لفصل الثالث عشر
شكوك
قال صاحبي:
- تقول إن القران لا يتناقض مع نفسه فما بالك بهذه الآية: "فمن شاء فليؤمن ومن شاءفليكفر" 39- الكهف
والآية الأخرى التي تنقضها: "وما تشاءون إلا أن يشاء الله"30- الإنسان
ثم نجد القرآن يقول عن حساب المذنبين إنهم سوف يسألون: "ستكتب شهادتهم ويسألون"19- الزخرف
"وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون"44- الزخرف
ومرة أخرى يقول: "ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون"78- القصص
وأنهم سوف يعرفون بسيماهم:
"فيؤخذ بالنواصى والأقدام" 41- الرحمن
ومرة يقول إنه لا احد سوف يشد وثاق المجرم.
"ولا يوثق وثاقه أحد"26- الفجر
بمعنى أن كل واحد سوف يتكفل بتعذيب نفسه.
"كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا" 14- الإسراء
ومرة يقول:
"ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه"32- الحاقة
قلت له:
هذه ليست تناقضات.. ولنفكر فيها معا، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.. آية صريحة تشير إلى حرية العبد واختياره.. ولكن هذه الحرية لم نأخذها من الله غصبا وغلابا.. وإنما أعطاها إيانا بمشيئته.. فتأتي الآية الثانية لتشرح دلك فتقول:
"وما تشاءون إلا أن يشاء الله "30- الإنسان.
أي أن حرية العبد ضمن مشيئة الرب وليست ضدها.. أي أن حرية العبد يمكن أن تناقض الرضا الإلهي فتختار المعصية ولكنها لا يمكن أن تناقض المشيئة.. فهي تظل دائما ضمن المشيئة، ولو خالفت الرضا.. وهي نقطة دقيقة.. وقلنا إن التسيير الإلهي هو عين التخيبر، لأن الله يختار للعبد من جنس نيته وقلبه.. ومعنى ذلك أنه يريد للعبد نفس ما أراد العبد لنفسه بنيته واختيار قلبه... أي أن العبد مسير إلى ما اختار.. ومعنى ذلك أنه لا إكراه و أنه لا ثنائية ولا تناقض.. وأن التسيير هو عين التخيير. وهي مسألة من أدق المسائل في فهم لغز المخير والمسير.. وما تسميه أنت تناقضا هو في الحقيقة جلاء ذلك السر.
أما الآيات الواردة عن الحساب فإن كل آية تعنى طائفة مختلفة، فهناك من سوف يسأل وتطلب شهادته، وهناك من ستكون ذنوبه من الكثرة بحيث تطفح على وجهه، وهؤلاء هم الذين سوف يعرفون بسيماهم فيؤخذون بالنواصى والأقدام، وهناك المعاند المنكر الذي سوف تشهد عليه يداه ورجلاه:
" اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون "65- يس
وهناك من سيكون حسيبا على نفسه يعذبها بالندم ويشد وثاقها بالحسرة.. وهو الذي لا يوثق وثاقه أحد.
وهناك أكابر المجرمين الجبارين الذين سوف يكذبون على الله، وهم يواجهونه ويحلفون الكذب وهم في الموقف العظيم:
"يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يجلفون لكم ويجسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون" 18- المجادلة
وهؤلاء هم الذين سوف يسحبون على وجوههم ويوثقون في السلاسل. . وأبو حامد الغزالي يفسر هذه السلاسل بأنها سلاسل الأسباب.
- وما رأيك في كلام القرآن عن العلم الإلهي:
" إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأي أرض تموت " 34- لقمان
يقول القرآن إن الله اختص نفسه بهذا العلم لا يعلمه غير.:
" وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو" 51- الأنعام
فما بالك الآن بالطبيب الذي يستطيع أن يعلم ما بالأرحام، ويستطيع أن يتنبأ إن كان ذكرا أم أنثى.. وما بالك بالعلماء الذين أنزلوا المطر الصناعي بالأساليب الكيماوية.
لم يتكلم القرآن عن إنزال المطر وإنما عن إنزال الغيث، وهو المطر الغزير الكثيف الذي ينزل بكميات تكفى لتغيير مصير أمة وإغاثتها ونقلها من حال الجدب إلى حال الخصب والرخاء.. والمطر بهذه الكميات لا يمكن إنزاله بتجربة.
