات الطوارئ وكلف ناصر حيفاوي بمساعدته.

                  وعلى هامش هذه الخطة شكلت مجموعة أمنية ترافق الطائرات وتتوزع على مفاصلها ومراحلها مع تعليمات محددة بالتصرف المطلوب عند الحاجة .. وكان لهذه الخطة و المجموعة الأمنية تأثير إيجابي في نجاح عملية التبادل في جنيف ووصول المحررين إلى طرابلس .

                  وقبل تنفيذ عملية التبادل كان الوفد المفاوض قد استعرضمع ممثلي الصليب الأحمر جميعالمستلزمات الأمنية التفصيلية في مطار جنيف , وبخاصة فيالجانب الذي يتعلق بالتعامل مع الطائرات التي تقل المحررين من المطار في طريق العودة . فقد اتفق أن يكون عمال خدمة الوقود من موظفي الصليب الأحمر و أن يجري تأمين ثلاثة صهاريج للوقود من جهات مختلفة , مع تخطي الشركة المعنية المكلفة بالخدمة آنذاك .. ثم يقوم ممثل الجبهة باختيار أحد تلك الصهاريج لتعبئة الطائرات , منعاً لاستخدام الوقود أو عمليات التعبئة من قبل العدو أو عملائه في ضرب العملية وإفشالها .



                  آلية التبادل ..

                  دمشق ..

                  الاثنين 20/5/1985

                  الساعة الآن هي السادسة صباحاً في دمشق .. واليوم هو يوم عملية الجليل ..هاهي الدقائق الحرجة .. بل أحرج دقائق العملية , وأكثرها دقة .

                  إنها ساعة مفتوحة على احتمالات لاحصر لها , يمكن أن تنتهي إلى مجزرة أو انتكاسة مثلما يمكن أن تنتهي إلى انتصار .

                  وقبل ذلك الصباح كانت الساعات الثمانية و الأربعين الماضية قد تواصلت متوترة , مشدودة إلى تلك الساعات المثيرة القادمة فمناضلو الجبهة : الأمين العام و القيادة و المفاوضون وفريق العمل و التدقيق و الحماية أخذوا عهداً على النفس أن يسدوا منافذ المناورة على العدو . وحين كان العدو يقف من الطرف الآخر متربصاً متحينا ً الفرصة للإفلات من خيار الاستسلام لشروط الجبهة كان فريق التدقيق المكون من 15 رفيقاً في سباق مع الساعات القليلة المتبيقة للعملية ..لقد تعود الجميع على السهر واستغنوا عن النوم وهم منكبون على طاولات تضم قوائم بالعربية والإنكليزية , واستمارات وتفاصيل مكدسة عن الأسرى الفلسطينيين .. كانت الأيدي والأعين تتابع الأسماء و المعلومات بانفعال ممتزج بالاعتزاز , وكان هناك قلق لا يبوح بنفسه , وهاجس بالترقب وتحدي الزمن .. أنه التدقيق النهائي للمعطيات بكل ما يعنيه ذلك من جاهزية فريدة لليقظة إزاء أي خطأ وغفلة , وحتى إزاء كل حرف من كل اسم .. فالعدو لا يرحم و لا يؤمن جانبه ولا يصحح الأخطاء التي قد تقع , بل يتسلل منها إلى ما هو ابعد .. وربما إلى اغتيال لحظة الانتصار الفلسطيني نفسها.

                  وكان فريق العمل يعي مهمته و قيمتها و دلالات إنجازه لها .. وهذا ما كان يشكل مصدر حماسته للعمل , وهو حين يبدأ بتطبيق استمارات التخيير التي وقعها الأسرى الفلسطينيين مع تلك المدونة في القوائم التي رفعتها الجبهة , يشعر أنه يقطف ثمار الجهد المضني للرفيق الأمين العام والمكتب السياسي وللرفاق المفاوضين وكل من كلف بمهمة لانجاز هذه العملية العظيمة ويعيش ساعات من سعادة المناضل و هو يتلمس جدوى النضال وأرقى ثماره التي لا تقدر بثمن .

                  إن التدقيق في صيغة الاستمارة يثير تداعيات كثيرة لدى أؤلئك الذين يتولون هذهالمهمة , فقد أرغم العدو على تلاوة نص الصيغة الذي وضعته قيادة الجبهة علناً في جميع السجون , وعززت من خلاله ثقة الأسرى و أبناء شعبنا في الداخل بانتصار قضية الثورة وانه بالإمكان إجبار العدو على التراجع وتحرير المئات من الفدائيين من الفلسطينيين و العرب و أصدقائهم

                  لقد قطعت تلك الاستمارات آلاف الأميال من دمشق إلى جنيف إلى تل أبيب و بالعكس وهي تحمل عنوان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة وقد استلمها كل محرر واطلع عليها ووقع عليها .وكان الشعور لايوصف حين كان الأسير يقرأ:

                  (( اشهد أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر ولجنة المناضلين السجناء المعينة من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة قد أحاطتني علماً بالخيارات المقدمة لي في عملية تبادل الأسرى بين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة و بين الطرف الآخر عبر الصليب الأحمر الدولي وأني اختار بإرادتي :



                  1-أن يطلق سراحي و أن أبقى في الداخل .

                  2-أن يطلق سراحي وان أغادر ..

                  3-إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة غير مسؤولة عما يترتب على اختياري بالبقاء في بيتي و بين أهلي في الداخل بل هي قامت بواجبها و حررتني من الأسر وبعد تفكير أوقع على هذا القرار مع علمي بأن سلطات الطرف الآخر تعهدت خطياً للجنة الدولية للصليب الأحمر بعدم اعتقالي ثانية بنفس التهم السابقة .

                  4-اختار أن يطلق سراحي : عبر جنيفأو/ داخل الأرض المحتلة ) .

                  وفي ذلك اليوم كانت هناك لجنة للمتابعة الميدانية من الصليب الأحمر وقيادة الجبهة ,. تتكفل عبر أجهزة الهاتف وطرق الاتصال المختلفة , معالجة جميع مستلزمات تنفيذ العملية , بمافيها تامين وصول الطائرات الثلاثة التي يفترض أن تقلع من مطار دمشق , صباح هذا اليوم وعلى متن كل واحدة أحد الأسرى الصهاينة مع الوفد المفاوض, و مقاتلي الجبهة وممثلين من فصائل الثورة الفلسطينية .

