إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أصغر جاسوس في التاريخ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    المهندس

    في الخامس عشر من شهر كانون الثاني عام 1996 ، اتصل عبد اللطيف عياش على رقم الهاتف الخلوي (050507497)، و هو رقم سرّي لهاتف نقال لا يعرفه إلا أشخاص معدودين على الأصابع . أهمهم ، للأسف ، رجال الشاباك الصهيوني.

    ردّ على الهاتف ابن عبد اللطيف ، يحيى (المعروف باسم المهندس) المطلوب الأول لـ (إسرائيل) في مخبئه في بيت صديقه أسامة حماد في بلدة بيت لاهيا بقطاع غزة في الساعة التاسعة صباحاً ، بينما كانت مروحية صهيونية تحلّق في الجو تنتظر هذه المكالمة و بعد أن ميّز من في المروحية صوت يحيى أرسلت إشارة ، إلى عبوة ناسفة صغيرة بحجم 50 غراماً من مادة شديدة الانفجار مثبتة في الهاتف النقال ، فانفجر الهاتف الذي كان أداة اتصال المهندس مع العالم الخارجي ، بالإضافة إلى هاتف آخر ثابت ، و استشهد يحيى عياش قائد كتائب عز الدين القسام ، الذراع العسكري لحركة حماس ، و الذي تحوّل لعدة أشهر لرمز فلسطيني مقاوم اكتسب تعاطفاً لا يوصف معه من الشارع الفلسطيني .

    و في الساعة الثالثة و النصف من مساء نفس اليوم كانت إذاعة (إسرائيل) تعلن عن مقتل المطلوب الأول لحكومة (إسرائيل) يحيى عياش . و كان الشارع الفلسطيني يغلي ، بينما كانت (إسرائيل) التي اتجه إليها الاتهام فوراً بالمسؤولية عن اغتيال عياش ، فرحة بالاغتيال و كان أشد (الإسرائيليين) فرحاً ، ربما كرمي غيلون رئيس جهاز الشاباك الذي كان وراء العملية و نفّذها بخطة محكمة باستخدام عميله كمال حماد .

    كان عميل الشاباك كمال حماد ، هو الذي أعطى الجهاز الخلوي لابن شقيقته أسامة ، الذي يعمل معه في عمله الخاص ، ملغّماً ، و عند وقوع الاغتيال كان في يافا و بقي هناك هارباً ، و يعيش الآن حماد في (إسرائيل) متهماً جهاز المخابرات (الإسرائيلية) بالتخلي عنه .

    **

    كان يحيى عياش طالباً في جامعة بيرزيت في قسم الهندسة و هناك تعرّف على زميله أسامة حماد ، انتمى يحيى عياش إلى الجهاز العسكري لحركة حماس ، و بدأت (إسرائيل تتحدّث) عنه كمطلوب لها في أيار 1993 بعد أن ربطت اسمه بعملية استشهادية تم إحباطها في تشرين ثاني 1992 في رمات أفعال و قبلها في انفجار سيارة مفخّخة في مقصف مستوطنة محولا في الأغوار في نيسان 1993 .

    و أطلق رابين رئيس الوزراء الصهيوني الهالك على يحيى عياش لقب المهندس ، بسبب ما عرف عنه من براعته في إعداد العبوات الناسفة و تجنيد منفّذي العمليات الاستشهادية .

    و راق اللقب الذي أطلقه رابين على يحيى عياش للفلسطينيين فأصبحوا يطلقون عليه اسم المهندس أيضاً و في حين كان رابين و في كل اجتماع مع أجهزته الأمنية يسأل عن مصير المهندس و هل تمكّنوا من إلقاء القبض عليه أو تصفيته ، كان الفلسطينيون يتابعون أخبار المهندس بعد كلّ عملية استشهادية شاكرين ربهم لأن (مهندسهم) لم يقع في أيدي (إسرائيل) و أنه ما زال حياً . و انشغل الإعلام الصهيوني بالمهندس الذي أصبح معروفا بقدرته الفائقة على التخفي و العمل ضد (إسرائيل).

    في نهاية تشرين أول 1994 ، نشرت صحيفة (الأوبزيرفر) الأسبوعية البريطانية أن المجلس الوزاري (الإسرائيلي) الأمني برئاسة رابين قرر القضاء على المتورطين في العمليات الاستشهادية من حركتي حماس و الجهاد الإسلامي ، و من بينهم بالطبع ، إن لم يكن على رأسهم المهندس يحيى عياش .

    صحيفة يديعوت أحرنوت في عددها الصادر يوم (23/8/1997) نسبت للمهندس يحيى عياش المسؤولية عن مقتل 70 (إسرائيلياً) و إصابة نحو 240 شخصاً بجروح ، و من بين العمليات التي نسبت إليه بالتخطيط و التنفيذ ، عملية العفولة في 6/نيسان 1994 التي أسفرت عن مقتل ثمانية أشخاص ، و عملية المحطة المركزية في الخضيرة في 13 نيسان 1994 و أدّت إلى مقتل خمسة أشخاص ، و عملية خط 5 قرب ساحة ديزنغوف في تل أبيب في 19 تشرين أول 1994 و أدّت إلى مقتل 21 شخصاً ، و عملية رمات غان بتاريخ 24 تموز 1995 و أدّت إلى مقتل ستة أشخاص و عملية الباص 26 بالقدس في 21 آب 1995 و أدّت إلى مقتل خمسة أشخاص .
    موضوع عن قصص الجواسيس العرب واحدات مهمة ارجو المتابعة
    22:2

    تعليق


    • #17
      و كانت عملية واحدة من هذه العمليات كافية لتجعل المهندس يحيى عياش يدرج في قائمة المطلوبين لفرق الموت الصهيونية ، و حسب مصادر صهيونية فإن المهندس نجا مرتين من متتبعيه الصهاينة الذين وصلوا إلى فراشه و وجدوه فارغاً رغم أن السرير بلغة الأمن ، كان ساخناً ، أي أن المهندس هرب قبل أن يصله الصهاينة بفترة قليلة .

      و بعد العملية في باص رقم 5 بالقدس و هي عملية شهيرة تبنّتها حركة حماس ، ضاقت الحلقات حول المهندس ، الذي لا تكفّ وسائل الإعلام الصهيونية عن الحديث عنه ، فاتجه إلى غزة إلى صديقه أسامة حماد الذي استضافه في بيته في بلدة بيت لاهيا ، و لم يكن يخطر ببال الصديقين أن النهاية ستكون في هذا البيت و بتلك الطريقة .

      و هناك دلائل كثيرة تشير إلى أن المهندس شعر بنوع من (الأمان) في مخبئه في بيت لاهيا ، لدرجة أن زوجته و ابنه براء لحقوا به للإقامة معه و إن لم يكن في نفس البيت ، و لكن في بيتٍ قريب و كان يزورهم المهندس متخفياً و في هذا البيت ولدت له زوجته ابنه يحيى قبل نحو أسبوعين من اغتياله ، و حتى أن والدته التي كانت تتعرّض لمضايقات عديدة من جيش الاحتلال بسببه و تخضع لمراقبة أجهزة الأمن الصهيونية تمكّنت من زيارته في بيت لاهيا ، و تم اعتقالها و هي العجوز بتهمة رؤية ابنها .

      و لا بد من الإشارة هنا إلى ما ذكره حسن سلامة أحد رفاق الشهيد من الجناح العسكري لحماس الذي قاد ما عرِف فيما بعد بالعمليات الثأرية لمقتل المهندس ، أن الأخير كان يستعد لمغادرة مخبئه للضفة و التخطيط لأعمال داخل الكيان الصهيوني .

      و كتب في مذكراته التي نشر جزءاً منها عن الظروف التي كانت سائدة في ذلك الوقت في قطاع غزة و شرح للحصار الذي كان يعاني منه المجاهدون من السلطة و من (إسرائيل) و يصف مثلاً الظرف الذي ساد قطاع غزة بعد تنفيذ إحدى العمليات (اشتد البحث و التفتيش عن الشهيد يحيى عياش ، و الأخ الضيف (يقصد محمد الضيف) ، و وزّعت صورهم على الحواجز ، و داهمت السلطة جميع من يشتبه بهم أو المنازل التي تشكّ بوجودهم فيها ليلاً و نهاراً . هكذا كانت غزة ، و هكذا كانت السلطة ، و هذا هو وضع الكتائب في تلك المرحلة) .

      و يمكن أن أذكر هنا أن لديّ شهادة شخصية على ظروف أخرى مشابهة عاشها حسن سلامة صاحب هذا الكلام ، عندما طاردته أجهزة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ، و كانت مطاردات ضيّقت الخناق على سلامة كثيراً و أدّت أخيراً إلى اعتقاله ، و فتح هذا الملف يؤدّي إلى سرد وقائع و ذكر حقائق و استخلاص استنتاجات ، يجب أن تأخذ حيزها من التقصي في بحث مستقل .

      و عن تفكير الشهيد عياش بالخروج من مخبئه للضفة قال سلامة الذي يقضي حكماً طويلاً في سجون الاحتلال (في ظلّ تلك الأجواء الموجودة كان الشهيد يحيى عياش يعيش في عالم آخر ، و يفكّر في أمورٍ هي النقيض لما يطرح حيث كان للشهيد حياة خاصة في كل شيء حتى العمل . و لكن كان من ضمن المطاردين الموجودين في القطاع يتأثر بما يدور حوله لأنه كان من ضمن المسئولين الذين يملكون القرار ، المطلعين على كل الأمور ، و ما يدور حتى الآن و إذ لم يشارك في الجلسات لوضعه الخاص ، و كان الشهيد يتميّز بالهدوء التام و لا يكثر الكلام ، و قليل الضحك شغوف بالعمل و تطوير أساليبه . و لكن كان يعيش في وضع أكبر من الجميع فكان عليه أن يختار بين أن يرضخ للواقع و بين أن يكابر و يعاند و يصارع الجميع في مسألة معروفة نتائجها ، إلا أنه اختار أن يكون قدوة الجميع فتعالى بنفسه عن دنايا الأمور و صمد في وجه كل المشاكل و الخطوب و صارعها حتى النهاية . حاول الشهيد تغيير الوضع لكنه عاود و تجاهله و حاول التخطيط للعمليات التي حدثت سنة 95 في شهري يوليو و أغسطس و أرسل الأخ عبد الناصر عيسى إلى الضفة للقيام بالعمليات و بعدها اشتد الحصار من قبل السلطة إلى أقصى حدّ على الجميع و بدأت الاعتقالات و التحقيقات و اشتد البحث عن الشهيد) .
      موضوع عن قصص الجواسيس العرب واحدات مهمة ارجو المتابعة
      22:2

      تعليق


      • #18
        و أضاف سلامة : (كان لزاماً على الشهيد أن ينطلق إلى مكان آخر لمواصلة العمل رافضاً كلّ الحلول و فعلاً بدأ الشهيد في التفكير بالعودة إلى الضفة و هذا ما اهتدى إليه بعد التنسيق مع قيادة الكتائب و بالذات محمد الضيف و بدأ يخطّط للعودة و بعد تجهيز كلّ الأمور و الاستعداد للخروج عن طريق السلك الحدودي و قبل الموعد بيومين تفاجأ الجميع بل العالم بنبأ استشهاد المهندس ، و كانت كالصاعقة علينا ، و أقسم بالله أننا بقينا فترة طويلة لا نصدّق ما حدث لكنه أمر الله الذي اختاره ليريحه من الشقاء رحمه الله) .

        و هذه الكلام لا يمنع من الاستنتاج بأن (الأمان) أو الشعور الكاذب به الذي تحدّثنا عنه هو ، أو ضيق الدنيا (على سعتها) ، على الأغلب ، الذي قاده لاستخدام الهاتف النقال رغم معرفته المسبقة بسهولة تنصت (إسرائيل) على مكالمات هذا النوع من الهواتف التابعة لشركات (إسرائيلية) ، عدا عن كون صاحب الهاتف الأصلي هو عميل معروف لـ (إسرائيل) هو كمال حماد .

        و لا ينفي ذلك ، ما قاله قادة حماس إن المهندس كان حذراً في استخدام الهاتف النقال ، و أنه لم يستخدمه إلا بعد أن تم تعطيل الهاتف العادي بشكلٍ مقصود عندما أجرى والد المهندس تلك المكالمة القاتلة .

        و على أية حال فإن الهواتف الثابتة ، التي عطلت خدمتها (إسرائيل) مؤقتاً وقت الحادث ، هي ، على الأغلب يمكن أن يكون التنصت عليها سهلاً بالنسبة لـ (إسرائيل) .

        و في حديث لزينب حماد والدة أسامة رفيق المهندس و شقيقة كمال الذي ساعد في قتله ، لصحيفة يديعوت العبرية (23/8/1997) يتضح أن المهندس وصل إلى بيت أسامة في تموز 1995 ، و أن أسامة فوجئ عندما وجد المهندس أمامه يطرق الباب معتقداً أن المهندس تمكّن من الهرب إلى خارج فلسطين .

        و تذكر زينب حماد أن شقيقها كمال استعاد الهاتف النقال مرتين لإصلاحه ، و لم يكن أحد يعرف أن الشاباك زرع تلك العبوة الناسفة فيه ، و تعطي زينب ملاحظة قد تكون هامة و هي أن الهاتف الثابت كان مشوّشاً على مدار شهر قبل اغتيال عياش ، و هي تعتقد أنه كان يخضع لرقابة (الإسرائيليين) .

        و تذكر ملاحظة هامة أخرى أنه في يوم الحادث اتصل كمال حماد في السابعة و النصف صباحاً و ردّت عليه زوجة أسامة ، و طلب كمال التحدّث مع أسامة و طلب منه أن يبقي الهاتف النقال مفتوحاً لأنه ينتظر مكالمة هامة تخصّ العمل .

        و بعد ساعة تقريباً اتصل والد المهندس ليهنئ ابنه بمولوده الجديد ، و لكن فجأة انقطع الهاتف العادي فاتصل على الهاتف النقال ، و ردّت عليه زوجة أسامة ، التي أعطت الهاتف إلى زوجها أسامة الذي أعطاه بدوره إلى المهندس ، الذي ردّ على والده بضع كلمات ثم انفجر الهاتف و استشهد المهندس ، الذي دوّخ (إسرائيل) ، هكذا بكلّ بساطة .

        عبد اللطيف عياش والد المهندس يقول إن آخر كلمة سمعها من ابنه كانت (كيف حالك يا أبى) ثم انقطع الخط ، فحاول الحديث مرات أخرى و لكن الخط كان مقطوعاً من الخدمة .

        و اعتبر الحادث نجاحاً فائقاً لكرمي غيلون قائد الشاباك الذي كانت معنويات جهازه في الحضيض بعد الفشل في حماية رئيس الوزراء إسحاق رابين الذي مات قبل أن يسعد بخبر قتل المهندس .

        و إذا عدنا إلى الشهادة النادرة على تلك المرحلة التي كتبها حسن سلامة ، فإنه يشير إلى أن الشهيد عياش كان (حريصاً على أمنه الشخصي لكن الذي حدث هو قدر الله ، و لكن لا أنفي التقصير من الجميع ، فالجميع يتحمّل ما حدث ، و المعروف أن حياة المجاهد عبارة عن سلسلة مغامرات يسلكها بعد أخذ جميع الاحتياطات اللازمة و مستعيناً بالله قبل كل شيء ، و هذا ما تم و ما توصل إليه المهندس و تم تحديد الموعد و المكان الفاصل بين القطاع و الأرض المحتلة بعد التجهيز لكلّ الأشياء التي تساعده على الوصول بسلام حسب التخطيط و لكن قدر الله هو الغالب ، فليلة الاستشهاد كان الشهيد يسير طوال الليل يراقب الحدود و المكان الذي سيخرج منه و يراقب تحرّكات الجيش و الدوريات الصهيونية ، و بعد صلاة الصبح كان له موعد في غزة في البيت الذي استشهد فيه و هو انتظار مكالمة من أبيه في الضفة و في نفس اليوم أخبره المطاردون الذين معه و نصحوه بعدم الذهاب إلى ذلك المكان لأنهم غير مرتاحين لفكرة الاتصال و لكنه أصر على الذهاب و رفض أن يصحبه أحد ، و ذهب إلى حيث قدره الذي ينتظره ، لنسمع بعد وقت قصير ، ساعتين ، من خروجه نبأ استشهاده ، و للاستشهاد قصة يطول شرحها و ليس الآن وقت سردها ، و دفن الشهيد و ليعود المطاردون بأحزانهم و جراحهم التي كانت أكبر من التصوّر و لتدور نقاشات كلها كانت نابعة من شدة الحدث و عدم إمكانية تصديقه ، و طغى فقدان الشهيد على كل المواضيع التي كانت تطرح سابقاً من أجل وضع المطاردين ، كان الجميع يتحدث عن الثأر ، و ليس سوى الثأر مهما كانت الظروف و التضحيات لأن الضربة كانت قوية كادت أن تشلّ الجميع دون استثناء) .

        و أوفى رفاق عياش الذين عملوا في ظروف غير مواتية بتاتاً ، بما قطعوه على أنفسهم و نفّذوا عمليات ثأرية لمقتل عياش هزّت (إسرائيل) ، و لكنهم تعرّضوا لعدة ضربات كانت قاسمة منها مقتل العديد منهم كمحي الدين الشريف و الأخوان عماد و عادل عوض الله ، في ظروف تستعدي أفراد بحث مستقل عنها في مكان آخر .
        موضوع عن قصص الجواسيس العرب واحدات مهمة ارجو المتابعة
        22:2

        تعليق


        • #19
          محكمة

          بعد اغتيال عياش و تكشّف حقيقة ما حدث سريعاً كان زعماء حماس السياسيون يقفون قي بيت عزاء الشهيد يحيى في غزة بجانب أسامة حماد ، صديق الشهيد الذي أخفاه في بيته ينفون الأنباء التي أشارت و لو تلميحاً لتورط أسامة في العملية ، متهمين خال أسامة ، كمال حماد بالتورط في اغتيال يحيى عياش .

          و كان واضحاً أن جريمة الاغتيال وقعت في أرض ، هي تحت سيطرة سلطة ، مهما اختلفت الآراء حولها ، فإنها في النهاية مسؤولة عن (أمن) مواطنيها أو على الأقل يجب أن يكون لها (كلمة) ما فيما يحدث في الأرض التي تحت سيطرتها ، حتى لو كان ما يحدث يتم التحكم به عن بعد ، و من طائرة تحلق في أجواء ليست تحت سيطرتها ، كما حدث مع الشهيد يحيى عياش .

          تحرّكت السلطة الفلسطينية ، متأخرة جداً ، و أوقفت أسامة حماد و شقيقته كريمة حماد ، و عقدت محكمة أمن الدولة جلسة لها يوم 9/5/1999 في غزة برئاسة العقيد عبد العزيز وادي ، و عضويه : النقيب جمال نبهان ، النقيب : سامي نجم ، للنظر في جريمة اغتيال يحيى عياش .

          و نظرت المحكمة في التهم الموجّهة للمتهم الأول كمال عبد الرحمن حماد الفار من العدالة و المتهم الثاني حسام حماد محمد حماد المرافق للمتهم الأول و الفار من العدالة أيضاً و المتهمان الثالث كريمة خالد حماد و الرابع أسامة خالد حماد .

          اتهم كمال حماد ، بالسعي و التخابر و التآمر مع المخابرات الصهيونية للقيام بعمل إرهابي استهدف الشهيد المهندس يحيى عياش . و اتهم حسام حماد (الهارب) و كريمة حماد (الموقوفة منذ 22/6/1996) بمساعدة المتهم الأول كمال حماد و تهيئة الظروف لقتل عياش . و اتهم أسامة حماد (الذي أوقف بتاريخ 16/7/1996 أي بعد أكثر من سبعة أشهر من الاغتيال) رفيق المهندس الذي أخفاه تهمة الإهمال مما أدّى إلى مقتل الشهيد عياش و أنه تسبّب من غير قصد في مقتل المهندس .