أما علم الله لما في الأرحام فهو علم كلى محيط وليس فقط علما بجنس المولود هل هو ذكر أو أنثى، وإنما علم بمن يكون ذلك المولود وما شأنه وماذا سيفعل في الدنيا، وما تاريخه من يوم يولد إلى يوم يموت: وهو أمر لا يستطيع أن يعلمه طبيب.
- وما حكاية كرسى الله الذي تقولون إنه وسع السموات والأرض.. وعرش الله الذي يحمله ثمانية.
- إن عقلك يسع السموات والأرض وأنت البشر الذي لا تذكر.. فكيف لا يسعها كرسى الله..
والأرض والشمس والكواكب والنجوم والمجرات محمولة بقوة الله في الفضاء.. فكيف تعجب لحمل عرش..
- وما هو الكرسي وما العرش؟
- قل لي ما الإلكترون أقل لك ما الكرسي؟ قل لي ما الكهرباء؟ قل لي ما الجاذبية؟ قل لي ما الزمان؟ إنك لا تعرف ماهية أي شيء لتسألني ما الكرسي وما العرش؟ إن العالم مملوء بالأسرار وهذه بعض أسراره.
- والنملة التي تكلمت في القرآن وحذرت بقية النمل من قدوم سليمان وجيشه:
" قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده" 18- النمل
- لو قرأت القليل عن علم الحشرات الآن لما سألت هذا السؤال.. إن علم الحشرات حافل بدراسات مستفيضة عن لغة النمل ولغة النحل. ولغة النمل الآن حقيقة مؤكدة.. فا كان من الممكن أن تتوزع الوظائف في خلية من مئات الألوف ويتم التنظيم وتنقل الأوامر والتعليمات بين هذا الحشد الحاشد لولا أن هناك لغة للتفاهم، ولا محل للعجب في أن نملة عرفت سليمان.. ألم يعرف الإنسان الله؟
- وكيف يمحو الله ما يكتب في لوح قضائه:
"يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" 38- الرعد
أيخطى ربكم كما نخطى في الحساب فنمحو ونثبت.. أم يراجع نفسه كما نراجع أنفسنا.
- الله يمحو السيئة بأن يلهمك بالحسنة ويقول في كتابه:
"إن الحسنات يذهبن السيئات" 114- هود
ويقول عن عباده الصالحين:
"وأوحينا إليهم فعل الخيرات و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة" 73- الأنبياء.
وبذلك يمحو الله دون أن يمحو وهذا سر الآية 39 من سورة الرعد التي ذكرتها.
- وما رأيك في الآية؟
" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" 56- الذاريات
هل كان الله في حاجة لعبادتنا؟!
- بل نحن المحتاجون لعبادته.
أتعبد المرأة الجميلة حبا بأمر تكليف، أم أنك تلتذ بهذا الحب وتنتشى وتسعد لتذوقك لجمالها؟ كذلك الله وهو الأجمل من كل جميل إذا عرفت جلاله وجماله وقدره عبدته، ووجدت في عبادتك له غاية السعادة والنشوة. إن العبادة عندنا لا تكون إلا عن معرفة.. والله لا يعبد إلا بالعلم.. ومعرفة الله هي ذروة المعارف كلها، ونهاية رحلة طويلة من المعارف تبدأ منذ الميلاد وأول ما يعرف الطفل عند ميلاده هو ثدي أمه، وتلك أول لذة، ثم يتعرف على أمه وأبيه وعائلته ومجتمعه وبيئته، ثم يبدأ في
