إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شــروط لا إله إلا الله ــ الشيخ أبو بصير

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شــروط لا إله إلا الله ــ الشيخ أبو بصير

    بســـــــــــــــم الله الرحمن الرحيم

    شــــــــروط لا إله إلا الله
    الشيخ أبو بصير



    مقدمة هـــامة :

    1- إن النصوص التي تفيد دخول الجنة لمن لم يعمل خيراً قط يجب أن تـُحمل على أن هذه الخطايا مهما عظمت فإنها خالية من الشرك أو الكفر الأكبر؛ لأن الشرك بمفرده يحبط العمل كلياً حتى لو كان صاحبه عنده من الأعمال الحسنة ملء السماوات والأرض ..
    قال تعالى:] إنه من يُشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة [المائدة:72.
    وغيرها من النصوص التي تفيد انتفاء الانتفاع من الحسنات المقرونة مع الشرك ..
    فكما أن التوحيد الخالص ينفع صاحبه مهما كان منه من عمل طالح عدا الشرك، كذلك الشرك فإنه ينفي النفع عن صاحبه مهما كان منه من عمل صالح، وهذه قاعدة سنية مطردة ـ دلت عليها نصوص الكتاب والسنة ـ

    2- إن الكفر والإيمان لا يمكن أن يجتمعان في الظاهر كذلك لا يمكن أن يجتمعان في الباطن في قلبٍ واحدٍ؛ فإذا حل الكفر في القلب أخرج الإيمان منه كلياً، وكذلك الإيمان لا يمكن أن يحل في القلب إلا بعد أن ينتفي منه الكفر أو الشرك مطلقاً، كما قال :" لا يجتمعُ الإيمان والكفر في قلب امرئٍ "
    لكن يمكن أن يجتمع في القلب إيمان ومعصية، أو إيمان وكفر أصغر، أو شرك أصغر .. والإيمان في هذه الحالة ينفع صاحبه .

    3- انه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون الموحدون .. فمهما قيل في وصف بعض العُصاة الذين يدخلون الجنة فمعاصيهم لا تخرجهم عن كونهم من المؤمنين الموحدين الذين استوفوا التوحيد شروطه .. والموحد لا يكون موحداً إلا إذا انتفى عنه مطلق الشرك الأكبر، وأفرد ربه وحده بالعبادة .
    كما في الحديث المتفق عليه:" لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة " .

    4- عند الحديث عن المسائل الكلية العامة كالتوحيد، والوعد والوعيد، وما يتعلق بذلك من مسائل الكفر والإيمان .. لا بد من مراعاة جميع النصوص الشرعية ذات العلاقة بالموضوع، وإعمالها بعضها مع بعض وجنباً إلى جنب من دون إهمال أو ترك شيءٍ منها، فما يُطلقه نص قد يخصصه ويقيده نص آخر، وما يُشكل معناه في نص قد يفسره نص آخر ،
    ومن القواعد المتفق عليها بين جميع أهل العلم، والتي دلت عليها نصوص الشريعة: رد المتشابه من الدين إلى المحكم منه، وجعل المحكم منه حكماً يُرد إليه المتشابه، ليفسره ويُبين المراد منه .. وليس العكس !!


    معنى لا إله إلا الله .

    لا إله إلا الله تعني: أن لا مألوه ولا معبود بحق في الوجود إلا الله تعالى .. فهي تقوم على ركنين أساسيين: ركن يتضمن جانب النفي المطلق لوجود الآلهة التي تستحق أن تُعبد في شيء، وهو المراد من الشطر الأول من الشهادة " لا إله .." .

    وركن آخر يتضمن جانب الإثبات؛ إثبات أن المعبود بحق هو الله تعالى وحده، وهو المراد من الشطر الثاني من الشهادة " إلا الله .." .
    ولا يكون المرء مؤمناً حتى يأتي بالركنين معاً: النفي والإثبات اعتقاداً، وقولاً، وعملاً ظاهراً وباطناً.
    قال تعالى عن نبيه إبراهيم ( وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون . إلا الذي فطرني فإنه سيهدين )الزخرف:26-27.