                  ومن جهته كان السيد إيمري المفاوض النمساوي , يقيم في منزل سفير بلاده في دمشقو يتابع معه الاستعدادات و الضمانات لانجاح عملية التبادل وبخاصة موضوع الطائرات التي بدا أن وصولها في الوقت المحدد تحيطه الشكوك و الصعوبات .

                  كانت قيادة الجبهة قد حجزت , قبل أيام ثلاث طائرات , واحدة ليبية و اثنتان بلغاريتان , على أن تصل في منتصف ليلة التبادل , غير انه في الساعة العاشرة مساء أعلن المسؤولون البلغار بأن الأتراك منعوا طائراتهم من استخدام الأجواء التركية وصولا إلى دمشق , مما يحول دون وصولهما في الوقت المحدد , الأمر الذي سجلته قيادة الجبهة ضمن محاولات عرقلة التبادل أو نسفها , أو إيجاد خلل في الآلية المتفق عليها بما يسمحللمناورة .

                  مع تواصل مناشدة البلغار بضرورة تكرار الطلب على الحكومة التركية للسماح للطائرات بالمرور إلى سوريا , وتأكيد صوفيا , فيما بعد , أنها أخفقت في إقناع أنقرة بذلك , جرى التحول بالتفكير إلى ضرورة الحصول على طائرتين بديلتين بسرعة , وفي هذه اللحظة تكثفت الاتصالات والمحاولات بكل ما كانت تسمح به الساعات القليلة المتبقية . رن جرس الهاتف في منزل السفير النمساوي غروبماير بدمشق لتعلن له الجبهة بانها بحاجة الى تأمين طائرتين نمساويتين عاجلتين من أجل ترتيب اجراءات التبادل, فوعد بانه سيتصل بحكومته لبحث الطلب ,بعد أن عبر عن انزعاجه و حيرته هو والسيدإيمري إزاء العراقيل الناشئة في الساعات الأخيرة .

                  في غضون ذلك تشكل في مقر الجبهة فريق عمل من الوسيط إيمري و السفير النمساوي ومدير شركة الطيران النمساوية في دمشق لمتابعة الموضوع , وبعد ساعة أبلغت قيادة الجبهة أن هناك طائرة نمساوية من نوع ( دي سي 9 ) جاهزة وهي في طريقها إلىدمشق , وتجري محاولات جادة لتأمين الثانية , فيما اتصلت طرابلس لتعلن أن طائرتين ليبيتين بدلا من واحدة انطلقتا في طريقهما إلى العاصمة السورية لتوضعا تحت تصرف عملية التبادل .

                  وهكذا بعد ساعات من القلق و المحاولات الشاقة , جرى تأمين الطائرات المطلوبة في نفسالوقت الذي كان فيهالسيد إيمري يتابع الاتصال مع فينا للحصول على طائرة رابعة .

                  الساعة الخامسة صباحاً جميع المستلزمات أصبحت معدة بانتظار التنفيذ .

                  عملية الجليل تخرج الآن من بين الملفات و المحاضر و التمنيات إلى حيز التنفيذ .

                  _ هاهي الطائرات الثلاث .. وها هم أسرى العدو , بدون قيود , ولا زجر أو شتائم , خلافاً لما يحصل للأسرى الفلسطينيين في نفس الساعة بمكان آخر . وهاهو الجمع الغفير من شهود وحماة ومدافعين عن الخطوة الحاسمة , يتأهب , ويتابعكل لحظة.

                  و في جنيف يزداد الترقب و اليقظة و استبعاد أي اطمئنان للعدو , وحضور دقيق لأي احتمال منه..

                  _ إلى المطار أيها الرفاق .

                  فريق الحماية يقود الأسرى الثلاثة .

                  و الوفد المفاوض من قيادة الجبهة وممثلوا الصليب الأحمر و السفارة النمساوية , وممثلوا الفصائل الوطنية الفلسطينية و العربية , في طريقهم إلى الطائرات .

                  المرافقون .. الصحفيون .. الملاحون .

                  مؤتمر صحفي للمكلف بقيادة العملية :

                  و في مطار دمشق قبل أن تدور عجلات الطائرات , عقد الرفيق عمر الشهابي عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية _ القيادة العامة رئيس وفد الجبهة المفاوض و المكلف بقيادة (( عملية الجليل )) لتبادل الأسرى مؤتمراً صحفياً .. بحضور الرفيق طلال ناجي الأمين العام المساعد للجبهة وفضل شرورو عضو المكتب السياسي , وممثلي فصائل الثورة الفلسطينية و مندوبي الصحف و الوكالات العربية و العالمية .. وجاء في البيان الصحفي الذي وزع على الحضور ما يلي :

                  ( نحن اليوم أمام حدث في غاية الأهمية في تاريخ الشعب العربي الفلسطيني الصامدو المناضل و المكافح حدث سيترك بصماته بعمق ووضوح في مجرى النضال الوطني الفلسطيني وحافز لثورة فلسطينية أصيلة و عملاقة , تعبر عن أماني و تطلعات شعب عظيم تمرس بالنضال , وتجذر صموداً في الأرض المحتلة و خارجها , انه حدث يعبر عن كل ما هو مشرق في نضال شعبنا منذ بدايات هذا القرن عن كل ما هو مشرق في نضالات الثورة الفلسطينية المعاصرة ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي و الوحيد لشعبنا و المعبر عن طموحاته و إرادته الوطنية , والمعادية للإمبريالية و الصهيونية , المتمسكة بخطها الوطني غير المساوم و لا المفرط , لا كما أراد لها المساومون و المفرطون .

