مقدمة المؤلف:
تحسين الحلبي (أسير سابق لدى العدو الصهيوني تحرر في صفقة النورس عام 1979م، ويعمل حاليا كمترجم عن العبرية)
إذا كانت القضية الفلسطينية منذ نكبة عام 1948 و ما سبقها من نضال ضد الحركةالصهيونية والاستعمار العالمي تتعلق بمسألة وطنو شعب أبعد بالقوة عن أرضه و ممتلكاته و بضرورة تحريرهذا الوطن والعودة إليه فإن تطورات هذه القضيه بعد احتلال بقية أجزاء فلسطين في حرب حزيران عام 1967 فرزت معها عاملاً آخر هو مسألة المعتقلين المناضلين و ضرورة تحريرهم من الأسر و الاعتقال وعودتهمأحراراً إلى ساحة النضال .
ففي أعقاب احتلال عام 1967 تحول جزء مهم من الشعب الفلسطيني في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة إلى شعب يتعرض لكافة أشكال قمع قوات الاحتلال و مخططات " إسرائيل " التوسعية . وكان من الطبيعي بعد امتداد انتشار قوات الاحتلال من أراضي عام 1948 إلى أراضي عام 1967 أن تتسع و تتصاعد المقاومة المسلحة و السياسية و تتحول الى نشاط سري وعلني تحت شعار طرد الاحتلال واستعادة الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني فوق ترابه الوطني .
و على غرار كافة التجارب الثورية و النضالية ونتائجالحروب كان من المتوقع بشكل طبيعي أن يسقط الشهداء و أن يقع مناضلونو مقاتلون جرحى و مناهضون سياسياً للاحتلال في أسر قوات الجيش الإسرائيلي و يتعرضون للمحاكمات العسكرية الصورية و الزج في السجون في أسوء ظروف الاعتقال الوحشية .
و في داخل تلك المعتقلات التي افتتحتها قوات الاحتلال داخل أراضي فلسطين عام 1948 و في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزه أصبح الآلافو في بعض الأحيان عشرات الآلاف من أفراد الشعب الفلسطيني شباباً و شيوخاً و نساءً أيضاً يزجون في زنازينها و أقبيتها.
و كان هؤلاء يعتقلون في هذه السجونبصيغ و أسباب متعددة هي : -
1-إما أنهم مقاتلون مسلحون وقعوا في الأسر جرحى في أعقاب عمليات فدائية قاموا بتنفيذها عبر اختراق حدود نهر الأردن أو جنوب لبنان أو في داخل الأرض المحتله.
2-و إما أنهم مقاتلون محليون من داخل المدن الفلسطينية المحتلةو تمكنت قوات الاحتلال من أسرهم بعد اشتباك مسلح .
3-و إما أنهم أعضاء في منظمات فلسطينية أو شخصيات وطنية مستقلة من داخل الأرض المحتلة و يتولون مهاماً نضالية سرية سياسية و لوجستية و تنظيمية لمقاومة الاحتلال وتنظيمالعمليات المسلحة داخل فلسطين المحتلة .
4-و إما أنهم اعتقلوا لأسباب طارئة كرهائن يراد من خلال اعتقالهم لفترة غير طويلة إرهاب الشعب الفلسطيني و مقاومته المسلحة لأن هذا الشكل من الاعتقال الجماعي غالباً ما يتعرض له الآباءو النساء والأطفال الذين لا علاقة لهم بمثل هذه النشاطات .
و كان من بين هؤلاء المعتقلين عرب فلسطينيون و عرب أشقاء و بعض الأجانب . و كانت سجون الاحتلال قد شهدت منذ حرب عام 1967 حتى عام 1973 وجود ما بينأربعة آلاف الىستة آلافمعتقل صدرت بحق معظمهم أحكاماً عسكرية بالسجن المؤبد و غير المؤبد وأصبحت قضية تحريرهم من الاعتقال و عودتهم أحراراً بين أهلهم و فوق أرضهم لمتابعة النضالمن بين المهام الأساسية على جدول العمل الوطني الثوري الفلسطيني منذ بداية وقوعهمفي أسر العدو بعد حرب عام 1967. و لقد شكلت هذه المهمة الوطنية الثورية لتحرير المعتقلين إلهاماً مبدعاً و ثورياً للثورة الفلسطينية و قادتها طول فترة طويلة.
و كانت الطليعة الأولى في إنجازهذه المهمة هي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة - حين نجحت في أسر ضابط إسرائيلي يدعى إبراهام عمرامعام ( 1978) أثناء اجتياح الجيش الإسرائيلي لجنوب لبنان.
و بعد عملية التبادل التي فرضتها على العدو الإسرائيلي بعد عام من أسره و تحرير( 76 ) معتقلاً من كافة فصائل الثورة الفلسطينية في آذار 1979 تمكنت الجبهة مرة أخرى أثناء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982في لبنانمن أسر ثلاثة جنود من قوات العدو الإسرائيلي و فرض أكثر الشروط ثورية على العدو في أهم عملية تبادل أسرى جرت في تاريخ الصراع العربي الصهيوني بل و في تاريخ أي صراع مسلح بين قوات حرب العصابات و بين جيش نظامي حديث.
و هذا الكتاب سيتحدث بالتفصيل عن مجريات هذه العملية من جديد في ظلظروفأصبحت المعتقلات الإسرائيلية فيها تشهد وجود ما يزيد على سبعة آلاف معتقل فلسطيني نصفهم حشدتهم قوات الاحتلال كرهائن بشرية لأسباب سياسية و إرهابية في أعقاب اتفاقات أوسلو و ما تضمنته من تنازلات لم يسبق لها مثيل تجاه إسرائيل و احتلالها الغاصب .
و من صفحات هذا الكتاب سيدرك القارئ دونما جهد طبيعة هذا العدو و ماهية العامل الحاسم الذي يفرض عليه الإفراج عن المعتقلين أحراراً و أسياداً فوق وطنهم و بشروطهم الثورية دون أي تنازل سياسي أو أخلاقي أو معنوي.
و إن إجراء أي مقارنة بين ما حدث في عملية تبادل الجليل كقضية على جدول العمل الوطني الثوري الفلسطيني و بين عملية مطالبة السلطة الفلسطينية بضرورة إفراج إسرائيل عن المعتقلين بعد اتفاقات أوسلو كقضية على جدول عمل خارطة الطريق ستوفر للقارئ صورة كافية لفهم هذا العدو الإسرائيلي و اللغة التي يفهمها و تجعله ينصاع إلى شروطها.
و في هذا الكتاب سيجد القارئ و بشكل موضوعي كيف تجسد إدراك الأمين العام أحمد جبريل وقيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة – في أدق التفاصيل لطبيعة هذا العدو الإسرائيلي وللهدف الذي أراد تحقيقه من خلال ادارته للمفاوضات وتحديد الاسلوب واللغة التي يفهمها ويخضع لها .
مدخل :
في جدلية إمكانات تركيع العدو ....