    قولنا " بحق " لتخرج بهذا الضابط الهام الآلهة الكاذبة التي تُعبد من دون الله بغير وجه حق عن وصفها وكونها آلهة تستحق أن تُعبد .. فهي إذ تُعبد من دون الله تعالى؛ تُعبد كآلهة مزيفة لا تستحق أن يُصرف إليها شيء مما يدخل في معنى العبادة.

    بهذا التعريف والتفسير لشهادة التوحيد ندرك فساد من يُعرِّف ـ وما أكثرهم في زماننا ـ شهادة التوحيد ويُفسرها بتوحيد الربوبية فقط؛ كقولهم معناها: لا خالق ولا ضار ولا نافع، ولا رازق، ولا مميت، ولا محيي، ولا مالك إلا الله I ..!

    وهذا المعنى وإن كان حقاً من جهة أن الله تعالى هو المتصف بجميع ما تقدم، إلا أنه ليس هو المعنى المراد وحده من شهادة التوحيد لا إله إلا الله ..!

    بل هذا المعنى كان المشركون من قبل يقرون به، ولا يُخالفون عليه الأنبياء، وإنما خالفوهم في الإله المستحق للعبادة، حيث صرفوا العبادة لآلهتهم وطواغيتهم وأصنامهم من دون الله تعالى مع علمهم وإقرارهم أن الخالق والمالك والضار والنافع هو الله وحده ..!

    لأجل ذلك كانوا كفاراً ومشركين، استحقوا الجهاد والقتال من قِبل الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم .

    كما قال تعالى:(ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولنَّ الله ) لقمان:25. وقال تعالى:( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون )المؤمنون:84-85 . ومع ذلك كانوا مشركين من جهة صرف العبادة لغير الله تعالى.



    شهادة التوحيد لا إله إلا الله تتضمن أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات .


    معنى الشرط :-

    الشرط:عرف الأصوليون الشرط بأنه هو ما يتوقف وجود الشيء على وجوده، ولا يلزم من وجوده وجود الشيء، لكن يلزم من عدمه عدم ذلك الشيء .
    فشهادة التوحيد من شروطها مثلاً: النطق والإقرار؛ لا تتحقق ولا تصح لا إله إلا الله إلا به، ولا يلزم من وجوده منفرداً ـ من دون بقية الشروط والأركان ـ وجود وتحقق لا إله إلا الله، ولكن عدم وجود هذا الشرط وغيابه يستلزم غياب وإنتفاء لا إله إلا الله كلياً .

    وهكذا بقية شروط لا إله إلا الله ـ التي سنأتي على ذكرها بالتفصيل إن شاء الله .


    شروط لا إله إلا الله :-

    لا إله إلا الله لها شروط عدة، لا يصح إيمان صاحبها إلا بها وهي:

    الشرط الأول: النطق والإقرار .

    حيث لا بد للمرء ابتداءً إن أراد الدخول في الإسلام، وأن يُجرى عليه حكمه ووصفه .. من أن يقر لفظاً بشهادة التوحيد، وصيغتها " أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله " .
    ومن أبى ـ مع القدرة ـ أن يقر بالشهادة لا يكون مسلماً معصوم الدم بالإسلام، وقال :" أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويُقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءَهم وأموالهم إلا بحقِّ الإسلام وحسابهم على الله " متفق عليه .


    مسألة: هل يُجزئ عن شهادة التوحيد شيء ..؟

    الراجح أن المرء لا يُجزئه شيء عن التلفظ بشهادة التوحيد إلا الصلاة، فمن رؤي يُصلي ولم يُعلم عنه من قبل التلفظ بشهادة التوحيد، يُحكم عليه بالإسلام، وتُجرى عليه أحكامه ومتعلقاته من حقوق وواجبات، لورود النص في ذلك.
    قال عليه الصلاة والسلام :" من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم له ذمة الله وذمة رسوله " البخاري .

