المشاركة الأصلية بواسطة dddd
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
حسام وسمر ... قصة مميزه جدا
تقليص
X
-
ما هذا الذى يحصل؟؟؟؟
والله الواحد زهق
احنا قلنا مرة وحدة بتعمليها مش اكثر من مرة
نزلى القصة خلصينا يا اما بتحطوا الرابط الرسمى
ريحونا خلى الله يريحكم
اختي من وين حصلتي على الرابط ممكن تعطينا الرابط بدل التتشويق هادا والله عدني انجلطتت
والله اذا اختى بنت الجنوب بترضى لاحطه الكم
بس متاكدة ما راح ترضى
بس مشان اريحكم شم باقى كثير باقي فصل وكمان فصل وبس والنهاية وخلص
يعنى انا قرات الفصل وهينى بالفصل الاخير
بس لانه بنت الجنوب لما ترجيتها تنزلى الباقى تانى مارضيت وقفلت وطلعت لانها مابدها تنحرج من طلبى الها والحاحى عليها حتى ماردت ع تعليقى قبل الاخير على قصتها لانه مابدها تشوف الحاحى ...........
والله سهل جبت الرابط
شوف شو عنوان الموضوع واكتبوا ع جوجل بيطلعلك الى بدك اياه مابدى احكى اكثر من هيك
بعدين راح تنفجر فى بنت الجنوب
سامحونى ويارب تسامحنى هى كمان
تحيتى لكم
مساكين والله حاسة فيكم
###شعارنا فى هذا الشهر الفضيل ان نحيا بالقرآن.....
يا رب سأبذل جهدي في تقواك هذا الشهر فأعني ....اللهم فأشهد....سنحيا بذكر الله بالقران سنصلح الامة....
تعليق
-
المشاركة الأصلية بواسطة dddd مشاهدة المشاركةما هذا الذى يحصل؟؟؟؟
والله الواحد زهق
احنا قلنا مرة وحدة بتعمليها مش اكثر من مرة
نزلى القصة خلصينا يا اما بتحطوا الرابط الرسمى
ريحونا خلى الله يريحكم
اختي من وين حصلتي على الرابط ممكن تعطينا الرابط بدل التتشويق هادا والله عدني انجلطتت
والله اذا اختى بنت الجنوب بترضى لاحطه الكم
بس متاكدة ما راح ترضى
بس مشان اريحكم شم باقى كثير باقي فصل وكمان فصل وبس والنهاية وخلص
يعنى انا قرات الفصل وهينى بالفصل الاخير
بس لانه بنت الجنوب لما ترجيتها تنزلى الباقى تانى مارضيت وقفلت وطلعت لانها مابدها تنحرج من طلبى الها والحاحى عليها حتى ماردت ع تعليقى قبل الاخير على قصتها لانه مابدها تشوف الحاحى ...........
والله سهل جبت الرابط
شوف شو عنوان الموضوع واكتبوا ع جوجل بيطلعلك الى بدك اياه مابدى احكى اكثر من هيك
بعدين راح تنفجر فى بنت الجنوب
سامحونى ويارب تسامحنى هى كمان
تحيتى لكم
مساكين والله حاسة فيكم
مثل مانجلطت انا لما انتظرت الفصل الثانى من القصة طلعت مرارتى وانا بتحنن فيها هههههه
يلا انجلطوا انتو كمان حسوا شوى مثل ماحسيت ههههههههههه
الله يعينكم ياارب ويصبركم وبالاخص انتى يابنت الجهاد الاسلامى حاسة فيكى كثير اكيد مثل ماحسيت بالزبط
لكن الشباب مش مثلنا عواطفهم مش شياجة ههههههههه بس شايفة ابو حمزة السمسماوى متاثر بالقصة كثيييير ههههههههههههههههه
تحيتى اطلت الحديث
من كثر الفرحة هههههههه
جارى البحث والتنقيب عن القصة كنت بدى اطلع على المسجد على قيام الليل ولكن بدى ادور عليها بعدين اروح
خلينا نعرف القصة بلاش افكر فيها وانا بأصلى
تعليق
-
خلينا نعرف القصة بلاش افكر فيها وانا بأصلى
####
ارجو ان توفق بالبحثشعارنا فى هذا الشهر الفضيل ان نحيا بالقرآن.....
يا رب سأبذل جهدي في تقواك هذا الشهر فأعني ....اللهم فأشهد....سنحيا بذكر الله بالقران سنصلح الامة....
تعليق
-
واخيرا
الله اكبر ولله الحمد وجدت القصة ولكن الفيلم مثل ما فعلت بنت الجنوب والتكملة غدا كاتبين
وبدى احرق بعض الشخصيان بعد اذن الاخت بنت الجنوب
القسامى طارق حميد هم شهيد ومن خاصات القسام ويقطن حسب معلوماتى الخاصة وان لم تخنى الذاكرة مخيم النصيرات بالقرب من منزل الشهيد محمد اللداوى
وللعلم الشهيد يعد احد ابرز قادة القسام فى النصيرات هذا ما قراته على احد الجدران بينما كنت اتجول فى النصيرات قبل ايام قليلة (قبل رمضان بيوم ) كنت جعان على الاخير وكنت قاعد فى ارض خالية والوضع صعب جدا حينها قررت ان ابحث عن محلا كى اشترى شيئ اسد به فراغ البطن
وذهبت الى محل وانا ذاهب شاهدت اسم هذا البطل العنيد طارق حميد
بالاخلاق نسمو ورتقى واعتقد ان القصة الان اجمل ما يمكن ويبدو ان حسام ابن عمها
تعليق
-
كنت بدي أنزل القصة كلها انبارح بعد صلاة التراويح
ولكن كانت الظروف أقوى مني
وكنت بعرف انه رح تطلبوا متل هيك طلب
لعدم الاحراج طلعت من الشبكه
وقلت خلص بكره بنزلها كلها
صحيح انه الواحد بيتشوق كتير للقصه بس ما بيعمل يلي انتو عملتوا
شكرا كتير dddd
والشكر موصول لأبو حمزه
يالله فيكوا تكفوا القصه
أنا لهون وخلص ما بدي أنزل منها شي
المجال مفتوح لتكتبوا شو ما بدكوا
ما عادت تفرق
شكرا كتيييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييي يييييييير
تعليق
-
قصة سمر وحسام كاملة
نوافــذ وطــن ...
ومنـافذ قساميـّـة ...
الكاتب الفلسطيني : محـمـّد شراب
<< وميض قلم >>
استيقظت سمر على صوت أذان الفجر كعادتها وبدأت تعد نفسها لاستقبال يوم جديد
و مثل هذا اليوم بالذات هو من أصعب الأيام بالنسبة لها
فهو اليوم الذي عليها أن تذهب فيه إلى غزة كي تحضر منهج إحدى المواد غير المتوفرة بفرع جامعتها في خانيونس ..
لم تكن المشكلة في الذهاب إلى غزة التي تبعد عن مدينة خانيونس ثلاثين كيلومتر .. ولكنها تكمن في ذلك الحاجز الذي يفصل الجنوب عن بقية القطاع .. وقد يستغرق الوقت اللازم للذهاب من مدينتها إلى مدينة غزة ساعات طويلة .. بالرغم من أن الوقت اللازم لقطع هذه المسافة قبل وجود هذا الحاجز لا يتعدى النصف ساعة على الأكثر
سمر هي الابنة البكر .. وهي تقوم بدور الأم لأختيها الأصغر منها بأعوام قليلة .. وكذلك فهي ترعى أباها الذي عاد بهن من إحدى الدول الخليجية بعد أن توفت زوجته هناك وتركت له ثلاثة بنات وهب حياته من أجلهن رافضاً إلحاح العائلة بأن يتزوج كي يأتي بمن تُنجب له الذكر و تربي بناته
كانت لدى سمر رغبة قوية تُثبت فيها لوالدها أن البنت لا تقل عن الولد في شيء ..و كان هناك شيءٌ في داخلها يحثها على تحدي نظرة المجتمع وتفضيل الذكر على الأنثى .. ولكنها في نفس الوقت تخشى أن تنزلق نحو الفكر الغربي الذي ينادي بحرية المرأة فتتحول إلى سلعة حرة يستغلها الجميع باسم الحرية
بدأت سمر تبحث عن حريتها ومكانتها في الشريعة الإسلامية فوجدت فيها كل ما هو طيب ومرضي .. و طابت نفسها لعظيم منزلة المرأة في الشريعة الإسلامية.. و كانت تفخر بان أول أتباع رسول الله صلى الله عليه و سلم و سنده في حمل رسالة الإسلام العظيم كانت امرأة ..وكانت هذه المرأة هي أول سند لمن اختاره الله لحمل رسالة الإسلام العظيم .. ومن يومها اتخذت من السيدة خديجة رضي الله عنها قدوةً لها وهي التي من رجاحة عقلها آمنت بنبوة زوجها صلى الله عليه وسلم حتى قبل أن يؤمن بها هو نفسه .. ولا عجب أن يكون أحب الناس لرسول صلى الله عليه وسلم هذه المرأة التي حملت معه بدايات عبئ الرسالة وكانت له الملاذ وحضن الأمان حين تكالبت عليه هموم الدعوة
كانت أولى الخطوات في نظر سمر لتحقيق هدفها هو التعليم .. فتمسكت بإكمال تعليمها ورغبتها في الحصول على شهادة جامعية بالرغم من أعداد الخطاب الذين تقدموا لطلب يدها من أبيها .. ولم يكن والدها ليجبرها على شيء حتى وإن كان يميل إليه .. فلقد رباها هي وأختيها على حرية الاختيار ولغة الإقناع .. ولكن كان يؤرقها كثيراً أن أغلب المتقدمين لخطبتها هم من شباب العائلة .. وكان رفضها يتسبب في سوء العلاقة مع أهل الخاطب مما أحرج موقف والدها أمام كبار العائلة .. والذي لم يكن له رد أمام تساؤلاتهم سوى ..( البنت تريد إكمال تعليمها )
لم تكن سمر أجمل فتيات العائلة ولكنها كانت أكثرهن جاذبية وقوة في الشخصية .. كان كل من يراها يشعر بسكون روحها .. ونور قوي يشع من ملامح وجهها له تأثير عجيب على من يراه .. وكذلك كانت أخلاقها و أدبها الرفيع مثار حديث النسوة أمام أبنائهن.. لذا تمنت كل واحدة منهن أن تكون سمر زوجة لابنها .. ولكن سمر تفكر في رسم حياتها بطريقة أخرى .. فوضعت نصب عينيها هدفها الأول .. التعليم .. ومن ثم ترسم حياتها بعد ذلك على هذا الأساس
بعد أن صلت سمر صلاة الفجر ثم جهزت حاجيات أختيها قبل أن يذهبن إلى المدرسة .. وقفت تنظر من نافذة غرفتها تترقب شروق الشمس مع أول أبجدية ضوء تعانق أنفاس الصباح .. فهي منذ أن سكنت هذا المنزل قبل خمس سنوات .. اختارت هذه الغرفة بالذات لأنها تُطل على منظر الطبيعة والخضرة .. فلقد اختار والدها بناء المنزل في هذا المكان الهادئ وسط حقول الزيتون واللوز على مشارف مدينة خانيونس حتى يكون بعيداً عن صخب المدينة وزحامها .. ومع أنه ندم كثيراً بعد اندلاع الانتفاضة لاختياره هذا المكان لقربه من موقع لجيش الاحتلال .. تعلقت سمر بهذا المنزل وأحبته كثيراً كما أحبت نباتاتها التي زرعتها في حكورة المنزل ونافذة غرفتها التي كانت تشاركها همومها وأفراحها
كان كلُ شيءٍ جميلاً في عيون سمر المتفائلة التي لم تكن تنظر إلى العالم إلا من خلال نافذتها .. فبدت لها الدنيا كأنها أصوات العصافير وخضرة تمتد على مرأى البصر يختلط مشهدها صباحاً بشدو الطيور ونسيم يداعب سعف النخيل المغروس في غمد الرمال .. وحتى إن تغير هذا المشهد وقت الغروب .. فهو أروع مع رحيق الأصيل ووداعة أشعة الشمس حين تلامس بحنان كل شيء في أثاث غرفتها
لم يكن يكدر صفو جمال حياة سمر سوى ذلك الموقع البغيض الذي يبعد عن منزلها ألفي متر فقط .. والذي كان مع كل يوم يمر.. كان يتسع ويكبر حتى تحول إلى قلعة عسكرية مليئة بالدبابات والعتاد العسكري .. ولأن القاطنين في هذه القلعة حريصين على الحياة إلى حد الهوس.. لم يكفوا يوماً عن ملاحقة الأشجار المحيطة بالمنطقة بتجريفها و هدم البيوت بحجة الحزام الأمني حول الموقع .. وبالرغم من بعد منزل سمر عن هذا الموقع بكيلومترين تقريباً .. إلا أن الرصاصات الثقيلة الطائشة التي يطلقها هذا الموقع على المنازل المقامة في المنطقة كانت تصل أحياناً إلى منزل سمر وترتطم بجدرانه .. كأن الموقع البغيض يريد أن يضع بصماته الخبيثة في كل مكان حوله
الساعة السادسة صباحاً
خرجت سمر من المنزل إلى الطريق العام حيث ستستقل سيارة أجرة إلى جامعتها في مدينة غزة .. وكانت أغلب السيارات تأتي من مدينة خانيونس بحمولتها الكاملة من الركاب .. وأخيراً توقفت سيارة أجرة ينقصها راكبان فقط
استقلت سمر سيارة الأجرة وجلست بجوار سيدة تحمل على يدها طفل صغير يبدو على وجهها علامات القلق .. بينما يجلس في الكرسي الخلفي للسيارة رجلٌ عجوز في السبعينات من عمره بجانب امرأة يبدو أنها زوجته ومعهما صبي لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره .. كما يجلس في الكرسي الأمامي رجلٌ سمين في الخمسينات من عمره يشبه إلى حد كبير سائق السيارة في العمر والحجم
لم تسر السيارة أكثر من خمسمائة متر حتى توقفت وصعد شاب جامعي يحمل في يده كتبه و جلس بجوار سمر التي تنحت والتصقت بالمرأة الجالسة بجوارها
وسرعان ما اقتربت السيارة من حاجز المطاحن أو كما يطلق عليه سكان القطاع حاجز محفوظة حيث زحام السيارات التي تنتظر دورها بدخول الحاجز
بعد أن مرت ساعة كاملة كانت السيارة التي تحمل سمر وبقية الركاب تخط بإطاراتها عتبة المكان الذي تتصافح في الأقدار مع الأخطار
المسافة التي ستقطعها السيارة تساوي تقريباً ألف متر في منطقة عسكرية محاطة بأبراج المراقبة ومنازل تم تفريغها من سكانها وتحويلها إلى نقاط عسكرية بعد هدم المنازل الأخرى .. وعلى السيارة أن تسير ببطئ في طريق محاط بجدار عالي من الأسمنت يفصل الطريق التي يستخدمها العرب عن الطريق التي يستخدمها المستوطنين اليهود
كل شيء كان يسير بصورة عادية !! على الأقل من وجهة نظر الركاب .. حتى قطعت إحدى الدبابات الطريق على السيارة وطلبت منها عبر مكبر الصوت التوجه إلى منطقة محاطة بجدار عال من الأسمنت نحو مركز الموقع في منطقة يطلق عليها المسافرون اسم الحلابات !! ..