          كان عقد المحكمة مهماً ، ففي النهاية يجب أن تكون هناك رواية (رسمية) فلسطينية لما حدث ، و لهذا لم يتوقّف الكثيرون عند النصوص القانونية التي يحاكم بموجبها المتهمون الأربعة ، و كان يمكن أن يكون عقد المحكمة لجلساتها حدثاً ، و لكن ضعف ثقة الرأي العام الفلسطيني بالجهاز القضائي الفلسطيني و توالي الأحداث و الملل من متابعة دهاليز العملية السلمية عكس نفسه على الاهتمام بقضايا داخلية كثيرة ، و معرفة الكثير من أسرار حادث الاغتيال ، أدّى إلى عدم إبلاء المحاكمة الاهتمام الكافي .

          في تلك الجلسة قال المدعي العام جمال شامية إن عمالة المتهم الأول كمال حماد لجهاز الشين بيت (أحد أذرع أجهزة المخابرات الصهيونية الداخلية) لا تحتاج لإثبات بعد أن رفع حماد دعوى ضد الجهاز الصهيوني يطالب فيها بتعويض 25 مليون دولار لمشاركته في تنفيذ عملية اغتيال يحيى عياش .

          و أشار شامية إلى أن حسام حماد و كريمة حماد نفّذا تعليمات كمال حماد ، بجمع معلومات عن عياش و التعاون في زرع جهاز تنصت في الهاتف الخلوي الذي يملكه المتهم الرابع (أسامة حماد) الذي اشتراه بناءاً على طلب كمال حماد (المتهم الأول) .

          و أكّد شامية ما كان معروفاً لدى الرأي العام ، من أن جهاز المخابرات الصهيوني تعرّف على صوت الشهيد عياش و الأوقات التي يتصل والده به من خلال تعاون المتهمين الثلاثة (كمال ، حسام ، أسامة) ، و أنه في يوم تنفيذ جريمة الاغتيال اتصل كمال حماد بابن أخته أسامة و طلب منه إبقاء الهاتف النقال مفتوحاً بحجة أن شخصاً يدعى شلومو سيتصل لأسباب تتعلق بالعمل ، و هو بالطبع لم يكن صحيحاً ، فرجال المخابرات الصهيونية كانوا في ذلك اليوم ينتظرون مكالمة الوالد لابنه يحيى خصوصاً و أنه تم فصل الخدمة الهاتفية (التي تتحكم بها "إسرائيل") عن الهاتف الثابت .

          كان الكثيرون مستعدين لتقبل الاتهامات لكمال حماد و حسام حماد ، و ربما لكريمة حماد ، و لكن ، و لأسباب كثيرة ، منها ما هو عاطفي ، فإن الأمر كان مختلفاً بالنسبة لأسامة حماد رفيق الشهيد الذي خبأه في منزله .

          حتى أن المدعي العام النقيب جمال شامية أشار في تلك الجلسة إلى أن أسامة كان متوجساً من تقرّب خاله كمال حماد إليه ، و طلب من يحيى عدم الإقامة في منزله بسبب ارتباطات خاله المشبوهة ، و لكن المدعي وجه لوماً لأسامة لأنه لم يبلغ تلك المخاوف لقيادته السياسية (مما جعله محل اتهام) .

          أثارت لائحة الاتهام التي تلاها المدعي العام شامية جلبة وسط جمهور المحكمة غير المتعود على مثل هذا النوع من المحاكمات التي يكون الرأي العام ، اتخذ فيها مسبقاً قراراً ضد المتهمين .

          أسامة حماد احتج على التهم التي وجّهت لشقيقته الأميّة التي لا تجيد القراءة مشيراً إلى أن المخابرات الصهيونية لا يمكن أن تعتمد ، في تنفيذ عملياتها على هذا النوع من الأشخاص .

          و كريمة نفسها نفت ما نسب إليها بشدة ، و أمام الهيجان الذي حدث في الجلسة حذّر القاضي وادي من طرد أفراد عائلات المتهمين (أسامة و كريمة) إذا لم يعد الانضباط إلى القاعة ، و قدّم محامي أسامة و كريمة الموكّل من قبل هيئة المحكمة اعتذاراً مشيراً إلى أن الضغط النفسي الذي تعرّض له موكلاه عبّر عن نفسه في ذلك الغضب ..!

          و بعيداً عن قاعة المحكمة كان هناك طرف أصدر مسبقاً حكماً على أحد المتهمين بالبراءة ، فحركة حماس ، أصدرت بياناً برأت فيه أسامة حماد من التهم الموجهة إليه ، و هي كما ذكرنا تتعلق بالإهمال و ليس بالعمالة لـ (إسرائيل) .

          و جاء بيان حماس قبل يوم واحد من عقد جلسة المحكمة تلك ، في محاولة ، على ما يبدو للتأثير على سير المحكمة ، هي بغض النظر عن مدى استقلاليتها ، و التحفظات على قانونية محاكم أمن الدولة بشكلٍ عام ، فإنه كان لا بدّ من إعطائها فرصة ، فلا يعقل أن يمرّ حادث بجسامة ما تعرّض له عياش دون أن تقول ، محكمة ، أية محكمة كلمة فيه . و أعتقد أنه كان من الأجدر إيراد تحفظات على المحكمة و المطالبة بوضع ضوابط لتكون المحكمة عادلة ، و انتقاد تأخر عقدها .

          و برأ بيان حماس عضو الحركة أسامة حماد ، و أشار إلى مزايا أسامة و نقاء سريرته و قبوله إيواء الشهيد يحيى عياش في منزله في ظلّ تلك الظروف الصعبة .

          و نوّهت حماس إلى أن أسامة حماد و بعد حادث الاغتيال أخضع لتحقيق من قبل الأمن الوقائي الذي تأكّد من براءة أسامة و التي تأكّدت أيضاً من خلال تحقيق أجرته لجنة مشتركة من كتائب القسام و الأمن الوقائي في غزة .

          و لم تعِدْ حماس في بيانها بنشر نتائج التحقيق المشترك ، و باعتقادي أنه ما دام هناك تحفّظ على محكمة السلطة يجب أن لا يترك الرأي العام فريسة لوجهة نظر واحدة هي السلطة في هذه الحالة ، و التي لا تتمتع محاكمها بأية مصداقية ، و من حق الرأي العام أن يعرف نتائج التحقيق الذي شاركت فيه حماس نفسها .

          و ذكر البيان أن الشيخ أحمد ياسين وجّه رسالة لرئيس السلطة ياسر عرفات يؤكّد فيها براءة أسامة ، و طالبت حماس بالإفراج عن أسامة حماد ، و أكّدت حرصها على وحدة الشعب الفلسطيني في (هذه المرحلة الدقيقة و تفويت الفرصة على المتربصين بوحدة الصف و الكلمة) .

          و لم تقدّم حماس ملاحظات على طبيعة المحكمة و صلاحيتها و مدى نزاهتها و لم تطالب بمحكمة بديلة ذات طابع مدني مثلاً و أكثر استقلالية ، و لم تتقدّم ببيانات البراءة إلى المحكمة التي بدأت في عقد جلساتها بشكل علني .

          من جانبه قال العقيد عبد العزيز وادي رئيس المحكمة العسكري ، إن براءة أسامة أو عدمها هي من اختصاص المحكمة ، و قال إن ما أوردته حماس في بيانها يجب أن يقدّم للمحاكمة التي من اختصاصها النظر في ذلك .

          و عقدت المحكمة جلسة أخرى لها يوم 14/5/2000 ، و بتاريخ 21/5/2000 عقدت المحكمة جلسة للمداولة و النطق بالحكم، و في تلك الجلسة التي رأسها العقيد عبد العزيز وادي و عضوية النقيب : جمال نبهان ، و النقيب : رسمي النجار ، تمت إدانة جميع المتهمين الأربعة في القضية .

          و تلا القاضي وادي حيثيات الحكم ، و قال إنه بشأن المتهمة الثالثة كريمة حماد فإن الأدلة و البيانات تشير إلى أنها قامت بتزويد المتهم الأول كمال حماد بما طلبه منها من معلومات عن الشهيد يحيى عياش و تحركاته ، مشيراً إلى أن ذلك يقع تحت طائلة أحكام المادة 88 من قانون العقوبات الفلسطيني لعام 1979 ، و قال إن هيئة المحكمة قرّرت تجريمها مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف و الأعذار المخفّفة التي وجدتها هيئة المحكمة من خلال الوقائع المادية و الأدلة و البيانات التي اقتنعت بها هيئة المحكمة و اطمأن ضميرها .

          و فيما يخصّ المتهم الرابع أسامة حماد رفيق الشهيد عياش ، قال وادي إنه ثبت للمحكمة أن المتهم كان على علاقة سيئة بالمتهم الأول خاله كمال حماد ، لمعرفته أنه عميل للموساد ، و بعد أن خبّأ الشهيد عياش في منزله أبقى على تلك العلاقة مع خاله و وافق العمل في شركته و تقبّل منه المساعدة المالية ، و لم يخشَ مخاطر قبول الهاتف النقال منه و استرجاعه في أوقات مختلفة بحجج واهية ، متجاهلاً أحاسيسه التي يقر بأنها كانت تقول له أن يتخذ الحيطة و الحذر . حسب اعترافاته الموجودة في ملف القضية ، و استمر في التعامل مع خاله كمال حماد .

          و قال القاضي إن هيئة المحكمة رأت أنه كان من واجب أسامة حماد إبلاغ تنظيمه بما يتوقّعه من مخاطر محدقة بالمهندس الشهيد . و لم تعتبر هيئة المحكمة رسالة الشيخ أحمد ياسين للرئيس عرفات أو بيان حماس ، دليلاً لإعفاء أسامة حماد من مسؤولية الإهمال و قلة الاحتراز ، الأمر الذي أدّى إلى تمكين أجهزة المخابرات الصهيونية و عملائها من الوصول للمهندس و اغتياله .

          و بتهمة (الإهمال و قلة الاحتراز) وفقاً (لتطبيق أحكام المادة 212 معطوفة على أحكام المادة 393 بدلالة المادة 235 من قانون العقوبات الفلسطيني لعام 1979 ، و الحكم عليه وفق أحكام هذه المواد مع مراعاة مشاركة تنظيمه له في تحمّل المسؤولية التقصيرية عن أمن و سلامة الشهيد يحيى عياش) .

          و حكم على أسامة حماد ، صديق الشهيد منذ دراستهما معاً في جامعة بيرزيت ، بالسجن لمدة ثلاث سنوات تبدأ منذ اعتقاله بتاريخ 16/7/1996 .

          و بدا أسامة حزيناً لإدراجه و شقيقته ضمن لائحة اتهام ضمّت العميلين كمال و حسام حماد ، و هو رفيق و صديق الشهيد الذي كان مستعداً للتضحية بروحه من أجله .

          و لكن الحزن ، و ربما الندم لا يكفي في مثل هذه الحالات ، فقد رحل المهندس ..!
          موضوع عن قصص الجواسيس العرب واحدات مهمة ارجو المتابعة
          22:2

          تعليق


          • #20
            الجاسوس يتكلّم

            الحدث الأبرز في تلك الجلسة التي عقدت بتاريخ 21/5/2000 هي الأحكام التي صدرت على كمال حماد و حسام حماد . و الأهم تجريمهما بالتهم المنسوبة لهما في قضية الاغتيال .

            و كما هو متوقع صدر الحكم بإعدام المتهمين كمال و حسام رمياً بالرصاص حتى الموت ، و مصادرة أموالهما المنقولة و غير المنقولة أينما وجدت . بعد أن ثبت لهيئة المحكمة جمع تلك الثروة بطريقة غير مشروعة و أن عملهما مع المخابرات الصهيونية سهّل لهما جمع تلك الثروة (خصوصاً المتهم الأول كمال حماد) .

            القاضي العسكري عبد العزيز وادي قال إنه ثبت للمحكمة بالأدلة القاطعة التي لا يشوبها أي شك ارتكاب المتهم الأول كمال حماد و الثاني حسام حماد ، الفارين من وجه العدالة لفعلة التخابر مع الموساد الصهيوني و تقديم كافة التسهيلات التي طلبها الموساد لوضع العبوة الناسفة في جهاز الهاتف النقال الذي اشتراه كمال حماد و وضعه بتصرّف ابن شقيقته أسامة حماد بسبب معرفته بوجود الشهيد عياش في منزل أسامة مختبئاً . (يلاحظ هنا عدم الدقة لدى المحكمة في تحديد اسم جهاز الأمن الصهيوني المسؤول عن تنفيذ اغتيال عياش و هو الشاباك ، بينما جهاز الموساد مختص بالعمل الاستخباري الخارجي ، و إن كان هناك تعاون وثيق بين أجهزة المخابرات و وحدات الجيش الصهيوني المختلفة) .

            و ثبت لهيئة المحكمة أن خطة الموساد كان إجبار عياش أو ذويه على استخدام الهاتف النقال في الوقت المناسب لاغتيال عياش و هو ما حدث في الساعة السابعة من يوم 15/1/1996 ، عندما اتصل والد عياش و تعطّل أثناء المكالمة الهاتف الثابت ، فاتصل والد عياش به على الهاتف النقال ، و هذا ما كان ينتظره الموساد ، حيث فجّرت العبوة الناسفة و استشهد المهندس .

            و لا نعرف إذا كان العميلان كمال و حسام ، كانا يتابعان مجريات المحكمة ، أو يهمهما قرارها ، فهما اختارا مصيرهما عندما قررا الفرار إلى تل أبيب و منحهما بطاقات هوية صهيونية ، و ربما قبل ذلك بكثير عندما ارتبطا بأجهزة الأمن الصهيونية ، و لكن على الأقل فإن كمال حماد وهو المجرم الرئيس في قضية اغتيال عياش كان مشغولاً بأموره الخاصة في تل أبيب بعد أن اتهم حكومة (إسرائيل) بالتخلي عنه .

            من الصعب معرفة الأسباب التي أدّت لكمال حماد و هو المقاول الثري للتورّط مع الشاباك في عمل مثل اغتيال عياش ، و لا يمكن من خلال معرفة ما أُجري معه من الأحاديث التي أدلى بها للصحافة الصهيونية بعد هروبه من غزة (و تخلّي الشاباك عنه) أن تعطي صورة عن تلك النوعية من (البشر) التي لا تكتفي بالتعامل مع العدو بل تعمل على المشاركة في أعمال شكّلت صدمات لا تنسى للوعي الجمعي كاغتيال يحيى عياش ، الرمز الفلسطيني الذي لا يتكرّر بسهولة .

            و لكنها يمكن أن تعطي صورة لما سيكون عليها العميل ، ربما أي عميل ، بعد أن يؤدّي ما طلب منه ، و لا يبقى له أي فائدة ترجى . مثلاً نشرت صحيفة يديعوت أحرنوت يوم الجمعة 22/8/1997 ، عما جرى في يوم 15/1/1996 عندما انفجر الجهاز الخليوي في جسد عياش .

            تقول الصحيفة إن كمال حماد ، كان في يافا و بعد ساعتين من الاغتيال ظهر في موقع للبناء في شارع (مخلول - يوفي 5) و حضر للموقع للإشراف على البناء الذي تقوم به شركته ، و سمع النبأ من الراديو في ساعات بعد الظهر ، و كما هو متوقع فإنه أحد المعنيين الرئيسين في الحادث .

            و حسب رواية الصحيفة فإنه سارع للاتصال بزوجته الشابة سامية و طلب منها مغادرة غزة و القدوم إليه على الفور إلى تل أبيب ، و لأنه كان ، من قبل الحادث ، يخطّط للسفر إلى أمريكا لزيارة ولده أيمن الذي أرسله للدراسة هناك ، و لكنه ، حسب الصحيفة بدّد (أيمن) النقود التي كانت معه ، و يريد كمال الوقوف بنفسه على أوضاع ابنه .

            و كان قرار السفر الفوري أكثر ما يناسب شخصاً في مثل وضعه ، فصعد و زوجته الشابة سامية على أول طائرة متجهة إلى أمريكا قبل أن يعرف أحد تورّطه في اغتيال المهندس .

            تقول الصحيفة إن كمال ، الذي اختفى في الولايات المتحدة ، كان عليه أن يواجه (الضربة القاسية التي ألمت به ، لقد توقف المقاول الثري في منتصف مشروع بناء) .

            و تضيف : (لقد فوجئ أصحاب المشروع حين اتضح لهم أن المقاول هرب إلى الخارج في منتصف مشروع بناء ، و فوجئ أصحاب المشروع حين اتضح لهم أن المقاول هرب إلى خارج البلاد في أعقاب مقتل المهندس) .

            كمال حماد كان في أمريكا بعد حادث الاغتيال المدوّي و الذي تردّد رجع صداه في العالم العربي و في العالم و ربما لم تخلُ صحيفة أو وسيلة إعلام تهتم بالسياسية بموضوع عنه . و في غزة تم اعتقال عددٍ من أقاربه منهم شقيقه محمود و ابن أخيه أكرم حماد و أخ زوجته الثانية عبلة .

            و أفرجت السلطة عن شقيقه محمود الذي اتضح للسلطة أنه ليس له علاقة بحادث الاغتيال و لم يكن يعلم به ، و حسب الصحيفة فإن السلطة طلبت من محمود المغادرة من (أجل سلامته) ، فأخذ عائلته المكوّنة من زوجتين و 12 ابناً و انتقل للسكن في بيتٍ كان شقيقه كمال بناه في يافا ، و لم تكن حياته هانئة في يافا فسكان الحي الذي سكن فيه لم يقبلوا أن يعيش بينهم أفراد من عائلات (المتعاونين) ، و هي التسمية التي يطلقها الإعلام الصهيوني على عملاء أجهزة الأمن الصهيونية من الفلسطينيين و العرب ، فانتقل ، في نهاية حزيران 1996 إلى فندق ثم دبّر نفسه في سكن آخر .

            و قرّرت زوجة كمال حماد الأولى فاطمة البقاء في غزة ، أما زوجته الثانية عبلة فغادرت غزة ، على الأغلب بسبب مضايقات تعرّضت لها بسبب زوجها الفار ، و انتقلت للعيش ، منفصلة عن زوجها ، في (إسرائيل) .

            و حسب تقديرات يديعوت ، لدى نشر تقريرها في أواخر آب 1997 فإن نحو (70) فرداً من عائلة حماد انتقلوا للعيش في (إسرائيل) مغادرين غزة . و في ذلك التقرير ذكرت الصحيفة أن ابن كمال حماد أيمن غادر الولايات المتحدة ، و أصبح متجولاً في العالم ، و أما كمال فإن ديونه تزايدت ، و لم يكن في نية أية جهة في (إسرائيل) مساعدته في سداد ديونه التي تتزايد ، فباع أملاكه ، في يافا بخسارة ، و كانت أملاكه التي قدّرها الصحافيان بعشرين مليون دولار قد صودرت . و كان حماد ، المقاول الثري سابقاً و العميل لأحد أقوى ، أو أنشط ، أجهزة المخابرات في العالم يدخل (في وضع نفسي سيئ ، بسبب الحالة التي وصل إليها و بسبب فقدان عقاراته و ممتلكاته) . و أصبح نموذجاً لما يمكن أن يشير إليه الفلسطينيون ، بأنه النهاية المتوقعة (لكلبٍ باع ضميره و خان شعبه و فقد شرفه) .

            و كانت الأزمة التي يعيشها حماد تتصاعد ، و ذهبت طلباته من (إسرائيل) بتعويضه على الأقل عن أملاكه التي صودرت في غزة ، أدراج الرياح ، و في 4/11/1999 كان يتم إخلاءه من الشقة التي سكن بها ، بعد أن وصلت أزمته المالية منتهاها . و لم يعد قادراً على دفع أجرتها .

            و اختار أن يدلي بحديث للصحافي (يوأب ليمور) من صحيفة معاريف العبرية نشرت في نفس ذلك اليوم ، في محاولة منه للفت الرأي العام الصهيوني ، على ما يبدو ، لمأساته .

