قراءة في واقع الحــال
كلما قرأت مقالا هذه الايام او طالعت تصريحا صحفيا ، او بحثا سياسيا ، او نداء من العقل الملتزم ، كلما هزني زيف الشعارات البراقة وكلما غضبت لموقف لم استسغه ، وكلما ثارت عقيدتي لتلون المواقف يمنة ويسرة ، وكلما قارنت بينها اقوال واراء ومواقف وقيم ، تأويلات وتحديدات ، من وطني او قومي ، تقدمي او اشتراكي ، رجعي او متأمر ، بذيء او متهاون ، جدي او ملتزم كلما طالعتها وجدت بينها مشتركا ، شيء يلفت الانظار ، فما الذي لم الشامي عالمغربي ، وهل يمكن ان يكون هناك مشترك بين المتناقضات . نعم انه سعيهم الدائم لاعيائنا ، يستهويهم قلقنا ، يرفضون البوح بما يضمرون خلف مواقفهم وارائهم وتصريحاتهم ، مشترك يدفعنا جميعا مهما كان انتماؤنا ومهما كانت وجهات نظرنا واختلافاتنا ومحطاتنا الفكرية للبحث فيه ، هو الغموض المتعمد منهم وفرضهم علينا البحث بين السطور ودفعنا الى التأويل والفهم الخاص والترجمة عبر لغتنا المفضلة . واغرب الغريب هذه الاستجابة منا لمنهجهم وبحثنا الدائم بين سطورهم وقبول تفسيراتهم وتأويلاتهم المتلونة خضرة وحمرة والانسياق نحو الرغائب المعلنة والقاء ما قرأناه بين السطور سابقا ، متخلين عن الاتزان العقلاني ، متلهفين لمنطق تبريرهم ، وهكذا نسقط من جديد في بؤرة التأمل الخائب للاحداث ، فننجو من المسؤولية التي القاها البحث على عاتقنا ونتلفع بأثواب البراءة كحملان تعرف مصيرها .
خلال الاسابيع المنصرمة ، وبعد هدوء ملحوظ على الساحتين اللبنانية والفلسطينية ، اثر الاحداث ذات الطابع المؤلم والتي اشرفت على استباحة الدم الاخوي ، انطلقت تباشير الانفراجات يمنة ويسرة وغرد محمود عباس لحن التوافق ، وحصل صلح حديبية جديد وأقترن قول السوء بفعل الهدوء ، وحرم الدم الاخوي يومها وكأنه كان قبل الاجتماع مستباحا ، وزغردت النسوة في غزة ونابلس ووزعت الحلوى ، ووضعت كل ذات حمل حملها ، والمجتمعون سكارى وما هم بسكارى ، بل هي نشوة الاتفاق فكل نصب كمينه للاخر ، معتقدا انه قد ربح جولته واسس لمقتضى برنامجه وما عول عليه سرا مع الاخرين .
ومن اغرب الصور الملفته وجود محمد دحلان حامي الديار اللي ما تنطفي له نار رافع علم الثورة الفتحاوية المنتصرة فوق اسوار مكة ، الى جانب معلمه الذي سبق وان نتف له ذقنه في ايام خلت ، وحاول اغتياله وهدده سرا وعلانية ، واعلن بما لا يقبل المساومة ان الدم الفلسطيني حرام حرمة المكان الذي ضم اللقاء .وبينهما تتصدر الصور البراقة والتصريحات اللماعة ويصافح عباس مشعله ، اما علانية اللقاء فلم تترك الا التأويلات والقراءة بين السطور لامثالنا فكتاب التكليف عام في معرض الخصوصية ، صالح لكل زمان ومكان ، الا للتفاوض مع الصهاينة والولايات المتحدة حول حقوق الشعب الفلسطيني وافاقه المستقبلية ، فهو ينسج خيوطه العنكبوتية حول رقبة حماس ومن خلفها قوى المقاومة في سعي حثيث لاطفاء جذوة العمل المسلح ، تمهيدا لاعلان الاستسلام السياسي الاخير ، وها هي رايس قد جاءت لعقد اللقاء بين عباس واولمرت واكدت بما لا يقبل المناورة ان الولايات المتحدة ومعها كيانها العتيد لن يقبلوا بحكومة الوحدة الوطنية المزعومة ، وأكد اولمرت الموقف نفسه ، وهكذا يبدو السؤال مشروعا وماذا بعد يا عباس ؟؟؟ ماذا بعد يا مشعل ؟؟ سيذهب عباس الى اللقاء تحت شعار محاولة تعديل مواقف امريكا وكيانها !! حسنا سنقبل الكذبة فهي ليست الاولى ولكن ؟؟؟ ماذا لو اصروا على مواقفهم ؟؟ اشتهي ذات يوم من اصحاب الفكر المستنير من دعاة السلم والسلام والتسليم ان يطرحوا بديلا !! هل يقول لنا عباس ماذا سيكون موقفه حال رفضهم !!! غير المزيد من التمسك بخيار السلام ، ورفض العنف ، والبحث عن وسائط جديدة تدفع حماس لمزيد من التنازلات ؟؟؟ واليوم يجد جديد أخر !! ما هو موقف مشعل من الامر . هل سيعلن استقالة حماس من الحكومة وعودتها لممارسة الدور الحقيقي والمشروع بالعمل المسلح !!! ام ان فصولا جديدة من الحرب الاخوية قد تؤسس لتغيير مقبل ؟؟؟؟
وهذا يعيدنا الى بداية الطرح ؟؟ ماذا بين سطور اتفاق مكة !!! ولماذا تم عقده الان ؟؟ الم يكن الدم الفلسطيني حراما خلال الشهرين السابقين للاتفاق ! بل الم يكن من الممكن الوصول اليه قبل ان تسيل نقطة دم واحدة ؟؟ ام ان الهدف ليس الحفاظ على الدم بل توظيفه ليس فقط في خدمة المشروع الامريكي في المنطقة فحسب ؟؟؟ بل ايضا في خدمة استعادة الدور لريادي للملكة العربية تحضيرا للدور المزمع المباشرة بأدائه ، من اجل استعادة الموقع المتنفذ عربيا واسلاميا تحقيقا لمقولة رايس ان على المعتدلين العرب لعب دورهم في قمع المتطرفين وأن على المعتدلين من السنة والشيعة ان يواجهوا المتطرفين من الطرفين !!!
ام ان دورا اكبر واشد تأثيرا يستهدف عبر مؤتمر القمة في الرياض ان يؤسس لخفض السقف العربي في المطالب القومية الى ما دون الحد السابق المعلن في قمة بيروت ، والذي يتوجب عليه ان ينتج اطارا جديدا بديلا لمشروع الامير عبدالله الموافق عليه في قمة بيروت تحت شعار سبق اعلانه في مؤتمر وزراء الخارجية العرب المنعقد بالقاهرة زمن حرب تموز والذي اعلن عمرو موسى في مؤتمره الصحفي يومها ان التسوية السياسية قد ماتت ، فهل سيكون بديلها اعلان الاستسلام ، ويصبح السلام بمقتضى الواقع اليوم مطلبا وطنيا .
ان ما يدور من ترهات في الساحة اللبنانية وحولها من لقاءات سعودية – ايرانية ، وايرانية – سورية ، وسعودية - لبنانية تشير بوضوح الى الهدف عينه القاضي بتحقيق التهدئة من اجل انجاح العمل السياسي للقمة والذي سينهي بعد اتمامه المشروعية والمصداقية لاي عمل عربي مشترك ، بل وسيؤسس لفتح معارك متعددة الوجوه والاتجاهات والاهداف ، قوميا ومذهبيا ، دينيا وطائفيا ، وسندفع غاليا ثمن القراءة بين السطور والتخلي عما فهمناه وقرأناه .
ليس الدم الفلسطيني في هذا السياق بأغلى من فلسطين ، ولا الدم اللبناني بأغلى من لبنان ، ويكفي دمنا انه يراق بين حين وأخر خدمة لمشاريع اعدائنا ، ويحرم على امتنا وشعوبها ان تعلن حتى الاستنكار او الرفض ، ليسيل دمنا على ارضنا ليقيم حدود الممانعة امام الانهيارات القادمة ، بدل ان يترك ليسفك على اعتاب مشاريع يوقع اذيال اتفاقاتها محمد دحلان ووليد جنبلاط .
تعليق