استغلال هذه البيئة لمنفعته، فإذا هي ثدي آخر كبير يدر عليه الثراء والمغانم والملذات، فهو يخرج من الأرض الذهب والماس، ومن البحر اللآلئ، ومن الزرع الفواكه والثمار، وتلك هي اللذة الثانية في رحلة المعرفة. ثم ينتقل من معرفته لبيئته الارضية ليخرج إلى السموات ويضع رجله على القمر، وبطلق سفائنه إلى المريخ في ملاحة نحو المجهول ليستمتع بلذة أخرى أكبر هي لذة استطلاع الكون، ثم يرجع ذلك الملاح ليسأل نفسه.. ومن أنا الذي عرفت هذا كله.. ليبدأ رحلة معرفة جديدة إلى نفسه.. بهدف معرفة نفسه والتحكم في طاقاتها وإدارتها لصالحه وصالح الآخرين، وتلك لذة أخرى. ثم تكون ذروة المعارف بعد معرفة النفس هي معرفة الرب الذي خلق تلك النفس. وبهذه المعرفة الأخيرة يبلغ الإنسان ذروة السعادات، لأنه يلتقى بالكامل المتعال الأجمل من كل جميل.. تلك هي رحلة العابد على طريق العبادة.. وكلها ورود ومسرات. وإذا كانت في الحياة مشقة، فلأن قاطف الورود لابد أن تدمى يديه الأشواك.. والطامع في ذرى اللانهاية لابد أن يكدح إليها.. ولكن وصول العابد إلى معرفة ربه وانكشاف الغطاء عن عينيه.. ما أروعه. يقول الصوفي لابس الخرقة: "نحن في لذة لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف " تلك هي لذة العبادة الحقة.. وهي من نصيب العابد.. ولكن الله في غنى عنها وعن العالمين.. ونحن لا نعبده بأمر تكليف ولكنا نعبده لأننا عرفنا جماله وجلاله.. ونحن لا نجد في عبادته ذلا بل تحررا وكرامة.. تحررا من كل عبوديات الدنيا.. تحررا من الشهوات رالغرائز والأطماع والمال.. ونحن نخاف الله فلا نعود نخاف أحدا بعده ولا نعود نعبأ باحد.. خوف الله شجاعة.. وعبادته حرية.. والذل له كرامة.. ومعرفته يقين وتلك هي العبادة..
حن الذين نجنى أرباحها ومسراتها.. أما الله فهو الغنى عن كل شيء.. إنما خلقنا الله ليعطينا لا ليأخذ منا.. خلقنا ليخلع علينا من كمالاته فهو السميع البصير، وقد أعطانا سمعا وبصرا وهو العليم الخبير، وقد أعطانا العقل لنتزود من علمه، والحواس لنتزود من خبرته وهو يقول لعبده المقرب في الحديث القدسى: "عبد أطعنى أجعلك ربانيا تقول للشيء كن فيكون "..
ألم يفعل هذا لعيسى عليه السلام.. فكان عيسى يحي الموتى بإذنه ويخلق من الطين طيرا بإذنه ويشفى الأعمى والأبرص بإذنه.
العبودية لله إذن هي عكس العبودية في مفهومنا.. فالعبودية في مفهومنا هي أن يأخذ السيد خير العبد، أما العبودية لله فهي على العكس، أن يعطى السيد عبده ما لا خدود له من النعم، ويخلع عليه ما لا نهاية من الكمالات.. فحينما يقول الله:
"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"56- الذاريات
فمعناها الباطن ما خلقت الجن والإنس إلا لأعطيهم وأمنحهم حبا وخيرا، وكرامة وعزة، وأخلع عليهم ثوب التشريف والخلافة.
فالسيد الرب غنى مستغن عن عبادتنا.. ونحن المحتاجون إلى هذه العبادة والشرف، والمواهب والخيرات التي لا حد لها.
فالله الكريم سمح لنا أن ندخل عليه في أي وقت بلا ميعاد، ونبقى في حضرته ما شئنا وندعوه ما وسعنا.. بمجرد أن نبسط سجادة الصلاة ونقول "الله أكبر" نصبح في حضرته نطلب منه ما نشاء.
أين هو الملك الذي نستطيع أن ندخل عليه بلا ميعاد و نلبث في حضرته ما نشاء؟!
وفي ذلك يقول مولانا العبد الصالح الشيخ محمد متولي الشعراوي في شعر جميل:
حسب نفسي عزا إنني عبد يحتفي بي بلا مواعيد رب هو في قدسه الأعز ولكن أنا ألقى متى وحين أحب ويقول: أرونى صنعة تعرض على صانعها خمس مرات في اليوم "يقصد الصلوات الخمس " وتتعرض للتلف وهذه بعض المعاني الباطنة في الآية التي أثارت شكوكك:
"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"ولو تأملتها لما أثارت فيك إلا الذهول والإعجاب.