            قال حماد : (لقد أصدرت دولة "إسرائيل" ضدّي حكماً بالإعدام و الآن تريد أن تدوس على الجثة ، لقد قدّمت حياتي من أجل الدولة و اليوم أجد نفسي في الشارع مع عائلتي ، هل هذا هو الأسلوب الصحيح ؟ فكّرت بأن الحديث يدور عن دولة سليمة و لكن كلّ شيء كان مجرّد خدعة ، توصلت إلى حالة افتقدت فيها إلى النقود لدفع إيجار الشقة و من أجل توفير لقمة الخبز لأولادي و تعليمهم ، لماذا يفعلون بي هكذا ؟) .

            و يقول الصحافي الذي أجرى المقابلة إن كمال حماد يعيش في خوفٍ دائم على حياته و لهذا رفض التقاط صور له . و وجّه حماد شكواه ضد (إدارة تأهيل المتعاونين) في مكتب رئيس الحكومة الصهيونية . التي خدعته طوال الوقت كما قال في حديثه للصحيفة . و أهانته باستمرار و كذبت عليه و لم تلتزم بالدفع له .

            و يقول حماد عن هذه الإدارة (إن ما يفعلونه بي أكثر سوءاً من التنكيل إنه قتل ، قال لي كبار في الشاباك إن على هذه الدولة أن تقبّل قدميك ، و لكن بدلاً من ذلك ينكلون بي و بعائلتي ، لم أكن أفكّر حتى في أسوأ أحلامي أن هذا سيحدث و لكن هذا الكابوس ينمو و يكبر يوماً إثر يوم) .

            و تحدّث حماد عن علاقته مع أجهزة الأمن الصهيونية ، و حسب قوله فإنه في منتصف الثمانينات من القرن العشرين ، نظّم لقاءات في بيته في غزة بين قادة الإدارة المدنية الصهيونية و كبار في أجهزة الأمن الصهيونية و بين وجهاء من غزة لطرح ما يسميه مشاكل السكان .

            و كانت هذه اللقاءات تجري ضمن سياسة (إسرائيل) وقتها بفتح قنوات اتصال مع القيادات المحلية الفلسطينية ، و كانت قبلاً استبدلت صيغة الحكم العسكري بالإدارة المدنية . لتجميل الاحتلال و مشاركة السكان المحليين في إدارة (احتلالهم) . و كانت هذه المحاولات المتتالية جوبهت من قبل الحركة الوطنية الفلسطينية في وقتها ، و تم تقديم شهداء و جرحى و أسرى لإفشال مخطّطات الاحتلال تلك .

            و يكشف حماد أنه خلال تلك المرحلة طلب منه أن يبني مساكن للاجئين ، و ذلك لإخلاء المخيمات ، و هي التي عرفت بمشاريع توطين اللاجئين التي كانت كلما تطرح تجابه من اللاجئين أنفسهم و الحركة الوطنية .

            و من أجل ذلك ، حصل حماد على تمويلٍ لمشروعه الذي اقترحته عليه (إسرائيل) ، من بنك (إسرائيلي) و دون فائدة ، و لكن المشروع لم ينفّذ بعد أن هُدّد من قبل الفلسطينيين .

            و يبدو أن حماد كلّف بأمورٍ أخرى كثيرة من قبل (إسرائيل) ، و أصبح أحد ممثلي (الزعامات المحلية) المرتبطة مع الاحتلال الصهيوني ، و بصفته هذه ذهب إلى تونس ، مقر منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك ، و لم يفصح في المقابلة عن الهدف من تلك الزيارة ، و لكنه كشف للصحيفة أنه بعد إحدى اللقاءات في تونس و أثناء عودته انتظره رجال الأمن الصهيوني و أخبروه أنهم (اعتقلوا خلية خطّطت لقتلي ، و أعطاني الجيش جهاز إنذار في البيت و وعدني بأن تصل القوات بعد دقيقة من الضغط على جهاز الإنذار) . و هذا التدبير الأمني الصهيوني كانت استخدمته (إسرائيل) مع عملاء آخرين لها كانت حياتهم مهددة من قبل المقاومين الفلسطينيين .

            و أصبح واضحاً أن حماد أصبح عميلاً مهماً لدى (إسرائيل) ، و توسعت علاقاته ، و حسب قوله للصحيفة العبرية فإنه استضاف في بيته موشي آرنز وزير الحرب الصهيوني اليميني و رئيس الحكومة إسحاق رابين و وزير الخارجية شمعون بيرس و جنرالات آخرين في جيش الاحتلال .

            و يدّعي حماد في المقابلة أنه أقام (نوعاً من العلاقات) مع قادة السلطة الفلسطينية الذين نظر معظمهم إلى علاقاته مع (إسرائيل) بالإيجاب ..!

            و زوّدت (إسرائيل) حماد بكلاشينكوف و مسدسات ، و عن تلك الفترة يقول حماد : (أولادي كانوا يتجوّلون في البيت في غزة و البنادق في أيديهم) . و معنى ذلك أن حماد كان عميلاً معروفاً لـ (إسرائيل) بشكلٍ واضح للفلسطينيين ، و أن أقرباءه لا شك يعرفون حقيقته و من ضمنهم ابن شقيقته أسامة حماد رفيق يحي عياش .

            و يشعرنا كمال حماد أنه كان خائفاً جداً على نفسه في تلك الفترة إلى درجة أه بدأ يتردّد على الولايات المتحدة ليلد له ولداً هناك يستطيع الحصول على الجنسية الأمريكية ، و يستطيع ، بذلك ، الذهاب إلى هناك في حالة أي طارئ ، و هو ما فعله بالفعل بعد استشهاد يحيى عياش .

            و في تلك المقابلة التي تحدّث فيها حماد لأول مرة بعد أن كان حديث الصحافة العربية و العالمية لدوره في اغتيال عياش ، حاول أن يقدم (روايته) لما حدث ، فقال كمال إنه خلال إحدى رحلاته للولايات المتحدة علم أن ابن شقيقته أسامة تم اعتقاله من قبل السلطة الفلسطينية بدعوى أنه درّب استشهادياً ، و فوجئ كمال بأن (إسرائيل) تطلب منه التدخل ليمارس تأثيره ، كما يقول ، على السلطة للإفراج عن أسامة .

            و يعترف كمال أنه لم يفهم سبب طلب (إسرائيل) ذلك ، و هو أمر من الصعب فهمه فعلاً إذا أخذت الأمور بظواهرها ، فأسامة عضو معروف في حماس و (إسرائيل) تطالب ، ليلاً و نهاراً ، السلطة باعتقال نشطاء حماس .
            موضوع عن قصص الجواسيس العرب واحدات مهمة ارجو المتابعة
            22:2

            تعليق


            • #21
              يكمل كمال حماد : (بناء على طلب الشاباك بدأت بتشغيل أسامة لديّ ، قلت لـ (الإسرائيليين) إنه لا يستطيع العمل لدي ، لأن بناتي يخرجن بلباس قصير و هو رجل متديّن ، لكنهم قالوا إن كل شيء سيكون على ما يرام) .

              ربما كان كمال حماد لا يعرف تفاصيل خطة الشاباك بالتخلص من يحيى عياش ، و لكن رجال الشاباك ، كانوا ينفّذون الخطة بدقة شديدة ، فبعد أن طلبوا من كمال حماد العمل على الإفراج عن ابن شقيقته أسامة و تشغيله معه طلبوا منه أن يولي أسامة مهمة نقل و شحن البيض من المزرعة التي يملكها ، ثم طلبوا منه أن يعطيه هاتفاً نقالاً لمساعدته في العمل و هذا ما تم فعلاً .

              يقول حماد ، بعد وقتٍ قصير تعطّل الهاتف النقال و أرسل إلى التصليح ، و لا يتحدّث عن تفاصيل محدّدة عن ذلك ، و يقول إنه تم إعادة الجهاز ، و بعد إعادته استدعاه الشاباك إلى تل أبيب بدعوى أن خطراً حقيقياً على حياته في غزة .

              كان ذلك مساء يوم الخميس ، أي قبل يوم واحد من اغتيال المهندس ، و في صباح اليوم التالي ، حيث كانت خطة الاغتيال تستكمل خطوطها الأخيرة ، يقول كمال حماد : (جلست مع رجال الشابك لتناول الطعام و رأيت أنهم جميعاً فرحون ، بعد ذلك صعدت إلى غرفتي لآخذ قسطاً من الراحة و فجأة اتصلوا بي و قالوا لي إنه يجب أن أسافر على عجل ، الآن و فوراً ، مع زوجتي إلى الولايات المتحدة) .

              و يشير حماد إلى أن (إسرائيل) لم تسمح له بالدخول إلى غزة ، فالتقى بزوجته في أحد الكيبوتسات القريبة من غزة ، و كانت زوجته في حالة ذهول .

              و حسب روايته فإنه خلال كل هذا الوقت لم يكن يعرف ماذا جرى فعلاً في غزة ، يقول حماد : (بعد أن وصلت يافا من أجل ترك سيارتي و السفر سألني أحدهم عما إذا كنت سمعت الأخبار و قال لي إنهم اغتالوا يحيى عياش) .

              و ليس مستبعداً أن يكون الشاباك أخفى عنه حقيقة خطة اغتيال يحيى عياش ، و كلام حماد يذكّر بما قاله عميل آخر بعد ذلك بسنوات و هو علان بني عودة الذي استخدم لقتل أحد قادة حماس العسكريين : إبراهيم بني عودة ، فكلاهما لم يخفِ علاقته بالاحتلال ، و لكنهما أنكرا بمعرفتهما بتفاصيل المهمتين اللتين استخدما لأجلهما ، اغتيال يحيى عياش و إبراهيم بني عودة ، من أبرز أعضاء الجناح العسكري لحماس و اللذان قتلا بطريقة متشابهة في عمليتين لم تعترف (إسرائيل) بمسئوليتها عنهما حتى الآن .

              يتابع حماد روايته قائلاً إنه اتصل فوراً مع أخيه في غزة و بعد عدة دقائق اتضح له أن الاغتيال تم في بيت أخته و أن الاغتيال (تم من وراء ظهري و دون علمي ، لقد استخدموني و استغلوني و في لحظة واحدة دمّروا عالمي) .

              تسلّم حماد نقوداً من الشاباك قبل مغادرته إلى الولايات المتحدة و لكنه فوجئ هناك بأن (بطاقة الائتمان خاصتي ألغيت رغم أنه كان لي نقود في بنك في (إسرائيل) ، و حين قرّرت العودة إلى (إسرائيل) ، اقتحم رجال شرطة الـ : أف.بي.آي غرفتي في الفندق في لاس فيجاس و فتشوني تفتيشاً دقيقاً ثم تركوني أغادر) .

              و عندما وصل إلى مطار بن غوريون في اللد كان رجال من الشاباك في انتظاره ، أخذوه إلى فندق و قالوا له : (لا داعي للقلق لأن كل شيء سيسير على ما يرام و أن دولة "إسرائيل" ستهتم بكل احتياجاتي ، و قال لي أحد أفراد الشاباك إن القليل من "الإسرائيليين" فعلوا ما فعلته للدولة) .

              و يبدو أن الشاباك لم يفِ بما وعد (في البداية كان كل شيء على ما يرام ، اهتم الشاباك بتوفير بيتٍ لي ، و إخراج عائلتي من غزة) . و بدأت المشاكل بينه و بين الشاباك كما يقول عندما بدأ يطلب تعويضات عن خسائره ، و لكن يبدو أن لا أحد استمع إليه (الآن أجد نفسي في الشارع دون نقود و دون مستقبل ، لقد خوزقوني و استخدموني دون علمي ، و الآن خوزقوني ثانية ، إن ما يفعلونه بي هو جريمة) .

              في تلك المقابلة أرسل حماد عدة رسائل منها ما هو إلى مستخدميه السابقين في الخيانة ضد شعبه ، للوقوف بجنبه و مساعدته ، و رغم أن (إسرائيل) لم تعترف بالمسؤولية عن اغتيال عياش ، حتى أنه في نفس المقابلة التي أجريت معه ، تم تعريف كمال حماد (بالمقاول من غزة الذي حسب الأنباء الأجنبية ساعد (إسرائيل) في اغتيال المهندس يحيى عياش) . إلا أن مكتب رئيس حكومة (إسرائيل) إيهود باراك ، وقتها ، عقب ، وفقاً لراديو الجيش الصهيوني ، بغضب على أقوال حماد لصحيفة معاريف .

              و حسب الراديو فإن التعقيب كان أنه ليس صحيحاً أن (إسرائيل) لم تساعد كمال حماد و لم تقدّم له أموالاً ، و لكن (إسرائيل) قدّمت أموالاً بدّدها حماد على أمورٍ مظهرية .

              و حسب الراديو فإن (إسرائيل) قدّمت لحماد (ثلاث شقق سكنية و مبلغاً كبيراً من المال ، كما كان حماد يتلقّى مبلغاً إضافياً شهرياً ، و أن حماد أنفق المال على مشتريات تنطوي على إسراف و بهرجة بدل استخدامه للأغراض التي خصّص لها كالتعليم و السكن و الرعاية الصحية له و لأسرته) .

              و الرسالة الثانية التي وجّهها حماد ، بعد أن خرج عن صمته ، ادعاءه ببراءته من دم المهندس يحيى عياش ، رغم اعترافه الواضح بعمالته لـ (إسرائيل) و سرده لتاريخ تلك العلاقة ، و سواء كان صادقاً في ذلك أم لا ، فإن الرد على هذه الرسالة جاء متوقعاً ، فالدكتور محمود الزهار أحد قادة حركة حماس السياسيين ، عقّب على حديث كمال حماد لصحيفة معاريف ، معتبراً أنه المجرم رقم واحد المسؤول عن اغتيال يحيى عياش .

              و قال الزهار ليومية الحياة الجديدة الفلسطينية (7/11/1999) ، إن كلام حماد أنه لم يكن يعرف بأن الهاتف النقال الذي استخدم في عملية الاغتيال ملغوماً ، هو كذب و افتراء . و أكد الزهار أن موقف حماس من القضية واضحٌ و هو أن العميل كمال حماد هو المتورط الرئيسي في الاغتيال و هو ما أكدته أيضاً حسب أقوال الزهار النتائج التي توصلت إليها لجنة التحقيق التي تشكّلت من حماس و جهاز الأمن الوقائي .

              و لم يترك الزهار مناسبة حديث كمال حماد لصحيفة معاريف دون الإشارة إلى أن وضع كمال حماد أصبح مثل الكلب (الذي يحرس صاحبه ثم يتركه صاحبه دون طعام ، و أن هذا هو مصير كل من يختار هذا الطريق) . و رأى آخرون في مثل العميل كمال حماد ، نموذجاً و درساً لكل الذين يتعاونون مع الاحتلال ضد أبناء شعبهم .

              و هي عبرة مستخلصة من تجارب كلّ الشعوب ، و لكن لا يكفي أن يعتبر بها الأفراد ، فعلى الجماعات أيضاً ، أن تراكم بها خبراتها ، كي لا تلدغ من نفس الجحر أكثر من مرة ، و هو ما كان يحصل ، للأسف ، دائماً في الحالة الفلسطينية .
              موضوع عن قصص الجواسيس العرب واحدات مهمة ارجو المتابعة
              22:2

              تعليق


              • #22
                خالد مشعل


                تشكّل المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في العاصمة الأردنية عمان ، نموذجاً واضحاً للتدليل على فرضية ، زكّتها الأحداث ، بأن عمليات الاغتيال "الإسرائيلي" هي في النهاية قتل من أجل الانتقام و لا تحمل أي بعد سياسي ، و هو الإرهاب بعينه .

                فالعملية نفّذت في وسط عاصمة عربية ترتبط حكومتها باتفاقية سلام مع (إسرائيل) و بعلاقات هامة جداً تمتد لعقود ، و أي عمل ، مثل حادث الاغتيال ، هو في النهاية سيشكّل في أفضل الحسابات إحراجاً كبيراً لقيادة الأردن التي تروّج لسياسة الصلح و الاستسلام و الاعتراف بـ (إسرائيل) ، و لو تم أخذ الأمور بأيّ مقياس سياسي فإن أي عمل (أمنيّ) مهما كانت أهميته لـ (إسرائيل) ، لا يساوي أهمية العلاقات الرسمية مع الأردن ، و التعاون الأمني الواسع إلى درجة أنه كانت للموساد محطة للعمل في العاصمة الأردنية : عمان .

                و لكن للأجهزة الأمنية الصهيونية موقف آخر ، لذلك كان يوم 25/9/1997م ، يوماً غير عادي في العاصمة الأردنية عمان ، من الصعب أن تنساه المدينة لسنوات تالية كثيرة .

                في الساعة العاشرة و الربع من صباح ذلك اليوم ، كان شخصان بديا كسائحين يتحرّكان جيئة و ذهاباً أمام مكتب حركة حماس في شارع وصفي التل في عمان ، في الوقت الذي وصلت فيه سيارة رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل يرافقه ثلاثة من أطفاله و مرافقه الشخصي محمد أبو سيف .

                أحد الشخصين كان يحمل في يده حزمة صغيرة مغلفة بكيس نايلون ، و عندما نزل مشعل من سيارته اقترب منه أحد (السائحين) و هو ذو شعر أشقر و لحية صغيرة ، و بدا كأنه يريد أن يسأله عن أمرٍ ما ، في الوقت الذي اقترب منه بسرعة (السائح) الآخر و ضربه بجهاز كان يحمله على رأسه .

                و حسب بيان أصدرته حماس فإن محمد أبو سيف مرافق مشعل حال دون أن يلامس هذا الجهاز رأس مشعل ، و لكن الجهاز أصدر صوتاً مدوياً قرب الأذن اليسرى لمشعل الذي شعر بصعقة قوية أصابت جسده بهزة قوية .

                و هرب (السائحان) إلى سيارة كانت متوقفة في انتظارهما من نوع (هونداي) خضراء اللون ، دون أن يخطر ببالهما أن حارس مشعل الشخصي محمد أبو سيف ، و هو من الذين تدرّبوا في أفغانستان ، و اكتسب مهارات معينة ، لحقهما ، و أوقف سيارة أجرة عمومية و جرت مطاردة للسيارة الهاربة مسافة 3 كيلومترات ، من المركز التجاري المكتظ في شارع وصفي التل المشهور باسم شارع الجاردنز حيث مكتب حماس ، إلى شارع مكة ، حيث نزل الرجلان من سيارتهما و اجتازا الشارع بسرعة نحو سيارة أخرى كانت في انتظارهما ، و لكن محمد أبو سيف الذي نزل من السيارة العمومي (التاكسي) التي ركبها و لاحق بها الرجلان سجّل رقم سيارة الهونداي الخضراء ، التي تبين فيما بعد أنها مستأجرة ، و لحق بالرجلين و جرت مشاجرة عنيفة تجمّع على إثرها المواطنون و من بين الذين تجمهروا سمير الخطيب ابن قائد جيش التحرير الفلسطيني في الأردن و ساعد أبو سيف في القبض على الرجلين ، و حضرت الشرطة و تم اعتقال الرجلين بينما هرب ثلاثة آخرين كانوا في السيارة الثانية و سائق السيارة الأولى إلى السفارة الصهيونية في عمان .

                و ذكر بيان حماس نقلاً عن رواية محمد أبو سيف أن الإرهابيين (مدرّبان تدريباً عالياً على فنون القتال ، كما أنهما يتمتعان بلياقة بدنية عالية ، غير أنه بتوفيق الله ، ثم الإمكانات البدنية و الفنية العالية للمرافق مكّنته من تعطيل حركتهما حتى تجمهر المارة و وصلت دورية للشرطة إلى موقع الاشتباك) .