    يتبـــع إن شاء الله ...
    ::.إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ.::



  • #2
    الشرط الثاني: الكفر بالطاغوت .
    من شروط صحة التوحيد الكفر بالطاغوت، إذ لا إيمان إلا بعد الكفر بالطاغوت ظاهرا وباطناً،
    قال تعالى :(فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ) البقرة:256 .
    والعروة الوثقى هنا كما نص على ذلك أهل العلم والتفسير هي: شهادة أن لا إله إلا الله؛ أي من أتى بالكفر بالطاغوت ثم أتبعه إيماناً بالله تعالى فهو الـذي يكون قد استمسك بالعروة الوثقى " لا إله إلا الله ".
    أما من لم يكفر بالطاغوت وإن آمن بالله تعالى لا يكون قد استمسك بالعروة الوثقى، ولا ممن وفوها حقها وشروطها.


    وفي الحديث، فقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:" من قال لا إلـه إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله ".
    فقوله صلى الله عليه وسلم :" وكفر بما يُعبد من دون الله " هو الكفر بالطاغوت ..

    فإن قيل: شهادة لا إله إلا الله يتضمن شطرها الأول المتضمن للنفي " لا إله .." جانب الكفر بالطاغوت، فعلام خص ثانية بالذكر كما ورد في الحديث الآنف الذكر ..؟
    أقول: ذلك لتوكيد الأمر وبيان أهميته، كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: فقوله " وكفر بما يعبد من دون الله تأكيد للنفي، فلا يكون معصوم الدم والمال إلا بذلك، فلو شك أو تردد لم يعصم دمه وماله .. واعلم أن الإنسان ما يصير مؤمناً إلا بالكفر بالطاغوت، والدليل قوله تعالى : ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ) .

    فإن قيل علام قُدم جانب النفي على جانب الإثبات في شهادة التوحيد وما الحكمة من ذلك ..؟
    هذا التقديم لجانب النفي على جانب الإثبات له فوائد وحكم عديدة هامة ومرادة لذاتها شرعاً:
    منها: أن من لا يأتي بهذا التقديم ويُراعه في نفسه ودينه يلزمه أن يأتي بالشرك والتوحيد معاً، يأتي بعبادة الطاغوت وعبادة الله تعالى في آنٍ واحد كما قال تعالى (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون )
    ومنها: أن عدم مراعاة هذا التقديم من لوازمه ـ ولا بد ـ حبوط العبادة وجميع الطاعات التي يقدمها المرء لله تعالى؛.. وقد تقدم أن الشرك يحبط العمل كلياً .
    وعليه من دخل في عبادة الصلاة أو الصوم أو الحج أو الزكاة أو غيرها من العبادات قبل أن يأتي بالكفر بالطاغوت والبراء منه ومن عبادته وحزبه .. لا تنفعه عبادته تلك في شيء، ولا تُقبل منه،ومن ذبح لله ألف ضحيةٍ ثم ذبح لنبي أو غيره فقد جعل إلهين اثنين( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له )
    و الطاغوت: هو كل ما عبد من دون الله ولو في وجه من أوجه العبادة، وهو راضٍ بذلك
    ومن عُبد من دون الله من جهة الخوف والرجاء .. فهو طاغوت ..
    ومن عُبد من دون الله من جهة الطاعة والتحاكم .. فهو طاغوت ..
    ومن عُبد من دون الله من جهة المحبة، والولاء والبراء .. فهو طاغوت
    وقال ابن القيم رحمه الله: الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعوه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله، فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم عدلوا من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت .
    وأهل الكتاب لم يعبدوا الأحبار والرهبان، ولكن اتبعوا شرعهم وتركوا شريعة الله، فسماهم الله عباداً لهم وسماهم مشركين , وهم لم يعبدوها بمعنى السجود والركوع، ولكنهم عبدوها بمعنى الإتباع والطاعة، وهي عبادة تُخرج صاحبها من عبادة الله ومن دين الله .

    صفة الكفر بالطاغوت :-
    الكفر بالطاغوت ليس بالتمني ولا بزعم اللسان من غير برهان أو عمل .. وصفته أن يُكفر به اعتقاداً وباطناً، وقولاً وعملاً .