                  فبعد مفاوضات دامت اكثر من عامين مع الصليب الأحمر الدولي , مفاوضات كان طابعها من جانب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة _ الإصرار و الصمود و المبدئية وكان طابعها من الطرف الصهيوني المراوغة و المماطلة والتسويف و الخداع ومحاولات الابتزاز أعلن من دمشق و باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة و قيادتها بدء(( عملية الجليل )) البطولية لتحرير 1150 أسيراً مناضلاً محرراً من سجون الاحتلال الصهيوني , حيث أرغم العدو الصهيوني في النهاية للرضوخ لمطالبنا العادلة والتي كانت موضوع إصرارنا منذ البداية 0

                  إن عملية الجليل البطولية هي امتداد لعملية النورس البطولية وهي تأكيد و امتداد لتقاليد نضالية اختطتها الجبهة الشعبية القيادة العامة وأكدتها خلال نضالها الطويل وعلى امتداد عشرين عاماً من نضالها المسلح , لقد جاءت هذه العملية البطولية و النوعية في وقت تحتفل الجبهة الشعبية _ القيادة العامة _ بذكرى انطلاقتها العشرين , لتكرس و تؤكد خط الجبهة الوطني وتقاليدها وممارساتها النضالية , وجاءت لتصلح الخلل الذي وقع في التبادل السابق ( تبادل عرفات نهاية عام 1983 ) .

                  _ فسيحرر في عملية الجليل 121 معتقلاً من سجن عتليت , هؤلاء كانوا في عداد معتقل أنصار عندما أجرى عرفات تبادله وكان من المفترض أن يكونوا أحراراً عبر ذلك التبادل منذ ما يزيد عن السنة ونصف لكن الصهيونيين اختطفوهم في الطريق و استبقوهم ليساوموا الجبهة عليهم , لكنها مساومة فاشلة وعرفات لم يهتم بهم , ولم يذكرهم .

                  _ المناضل زياد أبو عين الذي سلمته الولايات المتحدة للسلطات الصهيونية رغم احتجاجات واستنكار العالم وهيئاته الدولية , أعيد إلى سجنه بعد وصوله المطار ومعه 36 آخرين, حين لم يجد العدو من يسأل منهم . زياد أبو عين و المناضلون الآخرون سيكونون أحراراً منذ اليوم ومنهم المناضل الياباني كوزو اوكوموتو .

                  _ لقد كان تحرير المعتقلين أخر اهتمامات عرفات ومعه نهج اليمين , لقد كان همهم تبادلهم هو الكسب الإعلامي الرخيص , على حساب قضايا الوطن و الثورة و التساهل بها ومع أن لجنة مشتركة في ذلك الوقت شكلت لإنجاز تبادل مشرف كنا في عدادها وتحاورت مع الصليب الأحمر ضمن مبادئ وشروط مشرفة , إلا أن العدو ماطل و حاول الابتزاز كعادته عندما رفضت اللجنة بلإجماع بوجودنا ورجال عرفات منها , الانصياع أو سماع الابتزاز الصهيوني , وأوقفت البحث مع الصليب الأحمر لكن فوجئنا كجبهة وبعد أيام عودة هؤلاء يتفاوضون على أسس رفضت قبل أيام وفوجئنا كما فوجئتم وكما فوجئ كل الشرفاء من شعبنا أنهم قبلوا هذه الشروط , وبمبدئية وتنظيم مختلف , بفهم وبعد وطني وأنساني افتقده المساومون في تبادلهم الهزيل . إن الجليل وأن لم تكن العملية الأولى فإنها اكبر عملية تبادل في تاريخ الصراع العربي _ الصهيوني أولاً , ولأنها بما تمثله من عمق وطني يعكس واقع الصراع الراهن والمحتدم بين الخط المساوم و المفرط .
                  إن عملية الجليل البطولية والنوعية , وإن تأخرت , فلقد كانت بذهنية مختلفة بين ما يمثله المنهزمون والصغار بوجوههم الصفراء وصحفهم الصفراء وتهالكهم على الموائد , وهم المرفوضون المنبوذون , وإن قبلوا الشروط الأمريكية _ الصهيونية أو استعدوا لقبولها , وبين ما تمثله الجليل من أصالة وشموخ وتوق إلى عنان الوطن الصامد الجريح , سواء هؤلاء الذين ظلوا في الأرض المحتلة من المحررين لينضموا إلى أهلهم وأخوتهم ورفاقهم هناك , يدعمن صمودهم ويكبرون بوطنهم ويكبر الوطن بهم , أو هؤلاء الذين خرجوا .

                  _ إن عملية الجليل بما تمثل من بعد سياسي وعمق وطني وصمود هي امتداد و انعكاس لنهج جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطينية , وما تمثل الآن كعملية ثورية وموقف وطني يتجذر على أرض الصراع ليعيد للثورة وجهها الوطني و بعدها القومي ويعزز انتصاراتها على المستوى العربي والدولي ويؤكد صلابة وصحة خطها الوطني .

                  _ إنها انعكاس وطني وقومي , لكل إطار نضالي ثوري قومي يلتزم بقضايا الأمة العربية ووحدتها وتحررها وعلى رأسها القضية المركزية للامة العربية _ فلسطين _ إنها الدعم الحقيقي و النضالي للقيادة القومية للقوات الثورية العربية إننا نحيي من هنا الصمود العربي السوري الذي افشل اتفاق 17 أيار , ونحيي صمود الجماهيرية الليبية والتحالف الوطني النضالي الفلسطيني _ اللبناني _ السوري , هذه القوة الوطنية و القومية التي ترسم اليوم وعلى ارض الصراع ومن خلال صورة جديدة أصلية ومشرفة لمستقبل الأمة العربية ومستقبلجماهيرها .

                  إن عملية الجليل البطولية هي إعلان لكل العالم من هذا المكان , من القطر العربي السوري الصامد , من القنيطرة المحررة التي سيكون أبطال معتقلي أنصار أحراراً فيها اليوم .. أنها إعلان يسمعه العالم , يعلن بالملموس وبوضوح كالشمس , فشل ما اسمي ( عملية سلامة الجليل ) الصهيونية , وهزيمة القوى المعادية مجتمعة , بفضل التحالف الوطني اللبناني _ الفلسطيني مدعوماً بالموقف السوري الثابت و المبدئي وقيادة سوريا الشجاعة , والموقف العربي و القومي للجماهيرية الليبية .

