حسام وسمر
استيقظت سمر على صوت أذان الفجر كعادتها وبدأت تعد نفسها لاستقبال يوم جديد
و مثل هذا اليوم بالذات هو من أصعب الأيام بالنسبة لها
فهو اليوم الذي عليها أن تذهب فيه إلى غزة كي تحضر منهج إحدى المواد غير المتوفرة بفرع جامعتها في خانيونس ..
لم تكن المشكلة في الذهاب إلى غزة التي تبعد عن مدينة خانيونس ثلاثين كيلومتر .. ولكنها تكمن في ذلك الحاجز الذي يفصل الجنوب عن بقية القطاع .. وقد يستغرق الوقت اللازم للذهاب من مدينتها إلى مدينة غزة ساعات طويلة .. بالرغم من أن الوقت اللازم لقطع هذه المسافة قبل وجود هذا الحاجز لا يتعدى النصف ساعة على الأكثر
سمر هي الابنة البكر .. وهي تقوم بدور الأم لأختيها الأصغر منها بأعوام قليلة .. وكذلك فهي ترعى أباها الذي عاد بهن من إحدى الدول الخليجية بعد أن توفت زوجته هناك وتركت له ثلاثة بنات وهب حياته من أجلهن رافضاً إلحاح العائلة بأن يتزوج كي يأتي بمن تُنجب له الذكر و تربي بناته
كانت لدى سمر رغبة قوية تُثبت فيها لوالدها أن البنت لا تقل عن الولد في شيء ..و كان هناك شيءٌ في داخلها يحثها على تحدي نظرة المجتمع وتفضيل الذكر على الأنثى .. ولكنها في نفس الوقت تخشى أن تنزلق نحو الفكر الغربي الذي ينادي بحرية المرأة فتتحول إلى سلعة حرة يستغلها الجميع باسم الحرية
بدأت سمر تبحث عن حريتها ومكانتها في الشريعة الإسلامية فوجدت فيها كل ما هو طيب ومرضي .. و طابت نفسها لعظيم منزلة المرأة في الشريعة الإسلامية.. و كانت تفخر بان أول أتباع رسول الله صلى الله عليه و سلم و سنده في حمل رسالة الإسلام العظيم كانت امرأة ..وكانت هذه المرأة هي أول سند لمن اختاره الله لحمل رسالة الإسلام العظيم .. ومن يومها اتخذت من السيدة خديجة رضي الله عنها قدوةً لها وهي التي من رجاحة عقلها آمنت بنبوة زوجها صلى الله عليه وسلم حتى قبل أن يؤمن بها هو نفسه .. ولا عجب أن يكون أحب الناس لرسول صلى الله عليه وسلم هذه المرأة التي حملت معه بدايات عبئ الرسالة وكانت له الملاذ وحضن الأمان حين تكالبت عليه هموم الدعوة
كانت أولى الخطوات في نظر سمر لتحقيق هدفها هو التعليم .. فتمسكت بإكمال تعليمها ورغبتها في الحصول على شهادة جامعية بالرغم من أعداد الخطاب الذين تقدموا لطلب يدها من أبيها .. ولم يكن والدها ليجبرها على شيء حتى وإن كان يميل إليه .. فلقد رباها هي وأختيها على حرية الاختيار ولغة الإقناع .. ولكن كان يؤرقها كثيراً أن أغلب المتقدمين لخطبتها هم من شباب العائلة .. وكان رفضها يتسبب في سوء العلاقة مع أهل الخاطب مما أحرج موقف والدها أمام كبار العائلة .. والذي لم يكن له رد أمام تساؤلاتهم سوى ..( البنت تريد إكمال تعليمها )
لم تكن سمر أجمل فتيات العائلة ولكنها كانت أكثرهن جاذبية وقوة في الشخصية .. كان كل من يراها يشعر بسكون روحها .. ونور قوي يشع من ملامح وجهها له تأثير عجيب على من يراه .. وكذلك كانت أخلاقها و أدبها الرفيع مثار حديث النسوة أمام أبنائهن.. لذا تمنت كل واحدة منهن أن تكون سمر زوجة لابنها .. ولكن سمر تفكر في رسم حياتها بطريقة أخرى .. فوضعت نصب عينيها هدفها الأول .. التعليم .. ومن ثم ترسم حياتها بعد ذلك على هذا الأساس