هذه الحلابات أعدت خصيصاً لتفتيش السيارات المسافرة بمعزل عن السيارات الأخرى التي تمر عبر الحاجز فلا يمكن أن يراها المسافرون عبر الحاجز أثناء التفتيش
توجه السائق نحو الحلابات وهو يطلق السباب والشتائم.. ثم طلب من الركاب أن يقوموا بتحضير بطاقات هوياتهم حتى ينتهوا من التفتيش بسرعة ويمر اليوم بسلام
كانت هذه أول مرة بالنسبة لسمر يتم فيها حجز السيارة التي تستقلها للتفتيش .. ولأول مرة منذ سنوات ترى فيها سمر وجه جندي صهيوني عن قرب حين توجه مجموعة من الجنود وأحاطوا السيارة مصوبين بنادقهم نحو الركاب
طلب الضابط من السائق هويات الركاب ودخل كي يفحصها على الكومبيوتر .. بينما بقي بقية الجنود يحيطون بالسيارة من جهة .. ومن جهة أخرى صوب جندي يجلس في برج مراقبة قريب مدفعه الثقيل نحو السيارة
عاد الضابط مرة أخرى وطلب من الركاب أن ينزلوا بهدوء واحداً تلو الأخر تاركين متعلقاتهم داخل السيارة .. ثم تجمعوا في مكان بعيد عن السيارة وطلبوا من السائق أن يفتح لهم كل شيء سواءً كان خاصاً بالسيارة أو الركاب في تفتيش دقيق يبدأ بإطار الاحتياط الخاص بالسيارة ويمر بمتعلقات الركاب ثم ينتهي بمحرك السيارة
عاد جميع الركاب مرةً أخرى إلى السيارة بعد انتهاء التفتيش ولكنهم انتظروا طويلاً حتى يتم الانتهاء من فحص بطاقات الهوية على الكومبيوتر .. وما أن عاد الضابط اليهودي وبيده بطاقات الركاب حتى تنفس الجميع الصعداء ظناً منهم أن الأمر قد انتهى على خير وسلام
اقترب الضابط بوجهه القبيح نحو سائق السيارة قائلاً له وعلى وجهه ابتسامة ساخرة مقيتة زادت ملامحه قبحاً :
هذه بطاقاتكم يمكنكم أن تأخذوها وتغادروا المكان بسلام .. ولكن بشرط
لم يسأله السائق عن شرطه .. فتابع الضباط اليهودي حديثه وقد اتسعت ابتسامته الساخرة لتضفي على قسمات وجهه مزيجاً من الخبث والقبح معاً :
الشرط هو أن تُقبل هذه الفتاة الشاب الذي يجلس بجوارها قبلة واحدة فقط .. أو أن تبقوا في السيارة هكذا يومين أو ثلاثة وربما أسبوع أو شهر وكان يقصد سمر
حياة بطعم الموت .. و موت فيه الحياة
حاول السائق أن يوضح للضابط اليهودي أن شرطه صعب ويتنافى مع التقاليد العربية .. إلا أن الضابط الحقير أصر على شرطه قائلاً :
هذه مشكلتكم وحلها في أيديكم .. ثم نظر إلى سمر قائلاً بسخرية : أراهن أنها ستفعلها عن طيب خاطر .. فإن لم يكن من أجل وسامة الشاب فسيكون رحمةً ببقية الركاب .. غادر الضابط إلى حيث يقف بقية الجنود خلف المكعبات الأسمنتية وهو يقول : العرب لا يعجزون عن إيجاد المبرر لأي فعل حتى لو كانوا مرغمين عليه
خيم جو من الصمت على ركاب السيارة حتى تحولت إلى قبو من السكون لا يُسمع فيه سوى أنات الطفل الذي تحمله المرأة الجالسة بجوار سمر
تمنت سمر التي ألجمتها صدمة المفاجئة أن تبصق في وجه الضابط أو تشتمه ولكنها لم تستطع .. فهي لم تتخيل يوماً أن يخاطب لسانها لسان أي صهيوني لما تحمله في نفسها تجاههم من كره واحتقار .. فكيف بها ومعنى الكراهية يتجسد أمامها في جسد يشبه الإنسان
لم يكن لدى سمر أي فرصة للحديث كي تقول ما تمنت أن تقوله في ذلك الموقف .. ولم يكن قلبها الذي زادت نبضاته خوفاً وقلقاً أن يسمح لها بأن تقول كلمة واحدة .. فقد كانت تشعر أن دموعها ستسبقها لو فتحت فهما بأي كلمة ... ولهذا.. التزمت الصمت حتى لا يظهر ضعفها أو تخونها العبرات ..فانتهت إلى أن تُخفي خوفها وقلقها وراء صمتها وتُظهر أن ما حدث لا يعنيها في شيء وكأنها لم تسمعه
بدا لسمر أن نفسها قد هدأت حين اكتفت باللامبالاة التي أظهرتها أمام الركاب وأمام مرأى الجنود الواقفين بعيداً خلف دروعهم والذين علت أصواتهم ضحكاً وهم يتغامزون فيما بينهم كأنهم يراهنون على شيء
لكن سرعان ما زال هذا الشعور حين التفت السائق إلى سمر وقال لها: ما رأيك يا ابنتي فالأمر كله الآن بيدك
لم يكد السائق يُنهي جملته حتى شعرت بتسارع أنفاسها ورغبة قوية في البكاء تحاول عبثاً كبح جماحها .. ولكن الرجل العجوز الذي يجلس خلفها رد على السائق قبلها .. مما منحها الفرصة بان تعاود السيطرة على أعصابها مرةً أخرى واكتفت بالإنصات للحوار الدائر بين السائق والعجوز الذي لم يعجبه سؤال السائق وحديثه لسمر
أخيراً استقر الأمر على أن يصبر الجميع ويتركوا أمرهم لله لعل الملل يُصيب الجنود فيتركوهم يغادروا المكان
عاد الصمت مرةً أخرى يسود الموقف حتى قطعه بكاء الصغير الذي ذهبت محاولات أمه لإسكاته أدراج الرياح
استمر الحال على ما هو عليه أكثر من ساعة بين حديث السائق والرجل الجالس بجواره في أمور عادية والذي تبين أنه عقيد في جهاز أمني تابع للسلطة .. وكذلك استمر بكاء الطفل الذي لم ينقطع طوال هذه الساعة مما زاد أمه قلقاً عليه
لم تستطع أم الطفل التي بلغ بها قلقها وجزعها على صغيرها مبلغه .. فوجهت حديثها للسائق قائلةً :
إلى متى سنبقى هكذا ؟ .. ابني مريض و يحتاج لتغيير دماء واليوم موعده ويجب أن أذهب للمستشفى بسرعة
حاول السائق والعقيد أن يهدئا من روع الأم .. ولكن بكاء الصغير كان يمزق قلبها خوفاً عليه ويزداد خوفها أكثر حين يسكت
قررت الأم بأنها ستغادر السيارة وتقطع الحاجز سيراً على الأقدام قائلة لهم : أنها ليست بحاجة إلى بطاقة الهوية التي حجزوها
ولكن السائق نبهها أن لا تفعل حتى لا تعرض حياتها وحياة الركاب إلى الخطر
لم تكترث الأم بتنبيه السائق ولا رجاء الركاب .. فقد كان خوفها على طفلها يسيطر على كيانها .. فامتدت يدها إلى مقبض باب السيارة وفتحته كي تهم بالخروج .. وما كادت أن تفعل حتى انطلقت عشرات الرصاصات بجوار السيارة وفوق رؤوس الركاب مما جعلها ترجع إلى مكانها وهي تضم صغيرها في صدرها كأنها تريد حمايته من رصاصات الحقد الأعمى التي أطلقها جندي يجلس في برج مراقبة
لم يكد يرفع ركاب السيارة رؤوسهم حتى أحاط عدد من الجنود بالسيارة مصوبين بنادقهم نحو الركاب .. ثم تقدم ذلك الضابط نحو السيارة سائلاً بالعربية : من فتح الباب ؟
أرادت الأم أن تستدر شفقة الضابط وتخبره أن ابنها مريض وهو بحاجة للعلاج .. ولكن الضابط الذي لم يكترث بتوسلاتها .. هددها إن فعلت ذلك ثانيةً سيقتل طفلها أمام عينها مما جعلها تعتصر صغيرها في حضنها خوفاً عليه ممن نُزعت من قلوبهم الشفقة والرحمة
طلب الضابط من السائق أن يأمر الجميع بإغلاق نوافذ السيارة وأن يعطيه مفاتيح سيارته ثم قال له قبل أن يغادر :
كنت سأكتفي بأي قبلة وأترككم ترحلون .. ولكن بعد عنادكم لن أقبل بأقل من قبلة فرنسية ساخنة .. ثم التفت إلى سمر والشاب الذي يجلس بجوارها قائلاً بسخرية : سيساعدكما الجو الذي ستشعران به بعد قليل على خروج هذه القبلة كما ينبغي
أمر الضابط الصهيوني سائق السيارة أن يرفع هو أيضاً زجاج نافذته وحذره أن كل من سيفتح زجاج نافذته لن يسعفه الوقت كي يندم على فعلته .. ثم طلب من جندي المراقبة بلغته العبرية أن ينتبه لهم جيداً ويطلق النار على كل من يخرج من السيارة
لم تكن تتوقع سمر أن يكون اليهود بهذه الحقارة بالرغم من عشرات القصص التي سمعتها عنهم .. ولم يكن يخطر ببالها ولا حتى في كوابيسها أن يحدث لها هذا الموقف في أي يوم من الأيام .. وبالفعل تمنت أن يكون ما يحدث هو مجرد كابوس ستستيقظ منه وتجد نفسها في بيتها بجانب أختيها
لم يمر الكثير من الوقت حتى تحولت السيارة بسبب إغلاق النوافذ إلى ما يشبه الفرن بسبب أشعة الشمس والحرارة المنبعثة من أجسام الركاب وأنفاسهم .. كانت كل دقيقة تمر داخل السيارة تزيد الموقف سوء .... وكان أكثر المواقف مأساوية هو حال الأم التي بدا وكأنها ستُصاب بانهيار عصبي وهي ترى طفلها يبكي والعرق يتصبب منه بغزارة وهي غير قادرة أن تفعل له شيء
لم يكن حال سمر بأفضل من حالها .. فهي أيضاً شعرت أنها ستُصاب بالجنون من كثرة التفكير فيما لو أجبرها الركاب على أن تنفذ شرط الضابط .. فكانت تخشى أن تفتح فمها أو حتى تطلب من الأم أن تحمل عنها صغيرها بالرغم من شفقتها على حالها .. ولكنها خشيت أن ينطق أحدهم ويفتح معها الموضوع .. فعلى الرغم من أن لا ذنب لها فيما يجري .. إلا أن شعوراً داخلها بالذنب بدأ يتزايد كلما مر الوقت و كلما زاد الموقف مأساوية .. كانت متأكدة أن هذا الشعور أقوى وأعمق عند بقية الركاب خاصةً وقد شعرت ببعض الغمز حين تبادل السائق والعقيد الذي يجلس بجواره الحديث
وسط هذه المشاعر المختلطة من الخوف والقلق سرحت سمر في الشاب الذي يجلس بجوارها .. كانت تتمنى في قرارة نفسها أن تعرف فيما يفكر وما وجهة نظره في الأمر .. وكان يخجلها كثيراً مجرد الشعور انه ينظر إليها على الرغم من أنها لم تلتفت إليه ولا مرة منذ أن صعد إلى السيارة .. ولكن كان يطمئنها كثيراً الآيات القرآنية التي كان يخططها على جلدة كتابه حين كانت تختلس النظر إلى ما يكتب وهي مطرقة برأسها .. ولعل هذه الآيات وبعض كلمات الذكر التي كان يقوم بكتابتها جعلتها تكون فكرة عنه بأنه على خلق .. و ليس من الشباب المستهترين وهذه الفكرة بعثت في نفسها إلى حد ما شيء من الطمأنينة
انخلع قلب سمر من مكانه حين أخرجتها كلمات الشاب من شرودها موجهاً حديثه لها .... ولأنها لم تسمع جيداً .. حاولت أن تستجمع شجاعتها لتستفسر منه عن ما قاله فالتفت برأسها دون أن ترفع نظرها قائلةً له : …عفواً ؟
لأول مرة منذ أن صعدت سمر السيارة تفتح فمها لتنطق بكلمة .. ولكن الكلمة خرجت من فهما مرتعشة تعبر بوضوح عن ما يدور بداخلها .. هي نفسها لم تكن تتصور أن تخونها الحروف بهذه الطريقة في هذه الكلمة البسيطة وكأنها تسمع صوتها لأول مرة في حياتها
أعاد الشاب طلبه مرة أخرى قائلاً : لو سمحت ناوليني الطفل أحمله عن أمه قليلاً
امتدت يد سمر وهي تسمي باسم الله نحو الطفل الذي لم يتوقف عن البكاء ولم يكن أمام أمه الخائفة إلا أن تسلمه لسمر عن طيب خاطر أمام نظرات رجاءها
استلم الشاب من يد سمر الطفل وبدأ في وضع يده على رأسه يتمتم بكلمات خفيفة بدت كأنها قرآن .. العجيب أن الطفل توقف عن البكاء وبدأ يبتسم للشاب ويحاول أن يمد يده نحو وجهه .. وبدورها الأم أيضاً هدأت نفسها كثيراً حين رأت ابنها يتجاوب مع لعب الشاب الذي بدأ يحرك بركبته رتاج نافذة السيارة حتى دخل نسيم من الهواء البارد غير الجو الموجود في السيارة إلى حد ما
يبدو أن لك خبرة كبيرة مع الصغار .. فالطفل لم يسكت مع أمه وسكت معك
الشاب ضاحكاً من ملاحظة العجوز .. لدينا في المنزل جيش من الأطفال فلما لا تكون لي خبرة
العجوز .. ما شاء الله .. هل هم أخوتك ؟
الشاب .. لا يا جدي .. هم أبناء أخوتي فأنا أصغر أخوتي وجميعهم قد تزوجوا مبكراً حسب تقاليد العائلة .. لذلك فبيتنا مليء بالأطفال
السائق وقد شعر أن تيار من الهواء البارد بدأ يدخل السيارة .. لو سمحت يا أستاذ أغلق النافذة حتى لا تعرضنا للمشاكل
الشاب .. لو سمحت أنت أخفض صوتك حتى لا يعرفوا أن النافذة مفتوحة
السائق وقد أخفض صوته .. فعلتك هذه ستعرضنا جميعاً للخطر .. أرجوك أغلق النافذة قبل أن يراها الجنود
الشاب .. يا سيدي صعب أن يروا النافذة من ناحيتي ..كما أن بخار الماء الذي تكون على الزجاج المواجه لهم يصعب عليهم رؤيتنا .. عد أنت للنوم وحاول أن تخفض صوتك حتى لا ينتبه الجنود .. وليت الأستاذ الذي يجلس بجوارك يقوم بفتح جزء بسيط من النافذة التي بجواره
العقيد .. أرى أنك بدأت توجه الأوامر وكأنك القبطان ..أنسيت أنك سبب ما نحن فيه
الشاب مستغرباً .. وما دخلي أنا بما حدث ؟!!