                و بدأت تتضح الصورة أكثر فأكثر ، فبعد ساعات بدأت تتدهور صحة خالد مشعل ، من أثر السم الذي وضعه أحد عملاء الموساد في أذنه بواسطة الجهاز الذي ضربه به على رأسه ، و نقل مشعل إلى المستشفى في حالة سيئة جداً بسبب ما تبين أنه محاولة للموساد لاستهدافه ، و تدخّل الملك الأردني حسين و تم إبرام صفقة لإعطاء مشعل الترياق الشافي و إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين زعيم حماس المعتقل لدى (إسرائيل) مقابل إعادة عميلي الموساد الاذين تم القبض عليهما بسبب شجاعة محمد أبو سيف الذي نوّه لدوره كثيراً فيما بعد خالد مشعل بعد نجاته من محاولة الاغتيال .

                هذه هي الخطوط العامة المثيرة لمحاولة اغتيال خالد مشعل ، و لكن ربما الأكثر إثارة هي ما كشف عنه من تفاصيل . فتبين أن الرجلين الذي اعتقلا بعد أن لحقهما محمد أبو سيف الذي أصيب بجرحٍ قطعي في رأسه جراء ضربه من قبلهما بآلة حادة فتم علاجه و قطب رأسه بـ 18 غرزة ، دخلا إلى الأردن بجوازي سفر كنديين يحملان الإسمين شون كندل (28) سنة و باري بيداس (36) سنة .

                و بدأ التحقيق مع الرجلين في مركز شرطة وادي السير ، بينما شريكهما الثالث الذي يحمل جواز سفر كندي باسم (جاي هيرس) 30 سنة تمكّن من الهروب خارج الأردن .

                و رفض المقبوض عليهما مساعدة القنصلية الكندية لهما عندما تم الاتصال بها ، و فيما بعد أثار انتحال رجال الموساد لجوازات سفر كندية زوبعة و لكنها سرعان ما انتهت لتكون زوبعة في فنجان ، فالحكومة الكندية المجروحة بكبريائها ، أو هكذا بدت ، استدعت سفيرها دافيد برغر ، في لحظات الغضب من تل أبيب ، وسط تشجيع من العالم العربي و إشادة من منظمة التحرير الفلسطينية .

                و أعلنت الحكومة الكندية التي استدعت سفيرها للتشاور بأنها تبحث اتخاذ خطوات أخرى لقيام الموساد باستخدام جوازات سفر كندية لعملائه في محاولة اغتيال مشعل .

                و اتخذت المعارضة الكندية موقفاً أكثر راديكالية ، و طالب حزب الإصلاح المعارض من الحكومة فرض عقوبات تجارية على (إسرائيل) ، و اعتبر الحزب أن استدعاء السفير إجراء غير كافٍ لإبلاغ (إسرائيل) الرسالة بأن كندا لن تقبل بأن يقوم الموساد بما قام به بانتحال عملائه جوازات سفر كندية .

                و تفاعلت قضية انتحال الجوازات عندما ظهر شارون كندال الحقيقي ، و هو مواطن كندي يعمل في مؤسسة خيرية يهودية في تل أبيب و قال للتلفزيون الكندي إنه أقحم في هذا الأمر دون أن يدري .

                و أعلن وزير خارجية كندا ليويد إكسويرثي أن سحب السفير خطوة جادة و أن شارون كندال الحقيقي يتعاون مع السلطات الكندية ، و أن الأدلة التي توصل إليها الكنديون تشير بما يدع مجالاً للشك إلى تورط (إسرائيل) بهذه القضية .

                و خرج السفير الكندي السابق لدى (إسرائيل) نورمان سبيكتور للإدلاء بدلوه ، و كان حينها ناشر صحيفة جيروسلم بوست الصهيونية ، في الموضوع و فجّرت تصريحاته الجدال المحتدم ، حيث قال بدون مواربة إنه يشك إذا كانت حكومة (إسرائيل) تصرفت بمسألة جوازات السفر الكندية لعملائها بمفردها أم أن (المخابرات الكندية تورّطت في هذه العملية مع "الإسرائيليين") ؟؟ . و ردّ وزير الخارجية الكندية ليود إكسويرثي عليه بالقول : إنه مخطئ .. !

                و فتح ذلك ملفاً طويلاً من استخدام الموساد لجوازات السفر الكندية و مثالها الأشهر ، ما حدث في ليليهامر في النرويج ، كما مرّ معنا في فصل سابق ، عندما قتل اثنان من عملاء الموساد يحملان جوازي سفر كنديين العامل المغربي بوشكي عام 1973 ظناً أنه علي حسن سلامة (أبو حسن) .

                و اضطر وزير خارجية كندا أن يعترف أن الملفات الحكومية الكندية تشير إلى أن آخر حادث علني تضمن استخدام (إسرائيل) جوازات سفر كندية وقع في قبرص عام 1981 .

                و تدخل في النقاش عميل شهير للموساد هو فيكتور إستروفسكي صاحب كتاب (بطريق الخداع) و هو من مواليد كندا فقال لصحيفة (جلوب آند ميل) إن استخدام جوازات سفر كندية يعرّض مواطنين كنديين للانتقام في الخارج ، و مشيراً إلى أن الموساد لا يستخدم جوازات سفر أمريكية مزوّرة مثلاً ، لأن ذلك سيفقده حرية الوصول إلى معلومات المخابرات المركزية الأمريكية .

                و هدأت الأمور بعد فترة و صدقت التوقعات التي شاعت لدى وقوع الحادث أن كندا لن تتخذ أي إجراء عملي ضد صديقتها العزيزة (إسرائيل) ، و هو ما حدث بالفعل .

                و اعترف عميلا الموساد اللذان طلبا من القنصل الكندي الذي حضر لرؤيتهما عدم التدخل في الأمر ، في حين أن قائد العملية الذي كان يتخذ من السفارة الصهيونية مقراً له ، على ما يبدو هاتف مدير المخابرات الأردنية سميح البطيخي و قال له إن المحتجزين (من رجالي فلا تمسوهما بأذى ، و سنبقى على اتصال مع الملك) .

                و الطريف في الأمر أنه بعد وقوع الحادث أصدر سمير مطاوع وزير الدولة الأردني لشؤون الإعلام بياناً نفى فيه تعرّض مشعل لمحاولة اغتيال ، و انتظر مطاوع و حكومته يومين ليصدرا بياناً آخر يؤكّد تعرّض خالد مشعل (لاعتداء) في الأردن .

                في هذه الأثناء كان مشعل الذي غادر مكان الاعتداء برفقة أطفاله يشعر بطنين متواصل في أذنه تطوّر لاحقاً إلى إعياء شديد و ألم في الرأس و حالة غثيان و صعوبة في التنفس ، و يدخل المستشفى الإسلامي ، و ينقل إلى مدينة الحسين الطبية ، بعد قدوم أفراد من الأمن الأردني طلبوا نقله ، في حالة حرجة للغاية و دخل في غيبوبة جرّاء السم الذي قيل إنه يتحرّك ببطيء و يؤدّي للوفاة ، و حضر بأمر من الملك حسين طبيب أخصائي من عيادة مايو كلينك الأمريكية ، التي كان يعالج فيها الملك الأردني دائماً و عولج فيها خلال مرضه الأخير المميت ، و أخذ عينة من دم مشعل و غادر مباشرة إلى مركز عمله لتحليل الأعراض التي أصابت مشعل و لم يستطع الأطباء الأردنيين تشخيص حالته .

                و كانت التقديرات لدى الأطباء الأردنيين في حينها أن الأشعة التي أرسلها الجهاز الذي ضرب به أصابت منطقة المخيخ مما أثر على توازن الجسم ، و أصابت الأعصاب المسؤولة عن التحكم بعمل الرئتين و الجهاز التنفسي مما أحدث خللاً في الوظائف التنفسية و نقصاً متزايدا في نسبة الأوكسجين في الدم ، و بأن الجهاز الذي استخدم ضد مشعل أرسل أمواجاً كهرومغناطيسية أصابت مركز التنفس في دماغه .

                و اتضح أن الموساد خطّط لاغتيال مشعل بشكلٍ بطيء دون أن يحدث ربطاً بين موته و بين الموساد ، خصوصاً و أن الهدف كان أن يموت مشعل أثناء نومه بسبب الاختناق ، و بذلك يتجنّب الموساد إحراجاً مع الأردن ، و لكن مرافق مشعل ، أبو سيف أفشل ذلك .

                و فعلاً شعر الملك الأردني بالإحراج الشديد مما حدث و بالمس بكرامته الشخصية ، و وظّف جميع مهاراته الدبلوماسية للخروج من هذا المأزق الذي وضعه الموساد فيه .

                و ذكرت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية أن الملك حسين اتصل بالرئيس الأمريكي بيل كلينتون ، و طلب منه المساعدة في توفير العلاج لمشعل ، قائلاً له إذا توفي مشعل فستحلّ كارثة على الأردن ، فتوجّه كلينتون شخصياً بالطلب من (إسرائيل) بتقديم تفاصيل دقيقة عن السم أو الغاز الذي استخدم في محاولة قتل مشعل .

                و قالت القناة الأولى للتلفزيون الصهيوني ، إن (إسرائيل) أرسلت طبيبة خاصة إلى الأردن معها العلاج ضد السم ، مما مكّن من علاج مشعل ، الذي بدا يتحسّن فعلاً بعد إعطائه العلاج اللازم حتى تشافى تماماً .

                و تسرّب الكثير مما جرى في كواليس دهاليز الحدث ، فمثلاً صحيفة صاندي تايمز قالت إن الذين شاركوا في العملية هم ثمانية أشخاص ، ينتمون إلى وحدة التصفية في الموساد و المسماة (مسفروت) و كانوا وصلوا عمان جواً و أربعة منهم يحملون جوازات سفر كندية و ما تبقى ، يحملون جوازات سفر أوروبية مختلفة ، و أن اثنين منهم نزلا في فندق إنتركونتننتال في عمان .

                و ذكرت صحيفة الإندبندت البريطانية أن (الإسرائيليين) بدأوا بالتحرك بعد فشل عملية الاغتيال التي وقعت يوم الخميس ، و أنه في يوم الأحد التالي وصل إلى الأردن وفد (إسرائيلي) رفيع المستوى ضم بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء و إسحاق موردخاي وزير الحرب و آرييل شارون وزير البنى التحتية و سكرتير الحكومة داني نفي ، و دافيد عبري مدير عام وزارة الحرب السابق ، و أفرايم هليفي السفير (الإسرائيلي) لدى الاتحاد الأوروبي ، و الذي شغل في السابق نائب رئيس الموساد و قام بدور هام في المفاوضات السلمية مع الأردن ، و استدعي هليفي من قبل نتنياهو لأنه يعتبر من المقرّبين للملك حسين في محاولة لإيجاد مخرجٍ لفشل الموساد باغتيال مشعل .

                و حسب رواية أخرى فإن هليفي كان توجّه مسبق و سراً إلى الأردن و التقى مع الملك حسين ، و أنه خلال هذا اللقاء تبلور الاتفاق حول إطلاق سراح أحمد ياسين زعيم حماس من سجون الاحتلال و نقله إلى الأردن .

                و بعد نحو أسبوعين من الحادث نشرت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية (10/10/1997) تقريراً لمحرّرها شمعون شيفر كشفت فيه تفاصيل ما حدث فعلاً من محاولة اغتيال مشعل و التي انتهت بإنقاذ و إطلاق سراح ياسين و فضيحة مدوية للموساد .
                موضوع عن قصص الجواسيس العرب واحدات مهمة ارجو المتابعة
                22:2

                تعليق


                • #23
                  أشارت الصحيفة إلى أنه في الساعة الثانية عشرة ظهراً و بعد أقل من ساعتين من وقوع حادث الاغتيال الفاشل ، كان رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو ، يقوم بزيارة روتينية إلى مقر الموساد ، لشرب نخب العام العبري الجديد ، و ليلقي خطاباً قصيراً في غرفة الطعام ، كما يحدث عادة في هذا النوع من الزيارات الروتينية التي يقوم بها رؤساء الوزارات الصهيونية كل عام لمقر الموساد .

                  و لكن عندما وصل موكب نتنياهو إلى مقر الموساد ، وجد مفاجأة في انتظاره ، فرئيس الموساد داني ياتوم ، و هو إرهابي محترف ارتبط اسمه بقتل أسيرين فلسطينيين بعد إلقاء القبض عليهما ، الذي كان يقف في انتظار نتنياهو ، طلب منه بعد أن نزل من سيارته أن يتحدث معه على انفراد ، و قال له إن اثنين من رجال الموساد اعتقلا في الأردن قبل نحو ساعة من الآن بعد أن نفّذا ما أوكل إليهما و أصابا خالد مشعل .

                  و بالطبع لم تكن مفاجأة سارة لنتنياهو ، الذي دخل مع ياتوم إلى مكتب الأخير ، و طلب إجراء مكالمة عاجلة مع الملك الأردني ، الذي كان على الطرف الآخر من الخط بعد وقت قصير .

                  و لم يخبر نتنياهو الملك حسين عن ما حدث أو عن مطلبه و لكنه طلب منه أن يلتقي مع داني ياتوم في عمان ، و وافق الملك على الالتقاء مع ياتوم ، و ربما كان الملك الذي عرفت أجهزته بالحدث بعد اعتقال رجلي الموساد ، خمّن مهمة ياتوم المفاجأة إلى عمان .

                  و أثناء استعداد ياتوم للسفر بعد تلك المكالمة ، لحقه العقيد شمعون شبيرا نائب السكرتير العسكري لنتنياهو ، و أخبره أن نتنياهو يطلب منه أن يأخذ معه الدواء الذي ينقذ حياة مشعل الذي لم يتبقَّ له سوى ثماني ساعات ليعيش ، و بعدها سيصل إلى مرحلة لا شفاء منها أبداً .

                  و فيما بعد فسّر نتنياهو قراره بإرسال الدواء ، بأنه أخذ هذا القرار على عاتقه ، كي لا يعرّض العلاقة مع الأردن للخطر و لإنقاذ رجلي الموساد المحتجزين في الأردن .

                  و بعد أن تحدّث مع الملك حسين و أمر ياتوم بالسفر إلى عمان حضر الاحتفال الروتيني ، كما هو مرتّب مسبقاً ، و لكنه ، بالطبع كان تفكيره منحصراً بتلك الفضيحة المدوية التي بدأ صداها يتردّد في عمان و منها إلى العواصم المختلفة .

                  أما داني ياتوم ، فغادر مع أحد مساعديه على متن طائرة خاصة و وصل عمان ، التي كان في استقباله في مطارها المستشار العسكري للملك حسين علي شكري ، و الذي صحبه فوراً للقاء الملك و هناك و بدون مقدّمات يخبر ياتوم الملك بما حدث من محاولة اغتيال مشعل ، و يكتفي الملك حسين الذي صمد وسط عواصف الشرق الأوسط العاتية لسنوات بحيث أصبح أقدم حاكم عربي حينها ، يكتفي بالصمت ، و يقدّم ياتوم للملك المصل الشافي ، و في تلك الأثناء كانت ثلة من الجيش الأردني تأخذ مشعل من المستشفى الإسلامي حيث نقل إلى مدينة الحسين الطبية ، لتوفير علاج أفضل و الحفاظ على حياته و أمنه كما قيل ، و في ذلك المستشفى يحقن مشعل بمصل الموساد الشافي هذه المرة .

                  و هنا يبدو أن رواية معاريف تستبعد ، من دون الإشارة إلى ذلك ما نشرته بعض الصحف الأجنبية عن الاتصالات التي أجراها الملك مع الرئيس كلينتون ، و يبدو الملك حسين في هذه الرواية و كأنه آخر من يعلم بما جرى في مملكته ، مع أنه مما لا شك فيه فإن المخابرات الأردنية و مديرها سميح البطيخي كانت و كان على علم بما حدث ، و ربما قبل علم نتنياهو بذلك أثناء زيارته لمقر الموساد .

                  و استمر نتنياهو في برامجه المخصصة للاحتفال برأس السنة العبرية بينما كان يتلقّى التقارير أولاً بأول من الأردن ، و هو يتنقل من احتفال إلى آخر ، و يطلع وزير حربه إسحاق موردخاي و آرئيل شارون وزير البنى التحتية و سكرتير الحكومة داني نفيه على حقيقة ما حدث ، و يصدر أمراً لرئيس بعثة الموساد في العاصمة الأمريكية واشنطن بالذهاب إلى نيويورك للقاء مع وزير الخارجية دافيد ليفي الذي كان يرأس وفد بلاده إلى اجتماعات الهيئة العامة للأمم المتحدة و إطلاعه على ما حدث .

                  و بعد ساعات يطلب نتنياهو من العقيد شمعون شبيرا نائب سكرتيره العسكري ، الاتصال مع أفرايم هليفي سفير (إسرائيل) لدى الاتحاد الأوروبي ، و المعروف بعلاقاته الحسنة مع الملك حسين على مدى سنوات ، و الطلب منه العودة على وجه السرعة إلى القدس ، التي يصلها في اليوم التالي ، و يتباحث مع نتنياهو في كيفية إرضاء الملك و تطمينه ، و في هذا الاجتماع يطرح هليفي فكرة الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين ، و هو ما طرحه على الملك حسين بعد ساعات عندما التقاه في القصر الملكي .

                  و في هذه المرة كان الملك حسين الذي حافظ على صمته في لقائه مع ياتوم ، يتحدّث بأريحية مع صديقه هليفي و يعبّر له عن مخاوفه و شكّه فيما إذا كان المصل المضاد سينقذ حياة مشعل . و اشترط الملك حسين ، لاستمرار الحوار مع (الإسرائيليين) أن يزوّدوه بتركيبة المادة السامة التي حقن فيها مشعل .

                  و في التاسعة من مساء من نفس اليوم (الجمعة : 26/9) كان هليفي يقدّم طلب الملك حول الحصول على التركيبة الكيماوية لقادة (إسرائيل) في غرفة المجلس الوزاري ، في جلسة وصفت بأنها إحدى الجلسات العاصفة جداً في تاريخ (إسرائيل) .

                  و كما هو متوقع فإن الطلب الأردني جوبه بنقاش حاد ، و لكن في نهاية الاجتماع اتخذ قرار بإرسال هليفي مرة أخرى إلى الأردن و معه خبير مهمته تقديم شرحٍ للملك حسين عن تركيبة السم القاتل .

                  و هو ما حدث و يبدو أن ذلك كان له ثمن ، و جزءاً من الصفقة التي أريد لها أن ترضي الجميع و تقلّل صدى الفضيحة ، ففي صباح الأحد (28/9) توجّه موكب من السيارات المحصنة من عمان و اجتازت الحدود دون أن يعترضها أحد ، و في إحدى السيارات كان هناك يجلس هليفي و معه ثلاثة رجال و امرأة ، هم عملاء الموساد الذين هربوا إلى داخل السفارة الصهيونية في عمان بعد الحادث ، و ها هم و بعد موافقة الملك حسين في طريقهم إلى بيوتهم ، خائبين .. !

                  و بالطبع الأمر لم ينتهِ عند هذا الحد ، فمشعل ما زال في المستشفى رغم التحسّن الذي طرأ على صحته و ما زال أيضاً رجلا الموساد محتجزيين لدى الأردن .

                  و هذا الجزء من القصة لا بد له من مفاوضات من نوع خاص ، لذلك في الساعة الحادية عشرة من مساء الأحد (28/9) تغادر طائرة من مهبط الكنيست بالقدس إلى عمان و تقلّ على متنها : نتنياهو و إسحاق موردخاي وزير الحرب ، و آرييل شارون وزير البنى التحتية ، و السفير أفرايم هليفي ، و مستشار وزير الحرب العميد يعقوب عميدور و نائب سكرتير نتنياهو العسكري العقيد شمعون شبيرا .

                  و في عمان يلتقيهم ولي العهد الأمير الحسن ، الذي يتهم القادمين بأن ما فعلوه و خططوا له باستهداف خالد مشعل هو في الواقع محاولة لإسقاط النظام الهاشمي ، و قال لهم الحسن بمرارة المصاب بخيبة من أصدقاء مقربين له (ماذا فعلتم ؟ قبل يومين فقط استضاف أخي الملك في قصره مجموعة من ضباطكم ، و جلس معهم ساعات طويلة و أكل معهم ، و أنتم تردّون بإرسال القتلة إلى أراضينا) .