الشيء الذي جرى ليس مفاوضات بالتحديد .. هو معركة بسلاح الشروط و المطالب العادلة 0
وفي هذا يكمن سر إمكانات فرض تركيع العدو الذي ،حتى العشرين من أيار 1985 – (يوم التبادل )– كان يأمل بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء ، بعد عامين من الوساطة التي شارك بها كل من الدكتور هربرت إيمري سفير النمسا لدى أثينا
ومبعوث السيد كرايسكي ، المستشار السابق للنمسا ومنظمة الصليب الأحمر الدول0
ونحن نرى ، أن الثوري يفترق عن اللاثوري و المهادين ، - حين يتعلق الأمر بعملية تبادل الأسرى مع العدو – في نقطة الهدف الذي يرسمه ، كما في نتائج العملية وتأثيرها في تصليب موقف المقاتلين من أجل الحرية ، وقبل هذا في التحليل الدقيق والعميق ، لتوازن القوى عبر حساب قوة النفس ومكوناتها ، وقوة العدو ومكوناتها أيضاً 0
إن معيار التمسك بالحق ، بمقابل التفريط به ، يظهر هنا – في مفاوضات التبادل – مثلما يظهر في ساحة المجابهة .. يظهر في رصد الشروط والمطالب وبنائها ، من خلال الوسيط ، أو القناة ، أو الطاولة ، مثلما يظهر في رصد حركة العدو من خلال ناظور البندقية .. يظهر في الانتقال إلى حيث لا يجد الطرف الثاني بداً من التسليم ، مثلما يظهر في الزحف عبر الأسلاك الشائكة المضروبة حول الوطن ، إلى حيث نقطة الضعف لدى العدو .. أو نقطة الغطرسة لديه 0
وهكذا ، ففي دمشق وجنيف ، وفي دمشق مرة ثانية وجنيف مرة أخرى ، جرى ما يمكن تسميته " صدام " ولكن بأساليب معينة .. بأساليب الحوار عبر طرف ثالث 0
إننا نتفق مع ما ذكره " إيتان هبر " حول مفاوضات جنيف حين قال : " اجتمعت هناك ثقافتان مختلفتان وقيم متغايرة تماماً " رغم أننا نعرف أن الكاتب الصهيوني يضع ثقافة و قيم عصابة " شتيرن " و " الأرغون " وفرق اللصوص والتدمير
والاحتلال ، في موقع أسمى من موقعها الحقيقي الذي تحتله في الحضيض ،فيما ينتسب الفلسطيني إلى تلك الكرامة الحضارية المشعة التي لا يختلف اثنان على قوة امتدادها في التاريخ .. إنها ثقافتان حقاً : ثقافة متصلة بالأرض وأخرى معلقة بالأوهام والخلفيات الملفقة 0
وحين يحاول الفلسطيني تركيع عدوه أمام شروطه العادلة ، فينبغي أن تكون يده دائماً على الزناد ، على نابض عيه وخبرته وأصالته الثورية .. فمن بين شرخ دقيق في الانتباه يمكن للريح الصهيونية الصفراء أن تسلل .. ويمكن لها أن تسمم الجو وتصادر عدالة المطالب ومكسب اضطرار العدو للتسليم بالحق 0
وحين يكون أمام الفلسطيني ، في الطرف الآخر مفاوضا ، مثل شموئيل تمير أو عاموس يارون ، يوقع على صك تحرير الأسرى صاغراً ،فإن المسافة إلى استعادة الوطن لم تعد أمامه شاسعة أو مستحيلة ... وحين يقايض ثلاثة أفراد من أفراد العدو بألف ومائة وخمسين أسيراً فدائياً فهو يمتلئ إعجاباً بهويته ، لأنه في الأقل سيدخل الفرحة إلى ألف ومائة وخمسين عائلة ، ولآلاف المنازل في الموطن المحتل والشتات ... وهنا بالتحديد أعطت عملية التبادل .." عملية الجليل " مثالاً حياً على اتحاد الفلسطيني بالفلسطيني رغم شروط التباعد والضياع والاحتراب أحياناً
يكفي – لكي نعطي لأنفسنا مبرر الاعتزاز – أن نتذكر أن ثمة أكثر من ستمائة مناضل فلسطيني توردت بهم بيارات وقرى ومدن الوطن المحتل من الشمال إلى الجنوب .. حين ضمنت لهم " عملية الجليل " – رغم أنف العدو – حرية العودة إلى بيوتهم، وحالت دون انتزاعهم من جغرافية فلسطين إلى الشتات .. فاستقبلت القدس وبيت لحم والخليل ورام الله ونابلس وطولكرم وجنين وأريحا وغزة أبناءها البررة ، وفي أيديهم وثيقة التحرير التي كانت لجبهتنا شرف صياغتها ..كما استقبلت – ولأول مرة في تاريخ تبادل الأسرى مع العدو – مدن الجليل والمثلث ، من الأراضي المحتلة عام 1948 ، مناضلين قضوا سنوات من الاعتقال والأسر في السجون الصهيونية ، كان لعملية الجليل شرف تحريرهم ويكفي فوق هذا أن نستعيد صدى الدويّ الواسع الذي أحدثته عملية الجليل ، سلباً حين انعكس في مزاج القيادة الصهيونية ومؤسساتها وفي تآكل الائتلاف الحكومي وتعمق الصراع بين أجنحته وإيجاباً ، في ذلك الاحتضان الشعبي الفلسطيني الذي حظيت به العملية في الوطن المحتل وخارجه ، كما وفي مظاهر الاحتفاء والتأييد العربي الواسع الذي عبر عن نفسه ، في الساحة اللبنانية و في سورية والجماهيرية ، بتظاهرات الترحيب ،
وقبل هذا في دعم موقف الجبهة وشروطها و تهيئة مستلزمات التبادل... فضلاً عن الأبعاد الدولية ، بمستوياتها التي تبلورت باهتزاز صورة الكيان الصهيوني والشك في متانة حكومته لدى الرأي العام في الغرب ، وبآيات التضامن والإعجاب من قبل الدول والقوى الصديقة ، وبما وطد الثقة بقدرة الثورة الفلسطينية على الرد والتواصل رغم الغزو الصهيوني للبنان و الصعوبات التي نشأت عنه 0
وبالرغم من أننا لم نكن نضع في الاعتبار الهدف الإعلامي من وراء " عملية الجليل " ولم نتدخل في سياقات التحليل والتقويم المحلية والدولية مكتفين بوضع المأثرة في إطارها وحجمها الواقعي ، غير أن كمّ الأضواء الذي سلط على مفاصل ومراحل ونتائج العملية ، يعزز فينا روح التمسك بهذا الخط ، خط العمل النضالي الملموس غير المسبوق بنوايا الكسب الدعائي 0
و بتواضع نقول :
لقد خضنا هذه المفاوضات – المعركة بشعور مليء بعدالة مطالبنا ، وكنا شرفاء في التعامل مع الوسيط ، أمناء على الكثير من الملاحظات التي سمعناها منه ، دون أن ننسى بأن " عملية الجليل " ليس سوى واحدة من المعارك التي تخوضها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة و الثورة الفلسطينية باتجاه تحرير الوطن المحتل ، تلك العملية الكبرى التي يعد شعبنا نفسه لها ، منذ أن دنست أرض فلسطين عصابات الاستيطان الصهيوني 0
عمر الشهابي –عضو المكتب السياسي, رئيس الوفد المكلف بالمفاوضات
.................................................. .....