العقيد .. لقد رأيت نظراتك الاستفزازية وأنت تنظر لذلك الضابط بتحدي أثناء التفتيش .. وأنا متأكد أن نظراتك تلك هي سبب ما نحن فيه
الشاب .. أخيراً وجدت سبب ما نحن فيه !!.. وما يدريك أنها نظراتي .. ربما هي أنفاسي أو لعلها أمي التي أنجبتني .. ثم قال ساخراً .. أعتقد أن المشكلة في أبي .. فلولا أنه تزوج أمي ما أنجبتني لأكبر ثم أصعد في هذه السيارة فيحجزوها
ضحك الصبي في الكرسي الخلفي من حديث الشاب وبدا أنه تشفى في العقيد ثم قال : أيضاً في هذا الحق عليك يا أخي .. فلو كنت رفضت زواج والدك من أمك لما حدث ما حدث
لكزت العجوز الصبي بيدها كي يصمت .. فاستدار الشاب إليه مازحاً
صدقني يا أخي لم يستشيرني أحد في هذا الزواج فلقد تم دون علم مني
أفلتت ضحكة من سمر رغماً عنها حاولت أن تخفيها بسعال مصطنع .. ولكن السائق لمحها في المرآة فقال :
جيد أن الأخت تعرف الضحك فقد كنت أظن أنها لا تسمع لأنها لم تتحدث بكلمة واحدة طيلة الوقت بالرغم من أن ما نحن فيه وما سيحدث متوقف كله عليها
كاد قلب سمر أن يتوقف بعد حديث السائق .. فعلى ما يبدوا أنها بداية المساومة على تنفيذ الشرط .. وما هي لحظات حتى اسودت الدنيا في عينيها خاصةً والعقيد قد تدخل في الأمر بمحاضرة طويلة عن العقلانية والانحناء للعاصفة و تنازل بسيط لن يضر
حاول العقيد وهو يتحدث مع السائق أن يقنع الفتاة قائلاً :
يمكنهم أن يفعلوا هذا من باب التمثيل كما يحدث في الأفلام .. وهذا لن يضرهم في شيء خاصةً ونحن نعرف أنهم مجبرين عليه وليس بإرادتهم
كان هذا ما تخشاه سمر .. فهاهي خطة الصهاينة الأوغاد تؤتي ثمارها بأول محاولة ضغط غير مباشرة كي تنفذ الشرط .. لم تستطع سمر الواثقة من نفسها والتي حسبت نفسها أقوى من ذلك بكثير أن ترد على كلمة واحدة من حديث العقيد للسائق .. وللوهلة الأولى شعرت أن ضعفها أكبر مما تصورت والذي بدا وضاحاً في دموعها التي بدأت تنساب من عينيها رغماً عنها .. خاصةً والعجوز الذي وقف معها في بداية الأمر صمت ولم يرد على كلمة واحدة من الحديث الدائر بين العقيد والسائق الذي يؤيده في كلامه
لكن الشاب الذي شعر بدموع سمر المطرقة رأسها وهي تتساقط في صمت على حقيبتها أراد أن يضع حداً لهذا الحوار فقال :
وفروا حديثكم هذا وانزعوا فكرة أن نقوم بإذلال أنفسنا بأيدينا .. فهذا لن يحدث حتى لو كانت نهايته الموت
تفاجئ الجميع من كلمات الشاب التي خرجت حاسمة وحازمة .. فخاطبه العقيد بنبرة ود قائلاً له :
يا بني .. نحن مغلوبون على أمرنا وطيلة الوقت أحاول أن أتصل بأحد دون جدوى لعله يجد لنا مخرجاً من هنا .. ولكن يبدو انهم يضعون جهاز للتشويش على الاتصالات في هذا المكان .. فلا تظن أننا نستسهل الأمر ونطالبكم بتنفيذه لمجرد أنهم طلبوا ذلك .. فنحن الآن لم يعد أمامنا خيار إلا أن ننهي هذه المأساة بأي طريقة
الشاب .. المأساة هي أن نستجيب للذل ونتعامل معه وكأنه جزء من يومياتنا فُرض علينا .. فأي معنى لهذه الحياة إن كنا نعيشها مغمسة بالذل .. و ثق تماماً أن ما يطلبه هذا الحقير لن يكون آخر المطاف .. فما ستتعود عليه اليوم وتعتبره أمر مفروض عليك .. سيجبرك أن تزيد عليه كي يشعر بإذلالك أكثر
العقيد .. أنت شاب .. وما يدفعك لقول هذا حمية الشباب كما أنك قادر على تحمل الوضع المفروض علينا .. ولكن .. ماذا عن هذه الأم المسكينة وطفلها المريض .. ماذا عن الرجل العجوز وزوجته الكبيرة في السن .. بعد قليل ستجد هذا الصبي يطلب الذهاب إلى الحمام .. وهذه الفتاة التي خرجت لجامعتها سيسأل عنها أهلها ويقلقون إن تأخرت أكثر من ذلك .. كل ما أطلبه منك قليلاً من العقلانية .. وأن تنظر للأمور نظرة مستقبلية
قاطعه الشاب قائلاً : .. نعم .. نظرت نظرة مستقبلية .. فوجدت أن حياة الذل
تعليق
-
قاطعه الشاب قائلاً : .. نعم .. نظرت نظرة مستقبلية .. فوجدت أن حياة الذل والهوان هي الموت الحقيقي .. ولذلك لن أقبل بهذه الحياة حتى لو فُرضت علي .. فالموت بكرامة أفضل من حياة نتجرع فيها مرارة الذل .. فكيف بهذه الحياة ونحن ننساق فيها كي نذل أنفسنا بأيدينا .. ألا تعساً لهذه الحياة ومن يرضى بها
العقيد وكاد بلغ به الغضب مبلغه
كنا نقول حديثك هذا أيام الشباب .. ولكن التجربة أثبتت لنا أننا لو جارينا الأمور بعيداً عن هذه الشعارات لكان أفضل لنا .. وما تسميه الآن إذلال ستطلق عليه غداً صلف الاحتلال وغطرسته .. فنحن لا نملك من أمرنا شيئا وما نحن فيه فُرض علينا رغما عنا لا بإرادتنا
السائق وقد اقتنع بحديث العقيد .. فقال للشاب :
يا بني لا تعقد الأمور أكثر مما هي معقدة واستمع لرأي سيادة العقيد فهو لديه خبرة بالحياة أكثر منك .. ثم أن …
قطع السائق حديثه حين تحركت ناقلة الجند التي تقف أمام السيارة ودخلت سيارة أجرة جديدة إلى منطقة الحلابات للتفتيش
صمت الجميع وهم يراقبون الجنود الذين اتخذوا وضع الاستعداد بحماية أنفسهم خلف مكعبات الأسمنت مصوبين بنادقهم نحو السيارة الأخرى .. بينما نزل منها الركاب واحداً تلو الآخر وجميعهم يرفعون أيديهم فوق رؤوسهم استجابةً للنداء عبر مكبر الصوت
قام الجنود بتفتيش السيارة الجديدة بنفس الأسلوب.. وبعد أن تأكدوا أن السيارة وركابها خالية من أي مطلوبين أو مسلحين خرج الضابط من مكانه الحصين يتحدث مع سائق السيارة الأخرى بعد أن عاد الركاب إليها
بعد قليل نزل راكب من السيارة يبدو على مظهره وهندامه انه محاضر في الجامعة .. ثم توجه إلى ناقلة الجند المصفحة وهو يرفع يده إلى أعلى .. فطلب منه أحد المتواجدين في الناقلة عبر مكبر الصوت أن يقوم بتنظيف الدبابة بملابسه
حاول الرجل الذي لم يكن صوته مسموع أن يتفاهم مع قائد الناقلة ولكن الأخير وجه مدفعه الرشاش نحوه وقام بإطلاق صلية من الرصاص بالقرب منه على الأرض جعلت ركاب السيارتين يخفضون رؤوسهم ويحتمون ببعض من الرصاص
رفع ركاب السيارة رؤوسهم بعد أن توقف إطلاق النار ليجدوا أن زجاج السيارة الأمامي قد تكسر بالكامل بسبب الحصى الذي تناثر جراء إطلاق الرصاص ... وحين وجهوا أنظارهم نحو الرجل الذي ارتمى أرضاً ظنوا في البداية انه قد مات .. ولكنه قام حين صرخ به الجندي عبر مكبر الصوت لينفذ ما أمره به … فقام وخلع جاكيت بدلته واقترب من الدبابة العملاقة وبدأ يمسح ما تطال يده بها وسط ضحكات الجنود وسخريتهم
تناولت الأم من الشاب طفلها الذي استيقظ مفزوعاً على صوت الرصاص واحتضنته بلهفة مشفقةً عليه .. بينما انهمك السائق والعقيد بإزالة زجاج السيارة الذي تناثر عليهما .. وبالرغم من استياء السائق لما حدث لسيارته إلا أن الجو في السيارة تحسن كثيراً بعد أن سقط زجاج السيارة الأمامي بكامله
انطلقت اللعنات والشتائم والدعاء على اليهود من ركاب السيارة في همهمة ساخطة منخفضة ..كان جميعهم ينظرون بإشفاق إلى ذلك الرجل الذي يحاول جاهداً تنظيف الدبابة ببدلته من أكوام الوحل العالق بها
استمر المشهد ربع ساعة ثم طلبوا منه أن يعود للسيارة .. وبسبب ارتباكه .. أخطأ في السيارة وتوجه ناحية السيارة الأخرى مما جعل الجنود يضحكون أكثر .. فقال له أحدهم عبر مكبر الصوت إلى السيارة الأخرى يا###
شعرت سمر بشعور الرجل الذي بدت عينيه غارقة في الدموع حين اقترب من السيارة .. وكان واضحاً عليه تأثير الجرح العميق الذي مُنيت به كرامته حين امتهنها الجبناء المختبئين حلف دروعهم ورشاشاتهم الثقيلة
الآن فقط عرفت سمر شعور من يفجر جسده وسط الصهيانة
والآن فقط عرفت أن كل ما كان يُقال عن جرائمهم وخستهم لم يكن يوفيهم حق وصفهم
كم تمنت سمر أن يكون لديها حزام ناسف تفجر به نفسها فيهم وتفجر غضبها وحنقها معه ..