                  إذا كانت عملية الجليل الحدث الأبرز من نوعه وحدثاً انتظره , بأمل , أؤلئك الذين يعانون في سجون الاحتلال , فقد استغرقت جهداً غير عادي من جانبنا حتى أمكن التوصل إلى نتائج غير عادية فلا يعلم الكثيرون ربما أن المباحثات من جانبنا مع الصليب الأحمر الدولي و الطرف النمساوي وخلال السنتين و النصف التي استغرقتها , بلغت ما يزيد عن 400 ساعة مفاوضات وحوار ودخول بالتفاصيل , واقتضى إنجاز هذا الجهد حتى يصبح حقيقة , اكثر من 900 ساعة عمل لتحضير القوائم و الأسماء و الأحكام ودراستها .

                  ولقد قدمنا مبادئ أساسية أرغم العدو على الموافقة عليها في النهاية , اذكر أهم مبدئين فيها :

                  1-لا يعترض العدو ( لا يضع فيتو ) على أي اسم أو شخص بعينه من الأسرى المعتقلين , تطلب الجبهة إطلاق سراحه .

                  2-للمعتقل الحق أن يختار بأن يطلق سراحه ويخرج خارج الأرض المحتلة , أو يبقى بين أهله وعائلته وفي بيته وعلى أرضه والسلطات الصهيونية تلتزم أن لا تعيد اعتقاله بنفس التهم السابقة لإطلاق سراحه .

                  وقد قدمت السلطات الصهيونية تعهداً موثقاً مكتوباً بذلك للصليب الأحمر الدولي , محفوظ لديه .

                  و اليوم الاثنين 20/5/1985 ومنذ الساعة العاشرة بتوقيت جنيف سيخرجون أحراراً مطلقي السراح :

                  1-( 66 ) مناضلاً محرراً موزعين على 12 قرية ومدينة في منطقة القدس .

                  2-( 36 ) محرراً موزعين على 13 قرية ومدينة في بيت لحم .

                  3-( 85 ) محرراً موزعين على 14 قرية ومدينة في الخليل .

                  4-( 68 ) محرراً موزعين على 32 قرية ومدينة في رام الله .

                  5-( 86 ) محرراً موزعين على 26 قرية ومدينة في نابلس .

                  6-( 63 ) محرراً موزعين على 24 قرية ومدينة في طولكرم .

                  7-( 44 ) محرراً موزعين على 17 قرية ومدينة في جنين .

                  8-( 3 ) محررين موزعين على قريتين في منطقة أريحا .

                  9-( 273 ) محرراً موزعين على 22 قرية ومدينة في غزة .

                  10-كما تمكنت الجبهة , ولأول مرة , من إطلاق 50 من أبناء الأرض المحتلة من عرب 1948 من الجليل و المثلثو الصامدين المناضلين .

                  11-( 99 ) محرراً موزعين على 6 دول عربية .

                  12-( 6 ) محررين موزعين على بعض الدول الأجنبية .

                  وبهذا فإن 879 محرراً سيجري إطلاق سراحهم من سجون الأرض المحتلة بالإضافة إلى 121 معتقلاً من سجن عتليت كانوا في عداد معتقلي أنصار هم من تبقى من تبادل عرفات 1983 , بالإضافة إلى 150 معتقلاً من أنصار الذين نقلوا إلى الداخل هذا العام من فلسطينيين ولبنانيين مناضلين .

                  ومنذ الساعة العاشرة حتى الساعة الثالثة بعد الظهر بتوقيت جنيف من يوم الاثنين 20/5/1985 , بإشراف الصليب الأحمر الدولي سيطلق سراح :

                  ( 605 ) محرراً في داخل الأرض المحتلة في تجمعين : عسقلان ونابلس .

                  ( 394 ) سيطلق سراحهم على أرض مطار جنيف .

                  ( 151 ) مناضلاً سيطلق سراحهم في مدينة القنيطرة السورية .

                  هذا جهدنا والتزامنا نقدمه هدية لشعبنا وعهداً لأولئك الذين لم يخرجوا , أن تحريرهم دين علينا وسنعمل على أن تخلى سجون العسف وزنازين الاضطهاد الصهيوني من كل المناضلين السائرين في شمس الحرية إلى فلسطين .

                  ولا يفوتني هنا أن أقيم عالياً الدور المثابر للصليب الأحمر الدولي , قيادتهم في جنيف , ومندوبهم في دمشق , ومندوبهم في الأرض المحتلة , الذين ساهموا جميعاً بدأب ونشاط وبحس عال بالمسؤولية و الدقة و المثابرة و المتابعة .

                  إنني باسم الجبهة الشعبية _ القيادة العامة _ اقدم الشكر إلى رئاسة اللجنة , رئاسة قسم الشرق الأوسط وكل المندوبين العاملين وكل من ساهم , وهم الآن مستنفرون يشرفون على هذا التبادل وصحة تنفيذه .

                  وأقيم عالياً الدور الإنساني للسيد إيمري سفير حكومة النمسا في أثينا , ومبعوث السيد برونو كرايسكي و الجهد والدور الإنساني للجانب النمساوي , لدورهم الفعال و المثابر في هذه القضية الإنسانية وذلك الحس المفعم بالشعور الإنساني , ذلك الجهد وتلك المتابعة التي أثمرت في النهاية في رسم البسمة على وجوه الآلاف من الأسرى المحررين وعائلاتهم و أطفالهم وذويهم .

                  والشكر للحكومة الفيدرالية السويسرية التي رعت هذا التبادل على أرضها , وقدمت كل التسهيلات التي ستجعل من هذه العملية ممكنة ومأمونة وهذا ما نأمله .

                  كل هؤلاء ونحن معهم استلمنا جائزتنا وهي تحرير الأسرى المعتقلين وإنهاء معاناتهم الظالمة , انه دور جديرون به , للدأب والالتزام و النزاهة التي تحلوا بها وكل مساعدة قدموها .

                  إنني باسم الجبهة و قيادتها , وأمام هذا العرس النضالي الإنساني , أتوجه بالتهنئة لكل محرر وعائلته , كل باسمه , وأدعو كل أهلنا الصامدين في الأرض المحتلة , وأخص القوى و الشخصيات الوطنية والاتحادات و النقابات الوطنية الفلسطينيةوشعبنا في مخيماته وتجمعاته وكل جماهير شعبنا العربي في كل مكان , أن يرحبوا بهؤلاء الأبطال الترحيب الذي يليق بهممناضلين صامدين أحراراً .