شكوك
قال صاحبي:
- تقول إن القران لا يتناقض مع نفسه فما بالك بهذه الآية: "فمن شاء فليؤمن ومن شاءفليكفر" 39- الكهف
والآية الأخرى التي تنقضها: "وما تشاءون إلا أن يشاء الله"30- الإنسان
ثم نجد القرآن يقول عن حساب المذنبين إنهم سوف يسألون: "ستكتب شهادتهم ويسألون"19- الزخرف
"وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون"44- الزخرف
ومرة أخرى يقول: "ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون"78- القصص
وأنهم سوف يعرفون بسيماهم:
"فيؤخذ بالنواصى والأقدام" 41- الرحمن
ومرة يقول إنه لا احد سوف يشد وثاق المجرم.
"ولا يوثق وثاقه أحد"26- الفجر
بمعنى أن كل واحد سوف يتكفل بتعذيب نفسه.
"كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا" 14- الإسراء
ومرة يقول:
"ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه"32- الحاقة
قلت له:
هذه ليست تناقضات.. ولنفكر فيها معا، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.. آية صريحة تشير إلى حرية العبد واختياره.. ولكن هذه الحرية لم نأخذها من الله غصبا وغلابا.. وإنما أعطاها إيانا بمشيئته.. فتأتي الآية الثانية لتشرح دلك فتقول:
"وما تشاءون إلا أن يشاء الله "30- الإنسان.
أي أن حرية العبد ضمن مشيئة الرب وليست ضدها.. أي أن حرية العبد يمكن أن تناقض الرضا الإلهي فتختار المعصية ولكنها لا يمكن أن تناقض المشيئة.. فهي تظل دائما ضمن المشيئة، ولو خالفت الرضا.. وهي نقطة دقيقة.. وقلنا إن التسيير الإلهي هو عين التخيبر، لأن الله يختار للعبد من جنس نيته وقلبه.. ومعنى ذلك أنه يريد للعبد نفس ما أراد العبد لنفسه بنيته واختيار قلبه... أي أن العبد مسير إلى ما اختار.. ومعنى ذلك أنه لا إكراه و أنه لا ثنائية ولا تناقض.. وأن التسيير هو عين التخيير. وهي مسألة من أدق المسائل في فهم لغز المخير والمسير.. وما تسميه أنت تناقضا هو في الحقيقة جلاء ذلك السر.
أما الآيات الواردة عن الحساب فإن كل آية تعنى طائفة مختلفة، فهناك من سوف يسأل وتطلب شهادته، وهناك من ستكون ذنوبه من الكثرة بحيث تطفح على وجهه، وهؤلاء هم الذين سوف يعرفون بسيماهم فيؤخذون بالنواصى والأقدام، وهناك المعاند المنكر الذي سوف تشهد عليه يداه ورجلاه:
" اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون "65- يس
وهناك من سيكون حسيبا على نفسه يعذبها بالندم ويشد وثاقها بالحسرة.. وهو الذي لا يوثق وثاقه أحد.
وهناك أكابر المجرمين الجبارين الذين سوف يكذبون على الله، وهم يواجهونه ويحلفون الكذب وهم في الموقف العظيم:
"يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يجلفون لكم ويجسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون" 18- المجادلة
وهؤلاء هم الذين سوف يسحبون على وجوههم ويوثقون في السلاسل. . وأبو حامد الغزالي يفسر هذه السلاسل بأنها سلاسل الأسباب.
- وما رأيك في كلام القرآن عن العلم الإلهي:
" إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأي أرض تموت " 34- لقمان
يقول القرآن إن الله اختص نفسه بهذا العلم لا يعلمه غير.:
" وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو" 51- الأنعام
فما بالك الآن بالطبيب الذي يستطيع أن يعلم ما بالأرحام، ويستطيع أن يتنبأ إن كان ذكرا أم أنثى.. وما بالك بالعلماء الذين أنزلوا المطر الصناعي بالأساليب الكيماوية.
لم يتكلم القرآن عن إنزال المطر وإنما عن إنزال الغيث، وهو المطر الغزير الكثيف الذي ينزل بكميات تكفى لتغيير مصير أمة وإغاثتها ونقلها من حال الجدب إلى حال الخصب والرخاء.. والمطر بهذه الكميات لا يمكن إنزاله بتجربة.