كانت تشعر أن كل خلية في جسدها تريد الانفجار غضباً وحنقاً وكرهاً .. ولقلة حيلتها وضعفها.. لم تجد نفسها ودون رغبةً منها إلا أن تضع يدها على وجهها وتنفجر باكية بمرارة لم تشعر بها في حياتها من قبل
يبدو أن بكاء سمر قد أثر في المرأة التي تجلس بجوارها فحاولت أن تخفف عنها ولكنها انهارت بدورها في البكاء تماماً كما فعلت العجوز
حاول العقيد مرةً أخرى أن يروج لفكرته في إنهاء الأمر وكان يضرب المثل بالرجل الذي نفذ ما طلبوه منه وهاهو الآن خارج الحاجز وبين أبناءه
طلب منه الشاب بغضب أن يصمت أو يذهب للجنود ويعرض عليهم أن يرقص عارياً بديلاً عن طلبهم السابق مما جعل العقيد يستشيط غضباً ويلتفت كي يضرب الشاب ولكن الشاب امسك يده واعتصرها بقبضته قائلاً له بحزم : إياك أن تجرب هذا معي
لم يكن أمام العقيد إلا الاستجابة والسكون خاصةً وقد شعر بالألم الشديد في يده وكأن قبضة من حديد قد أطبقت على معصمه
السائق .. ألا ترون أننا في موقف لا يسمح لنا بالشجار
الشاب .. قل لعقيدك هذا الكلام فهو يريدنا أن ننفذ ما يطلبه منا الجنود حتى لو استخدم معنا القوة لنستجيب لعقلانتيه
السائق .. يا بني أنت مازلت صغيراً ولا تعرف في الدنيا كما نعرف نحن
ونحن في سنك كنا مثلك ولم نكن نلتفت لنصائح الأكبر منا .. ولكن بعد أن كبرنا تبين لنا أن رأي الكبار أفضل من عنفواننا وجلدنا
قاطعه العجوز الذي كان يغالب النعاس موجهاً حديثه للسائق : .. بما أني أكبر منكما فأنا أقول لك أن الشاب معه حق في كل كلمة قالها .. واقترح عليكما إن كنتما لا تصبران .. أن تطلبا من الضابط أن ترقصان عاريين أو تنظفا لهم الأحذية
السائق مقاطعاً .. يا شيخ إن كانت لديك كلمة حسنة فقلها أو اصمت
ثم تابع السائق حديثه قائلاً : .
اقسم إن طلب مني ذلك لفعلت .. أنت لا تقدر الظرف فنحن في مكان حياتنا فيه بلا قيمة .. ويمكنهم ببساطة أن يقتلونا .. وما أسهل أن يلفقوا الأسباب التي ستتناقلها وسائل الإعلام وكأنها حقائق دامغة .. يا بني حين قال الضابط أننا سنبقى هنا يوم أو يومين أو أسبوع فهو لم يتحدث من فراغ .. بل هو يعني ما يقول ..فلا أحد يحاسبه هنا
العقيد .. الأسبوع الفائت قتلوا على الحاجز طفلة وهي في حضن أمها وتناثرت دماغ الطفلة على الركاب وأمها التي كانت ذاهبة لتسجلها في المدرسة لأول مرة .. وعلى الرغم من هذه الجريمة وفظاعتها .. لم تكن إلا مجرد رقم مع الشهداء أو جملة تمر في شريط الأخبار
احتضنت الأم التي سمعت كلام العقيد طفلها الصغير وازداد خوفها عليه لمجرد تصورها هذا المشهد
الشاب .. ألا تكف عن هذا الأسلوب .. هل سيتأخر أجلنا أو يتقدم لمجرد أن نستجيب لهم أو نرفض .. اعلم أيها العقيد أننا جميعنا سنموت في وقت معلوم ومحدد .. ولكننا مُخيرين إما أن نموت بشرف أو نختار ميتة الجبناء
العقيد .. وماذا تقترح علينا أن نفعل أيها المتحذلق المتحمس ؟
الشاب .. أقترح أن نصبر و ندعو الله على يقين بأن يخرجنا من هذه المحنة .. واعتبروا أن ما يحدث لنا هو مجرد ابتلاء بسيط بالنسبة لما يحدث لنساء وأطفال ورجال وشيوخ في المعتقلات والسجون .. ترى .. هل لو كنت معتقلاً وطلبوا منك أن تتعاون معهم مقابل خروجك من المعتقل الذي هو أسوأ بألف من مرة من حالنا هل كنت ستقبل ؟!
العقيد .. لا تفلسف الأمور فهذه ليست كتلك
الشاب .. بل هذه تؤدي إلى تلك .. وأنت وأمثالك أكثر الناس معرفة بهذا الأمر
طال الحديث بين الشاب والعقيد وانتهى وكلاهما لم يقنع الآخر بوجهة نظره .. ولكن السائق التقى مع العقيد في حوار طويل اختلط فيه صديد الفكر الواهم بصدأ العقول في حديث تناول قدرات اليهود وإمكانياتهم متجاهلين قدرة الله وإرادته ضمن عملية الحساب والتقدير
قطع العقيد والسائق حوارهما حين اقترب من السيارة عدد من الجنود بينهم الضابط يحيط بيده خصر مجندة تساويه في الرتبة
يبدو أن الملل قد أصابه أو أنه خسر الرهان مع جنوده فاقترب من السائق قائلاً بسخريته المقيتة :
أما زالت العروس ترفض منح حبيبها قبلة ؟
السائق برجاء .. صدقني أيها الضابط لن ينفذا هذا الطلب حتى لو متنا جميعاً .. فهذا عيب كبير في تقاليدنا والناس عندنا يفضلون الموت على أن يفعلوا مثل هذه…
قاطعه الضابط غاضباً هذه المرة .. ينفذان ؟!! .. من الذي ينفذان .. هل تقصد أن الشاب لن يسمح لها بتقبيله هو أيضاً ؟
العقيد .. لو سمحت يا كبتن .. أنا عقيد في السلطة وهذه بطاقتي ومعنا طفل مريض يجب أن يذهب إلى المستشفى الآن وعجوز مريض و…..
قاطعه الضابط قائلاً له : أخرس .. لا تتحدث بدون إذن .. ثم وجه حديثه للمجندة بالعبرية فضحكت برقاعة وكأن الأمر قد راق لها لتقول للشاب :
ألا تعجبك الفتاة ؟!! لماذا ترفض أن تقبلك .. هل هي فروسية العرب التي اندثرت أم هو الخجل
لم يرد الشاب على المجندة وبدا وكأنه لم يسمع شيئا مما جعلها تسأل السائق هل هو أصم ؟
نظر السائق إلى الشاب .. ثم قال للمجندة إنه يصلي فقد فات موعد صلاة الظهر
المجندة .. ولماذا لا تصلي أنت أيضاً ؟ .. أم أن له دين غير دينكم
السائق محاولاً تلطيف الجو مركناً على رتبة المجندة وكأنها قالت نكتة فقال :
.. لا لا .. هو نفس الدين .. ولكن يمكننا أن نصلي في أي وضع لو كنا مسافرين .. وكذلك يسمح لنا ديننا بأن نجمع بين الصلوات لو كان هناك ظروف
المجندة .. تسأل الضابط بالعبرية .. أليست صلاة المسلمين فيها حركات مثل .. وبدأت تُقلد بسخرية حركات المسلمين في الصلاة وسط ضحكات الجنود
انتهى الشاب من صلاته وأثناء تسليمه لمح سمر التي وضعت يدها على وجهها وكأنها غارقة في نوبة بكاء لا تنتهي
فسأله الضابط ما اسمك
الشاب .. اسمي عندكم في البطاقة
المجندة .. هل أنت حماس
الشاب .. لا
المجندة .. حسناً .. يمكنني أن أقنع رافي بتغيير الأدوار وبدلاً من إن تقبلك هي .. قبلها أنت .. ولا أظن أنها ستمانع خاصةً وأنت شاب وسيم
الشاب .. أولاً هي لن تسمح لي بهذا .. أما عن نفسي .. فما من قوة على الأرض يمكنها أن تجبرني على أن أفعل شيء كهذا ..فوفروا على أنفسكم طول الانتظار واذهبوا بمطالبكم القذرة إلى الجحيم
يبدو أن المجندة لم تفهم ما قاله الشاب.. ولكنها شعرت من تعبيرات وجهه أنه يشتمها فسألت الضابط أن يترجم لها فقال لها
لم أفهم أنا أيضاً
فأخبرها السائق أنه لم يقل شيء سوى أنه لن ينفذ شرطكم
لم تقتنع المجندة بكلام السائق .. فنادت على أحد الجنود والذي يبدو عليه أنه درزي فقالت للشاب : أعد ما قلته أمام زياد لو كنت رجلاً حقاً
اقترب زياد الدرزي من السيارة سائلاً الشاب بخشونة
مالذي قلته قبل قليل ؟
لم يكترث الشاب بسؤال الجندي الدرزي .. فقال لها نفس الجملة السابقة ولكن هذه المرة بعبرية سليمة ثم زاد عليها أكثر .. مما جعل السائق يرجوه أن يصمت
التفت الضابط إلى جنوده قائلاً
مرحا مرحا .. يبدو أننا وقعنا الليلة على صيد من النوع العنيد .. لن تكون هذه الليلة مملة كالليلة السابقة .. ثم وجه حديثه للشاب طالباً إياه أن ينزل من السيارة رافعاً يده لأعلى
نزل الشاب من السيارة وكل البنادق التي بحوزة الجنود مصوبة نحوه .. فطلب منه الضابط وهو يصرخ أن يرفع يده لأعلى ويتقدم نحوهم .. وضع الشاب يده فوق رأسه ودار حول السيارة ليتقدم نحو الجنود .. ثم صرخ فيه الضابط بأن يتوقف
توقف الشاب وهو يتمتم بكلمات سمعها الضابط ولكنه لم يفهما .. فقال له : ماذا تقول ؟
الشاب .. دع الكلب الدرزي زياد يترجم لك هذه المرة
استشاط زياد غضباً وهرول نحو الشاب وهو يسبه ويشتمه .. ولكن الضابط استوقفه وطلب منه أن لا يقترب منه .. وبالرغم من استفزاز الشاب للجندي الدرزي بشتائم أخرى إلا أن الدرزي لم يتحرك من مكانه .. بل تراجع للخلف وكأنه شاهد شيء في عين الشاب جمد الدماء في عروقه
طلب الضابط من الشاب بعصبية أن يدير وجهه نحو السيارة ويرفع ملابسه لأعلى .. فأدار الشاب وجهه باتجاه السيارة … ولأول مرة تشاهد سمر وجه الشاب بوضوح .. ولكنها شعرت أن هذا الوجه لم يكن غريباً عليها وأنها شاهدته من قبل ولكنها لا تذكر أين
بدأ الضابط يصرخ في الشاب وقد زادت عصبيته أكثر طالباً منه أن يرفع ملابسه لأعلى
كان واضحاً من أن العناد قد بلغ بالشاب مبلغه .. فأنزل يده من فوق رأسه وهو ينظر إلى السماء بشموخ وكبرياء .. وبدلاً من أن يستجيب لصراخ الضابط الذي يأمره برفع ملابسه لأعلى .. التفت إليهم بتحدي غير عابئ بتهديده واضعاً يده بجانبه كأنه أسد أحاطت به عشرات الضباع المذعورة
توقف المشهد على هذا الحال نصف دقيقة .. وكلما زاد صراخ الضابط وعدم مبالاة الشاب .. أيقن الجنود أن خطر ما سيحدث فيتراجعون أكثر نحو دروعهم مصوبين بنادقهم نحو الشاب الذي ظل واقفاً مستهتراً بهم
أطلق الضابط باتجاه الشاب رصاصتين تحت قدميه .. ولكنه لم يتحرك حركة واحدة .. لم يكف الضابط الذي جن جنونه عن الصراخ وهدده إن لم يفعل ما يأمره به سيقتله فوراً ثم أعقب تهديده برصاصتين ثم بصلية طويلة جعلت ركاب السيارة يصرخون من الخوف ثم انتهى الأمر بصلية أخرى أطول .. ولكنها هذه المرة أصابت جسد الشاب فسقط فوراً على الأرض وأصيب أحد إطارات السيارة برصاصة ومرت رصاصة من النافذة بجوار السائق كسرت النافذة الأخرى بعيداً عن رأس العقيد بسنتيمتر واحد بينما استقرت رصاصتان في مؤخرة السيارة
رفع الركاب رؤوسهم مرةً أخرى بعد انحنائهم يتفقدون أنفسهم .. باستثناء سمر التي لم تنحني فقد جمدها المشهد في مكانها .. فأخذت تنظر من نافذة السيارة نحو جسد الشاب الملقى على الأرض تمني نفسها أن الرصاص لم يصبه .. وأنه انبطح أرضاً كي يتفادى الرصاص .. ولكن بقعة الدماء التي شاهدتها بجوار جسد الشاب الملقى على الأرض جعلتها توقن أنه أُصيب فعلاً
وما أن شاهد الصبي الدماء حتى بدأ يكبر وكذلك العجوز وزوجته واختلط البكاء بصوت التكبير ومازلت سمر تتسمر في مكانها تنظر لبقعة الدماء التي بدأت تكبر أكثر وأكثر
توقف المشهد على صراخ وتكبير وبكاء الركاب .. بينما ظل الشاب مُلقى على الأرض دون حراك ينزف الدماء
تقدم الضابط نحو السيارة مطلقاً رصاصة في الهواء ثم صرخ في الركاب بأن يصمتوا
بعد أن ساد الصمت داخل السيارة .. ألقى الضابط بطاقات الركاب في وجه السائق طالباً منه أن يغادر المكان فوراً مهدداً إياه بأنه سيقتل كل من في السيارة إن بقيت دقيقة واحدة
تحركت السيارة لتغادر وكر الأفاعي بإطارها المثقوب كقارب عجوز يترنح بين الأمواج بشراع مكسور