                  إن ذلك تم إنجازه على قاعدة الصمود النضالي و الوطني , وتعزيز جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطينية لاستعادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى خطها ونهجها الوطني , التي هي الوجه المشرق لمنظمة التحرير الملتزمة بالميثاق وقرارات المجالس الوطنية .

                  من دمشق إلى جنيف 20 /5 / 1985
                  في الساعة 7.15 بتوقيت دمشق , الثالثة و الربع ( بتوقيت غرينتش ) أقلعت من مطار دمشق الدولي ثلاث طائرات مدنية .. اثنتان بوينغ

                  ( 727 ) تابعة للخطوط الجوية الليبية , وواحدة ( د . س9 ) تابعة للخطوط النمساوية .. وكان الأسرى الصهاينة الثلاث قد توزعوا على الطائرات الثلاث التي امتلأت بالمراسلين الصحفيين ( 40 مراسلاً ) وأعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر فضلاً عن مسؤولين و مقاتلين من الجبهة الشعبية _ القيادة العامة , وفصائلفلسطينية أخرى 0

                  كان سفيرالنمسا لدى دمشق السيد " هربرت غروب ماير" و مندوب الصليب الأحمر الدوليو الرفيق طلال ناجي الأمين العام المساعد للجبهة يشرفون على ترتيبات ركوب و مغادرة الطائرات ، و قد حضر الأسرى قبيل ذلك الوقت إلى قاعة المطار ، من إحدى قواعد الجبهة ،مطلقي الأيدي ، التف حولهم الصحفيون والمصورون لتسجيل آرائهم وانطباعاتهم ، عشية إطلاق سراحهم ، فاكتفوا بالقول بـ " إننا سعداء جداً لدرجة يعجز الكلام عن وصفها .. لقد تركنا عند الفلسطينيين أصدقاء بل رفاق " 0

                  و لم تنتقل الطائرات الثلاثة إلى جنيف مباشرة ، بل هبطت في فيينا متأخرة عن موعد الوصول ثلاث ساعات كانالهدف منها " إتاحة الفرصة أمام الصليب الأحمر للتأكد من هويات الفدائيين الأسرى الذين وصلوا جنيف "0

                  و رافق الرحلة إلى جنيف عدد من مقاتلي و كوادر الجبهة و قيادات و وجوه فلسطينية بينهم الرفيق أبو علي مهدي من قيادةفتح ، و يحيى يخلف الأمين العام لاتحاد الكتابو الصحفيين الفلسطينيين ، و جمع من الصحفيين و مراسلي وكالات الأنباء العربية و العالمية 0

                  و من إحدى الطائرات كان الرفيق فضل شرورو يدير مؤتمراً صحفيا ًعبر الهواتف ، ينقل خلاله وقائع العملية ،و يركز على دلالاتها ، و قد رد خلال الرحلة من دمشق إلى جنيف على أسئلة مراسلي الصحف و وكالات الأنباء العالمية حول مضامين اتفاقية التبادل و أبعادها ، و وقائعها0

                  من مطار بن غوريون 000 إلى جنيف :

                  تلفزيون العدو أذاع باللغة العبرية عصر 20/5 تقريراً عن عملية التبادل فيما يلي نصه :

                  " يعود الأسرى الثلاثة الذين كانوا في أسر " الفدائيين " إلى البلاد اليوم .. و الثلاثة هم :الرقيب أول حازي شاي ،و المجند يوسف غروف ، والمجند نسيم سالم ، ويتوجه هؤلاء في طريق عودتهم إلى البلاد مساء اليوم من مطار جنيف "0

                  تجري عملية استبدال الأسرى في دمشق ومطار بنغوريون و جنيف و أشكلون ( عسقلان )و نابلس ، و قد خرج الأسرى الثلاثة من دمشق على متن ثلاث طائرات مختلفة 0

                  وبالمقابل غادرت " إسرائيل " ثلاث طائرات تابعة لسلاح الجو تضم كل واحدة منها حوالي 150 معتقلاً فلسطينياً كانوا في السجون الإسرائيلية 0

                  أقلعت الطائرة الأولى من مطار بن غوريون في الساعة السابعة و النصف صباحاً بتوقيت غرينتش ، ثم تبعتها الطائرتان الأخريان بفارق زمني مقداره حوالي 30 دقيقة بين الواحدة و الأخرى ، و هي تحمل ( الفدائيين ) الذين أطلقت "إسرائيل " سراحهم ،و من بينهم منفذي عمليات بيت هداسا والخليل و الطريق الساحلي و نهاريا و العمليات التي طالت رجل المظلات إيلي لوبو و دايفيد روزتنفليد و الرائد حنان سمسون والنقيب يوسي كابلان ، أثناء عملية ملاحقة قرب نابلس ، و المقدم أوفير في عملية ملاحقة بعد حرب الأيام الستة ، و كوزوأوكوموتوأحد منفذي عملية مطار بنغوريون قبل 12 سنة، و غير هؤلاء

                  لقد تم تهيئة ( الفدائيين ) الذي سيتم إطلاق سراحهم قبل وقت من ذلك ،في سجني عسقلان و نابلس ، و وزعوا على ثلاثمجموعات ، أثناء تسلم رجالنا الثلاثة تسلم رجالنا الثلاثة في مطار جنيف سمح لـ (600 فدائي ) من الذين سيطلق سراحهم بالعودة إلى بيوتهم في المناطق المحتلة و ضمن مجالات الخط الأخضر 0

                  وهذا ، و تم نقل 150 إلى سوريا في نقطةالحدود في القنيطرة ، ونقل 394 منهم بالطائرات إلى جنيف و من هناك سينقلون إلىليبيا " 0

                  " و عندما أقلعت طائرة (الفدائيين ) صباح اليوم من المطار كان أيضاً مراسلنا " بني ليث " :

                  " الساعة الآن 2.30 ليلاً ،ضمن إجراءات أمنية مشددة تحيط بكل المطار ، وصل الباص الأول الذي يقل (الفدائيين) وعلى مدرج المطار تنتظر ثلاث طائرات بوينغ تابعة لسلاح الجو لنقل ( 394 فدائياً ) من " إسرائيل " إلى جنيف ، وكانت هذه المرحلة الأولى من عملية تبادل الأسرى ، وصلت الباصات و كانت نوافذها مغلقة ،ووصل ( الفدائيون) وهم مقيدو الأيدي و الأرجل ، و انتشرت قوات الأمن و الشرطة العسكرية على شكل ممر بين الباص والطائرة وبدا الأمر من بعيد كأنه حرس شرفلـ( الفدائيين ) ، و لكن قائد المنطقة الذي كان هناك أعلن أمراً بإبعاد جميع الجنود "0