أما علم الله لما في الأرحام فهو علم كلى محيط وليس فقط علما بجنس المولود هل هو ذكر أو أنثى، وإنما علم بمن يكون ذلك المولود وما شأنه وماذا سيفعل في الدنيا، وما تاريخه من يوم يولد إلى يوم يموت: وهو أمر لا يستطيع أن يعلمه طبيب.
- وما حكاية كرسى الله الذي تقولون إنه وسع السموات والأرض.. وعرش الله الذي يحمله ثمانية.
- إن عقلك يسع السموات والأرض وأنت البشر الذي لا تذكر.. فكيف لا يسعها كرسى الله..
والأرض والشمس والكواكب والنجوم والمجرات محمولة بقوة الله في الفضاء.. فكيف تعجب لحمل عرش..
- وما هو الكرسي وما العرش؟
- قل لي ما الإلكترون أقل لك ما الكرسي؟ قل لي ما الكهرباء؟ قل لي ما الجاذبية؟ قل لي ما الزمان؟ إنك لا تعرف ماهية أي شيء لتسألني ما الكرسي وما العرش؟ إن العالم مملوء بالأسرار وهذه بعض أسراره.
- والنملة التي تكلمت في القرآن وحذرت بقية النمل من قدوم سليمان وجيشه:
" قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده" 18- النمل
- لو قرأت القليل عن علم الحشرات الآن لما سألت هذا السؤال.. إن علم الحشرات حافل بدراسات مستفيضة عن لغة النمل ولغة النحل. ولغة النمل الآن حقيقة مؤكدة.. فا كان من الممكن أن تتوزع الوظائف في خلية من مئات الألوف ويتم التنظيم وتنقل الأوامر والتعليمات بين هذا الحشد الحاشد لولا أن هناك لغة للتفاهم، ولا محل للعجب في أن نملة عرفت سليمان.. ألم يعرف الإنسان الله؟
- وكيف يمحو الله ما يكتب في لوح قضائه:
"يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" 38- الرعد
أيخطى ربكم كما نخطى في الحساب فنمحو ونثبت.. أم يراجع نفسه كما نراجع أنفسنا.
- الله يمحو السيئة بأن يلهمك بالحسنة ويقول في كتابه:
"إن الحسنات يذهبن السيئات" 114- هود
ويقول عن عباده الصالحين:
"وأوحينا إليهم فعل الخيرات و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة" 73- الأنبياء.
وبذلك يمحو الله دون أن يمحو وهذا سر الآية 39 من سورة الرعد التي ذكرتها.
- وما رأيك في الآية؟
" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" 56- الذاريات
هل كان الله في حاجة لعبادتنا؟!
- بل نحن المحتاجون لعبادته.
أتعبد المرأة الجميلة حبا بأمر تكليف، أم أنك تلتذ بهذا الحب وتنتشى وتسعد لتذوقك لجمالها؟ كذلك الله وهو الأجمل من كل جميل إذا عرفت جلاله وجماله وقدره عبدته، ووجدت في عبادتك له غاية السعادة والنشوة. إن العبادة عندنا لا تكون إلا عن معرفة.. والله لا يعبد إلا بالعلم.. ومعرفة الله هي ذروة المعارف كلها، ونهاية رحلة طويلة من المعارف تبدأ منذ الميلاد وأول ما يعرف الطفل عند ميلاده هو ثدي أمه، وتلك أول لذة، ثم يتعرف على أمه وأبيه وعائلته ومجتمعه وبيئته، ثم يبدأ في
استغلال هذه البيئة لمنفعته، فإذا هي ثدي آخر كبير يدر عليه الثراء والمغانم والملذات، فهو يخرج من الأرض الذهب والماس، ومن البحر اللآلئ، ومن الزرع الفواكه والثمار، وتلك هي اللذة الثانية في رحلة المعرفة. ثم ينتقل من معرفته لبيئته الارضية ليخرج إلى السموات ويضع رجله على القمر، وبطلق سفائنه إلى المريخ في ملاحة نحو المجهول ليستمتع بلذة أخرى أكبر هي لذة استطلاع الكون، ثم يرجع ذلك الملاح ليسأل نفسه.. ومن