لم يتوقف بكاء الركاب وحسرتهم على الشاب طيلة وقت المسافة التي قطعتها السيارة كي تخرج من هذا الحاجز اللعين .. وما إن خرجت السيارة من طرف الحاجز الآخر حتى أوقفها السائق فهو لن يستطيع المسير بها أكثر من ذلك
على الطرف الأخر من الحاجز تجمعت عشرات السيارات في طابور طويل امتد لمئات الأمتار .. غادر الركاب السيارة حاملين صدمتهم وتجربتهم المريرة مع الحاجز وتفرقوا بين زحام السيارات التي تنتظر دورها لعبور الحاجز نحو الجنوب
قبل أن تبتعد سمر عن السيارة ناد عليها السائق .. وأعطاها هوية الشاب و الكتب التي كانت بحوزته .. طالباً منها أن تبحث عن أهله بما أنهما صعدا السيارة من منطقة واحدة
لم تمانع سمر من قبول المهمة بالرغم من صعوبتها .. وقبل أن ينه السائق حديثه كانت يدها تمتد لتناول منه متعلقات الشاب كمن يتسلم شيء مقدس بالغ الأهمية
تركت سمر السائق ومضت في طريقها تبحث وسط عشرات السيارات المتوقفة عن مكان شاغر كي تعود إلى بيتها حتى وجدت إحدى الحافلات المتوقفة فصعدت إليه لتبدأ رحلة جديدة من العذاب نحو حاجز الموت
ما زالت الصدمة تؤثر على سمر التي تحجرت عيناها بالرغم من رغبتها الشديدة في البكاء .. ومع أن حالها قد لفت نظر إحدى النساء التي دفعها الفضول كي تسألها عن حالها .. لكن سمر لم تكن في وضع يسمح لها بأن تُجيبها أو تتحدث بكلمة واحدة بسبب تأثير الصدمة
كل شيء توقف فجأة عند سمر لدرجة أنها لأول مرة تعرف المعنى الحقيقي لكلمة عجز .. وتأكد لها أنها بين قاب قوسين أو أدنى من الجنون أو أن شللاً سيصيب دماغها الذي تزاحمت به الأفكار في صراع داخلي يدفعها دفعاً نحو الانهيار .. كانت تستغرب وتندهش بشدة لمجرد أنها تسمع أي شخص من الركاب يضحك و كأنه يرتكب أكبر الكبائر أمام الناس دون أي حياء وخجل .. لدرجة أنها شعرت بوحدة شديدة وأن كل هذا العالم أصبح ضدها .. وكلما تمادى تفكيرها نحو هذا الاتجاه أكثر.. تسود الدنيا في عينيها أكثر
زادت عصبية ركاب الحافلة بسبب طول الانتظار وعلت الأصوات من هنا وهناك كل مجموعة تتحدث في أمر ما بصوت أعلى من المجموعة الأخرى لدرجة أن سمر كادت أن تصرخ في الجميع بأعلى صوتها كي يكفوا عن الضجيج
ولكن في هذا الوقت بالذات قفزت في مخيلتها جملة كتبها الشاب على دفتره التي تحمله بين يديها الآن.. فقالت في نفسها ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) وبدأت فعلاً تتلو في سرها آيات من القرآن لطردت كل الأفكار السوداء التي كادت أن تفجر عقلها
لم تصدق سمر نفسها حين عادت إلى البيت .. ولم تكن تعرف أصلاً كيف قطعت المسافة من الطريق العام إلى منزلها .. ومن الذي رآها حين دخلت غرفتها .. وما إن ألقت بنفسها على السرير حتى غرقت في نوبة بكاء لا تنتهي
استيقظت سمر لحظة آذان الفجر كعادتها وما إن همت بالنهوض من فراشها حتى شعرت أن كل خلايا جسمها تصرخ ألماً .. مما جعلها تتراجع عن فكرة النهوض فظلت جالسة في فراشها .. و أدهشها كثيراً حين وجدت أختها الصغرى تنام بجوارها على غير عادة .. وأدهشها أكثر التاريخ الموجود تحت الساعة وكمية الأدوية الكثيرة التي بجوارها .. كل هذا دفعها بأن توقظ أختها التي تنام معها على نفس السرير .. ولكنها شعرت أيضاً أن حجراً ثقيلا يُعيق حركة لسانها .. فمدت يدها نحو أختها كي توقظها ففاجأها أكثر محلول الجلوكوز والإبرة المغروسة في ذراعها .. مما جعلها تسرع في إيقاظ أختها وما إن فعلت حتى قبلتها أختها وخرجت مسرعة من الغرفة تنادي على والدها
بعد أن علمت سمر أنها بقيت غائبةً عن الوعي أكثر من أسبوعين دون أن يعرف أحد سبب علتها باستثناء تخمين أحد الأطباء بأن ما حدث كان نوعاً من الانهيار العصبي بسبب صدمة عصبية أو حدث كبير تعرضت له .. ازدادت دهشتها أكثر وبدأت تبحث عن تفسير لما حدث أو تحاول أن تتذكر ما هو الحدث الذي سبب لها هذه الصدمة
كانت سمر في وضع غاية في الضعف بسبب الألم الذي تشعر به في جسمها وحركة لسانها الثقيلة وعينيها التي ألمهما الضوء .. حتى ذاكرتها بدت لها ضعيفة فهي لا تذكر شيء على الإطلاق
وبعد أن أخبرها والدها بأن هذه الحالة بدأت معها حين عادت من غزة .. قفزت كل ذكريات الحدث التي عاشته يومها دفعةً واحدة في ذهنها .. مما جعلها تُلقي بنفسها في حضن والدها وتغرق في نوبة بكاء شاركاها أختيها فيه دون أن يعلما ما هو السبب
أشعرها قرب والدها وأختيها منها بالأمان .. وهدأت أكثر حين بدأ والدها يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ماسحاً على رأسها وهو يتلو آيات من القرآن بصوت يغالب فيه نفسه عن البكاء
بعد أن هدأت سمر وحكت لوالدها وأختيها عن ما حدث لها في حاجز محفوظة بدت الدهشة على وجوه الجميع حين قال لها والدها بأن الشاب صاحب الهوية لم يمت وحتى أنه لم يُصاب .. وأدهشها أكثر حين قال لها أنه سأل عن الشاب عن بعد وأنه لم يجد أي شخص يزكيه بكلمة حسنة
فهمت سمر من والدها أنهم حين وجدوا الهوية في حقيبتها أصاب والدها القلق وقام بالسؤال عن صاحب الهوية فوجده شاب مستهتر لا تنطبق عليه كلمة واحدة من أخلاق الشاب التي ذكرتها سمر .. بل أنه لم يكن من سكان هذه المنطقة ولكن من وسط المدينة
فهمت سمر أن خلالاً ما قد حدث بشأن الهوية ولكنها لم تصدق ولو للحظةٍ واحدة أن الوصف الذي قاله والدها عن صاحب الهوية يمكن أن ينطبق على أخلاق الشاب الذي قتله اليهود أمام عينيها .. وبالرغم من أنها حاولت أن تعرف أي شيء عن ما حدث من خلال متابعة كل صفحات الجرائد التي صدرت أثناء غيبوبتها .. وتابعت أيضاً كل أسماء الشهداء الذين سقطوا في تلك الفترة ولكنها لم تصل إلى أي شيء يوصلها لحقيقة ما حدث
في مستشفى الشفاء بغزة
هل هو بخير ؟
الطبيب ..نعم .. لقد تخطى مرحلة الخطر وحين أفاق من غيبوبته اتصلنا بكم
ولكن لماذا لم تتصلوا بنا طوال هذه الفترة ؟
الطبيب .. لقد أحضرته سيارة الإسعاف منذ أسبوعين من على الحاجز غائباً عن الوعي و في حالة خطرة للغاية بسبب الدماء الكثيرة التي نزفها .. ولم نتعرف على اسمه إلا حين أفاق وأخبرنا هو بنفسه .. لأنه عندما وصلنا لم يكن معه ما يُستدل به على هويته
هل أستطيع أن أراه الآن ؟
الطبيب .. نعم يمكنك ذلك فقد زال عنه الخطر وحالته تتحسن بسرعة .. ولكن لا ترهقه كثيراً
كيف حالك اليوم يا حسام .. أخيراً جاء من يسأل عنك
حسام .. الحمد لله على كل حال
بعد أن غادر الطبيب ..كان اللقاء مؤثر جداً بين حسام وأخيه الذي لم يره منذ أن حدث له ما حدث في الحاجز .. وبعد أن حكى حسام باختصار لأخيه ما حدث ... سأله عن والدته و والده .. فأخبره أنهم لم يعلموا أي شيء عنه حتى هذه اللحظة كما أن والدته كانت تشعر بأن شيئاً قد حدث له مما تسبب في تردي وضعها الصحي .. وعلى الرغم من القلق الكبير الذي عاشته العائلة طوال أكثر من أسبوعين بسبب انقطاع أخباره .. إلا أن الجميع اتفق على أن يتم السؤال عنه في أضيق الحدود حتى لا تُثار أي شبهة حول اختفاءه
دخل الطبيب إلى الغرفة موجهاً حديثه لحسام بأن لا يتحدث كثيراً حتى لا يزول تأثير المسكن بسرعة ولكن حسام رجا الطبيب بأن يسمح له بالتحدث في الهاتف كي يكلم أمه بنفسه ويطمئنها .. ولكن الطبيب أصر على رفضه لعدم جواز استخدام الهاتف في غرفة العناية المركزة
طلب حسام من أخيه أن يحكي فقط لصديقه عمر عن ما حدث .. وشدد على أن يبقي أمر وجوده داخل المستشفى سراً حتى لا يتسرب الخبر إلى أمه قبل ان يحدثها هو بنفسه فيطمئن قلبها .. فهو يخشى عليها من الصدمة لو نقل أحداً لها الخبر دون أن تسمع صوته
بعد أن خرج أخو حسام من غرفة العناية المركزة سأل الطبيب عن حال أخيه بالتفصيل .. فأخبره أنهم استأصلوا له إحدى كليتيه وأخرجوا من جسده سبعة رصاصات .. ولكنه طمأنه أن بنيان جسمه سيساعده على التماثل للشفاء بسرعة كما أنه يتوقع أن يقرر الأطباء غداً خروجه من غرفة العناية المكثفة
في اليوم التالي خرج حسام بالفعل من غرفة العناية المركزة ولم يمر الكثير من الوقت حتى زاره أحد أصدقائه من غزة برفقة شاب آخر لا يعرفه
تهللت أسارير حسام حين رأى صديقه أيمن وكاد أن ينهض كي يعانقه ولكنه بقي في مكانه بسبب الألم الذي شعر به
كان لقاء حسام بأيمن حميم وغير عادي تبادلا فيه كعادتهم النكات .. ومع كل سؤال يطرحه أيمن .. كانت نظرات حسام تتنقل بتساؤل بينه وبين الشاب المرافق لأيمن .. حتى فهم أيمن هذه النظرات فقال :
أعرفك بأخيك في الله الأخ طارق حميد من مخيم النصيرات وهو أحد رجال كتائب القسام الذين نركن عليهم في المهمات الصعبة
بدا الحرج على وجه طارق وقبل أن يعلق واصل أيمن حديثه قائلاً :
وهذا أخوك في الله حسام أحد أفراد وحدة مكافحة الإرهاب القسامية
طارق ضاحكاً .. أول مرة أسمع بأن هناك وحدة مكافحة إرهاب تابعة للكتائب .. هل تقصد أن مهمتها تفريق المظاهرات
حسام .. الآن عرفت أنك من الفريق حقاً .. فروح الدعابة وباء يُصيب كل من يدخل الفريق القسامي
أيمن موجهاً حديثه لطارق .. الحقيقة أنه تم تأسيسها حديثاً ولكن ليس لتفريق المظاهرات .. فنحن نطمح أن تكون عملياتها من النوع الذي يصنع المظاهرات وخاصةً مظاهرات الفرح والبهجة
طارق .. نسأل الله تعالى أن تكون أعمالنا خالصة لوجهه تعالى
حكى حسام لأيمن ما حدث معه بالتفصيل في الحاجز وكان طارق يتابع باهتمام بالغ وكأنه يقرأ الحروف من فم حسام قبل أن يسمعها
طارق .. حين كنت داخل الحاجز ألم تلاحظ أي ثغرة يمكن النفاذ منها لتنفيذ عملية
حسام .. للأسف الموقع محصن بصورة مبالغ فيها وكل مرة كنت أمر منه أحاول أن أجد ثغرة فيه ولكن دون جدوى .. وحتى حين أجد منفذ .. يكون العمل فيه صعب للغاية بسبب اتخاذ الجبناء من المسافرين عبر الحاجز دروعاً لهم
أيمن .. ولكن لماذا حاولت استفزاز الجنود بالرغم من أنك تعلم أن هذا ممكن أن يعرضك لكشف هويتك الحقيقية
طارق .. هل الأخ حسام مطلوب ؟
حسام مجيباً على تساؤل طارق .. ليس بالضبط ولكن بسبب التحركات وبعض الظروف التي مرت بي تستطيع أن تقول أني ورقة محروقة في منطقتي وهذا يعطيك مؤشر أن الصهاينة قد يكونون على علم بما نفعل لذلك استخدم هوية مزيفة إذا دعت الحاجة للذهاب إلى غزة
أيمن .. وبدلاً من أن تحافظ على هويتك المزيفة قمت بهذا العمل الذي لولا إرادة الله لكنت الآن إما من الشهداء أو من الأسرى
حسام .. مشهد عشرة جنود يقفون أمامك دون دروع أو دبابات مغر للغاية .. فهذا المشهد لا نراه أبداً في القطاع .. لذلك خطرت لي فكرة أن استفزهم حتى أستطيع الاقتراب من أحدهم أو هو يقترب مني فأخطف سلاحه وتكون العملية جاءت لوحدها بدون أي تخطيط