    صفة الكفر الإعتقادي بالطاغوت: أن يُضمر له العداوة والبغضاء والكره في القلب، ويعتقد كفره وكفر من يدخل في عبادته من دون الله تعالى .
    وهذا الحد من الكفر بالطاغوت لا يُعذر أحد بتركه لأنه أمر مقدور عليه يستطيع كل امرئٍ أن يأتي به من دون أدنى ضرر أو حرج، لا سلطان لبشر يمكنه من الحيلولة بينه وبين اعتقاده هذا، وبالتالي لا يُعذر أحد بالإكراه فيما يضمر أو يعتقد لو اعتقد أو أضمر الكفر والرضى بالطاغوت، لأن الإكراه سلطانه على الجوارح الظاهرة لا الجوارح الباطنة .
    فهو أمر لا بد منه لأن خلافه يقتضي الرضى بالكفر .. الرضى القلبي بالطاغوت وإجرامه وكفره .. والرضى بالكفر كفر بلا خلاف .

    صفة الكفر القولي بالطاغوت: يكون ذلك بإظهار كفره وتكفيره باللسان، وإظهار البراءة منه ومن دينه وأتباعه وعبيده، وبيان ما هم عليه من باطل وشعوذة وكفر .
    كما قال تعالى(قل يا أيها الكافرون ..) حيث لا بد من مواجهتهم بهـذه الكلمة الساطعة والواضحة الدلالة والمعاني من غير التواء أو تلجلج أو ضعف التي تصف حقيقة حالهم وما هم عليه: يا أيها الكافرون .. يا أيهـا المشركون المجرمون !
    وقال تعالى(قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده )الممتحنة:4.
    فإبراهيم عليه السلام ومن آمن معه من المؤمنين أسوة حسنة لنا، في ماذا ..؟ في قولهم للمشركين ولطواغيتهم الذين يعبدونهم من دون الله: إنا برآء منكم ومن دينكم، ومن طواغيتكم .. كفرنا بكم وبما تعبدون من دون الله ..!

    صفة الكفر بالطاغوت عملاً: يكون ذلك باعتزاله واجتنابه وجهاده، وجهاد أتباعه وجنوده، وقتالهم إن أبوا إلا القتال، وعدم اتخاذهم أعواناً وأولياء، كما قال تعالى:( والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد )الزمر:16.
    وقال تعالى:( فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم )التوبة:12. وأئمة الكفر هم الطواغيت .

    مسألة: هل يصح إطلاق كلمة الطاغوت على المسلم، أم أن هذه الكلمة لا يجوز أن تُطلق إلا على الكافر الذي له صفة الطاغوت كما تقدم ..؟!
    أقول: الطاغوت على صيغة فعلوت؛ وهو من البغي والعدوان ومجاوزة الحد .. فمن كان بغيه وعدوانه وظلمه دون الكفر يُطلق عليه وصف الطاغوت على إعتبار معناه ودلالاته اللغوية وهي البغي والعدوان ومجاوزة الحد .. كما أطلق بعض السلف على الحجاج وغيره وصف الطاغوت أو الطاغية .. وأرادوا من ذلك المعنى اللغوي الآنف الذكر، ولم يريدوا أنه طاغوت بمعنى أنه كافر ويُعبد من دون الله .
    أما إن كان هذا البغي والظلم والعدوان .. بلغ بصاحبه درجة الكفر بالله ،فإن وصف الطاغوت يُحمل عليه بمعناه الإصطلاحي وهو المعبود من دون الله، وبمعناه اللغوي وهو العدوان ومجاوزة الحد .
    وللتميز بين الطاغوتين عند قراءة كتب أهل العلم والإستماع إليهم لا بد من النظر إلى مجموع سياق الكلام، والقرائن الواردة فيه التي تُعينك على تحديد نوع الطاغوت المراد من كلامهم .
    إلا أنني قد تتبعت كلمة الطاغوت في القرآن الكريم وفي السنة .. فكلها جاءت بمعنى الطاغوت الكافر الذي يُعبد من دون الله تعالى .. والله تعالى أعلم .

    يتبـــــــع إن شاء الله ...