                  " لم نر هنا دموع الفرح و لا آثار الفرح ، ( الفدائيين ) صامتون ، لا يصرخون و لا يغنون الأغاني الحربية " 0

                  " هذا هو كوزوأوكوموتو ( المقاتل ) الياباني الذي حكم عليه بالسجن المؤبد بسبب ( عملية ) في مطار اللد عام 1972 " 0

                  من بين المغادرين " فدائيون " جلسوا في السجن عشرة أو خمسة عشر عاما ً ، و كثيرون منهم حكموا بالسجن لمدة/99 سنة /0

                  " فدائيون "أطلقوا النار على الجنود ، ( فدائيون ) تسللوا إلى "إسرائيل " من البحرو البر والجو للقيام بعلميات (فدائية) ... من بين المغادرين شاهدنا ابن أخت أحمد جبريل الذي يرأس المنظمة التي قامت بخطف جنود الناحل الذين سيعود اثنان منهم غروف و سالم –اليوم "

                  في الساعة الخامسة و النصف انتهت فحوص الصليب الأحمر و وجد أن كل شيء على ما يرام و ليس هناك من أخطاء و بعد خمس دقائق من ذلك ستغلق الأبواب ، و سيظل الفدائيون مقيدين بأيديهم و أرجلهم إلى أن يصلوا إلى جنيف "

                  " تعرقلت عملية تبادل الأسرى لمدة ساعات عديدة و السبب هو أن الطائرات التي حملت أسرى جيش الدفاع الإسرائيلي من دمشق قد اضطرت إلى الهبوط في فيينا بسبب أعطال فنية و أن اثنين من الأسرى قد نقلوا إلى طائرات أخرى من أجل متابعة الطريق إلى جنيف " 0

                  * وفي مطار جنيف انتظرت وصول الطائرات قوات كبيرة من الجيش و الشرطة لحماية العملية ، فيما تابعت إذاعة العدو " باللغة العربية " مجريات التبادل و ذكرت أن عملية التبادل توقفت فجأة بسبب " أجواء التوتر و انعدام الثقة بين الطرفين ، المتبادلين " 0

                  و في غضون ذلك انتقلت وقائع عملية التبادل إلى النبأ رقم ( 1) في نشرات الأنباء في كل مكان ،و أصبحت المادة العاجلة لبرقيات الوكالات والصحف العالمية 0

                  جنيف .... ساعات التبادل :

                  كانت أنظار العالم كله تتجه نحو تلك الرقعة من الأرض السويسرية .. وكانت قضية تدقيق الأسماء و الدفعات والبرقيات تدخل امتحاناً عصيباً ، و تواجه مشكلات متداخلة في جو من الترقب و الحذر 0

                  لقد أصر قائد عملية الجليل على تدقيق جداول المحررين على أرض مطار جنيف ، ليس رقماً رقماً، بل كل اسم من أسمائهم مع التوثق من توقيع ممثل الصليب الأحمر على تلك الجداول ، ( في فلسطين المحتلة ) وفي مطار جنيف ، التزاماً بلوائح الاتفاقات الخاصة بآليةالتبادل ، فيما رفضت – من قبل ممثل الجبهة – برقيات معينة ، أكثر من مرة ، زيادة في التأكد من التزام العدو بالاتفاقات ،و في دقة و صحة إجراءات وصول المحررين إلى بيوتهم في مدن فلسطين المحتلة 0

                  إلى جنيف ، العاصمة السويسرية ، وصلت الطائرات " الإسرائيلية "الثلاث ، قادمة من مطار بنغوريون في تل أبيب على النحوالتالي :

                  الساعة (8.12 ) ، (8.20) ، (8.30) بتوقيت غرينتش ... و كانت تقل 394 أسيراً فلسطينياً و لبنانياً و هي من نوع بوينغ 727 وطليت باللونين الأزرق والأبيض مع شعار " جيش الدفاع الإسرائيلي " 0

                  و بعد ثلاث ساعات من وصول آخر طائرة تقل الأسرى العرب ، وصلت الطائرات الثلاث التي تقل – كل واحدة – أسيراً من الأسرى الصهاينة ... وهي طائرتان ليبيتان و واحدة نمساوية ، و كان سبب التأخير هو نزول الطائرات في مطار فيينا لكي يتأكد الصليب الأحمر من صحة هويات الفدائيين الأسرى الذين وصلوا الى مطار جنيف قبيل هذاالوقت 0

                  وبعد التأكد من صحة هويات الأسرى لدى الطرفين ، عن طريق الصليب الأحمر بالذات ، بدأت المرحلة الأولى من عملية التبادل ، بحذرشديد ، ووسط تشديدات أمنيةترافقت مع انتشار قوات الشرطة السويسرية المعززةبالمدرعات في كافة أنحاء المطار .. فقد انتقل – بوقت واحد – حوالي 230 أسير فلسطيني و لبناني إلى الطائرتين ، ليبية و نمساوية مقابل انتقال الأسير الصهيوني نسيم شالم إلى الطائرة الإسرائيلية، في ذات الوقت الذي استلم قائد العملية برقية بتحرير 238 أسير في الأرض المحتلة 0

                  ــــــــــــــــــــــــــــــ
                  وفي حديثه عن آلية إقلاع الطائرات قال الناطق باسم الصليب الأحمر ( آلان مدوكسي ) إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة _ اشترطت أن لا تغادر أي طائرة مطار جنيف قبل الانتهاء من عمليات التبادل وذلك منعاً لـ
                  ( هجوم مفاجئ ) في آخر لحظة وتقرر أن تقلع الطائرات الست كل اثنتين معاً , واحدة إلى تل أبيب بمقابل أخرى إلى طرابلس , على أن يكون هناك في كل مرة فاصل من الوقت يتيح تأمين سلامة الطائرات جميعاً .