طارق .. وهل سيكون لديك الوقت كي تجرد الجندي من سلاحه وتستخدمه ؟
حسام .. لم أكن أنوي تجريده من سلاحه .. كنت سأستخدمه وهو معلق في رقبته وسيساعدني وجوده بجواري على تلقي بعض الرصاصات نيابة عني حتى أكون أفرغت مخزن سلاحه فيهم واعتمدت كثيراً في خطتي على عنصر المفاجئة ولكن مع الأسف لم يقترب منهم أي واحد مني
طار ق .. فكرتك جيدة إلى حد ما ولكنها تحتاج لجسم قوي كي لا يتأثر بحركة الجندي الذي ستستخدم سلاحه حين يحاول أن يخلص نفسه منك
أيمن .. من هذه الناحية يمكنك أن تطمئن .. فحسام يتمتع بقدرات قتالية عالية كما أن جسمه قوي جداً .. ثم قطع حديثه وضحك ناظراً لحسام وقال .. أقصد كان قوي
حسام غامزاً .. لن يمر الكثير من الوقت مع طعام أمي حتى يعود أقوى مما كان
استمر الحديث بين حسام وطارق وايمن الذي رتب كل شيء بخصوص تواجد حسام في المستشفى وتطوع طارق الذي أعجبته شخصية حسام وارتاح له كثيراً بأن يلازمه في غرفته طوال فترة مكوثه في المستشفى
استطاع حسام أن يتحدث مع والدته على الهاتف وأخبرها أنه بخير وأنه سيغادر المستشفى قريباً .. وبالرغم من إصرار حسام على أن لا تأتي أمه أو أبيه من خان يونس إلى غزة بسبب الحاجز .. إلا أنها كانت تأتي دائماً بالرغم من ظروفها الصحية وكبر سنها
خلال مدة مكوث حسام في المستشفى توطدت العلاقة كثيراً بينه وبين طارق ونشأت بينهما صداقة حميمة للغاية من نوع فريد .. نوع قسامي
بعد أن تماثل حسام للشفاء أصر طارق أن يقيم عنده في البيت فترة من الوقت ولكن حسام أصر أن يبدأ بها طارق أولاً ثم يردها له فيما بعد
استطاع حسام أخيراً أن يعود إلى بيته واكتشف أن والده قام بتأثيث شقته التي بناها له كي يتزوج فيها .. كان حسام يعلم بنيته والده الذي يرى أن الرجل لا يصبح رجلاً مسئول عن تصرفاته إلا حين يتزوج .. وكان يعلم أيضاً أن والده غير راضي عن تصرفاته لأنه يعتبر ما يظن أن حسام يفعله هو شيء من التهور والاندفاع الغير محسوب عواقبه
كلف والد حسام أمه أن تقنعه هذه المرة بضرورة الإسراع في الزواج .. مشدداً على أنه سيغضب عليه إن لم ينفذ طلبه .. وحاولت الأم بدورها أن تقنع ابنها برغبة والده ورغبتها كذلك .. ولكن حسام كان يراوغ معها كعادته مما جعل الأب يتدخل بشكل مباشر
أخوتك تزوجوا كلهم وهم أصغر منك في السن .. وهاهم يعيشون سعداء مستقرين وكل فيهم لديه أسرة
حسام يرد على كلام والده .. أنا لا أمانع في الزواج ولكن ليس الآن .. بعد الجامعة على الأقل .. كما أن ….
الوالد مقاطعاً .. أي جامعة التي تتحدث عنها ؟.. أنت تدرس عام وتجلس دون دراسة عامين .. ثم حتى لو حصلت على الشهادة فماذا ستفعل بها وأنت لديك عملك .. أم أن العمل معي ومع أخوتك لا يروق لك
حسام .. على العكس تماماً .. حتى حين أحصل على الشهادة سأبقى أعمل معكم كما أنا ولكن ..
والد حسام مقاطعاً مرةً أخرى .. أنا اعرف ماذا يدور في رأسك وكل ما تقوله لن يقنعني .. وبالنسبة لي ستكون آخر مرة أتحدث معك في مثل هذا الأمر .. وثق تماماً أنها ستكون في أي أمر آخر .. لقد جهزت لك شقتك كما فعلت مع أخوتك وأفضل .. وليس أمامك الآن إلا أن تختار رضاي أو سخطي
ظل حسام صامتاً خشية أن يقول كلمة تُزعج والده .. ولكن والد حسام شعر أن حسام لم يقتنع بكلامه فخاطبه بنبرة الأب الخائف على ابنه قائلاً :
يا بني صدقني أنا أبحث عن مصلحتك ويهمني أمرك .. كما إني أخشى أن أموت دون أرى أبنائك .. أ كثير عليك لو نفذت لي هذا الطلب وأنت الذي كنت دائماً الابن البار المطيع ؟..
كان واضحاً من أن والد حسام مصمم هذه المرة على تزويج حسام خاصةً بعد ما حدث له .. فهو يشعر أن حسام يقوم بشيء ما يعرض حياته للخطر .. ويرى أن حسام لن يعقل عن طيشه إلا بالزواج
بعد انتهاء مناقشة حسام مع والده .. خرج من البيت لزيارة صديقه عمر الذي عرف بمجرد رؤية حسام أن هماً أو مشكلة تواجه حسام فسأله قائلاً : .. ما بك ؟
حسام .. أبي مصمم هذه المرة أكثر من أي وقت مضى على موضوع الزواج
عمر .. لا أعرف ما سبب رفضك لفكرة الزواج و وضعك يساعدك على تأسيس بيت وأسرة
حسام .. أنت تعلم أننا نتعرض للموت كثيراً فهل من هم في مثل حالنا يمكنهم أن يؤسسوا أسرة وهم يعلمون أن حياتهم دائماً في خطر
عمر .. و هل اطلعت على الغيب وعرفت ميقات أجلك ؟
تعليق
-
عمر .. و هل اطلعت على الغيب وعرفت ميقات أجلك ؟
حسام .. أعلم أن الأعمار بيد الله .. ولكن أن تربط حياتك المعرضة دائماً بالخطر بحياة إنسان دون أن يعرف أن هذا الارتباط سيعرضه هو أيضاً للخطر يعتبر أنانية .. وطبعاً من غير المعقول أن تقول لمن سترتبط بها أنك أحد أفراد الكتائب
عمر وهو يبتسم .. كلامك يعني أن كل المجاهدين المتزوجين أنانيين .. ولعلك تقصدني بحديثك
حسام .. طبعاً لا أقصدك .. فأنت حين تزوجت كان الجميع يعلم أنك مطلوب كما أن لكل واحداً منا ظروفه وحساباته
عمر .. وما هي حساباتك بالضبط ؟
حسام .. لا أخفيك سرا أنني أتسائل : لو أن الله رزقني بأطفال ثم استشهدت كيف سيكون حالهم وحال أمهم من بعدي ..أفكر في هذا كثيراً خاصةً حين أشاهد اليتامى والأرامل هنا وهم يقضون أيامهم أمام هذه الجمعية وأمام هذه المؤسسة كي يحصلوا على ما يسد رمقهم .. فأقول في نفسي : طالما أن وجهتي نحو الشهادة فلماذا أترك من يعاني من بعدي
عمر .. ليس أنت من تقول في نفسك هذا .. بل هو الشيطان حين يوسوس لك .. كأنك نسيت أننا نسير على نهج قدوتنا صلى الله عليه وسلم .. وهو القائل من رغب عن سنتي فليس مني .. أم نسيت أن قائد المجاهدين كان متزوج و يجاهد في الصفوف الأولى .. ثم أن كلامك هذا يعني أن الزواج والإنجاب يتوقف على القاعدين عن الجهاد ..ألم تقل قبل قليل لو أن الله رزقني بأطفال !!.. فمادمت تعرف أن الله رزقك إياهم .. أيليق بك وأنت تؤمن بالله أن تظن أن من خلقهم سينساهم
حسام .. أعترف أن الحق معك في كل كلمة قلتها .. ولكن كلما شاهدت هؤلاء اليتامى وما يؤول له حالهم …
عمر مقاطعاً .. اليتامى والأرامل في كل مكان .. في فلسطين وغيرها .. بجهاد وبدون جهاد اليتامى في كل مكان .. وكم من يتامى يعيشون في هذه الدنيا وأهاليهم مازالوا أحياء .. كما أن اليتم لا يقتصر على أبناء المجاهدين وحدهم دون غيرهم
عاد حسام إلى المنزل بعد حوار طويل مع عمر فوجد أمه مستيقظة في انتظاره تسأله عن ما حدث بينه وبين والده .. وانتهى الحديث مع والدته بقوله افعلوا ما تروه مناسباً
في الصباح كان والد حسام يبدو عليه الفرح والسرور .. ربما لأن زوجته أخبرته بموافقة حسام على فكرة الزواج فطلب منها أن تقوم بالبحث له عن عروس في أقرب فرصة قبل أن يُغير رأيه
لم يعد ذلك المشهد الذي كانت تراه سمر من نافذة غرفتها كما كان في السابق .. فكل شيء تغير في عينيها منذ ذلك الحادث على الحاجز .. فبدا لها المشهد أشبه بلوحة سريالية لونتها فرشاة الهذيان والقلق والصمت .. تنتحب فيها الألوان بعويل جدائل سعف النخيل ويحيط بها إطار التوجس الظنون
كانت تعي أن ما هي فيه مجرد تجربة وليس نهاية العالم .. ولكن في كل مرة تحاول أن تخلص نفسها من هذه الحالة تجد أن وحدتها وضعفها يزداد أكثر
وكان هذا الضعف هو أكثر ما تكرهه .. خاصةً وأن شعورا بالذنب تجاه ذلك الشاب الذي لم تعرف عنه أي شيء يلازمها باستمرار .. فكلما حاولت نسيان الأمر تقفز صورة ذلك الشاب في ذهنها لحظة أن تحدى الجنود ورفض الانصياع إلى أوامرهم .. وبالرغم من أنها تحاول أن تستمد من هذا المشهد شعوراً بالتحدي والصمود .. كان هو نفس المشهد يُعيد إليها الشعور بالذنب كأنها السبب فيما حدث له
هل ستبقين هكذا طويلاً
كانت هذه كلمات والدها الذي لم تشعر بقدومه حين دخل غرفتها بالرغم من استئذانه
سمر .. أهلاً أبي .. ماذا قلت ؟
الوالد .. كنت أقول إلى متى ستبقين هكذا شاردة الذهن تقضين أغلب وقتك في غرفتك .. حتى الجامعة انقطعت عنها بالرغم من حماسك لها
سمر .. معك حق يا أبي .. ابتداءً من الغد إن شاء الله سأذهب إلى الجامعة .. أما عن المادة الأخرى في غزة .. فيمكنني تأجيلها حتى يهدئ الحال أو ينسحبوا كما يزعمون
الوالد .. هناك أمر أريد أن أفاتحك به بالرغم من علمي بموقفك منه
سمر .. تفضل يا أبي
الوالد .. غداً سيزورنا عمك أبو هشام هو وزوجته ومعهم ابنهم أصغر أبنائهم
سمر .. نعم فهمت .. ولكن أنت تعلم أني أؤجل هذا الأمر حتى انتهي من الدراسة
الوالد .. نعم أعرف .. ولكن كما تعلمين أن عمك أبو هشام من أكبر رجال العائلة وهو ابن عم أبي كذلك .. أي أنه في مقام عمي ..ولا أستطيع أن أقول له : لا تأتي .. خاصةً وهو لم يفاتحني في الموضوع صراحة .. ولكن واضح حسب تقاليدنا أنهم سيأتون كي يراك العريس وتريه ثم تبدأ بعدها المراسم الرسمية في التقدم لطلب يد العروس
سمر .. أول مرة أعرف أن عمي أبو هشام له ابن لم يتزوج بعد .. فعلى حسب علمي أنه يزوج أبنائه وهم في سن صغير
الوالد .. هو لديه ابن لم يتزوج فعلاً .. وإن رفضته فلن ألومك .. لأنه حسب ما يشاع عنه يعمل في صفوف المقاومة .. وأظن أنه أُصيب مؤخراً في عملية ولو أن أهله يقولون : أنه أُصيب برصاصة طائشة فوق سطح منزله
سمر .. عموماً رفضي لن يكون لهذا السبب ففكرة الزواج عندي مؤجلة حتى انتهي من الدراسة
الوالد .. عمتك تقول أن الشاب على خلق ومشهود له بأنه من خيرة أبناء العائلة وعلى ما أذكر أن اسمه حسام
بالرغم من كل الاهتمام الذي أبدته أختا سمر بموضوع زيارة أسرة أبو هشام .. فهو لم يكن كذلك بالنسبة لسمر التي لم تهتم كثيراً لمعرفتها المسبقة إلى ما ستنتهي هذه الزيارة خاصةً وهي قد حسمت أمرها واتخذت قرارها النهائي بالرفض
أكثرت غادة التي تصغر سمر بعامين من المزاح بخصوص موضوع الزيارة وكأنها تُريد أن تُخرج سمر من أزمتها النفسية التي مازالت تؤثر عليها .. ولكن سمر لم يرق لها مزاح أختها خاصةً وهي تعلم موقفها من هذا الأمر فوجهت لها الكلام قائلة :
ألن تملي من الحديث بهذه الطريقة الساخرة .. لا أعرف متى ستكبرين وتأخذي الأمور بعقلانية أكبر
قالت غادة : _ ومازال المزاح هو أسلوبها في الحديث - وهل من العقل أن ترفضي عريس قبل أن تريه ؟
سمر .. المسألة مسألة مبدأ و أولويات وكما تعلمين الأمر مؤجل عندي
غادة مازحة كالعادة .. لو لم يكن حمساوي لأخذته أنا .. فكل شيء فيه مثالي إلا هذا الأمر
سمر .. تتحدثين عنه وكأنك تعرفيه !!