    __________________
    ::.إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ.::


    تعليق


    • #3
      الشرط الثالث: العلم .

      العلم بالتوحيد شرط لصحته؛ لأن جاهل التوحيد كفاقده، وفاقد التوحيد لا يعتقده، ومن لا يعتقد التوحيد لا يكون مؤمناً ولا مسلماً، وهو كافر بلا خلاف .
      والدليل على صحة هذا الشرط قوله تعالى:(فاعلم أنه لا إله إلا الله ) محمد:19 .
      وتأتي أهمية هذا الشرط كذلك من جهة كونه يتقدم العمل بالتوحيد، وهو لازم له؛ لأن التوحيد لا يمكن العمل به إلا إذا تقدمه العلم .. فالعلم يتقدم العمل في كل شيءٍ، ولا يصح العكس في ذلك .
      ومن عكس القاعدة فقدم العمل على العلم عبد الله عن جهل وغير بصيرة .. وهذا مؤداه ـ ولا بد ـ إلى الانحراف والضلال والإحداث في الدين والعياذ بالله .

      ولا شك أن المراد من العلم هو العلم الذي يزيد صاحبه إيماناً ويقيناً، ويحمله على العمل والحركة من أجل إعلاء كلمة هذا الدين ..
      العلم الذي يحمل صاحبه على أن يوالي في الله ويُعادي في الله، ويحب في الله ويبغض ويجافي في الله ..
      العلم الذي يحمله على معاداة أعداء التوحيد وأهله، وموالاة أهل التوحيد وجنده ..
      العلم الذي يؤدي بصاحبه إلى الفهم الحقيقي لدلالات التوحيد ومتطلباته ..
      العلم الذي يحمله على العمل والالتزام ..
      العلم المستقى من الكتاب والسنة بعيداً عن إسلوب أهل الكلام ومسائلهم وتعقيداتهم الكلامية ..!
      أما المعرفة النظرية المجردة الباردة، التي لا تلامس حرارة القلوب واليقين .. ولا تحمل صاحبها على الالتزام والعمل فهي لا تغني عنه شيئاً، وهي لا تزيده إلا وزراً وإثماً ..!
      هذه المعرفة كان يتصف بها إبليس عليه لعائن الله، وأحبار ورهبان أهل الكتاب ومع ذلك ما نفعتهم في شيء، كما قال تعالى عنهم: (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ) البقرة:146. ومع ذلك لما لم يتبعوا هذه المعرفة بالمتابعة والانقياد لتعاليم وهدي الشريعة فلم تنفعهم معرفتهم شيئاً .
      وقال ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل 1/242: الكفر يكون بتكذيب الرسول فيما أخبر، أو الامتناع عن المتابعة مع العلم بصدقه، مثل كفر فرعون واليهود ونحوهم .ا-هـ.
      فالمعرفة المجردة للتوحيد شيء، والعلم بالتوحيد الذي يحمل صاحبه على الالتزام والعمل والفهم الصحيح شيء آخر، وهو المطلوب من حديثنا عن شرط العلم المتقدم .

      مسألة هامة في بيان حال وحكم جاهل التوحيد .
      اعلم أن هذه المسألة من جملة المسائل التي أخطأ فيها كثير من الناس؛ حيث فريق منهم جنح ومال فيها إلى الإفراط وفريق آخر جنح ومال إلى التفريط ..!
      كما أن هذه المسألة لا يصح فيها قول واحد ـ معذور أو غير معذور، كافر أو غير كافر من دون تفصيل يوضح وجهة الحق في المسألة، والمنهج الوسطي الذي دلت عليه النصوص الشرعية، والذي عليه عقيدة أهل السنة والجماعة.
      وعليه فأقول: جاهل التوحيد قسمان :-
      -كافر أصلي. 2- مسلم من أهل القبلة .
      والكافر الأصلي الجاهل للتوحيد قسمين كذلك:
      1- قسم معذور بالجهل. 2- قسم غير معذور بالجهل .