أنا الذي عرفت هذا كله.. ليبدأ رحلة معرفة جديدة إلى نفسه.. بهدف معرفة نفسه والتحكم في طاقاتها وإدارتها لصالحه وصالح الآخرين، وتلك لذة أخرى. ثم تكون ذروة المعارف بعد معرفة النفس هي معرفة الرب الذي خلق تلك النفس. وبهذه المعرفة الأخيرة يبلغ الإنسان ذروة السعادات، لأنه يلتقى بالكامل المتعال الأجمل من كل جميل.. تلك هي رحلة العابد على طريق العبادة.. وكلها ورود ومسرات. وإذا كانت في الحياة مشقة، فلأن قاطف الورود لابد أن تدمى يديه الأشواك.. والطامع في ذرى اللانهاية لابد أن يكدح إليها.. ولكن وصول العابد إلى معرفة ربه وانكشاف الغطاء عن عينيه.. ما أروعه. يقول الصوفي لابس الخرقة: "نحن في لذة لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف " تلك هي لذة العبادة الحقة.. وهي من نصيب العابد.. ولكن الله في غنى عنها وعن العالمين.. ونحن لا نعبده بأمر تكليف ولكنا نعبده لأننا عرفنا جماله وجلاله.. ونحن لا نجد في عبادته ذلا بل تحررا وكرامة.. تحررا من كل عبوديات الدنيا.. تحررا من الشهوات رالغرائز والأطماع والمال.. ونحن نخاف الله فلا نعود نخاف أحدا بعده ولا نعود نعبأ باحد.. خوف الله شجاعة.. وعبادته حرية.. والذل له كرامة.. ومعرفته يقين وتلك هي العبادة..
حن الذين نجنى أرباحها ومسراتها.. أما الله فهو الغنى عن كل شيء.. إنما خلقنا الله ليعطينا لا ليأخذ منا.. خلقنا ليخلع علينا من كمالاته فهو السميع البصير، وقد أعطانا سمعا وبصرا وهو العليم الخبير، وقد أعطانا العقل لنتزود من علمه، والحواس لنتزود من خبرته وهو يقول لعبده المقرب في الحديث القدسى: "عبد أطعنى أجعلك ربانيا تقول للشيء كن فيكون "..
ألم يفعل هذا لعيسى عليه السلام.. فكان عيسى يحي الموتى بإذنه ويخلق من الطين طيرا بإذنه ويشفى الأعمى والأبرص بإذنه.
العبودية لله إذن هي عكس العبودية في مفهومنا.. فالعبودية في مفهومنا هي أن يأخذ السيد خير العبد، أما العبودية لله فهي على العكس، أن يعطى السيد عبده ما لا خدود له من النعم، ويخلع عليه ما لا نهاية من الكمالات.. فحينما يقول الله:
"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"56- الذاريات
فمعناها الباطن ما خلقت الجن والإنس إلا لأعطيهم وأمنحهم حبا وخيرا، وكرامة وعزة، وأخلع عليهم ثوب التشريف والخلافة.
فالسيد الرب غنى مستغن عن عبادتنا.. ونحن المحتاجون إلى هذه العبادة والشرف، والمواهب والخيرات التي لا حد لها.
فالله الكريم سمح لنا أن ندخل عليه في أي وقت بلا ميعاد، ونبقى في حضرته ما شئنا وندعوه ما وسعنا.. بمجرد أن نبسط سجادة الصلاة ونقول "الله أكبر" نصبح في حضرته نطلب منه ما نشاء.
أين هو الملك الذي نستطيع أن ندخل عليه بلا ميعاد و نلبث في حضرته ما نشاء؟!
وفي ذلك يقول مولانا العبد الصالح الشيخ محمد متولي الشعراوي في شعر جميل:
حسب نفسي عزا إنني عبد يحتفي بي بلا مواعيد رب هو في قدسه الأعز ولكن أنا ألقى متى وحين أحب ويقول: أرونى صنعة تعرض على صانعها خمس مرات في اليوم "يقصد الصلوات الخمس " وتتعرض للتلف وهذه بعض المعاني الباطنة في الآية التي أثارت شكوكك:
"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"ولو تأملتها لما أثارت فيك إلا الذهول والإعجاب.
تعليق