الدلالات العميقة
الرفيق / طلال ناجي
الأمين العام المساعد للجبهة الشعبية – القيادة العامة
جرت عملية الجليل لتبادل الأسرى مع العدو الصهيوني في ظروف دقيقة فلسطينياً وعربياً ، نتيجة الغزو الصهيوني للبنان ، فقد كان العدو الصهيوني لا يزال جاثماً فوق قسم كبير من الأراضي اللبنانية وكانت الجماهير الفلسطينية تعيش في ظل الانطباع الذي تولد عن الغزو الصهيوني للبنان عام 1982 وهو تقاعس الأنظمة الرجعية بل ومعظم الأنظمة العربية والتي نستثني منها مواقف سوريا والجماهيرية العربية الليبية والجزائر تجاه الغزو الصهيوني للبنان ومواقفها الحالية إلى جانب الشعب العربي الفلسطيني وإلى جانب صمود الشعب الفلسطيني والثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية والقوات العربية السورية والتي كان جزءاً منها موجوداً في بيروت وكذلك تلك القوات الباسلة في الجبل والبقاع التي تصدت للغزو الصهيوني . ما عدا موقف هذه الدول كان الموقف العربي الرسمي سيئاً للغاية بل إنه حال دون عقد قمة عربية تبحث في عدوان واسع بشع يحتل عاصمة عربية ويقتل الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني واللبناني المكافحين والمتصدين للغزو الصهيوني في جنوب لبنان وتحتل مساحات واسعة من الأرض العربية ومع ذلك لم يؤد هذا العدوان البشع إلى تحر ك هذه الأنظمة أو موافقتها حتى على عقد قمة عربية رغم الدعوات العديدة التي صدرت من جانب أكثر من طرف لعقد مثل هذه القمة ولكن كما قلت كان الموقف العربي موقفاً متقاعساً عن نجدة المقاتلين السوريين والفلسطينيين واللبنانيين في لبنان في ظل هذه الظروف الدقيقة جاءت عملية الجليل لتبادل الأسرى وأيضاً جاءت في ظل أوضاع فلسطينية معقدة ومتردية ترتبت .
بسبب النهج اليميني الذي مثله ويمثله من يقف على رأس منظمة التحرير الفلسطينية وهي قيادة هذه المنظمة , والتي كانت قد قدمت سلسلة من التراجعات عن الحقوق الوطنية الثابتة لشعب فلسطين , عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال الوطني والعودة إلى الوطن عن حق منظمة التحرير الفلسطينية بأنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني لقد اتفق عرفات مع الأردن على مبدأ التقسيم في التنفيذ , ومن ثم أيضاً على إقامة دولة متحدة تلبي المطالب والرغبات الأمريكية بما يتعلق بحل القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني . وكما هو معلوم كان الأمريكيون قد طلبوا رسمياً في مبادرة ريغان , وبعد مبادرة ريغان ومع الأردن ومن المنظمة عبر الوسطاء على أن يكون حل القضية الفلسطينية عبر الخيار الأردني , وكانت قيادة المنظمة قد وافقت على الخيار رسمياً من خلال ما سمي من بعد اتفاق عمان سيئ الصيت والسمعة , وكانت القيادة الفلسطينية قد بدأت بالتراجع على الأرض في لبنان عندما أوعزت لبعض الرموز السيئة في صفوفها للعمل على تهجير المقاتلين الفلسطينيين من الساحة اللبنانية وبالتالي التحاقهم في لواء شكل حديثاً في ذلك الوقت أو كان في صدد التشكيل على طريق الالتحاق بقوات بدر الموجودة في الأردن على قاعدة إنهاء الكفاح المسلح وإنهاء وجود قوات الثورة الفلسطينية على الأرض اللبنانية . وكانت القيادة الفلسطينية أيضاً قد قدمت تنازلات في علاقتها مع نظام كامب ديفيد في مصر , حيث خرقت مقررات القمم العربية وخاصة قمة بغداد عام 1978 م وأقامت علاقات وثيقة مع النظام في مصر ـوأصبحت بالتالي تنسق خطواتها مع أطراف هذا النظام من أجل البحث عن مكان أو حصة لها في مشاريع التسوية الأمريكية التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية .ويذكر الجميع أن عملية التبادل وقعت بعد تكريس الانقسام في الساحة الفلسطينية والذي قادت اليه تلك القيادة اليمينية في المنظمة من خلال عقد ما سمي بالمجلس الوطني في عمان لعام 1984 م الذي أدى الى انقسام منظمة التحرير وانقسام الثورة الفلسطينية. كماأرادت هذه القيادة تعميق خطواتها المنحرفة بالتساوق مع المشاريع الأمريكية المطروحة للتسوية في المنطقة .
في ظل كل هذه الظروف جاءت عملية الجليل لتبادل الأسرى لتشكل رافعة للنضال الوطني الفلسطيني ورافعة للنضال القومي العربي عموماً حيث استطاعت هذه العملية الكبيرة والعظيمة أن تفرض على العدو الصهيوني تقديم تنازلات جوهرية وأساسية لم يكن يقبل بها من قبل وبالتالي لم يكن يدور في خلد الكثيرين من المتتبعين للصراع العربي الصهيوني بأن العدو الصهيوني يمكن أن يرضخ لمثل الشروط التي رضخ لها في عملية التبادل ( الجليل ) .فقد تعود العالم على الصلف والعنجهية التي يمارسها العدو الصهيوني في موقفه وسياسته وعدوانه المستمر على الأمة العربية واغتصابه للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني . وبالتالي كان العدو الصهيوني يرفض باستمرار تقديم أي تنازل لصالح نضال الشعب العربي الفلسطيني ولصالح الأمة العربية ، فجاءت عملية الجليل وأرغمت هذا العدو على تقديم تنازلات مهمة عندما رضخ لشروط الجبهة الشعبية – القيادة العامة في إطلاق سراح المئات من المناضلين المرموقين الذي قدموا وأبلوا بلاء حسنا في معركة التصدي للعدو الصهيوني ، وفي النضال الوطني الفلسطيني عموماً . رضخ هذا العدو لمطالب الجبهة وقرر إطلاق سراح هؤلاء المناضلين ، وان الأمر لم يقتصر على إطلاق سراح ( 1150 ) من المناضلين الفلسطينيين من سجون العدو فحسب بل إن هذا العدو كان قد حاول أثناء المفاوضات التي استمرت أكثر من عامين رفض إطلاق سراح بعض الرموز من المناضلين الفلسطينيين الذين صدرت بحقهم أحكاماً عالية للغاية و كانوا قد قدموا على لائحة غير قابلة للبحث في إطلاق سراحهم . اضطر العدو للرضوخ – نتيجة إصرار الجبهة و إرادة قيادتها أثناء المفاوضات عبر الصليب الأحمر – لإطلاق سراح عدد من هذه الرموز و هؤلاء المناضلين الذين يقومون الآن بدورهم النشط النضالي الوطني الفلسطيني ً في عموم فصائل الثورة الفلسطينية ، لقد دلت عملية الجليل على أن الإرادة تستطيع أن تصنع النجاح فعندما نملك إرادة الصمود ، إرادة التصدي لمخططات العدو ، لصلف العدو و غروره ، التصدي لأطماع العدو ، ولعدوانه ، نستطيع أن ننتصر ، أن نحرز النجاحات المطلوبة في نضالاتنا الوطنية العادلة وفي نضالاتنا القومية ضد هذا العدو ومن أجل حقوقنا الوطنية و القومية .
من هذا المنطلق شكلت عملية الجليل رافداً للنضال الوطني الفلسطيني وهاهي آثار تلك العملية تتفاعل حتى يومنا هذا داخل المجتمع الصهيوني وتتفاعل في جسم الثورة الفلسطينية وفي جسم الشعب الفلسطيني حيث شكل هؤلاء المناضلون الأبطال الذين خرجوا من سجن العدو الصهيوني رافداً مهماً للثورة الفلسطينية و لكل فصائلها ورافداً مهما للنضال الوطني الفلسطيني ورافداً مهما للنضال القومي من أجل حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية ومن أجل حقوق الأمة العربية بأجمعها أيضاً .