بعد أن صلت سمر صلاة الفجر ثم جهزت حاجيات أختيها قبل أن يذهبن إلى المدرسة .. وقفت تنظر من نافذة غرفتها تترقب شروق الشمس مع أول أبجدية ضوء تعانق أنفاس الصباح .. فهي منذ أن سكنت هذا المنزل قبل خمس سنوات .. اختارت هذه الغرفة بالذات لأنها تُطل على منظر الطبيعة والخضرة .. فلقد اختار والدها بناء المنزل في هذا المكان الهادئ وسط حقول الزيتون واللوز على مشارف مدينة خانيونس حتى يكون بعيداً عن صخب المدينة وزحامها .. ومع أنه ندم كثيراً بعد اندلاع الانتفاضة لاختياره هذا المكان لقربه من موقع لجيش الاحتلال .. تعلقت سمر بهذا المنزل وأحبته كثيراً كما أحبت نباتاتها التي زرعتها في حكورة المنزل ونافذة غرفتها التي كانت تشاركها همومها وأفراحها
كان كلُ شيءٍ جميلاً في عيون سمر المتفائلة التي لم تكن تنظر إلى العالم إلا من خلال نافذتها .. فبدت لها الدنيا كأنها أصوات العصافير وخضرة تمتد على مرأى البصر يختلط مشهدها صباحاً بشدو الطيور ونسيم يداعب سعف النخيل المغروس في غمد الرمال .. وحتى إن تغير هذا المشهد وقت الغروب .. فهو أروع مع رحيق الأصيل ووداعة أشعة الشمس حين تلامس بحنان كل شيء في أثاث غرفتها
لم يكن يكدر صفو جمال حياة سمر سوى ذلك الموقع البغيض الذي يبعد عن منزلها ألفي متر فقط .. والذي كان مع كل يوم يمر.. كان يتسع ويكبر حتى تحول إلى قلعة عسكرية مليئة بالدبابات والعتاد العسكري .. ولأن القاطنين في هذه القلعة حريصين على الحياة إلى حد الهوس.. لم يكفوا يوماً عن ملاحقة الأشجار المحيطة بالمنطقة بتجريفها و هدم البيوت بحجة الحزام الأمني حول الموقع .. وبالرغم من بعد منزل سمر عن هذا الموقع بكيلومترين تقريباً .. إلا أن الرصاصات الثقيلة الطائشة التي يطلقها هذا الموقع على المنازل المقامة في المنطقة كانت تصل أحياناً إلى منزل سمر وترتطم بجدرانه .. كأن الموقع البغيض يريد أن يضع بصماته الخبيثة في كل مكان حوله
الساعة السادسة صباحاً
خرجت سمر من المنزل إلى الطريق العام حيث ستستقل سيارة أجرة إلى جامعتها في مدينة غزة .. وكانت أغلب السيارات تأتي من مدينة خانيونس بحمولتها الكاملة من الركاب .. وأخيراً توقفت سيارة أجرة ينقصها راكبان فقط
استقلت سمر سيارة الأجرة وجلست بجوار سيدة تحمل على يدها طفل صغير يبدو على وجهها علامات القلق .. بينما يجلس في الكرسي الخلفي للسيارة رجلٌ عجوز في السبعينات من عمره بجانب امرأة يبدو أنها زوجته ومعهما صبي لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره .. كما يجلس في الكرسي الأمامي رجلٌ سمين في الخمسينات من عمره يشبه إلى حد كبير سائق السيارة في العمر والحجم
لم تسر السيارة أكثر من خمسمائة متر حتى توقفت وصعد شاب جامعي يحمل في يده كتبه و جلس بجوار سمر التي تنحت والتصقت بالمرأة الجالسة بجوارها
وسرعان ما اقتربت السيارة من حاجز المطاحن أو كما يطلق عليه سكان القطاع حاجز محفوظة حيث زحام السيارات التي تنتظر دورها بدخول الحاجز
بعد أن مرت ساعة كاملة كانت السيارة التي تحمل سمر وبقية الركاب تخط بإطاراتها عتبة المكان الذي تتصافح في الأقدار مع الأخطار
المسافة التي ستقطعها السيارة تساوي تقريباً ألف متر في منطقة عسكرية محاطة بأبراج المراقبة ومنازل تم تفريغها من سكانها وتحويلها إلى نقاط عسكرية بعد هدم المنازل الأخرى .. وعلى السيارة أن تسير ببطئ في طريق محاط بجدار عالي من الأسمنت يفصل الطريق التي يستخدمها العرب عن الطريق التي يستخدمها المستوطنين اليهود
كل شيء كان يسير بصورة عادية !! على الأقل من وجهة نظر الركاب .. حتى قطعت إحدى الدبابات الطريق على السيارة وطلبت منها عبر مكبر الصوت التوجه إلى منطقة محاطة بجدار عال من الأسمنت نحو مركز الموقع في منطقة يطلق عليها المسافرون اسم الحلابات !! ..