غادة .. شاهدته أكثر من مرة كما أن ابنة أخيه صديقتي وزميلتي في المدرسة .. وقد حدثتني عنه كثيراً وقالت لي : أن والدته تبحث له هذه الأيام عن عروس .. توقفت غادة عن الحديث واسترسلت في الضحك مما أصاب سمر بالدهشة فسألتها عما يُضحكها
غادة .. تصوري أن المجنونة قالت لي : أنها ستُخبر جدتها عني كي أصبح زوجة عمها .. ولكني طبعاً رجوتها أن لا تفعل .. فما أعرفه عن حسام أنه حمساوي وأنا لا أحب هذا النوع من المتزمتين كما أنك لا تضمني الواحد منهم خاصةً مع واحد مثل حسام فما عرفته عنه من ابنة أخيه أنها تشك بان عمها حسام ينتمي لكتائب القسام وتقول: أنه أُصيب مؤخراً في عملية وهذه الإصابة هي التي جعلت والده يضغط عليه في الزواج كي يعقل ويلتفت لمستقبله
سمر .. غريب هذا التفكير .. المفروض أن يفخر به والده .. ولكن من أين أتيت بفكرة أن الحمساويين متزمتين .. فعلى ما أعرفه من خلال احتكاكي بهم في الجامعة أنهم ليسوا كالمتزمتين الذين كنا نراهم في الخليج أو مثل خالك أبو محمود الذي يؤمن بأن المرأة لا تخرج من بيتها طيلة حياتها إلا في ثلاث حالات فقط
غادة .. خالك أبو محمود هو من كرهني في كل من يتحدث باسم الدين .. ولكني حقيقةً لا أعرف كيف يكون خالك هذا متدين إلى هذه الدرجة وفي نفس الوقت يكره حماس وسيرتها
سمر .. الجماعات الإسلامية ليست كبعضها فكل جماعة منهم لها فكر معين .. هذا الأمر ستعرفيه وتلمسيه حين تدخلين الجامعة .. ثم لا يليق بأن تتحدثي بهذه الطريقة عن الدين أو عن خالك فالدين له علاقة له بتصرفات معتنقيه حين يشذون عن مفهومه
غادة .. وهل نسيت حين شتم أبي وقال له أنه ديوث لأنه لا يُلبسنا النقاب
سمر .. حتى لو أخطأ خالك مع أبي .. يجب أن تحترميه إكراماً لذكرى .. والدتك ولا تنس أيضاً أن أبي يؤيده في فكرة النقاب ولكنه رفض الرد على إهانته عملاً بما يحثه عليه دينه في إكرام الضيف حتى لو أخطأ في حقنا
أثار الحديث عن الوالدة جواً من الشجون بين سمر وغادة .. فلقد زاد الشعور بفقدان الأم في مثل هذه الظروف .. وقبل أن يسيطر الحزن على الموقف قالت غادة بنفس أسلوبها السابق : ما رأيك أن أضع ورقة على باب البيت أكتب عليها : ليس عندنا بنات للزواج حتى أجنب أبي الإحراج مع أقاربه
سمر وبالكاد تبتسم .. افعليها وضعي تحتها إمضاء .. اكثر البنات لهفةً على الزواج
غادة .. كل البنات مصيرها للزواج على رأي أبي .. ولكن مستحيل أن أتزوج بهذه الطريقة التقليدية
سمر .. دائماً تُخيفيني بكلامك وكلما كبرت قلقت عليك أكثر .. أليس من الأفضل لو فكرت في دراستك كما تفعل أختك الصغرى بدلاً من هذا الطيش
غادة .. رنا نسخةً منك فهي تربيتك وتعتبرك مثلها الأعلى .. أما أنا فأنظر للأمور بواقعية واحسبها بطريقة مختلفة
استمر الحديث بين سمر التي ترى في غادة جانب كبير من الطيش وغادة التي ترى في سمر رومانسية زائدة دون الوصول إلى نقطة يلتقيا فيها .. وبعد صلاة العشاء كان كل من في المنزل مُهيأ ومستعد لاستقبال الضيوف باستثناء سمر التي مازال يشغل بالها ما حدث لها على الحاجز .. وبالرغم من شعورها بحضور الضيوف حين سمعت صوت سيارتهم وهي تقف على باب المنزل بقيت جالسة في غرفتها غير مهتمة بما يحدث في الخارج
تمنت سمر في ذلك الوقت أن لا يقطع عليها أحد خلوتها مع نفسها ولكنها كانت تعلم أن هذا مستحيل لأنها المسئولة عن ما ستقوم بإعداده للضيوف .. دخلت رنا إلى غرفة سمر تبلغها بحضور الزائرين وجلوسهم في غرفة الضيوف .. فطلبت منها سمر أن تصحبها إلى المطبخ كي تساعدها في إعداد مستلزمات الضيافة
سألت سمر رنا ..كم شخص في غرفة الضيوف ؟
رنا .. الحاج أبو هشام وزوجته أم هشام وابنتهما أم إبراهيم .. ثم أردفت قائلةً : ومعهم العريس
سمر .. لا تقولي هذا أمام أحد .. ثم من قال لك أن من معهم عريس ؟
رنا .. غادة قالت لي .. كما أنني لست صغيرة وأستطيع أن أخمن وحدي
سمر .. هؤلاء جاءوا في زيارة عائلية فقط .. كما أخبروا أباك .. فلا تخمني شيء لم يحدث بعد
دخلت غادة إلى المطبخ ومعها أم إبراهيم أخت حسام فسلمت على سمر بود وأصرت على أن تساعدها في إعداد ما تقوم به .. وبالرغم من محاولات سمر في ثنيها عن هذا الأمر إلا أن أم إبراهيم أخبرتها بأنهم ليسوا ضيوف إنما عائلة واحدة حتى لو كانت مشاغل الدنيا وأعبائها تقف حائلاً أمام التواصل
كانت أم إبراهيم ودودة و لبقة في الحديث وكأنها تلقت علوم الكلام على يد أكثر العجائز فراسة وحنكة .. وبسرعة أثارت دهشة أختي سمر استطاعت أم إبراهيم أن تُقنع سمر بأن تبدل ثيابها وتقدم بنفسها الشاي للضيوف .. بينما استولت هي على المطبخ وباشرت بتكملة ما كنت تفعله سمر
ترددت سمر كثيراً قبل أن تدخل غرفة الضيوف ولكن أم إبراهيم أقنعتها بأنه لا يوجد داعي لأي حرج فجميع الحضور من العائلة
وبعد أن تغلبت على خجلها تقدمت تطوف على الحاضرين وبسبب ارتباكها بدأت بوالدها فنبهها للأمر بأن تقدم للحاج أبو هشام أولاً مما زاد ارتباكها أكثر فتدخلت أم إبراهيم لتنقذ الموقف وأخذت منها الصينية قائلةً لها : كلمي الحاجة أم هشام فهي تريدك في أمر ما
تقدمت سمر من أم هشام والدة حسام وسلمت عليها فاستقبلتها الأخيرة بحفاوة الجدة وهي تسمي باسم الله مما جعل سمر تشعر بالحرج والارتباك أكثر .. فوجهت أم هشام حديثها لابنتها أم إبراهيم طالبةً منها بأن تأتي بغادة ورنا كي تتعرف عليهم أيضاً
جلس النسوة في أحد أركان الغرفة يتجاذبن أطراف الحديث الذي كانت أم إبراهيم تُديره بجدارة .. بينما تناول الحج أبو هشام ووالد سمر الحديث عن أمور العائلة التي لا تجتمع إلا من العام للعام وضرب مثلاً بانشغال والد سمر عن تواصله مع العائلة وانشغاله هو أيضاً بتجارته بينما ظل حسام يتابع الحوار بين والده ووالد سمر دون أن يتدخل في الحوار
لاحظت أم إبراهيم صمت أخيها حسام وعدم تجاوبه مع الحوار ولاحظت أيضاً أنه لا ينظر باتجاه سمر وكذلك سمر لم تفعل طوال الوقت فاستغلت الفرصة أثناء حديث سمر عن الجامعة لتوجه لأخيها سؤال كي تشركه في الحديث معهن فسألته عن موضوع ضرورة تعليم المرأة وحصولها على شهادة جامعية فأجاب وهو ينظر إلى أخته مباشرة دون أن ينظر لسمر فقال:
للمرأة كل الحق في التعليم كما تحب طالما لديها الرغبة في ذلك ولكن من المهم جداً أن يرتقي هذا التعليم بها لا أن ينحدر بها نحو الهاوية
جذب حديث حسام والد سمر فسأله عن معنى كلامه قائلاً له :
وهل هنا نوع من التعليم يمكنه أن ينحدر بالمرأة ؟
حسام .. حين تذهب الفتاة إلى المدرسة أو الجامعة فهي تحصل على علوم كثيرة مضافة للعلم الأكاديمي الذي تحصل عليه من الجامعة ويكون هذا من خلال احتكاكها بطالبات يحملن أفكار كثيرة ومتنوعة وهذه الأفكار في حد ذاتها نوع من العلوم التي ستحصل عليها الفتاة من خلال الحوار والنقاش الدائر بين الطالبات وبعضهن في المدرسة أو الجامعة
والد سمر .. وهل هي ذاهبة للدراسة أم للحوار والنقاش !! .. الطالب والطالبة المجتهدين ينصب كل اهتمامهم على التعليم وما يحصلونه من علم على يد الأساتذة
حسام .. اسمح لي بأن أخالفك الرأي .. فما يحدث في الجامعة والمدرسة أمر مفروض على الجميع .. وصعب على الطالب أو الطالبة أن يصم أذنيه عن ما يسمع أو لا يرى ما يحدث أمام عينه .. فالطلبة خليط من طبقات وأفكار واتجاهات وكل واحد فيهم جاء ومعه فكر ونمط تربية تعود عليه .. ولذلك تجد الطالبة زميلاتها مختلفات في طريقة تعاملهن مع الحياة ويعود ذلك لأن كل واحدة فيهن لها حساباتها ونظرتها للحياة بحسب نشأتها وطريقة تربية أهلها لها .. ومن المؤكد أنك كنت في الجامعة وتعلم أن هذا الطالب أو ذاك يتأثر بفكر والده السياسي أو الديني .. وكذلك يحدث مع الطالبات فهي ستجد من هي تسير على نهج والدها الشيوعي أو العلماني أو الإسلامي أو حتى من ليس لديه فكر ولا أخلاق .. وربما تنبهر بهذه الفتاة أو تلك في نمط حياتها أو معالجة …
استمر حسام في حديثه مع والد سمر بينما شعرت سمر بأن هذا الصوت والأسلوب الذي يتحدث به حسام ليس غريباً عليها وأنها سمعته من قبل ولكن انقطع حبل أفكارها حين جاء ذكر اسمها على لسان والدها موجهاً حديثه لحسام المتحمس لتعليم المرأة
ابنتي سمر كذلك مهتمة بتحصيل العلم أولاً ولهذا رفضت كل من تقدم لخطبتها فهي مازال أمامها عامان حتى تُنهي دراستها الجامعية
حسام .. تفكير سليم ويجب أن تُشجعها عليه .. فالمرأة حين تتعلم يتعلم المجتمع كله بينما إذا اقتصر التعليم على الرجل فسيكون نصف المجتمع فقط هو المتعلم
فهمت أم هشام المغزى من حديث حسام وكذلك فهمته أخته التي قامت وجلست بجواره قبل أن يتفاقم غيظ والده أكثر و الذي لم يعجبه حديث حسام على هذا النحو
قالت : أم إبراهيم وهي تلكز أخيها كي يكف عن أسلوبه الذي استفز والده .. لا يوجد أي مانع من أن تتزوج الفتاة وفي نفس الوقت تستمر في تحصيل تعليمها .. فأنا مثلاً تزوجت وبقيت في التعليم حتى بعد أن أنجبت .. فهذه أمور يمكن أن يتم الاتفاق عليها قبل الزواج كما حدث وفعل أبي مع زوجي أبو إبراهيم
حسام .. وقد فهم أن حيلته قد تُسبب له مشكلة مع والده .. نعم .. أوافقك الأمر ولكن ...