                  و اتهم الحسن بلسانه و لسان شقيقه الملك بأن (إسرائيل) بعملها كانت تستهدف إحراجهما قائلاً : (نحن لا نفهمكم ، أي غباء هذا حين يقوم أربعة من عملاء الموساد بالهرب في وضح النهار إلى السفارة "الإسرائيلية" في عمان) .

                  و في حديثه الطويل مع الوفد الصهيوني رفيع المستوى ربط الأمير الحسن بين محاولة الاغتيال بما نشرته وسائل إعلام صهيونية بمحاولة (إسرائيل) اقتحام مناطق السلطة الفلسطينية و هذا يعني تهجير مئات الألوف من الفلسطينيين إلى الأردن ، و إغراق الأردن بهم و إسقاط النظام الملكي .

                  و بذل نتنياهو و صحبه (توضيح) الأمور لولي العهد الأردني ، و تم الاتفاق بشكلٍ نهائي على إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين ، على أمل أن يؤدّي ذلك للإفراج عن رجلي الموساد المحتجزين في الأردن .
                  موضوع عن قصص الجواسيس العرب واحدات مهمة ارجو المتابعة
                  22:2

                  تعليق


                  • #24
                    خروج الشيخ


                    في اليوم التالي الإثنين (29/9) يبدأ الصهاينة في التسريع في الصفقة و الخروج سريعاً من الفضيحة التي وصفتها وسائل الإعلام بأنها (الهدية) غير المنتظرة لنتنياهو الذي كان يأمل بالحصول على هدية بمناسبة رأس السنة العبرية و لكنه حصل (على العملية الأكثر غباء و رداءة في تاريخ الموساد) .

                    و يجتمع داني ياتوم و إليكيم روبنشتاين و أفرايم هليفي و ممثل الموساد في عمان (.. تصوّروا ذلك : ممثل للموساد في عمان ..!) ، مع الجنرال علي شكري مستشار الملك حسين العسكري ، ليتلقّوا منه جواباً إذا كانت حركة حماس توافق على نقل الشيخ أحمد ياسين إلى الأردن ، و كان الرد إيجابياً.

                    و في يوم الثلاثاء 30/9 ، و أثناء إلقائه لخطاب في مدينة الزرقاء أمام وحدات من جيشه ، يطلب الملك ، و بصورة فاجأت الرأي العام ، الذي لم يكن يدري ما يدور في الخفاء ، حتى أن الرقابة الصهيونية حذفت التقارير التي تحدّثت عن صفقة من نوعٍ ما بين الملك الأردني و (إسرائيل) ، و تشدّدت الرقابة على برقيات وكالات الأنباء و عمدت إلى حذف أجزاء منها ، يطلب الملك من (إسرائيل) الإفراج عن الشيخ الجليل أحمد ياسين .. !

                    و يوافق نتيناهو على (طلب) الملك حسين ، و يتصل مع وزير الأمن الداخلي أفيغدور كهلاني الذي لم يكن يعرف تفاصيل التحركات في الأيام السابقة و يطلب منه الإفراج عن الشيخ ياسين لنقله إلى الأردن خلال ساعات ، لأنه يريد أن يؤدّي ذلك إلى الإفراج عن رجلي الموساد .

                    و يدخل السجّانون إلى غرفة الشيخ ياسين و يطلبون منه و من مرافقه الشاب الأسير رائد البلبول ، الاستعداد للإفراج ، و كانت ، بالطبع مفاجأة غير متوقعة ، و يتم نقل الإثنين إلى عمان بمروحية أرسلها الملك حسين و يتم إدخال الشيخ ياسين المقعد و الذي يعاني من جملة أمراض إلى مدينة الحسين الطبية في عمان .

                    و أثار الإفراج عن الشيخ ياسين التكهنات حول وجود صفقة فيما يتعلّق بالإفراج عن عميلي الموساد المحتجزين لدى الأردن . و كتبت الصحف و تحدّثت وسائل الإعلام عن ما وصلها من معلومات عن المفاوضات بين الملك الأردني و (إسرائيل) للخروج من هذه الفضيحة المدوية . و صاحب الإفراج عن زعيم حماس المسن و الذي يعاني من إعاقات دائمة ، بعد رفض (إسرائيلي) متكرّر للإفراج عنه ، ردود فعل واسعة لدى أوساط عديدة .

                    و أول ردود الفعل هذه ، إذا جازت التسمية على ما أقدم عليه الرئيس الصهيوني عيزر وايزمن ، جاءت من (إسرائيل) نفسها ، و ترافقت مع قرار الإفراج عن الشيخ ياسين . ففي (إسرائيل) و بعد ساعات من الإفراج عن الشيخ ياسين ، كان اثنان من الإرهابيين اليهود هما : زئيف ولف و غيرشون أرشكوفيتش يطلق سراحهما بقرار من الرئيس (الإسرائيلي) ، و كان حكم على الإثنين في تموز 1993 بالسجن عشر سنوات لكلّ منهما بعد إدانتهما بإلقاء قنابل يدوية على أحد أسواق القدس العربية مما أدّى إلى قتل تاجر فلسطيني .

                    و لم يكتفِ وايزمن بذلك بل أصدر قراراً بتخفيض عقوبة أربعة إرهابيين آخرين ، و هم يورام سكولنيك المدان بقتل أسير فلسطيني و خفّف حكمه من المؤبد إلى 15 عاماً ، و خفّف حكم الإرهابي نير عفروني المدان بقتل عامل فلسطيني من 22 عاماً إلى 15 عاماً ، و خفّف الحكم الصادر على الإرهابي إيلي فعنونو شريك عفروني بقتل العامل الفلسطيني من 22 عاماً إلى 15 عاماً ، و شمل تخفيف الأحكام إرهابي آخر هو ناخشون وولف المدان بقتل فلسطينية من الخليل قرب مستوطنة كريات أربع ، و ذلك من 15 عاماً إلى 12 عاماًَ .

                    و حاولت الأوساط الحكومية الصهيونية عدم الربط بين هذه القرارات و الإفراج عن ياسين ، و قال آريه شومر السكرتير الصحافي لوايزمن إن هذه القرارات اتخذت قبل ثلاثة أشهر من الإفراج الذي تم بمناسبة رأس السنة العبرية الجديدة .

                    و برّرت (إسرائيل) إطلاق سراح ياسين لأسباب صحية و استجابة لنداء الملك حسين بإطلاق سراحه ، و تطوّع الناطق بلسان جيش الاحتلال ليقدّم تقريراً عن حالة الشيخ ياسين ، قائلاً إنه يعاني ضعفاً شديداً في البصر و التهابات داخلية و مشكلات مزمنة في التنفس و تدهوراً عضلياً .. !

                    و عبرت الأوساط الفلسطينية جميعها عن فرحتها بإطلاق سراح ياسين مع تحفّظها على إبعاده إلى الأردن ، و منها رئيس السلطة ياسر عرفات الذي كان يؤكّد دائماً في خطاباته على أهمية إطلاق سراح الشيخ ياسين ، و في إحدى المرات و رداً على سؤال وجّهته له ، قال إن مسألة الإفراج عن الشيخ ياسين أمر متفق عليه مع (الإسرائيليين) و أنهم يجب أن ينفّذوا ما التزموا به بهذا الشأن ، و هو لم يحدث إلا بعد فضيحة الموساد في عمان .

                    قال عرفات إنه سعيد لإطلاق سراح أخيه و زميل دراسته الشيخ ياسين ، و رأى في ذلك أمراً يبعث على الثقة بالنفس و عبّر عن أمله بأن يكون ذلك فاتحة للإفراج عن بقية الأسرى ، و فيما بعد طار عرفات إلى عمان و التقى الشيخ ياسين . و وجّه المجلس التشريعي الفلسطيني الذي كان يعقد جلسة له في مدينة رام الله في 1/10/ التحية لزعيم حماس الذي "كانت مسألة الإفراج عنه على جدول أولويات الرئيس عرفات و السلطة الوطنية" ، معتبراً أنه كان يجب على (إسرائيل) إطلاق سراحه قبل وقت طويل من ذلك ، استجابة للاتفاقيات بين الجانبين الفلسطيني و (الإسرائيلي) بخصوص إطلاق سراح الأسرى المرضى و كبار السن ، و كذلك استجابة لاتفاق بين أجهزة الجانبين الأمنية تضمن الإفراج عن ياسين مقابل الكشف عن جثة جندي (إسرائيلي) كان اختطف و قتل في غزة ..

                    و رحّبت حماس بالإفراج عن زعيمها و كذلك فعلت أسرة الشيخ ياسين ، و لكنهم جميعاً لم يستوعبوا فرضية أن يبقى ياسين في الإبعاد خصوصاً و أنه كان رفض سابقاً إفراجاً مشروطاً عنه مقابل موافقته على إبعاده .

                    و أكّد محمد نزال ممثل حماس في الأردن أنه تم تلقّي تأكيدات شخصية من الملك حسين حول عودة الشيخ ياسين إلى غزة بعد انتهاء علاجه .

                    و سارع الملك حسين و أخذ المبادرة من جديد و اتصل بنفسه مع زعماء حماس في غزة الذين قادوا المعارضة ضد ما وصف بأنه إبعاد لياسين إلى الأردن ، و طمأنهم أنه بإمكان ياسين العودة متى يشاء إلى غزة .

                    و قال إن ياسين الآن في وطنه الثاني بين أهله ، و أعرب عن أمله (في أن يكون هذا الإجراء "الإسرائيلي" بداية خطوة من خطوات لاحقة على كل الأصعدة على طريق السلام العادل و المشرف) ...

                    و عاد الشيخ ياسين إلى غزة في 6/10 على متن مروحية ، و جرى له استقبال رسمي و شعبي وسط اهتمام إعلامي كبير . و تكرّس أحمد ياسين زعيماً عربياً و إسلامياً ، عندما قام بعد مكوثه قليلاً في الأردن في المستشفى ، و الاهتمام الإعلامي الكبير به ، و عودته إلى غزة ، بجولة شملت دولاً عربية عدة استقبل فيها من كبار المسؤولين و عومل تقريباً معاملة الرؤساء ، و هو ما رجّح تكهنات حول زعامة ياسين و دوره المستقبلي في فلسطين ، و إمكانية أن يشكّل بديلاً لزعامة عرفات .

                    و لكن ذلك لم يحدث ، و احتفظ ياسين بصفته رمزاً وطنياً كبيراً ، و صوت المعارضة الأبرز ، و ضمير المقاومة المستمرة على أرض فلسطين .
                    موضوع عن قصص الجواسيس العرب واحدات مهمة ارجو المتابعة
                    22:2

                    تعليق


                    • #25
                      لعنة مشعل

                      أثارت عملية فشل اغتيال مشعل و توابعها ، نقاشاً حاداً في (إسرائيل) حول ما وصف بأنه أكبر فشل لجهاز الموساد (الإسرائيلي) . و في البداية حاولت الرقابة الصهيونية فرض حظرٍ على نشر بعض فصول تلك العملية الفاشلة ، و في إجراء ليس كثير الحدوث حذفت الرقابة الصهيونية أجزاء من تقرير لوكالة رويترز تحدّث فيه محلّلون صهاينة معتبرين أن ما حدث في عمان في 25/9 هو (أسوأ خطأ في تاريخ عمليات الموساد) .

                      و اعتبر زئيف شيف أحد أبرز المعلقين الصهاينة العسكريين أن قضية محاولة اغتيال مشعل في عمان تشكّل (ضرراً استراتيجياً خطيراً و إحدى أهم العمليات الميدانية الفاشلة التي نفّذها جهاز المخابرات "الإسرائيلي") .

                      و لخص شيف الأضرار الناتجة عن العملية في تعليقه بجريدة هآرتس العبرية يوم 5/10/1979 بما يلي :·ضرر في العلاقات مع الأردن و الملك حسين ، و هو ضرر ينطوي على مغزى استراتيجي ، مشبّهاً ما حدث في اختيار عمان بالقيام بعملية من هذا النوع ، كاختيار واشنطن للقيام بهذا العمل .. !·

                      و ضرر في مكافحة ما اعتبره الإرهاب ، معتبراً أن هذا الفشل سيحث بالتأكيد (النشاطات "الإرهابية" ضد "إسرائيل" ، و سيثقل أكثر فأكثر على السلطة الفلسطينية للتعاون مع "إسرائيل" في حربها ضد حماس ، و الضرر في مكافحة "الإرهاب" يعبر عن نفسه أيضاً بضرورة الإفراج عن سجناء حماس من السجن ، و كان رئيس الحكومة قد قال للأمريكيين حول الإفراج عن الشيخ ياسين قبل وقت ، إن الإفراج عنه يتسبّب في وقوع أضرارٍ بالغة على أمن "إسرائيل") ·المس بهيبة الموساد ، معتبراً أن فشل العملية سيؤدّي إلى زعزعة الموساد و المس بهيبته و مكانته ، و إلى ضررٍ ناتج عن الكشف أمام الأردنيين و عبرهم لأوساط أخرى لم يسمّيها شيف ، عن السم القاتل ، و هو الوسيلة الفنية الذي استخدم في عملية الاغتيال.

                      و تساءل شيف عن المسؤول عن اتخاذ القرار بالعملية ؟ و من مِن الوزراء شارك في اتخاذ القرار ، معتبراً أن رئيس الحكومة هو الذي تقع عليه المسؤولية الاستراتيجية في المصادقة على مثل هذا القرار الذي لم تكن في صورته كل أذرع أجهزة الأمن مثل الشاباك أو جهاز الاستخبارات العسكرية (حيث أصيبت هذه الأجهزة بهول المفاجأة) حسب ما كتب شيف.

                      و وجّهت المعارضة و الصحافة انتقادات لاذعة لنتنياهو الذي وجد نفسه في محل دفاع طوال الوقت ، و جاءت السهام من كل اتجاه ، حتى أن مستشاره السابق لشؤون الإعلام إيال آراد قال إن نتنياهو (وقع في فخ قراراته) ..

                      و تحدّث إيهود باراك زعيم حزب العمل المعارض و العسكري المحترف السابق و صاحب السجل الحافل في العمليات الخارجية قائلاً إن (أياً من رؤساء الحكومات الأربع الذين عملت معهم : مناحيم بيغن، إسحاق شامير، إسحاق رابين ، شمعون بيرس ، لم يكن ليعطي الضوء الأخضر لعملية من هذا النوع في الأردن ، البلد الذي يكافح "الإرهاب") .

                      و لم تكن الضجة في الصحافة الصهيونية حول مبدأ استهداف (الإرهابيين) بل للأضرار التي نتجت عن العملية . و شاركت الصحف الأجنبية في الحملة أيضاً ، و ذكرت صحيفة الصاندي تايمز البريطانية أن أجهزة المخابرات (الإسرائيلية) حاولت ردع نتنياهو عن ارتكاب عملية اغتيال مشعل في عمان .

                      و سرّبت مصادر صهيونية معلومات للصحيفة البريطانية مفادها أن داني ياتوم رئيس الموساد كان عقد اجتماعاً مع نتنياهو قبل الحادث بـ 12 يوماً ، وصف بأنه اجتماع عاصف حول الموضوع ، و أن نتنياهو الذي تأثرت مكانته من العمليات الاستشهادية التي هزّت (إسرائيل) إبان حكمه ، طلب قتل أي مسؤول من حماس في عمان انتقاماً لتلك العمليات ، و أن ذلك لقي معارضة من ياتوم ، لأن ذلك برأيه سيحمل مخاطر تدمير عمل عملاء الموساد في عمان الذين يجمعون معلومات (ثمينة عن سوريا و العراق و "المتطرفين" الفلسطينيين ، و كذلك على التعاون بين عملاء الموساد و نظرائهم الأردنيين) . و ذكرت الصحيفة أن مسؤول الموساد في الأردن (ك.م) قدّم الاعتراضات نفسها و أنه قال إن الوقت غير كافٍ لتنظيم العملية .

                      و شبّه التلفزيون العبري فشل عملية اغتيال مشعل بما حدث عام 1973 في ليلهامر في النرويج عندما تم قتل النادل المغربي بوشيكي ظناً من عملاء الموساد بأنه أبو حسن سلامة .

                      و انضم مسؤولون حكوميون صهاينة للمعارضة في التساؤل عن نتائج العملية ، و أمام هذا الجو العدائي لنتنياهو ، تحدّثت مصادر صحافية عالمية أنه طلب مساعدة الأخصائي الأمريكي في شؤون الإعلام و وسائل الاتصال آرثر فينكلشاين الذي كان نظّم حملته الانتخابية لرئاسة الوزراء في (إسرائيل) في عام 1996 . و دعا نتنياهو زعيم المعارضة اليساري إيهود باراك (للتشاور) .

                      و بدأ نتنياهو حملة لتبرير العملية ، و قال مستشاره دافيد بار إيلان إن ("الإسرائيليين" سيواصلون محاربة "الإرهاب" أينما كان ، و يمكن لـ "إسرائيل" أن تصل لـ "الإرهابيين" أينما وجدوا) ، معتبراً أن مشعل ليس زعيماً سياسياً لحماس فقط لكنه (محرّك جناحها العسكري) ، و أن المعركة مع ("الإرهاب" هي عملية مستمرة ، أحياناً ننجح و أحياناً نفشل ، و لكن ذلك لن يؤدّي بنا لإعادة النظر في سياستنا) .

                      و أصدرت الحكومة الصهيونية بياناً قالت فيه إنها لا ترغب في التعليق على الاعتداء على حياة خالد مشعل ، الذي تعتبره مسؤولاً عن مقتل مدنيين "إسرائيليين" ، و لكنها تعتبر نفسها مسؤولة عن (حماية حياة مواطنيها و مكافحة "الإرهاب" بلا هوادة) .

                      و تحدّث داني نفي سكرتير الحكومة في ختام اجتماع للمجلس الوزاري المصغر (5/10) معتبراً أن الانتقادات الموجهة لنتنياهو و حكومته ، ناجمة (عن دوافع سياسية و حزبية و هي تهم باطلة) . و رفض نفي أو تأكيد اشتراك (إسرائيل) في عملية اغتيال مشعل الفاشلة ، محاولاً إبعاد الكرة عن ملعب حكومته بالقول إن (القرارات في "إسرائيل" تتخذ بالتشاور بين أجهزة الاستخبارات و الأجهزة الأمنية المعنية ، و لا تعطي الحكومة موافقتها إلا بعد المشاورات) .

                      و ربما كان (داني نفي) بقوله هذا يستشعر اتجاه النقاشات الذي ستأخذها القضية ، أو الذي بدأ فعلاً بعد تفجّرها ، و الحديث عن إمكانية أن يكون داني ياتوم (كبش محرقة) للعملية الفاشلة ، و لذا طالبت أوساط بالاطلاع على محضر الاجتماع الذي قيل إنه جمع بين نتنياهو و ياتوم قبل 12 يوماً من الحادث ، و هنا يمكن الإشارة إلى ما قالته الإذاعة الصهيونية ، إن المحادثات بين رئيس الوزراء (الإسرائيلي) و أجهزة المخابرات تسجّل بانتظام منذ عام 1966 ، و تم إرساء ذلك كقاعدة بعد قضية خطف و قتل المعارض المغربي المهدي بن بركة ، الذي شارك الموساد بقتله مع الأجهزة المغربية و الفرنسية.

                      و كان اشتراك الموساد في عملية الخطف و القتل تسبّب في أزمة بين رئيس الوزراء الصهيوني ليفي أشكول ، الضعيف كما نظرت له المؤسسة الأمنية على الدوام ، و التي فرضت عليه شروطها في حرب حزيران 1967 ، و بين رئيس الموساد مائير ياميت ، و أعلن أشكول حينها أنه لم يعطِ موافقته أبداً على اشتراك الموساد في عملية بن بركة .