هذه الحلابات أعدت خصيصاً لتفتيش السيارات المسافرة بمعزل عن السيارات الأخرى التي تمر عبر الحاجز فلا يمكن أن يراها المسافرون عبر الحاجز أثناء التفتيش
توجه السائق نحو الحلابات وهو يطلق السباب والشتائم.. ثم طلب من الركاب أن يقوموا بتحضير بطاقات هوياتهم حتى ينتهوا من التفتيش بسرعة ويمر اليوم بسلام
كانت هذه أول مرة بالنسبة لسمر يتم فيها حجز السيارة التي تستقلها للتفتيش .. ولأول مرة منذ سنوات ترى فيها سمر وجه جندي صهيوني عن قرب حين توجه مجموعة من الجنود وأحاطوا السيارة مصوبين بنادقهم نحو الركاب
طلب الضابط من السائق هويات الركاب ودخل كي يفحصها على الكومبيوتر .. بينما بقي بقية الجنود يحيطون بالسيارة من جهة .. ومن جهة أخرى صوب جندي يجلس في برج مراقبة قريب مدفعه الثقيل نحو السيارة
عاد الضابط مرة أخرى وطلب من الركاب أن ينزلوا بهدوء واحداً تلو الأخر تاركين متعلقاتهم داخل السيارة .. ثم تجمعوا في مكان بعيد عن السيارة وطلبوا من السائق أن يفتح لهم كل شيء سواءً كان خاصاً بالسيارة أو الركاب في تفتيش دقيق يبدأ بإطار الاحتياط الخاص بالسيارة ويمر بمتعلقات الركاب ثم ينتهي بمحرك السيارة
عاد جميع الركاب مرةً أخرى إلى السيارة بعد انتهاء التفتيش ولكنهم انتظروا طويلاً حتى يتم الانتهاء من فحص بطاقات الهوية على الكومبيوتر .. وما أن عاد الضابط اليهودي وبيده بطاقات الركاب حتى تنفس الجميع الصعداء ظناً منهم أن الأمر قد انتهى على خير وسلام
اقترب الضابط بوجهه القبيح نحو سائق السيارة قائلاً له وعلى وجهه ابتسامة ساخرة مقيتة زادت ملامحه قبحاً :
هذه بطاقاتكم يمكنكم أن تأخذوها وتغادروا المكان بسلام .. ولكن بشرط
لم يسأله السائق عن شرطه .. فتابع الضباط اليهودي حديثه وقد اتسعت ابتسامته الساخرة لتضفي على قسمات وجهه مزيجاً من الخبث والقبح معاً :
الشرط هو أن تُقبل هذه الفتاة الشاب الذي يجلس بجوارها قبلة واحدة فقط .. أو أن تبقوا في السيارة هكذا يومين أو ثلاثة وربما أسبوع أو شهر وكان يقصد سمر
انتظروا التتمه
استيقظت سمر على صوت أذان الفجر كعادتها وبدأت تعد نفسها لاستقبال يوم جديد
و مثل هذا اليوم بالذات هو من أصعب الأيام بالنسبة لها
فهو اليوم الذي عليها أن تذهب فيه إلى غزة كي تحضر منهج إحدى المواد غير المتوفرة بفرع جامعتها في خانيونس ..