عملية الجليل حملت دلالات واضحة في النضال الوطني و القومي عموماً
وأثبتت أن العرب يستطيعون إذا امتلكوا الإرادة الحاسمة و المصداقية ، أن يفرضوا على هذا العدو تقديم التنازلات ، يستطيعون أن يفرضوا على العدو الصلف والمغرورالتراجع ،و أن يدحروا هذا العدو من خلال إرادتهم الصلبة القوية المتماسكة . ولكن التفريط أي القبول بشروط العدو أو التنازل عن حقوقنا الوطنية
والقومية من شانها أن تزيد العدو غروراً وأن تزيد العدو تمسكاً في مطامعه
وعدوانه ضد الأمة العربية وضد الشعب العربي الفلسطيني . ولا بد من التأكيد على أن عملية الجليل وما جسدته من دلالات على الإرادة و على الصمود وعلى تحقيق الانتصار من خلال التمسك بالمطالب العادلة و المطالب الوطنية والقومية للأمة العربية تمثل الوجه الآخر المناقض لما جرى بين النظام في مصر في زمن السادات وبين العدو الصهيوني عندما وافق السادات على تقديم التنازل تلو الآخر والذي انتهى في اتفاقات كامب ديفيد المشؤومة وفي معاهدة الصلح المشؤوم مع العدو الصهيوني في 1978/1979 كما يذكر الجميع .
وحين تابعنا آلية عملية التبادل في القنيطرة المحررة ، عن قرب كنا تفترض بأن هذا العدو سيحاول لآخر لحظة المماطلة ، سيحاول لآخر لحظة الهرب من الوفاء بالتزاماته التي أبرمها ووقع عليها للصليب الأحمر الدولي ، وكنا ننتظر بفارغ الصبر وصول الأبطال المحررين إلى بوابة العبور بالقرب من القنيطرة المحررة حتى نتأكد من فرض إرادتنا على هذا العدو ومن نجاحنا في إلزام هذا العدو بالوفاء بالتزاماته . ومن هذا المنطلق كانت الفرحة غامرة لدينا باستقبال الأبطال في القنيطرة و كانت فرحة الأبطال المحررين غامرة بلقاء إخوانهم الذين غابوا عنهم لفترة من الوقت والذين كانت توقعات الكثيرين وخاصة العدو الصهيوني بأن غيابهم سيطول كثيراً فكان اللقاء الذي يدل على متابعة الكفاح ، بمتابعة الكفاح ، بمتابعة النضال ، بمتابعة مسيرة العمل الوطني والنضال الوطني والقومي ضد هذا العدو
وهذا واقع الحال الآن. فقد عاد هؤلاء المناضلون إلى صفوف أحزابهم وقواهم الوطنية و فصائلهم في الثورة الفلسطينية ، يتابعون النضال و الكفاح ضد العدو ، ويتابعوا المسيرة التي بدءوها قبل أسرهم . وكما قلت لقد ابلوا ولا زالوا يبلون بلاء حسناً في صفوف الثورة الفلسطينيةوالحركة الوطنية اللبنانية والقوى الوطنية والإسلامية في لبنان .
وعلى صعيد آخر أدت عملية الجليل إلى هزة كبيرة وشديدة في صفوف المجتمع الصهيوني لا زالت هذه الهزة تتفاعل إلى يومنا الحالي ولعل أكثر ما يدل على هذه الهزة هو الاتهامات التي صدرت على لسان عدد من القادة الصهاينة ومنهم عضو الكنيست الصهيوني النائبة العنصرية غيئولا كوهين التي طالبت بطرد وإبعاد المناضلين المحررين في عملية الجليل الموجودين داخل الوطن المحتل ، إلى خارج فلسطين ، خارج الوطن المحتل متهمة إياهم بأنهم هم العمود الفقري للانتفاضة وهم المحرك الرئيسي لجماهير شعبنا في الداخل في انتفاضته الرائعة الراهنة ،
وبالتالي قالت فلنعاقبهم على ذلك من خلال إبعادهم وعندها نستطيع أو نتمكن من إخماد جذوة الانتفاضة أو التأثير عليها من خلال إبعاد هذه الرموز والكوادر المجربة والقادرة على النضال و على تأطير الجماهير وقيادتها . فالعدو الصهيوني ، يعتبر هؤلاء المحررين ووجودهم في الوطن المحتل قنبلة موقوتة في داخل المجتمع الصهيوني تحت أقدام الطغاة المحتلين للأرض العربية الفلسطينية . وكان شارون وعدد من قادة العدو الصهيون قد أعربوا عن غضبهم من رضوخ القيادة الصهيونية و حكومة العدو لشروط الجبهة في حينه ، عندما أجبرت العدو الصهيوني على الإبقاء على أكثر من605 مناضلاً من المحررين في الوطن المحتل . كان شرط الجبهة أن يبقى هؤلاء المناضلون الأبطال ، أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة وحتى قسم من الأهالي و أبناء القرى الفلسطينية في الجليل المحتل داخل الوطن المحتل و حاول العدو الصهيوني جاهداً أن يرفض هذه الشروط إلا أن الجبهة أجبرت العدو على الرضوخ لهذا المطلب فأدى ذلك فيما بعد إلى هزة شديدة في المجتمع الصهيوني فيما عمت الأفراح مدن وقرى الضفة الغربية والجليل
والنقب وساحل فلسطين وغزة نتيجة خروج المحررين .وكانت الأعراس والأفراح تعم القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية ،و بالمقابل كانت حالة من الشعور بالاحباط والكآبة تخيم على المجتمع الصهيوني نتيجة خروج هؤلاء الأبطال المحررين لأن العدو أدرك لأول مرة ، أدرك المجتمع و الفرد معاً أن أصحاب الإرادة أصحاب الحق العرب والفلسطينيين نجحوا في فرض إرادتهم على القادة الصهاينة ، على قادة الكيان الصهيوني وبأن هذا مؤشر خطر للمستقبل ونذير شؤم عليهم وبأن اليوم الذي يفرض المناضلون الفلسطينيون و العرب على العدو الصهيوني ، على الكيان الصهيوني ، التسليم بكل المطالب الوطنية والقومية العربية ليس ببعيد ، وطالما رضخ العدو لهذا المطلب فإنها أول الطريق وبالتالي سيتبع هذا سلسلة من التنازلات اذا ما أحسن المناضلون العرب و المناضلون الفلسطينيون التمسك بمطالبهم والتمسك بإرادتهم وفرض شروطهم على هذا العدو .
وحتى يومنا هذا ما زالت عملية الجليل تحدث أثراً واسعاً في صفوف المجتمع الصهيوني وهزة شديدة ، جعلت القادة الصهاينة يتحدثون عن آثار هذه العملية بعد مرور سنوات كثيرة على وقوعها ،وبأنها أحد أهم أسباب قيام الانتفاضة في الوطن المحتل . فقد أدت إلى خروج مئات المناضلين الفلسطينيين وبقائهم في بيوتهم في قراهم ن في مدنهم وهؤلاء لعبوا وما زالوا يلعبون دوراً هاماً وكبيراً في عملية التصدي للعدو الصهيوني وفي إذكاء نار الانتفاضة في إذكاء نار الحماس
والمشاعر الوطنية و القومية لدى الجماهير الفلسطينية داخل وطننا المحتل وهم يقفون هذه الأيام على رأس المنتفضين على رأس جماهير الانتفاضة في الوطن المحتل .