      الكافر الجاهل المعذور بالجهل: هو الكافر الذي لم تبلغه نذارة الرسل بأي وجه من الوجوه، ولم يتمكن من الوقوف عليها بنفسه لظروف قاهرة تحيل بينه وبين ذلك .
      فهذا الراجح فيه أنه لا يُجزم له بعذاب ولا جنة، وأن له حكم أهل الأعذار الذين يعتذرون على الله تعالى يوم القيامة؛ كالأصم الذي لم يسمع شيئاً، والأحمق الخرف، وصاحب الفترة الذي مات في الفترة ولم تبلغه نذارة الرسل
      ولكن عدم الجزم بلحوق الوعيد والعذاب به لا يمنع عنه أن يُحكم عليه في الدنيا بأنه كافر يطاله اسم الكفر ووصفه**

      أما القسم الآخر: وهو الذي لا يعذر بالجهل وإن كان جاهلاً، وحكم الكفر يطاله في الدنيا والآخرة، ويُجزم له بالعذاب لو مات على كفره وشركه؛ وصفته أن تبلغه الدعوة ولكن لا يرفع بها رأساً ولا يُحرك لأجلها ساكناً، فهو تراه يؤاثر الخمول والجهل على العلم والتعلم ..!!
      وكذلك الكافر الذي يقع في الجهل وهو قادر على دفعه لو أراد لكنه لا يفعل إيثاراً للدنيا ومشاغلها، أو لأي سبب آخر ..!

      فهذا والذي قبله وإن كان جاهلاً بحقيقة التوحيد إلا أن جهله ـ بعد بلوغ النذارة إليه ـ لا يمنع عنه لحوق الوعيد في الآخرة، وحكم الكفر يُحمل عليه في الدنيا والآخرة .. فليس كل جهل يكون عذراً لصاحبه، كما أنه ليس كل جهل لا يكون عذراً لصاحبه .

      أما المسلم الجاهل فهو كذلك أقسام:
      1- قسم دخل الإسلام لكنه يجهل بعض أصول التوحيد أو بعض ما يدخل في معنى العبادة لعجزٍ لا يمكن دفعه؛ كالذي يكون حديث عهدٍ بالإسلام، أو كالذي يسكن في منطقة نائية عن العلم ومظانه؛ لا العلم يصله، ولا هو يستطيع أن يصل العلم .. فهذا وإن وصف ما وقع فيه من مخالفة بالكفر إلا أن حكم الكفر لا يطاله بعينه في الدنيا، ولا تُجرى عليه أحكامه وتبعاته، وكذلك حكم الوعيد في الآخرة فإنه لا يطاله إلا بعد قيام الحجة الرسالية عليه، وإزالة الموانع عنه التي حالت بينه وبين تعلم التوحيد .

      2- قسم يجهل بعض أصول التوحيد وشروطه الضرورية ـ التي لا يصح الإيمان إلا بها ـ عن غير عجزٍ، أو عن عجز يمكن له دفعه لو أراد، لكنه لا يفعل إيثاراً للدعة أو الدنيا وملذاتها .. فهذا وأمثاله وإن كان كفره من جهة الجهل لما هو ضروري من الدين والتوحيد فإنه لا يُعذر بالجهل، وحكم الكفر يطاله بعينه في الدنيا، وفي الآخرة لو مات عليه، ولا يُشترط لتكفيره قيام الحجة عليه؛ لأن الحجة قائمة عليه وهي معروضة عليه صباح مساء لكنه هو الذي لا يأتيها ولا يطلبها .. !!
      قسم وقع في مخالفة بعض ما يدخل في فروع العقيدة والتوحيد، كالكلام على بعض مسائل الصفات كما هو حال الأشاعرة وغيرهم .. فإنهم
      آثمون يطالهم وصف الضلال والإحداث في الدين دون وصف وحكم الكفر.
      أما حكمهم في الآخرة .. فهم وغيرهم من العصاة من أهل القبلة لا يُشهد لهم ـ على وجه التعيين ـ بعذاب ولا جنة، وأمرهم إلى الله تعالى إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم .. مع بقاء القول على العموم أن أصحاب هذا القول أو أصحاب هذه المعاصي يستحقون عليها الوعيد والعذاب يوم القيامة لورود النصوص العديدة في ذلك .
      أما من يقع في هذا النوع من المخالفة عن تأويل أو اجتهاد معتبر، أو جهل مُعذر فإنه لا يطاله بعينه وصف الضلال والإحداث في الدين، وإن كان الفعل ذاته هو من الضلال والإحداث .. حتى تقوم عليه الحجة الشرعية، التي تدفع عنه العجز في إدراك مراد الشارع فيما قد خالف فيه.
      هذا تقسيم وتفصيل ضروري لمن أراد أن يخوض في مثل هذه المسائل، أوردناه هنا بإيجاز شديد، فمن لم يقنع به وأراد التفصيل والأدلة على ما ذُكر فعليه بكتابنا " العذر بالجهل " وكذلك " قواعد في التكفير " .. عسى أن يجد فيهما ما يبتغيه ويريده .