لم تكن المشكلة في الذهاب إلى غزة التي تبعد عن مدينة خانيونس ثلاثين كيلومتر .. ولكنها تكمن في ذلك الحاجز الذي يفصل الجنوب عن بقية القطاع .. وقد يستغرق الوقت اللازم للذهاب من مدينتها إلى مدينة غزة ساعات طويلة .. بالرغم من أن الوقت اللازم لقطع هذه المسافة قبل وجود هذا الحاجز لا يتعدى النصف ساعة على الأكثر
سمر هي الابنة البكر .. وهي تقوم بدور الأم لأختيها الأصغر منها بأعوام قليلة .. وكذلك فهي ترعى أباها الذي عاد بهن من إحدى الدول الخليجية بعد أن توفت زوجته هناك وتركت له ثلاثة بنات وهب حياته من أجلهن رافضاً إلحاح العائلة بأن يتزوج كي يأتي بمن تُنجب له الذكر و تربي بناته
كانت لدى سمر رغبة قوية تُثبت فيها لوالدها أن البنت لا تقل عن الولد في شيء ..و كان هناك شيءٌ في داخلها يحثها على تحدي نظرة المجتمع وتفضيل الذكر على الأنثى .. ولكنها في نفس الوقت تخشى أن تنزلق نحو الفكر الغربي الذي ينادي بحرية المرأة فتتحول إلى سلعة حرة يستغلها الجميع باسم الحرية
بدأت سمر تبحث عن حريتها ومكانتها في الشريعة الإسلامية فوجدت فيها كل ما هو طيب ومرضي .. و طابت نفسها لعظيم منزلة المرأة في الشريعة الإسلامية.. و كانت تفخر بان أول أتباع رسول الله صلى الله عليه و سلم و سنده في حمل رسالة الإسلام العظيم كانت امرأة ..وكانت هذه المرأة هي أول سند لمن اختاره الله لحمل رسالة الإسلام العظيم .. ومن يومها اتخذت من السيدة خديجة رضي الله عنها قدوةً لها وهي التي من رجاحة عقلها آمنت بنبوة زوجها صلى الله عليه وسلم حتى قبل أن يؤمن بها هو نفسه .. ولا عجب أن يكون أحب الناس لرسول صلى الله عليه وسلم هذه المرأة التي حملت معه بدايات عبئ الرسالة وكانت له الملاذ وحضن الأمان حين تكالبت عليه هموم الدعوة
كانت أولى الخطوات في نظر سمر لتحقيق هدفها هو التعليم .. فتمسكت بإكمال تعليمها ورغبتها في الحصول على شهادة جامعية بالرغم من أعداد الخطاب الذين تقدموا لطلب يدها من أبيها .. ولم يكن والدها ليجبرها على شيء حتى وإن كان يميل إليه .. فلقد رباها هي وأختيها على حرية الاختيار ولغة الإقناع .. ولكن كان يؤرقها كثيراً أن أغلب المتقدمين لخطبتها هم من شباب العائلة .. وكان رفضها يتسبب في سوء العلاقة مع أهل الخاطب مما أحرج موقف والدها أمام كبار العائلة .. والذي لم يكن له رد أمام تساؤلاتهم سوى ..( البنت تريد إكمال تعليمها )
لم تكن سمر أجمل فتيات العائلة ولكنها كانت أكثرهن جاذبية وقوة في الشخصية .. كان كل من يراها يشعر بسكون روحها .. ونور قوي يشع من ملامح وجهها له تأثير عجيب على من يراه .. وكذلك كانت أخلاقها و أدبها الرفيع مثار حديث النسوة أمام أبنائهن.. لذا تمنت كل واحدة منهن أن تكون سمر زوجة لابنها .. ولكن سمر تفكر في رسم حياتها بطريقة أخرى .. فوضعت نصب عينيها هدفها الأول .. التعليم .. ومن ثم ترسم حياتها بعد ذلك على هذا الأساس
بعد أن صلت سمر صلاة الفجر ثم جهزت حاجيات أختيها قبل أن يذهبن إلى المدرسة .. وقفت تنظر من نافذة غرفتها تترقب شروق الشمس مع أول أبجدية ضوء تعانق أنفاس الصباح .. فهي منذ أن سكنت هذا المنزل قبل خمس سنوات .. اختارت هذه الغرفة بالذات لأنها تُطل على منظر الطبيعة والخضرة .. فلقد اختار والدها بناء المنزل في هذا المكان الهادئ وسط حقول الزيتون واللوز على مشارف مدينة خانيونس حتى يكون بعيداً عن صخب المدينة وزحامها .. ومع أنه ندم كثيراً بعد اندلاع الانتفاضة لاختياره هذا المكان لقربه من موقع لجيش الاحتلال .. تعلقت سمر بهذا المنزل وأحبته كثيراً كما أحبت نباتاتها التي زرعتها في حكورة المنزل ونافذة غرفتها التي كانت تشاركها همومها وأفراحها
