أحمد فايز:
حرموني من الإنجاب وزادوني حرمة
من ولدي يحيى
تنهدت.. بدأت عيونها تمتلئ بالدموع، وأصرت على الصمت برهة من الزمن ثم قالت:" حرموني من الإنجاب وزادوني حرمةً من ولدي... الله يحرم كل من حرمني من ولدي يحيى".
هكذا قابلتنا الأسيرة المحرر رجاء الغول مربية الأسير المجاهد يحيى الزبيدي من مخيم جنين والذي تبنته وهو في السادسة من عمره بسبب عدم إنجابها.
رجاء الغول والتي عانت منذ صغرها ظلم الاحتلال، فقد كان السبب في عدم قدرتها على الإنجاب عندما فجرت قوات الاحتلال الصهيونية منزل أحد المجاهدين لتسقط إحدى جدر المنزل عليها لتحول إلى مستشفى في دولة الأردن لتعالج هناك، فقدت على إثرها النظر لمدة عام وتعافت من الشلل الذي أصابها أيضا من تلك الفعلة الهمجية ولكنها لا تزال تعاني من قصرها في الإنجاب، وفوق ذلك كله تم اعتقالها وهي في طريق العودة من رحلة العلاج لمدة ثلاث سنوات دون أي سبب إلا أنها فتاة فلسطينية.
تروي لنا الأم المربية ليحيى "أم قيس" قصة ولدها منذ تبنيها له فتقول: " لقد قررنا أنا وزوجي أبو قيس أن يكون يحيى ابنا لنا نهتم به ونرعاه عوضا لنا مما حرمنا منه الاحتلال، وبالفعل كان القرار الذي بدأ بفكرة قد تحقق وكان يحيى من بين إخوانه الأربعة وشقيقتيه هو الابن المراد".
يحيى محمد الزبيدي المعتقل في سجون الاحتلال الصهيوني منذ خمس سنوات والذي حكم عليه بالمؤبد في أول الأمر ليتم تخفيضها بعد ذلك الى 16 عاماً بتهمة عدة أهمها نيته لتنفيذ عملية استشهادية والانتماء والتنظيم لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.
تقول الأسيرة المحررة والمربية ليحيى:"لا يخفى عليكم اجتياح المخيم (مخيم جنين) الذي استشهد فيه خيرة شباب جنين، كان ولدي يحيى معهم جنبا الى جنب كغيره من الشباب، يدفع الظلم وغطرسة المحتل عن المخيم، ولكن .. سقط عليه جدار المنزل الذي كان يحتمي فيه بفعل جرافة صهيونية وتم اعتقاله بعد أن تكسرت ضلوعه ليفوق من الغيبوبة التي أصابته داخل المعتقل.
معاناة يحيى منذ الصغر:
يحيى ذلك الشاب الذي حرم من والده منذ أن كان يبلغ الخامس عشرة من عمره بسبب مرض السرطان الذي أصيب فيه، ليعيش يتيما وليزداد ألما يوم استشهاد والدته قبل اعتقاله بعام وهي تحاول إرشاد المجاهدين للطريق الآمن البعيد عن أعين الصهاينة آنذاك.
تقول أم قيس:" توفي والده وهو طفل واستشهدت والدته أمام عيناه في اجتياح سابق للاجتياح الكبير، أما شقيقه طه الزبيدي أحد أبطال معركة الدفاع عن المخيم فقد استشهد في يوم زفافه الذي كان قد جهز له من قبل أشهر، أما جبريل وهو الشقيق الأسير الذي يقبع الآن بجواره في سجن جلبوع ليحكم عليه 12 عاماً بتهمة الانتماء لحركة الجهاد الإسلامي ونشاطات ضد الصهاينة، وكان داوود الشقيق الآخر من الأسرى والذي اعتقل قبل أشهر في اشتباك مسلح مع قوات خاصة صهيونية.