                  في القنيطرة
                  أذاع تلفزيون العدو في نشرته الأخبارية باللغة العربية مساء 21/5 ما يلي :

                  ( في نقطة العبور , في القنيطرة . تم قبل منتصف الليلة الماضية , نقل 150 من " الفدائيين " المحتجزين في إسرائيل معظمهم من سكان لبنان , ينتمون إلى حركة أمل , ومنظمة الجهاد الإسلامي , وقام ضابط قوات الأمن التابعة للأمم المتحدة في منطقة هضبة الجولان بنقل هؤلاء إلى الجانب السوري حيث كان في استقبالهم ممثلو الصليب الأحمر الدولي وذووهم من سكان القرى المجاورة , وخالد الفاهوم رئيس المجلس الوطني الفلسطيني السابق .. ويفيد مراسلنا , أن عملية الإفراج جرت بصورة منتظمة , ولم تستغرق سوى نصف ساعة ) .


                  وفي الجانب الأخر .. كانت القنيطرة تشهد استعدادات شعبية واسعة لاستقبال المحررين .. كان ثمة عرس وفرح , عندما التقى المحررون بممثلي الثورة الفلسطينية و محافظ المدينة وحشد من رجال الصحافة السورية و العربية ووكالات الأنباء وجمع غفير من المستقبلين وكان الرفيق طلال ناجي الأمين العام المساعد للجبهة على رأس المستقبلين بمشاركة الرفيقين أبو جهاد يوسف و أبو حسام زكي عضوي المكتب السياسي للجبهة. وشارك في الاستقبال عدد من القيادات الفلسطينية الوطنية , وفي مقدمتهم الرفاقو الاخوة خالد الفاهوم . أبو موسى . عبد المحسن أبو ميزر . أبو ماهر اليماني . سمير غوشة , وممثلي الأحزاب و المنظمات العربية في العاصمة السورية وفي الساعة الخامسة مساء تحرك موكب المحررين باتجاه البقاع الغربي , فوصل الساعة الثامنة صباحاً إلى مقر الاتحاد الاشتراكي العربي وسط آلاف المستقبلين .

                  من نابلس إلى عسقلان
                  في الساعة الخامسة من بعد الظهر _ بتوقيت دمشق _ 20/5 فتحت أبواب سجن نابلس , وخرجت ثمانية باصات تقل 238 معتقلاً فلسطينياً إلى مركز الصليب الأحمر الذي يتولى تامين وصولهم إلى بيوتهم .

                  لنطالع ما أذاعه تلفزيون العدو عن أجواء عملية التحرير :

                  ( منذ ساعات الصباح تجمعت مجموعات من الشبان في شوارع المدينة وعلى الرغم من التعتيم الذي فرضته السلطات على الضفة فقد انطلقت ( الشائعات ) في المدينة .

                  جرت عملية الإطلاق ببساطة , وقد توقفت الباصات في شوارع المدينة وخرج( فدائيون ) للحرية , بعضهم قضى سنوات طويلةفي السجن

                  أمام أعيننا تجري , الآن عملية توحيد إحدى العائلات , فأبناء هذه العائلة منفعلون بعد أن افترقوا لعدة سنوات , ولكن وراء هذه الصورة وهذه الصورة الإنسانية هناك ( أيد ملطخة بالدماء الصهيونية ) . وفي إحدى بيوت نابلس هناك ثلاثة أشخاص تم إطلاق سراحهم وقضى هؤلاء في السجن مدة 17 سنة , ولا يقول هؤلاء ما هو السبب , لكنهم يقولون أن ذلك من اجل فلسطين ويصفون الحرية هنا بقولهم( إننا نخرج من سجن صغير إلى سجن كبير بسبب استمرار الاحتلال ) .
                  قال أحد السجناء الذين تم إطلاق سراحهم : _ و الحديث ما زال لمذيع تلفزيون العدو _ ( شعورنا عادي , ولكن مشاعرنا مع زملائنا الذين بقوا وراءنا , ونأمل أن يجدوا طريقهم إلى التحرر مثلنا ) .

                  س : هناك ثلاثة يهود مقابل أكثر من 1000 فلسطيني , ما هو شعوركم بالنسبة لهذا ؟

                  ج : لا يهمنا , إلا زملاؤنا الذين بقوا وراءنا بالدرجة الأولى , انهم عزيزون علينا , وقد تركناهم خلفنا , وهم يتألمون جداً ونحن نتألم جداً لهموكذلك كل أهالينا وشعبنا يتألمون لهم .

                  قال آخر : لقد عشنا فترة طويلة في السجون ونتألم , كما يتألمون , أكثر لانهم بقوا ولم يتحرروا كما تحررنا من السجن

                  أما المشاعر الصهيونية الآنية إزاء مشاهد تحرير الأسرى , فقد نقلها تلفزيون العدو في نشرة مساء عملية التبادل 20/5 على الوجهالتالي :

                  ( إن هذا ثمن مرتفع , ليس لان هذه الباصات أقلت عدداً من أعدائنا , وإنما لان هذا المشهد قد أعطى زخماً حقيقياً في المناطق المحتلة ..) .

                  ·على الطريق بين رام الله ونابلس كمنت عصابة مسلحة من منظمة ( غوش ايمونيم ) لمهاجمة قوافل الأسرى المحررين في الداخل .. وعلى الفور سارعت قوات من شرطة الأمن الصهيونية إلى الموقع وجرى حوار بين قائد القوة وزعماء العصابة استهله مسؤول الأمن قائلاً : ( يجب أن توقفوا هذا الأمر فوراً . انه قرار الحكومة .. أو لتذهبوا إلى مبنى الحكومة للاعتراض على القرار ) . فرد أحد أفراد العصابة : ( إنها هزيمة وطنية لإسرائيل , ولا ينبغي أن تمر .. أي تبادل هذا .. فدائيون قتلة يخرجون أحراراً ما بيننا .. هذا يعني تشجيعاً لهم .. ) ولكن المسؤول أجاب ( عليكم مغادرة المكان فوراً , وإلا تعرقلت العملية .. إن هناك أخر أسير من أسرانا لم يطلق سراحه حتى الآن في جنيف .. انهم بانتظار أن يتم هنا الإفراج عن الجميع ..)( تلفزيون العدو 20/5/85 )

                  ·وفي كل مدن الأرض المحتلة وضعت مئات السيارات تحت تصرف المحررين تأميناً لوصولهم إلى بيوتهم فيما خرجت الجماهير إلى الشوارع لاستقبال الأبناء المناضلين في وقت حاصرت مجموعات صهيونية فاشية بناية

                  ( الكنيست ) تعبيراً عن الاحتجاج على الإذعان لشروط الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة .

                  في طرابلس الغرب ـ 20 / 5 / 1985

                  وصل إلى طرابلس الغرب فجر 20/5/1985 , 394 مناضلاً محرراً فلسطينياً وعربياً ومن جنسيات أجنبية , على متن طائرتين ليبيتين وثالثة نمساوية , قادمتين من جنيف . وقد كان في استقبالهم على أرض مطار طرابلس الدولي الرفيق أحمد جبريل الأمين العام للجبهة الشعبية _ القيادة العامة و الاخوة عمر الحامدي أمين مؤتمر الشعب العربي وسامي قنديل وأبو مجدي عضو قيادة فتح وعدد من قادة جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطينية و المسؤولين الليبيين .

                  ووسط لقاءات عاصفة بين الرفاق المحررين و المستقبلين حملت جموع غفيرة من الفلسطينيين و الليبيين الفدائي الياباني .. كوزو اوكوموتو .. على الأكتاف وهي تردد الشعارات و الهتافات النضالية المؤيدة لاستمرار الكفاح المسلح و المعادية للإمبريالية و الصهيونية و الرجعية مؤكدة عزمها على مواصلة المسيرة حتى تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني .

                  في الأراضي المحتلة ـ 20 / 5 / 1985

                  وفي الضفة الغربية المحتلة استقبلت المدن , والقرى , التي ينتمي إليها المحررون , أبناءها العائدين إليها بفرح غامر بعد انتظار دام اكثر من ثلاثة أسابيع كانت خلالها المفاوضات مستمرة .

                  وقد أقام الأهالي احتفالات ترحيب بالمحررين في الخليل وغزة ونابلس ورام الله وسائر المدن و القرى الفلسطينية . وسار مئات من المتظاهرين الفلسطينيين وهم يرددون شعارات مناهضة للاحتلال الصهيوني وأناشيد وطنية فلسطينية .

                  من جهة أخرى , وما أن انتشر الخبر حول وصول المحررين الستة إلى قرية الطيرة حتى خرج أهلها رجالاً ونساءً إلى الشوارع ليقيموا مراسم أعراس شعبية واسعة ابتهاجاً بعودة أبناء القرية الذين قضوا في السجون الصهيونية فترات تتراوح بين 10 _ 17 سنة .

                  وفي عكا استقبل حشد واسع من أهلنا في المدينة القديمة بالأناشيد و الهتافات و الزغاريد في منتصف الليل , المناضل المحرر يوسف إدلبي , بعد أن قضى في سجن الرملة مدة 13 عاماً .

                  وفي وادي النسناس بحيفا استقبل الأهالي يتقدمهم الشاعر الفلسطيني سالم جبران المناضل داوود تركي بعد أن قضى في سجون الاحتلال 12 عاماً .

                  وخرجت قرية مجد الكروم عن بكرة أبيها لاستقبال المحررين من أبناء القرية العائدين إلى عائلاتهم . واستقبلت الجموع المحتشدة على مشارف القرية راجح بشرو ومنير منصور وجميل مصطفى دياب بعد أن قضوا في السجون الصهيونية مدداً تتراوحبين 10 – 16سنة .

                  كما استقبل أهالي قرية جديدة بعد انتظار طويل المناضلين المحررين أحمد كمال وفريد عكاوي بحفاوة بالغة وبالأناشيد الوطنية

                  في البقاعـ21 / 5 / 1985

                  في ساعة مبكرة من صباح هذا اليوم وعند نقطة المصنع وصل 151 محرراً قادمين من القنيطرة في 3 أوتوبيسات سورية

                  ورافق العائدين الرفيق طلال ناجي الأمين العام المساعد للجبهة وأبو جهاد يوسف عضو المكتب السياسي وأبو ماهر اليماني عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين , وكان في مقدمة المستقبلين الاخوة عبد الرحيم مراد و عمر حرب وحافظ الصايغ من القيادات الوطنية اللبنانية وعضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي اللبناني فاروق دحروج . وانتقل الموكب إلى بلدة ( تعنايل ) حيث توزعوا من أمام مقر الاتحاد الاشتراكي العربي على مكاتب أحزابهم وفصائلهم .

                  وأصبحت المناسبة مهرجاناً خطابياً , هنأ الرفيق طلال ناجي خلاله العائدين متمنياً لهم الوصول إلى أهاليهم بأسرع وقت ممكنو العودة إلى ساحة النضال .

                  في صيدا ـ 22 / 5 / 1985

                  وصل اليوم إلى صيدا ستة من المعتقلين الذين أطلق سراحهم من السجون الصهيونية حيث كان لهم استقبال حاشد أقامته منظمة العمل الشيوعي وحضره النائب نزيه البزري

                  كما أقامت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني حفل استقبال في مركزها تكريماً للشيوعيين المحررين من معتقل عتليت وعددهم 21 محرراً في حضور النائب نجاح واكيم و الأعضاء في المكتب السياسي للحزب الشيوعي نديم عبد الصمد وجورج البطل وسعد اللهالمزرعاني .

                  في مخيم عين الحلوةـ 22 / 5 / 1985

                  وصل إلى مخيم عين الحلوة 55 محرراً فلسطينياً , عابرين جسر نهر الأولي على متن باصين في السادسة و النصف مساء قادمين من دمشق , وكان في استقبالهم حشد كبير من أبناء شعبنا في مخيمات الجنوب , وقد انطلق الموكب بعد ذلك في تظاهرة جماهيرية ضخمة اخترقت شوارع صيدا , وهي تتحدى الصهاينة , وتتعهد بتصعيد الكفاح المسلح ضد الاحتلال و المحتلين الصهاينة .
                  نقلا عن
                  http://www.palestinesons.com/index.php


                  مركز بيسان ... يرحب بكم
                  http://besancenter.maktoobblog.com/

                  تعليق

                  يعمل...
                  X