كان كلُ شيءٍ جميلاً في عيون سمر المتفائلة التي لم تكن تنظر إلى العالم إلا من خلال نافذتها .. فبدت لها الدنيا كأنها أصوات العصافير وخضرة تمتد على مرأى البصر يختلط مشهدها صباحاً بشدو الطيور ونسيم يداعب سعف النخيل المغروس في غمد الرمال .. وحتى إن تغير هذا المشهد وقت الغروب .. فهو أروع مع رحيق الأصيل ووداعة أشعة الشمس حين تلامس بحنان كل شيء في أثاث غرفتها
لم يكن يكدر صفو جمال حياة سمر سوى ذلك الموقع البغيض الذي يبعد عن منزلها ألفي متر فقط .. والذي كان مع كل يوم يمر.. كان يتسع ويكبر حتى تحول إلى قلعة عسكرية مليئة بالدبابات والعتاد العسكري .. ولأن القاطنين في هذه القلعة حريصين على الحياة إلى حد الهوس.. لم يكفوا يوماً عن ملاحقة الأشجار المحيطة بالمنطقة بتجريفها و هدم البيوت بحجة الحزام الأمني حول الموقع .. وبالرغم من بعد منزل سمر عن هذا الموقع بكيلومترين تقريباً .. إلا أن الرصاصات الثقيلة الطائشة التي يطلقها هذا الموقع على المنازل المقامة في المنطقة كانت تصل أحياناً إلى منزل سمر وترتطم بجدرانه .. كأن الموقع البغيض يريد أن يضع بصماته الخبيثة في كل مكان حوله
الساعة السادسة صباحاً
خرجت سمر من المنزل إلى الطريق العام حيث ستستقل سيارة أجرة إلى جامعتها في مدينة غزة .. وكانت أغلب السيارات تأتي من مدينة خانيونس بحمولتها الكاملة من الركاب .. وأخيراً توقفت سيارة أجرة ينقصها راكبان فقط
استقلت سمر سيارة الأجرة وجلست بجوار سيدة تحمل على يدها طفل صغير يبدو على وجهها علامات القلق .. بينما يجلس في الكرسي الخلفي للسيارة رجلٌ عجوز في السبعينات من عمره بجانب امرأة يبدو أنها زوجته ومعهما صبي لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره .. كما يجلس في الكرسي الأمامي رجلٌ سمين في الخمسينات من عمره يشبه إلى حد كبير سائق السيارة في العمر والحجم
لم تسر السيارة أكثر من خمسمائة متر حتى توقفت وصعد شاب جامعي يحمل في يده كتبه و جلس بجوار سمر التي تنحت والتصقت بالمرأة الجالسة بجوارها
وسرعان ما اقتربت السيارة من حاجز المطاحن أو كما يطلق عليه سكان القطاع حاجز محفوظة حيث زحام السيارات التي تنتظر دورها بدخول الحاجز
بعد أن مرت ساعة كاملة كانت السيارة التي تحمل سمر وبقية الركاب تخط بإطاراتها عتبة المكان الذي تتصافح في الأقدار مع الأخطار
المسافة التي ستقطعها السيارة تساوي تقريباً ألف متر في منطقة عسكرية محاطة بأبراج المراقبة ومنازل تم تفريغها من سكانها وتحويلها إلى نقاط عسكرية بعد هدم المنازل الأخرى .. وعلى السيارة أن تسير ببطئ في طريق محاط بجدار عالي من الأسمنت يفصل الطريق التي يستخدمها العرب عن الطريق التي يستخدمها المستوطنين اليهود
كل شيء كان يسير بصورة عادية !! على الأقل من وجهة نظر الركاب .. حتى قطعت إحدى الدبابات الطريق على السيارة وطلبت منها عبر مكبر الصوت التوجه إلى منطقة محاطة بجدار عال من الأسمنت نحو مركز الموقع في منطقة يطلق عليها المسافرون اسم الحلابات !! ..