.................................................. ............
تحسين الحلبي (أسير سابق لدى العدو الصهيوني تحرر في صفقة النورس عام 1979م، ويعمل حاليا كمترجم عن العبرية)
إذا كانت القضية الفلسطينية منذ نكبة عام 1948 و ما سبقها من نضال ضد الحركةالصهيونية والاستعمار العالمي تتعلق بمسألة وطنو شعب أبعد بالقوة عن أرضه و ممتلكاته و بضرورة تحريرهذا الوطن والعودة إليه فإن تطورات هذه القضيه بعد احتلال بقية أجزاء فلسطين في حرب حزيران عام 1967 فرزت معها عاملاً آخر هو مسألة المعتقلين المناضلين و ضرورة تحريرهم من الأسر و الاعتقال وعودتهمأحراراً إلى ساحة النضال .
ففي أعقاب احتلال عام 1967 تحول جزء مهم من الشعب الفلسطيني في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة إلى شعب يتعرض لكافة أشكال قمع قوات الاحتلال و مخططات " إسرائيل " التوسعية . وكان من الطبيعي بعد امتداد انتشار قوات الاحتلال من أراضي عام 1948 إلى أراضي عام 1967 أن تتسع و تتصاعد المقاومة المسلحة و السياسية و تتحول الى نشاط سري وعلني تحت شعار طرد الاحتلال واستعادة الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني فوق ترابه الوطني .
و على غرار كافة التجارب الثورية و النضالية ونتائجالحروب كان من المتوقع بشكل طبيعي أن يسقط الشهداء و أن يقع مناضلونو مقاتلون جرحى و مناهضون سياسياً للاحتلال في أسر قوات الجيش الإسرائيلي و يتعرضون للمحاكمات العسكرية الصورية و الزج في السجون في أسوء ظروف الاعتقال الوحشية .
و في داخل تلك المعتقلات التي افتتحتها قوات الاحتلال داخل أراضي فلسطين عام 1948 و في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزه أصبح الآلافو في بعض الأحيان عشرات الآلاف من أفراد الشعب الفلسطيني شباباً و شيوخاً و نساءً أيضاً يزجون في زنازينها و أقبيتها.
و كان هؤلاء يعتقلون في هذه السجونبصيغ و أسباب متعددة هي : -
1-إما أنهم مقاتلون مسلحون وقعوا في الأسر جرحى في أعقاب عمليات فدائية قاموا بتنفيذها عبر اختراق حدود نهر الأردن أو جنوب لبنان أو في داخل الأرض المحتله.
2-و إما أنهم مقاتلون محليون من داخل المدن الفلسطينية المحتلةو تمكنت قوات الاحتلال من أسرهم بعد اشتباك مسلح .
3-و إما أنهم أعضاء في منظمات فلسطينية أو شخصيات وطنية مستقلة من داخل الأرض المحتلة و يتولون مهاماً نضالية سرية سياسية و لوجستية و تنظيمية لمقاومة الاحتلال وتنظيمالعمليات المسلحة داخل فلسطين المحتلة .
4-و إما أنهم اعتقلوا لأسباب طارئة كرهائن يراد من خلال اعتقالهم لفترة غير طويلة إرهاب الشعب الفلسطيني و مقاومته المسلحة لأن هذا الشكل من الاعتقال الجماعي غالباً ما يتعرض له الآباءو النساء والأطفال الذين لا علاقة لهم بمثل هذه النشاطات .
و كان من بين هؤلاء المعتقلين عرب فلسطينيون و عرب أشقاء و بعض الأجانب . و كانت سجون الاحتلال قد شهدت منذ حرب عام 1967 حتى عام 1973 وجود ما بينأربعة آلاف الىستة آلافمعتقل صدرت بحق معظمهم أحكاماً عسكرية بالسجن المؤبد و غير المؤبد وأصبحت قضية تحريرهم من الاعتقال و عودتهم أحراراً بين أهلهم و فوق أرضهم لمتابعة النضالمن بين المهام الأساسية على جدول العمل الوطني الثوري الفلسطيني منذ بداية وقوعهمفي أسر العدو بعد حرب عام 1967. و لقد شكلت هذه المهمة الوطنية الثورية لتحرير المعتقلين إلهاماً مبدعاً و ثورياً للثورة الفلسطينية و قادتها طول فترة طويلة.
و كانت الطليعة الأولى في إنجازهذه المهمة هي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة - حين نجحت في أسر ضابط إسرائيلي يدعى إبراهام عمرامعام ( 1978) أثناء اجتياح الجيش الإسرائيلي لجنوب لبنان.
و بعد عملية التبادل التي فرضتها على العدو الإسرائيلي بعد عام من أسره و تحرير( 76 ) معتقلاً من كافة فصائل الثورة الفلسطينية في آذار 1979 تمكنت الجبهة مرة أخرى أثناء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982في لبنانمن أسر ثلاثة جنود من قوات العدو الإسرائيلي و فرض أكثر الشروط ثورية على العدو في أهم عملية تبادل أسرى جرت في تاريخ الصراع العربي الصهيوني بل و في تاريخ أي صراع مسلح بين قوات حرب العصابات و بين جيش نظامي حديث.
و هذا الكتاب سيتحدث بالتفصيل عن مجريات هذه العملية من جديد في ظلظروفأصبحت المعتقلات الإسرائيلية فيها تشهد وجود ما يزيد على سبعة آلاف معتقل فلسطيني نصفهم حشدتهم قوات الاحتلال كرهائن بشرية لأسباب سياسية و إرهابية في أعقاب اتفاقات أوسلو و ما تضمنته من تنازلات لم يسبق لها مثيل تجاه إسرائيل و احتلالها الغاصب .
و من صفحات هذا الكتاب سيدرك القارئ دونما جهد طبيعة هذا العدو و ماهية العامل الحاسم الذي يفرض عليه الإفراج عن المعتقلين أحراراً و أسياداً فوق وطنهم و بشروطهم الثورية دون أي تنازل سياسي أو أخلاقي أو معنوي.
و إن إجراء أي مقارنة بين ما حدث في عملية تبادل الجليل كقضية على جدول العمل الوطني الثوري الفلسطيني و بين عملية مطالبة السلطة الفلسطينية بضرورة إفراج إسرائيل عن المعتقلين بعد اتفاقات أوسلو كقضية على جدول عمل خارطة الطريق ستوفر للقارئ صورة كافية لفهم هذا العدو الإسرائيلي و اللغة التي يفهمها و تجعله ينصاع إلى شروطها.
و في هذا الكتاب سيجد القارئ و بشكل موضوعي كيف تجسد إدراك الأمين العام أحمد جبريل وقيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة – في أدق التفاصيل لطبيعة هذا العدو الإسرائيلي وللهدف الذي أراد تحقيقه من خلال ادارته للمفاوضات وتحديد الاسلوب واللغة التي يفهمها ويخضع لها .
مدخل :
في جدلية إمكانات تركيع العدو ....