      ضوابط قيام الحجة على الجاهل:
      لقيام الحجة على الجاهل المخالف ضوابط، منها:
      ــ أن يكون الجاهل المخالف ممن يُعذرون بالجهل؛ وصفته أنه يقع في المخالفة الشرعية عن جهل معجز لا يمكن له دفعه ..!
      أما إن كان جهله عن غير عجزٍ، أو عن عجزٍ يمكن لصاحبه دفعه لكنه لا يفعل .. فهذا مما لا يُعذرون بالجهل، ولا يُشترط لتكفيره ـ لو وقع في الكفر البواح ـ قيام الحجة؛ لأن الحجة معروضة عليه، وهو الذي لا يريدها ولا يُحرك ساكناً نحوها ..!
      ــ تقوم الحجة الشرعية على الجاهل المخالف ببلوغ المعلومة الشرعية الصحيحة التي تحسم مادة الجهل عنده فيما قد خالف فيه .
      فلو كان كفره مثلاً من جهة استحلاله للخمر، فبلغه الخطاب الشرعي في حرمة الزنى، والربى أو غير ذلك .. فالحجة الشرعية لا تكون قد قامت عليه حتى يبلغه الخطاب الشرعي الذي يفيد حرمة الخمر؛ وسبب ذلك أن الخطاب الشرعي الذي يفيد حرمة الزنى لا يدفع عنه العجز في جهل حرمة الخمر ..
      ــ يشترط في الحجة أن تصل الجاهل بلغة يفهمها ويفهم المراد منها، ولا يُشترط أن يقتنع بها، ففهم الخطاب شيء وهو شرط، والاقتناع المؤدي إلى الالتزام شيء آخر وهو ليس شرطاً .
      المهم في قيام الحجة أن تصل الجاهل بلغة يفهم المراد منها بغض النظر عن الوسيلة التي تنقل إليه هذه المعلومة الشرعية التي بها يندفع جهله .
      فهذه الوسيلة ـ الحاملة للحجة ـ قد تكون كتاباً، أو مجلة، أو عن طريق المذياع أو مواقع الإنترنت، أو الدعاة إلى الله .. أو غير ذلك .
      المهم في هذه الوسيلة أن تملك المعلومة الشرعية الصحيحة التي تدفع عنصر الجهل عند الجاهل وهذا شرط، ولا يُشترط في الذي يقيم الحجة أن يكون عالماً مجتهداً أصولياً إلى آخر القائمة التي يفترضها مرجئة العصر من بنات عقولهم وأهوائهم ..!
      لكن إن قيل يُشترط فيمن يُقيم الحجة أن يكون عالماً بالمسألة التي يريد أن يُقيم بها الحجة على الجاهل المخالف .. فهو قول حق؛ لأن جاهل الشـيء
      كفاقده، وفاقد الشيء لا يُمكن أن يعطيه للآخرين .
      ــ يكفي لقيام الحجة الشرعية على الكافر الأصلي ـ الذي لم تبلغه من قبل نذارة الرسل ـ أن يسمع العبارة التالية، وهي: أن محمداً رسول الله للعالمين، يدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله .. فإن بلغته هذه العبارة بلغة يفهمها فقد قامت عليه الحجة الشرعية، ولم يعد يُعذر بالجهل لو قابل هذه الدعوة بالرد أو الإعراض أو الإهمال .. وهو كافر في الدنيا والآخرة، يطاله الوعيد ويُشهد له به لو مات على كفره .
      والدليل على ما تقدم قوله صلى الله عليه وسلم:" والذي نفس محمدٍ بيده لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمة، يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت إلا كان من أصحاب النار " مسلم .
      فدل الحديث أن من سمع بالنبي عليه الصلاة والسلام على نحو ما تقدم ولم يؤمن به إلا هو من أهل النار الخالدين فيها .
      أما الصيغة التي تُقام بها الحجة على المسلم الجاهل فهي تختلف بحسب نوع المخالفة التي وقع فيها؛ وبحسب ظروف الجاهل والشبهات المحيطة به فهناك مثلاً مخالفة تُقام فيها الحجة بعبارة واحدة أو أن يبلغه فيها حديث أو آية واحدة، وهناك مخالفات قيام الحجة فيها قد تحتاج إلى بيان وشرح وتفصيل، وربما إلى مناظرات ومراجعات بحسب نوع الشبهات وحجمها ..