هذه الحلابات أعدت خصيصاً لتفتيش السيارات المسافرة بمعزل عن السيارات الأخرى التي تمر عبر الحاجز فلا يمكن أن يراها المسافرون عبر الحاجز أثناء التفتيش
توجه السائق نحو الحلابات وهو يطلق السباب والشتائم.. ثم طلب من الركاب أن يقوموا بتحضير بطاقات هوياتهم حتى ينتهوا من التفتيش بسرعة ويمر اليوم بسلام
كانت هذه أول مرة بالنسبة لسمر يتم فيها حجز السيارة التي تستقلها للتفتيش .. ولأول مرة منذ سنوات ترى فيها سمر وجه جندي صهيوني عن قرب حين توجه مجموعة من الجنود وأحاطوا السيارة مصوبين بنادقهم نحو الركاب
طلب الضابط من السائق هويات الركاب ودخل كي يفحصها على الكومبيوتر .. بينما بقي بقية الجنود يحيطون بالسيارة من جهة .. ومن جهة أخرى صوب جندي يجلس في برج مراقبة قريب مدفعه الثقيل نحو السيارة
عاد الضابط مرة أخرى وطلب من الركاب أن ينزلوا بهدوء واحداً تلو الأخر تاركين متعلقاتهم داخل السيارة .. ثم تجمعوا في مكان بعيد عن السيارة وطلبوا من السائق أن يفتح لهم كل شيء سواءً كان خاصاً بالسيارة أو الركاب في تفتيش دقيق يبدأ بإطار الاحتياط الخاص بالسيارة ويمر بمتعلقات الركاب ثم ينتهي بمحرك السيارة
عاد جميع الركاب مرةً أخرى إلى السيارة بعد انتهاء التفتيش ولكنهم انتظروا طويلاً حتى يتم الانتهاء من فحص بطاقات الهوية على الكومبيوتر .. وما أن عاد الضابط اليهودي وبيده بطاقات الركاب حتى تنفس الجميع الصعداء ظناً منهم أن الأمر قد انتهى على خير وسلام
اقترب الضابط بوجهه القبيح نحو سائق السيارة قائلاً له وعلى وجهه ابتسامة ساخرة مقيتة زادت ملامحه قبحاً :
هذه بطاقاتكم يمكنكم أن تأخذوها وتغادروا المكان بسلام .. ولكن بشرط
لم يسأله السائق عن شرطه .. فتابع الضباط اليهودي حديثه وقد اتسعت ابتسامته الساخرة لتضفي على قسمات وجهه مزيجاً من الخبث والقبح معاً :
الشرط هو أن تُقبل هذه الفتاة الشاب الذي يجلس بجوارها قبلة واحدة فقط .. أو أن تبقوا في السيارة هكذا يومين أو ثلاثة وربما أسبوع أو شهر وكان يقصد سمر
انتظروا التتمه
تعليق