الشيء الذي جرى ليس مفاوضات بالتحديد .. هو معركة بسلاح الشروط و المطالب العادلة 0
وفي هذا يكمن سر إمكانات فرض تركيع العدو الذي ،حتى العشرين من أيار 1985 – (يوم التبادل )– كان يأمل بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء ، بعد عامين من الوساطة التي شارك بها كل من الدكتور هربرت إيمري سفير النمسا لدى أثينا
ومبعوث السيد كرايسكي ، المستشار السابق للنمسا ومنظمة الصليب الأحمر الدول0
ونحن نرى ، أن الثوري يفترق عن اللاثوري و المهادين ، - حين يتعلق الأمر بعملية تبادل الأسرى مع العدو – في نقطة الهدف الذي يرسمه ، كما في نتائج العملية وتأثيرها في تصليب موقف المقاتلين من أجل الحرية ، وقبل هذا في التحليل الدقيق والعميق ، لتوازن القوى عبر حساب قوة النفس ومكوناتها ، وقوة العدو ومكوناتها أيضاً 0
إن معيار التمسك بالحق ، بمقابل التفريط به ، يظهر هنا – في مفاوضات التبادل – مثلما يظهر في ساحة المجابهة .. يظهر في رصد الشروط والمطالب وبنائها ، من خلال الوسيط ، أو القناة ، أو الطاولة ، مثلما يظهر في رصد حركة العدو من خلال ناظور البندقية .. يظهر في الانتقال إلى حيث لا يجد الطرف الثاني بداً من التسليم ، مثلما يظهر في الزحف عبر الأسلاك الشائكة المضروبة حول الوطن ، إلى حيث نقطة الضعف لدى العدو .. أو نقطة الغطرسة لديه 0
وهكذا ، ففي دمشق وجنيف ، وفي دمشق مرة ثانية وجنيف مرة أخرى ، جرى ما يمكن تسميته " صدام " ولكن بأساليب معينة .. بأساليب الحوار عبر طرف ثالث 0
إننا نتفق مع ما ذكره " إيتان هبر " حول مفاوضات جنيف حين قال : " اجتمعت هناك ثقافتان مختلفتان وقيم متغايرة تماماً " رغم أننا نعرف أن الكاتب الصهيوني يضع ثقافة و قيم عصابة " شتيرن " و " الأرغون " وفرق اللصوص والتدمير
والاحتلال ، في موقع أسمى من موقعها الحقيقي الذي تحتله في الحضيض ،فيما ينتسب الفلسطيني إلى تلك الكرامة الحضارية المشعة التي لا يختلف اثنان على قوة امتدادها في التاريخ .. إنها ثقافتان حقاً : ثقافة متصلة بالأرض وأخرى معلقة بالأوهام والخلفيات الملفقة 0
وحين يحاول الفلسطيني تركيع عدوه أمام شروطه العادلة ، فينبغي أن تكون يده دائماً على الزناد ، على نابض عيه وخبرته وأصالته الثورية .. فمن بين شرخ دقيق في الانتباه يمكن للريح الصهيونية الصفراء أن تسلل .. ويمكن لها أن تسمم الجو وتصادر عدالة المطالب ومكسب اضطرار العدو للتسليم بالحق 0
وحين يكون أمام الفلسطيني ، في الطرف الآخر مفاوضا ، مثل شموئيل تمير أو عاموس يارون ، يوقع على صك تحرير الأسرى صاغراً ،فإن المسافة إلى استعادة الوطن لم تعد أمامه شاسعة أو مستحيلة ... وحين يقايض ثلاثة أفراد من أفراد العدو بألف ومائة وخمسين أسيراً فدائياً فهو يمتلئ إعجاباً بهويته ، لأنه في الأقل سيدخل الفرحة إلى ألف ومائة وخمسين عائلة ، ولآلاف المنازل في الموطن المحتل والشتات ... وهنا بالتحديد أعطت عملية التبادل .." عملية الجليل " مثالاً حياً على اتحاد الفلسطيني بالفلسطيني رغم شروط التباعد والضياع والاحتراب أحياناً
يكفي – لكي نعطي لأنفسنا مبرر الاعتزاز – أن نتذكر أن ثمة أكثر من ستمائة مناضل فلسطيني توردت بهم بيارات وقرى ومدن الوطن المحتل من الشمال إلى الجنوب .. حين ضمنت لهم " عملية الجليل " – رغم أنف العدو – حرية العودة إلى بيوتهم، وحالت دون انتزاعهم من جغرافية فلسطين إلى الشتات .. فاستقبلت القدس وبيت لحم والخليل ورام الله ونابلس وطولكرم وجنين وأريحا وغزة أبناءها البررة ، وفي أيديهم وثيقة التحرير التي كانت لجبهتنا شرف صياغتها ..كما استقبلت – ولأول مرة في تاريخ تبادل الأسرى مع العدو – مدن الجليل والمثلث ، من الأراضي المحتلة عام 1948 ، مناضلين قضوا سنوات من الاعتقال والأسر في السجون الصهيونية ، كان لعملية الجليل شرف تحريرهم ويكفي فوق هذا أن نستعيد صدى الدويّ الواسع الذي أحدثته عملية الجليل ، سلباً حين انعكس في مزاج القيادة الصهيونية ومؤسساتها وفي تآكل الائتلاف الحكومي وتعمق الصراع بين أجنحته وإيجاباً ، في ذلك الاحتضان الشعبي الفلسطيني الذي حظيت به العملية في الوطن المحتل وخارجه ، كما وفي مظاهر الاحتفاء والتأييد العربي الواسع الذي عبر عن نفسه ، في الساحة اللبنانية و في سورية والجماهيرية ، بتظاهرات الترحيب ،
وقبل هذا في دعم موقف الجبهة وشروطها و تهيئة مستلزمات التبادل... فضلاً عن الأبعاد الدولية ، بمستوياتها التي تبلورت باهتزاز صورة الكيان الصهيوني والشك في متانة حكومته لدى الرأي العام في الغرب ، وبآيات التضامن والإعجاب من قبل الدول والقوى الصديقة ، وبما وطد الثقة بقدرة الثورة الفلسطينية على الرد والتواصل رغم الغزو الصهيوني للبنان و الصعوبات التي نشأت عنه 0
وبالرغم من أننا لم نكن نضع في الاعتبار الهدف الإعلامي من وراء " عملية الجليل " ولم نتدخل في سياقات التحليل والتقويم المحلية والدولية مكتفين بوضع المأثرة في إطارها وحجمها الواقعي ، غير أن كمّ الأضواء الذي سلط على مفاصل ومراحل ونتائج العملية ، يعزز فينا روح التمسك بهذا الخط ، خط العمل النضالي الملموس غير المسبوق بنوايا الكسب الدعائي 0
و بتواضع نقول :
لقد خضنا هذه المفاوضات – المعركة بشعور مليء بعدالة مطالبنا ، وكنا شرفاء في التعامل مع الوسيط ، أمناء على الكثير من الملاحظات التي سمعناها منه ، دون أن ننسى بأن " عملية الجليل " ليس سوى واحدة من المعارك التي تخوضها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة و الثورة الفلسطينية باتجاه تحرير الوطن المحتل ، تلك العملية الكبرى التي يعد شعبنا نفسه لها ، منذ أن دنست أرض فلسطين عصابات الاستيطان الصهيوني 0
عمر الشهابي –عضو المكتب السياسي, رئيس الوفد المكلف بالمفاوضات
.................................................. .....