                      المهم أن تسجيل المحادثات أصبح قاعدة لتحديد مسؤولية كل طرف ، و عقدت لجنة رقابة برلمانية على الأجهزة الأمنية اجتماعاً لها لبحث المسألة ، و كان آخر اجتماع لها عام 1985 بعد الإعلان عن القبض على الجاسوس الصهيوني جونثان بولارد في البحرية الأمريكية .

                      و في النهاية قدّم ياتوم استقالته ، بعد عملية فاشلة أخرى للموساد في سويسرا ، و التي أعقبتها سلسلة عمليات فاشلة أيضاً ، حتى اصطلح على أن (لعنة مشعل) تلاحق الموساد .

                      و لم ينتهِ النقاش ، على الأقل في (إسرائيل) ، حول فشل عملية مشعل و العمليات الأخرى اللاحقة ، حتى الآن .. ! و بعد نحو ثلاثة أعوام خرج أحد منفّذي العملية عن صمته ليتحدث لصحيفة معاريف العبرية (18/5/2000) ، و عزا موشيه بن دافيد أحد كبار المسؤولين في قسم العمليات التابع للموساد حتى قبل إدلائه بالحديث بعدة أشهر ، فشل العملية لعدة أسباب : منها حسب قوله إن العملية نفّذت في ساحة ليس للموساد عهد بها ، لأنه كما قال إن إسحاق رابين رئيس الوزراء السابق ، حظر على الموساد العمل في الأردن بعد عملية توقيع اتفاقية السلام ، و هذا كلام غير مقنع تنفيه تجارب الموساد السابقة في دول أكثر من صديقة كأمريكا مثلاً و فضيحة الجاسوس بولارد و زوجته ، إضافة إلى أن الدول تمارس الأعمال الاستخبارية سواء كانت في حالة السلم أو حالة الحرب ، و أن نتنياهو أجبرهم على إتباع أسلوب أيضاً غير معهود ، لأنه لم يرغب بحدوث انفجار أو إطلاق نار في الشارع و إجمالاً كان يريد عملية هادئة ، و أيضاً بسبب ما وصفه بالسرعة .

                      و قال بن دافيد للصحيفة العبرية : (بعد العملية الأولى في القدس ، في سوق محنية يهودا في آب 1997 ، طالب رئيس الحكومة بضرب هدف لحركة حماس ، و أعلنت المخابرات العامة – الشاباك – و الاستخبارات العسكرية عن عدم وجود أهداف لديهما ، و لهذا استدعونا ، و اقترحنا عدة أهداف ، و لم يكن خالد مشعل هدفنا الأول أو الثاني و لا حتى الثالث ، و مجمل هذه العوامل إضافة للضغط الزمني الذي كان كبيراً جداً ، إلى درجة عدم تمكّننا حتى من إعداد طريق هروب ، هو الذي أدّى إلى النتيجة السيئة) .

                      و بدا كأن بن دفيد يصفي الحسابات مع المؤسسة السياسة التي تخلّت ، بتصرفاتها عن الأمنيين ، و يشير بخيبة أمل إلى تصرفات إسحاق موردخاي وزير الحرب وقتها ، الذي ادعى أنه لم يسمع عن القضية إلا في وقت لاحق ، مع أنه كان يعرف .

                      و وجّه بن دافيد الحاصل على شهادة دكتوراة في الآداب ، انتقاداته إلى نتنياهو الذي (مارس ضغوطاً مكثفة علينا للقيام بالعملية بسرعة ، و لم أستوعب و لا أستوعب حتى الآن ما الذي كان يستهدف تحقيقه من هذه العملية لا سيما و أنه طالب بعملية اغتيال هادئة) .

                      و الغريب أن هذا الكلام أتى من بن ديفيد الذي اهتمت به الصحف العبرية ، بعد أن أصدر عن منشورات معاريف كتابه (الإمكانيات المحدودة) عن فترة عمله بالموساد ، و وجه الغرابة ، أن بن ديفيد هو من عرض على المستوى السياسي خطة اغتيال مشعل .

                      و حيّى بن دافيد الذي خدم في منصب رفيع في وحدة قيسارية ، و هي وحدة الاغتيالات في الموساد ، قبل استقالته و عودته للعمل الأكاديمي ، داني ياتوم ، و معلناً أسفه لاستقالته من رئاسة الموساد ، مشيراً إلى عدم تدخّله النهائي في العملية الفاشلة في سويسرا و لكنه قرّر تحمّل المسؤولية عنها . و حاول تبرير الفشل كما ذكرنا ما قاله لصحيفة معاريف و ما كرّره أيضاً في حديثه لصحيفة هآرتس (19/5/2000) .

                      و قدّمت هآرتس تعريفاً لافتاً بابن ديفيد ، اليهودي من أصل روسي الذي ولد في بداية الخمسينات من القرن العشرين ، في مستوطنة (غبعات شموئيل) لأبٍ عسكري ، و لأم تعمل في الترجمة و التحليل اللغوي ، و التي حرصت على التحدث معه بالروسية ، لذلك كانت اللغة الروسية ، لغته الأولى قبل العبرية ، و خلال خدمته في الجيش شارك في تأسيس شعبة للناطقين بالروسية في الوحدة (8200) و هي وحدة التنصت التابعة لقسم الاستخبارات العسكرية في الجيش (الإسرائيلي) ، و كان الوقت الذي أنشئت فيه تلك الشعبة متزامناً مع ما عرف بجرب الاستنزاف ، حيث وجدت على الجبهتين المصرية و السورية أعداد من الخبراء السوفييت .

                      و بعد خدمته في الجيش في المجال الاستخباري ، و هي خدمة متنوعة أضافت له تجارب غنية ، عمل في وحدة التصفية في الموساد التي تطلق عليها وسائل الإعلام اسم قيسارية ، و التي كتب عنها عميل الموساد السابق فيكتور أستروفسكي ، صاحب كتاب (بطريق الخداع) و هي وحدة محاطة بالغموض الشديد ، و بن ديفيد هو الأول من هذه الوحدة التي يتحدث علناً عن نشاطاته ، و من مهام هذه الوحدة التعقب و التخطيط و اقتحام المنازل و السفارات و زرع أجهزة التنصت و التصفية ، و مهمة الاغتيال و التصفية تتولاها وحدة أصغر في قيسارية ، يقوم أفرادها الذين لا يعرفون بعضهم البعض إلا بالأسماء المستعارة ، و لم يشأ بن ديفيد الحديث عن هذه الوحدة .

                      و رداً على سؤال لصحيفة هآرتس العبرية ، عن اختيار نتنياهو لمشعل ، رغم أن أجهزة المخابرات لم تتمكن من إثبات الصلة بينه و بين (الإرهاب) ، قال بن ديفيد ، ربما دون أن يرمش له جفن (من حق رئيس الوزراء أن يقرّر بأن رئيس المكتب السياسي لحماس ، الذي ربما لا يكون على علم من وجهة نظري عن الهجمات المحدّدة لكنه نقل بالتأكيد الرسائل و التوجيهات لكتائب عز الدين القسام حيث يجب و حيث لا يجب العمل) .

                      و جاءت العملية الاستشهادية بالقدس الغربية لتعجّل بطلب نتنياهو الذي أراد اغتيال مشعل دون أن يكون هناك إشارة إلى وقوف (إسرائيل) وراء ذلك ، وهو أمر غريب حقاً ، علّق بن ديفيد عليه بأنه في هذه الحالة فإن عامل الردع لا يكون له أي دور ، و في حالة كانت (إسرائيل) ، من جهة أخرى تريد أن تتبنى عملية التصفية لمشعل ، لو نجحت ، فإنه أمر غريب أيضاً نظراً للحساسيات التي سيثيرها التبني العلني للعملية في الأردن .

                      و في حديثه لهآرتس العبرية ، كرّر غضبه على السياسيين ، و من بينهم نتنياهو و موردخاي و تساءل كيف يمكن لإسحق موردخاي الادعاء بأنه سمع عن الموضوع فيما بعد ؟

                      و روى بن ديفيد : (لقد تم الحديث بحضور موردخاي ، فقط عن تصفية فورية لخالد مشعل في الأردن ، لقد فهم بالضبط ما تحدثنا عنه ، و عند خروجنا من مكتب رئيس الوزراء ، التقينا بالجنرال موشية يعلون ، رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية في حينه ، حيث قام رئيس الموساد داني ياتوم بإطلاعه و وضعه في صورة الموضوع بأكمله ، و بعد ذلك تنصلوا جميعاً من معرفتهم بالأمر) .

                      و تطرّق بن دافيد إلى وجود أشخاص (غير مخلصين) في الموساد و من بينهم يهودا غيل الذي أدين باختلاس أموال من الموساد و تضليل (إسرائيل) بشأن سوريا بعد تقديمه لتقارير كاذبة صاغها بنفسه مدعياً أنها من مصادر عليا في سوريا .

                      و قال بن ديفيد عن يهودا غيل و هو (الموجّه الرئيسي في الفصل التدريبي الأول لي بالموساد ، و كان بإمكان الجميع أن يدرك على الفور أن هناك شيء غير صحيح لديه ، و يوجد شخص مثله في كل جهاز استخباري ، و أشعر بالسرور لوجود أشخاص في الموساد يؤمنون اليوم بضرورة تجنيد أشخاص عقائديين و مستقيمين و من ثم تعليمهم الكذب و الخداع و ليس تجنيد عناصر ذوي نفسية إجرامية و للأسف ما زالت هذه التوجهات غير سائدة في الموساد) .

                      و سجّل بن ديفيد ملاحظة هامة (عندما نقلت بعد الفصل الدراسي لمجال العمليات و بعد الاطلاع على ثلاث عمليات كان يجري الإعداد لتنفيذها خلال الأشهر المقبلة ، شعرت بأسف كبير إلى درجة البكاء ، و لم تكن لهذه العمليات علاقة بالأمور التي درسناها بالفصل و تجاوز هذا لدي كافة ما يمكن تخيّله) .

                      و لم يكشفْ بن دافيد عن تلك العمليات التي يقصدها ، و لكن حدثت عمليات مشابهة لها ، من حيث فشلها المحقّق ، عملية مشعل في عمان و عمليتي الموساد في قبرص و سويسرا و فضيحة يهودا غيل بشأن التقارير الكاذبة حول سوريا ، و في الفضائح الثلاث الأولى تم اعتقال بعض عملاء الموساد في الدول الثلاثة تلك ، أما جيل فأودع السجن الصهيوني ، و كانت فضائح مدوية ، فقد كانت لعنة مشعل تلاحق (إسرائيل) و جهاز الموساد .. !
                      موضوع عن قصص الجواسيس العرب واحدات مهمة ارجو المتابعة
                      22:2

                      تعليق


                      • #26
                        و سقط المستر موساد .. !

                        بعد الفشل المدوّي لعملية اغتيال مشعل في عمان ، يبدو أن داني ياتوم رئيس الموساد الذي عيّنه إسحاق رابين ، رئيساً للموساد من خارج صفوفه حيث جاء به من الشاباك ، أراد أن يمحو ذلك الفشل المزري ، أو يخفف من وقعه بعمليات أخرى للموساد في الخارج و لكن وجد نفسه يتورّط في فضيحة أخرى في سويسرا اضطر بعدها للاستقالة ، رغم أن أصدقاءه مثل بن دافيد قال بعد خروجه من الموساد إن ياتوم لم يكن له علاقة بعملية سويسرا و هو أمر غريب ، ففي النهاية يتحمّل رئيس الموساد مسؤولية الأعمال التي يقوم بها جهازه .

                        بعد نحو خمسة أشهر من فشل عملية اغتيال مشعل ، و في شباط عام 1998م ، دخلت مجموعة من عملاء الموساد إلى المبنى رقم 27 من شارع فابر ساكر في بلدة ليبيفيلد بالقرب من مدينة كونيتس في مقاطعة بيرن ، الذي يقطن فيه مواطن سويسري من أصل لبناني يدعى عبد الله الزين ، و النزول إلى أسفل المبنى لفحص إمكانية زرع أجهزة تنصت على هاتفه ، باعتباره أحد مناصري حزب الله في لبنان .

                        و كان عميل للموساد في لبنان أخبر رؤساءه أن المواطن اللبناني المغترب عبد الله الزين ، الذي عاد في زيارة إلى بلاده التقى بمسؤولين في حزب الله و اجتمع معهم في بيروت ، قبل أن يتوجّه إلى قريته الجنوبية ليلتقي بعائلته . و رصد عميل الموساد ، الزين و هو عائد إلى سويسرا حيث يقيم ، عناصر من حزب الله رافقته حتى مطار بيروت .

                        و تستنتج عدة مصادر مهتمة بأن الموساد كان يبحث عن عملية تعيد صورته الأولى أمام الرأي العام و تنقذ مديره داني ياتوم من الإقالة بعد فشل محاولة اغتيال مشعل . و حسب ما سرّبه جهاز الموساد نفسه فإن الزين كان يجمع التبرعات لحزب الله من أغنياء الشيعة في أوروبا .

                        و طارد رجال الموساد ، بناء على أوامر و متابعة ياتوم ، الزين في عدة مدن أوروبية ، حتى عثروا عليه في بلدة ليبلفيد ، و تم استئجار بيت سري يقيم فيه رجال الموساد على مقربة من بيت الزين ، لتبدأ فصول عملية فشل جديدة للموساد .

                        كثّف رجال الموساد من مراقبة الزين بينما تابع ياتوم التخطيط لعمليته ، و حسب الصحافي غوردون طوماس فإن ياتوم "أرسل خبيراً بالاتصالات إلى ليبليفد لفحص صندوق الوصل الهاتفي ، فالتقط مجموعة من الصور للقسم الداخلي و عاد بها إلى تل أبيب حيث تولى درسها قسم الأبحاث و التطوير ، و تبعاً لذلك أدخلت تعديلات على الأدوات قيد التحضير ، كان بين هذه الأدوات جهاز صغير متطوّر يمكّن من مراقبة جميع المكالمات في شقة الزين ، و قد ربط هذا الجهاز بآلة تسجيل ضئيلة الحجم تختزن ساعات من المكالمات الهاتفية ، و كان لآلة التسجيل قدرة ذاتية على التفريغ الإلكتروني بإشارة معدة مسبقاً تأتيها من البيت السري ، و هناك في هذا البيت يجري نقل فحوى المكالمات خطياً و ترسل إلى تل أبيب عبر جهاز فاكسميلي سري" .

                        و في ليلة 19/2/1998 ، تحرّك خمسة من عملاء الموساد لتنفيذ المهمة ، نزل إلى أسفل المبنى ثلاثة من العملاء : رجلان و امرأة ، و بقي اثنان يقومان بمهمة الحراسة في الخارج ، و بدأ الثلاثة ينفّذون مهمتهم و هي وضع جهاز تنصت على هاتف عبد الله الزين ، و في أثناء ذلك وصلت السرداب تحت المبنى سيارة شرطة استدعتها إحدى النساء التي استرعى انتباهها حركة غير عادية أسفل المنزل ، و ضبط الشرط عملاء الموساد الثلاثة ، و زعم العملاء الثلاثة : الرجلان و المرأة ، أنهم ليسوا إلا سياحاً قدِموا من (إسرائيل) و اختاروا هذا المكان لممارسة الجنس بشكلٍ جماعي بعيداً عن الأعين ، و لكن رجال الشرطة لاحظوا سلكاً مشبوكاً في الحقيبة الدبلوماسية مع العملاء ، فتم إلقاء القبض على العملاء الخمسة ، الذين نجح أربعة منهم بالهروب بطريقة غريبة ، عن طريق الادعاء بالمرض و الهروب من المستشفى ، و لا يستبعد أن يكون تم ذلك بتعاون بين الموساد و المخابرات السويسرية أو من تدبير الموساد لوحده ، و لم يقم المدّعي العام الاتحادي في سويسرا بالتحقيق في هروب العملاء الأربعة ، بينما بقي في حوزة الأمن السويسري عميل واحد ، كان يحمل جوازي سفر (إسرائيليين) غير مزيّفين اسمه في الجواز الأول : إسحاق بنتال ، و في الثاني يعقوب تراك ، و تم إطلاق سراحه بكفالة في أواخر نيسان 1998 ، قيمتها ثلاثة ملايين فرانك دفعتها الحكومة (الإسرائيلية) ، مع تعهد (إسرائيلي) بعودته لمحاكمته ، قدمه المستشار القانوني للحكومة (الإسرائيلية) إليكيم روبنشتاين ، و فعلاً عاد في بداية شهر تموز 2000 ، ليحضر جلسات المحكمة في محكمة العقوبات الاتحادية في لوزان .

                        و بالطبع كان أول إجراء اتخذه القاضي هو التأكد إذا ما كان (السيد موساد) غير المعروف اسمه الحقيقي الماثل أمام المحكمة هو نفسه المتهم الذي أفرج عنه بالكفالة ، و تم التأكد من ذلك بشهادة اثنين من رجال الشرطة كانا مكلفين بمراقبة العميل مجهول الهوية .

                        و نقلت وكالة "قدس برس" وقائع المحكمة بقلم مراسلها حسام شاكر ، و التي ابتدأت بتقدّم أحد محامي المتهم طالباً بعدم الإفصاح عن الاسم الحقيقي لموكله خوفاً من تعرّضه أو أحد أقربائه لاعتداء ، حسب زعمه ، و زاد على ذلك بالقول إنه شخصياً لا يعرف الهوية الحقيقية لموكله ، و كان ذلك بالطبع مدهشاً ، و لكن من أجل عيون الموساد ، يمكن أن لا يصبح كذلك .

                        و بعد هذه المفاجأة ، أبرز محامي الدفاع وثيقة غريبة ، و هي عبارة عن تعهّد صادر عن الادعاء العام (الإسرائيلي) يتضمّن تعهّداً بعدم تكليف هذا العميل الذي يقف في قفص الاتهام في لوزان ، بأية عملية للموساد في سويسرا مستقبلاً .. ! ، و بصريح العبارة هي رسالة للقضاة بأنه (عفا الله عما سلف ، و نفتح صفحة جديدة) .

                        و دافع المتهم عن نفسه ، بدون أن ينكِر علاقته بالموساد ، الذي لم يمارس عليه أية ضغوطٍ أثناء خدمته و أنه قام بالمهمة الموكلة له لأسباب أيديولوجية ، و قام بالمهمة دون يشارك في التخطيط لها ، و قال إن اللبناني عبد الله الزين المستهدف بالتنصت على هواتفه يدير مركزاً تابعاً لمنظمة (إرهابية) ، و يقصد بذلك بالطبع حزب الله اللبناني الذي كان يخوض حرب استنزاف في جنوب لبنان ، أجبرت جيش الاحتلال في النهاية على انسحاب مذلّ منه .

                        و في اليوم الثاني من المحكمة (4/7/2000) استمعت المحكمة إلى أربعة شهود ، و تأكّدوا من أقوالهم و من الإثباتات التي بحوزة المحكمة عن فريق عمل الموساد ، و لم يحاول المتهم نفسه نفي شيء مما وجّه إليه .

                        و من بين الذين استمعت المحكمة إليهم في هذا اليوم هو عبد الله الزين نفسه ، الذي قال إنه يدير مؤسسة آل البيت الإسلامية الشيعية في مدينة بيرن ، و التي تنشط في المجال الديني و الرياضي و الاجتماعي ، و ليست لها أية نشاطات سياسية .

                        و من المدهش ، في هذا اليوم هو ما قاله خبير "الإرهاب" المنتدب من الشرطة الاتحادية السويسرية ، الذي أكّد عدم وجود أدلة على أن المركز الذي يديره عبد الله الزين ، قام بنشاطات غير مشروعة ، و لكنه من جانب آخر ، و هنا مثار الدهشة ، أبدى تفهمه لما قام به عملاء الموساد ، رغم استيائه أن الموساد قرّر القيام بتلك العملية دون مساعدة الأجهزة السويسرية ، و مرة أخرى هذا لا يحدث إلا من أجل عيون الموساد .. !