أبو هشام مقاطعاً ولده حسام ... دعوكم من هذا الحديث .. ولنتحدث في المهم
صمت الجميع في انتظار ما سيقوله الحج أبو هشام الذي وجه حديثه لوالد سمر قائلاً :
نحن طبعاً عائلة واحدة ووالدك رحمه الله كان ابن عمي وصديق عمري .. كما أنني لن أتحدث كما يتحدث الأغراب في مثل هذه المناسبات فأنا رجلٌ مباشر ولا أحب كثرة المقدمات و علاقة القرابة و الدم الواحد الذي بيننا يعفوني من هذه الرسميات ويعفوك أنت أيضاً من أي حرج بأن تقول رأيك بصراحة .. لهذا سأدخل في الموضوع مباشرة وأتقدم بطلب يد ابنتك سمر لابني حسام وأظن أنك لست بحاجة للسؤال عنه .. وكن على ثقة لو كان في ابني شيء يُعيبه لكنت أول من يقوله لك فأنت وبناتك في منزلة أبنائي وسواءً كان هناك نصيب أو لا فمسئوليتي تجاهكم تبقى قائمة كما هي عاداتنا
كان حديث أبو هشام مفاجئ للجميع وخاصةً أهل بيته ولكن والد سمر كان يتوقع أن يحدث هذا .. وبالرغم من أنه يعلم برأي ابنته مسبقاً إلا أنه ليس بمقدوره أن يبلغه بهذا الرأي مباشرة وإلا تسبب في خسارة رجل مثل أبو هشام له مكانته واحترامه في العائلة
وقبل أن يتفوه والد سمر بكلمة تدخلت أم إبراهيم تُحدث سمر قائلةً :
حسام أيضاً مازال طالباً في الجامعة وهو كما سمعتي لا يُمانع في أن تُكملي تعليمك بعد الزواج وهو أيضاً سيفعل ذلك بالرغم من أن له عمل ثابت مع والده وأخوته وليس بحاجة إلى هذه الشهادة
كانت تعلم سمر أن والدها في موقف محرج وقد حدث هذا له من قبل ولكنها أعدت نفسها جيداً لتُجيب بثقة عن ما تفكر فيه حول مستقبلها .. كما أن الجو العائلي الذي أحدثته الزيارة جعلها أن تُنحي خجلها جانباً وتُجيب أم إبراهيم بصورة مباشرة
ولكنها ما كادت تفعل حتى وقع نظرها على حسام الذي كان ينظر إلى والده مستغرباً تسرعه في الحديث عن الخطبة
توقفت الكلمات في حلق سمر التي تسمرت وهي تنظر إلى حسام غير مصدقةً ما تراه عينيها فقد كان هو نفس الشخص الذي أطلق عليه الجنود النار في الحاجز وقتلوه أمامها .. وبالرغم من أنها لم تشاهد وجهه سوى لحظات قليلة وكان هذا منذ فترة .. إلا أن صورته لم تفارق خيالها سواءً في يقظتها أو حتى في أحلامها طوال هذه الفترة
لحظات وشعرت سمر أن ما تراه ليس سوى خيال أو على الأقل أحلام يقظة .. وقبل أن تعي ما يحدث حولها شعرت بدوار شديد في رأسها أفقدها توازنها فمالت على أختها مغشياً عليها
تفاجئ الجميع بما حدث لسمر حين صرخت غادة باسم أختها خوفاً عليها
استجابت سمر بسرعة لمحاولات أم إبراهيم في إيقاظها ثم صحبتها مع أختيها إلى غرفتها بينما كان والدها يضرب أخماساً في أسداس غير مُصدق ما حدث لابنته التي كان يعرف قوة شخصيتها وأن أمراً كهذا لا يفعل معها ذلك
في اليوم التالي حكت سمر لوالدها ما حدث لها فخمن أن ما حدث قد يكون مجرد وهم أو مجرد تشابه ولكن سمر أصرت على رأيها لأن التشابه لم يكن في الوجه فقط فقد كانت طوال الوقت تشعر ؟أنها سمعت صوت حسام من قبل ولكنها لم تتذكر إلا بعد أن انتبهت لملامح وجهه
تحسنت حالة سمر التي رفضت الذهاب إلى الطبيب بالرغم من إلحاح والدها .. وبالرغم من أنها حاولت أن تُثبت له أنها أصبحت أفضل بكثير إلا أنه أصر على أن تبقى في فراشها ظناً منه أن تأثير الصدمة والحدث الذي تعرضت له مازال قائماً
دُهشت أم إبراهيم التي أتت لزيارة سمر من حديث سمر .. فقد كان كل ما تعرفه عن ما حدث لأخيها في الحاجز أنه رفض تفتيش الجنود له على الحاجز فأطلقوا عليه النيران .. وعلى الرغم من أن حسام لا يُخفي عنها سراً إلا أنها لم تكن ملمة بالتفاصيل التي سمعتها من سمر
الحمد لله أنكِ بخير الآن وعلى كل حال أنا أحببتك كثيراً وإن شاء الله سنبقى على تواصل حتى لو لم توافقي على الزواج من أخي .. ولولا أن منزلكم بعيد عن منزلنا لوجدتني دائماً فوق رأسك
سمر وهي ترد على أم إبراهيم .. وأنا أيضاً أحببتك وأشعر أن الله قد رزقني أخت جديدة
أم إبراهيم وهي تضحك .. قولي أخت كبيرة و لا تنس أننا أقارب يجمع بيننا الدم الواحد
سمر .. ولكن لي عتب عليك .. فلم يكن هناك أي داع لهذه الهدايا
أم إبراهيم .. أرجو أن لا يذهب ظنك بعيداً .. فهذا شيء بسيط من أخت لأختها دون اعتبار لأي شيء أخر .. والحقيقة أني جئت هنا لسببين .. الأول .. كي أطمئن عليك وقريباً إن شاء الله ستأتي أمي لزيارتك فكما تعرفين أنها امرأة مسنة ولا تخرج من البيت إلا نادراً .. والسبب الثاني أني احمل لك رسالة شفوية من أخي حسام
سمر بدهشة .. لي أنا ؟
أم إبراهيم .. نعم لك أنت .. حسام لا يُخفي عني سراً وهو أكثر أخوتي قرباً لقلبي فهو بمثابة الابن لي اكثر من كونه أخاً .. ولكونه لا يُحب الخداع أراد أن يوصل لك رسالة من خلالي قبل أن تتخذي قرارك بالرفض أو القبول .. وبالرغم من أنني لا أعرف كيف أبدأ الحديث إلا أنه يقول لك : أنه يعيش بكلية واحدة فقط .. فقد استأصلوا له إحدى كليتيه بعد إصابته الأخيرة .. كما أنه يشعر أن أمره مكشوف لدى الصهاينة وحياته ليست بمأمن وهذا سينعكس على من حوله ..و
صمتت أم إبراهيم قليلاً وكأنها تُريد أن تقول شيئاً ولكنها لا تعرف كيف أن تقوم بإيصاله .. مما أثار فضول سمر التي لاحظت شيئاً من الحزن ظهر في ملامحها
تابعت أم إبراهيم حديثها بعد آهة خرجت من أعماقها .. حسام يقول : أنه لن يتردد لحظة لو توفرت له الفرصة لتنفيذ عملية استشهادية حتى لو تزوج وأصبح له أولاد .. ولذلك فهو أراد أن يضعك أمام هذه الحقائق حتى يكون مرتاح الضمير
كانت سمر تتابع حديث أم إبراهيم التي كانت تتردد كثيراً في كل كلمة قبل أن تنطقها وبالرغم من رباطة جأش أم إبراهيم خرجت من عين سمر دمعة لاحظتها أم إبراهيم فكانت سبباً في بكاء أم إبراهيم التي تخلى عنها تماسكها وخانتها عبراتها
ظلت سمر صامتة بينما مسحت أم إبراهيم دموعها قائلة : .. طبعاً ما قلته لك الآن سيبقى سراً بيننا وأياً كان ردك فأنا أعذرك وسنبقى أصدقاء وعلى تواصل .. ثم ضحكت كي يزول ما خيم من حزن على المكان وقالت : لا أعرف لما اختار والدك بناء بيته بعيداً عن منازل العائلة .. لولا هذا لوجدتني كل يوم عندك
سمر .. لا تتصوري كم أحب هذا المكان بسبب ما يُحيط به من مناظر طبيعية ولولا الرصاص الذي يُطلقه الحاجز اللعين طوال الليل لأصبح أجمل مكان في الدنيا
أم إبراهيم وهي تمزح .. لا يختلف نوع المكان عن منزل أبي .. فهو أيضاً يُطل على مناظر طبيعية ويحيط به النخيل من كل اتجاه .. ولكن مع الأسف أكثر قرباً من الحاجز .. ولو قدر الله و صرت زوجة أخي فسيمكنك أن تُشاهدي الحاجز بوضوح أكثر لأن شقة حسام في الطابق الرابع
ابتسمت سمر بخجل لغمزة أم إبراهيم التي فهمت معناها فقالت .. حتى الأمس كنت استبعد فكرة الزواج نهائياً لأنني مُصرة على إكمال تعليمي ولكني بعد أن عرفت أن حسام هو نفسه ذلك الشاب الذي كان في السيارة تمنيت حقاً أن يكون زوجاً لي .. وبعد أن سمعت ما قلتيه عنه تمسكت به أكثر فهذه النوعية من الرجال نادرة الوجود ولا نسمع عنهم إلا في الأساطير أو في قصص الصحابة
تهللت أسارير أم إبراهيم فرحاً فقالت .. هل أفهم من حديثك أنك موافقة على حسام زوجاً لك ؟
سمر بمزاح .. لو أردت .. ذهبت الآن أنا وأبي وطلبته من والدك
أم إبراهيم .. إذاً لن أقول لك ما قاله حسام بأن تأخذي وقتك في التفكير جيداً .. وسأخبره أنك موافقة عليه كما هو
سمر .. طبعاً لن تقولي له جملتي الأخيرة فهذا سر بيني وبينك .. ضحكت أم إبراهيم وكذلك سمر وبدأ معهما نوع جديد من الحب نواته أحد رجال القسام
بصعوبة صدقت أم إبراهيم حسام حين قال لها : أنه لم يكن يعرف أن الفتاة التي كانت معه في السيارة هي سمر .. ودُهشت أكثر حين علمت منه أنه لم يتبين من ملامح وجهها جيداً سواءً في السيارة أو حتى حين كان في منزل والدها .. ولكنه قدر لسمر موقفها من الجهاد والمجاهدين وعاهد أخته التي أكثرت من مديح أدب سمر وأخلاقها وتدينها وجمالها الهادئ بأن يحافظ عليها ويصونها لأنها أخبرته أنها أصبحت شخصياً مسئولة عن سمر ولن تسمح له بأن يُزعجها في أي يوم من الأيام
أقنعت سمر والدها بقرار موافقتها على حسام .. وأخبرته أنها اتخذت قرارها بعد تفكير عميق وأنها لن تشعر بالندم تحت أي ظرف من الظروف
تمت خطبة سمر حسب الأصول والتقاليد المتبعة في مدينة خان يونس بعد أن ذهب العريس حسام ومعه والده وأكبر رجال العائلة لخطبة سمر رسمياً واتفق الجميع على أن يتم عقد القران في خلال أسبوع وان يتم الزواج بعد انتهاء العام الدراسي
كل شيء تم حسب الأعراف المعمول بها في قطاع غزة وتم عقد قران حسام على سمر التي تعرفت أكثر على حسام من خلال زياراته .. وحتى والد سمر أصبح هو أيضاً يُحب حسام ووجد فيه ما كان يتمناه من ابنه لو كان له ولد من صلبه
مر شهر كامل اعتبر فيه حسام المعاد الأسبوعي الذي يزور فيه سمر معاد مقدس .. فقد شعر للمرة الأولى في حياته بأن مشاعر كان يسمع عنها بدأت تغزوا قلبه وتسيطر على كيانه .. وفي نفس الوقت الذي كان حسام يعد نفسه للزيارة الأسبوعية أتته رسالة برموز معينة على هاتفه النقال من صديقه عمر تعني أن هناك لقاء هام في مكان ما عرفه من خلال الرموز
وبدون تردد ذهب حسام للقاء عمر في المكان المتفق عليه .. وكان عمر يبدو من ملامحه أن لديه أمر هام يُريد أن يفاتح حسام فيه وأصغى حسام باهتمام لحديث عمر الذي قال :
كيف حال مجموعتك و كيف تسير أمورهم ؟
تعليق
-
لم انشر القصة ال بعد تخلي الاخت الحبيبة بنت الجنوب
عن تكملتها
وانتم تعرفون انها قصة رائعة لا بد من55:5 22:2 تتمتهاالتعديل الأخير تم بواسطة لبؤة الجهاد; الساعة 12-09-2008, 04:07 AM.
تعليق
تعليق