الدلالات العميقة
الرفيق / طلال ناجي
الأمين العام المساعد للجبهة الشعبية – القيادة العامة
جرت عملية الجليل لتبادل الأسرى مع العدو الصهيوني في ظروف دقيقة فلسطينياً وعربياً ، نتيجة الغزو الصهيوني للبنان ، فقد كان العدو الصهيوني لا يزال جاثماً فوق قسم كبير من الأراضي اللبنانية وكانت الجماهير الفلسطينية تعيش في ظل الانطباع الذي تولد عن الغزو الصهيوني للبنان عام 1982 وهو تقاعس الأنظمة الرجعية بل ومعظم الأنظمة العربية والتي نستثني منها مواقف سوريا والجماهيرية العربية الليبية والجزائر تجاه الغزو الصهيوني للبنان ومواقفها الحالية إلى جانب الشعب العربي الفلسطيني وإلى جانب صمود الشعب الفلسطيني والثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية والقوات العربية السورية والتي كان جزءاً منها موجوداً في بيروت وكذلك تلك القوات الباسلة في الجبل والبقاع التي تصدت للغزو الصهيوني . ما عدا موقف هذه الدول كان الموقف العربي الرسمي سيئاً للغاية بل إنه حال دون عقد قمة عربية تبحث في عدوان واسع بشع يحتل عاصمة عربية ويقتل الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني واللبناني المكافحين والمتصدين للغزو الصهيوني في جنوب لبنان وتحتل مساحات واسعة من الأرض العربية ومع ذلك لم يؤد هذا العدوان البشع إلى تحر ك هذه الأنظمة أو موافقتها حتى على عقد قمة عربية رغم الدعوات العديدة التي صدرت من جانب أكثر من طرف لعقد مثل هذه القمة ولكن كما قلت كان الموقف العربي موقفاً متقاعساً عن نجدة المقاتلين السوريين والفلسطينيين واللبنانيين في لبنان في ظل هذه الظروف الدقيقة جاءت عملية الجليل لتبادل الأسرى وأيضاً جاءت في ظل أوضاع فلسطينية معقدة ومتردية ترتبت .
بسبب النهج اليميني الذي مثله ويمثله من يقف على رأس منظمة التحرير الفلسطينية وهي قيادة هذه المنظمة , والتي كانت قد قدمت سلسلة من التراجعات عن الحقوق الوطنية الثابتة لشعب فلسطين , عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال الوطني والعودة إلى الوطن عن حق منظمة التحرير الفلسطينية بأنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني لقد اتفق عرفات مع الأردن على مبدأ التقسيم في التنفيذ , ومن ثم أيضاً على إقامة دولة متحدة تلبي المطالب والرغبات الأمريكية بما يتعلق بحل القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني . وكما هو معلوم كان الأمريكيون قد طلبوا رسمياً في مبادرة ريغان , وبعد مبادرة ريغان ومع الأردن ومن المنظمة عبر الوسطاء على أن يكون حل القضية الفلسطينية عبر الخيار الأردني , وكانت قيادة المنظمة قد وافقت على الخيار رسمياً من خلال ما سمي من بعد اتفاق عمان سيئ الصيت والسمعة , وكانت القيادة الفلسطينية قد بدأت بالتراجع على الأرض في لبنان عندما أوعزت لبعض الرموز السيئة في صفوفها للعمل على تهجير المقاتلين الفلسطينيين من الساحة اللبنانية وبالتالي التحاقهم في لواء شكل حديثاً في ذلك الوقت أو كان في صدد التشكيل على طريق الالتحاق بقوات بدر الموجودة في الأردن على قاعدة إنهاء الكفاح المسلح وإنهاء وجود قوات الثورة الفلسطينية على الأرض اللبنانية . وكانت القيادة الفلسطينية أيضاً قد قدمت تنازلات في علاقتها مع نظام كامب ديفيد في مصر , حيث خرقت مقررات القمم العربية وخاصة قمة بغداد عام 1978 م وأقامت علاقات وثيقة مع النظام في مصر ـوأصبحت بالتالي تنسق خطواتها مع أطراف هذا النظام من أجل البحث عن مكان أو حصة لها في مشاريع التسوية الأمريكية التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية .ويذكر الجميع أن عملية التبادل وقعت بعد تكريس الانقسام في الساحة الفلسطينية والذي قادت اليه تلك القيادة اليمينية في المنظمة من خلال عقد ما سمي بالمجلس الوطني في عمان لعام 1984 م الذي أدى الى انقسام منظمة التحرير وانقسام الثورة الفلسطينية. كماأرادت هذه القيادة تعميق خطواتها المنحرفة بالتساوق مع المشاريع الأمريكية المطروحة للتسوية في المنطقة .
في ظل كل هذه الظروف جاءت عملية الجليل لتبادل الأسرى لتشكل رافعة للنضال الوطني الفلسطيني ورافعة للنضال القومي العربي عموماً حيث استطاعت هذه العملية الكبيرة والعظيمة أن تفرض على العدو الصهيوني تقديم تنازلات جوهرية وأساسية لم يكن يقبل بها من قبل وبالتالي لم يكن يدور في خلد الكثيرين من المتتبعين للصراع العربي الصهيوني بأن العدو الصهيوني يمكن أن يرضخ لمثل الشروط التي رضخ لها في عملية التبادل ( الجليل ) .فقد تعود العالم على الصلف والعنجهية التي يمارسها العدو الصهيوني في موقفه وسياسته وعدوانه المستمر على الأمة العربية واغتصابه للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني . وبالتالي كان العدو الصهيوني يرفض باستمرار تقديم أي تنازل لصالح نضال الشعب العربي الفلسطيني ولصالح الأمة العربية ، فجاءت عملية الجليل وأرغمت هذا العدو على تقديم تنازلات مهمة عندما رضخ لشروط الجبهة الشعبية – القيادة العامة في إطلاق سراح المئات من المناضلين المرموقين الذي قدموا وأبلوا بلاء حسنا في معركة التصدي للعدو الصهيوني ، وفي النضال الوطني الفلسطيني عموماً . رضخ هذا العدو لمطالب الجبهة وقرر إطلاق سراح هؤلاء المناضلين ، وان الأمر لم يقتصر على إطلاق سراح ( 1150 ) من المناضلين الفلسطينيين من سجون العدو فحسب بل إن هذا العدو كان قد حاول أثناء المفاوضات التي استمرت أكثر من عامين رفض إطلاق سراح بعض الرموز من المناضلين الفلسطينيين الذين صدرت بحقهم أحكاماً عالية للغاية و كانوا قد قدموا على لائحة غير قابلة للبحث في إطلاق سراحهم . اضطر العدو للرضوخ – نتيجة إصرار الجبهة و إرادة قيادتها أثناء المفاوضات عبر الصليب الأحمر – لإطلاق سراح عدد من هذه الرموز و هؤلاء المناضلين الذين يقومون الآن بدورهم النشط النضالي الوطني الفلسطيني ً في عموم فصائل الثورة الفلسطينية ، لقد دلت عملية الجليل على أن الإرادة تستطيع أن تصنع النجاح فعندما نملك إرادة الصمود ، إرادة التصدي لمخططات العدو ، لصلف العدو و غروره ، التصدي لأطماع العدو ، ولعدوانه ، نستطيع أن ننتصر ، أن نحرز النجاحات المطلوبة في نضالاتنا الوطنية العادلة وفي نضالاتنا القومية ضد هذا العدو ومن أجل حقوقنا الوطنية و القومية .
من هذا المنطلق شكلت عملية الجليل رافداً للنضال الوطني الفلسطيني وهاهي آثار تلك العملية تتفاعل حتى يومنا هذا داخل المجتمع الصهيوني وتتفاعل في جسم الثورة الفلسطينية وفي جسم الشعب الفلسطيني حيث شكل هؤلاء المناضلون الأبطال الذين خرجوا من سجن العدو الصهيوني رافداً مهماً للثورة الفلسطينية و لكل فصائلها ورافداً مهما للنضال الوطني الفلسطيني ورافداً مهما للنضال القومي من أجل حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية ومن أجل حقوق الأمة العربية بأجمعها أيضاً .