لكل أسير كوم من المعانات والآلام أما يحيى فمعاناته تكبر أكثر من غيره من الأسرى، تردف أم قيس على ما نقول:"يحيى حرم من الأب والأم واليوم هو محروم من الزيارة ومحروم أيضا من الاتصال على أهله عبر الجوال كباقي الأسرى الذين يرون أهلهم في مواعيد الزيارة وإتاحة الفرصة لهم بالاتصال على ذويهم"
هذا وقد عبرت أم قيس عن مدى حزنها وشوقها لرؤية ولدها يحيى الزبيدي فقد قالت:" أتمنى من الله عز وجل أن يفك أسره وأسر جميع إخوانه الأسرى في سجون الاحتلال وان يجمعني الله به ولو للحظات".
يذكر أن الأسيرة المحررة رجاء الغول مسئولة مشكاة الأسير قد اعتقلت للمرة الثانية في 15/2/2006م بتهمة التنظيم للجهاد الإسلامي، لكنها أبت أن تعترف لتحكم حكماً جائراً برغم عدم اعترافها 8أشهر مع وقف التنفيذ لمدة خمس سنوات وغرامة 1000 شيكل أصيبت خلال اعتقالها هذا بمرض القلب لتزداد مرضاً فوق مرضها الأول وهو حرمانها من الإنجاب.
في معتقل التلموند( هشارون) كان اللقاء:
بعد أن بدأت أم قيس تسرد لنا قصة ولدها الأسير يحيى الزبيدي وهي تنظر لصورته التي تجمعه بها، صمتت .. وابتسمت ثم قالت:" أجمل يوم في حياتي يوم أن طلب المحامي عن رسالة الحقوق (أحمد الخطيب) رؤيتي في معتقل التلموند، لأفاجئ بوجود يحيى ولدي الأسير الذي لم أراه حينها من قبل أربع سنوات، كان في الغرفة المجاورة يفصل بيننا شباك من الزجاج السميك، لم أنتبه أن يحيى هو من ينتظر فقد كان التعب قد أخذ مني ما أراد.. ونوبة القلب على وشك أن تتشبث بي، ولكنني سمعت صوته الباكي الذي أميزه من ألف صوت ينادي علي ويرضى علي ويقول:" ارضي علي يا أمي الله يرضى عليكِ" التفت نحوه فإذا به يحيى، وعلى عجل انهارت دموعي وقمت من مكاني مسرعة نحو الشباك الزجاجي الفاصل، تناسيت تعبي ولم أفكر بنوبة القلب... هذا ولدي هذا يحيى، نعم رأيته وقتها وكان يبكي ويرضى علي ويقول لي:" ارضي عني يا أمي .. ارضي عني".
وتكمل أم قيس بكلماتها المؤلمة وكأنها تعيش الموقف:"كانت لحظات سعيدة، ولكنها صغيرة لأن الجنود والمجندات أجبروني على الجلوس وأخذوه بعيداً عني، كانوا يشدوه بقوة وبلا رحمة وهو يلتفت برأسه ويردد الرضا علي حتى اختفت صورته ومن ثم صوته"
نعم هكذا فعل المحتل الغاصب المتغطرس مع هذه الأم المحرومة من ولدها الأسير ولم يكتفي بذلك بل قمعوه من حينها لينقلوه على معتقل جلبوع لتزداد المعاناة التي يعيشها ألماً وحزناً، لم يعطوه فرصة لرؤية أمه المسكينة ولم ينتظروا ريثما يأخذ ملابسه وأغراضه الموجودة في غرفة الأسرى بل قمعوه في إحدى الجيبات العسكرية الى المعتل المذكور.
مناشدة أم:
وفي نهاية المطاف ناشدت الأسيرة المحررة رجاء الغول مسئوله ملف الأسرى ومكتب مشكاة الأسير في جنين كل من يهتم بشئون الأسرى والمعتقلين أن ينظر لمعاناة يحيى بعين الاهتمام، كما طالبت المؤسسات الحقوقية والإنسانية بالإسراع في التدخل لوضع حل لغطرسة الاحتلال وقسوته بحق الأسرى.
هذا وقد ناشدت الصليب الأحمر مساعدتها في الضغط على سلطات الاحتلال بالسماح لها بزيارة ولدها يحيى والتخفيف عنه والسماح له بالتواصل مع أهله كغيره من الأسرى.
تعليق