                        و قدّم خبير آخر لدى الشرطة الاتحادية ، مواد الإدانة ، و هي الشريحة الخشبية التي كان يحاول فريق الموساد وصلها بخط هاتف عبد الله الزين ، و تبين أن هذه الشريحة فيها علبة إلكترونية لم تفتح حتى تبقى تعمل لموعد المحكمة ، و كذلك هناك مصدرٌ للتزويد بالطاقة الكهربائية يكفي لعدة أشهر ، و أيضاً هناك هاتف نقال يعمل بنظام الكرت المدفوع مسبقاً ، و لو تمكّن عملاء الموساد من تثبيت تلك الشريحة الخشبية مع خط الهاتف الخاص بعبد الله الزين ، لاستطاعوا الاستماع إلى المكالمات الواردة أو الصادرة عن جهاز هاتفه بحرية تامة ، و تسجيل المكالمات بعد تحويلها إلى أي مكان يريدونه .

                        و للتحكم بالطاقة الموجودة في جهاز الهاتف النقال ، وضعت ساعة تستطيع تشغيل الهاتف النقال في ساعات محددة ، أو إيقافه عن العمل في ساعات أخرى ، و تحويل التنصت من الهاتف النقال إلى هواتف أخرى .

                        و في يوم المحكمة الثالث (5/7) طالب فيليكس بينتسيغر ، نائب رئيس الادعاء الاتحادي السويسري ، بإصدار حكم على المتهم لمدة 15 شهراً و منعه من دخول سويسرا لمدة 10 سنوات و فرض غرامة عليه بنحو ثلاثة آلاف دولار ، و ذلك لاتهامه بالقيام بمهمة تجسسية لصالح (إسرائيل) ، و محاولة التنصت على هاتف سويسري ، و تزوير أوراق ثبوتية ، و هي هنا حمل جوازات سفر أصلية و لكن بأسماء مستعارة .

                        و اعتبر نائب رئيس الادعاء العام ، عملية الموساد تعدّياً على سيادة سويسرا ، و أشار إلى أن حكومة (إسرائيل) لم تكن مضطرة لتنفيذ العملية ، و سخر ، كما يجب أن يفعل أي حقوقي يتمتع بقدرٍ من الاستقلالية ، من التعهد الذي قدّمه محامي الدفاع و المتعلق ، كما أشرنا بعدم قيام المتهم مستقبلاً بأي عمل استخباري في سويسرا .

                        و لا بد هنا من الإشارة إلى أن ممثل الادعاء السويسري طالب أن تكون العقوبة التي طالب بإنزالها بحق المتهم و هي 15 شهراً مع النفاذ ، رغم أن القانون السويسري يسمح للأحكام التي تقلّ عن 18 شهراً أن تكون مع وقف التنفيذ ، و علّل ذلك بأنه لا توجد لدى المتهم نية للتوقف عن عمله الاستخباري الذي يمارسه بقناعة فكرية و أيديولوجية .

                        و يبدو أن الادعاء شعر أنه ، زادها قليلاً على دولة صديقة مثل (إسرائيل) ، فوجّه عتاباً إلى هذه الدولة الصديقة ، حسب تعبيره لأنها لم تقم بإخبار السلطات السويسرية بشكوكها حول المشتبه به ، و هو هنا عبد الله الزين ، السويسري الجنسية و المواطن كامل الحقوق ، و لو فعلت ذلك لجرى ترتيبات للمراقبة ضمن القانون . و مرة أخرى ، كل هذا من أجل (إسرائيل) و الموساد …!

                        و لنكفّ عن الدهشة .. !

                        و إذا كان هذا هو حال الادعاء ، فماذا نتوقّع من المحامي رالف تسلوكوفر ؟ أشار هذا المحامي إلى أهمية النشاط التجسسي بالنسبة لـ (إسرائيل) ليس فقط على الأرض السويسرية بل في العالم كله ، و أن ما حاول أن يقوم به الموساد من تنصت على عبد الله الزين ، هو لمعرفة حقيقة علاقة عبد الله بحزب الله ، و معرفة ذلك ستوفر معلومات لمكافحة (الإرهاب) ..!

                        و قال إن تلك العملية كانت ضرورة حياتية للموساد ، من أجل تجنيب (إسرائيل) أخطاراً محتملة ، و لذلك فإنه طالب بالبراءة الكاملة لموكله . هذا ما قاله المحامي الأول ، و هو مع زميله الآخر شتيفان تريخسل من أبرز المحامين في سويسرا ، و كلّفهما الموساد للدفاع عن المتهم في المحكمة التي يترأسها واحدٌ من أبرز القضاة هو : هانر فيبريختيغر .

                        و أما المحامي الثاني : شتيفان تريخسل ، فإنه حاول أن يثير عدة شكوك حول لائحة الاتهام ، بدءاً من القول إن لائحة الاتهام هذه وضعت في عهد الرئيسة السابقة للادعاء الاتحادي كارلا ديل بونت ، و أنه كان على المدعي الحالي تصحيح الأخطاء فيها .

                        و أكثر من ذلك اعتبر أن زراعة أجهزة تنصت لصالح الموساد ، هو ليس عملاً استخبارياً لصالح دولة أجنبية ، و أن هذا الاتهام يمكن أن يكون صحيحاً إذا تجسّس شخص في سويسرا على الدولة لصالح دولة أجنبية أما تركيب جهاز تنصت على مواطن عادي فهو ليس كذلك .. !

                        و دافع عن ما قام به عملاء الموساد ، و لم يعتبره نشاطاً استخبارياً سياسياً ، لأن الأمر يتعلق بمكافحة (الإرهاب) ، و توفير معلومات حول عمليات (إرهابية) . و فنّد التهمة المتعلقة بالتزوير ، على اعتبار أن قانون العقوبات السويسري ، لا يشير إلى أشخاص يحملون جوازات سفر حقيقية أصدرتها دولهم لا تتضمن أسماءهم الحقيقية . و لم يتم أي ذكرٍ لرفاق المتهم الذين هربوا من قبضة الأمن السويسري بتلك البساطة العجيبة .. !

                        و في يوم الجمعة (7/7/2000) التأمت المحكمة للنطق بالحكم ، و لم يكن متوقعاً من خلال سير المحكمة و شهادات الشهود و مرافعة الدفاع و الادعاء ، أن يكون بغير ما أتى عليه ، رغم أن المتهم كان قلقاً في قفصه يقف بجانبه مترجمته عن اللغة العبرية و ممثلو السفارة (الإسرائيلية) .

                        و جرّمت هيئة المحكمة المتهم بالتعامل المحظور لصالح دولة أجنبية ، و القيام بنشاط استخباري سياسي ، و تزوير وثائق ثبوتية ، و حكمت على المتهم الذي لا يعرف له اسم ، بالحكم عاماً مع وقف التنفيذ و منعه من دخول سويسرا لمدة خمس سنوات ، و دفع نفقات المحكمة البالغة 65 ألف دولار تخصم من الكفالة التي دفعتها حكومة (إسرائيل) على أن يعاد الباقي لـ (إسرائيل) .

                        و بالطبع فإن قرار الحكم كان ، وفقاً لاعتبارات عدة غير عادل ، و يمس بهيبة القضاء و السيادة السويسرية ، التي سمحت لنفسها أن تحاكم شخصاً مجهول الهوية و تتفهّم نشاطه الاستخباري على أرض سويسرا .

                        و حاول القاضي التخفيف من الانتقادات التي رافقت هذا الحكم على المتهم المجهول الهوية فقال إن ما قام به (يشكّل انتهاكاً عظيماً لسيادة سويسرا و لكن المتهم كان مجرّد شخصٍ مأمور في دائرة رفيعة المستوى) ، و هو كلام يمكن أن يثير السخرية من قاضي بارز في سويسرا كهانز فيبريختيغر .

                        و بالطبع رحّبت (إسرائيل) بالحكم و بعودة عميلها إلى قواعده سالماً ، و عبّر عن ذلك رئيس الوزراء (الإسرائيلي) إيهود باراك . و نعود لنذكر أنه بعد عملية الموساد الفاشلة في سويسرا استقال داني ياتوم ، الذي جاء إلى الموساد وسط جوّ عدائي، من كبار ضباط الموساد الذين لم يختَر إسحاق رابين أياً منهم لرئاسة الموساد ، و فرض واحداً آخر عليهم من الخارج ، ثم جاءت العمليات الفاشلة لتزيد الفرقة و الخلافات داخل جهاز الموساد و لتخرج إلى العلن .

                        و أوكل رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ، في نيسان 1998 ، رئاسة الموساد لجنرال آخر هو أفراهيم ليفي ، الذي ارتبط اسمه بفضيحة الاغتيال في عمان ، عندما فاوض على إبرام الصفقة مع الملك حسين مستغلاً العلاقة القوية التي تربطه به ، و كان هو على الأغلب وفقاً لمصادر متعددة صاحب فكرة الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين ، مقابل الإفراج عن عميلي الموساد في الأردن .

                        و لقيً ترحيباً لأنه من رجال الموساد السابقين أي من داخل المؤسسة ، و يتمتّع بشخصية متزنة بالإضافة إلى كونه شديد الحذر و من المستبعد أن يتورّط بعملية فاشلة أخرى ، كما كانت التقديرات بشأنه ، و بدأ بمحاولة إصلاح الأخطاء التي تسبّب بها سلفه أو حدثت في عهد سلفه و إعادة الروح المعنوية لأفراد الموساد الذين تلاحقهم الفضائح من عمّان إلى سويسرا .

                        و بدا هليفي محاولاً الإفراج عن رجل الموساد (مجهول الهوية) الذي بقيَ من مجموعة العملاء الذين حاولوا زرع جهاز التنصت في هاتف عبد الله الزين في بيرن ، بعد أن ساهم الجهاز ، على الأغلب ، بالإفراج عن زملائه بطريقة التمارض و الذهاب إلى المستشفى و الهروب ، دون أن يقوم جهاز الادعاء العام السويسري بالتحقيق بملابسات عمليات الهروب تلك.

                        و لكن (لعنة مشعل) كانت تلاحقه ، فتفاجأ بإلقاء القبض في قبرص على عملاء للموساد ، اتهمتهم الحكومة القبرصية بجمع معلومات لصالح الحكومة التركية ، و وجدها القبارصة فرصة لتلقين عملاء الموساد الذين يسرحون و يمرحون في جزيرتهم درساً ، كي لا يعودوا لممارستهم تلك أو يخفّفوا منها ، لذلك لم تستجب الأجهزة القبرصية لجهود هليفي بإطلاق هؤلاء العملاء المقبوض عليهم ، و لكن جهوداً سياسية مكثّفة و تدخلات أطراف أخرى أدّت إلى الإفراج عن العملاء من قبرص و إعادتهم إلى (إسرائيل) .

                        و تفجّرت بعد وقت قصير فضيحة رجل الموساد إيهود جيل ، و هي فضيحة غريبة عجيبة ، فجيل هذا قدّم تقارير مفبركة لجهازه و حكومته عن استعدادات سورية لشن حربٍ و معلومات أخرى غير صحيحة ادعى أنه استقاها من عميلٍ رفيع المستوى للموساد في سوريا ، و لم تعرف ملابسات القصة أو الأسباب التي أدّت برجل الموساد لفعل ذلك ، و انتهى ليكون أحد نزلاء السجون (الإسرائيلية) .

                        و لم تمضِ ستة أشهر على تعيين هليفي ، حتى عيّن شخص آخر قويّ هو عميرام ليفين نائباً لرئيس الموساد ، ليساهم في ترميم الجهاز من الداخل بعد الهزات التي لحقت به ، و جعلته أضحوكة على صفحات الصحف العالمية .

                        و جاءت النتيجة عكسية و مدمّرة حسب تعبيرات الصحافة (الإسرائيلية) ، فالجهاز أصبح يديره رأسان و بدا لكلّ منهما له فريق في الموساد ، لا يعملان دائماً في وفاق . و وصل التدهور إلى درجة أن مقدّم برنامج إخباري في الإذاعة العبرية كان يستضيف نائب وزير الدفاع في حكومة إيهود باراك ، أفرام سنيه و أبلغه بالمعلومات التي تحدّثت عن امتناع عملاء الموساد الميدانيين في الخارج عن العمل و رفضهم تنفيذ أي عملٍ في الخارج احتجاجاً على ما وصل إليه الوضع في جهازهم ، و قابل سنيه ذلك بدهشة كبيرة .

                        و وضعت خطط منها تحويل شعبة البحث في الموساد إلى شعبة استخبارية و تكليفها بجمع المعلومات إلى جانب وظيفتها الأصلية و التي كانت تنحصر بتحليل المعلومات و استخلاص النتائج ، و تعيين هيئة ناطقة باسم الجهاز ترتبط بعلاقات دائمة مع وسائل الإعلام ، و القيام بتجنيد عملاء بشكلٍ علني كما تفعل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ، و ذلك لسدّ النقص الشديد في القوى البشرية المدربّة ، و التي تبيّن أن الموساد يحتاج إليها بعدما لاحقته و لاحقت رجاله (لعنة مشعل) من العاصمة عمّان إلى بيرن في سويسرا ... إلى قبرص .. !

                        و لم تمضِ إلا أشهر حتى اندلعت انتفاضة الأقصى في أيلول 2000 ، و نسي الناس الموساد لفترة ، و ركّزوا كلّ نظرهم لما تقوم به أجهزة الأمن الداخلي كالشاباك و الشين بيت ، و وحدات الجيش المختلفة ، التي أخذت تمارس عمليات الاغتيال بشكلٍ جنوني مستهدفة عشرات الكوادر الفلسطينية.

                        و لكن الموساد لم ينسَ مشعل .
                        موضوع عن قصص الجواسيس العرب واحدات مهمة ارجو المتابعة
                        22:2

                        تعليق


                        • #27
                          مشعل: ليس آخراً .. !

                          قبل محاولة اغتياله الفاشلة بنحو عامين ، برز خالد مشعل كصاحب المنصب الأول في حركة حماس ، أثناء وجود رئيس مكتبها السياسي موسى أبو مرزوق في السجون الأمريكية في ظروف معقدة ، و بعد أن تم الإفراج عن أبي مرزوق بقي مشعل ، الذي ينحدر من بلدة سلواد قرب مدينة رام الله في منصب رئيس المكتب السياسي .

                          و كان تعيينه في هذا المنصب لافتاً للانتباه في تلك الحركة ذات الصلة بحركة الإخوان المسلمين ، و التي كانت الصورة عن الحركة الأم ، أن قادتها من كبار السن ، أو من (الحرس القديم) و هي صورة ليست دقيقة ، و جاء تعيين مشعل على رأس المكتب السياسي استجابة لظروف ليست فقط ذاتية في حركة حماس ، و لكن أيضاً موضوعية ، بعد أن أضحت الحركة لاعباً وطنياً و إقليمياً ، تحتاج إلى قيادة ديناميكية شابة تتعاطى السياسة من أوسع أبوابها و النضال اليومي الوطني في فلسطين و الذي عادة ما يكون وقوده الشباب .

                          و حتى عام 1990 كان مشعل يقيم في الكويت ، التي نشأ فيها ، و قاد خلال وجوده في جامعة الكويت التيار الإسلامي فيها، و بعد قدومه إلى الأردن بفعل حرب الخليج الثانية ذات النتائج المعروفة ، تفرّغ للعمل في حركة حماس في العاصمة الأردنية عمان ، و التي امتاز عمل الإخوان المسلمين فيها طول عقود بتعايش علني مع النظام الهاشمي الحاكم ، و لكنه تعايش لم يخلُ من شدّ و جذب و صِدام .

                          و لكن عمل حماس العلني في الأردن شابهُ سحابات غير ممطرة كثيرة ، لكون حماس حركة مقاومة و تكاد تكون رأس الحربة في مقاومة الاحتلال ، بينما النظام الهاشمي في الأردن فتوجهاته معروفة تجاه (إسرائيل) و التي ليس بينها على الإطلاق ، أي مفهوم للمقاومة حتى لو بشكلها السلمي .

                          و حسب نبذة رسمية عن حياة مشعل ، فإنه من مواليد سلواد قضاء رام الله (فلسطين) عام 1956م ، هاجر في عام 1967 إلى الكويت ، و بقي هناك حتى اندلاع أزمة الخليج عام 1990 . درس الابتدائية في سلواد ، و أكمل الإعدادية و الثانوية و المرحلة الجامعية في الكويت . قاد التيار الإسلامي الفلسطيني في جامعة الكويت ، و شارك في تأسيس كتلة الحق و التي نافست قوائم حركة (فتح) على قيادة الاتحاد العام لطلبة فلسطين في الكويت . حاصل على البكالوريوس في الفيزياء من جامعة الكويت ، تزوّج في عام 1981م ، و لديه سبعة أبناء ، ثلاث إناث و أربعة ذكور ، عمل مدرساً للفيزياء طيلة وجوده في الكويت بالإضافة إلى اشتغاله بالعمل في خدمة القضية الفلسطينية . تفرّغ للعمل السياسي بعد قدومه إلى الأردن . يعدّ من مؤسسي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) . كان عضواً في المكتب السياسي لحماس منذ تأسيسه ، و انتخب رئيساً له في عام 1996 .

                          و يمكن ملاحظة أن عمله السياسي العلني ، و الذي تفرّغ له تماماً ، في قيادة حماس ترافق مع صعود أسهم الحركة خصوصاً بعد النوع الجديد من العمليات الفدائية التي شهدتها الساحة الفلسطينية ، نفّذها مجاهدون من حماس و حركة الجهاد الإسلامي ، و عرفت باسم العمليات الاستشهادية ، و التي كان منها عمليات هزت (إسرائيل) بالفعل و شدّت انتباه العالم ، و منها ما كان سبباً مباشراً في قرار بنيامين نتنياهو التخلص منه ، و منها :

                          ·6/4/1994 : عملية بسيارة ملغومة في مدينة العفولة ، أسفرت عن مقتل ثمانية صهاينة و جرح 44 آخرين .

                          ·بعد نحو أسبوع و في 13/4/1994 ، تضرب حماس من جديد و هذه المرة في الخضيرة ، و أسفر عن العملية مقتل 12 و إصابة 47 آخرين ، حسب المصادر العبرية .

                          ·11/نوفمبر/1994 : عملية للجهاد الإسلامي قرب موقع عسكري في مستوطنة نتساريم في قطاع غزة ، أسفرت عن مقتل ثلاثة جنود صهاينة .

                          ·22/يناير/1995 : عملية للجهاد الإسلامي فجّر خلالها استشهاديان نفسيهما في موقف باص في مدنية اللد ، و أدّت إلى سقوط 22 قتيلاً و إصابة 46 آخرين .

                          ·9/4/1995 : مقتل سبعة جنود و شخص أمريكي قرب مستوطنة كفار داروم بقطاع غزة في عملية للجهاد الإسلامي .

                          ·14/7/1995 : مقتل ستة في عملية لاستشهادي من حماس بتفجير قنبلة في باص في رمات غان قرب تل أبيب .

                          ·21/8/1995 : مقتل خمسة صهاينة و إصابة 89 آخرين ، بتفجير قنبلة لاستشهادي من حماس في باص بالقدس .

                          ·25/فبراير/1996 : عمليتان استشهاديتان لحماس في القدس وع سقلان أسفرتا عن مقتل 26 و إصابة 22 صهيونياً و أمريكي واحد .

                          ·4/3/1996 : مقتل 19 صهيونياً في عملية تفجير لحماس في باص بالقدس ، و في نفس اليوم عملية أخرى للجهاد الإسلامي أسفرت عن مقتل 31 شخصاً في تل أبيب .

                          ·21/3/1997 : مقتل ثلاثة صهاينة و استشهادي من حماس في عملية في تل أبيب .

                          ·30/7/1997 : عملية مزدوجة لاستشهاديين من حماس في القدس أسفرت عن مقتل 18 صهيونياً .