عملية الجليل حملت دلالات واضحة في النضال الوطني و القومي عموماً
وأثبتت أن العرب يستطيعون إذا امتلكوا الإرادة الحاسمة و المصداقية ، أن يفرضوا على هذا العدو تقديم التنازلات ، يستطيعون أن يفرضوا على العدو الصلف والمغرورالتراجع ،و أن يدحروا هذا العدو من خلال إرادتهم الصلبة القوية المتماسكة . ولكن التفريط أي القبول بشروط العدو أو التنازل عن حقوقنا الوطنية
والقومية من شانها أن تزيد العدو غروراً وأن تزيد العدو تمسكاً في مطامعه
وعدوانه ضد الأمة العربية وضد الشعب العربي الفلسطيني . ولا بد من التأكيد على أن عملية الجليل وما جسدته من دلالات على الإرادة و على الصمود وعلى تحقيق الانتصار من خلال التمسك بالمطالب العادلة و المطالب الوطنية والقومية للأمة العربية تمثل الوجه الآخر المناقض لما جرى بين النظام في مصر في زمن السادات وبين العدو الصهيوني عندما وافق السادات على تقديم التنازل تلو الآخر والذي انتهى في اتفاقات كامب ديفيد المشؤومة وفي معاهدة الصلح المشؤوم مع العدو الصهيوني في 1978/1979 كما يذكر الجميع .
وحين تابعنا آلية عملية التبادل في القنيطرة المحررة ، عن قرب كنا تفترض بأن هذا العدو سيحاول لآخر لحظة المماطلة ، سيحاول لآخر لحظة الهرب من الوفاء بالتزاماته التي أبرمها ووقع عليها للصليب الأحمر الدولي ، وكنا ننتظر بفارغ الصبر وصول الأبطال المحررين إلى بوابة العبور بالقرب من القنيطرة المحررة حتى نتأكد من فرض إرادتنا على هذا العدو ومن نجاحنا في إلزام هذا العدو بالوفاء بالتزاماته . ومن هذا المنطلق كانت الفرحة غامرة لدينا باستقبال الأبطال في القنيطرة و كانت فرحة الأبطال المحررين غامرة بلقاء إخوانهم الذين غابوا عنهم لفترة من الوقت والذين كانت توقعات الكثيرين وخاصة العدو الصهيوني بأن غيابهم سيطول كثيراً فكان اللقاء الذي يدل على متابعة الكفاح ، بمتابعة الكفاح ، بمتابعة النضال ، بمتابعة مسيرة العمل الوطني والنضال الوطني والقومي ضد هذا العدو
وهذا واقع الحال الآن. فقد عاد هؤلاء المناضلون إلى صفوف أحزابهم وقواهم الوطنية و فصائلهم في الثورة الفلسطينية ، يتابعون النضال و الكفاح ضد العدو ، ويتابعوا المسيرة التي بدءوها قبل أسرهم . وكما قلت لقد ابلوا ولا زالوا يبلون بلاء حسناً في صفوف الثورة الفلسطينيةوالحركة الوطنية اللبنانية والقوى الوطنية والإسلامية في لبنان .
وعلى صعيد آخر أدت عملية الجليل إلى هزة كبيرة وشديدة في صفوف المجتمع الصهيوني لا زالت هذه الهزة تتفاعل إلى يومنا الحالي ولعل أكثر ما يدل على هذه الهزة هو الاتهامات التي صدرت على لسان عدد من القادة الصهاينة ومنهم عضو الكنيست الصهيوني النائبة العنصرية غيئولا كوهين التي طالبت بطرد وإبعاد المناضلين المحررين في عملية الجليل الموجودين داخل الوطن المحتل ، إلى خارج فلسطين ، خارج الوطن المحتل متهمة إياهم بأنهم هم العمود الفقري للانتفاضة وهم المحرك الرئيسي لجماهير شعبنا في الداخل في انتفاضته الرائعة الراهنة ،
وبالتالي قالت فلنعاقبهم على ذلك من خلال إبعادهم وعندها نستطيع أو نتمكن من إخماد جذوة الانتفاضة أو التأثير عليها من خلال إبعاد هذه الرموز والكوادر المجربة والقادرة على النضال و على تأطير الجماهير وقيادتها . فالعدو الصهيوني ، يعتبر هؤلاء المحررين ووجودهم في الوطن المحتل قنبلة موقوتة في داخل المجتمع الصهيوني تحت أقدام الطغاة المحتلين للأرض العربية الفلسطينية . وكان شارون وعدد من قادة العدو الصهيون قد أعربوا عن غضبهم من رضوخ القيادة الصهيونية و حكومة العدو لشروط الجبهة في حينه ، عندما أجبرت العدو الصهيوني على الإبقاء على أكثر من605 مناضلاً من المحررين في الوطن المحتل . كان شرط الجبهة أن يبقى هؤلاء المناضلون الأبطال ، أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة وحتى قسم من الأهالي و أبناء القرى الفلسطينية في الجليل المحتل داخل الوطن المحتل و حاول العدو الصهيوني جاهداً أن يرفض هذه الشروط إلا أن الجبهة أجبرت العدو على الرضوخ لهذا المطلب فأدى ذلك فيما بعد إلى هزة شديدة في المجتمع الصهيوني فيما عمت الأفراح مدن وقرى الضفة الغربية والجليل
والنقب وساحل فلسطين وغزة نتيجة خروج المحررين .وكانت الأعراس والأفراح تعم القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية ،و بالمقابل كانت حالة من الشعور بالاحباط والكآبة تخيم على المجتمع الصهيوني نتيجة خروج هؤلاء الأبطال المحررين لأن العدو أدرك لأول مرة ، أدرك المجتمع و الفرد معاً أن أصحاب الإرادة أصحاب الحق العرب والفلسطينيين نجحوا في فرض إرادتهم على القادة الصهاينة ، على قادة الكيان الصهيوني وبأن هذا مؤشر خطر للمستقبل ونذير شؤم عليهم وبأن اليوم الذي يفرض المناضلون الفلسطينيون و العرب على العدو الصهيوني ، على الكيان الصهيوني ، التسليم بكل المطالب الوطنية والقومية العربية ليس ببعيد ، وطالما رضخ العدو لهذا المطلب فإنها أول الطريق وبالتالي سيتبع هذا سلسلة من التنازلات اذا ما أحسن المناضلون العرب و المناضلون الفلسطينيون التمسك بمطالبهم والتمسك بإرادتهم وفرض شروطهم على هذا العدو .
وحتى يومنا هذا ما زالت عملية الجليل تحدث أثراً واسعاً في صفوف المجتمع الصهيوني وهزة شديدة ، جعلت القادة الصهاينة يتحدثون عن آثار هذه العملية بعد مرور سنوات كثيرة على وقوعها ،وبأنها أحد أهم أسباب قيام الانتفاضة في الوطن المحتل . فقد أدت إلى خروج مئات المناضلين الفلسطينيين وبقائهم في بيوتهم في قراهم ن في مدنهم وهؤلاء لعبوا وما زالوا يلعبون دوراً هاماً وكبيراً في عملية التصدي للعدو الصهيوني وفي إذكاء نار الانتفاضة في إذكاء نار الحماس
والمشاعر الوطنية و القومية لدى الجماهير الفلسطينية داخل وطننا المحتل وهم يقفون هذه الأيام على رأس المنتفضين على رأس جماهير الانتفاضة في الوطن المحتل .
.................................................. ............
تعليق