                          ·4/9/1997 : ثلاث عمليات استشهادية في القدس الغربية نفّذها مجاهدو حماس أدّت إلى قتل خمسة صهاينة و إصابة 170 ، حسب الإحصاءات الصهيونية .

                          و من الصعب تحديد مدى دوره المباشر في هذا الصعود الكبير لحركة حماس ، لكنه أصبح بالفعل و بعد ترؤسه للمكتب السياسي للحركة المسؤول الأول أمام الرأي العام عن ما تقوم به الحركة ، و لهذا فكّر نتنياهو بالتخلص منه و لو بعملية لا تعلن (إسرائيل) مسئوليتها عنها أو لا تسرّب للصحافة معلومات عنها ، و بمعنى آخر فإن الهدف من التخلص منه كان لهدف ذاتي المقصود به ربما تجفيف أحد ينابيع نهر المقاومين التابعين لحماس في فلسطين المحتلة .

                          و هكذا جاءت محاولة اغتياله الفاشلة ، و التي أدّت على الأقل على صعيد مشعل الشخصي إلى نجاح كبير له ، و برز كأحد نجوم السياسة العربية ، حيث تسابقت وسائل الإعلام على إفراد مساحات له و إجراء مقابلات معه ، حتى أصبح معروفاً في كل بيت عربي .

                          و لم تؤثّر فيه العملية الفاشلة شيئاً ، و بعد أن غادر المستشفى و تعافى ، عقد مؤتمراً صحافياً ، أكّد فيه أن حركته لم تكن يوماً حركة إرهابية و لكنها تقوم بما يجب أن تقوم به أي حركة تحرّر وطني من مقاومة مشروعة ضد الإرهاب الذي (تمارسه الدولة الصهيونية التي تمتلك تكنولوجيا الدمار) .

                          و أعطى مثلاً ملموساً على ذلك الإرهاب الصهيوني و هو محاولة اغتياله التي جرت قبل تسعة أيام من مؤتمره الصحافي . و بشعور المنتصر قال مشعل لصحافي سأله عن محاولة الاغتيال إذا كانت من تدبير نتنياهو بسبب تورّط مشعل في التفجيرين الأخيرين بالقدس (ليذهب نتنياهو إلى الجحيم) .

                          و أكّد أن مهمته في الحركة تنحصر في رئاسته للمكتب السياسي و لا علاقة له بعمليات حماس في الداخل التي يفتخر بها . و أمام صعود حماس و مشعل ، لم يكن من المتوقع من أكثر من جهة (إسرائيلية) و عربية و غربية السكوت عن ذلك ، و سرعان ما انفض (الحفل) و غادر المدعوون و أصبح من المطلوب طرد المحتفى بهم .

                          و بدأت عملية لابتزاز و ملاحقة قادة حماس في الأردن ، و أعلن عن مداهمة مكاتبهم و زعم الأمن الأردني العثور على ديسكات حاسوب فيها خطط ضد النظام ، و أغلقت المكاتب و لوحقت قيادة الحركة و على رأسها مشعل و موسى أبو مرزوق و الناطق بلسانها إبراهيم غوشة .

                          و أثناء وجود الثلاثة في طهران ، في زيارة عمل ، تحرّكت أجهزة المخابرات الأردنية و ألقت القبض على اثنين من قادة الحركة و أصبح محمد نزال ممثل الحركة في الأردن و الذي رافق الشيخ أحمد ياسين أثناء وجوده في الأردن ، مختفياً عن الأنظار مطلوباً القبض عليه .

                          و قرّر القادة الثلاثة العودة إلى الأردن و كما هو متوقع ألقيَ القبض عليهم ، و تم إبعادهم إلى قطر ، و في هذه القصة هناك الكثير مما يقال ، خصوصاً و أن فصولها تتالت بعد أشهر لاحقة ، و لكننا نأخذ هنا جزأها في السياق المتعلق بمحاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرّض لها مشعل .

                          و أعلن أن قادة حماس الخمسة المبعدين إلى قطر سوف يكونون في ضيافة الحكومة القطرية ، بينما أحدث الإبعاد ردود فعلٍ كبيرة منها ما هو متعلق بالساحة الأردنية ، و تم رفع قضية على الحكومة الأردنية باعتبار ما حدث مخالفاً للدستور .

                          و عندما وصل مشعل و رفاقه قطر ، كان كرسي رئاسة الوزراء في (إسرائيل) قد أخلي لزعيم المعارضة اليسارية إيهود باراك ، و جهاز الموساد تعاقب عليه أكثر من رئيس و الملك الأردني حسين كان غادر إلى العالم الآخر ، و لكن كانت حماس تدخل مع غيرها من القوى الوطنية و الإسلامية الفلسطينية معركة جديدة و شرسة .

                          و بعد نحو ثلاثة أشهر من اندلاع انتفاضة الأقصى ، كانت أنباء صحافية تتحدث عن محاولة جديدة فاشلة لاغتيال خالد مشعل في قطر و ذلك خلال عقد المؤتمر الإسلامي في قطر في الشهر الأخير من عام 2000 .

                          و كان سبق عقد المؤتمر انتقادات لقطر لعلاقاتها مع (إسرائيل) و لوجود مكتب تمثيل تجاري (إسرائيلي) فيها ، و وعدت قطر بأنها ستغلق المكتب و هو شرط كانت طلبته معظم الدول الإسلامية لموافقتها على حضور المؤتمر في ظلّ تصاعد الانتفاضة و نزيف الدم الفلسطيني غير المسبوق في الأرض المحتلة من أجل الأقصى .

                          و لكن يبدو أن قطر بقيت تتمتع بعلاقات مع (إسرائيل) قبل و أثناء و بعد عقد المؤتمر و التقى وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم ، الذي لم يخف علاقات بلاده مع (إسرائيل) و التقى مع قادة (إسرائيليين) بشكلٍ علني بعد أشهر من انتفاضة الأقصى ، و لكنه في ذلك الوقت و حرصاً على علاقات بلاده مع الدول الإسلامية فإنه أجرى لقاءاً سرياً 12/12/2000 في باريس مع وزير الخارجية الصهيوني شلومو بن عامي و هو لقاء كشفت عنه وسائل الإعلام العبرية . و بحثا في وضع مسيرة السلام و المساعي المبذولة لاستئناف المفاوضات (الإسرائيلية) – الفلسطينية ، و العلاقات بين الدوحة و تل أبيب .

                          و ترافق مع تسريب خبر هذا اللقاء نشر خبر عن محاولة استهدفت خالد مشعل في الدوحة أثناء عقد مؤتمر القمة الإسلامي . و ذكرت صحيفة "المستقبل" اللبنانية أن السلطات القطرية نجحت في كشف محاولة اغتيال كان سيتعرّض لها رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" خالد مشعل من جانب 3 مجموعات أمنية صهيونية استطاعت الدخول إلى قطر مستخدمة جوازات سفر دبلوماسية كندية و نرويجية . و نقلت الصحيفة عن مصادر دبلوماسية عربية أن الخطة الصهيونية كانت تقضي باغتيال مشعل خلال انعقاد القمة الإسلامية أو بعدها ، لكن السلطات القطرية اكتشفت الأمر ، و أبعدت المجموعات الصهيونية في ظلّ حرصٍ شديد على عدم إعلان الأمر .

                          و أعربت السلطات القطرية للكيان الصهيوني عن انزعاجها الشديد ، و عجّلت هذه التطوّرات في اتخاذ السلطات القطرية القرار بإقفال مكتب الرعاية الصهيوني في الدوحة ، كما عمل المسؤولون القطريون على اتخاذ إجراءات أمنية لحماية مسئولي حماس الموجودين في قطر منذ أبعدتهم السلطات الأردنية قبل أكثر من سنة . و تم تزويد مشعل بسيارة مصفحة لاستخدامها في تنقلاته في الدوحة .

                          و نشرت صحيفة المجد الأردنية المعارضة (18/12/2000) تقريراً حول ما اعتبرته أسراراً عن تلك المحاولة الجديدة الفاشلة لاغتيال مشعل ، و التي أقرّت خطتها بعد اندلاع انتفاضة الأقصى ، و وضع الموساد ، حسب الصحيفة ثلاث سيناريوهات لتنفيذ الخطة ، الأول تفجير عبوة توضع في هاتف مشعل الخلوي أو الثابت ، و لكن يستلزم ذلك إحداث اختراقٍ في المجموعة القريبة من مشعل ، أما السيناريو الثاني ، فهو وضع سيارة مفخّخة في الطريق التي يسلكها مشعل ، و هذا السيناريو هو الأضمن للنجاح ، و لكنه يمكن أن يؤدّي إلى قتل العديد من الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا في الطريق .

                          و السيناريو الثالث و هو الاغتيال المباشر ، و خطورته أنه يمكن اعتقال منفّذه و إدلائه بالتفاصيل ، كما حدث من قبل في عمان . و زعمت صحيفة المجد ، أن ثلاث مجموعات من الموساد دخلت الأراضي القطرية بجوازات سفر مزوّرة ، لفحص إمكانية تنفيذ أيّ من السيناريوهات المذكورة ، و لكن السلطات القطرية ألقت القبض عليهم ، بعد أن تلقّت أجهزة الأمن القطرية معلومات عنها من جهاز أمن أوروبي ، نتيجة لضغوط أمريكية ، كما ذكرت الصحيفة تم إبعاد عملاء الموساد عن الأرض القطرية .

                          و أضافت الصحيفة معلومات أخرى عن أن الموساد فكّر باغتيال مشعل في لبنان و لكن حال دون ذلك قلة زيارات مشعل للبنان ، و أن الموساد و وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تعاونا معاً لجمع معلومات كافية عن مكان إقامة مشعل و تحرّكاته و اتصالاته و أن المكالمات الهاتفية لمشعل و قيادات حماس الأخرى و عائلاتهم قد وضعت تحت المراقبة (الإسرائيلية) عبر الأقمار الصناعية .

                          و لم يصدر أي بيانٍ رسمي عن حماس حول هذا الشأن ، و ردّاً على سؤال حول المحاولة الجديدة الفاشلة قال الشيخ أحمد ياسين إنه لا علم له بذلك و «أن الأخوة في الخارج لم يبلغونا بشيء" .

                          و سواء كان ما نشرته الصحف عن المحاولة الجديدة في قطر صحيحة أم لا ، فإن المؤكد أن الموساد لم يغلق بعد ملف خالد مشعل و ربما تكون هناك بينهما جولات أخرى .. !
                          موضوع عن قصص الجواسيس العرب واحدات مهمة ارجو المتابعة
                          22:2

                          تعليق


                          • #28
                            كلمة أخيرة في ملف مفتوح

                            فيما يخص الرأي العام في (إسرائيل) ، و بعيداً عن المؤسسة الأمنية و القيادة السياسية في (إسرائيل) منذ نشوء الدولة العبرية حتى الآن ، فإن نقاشاً حول جدوى (سياسة الاغتيالات) يثار بين الوقت و الآخر ، و هناك أصوات قليلة و نادرة في المجتمع الصهيوني تخرج عن مألوف السياسة الرسمية ، و تقوم بتحليل تلك السياسة ، و نموذجاً على ذلك ما كتبه مثلاً (المستشرق) غي باخور في يديعوت أحرنوت ، الصحيفة الكبرى في (إسرائيل) بتاريخ 27/11/2000 بعد أن أعادت للأذهان عمليات التصفية ضد نشطاء في انتفاضة الأقصى سياسة (إسرائيل) في الاغتيالات .

                            يعتقد باخور أن (سياسة الاغتيالات) هي سلاح ذو حدين ، مذكراً بأنه بعد اغتيال الشيخ عباس موسوي زعيم حزب الله الأسبق الذي صفّته (إسرائيل) بقصفة من الجو ، وقعت حوادث انفجارات في السفارة (الإسرائيلية) و مبنى الجالية اليهودية في الأرجنتين في شباط 1992 ، و كذلك وقوع عمليات استشهادية بعد تصفية يحيى عياش .

                            يقول باخور (إن مثل هذه التصفيات تخلق فراغاً قيادياً سيشغل بالطبع بإنسان جديد يدخل إلى المنصب الذي حدّده سلفاً ، و يلزمه بأن يكون أكثر "عدائية" لـ (إسرائيل) ، و تصبح الحسابات الوطنية "شخصية" و يتحوّل إلى أمر ملزم ، هكذا مثلاً استبدل عباس موسوي بأمين عام معادٍ أكثر منه : حسن نصر الله) .

                            و يقول باخور إن نظر (إسرائيل) للشخص المستهدف بسبب قيامه (بأعمال إرهابية) ، هو نظر من زاوية الأمن (الإسرائيلية) و التي تشكّل في كثير من الأحيان ، كما يرى ، تعريفاً واسعاً جداً .

                            و يعطي مثلاً على وجهة نظره (السياسية) مستنتجاً (أن تحويل الشيخ موسوي لحزب الله من منظمة "إرهابية" إلى حركة اجتماعية لبنانية ظاهرة توقفت عند نقطة معينة و غيرت الاتجاه بعد تصفيته ، و بهذه التصفية تم الحيلولة دون التطور الطبيعي للزعيم ، و الذي كان يعتبر كـ "إرهابي" في نقطة زمنية معينة ، سيعتبر غير ذلك من نقطة زمنية أخرى) .

                            و بالطيع هناك قصور لدى باخور في فهم ظاهرة حزب الله ، و لكن ما يعنينا هنا أن القادة الصهاينة عندما ينفّذون (سياسية الاغتيالات) فهم في الواقع لا يمارسون (عملاً سياسياً) يخدم أهدافاً معينة ، و لكنه إرهاب منظّم تقوم به دولة هدفه القتل من أجل القتل ، في أحيان كثيرة .

                            و يعطي باخور مثلاً آخر على وجهة نظره قائلاً إن (اغتيال خليل الوزير على خلفية الانتفاضة الأولى كان خطأ فاحشاً ، لأنه كان من المؤيدين البارزين لعملية المصالحة مع "إسرائيل" و لو كان حياً اليوم ، لكان من الممكن للوضع الأمني أن يكون مختلف تماماً) .

                            و يشير باخور أيضاً إلى أن (المحاولة الصبيانية لتسميم زعيم حماس خالد مشعل أدّت إلى الإفراج عن الشيخ ياسين) . و يعتقد باخور أن (سياسة الاغتيالات تنبع من المفهوم السطحي الدارج في المؤسسة الأمنية "الإسرائيلية" و التي بموجبها أن الرأس هو المقرّر الوحيد و إذا تم قطعه فإن المشكلة ستنتهي معه ، كما لو أن اغتيال خالد مشعل سينهي حماس) .

                            و يختتم باخور مقاله بالتأكيد ، محقاً ، أن اغتيال زعيم الطرف الآخر ليس فقط لا يحلّ المشاكل ، بل يفاقمها ، و يقول : (لم تقدّم سياسة الاغتيالات أية فائدة لأمن (إسرائيل) بل أسفرت عن أضرار بالغة ، و (إسرائيل) ، كدولة قانون تفعل خيراً إذا قضت على سياسة الاغتيالات) .

                            و بغض النظر إذا كانت (إسرائيل) دولة قانون ، حتى لو كان قانون الغاب أم لا ، و بغض النظر عن مفهوم الأمن "الإسرائيلي" ، و التباين بين (الإسرائيليين) في كيفية حمايته ، فإن (سياسة الاغتيالات) التي تمارسها (إسرائيل) كإعدام ، خارج نطاق ، أي قانون ، حتى لو كان قانون الغاب ، هي عملية (إرهاب) منظّم ، لعلّ الصفحات السابقة في هذا الكتاب ، و التي اعتمدت فيه على مصادر (إسرائيلية) كثيرة و كنت حريصاً على تثبيت الروايات (الإسرائيلية) الرسمية ، ترجّح ما ذهبت إليه . و إذا كانت (إسرائيل) انتظرت (38) عاماً لتعلن مسئوليتها عن اغتيال مصطفى حافظ و (21) عاماً لتفخر بانطلاق حملة اغتيال القادة الفلسطينيين ، و (9) سنوات للاعتراف الضمني بالمسؤولية عن اغتيال أبو جهاد و ذلك بتسريب التفاصيل للصحافة (الإسرائيلية) ، فإنها لم تعترف بفشل سياسة الاغتيال في إجهاض حركة الشعب الفلسطيني من استمرار النضال لتحقيق حقوقه .

                            و أيضاً لم تعترف باغتيال عددٍ من القادة و الكوادر الفلسطينيين أمثال :

                            ·علي ياسين : مدير مكتب منظمة التحرير في الكويت (الكويت 1978) .

                            ·سعيد حمامي : مدير مكتب منظمة التحرير في لندن (1980) .

                            ·عبد الوهاب الكيالي : من قادة جبهة التحرير العربية : (بيروت 1981) .

                            ·ماجد أبو شرار : عضو اللجنة المركزية لحركة فتح : (روما :1981) .

                            ·سعد صايل : القائد العسكري للمنظمة : بيروت (28/9/1982) .

                            ·عصام السرطاوي : الذي فتح خطوط اتصال مع صهاينة (1983) .

                            ·حنا مقبل : و هو صحافي بارز (1983) ..

                            ·فهد القواسمة : عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير : (عمان 1984) .

                            ·أسعد الصفطاوي : من قادة فتح : (غزة 1993) .

                            ·محمد أبو شعبان : من قادة فتح : (غزة 1993) .

                            و هذا كان سبباً بالإضافة لأسباب أخرى للظن بأن اغتيال بعض هؤلاء و غيرهم كان ضمن تعقيدات العلاقات بين الفصائل الفلسطينية و بعض أجهزة المخابرات العربية ، خصوصاً و أن جهات فلسطينية تبنّت قتل بعض هؤلاء مثل عصام السرطاوي و سعيد حمامي بينما تم اتهام جهات فلسطينية و عربية بالتخلص من آخرين مثل (سعد صايل ، فهد القواسمي ، أسعد الصفطاوي و محمد أبو شعبان) ، و الملاحظ أنه في مثل هذا النوع من الاغتيال لم يطالب الرأي العام الفلسطيني و العربي بحقّه بالاطلاع على التفاصيل و معرفة ما جاء في التحقيقات إذا أجريت ، و لم يتم محاسبة حتى الذين تفاخروا بتنفيذ تلك العمليات من زعماء لفصائل فلسطينية .

                            و لم تقم الجهات الفلسطينية الرسمية حتى عندما أتيح لها ذلك بالتحقيق و الإعلان عن نتائج ذلك ، مثل ما يتعلّق بمقتل أسعد الصفطاوي و محمد أبو شعبان ، و هما من قادة فتح ، قبيل دخول السلطة الفلسطينية لقطاع غزة ، و اعتبر اغتيالهما كنوعٍ من تصفيات حسابات داخلية في الحركة ، و عندما استلمت السلطة الفلسطينية مقاليد الأمور في غزة لم تفِ بوعدها بالتحقيق بمقتل اثنين من أبرز قادتها في غزة في ذلك الحين . و بدون البحث و الكشف عن طبيعة هذه الاغتيالات في مسيرة العمل الفلسطيني و العربي سيبقى موضوع الاغتيالات ناقصاً و أسراره و دوافعه مخبأة ، و لكن تلك قصة أخرى … طويلة .. و مريرة .. و تحمل مفاجآت كثيرة .. ! .
                            موضوع عن قصص الجواسيس العرب واحدات مهمة ارجو المتابعة
                            22:2

                            تعليق


                            • #29
                              بارك الله فيكي أختي الكريمة

                              تعليق


                              • #30
                                بارك الله فيكي أختي لبؤة الجهاد

                                على هذا المجهود الرائع والقيم

                                جزيتي من الله خير الجزاء

                                ان شاء الله في ميزان حسناتك
                                ..[frame="7 80"]...أنتـي ** أنتـي الأم ياسـرايــا * يالـلـه عليميهم يـا سـرايـا
                                زلـــزلـــي الارض فـيـهـم احـرقـيـهــم يـا سـرايـا[/frame]

                                تعليق

                                يعمل...
                                X