      كما أن هناك مخالفات حمالة أوجه، والكفر فيها غير صريح ولا بواح .. وفي مثل هذه الحالات لا بد من مراعاة قصد صاحبها، والنظر هل يُريد ويقصد منها الوجه المكفر أم لا، وبخاصة إن صدرت هذه المخالفات عمن عرف بالعلم والاجتهاد، وسابقة جهاد وابتلاء في سبيل هذا الدين .. فمثل هؤلاء لا بد من توسيع دائرة التأويل في حقهم ومراعاة قصدهم والنظر ابتداءً ما الذي حملهم على المخالفة .. قبل إصدار الأحكام المتسرعة بحقهم !
      ومثل هذه المراعاة للقصد لا يجوز أن تقال عند ورود الكفر البواح الصريح ووقوع المرء فيه .. فتنبه لذلك !


      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      ** مع الانتباه أن الكافر الذي لم تبلغه نذارة الرسل لا تجوز مبادأته بالقتال قبل بلوغ الدعوة إليه، بخلاف الكافر الذي بلغته الدعوة فقابلها بالرد والإعراض .. فهذا تجوز مبادأته بالقتال من دون سابق إنذار .


      يتبـــــــــع إن شــــاء الله ...
      __________________
      ::.إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ.::


      تعليق


      • #4
        الشرط الرابع:الصدق والإخلاص .
        من شروط صحة التوحيد الصدق والإخلاص، لقوله صلى الله عليه وسلم: " ما من أحدٍ يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار " البخاري .
        وقال تعالى: فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يُشرك بعبادة ربه أحداً  الكهف:110. فمن شروط صحة العبادة الإخلاص؛ وهو المراد من قوله تعالى: ولا يُشرك بعبادة ربه أحداً  ومن أخص ما يدخل في معنى العبادة التوحيد .. فمن أتى به على غير وجـه الإخلاص كان منافقاً ولا يُقبل منه. وقال تعالى:(وما أُمروا إلا ليعبدوا اللهَ مخلصين له الدين حنفاء ) البينة:5.
        فالله تعالى أمر عباده أن يعبدوه ويوحدوه على وجه الإخلاص والصدق .


        الشرط الخامس: إنتفاء الشك وحصول اليقين .
        من شروط شهادة التوحيد إنتفاء الشك، وحصول اليقين بها وبمتطلباتها وشروطها، كما قال تعالى: (وقالوا إنا كفرنا بما أُرسلتم به وإنا لفي شكٍّ مما تدعوننا إليه مريب . قالت رسلُهم أفي الله شكٌّ فاطِرِ السماوات والأرض ) إبراهيم:9-10.
        فهم كفروا لأنهم شكوا في صحة دعوة الرسل لهم؛ ودعوة الرسل لهم على ممر الأزمان هي التوحيد، والدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله .. كما قال تعالى: (وما أرسلنا من رسولٍ إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )الأنبياء:25. وما من رسول إلا قال لقومه: ( اعبدوا الله مالكم من إله غيره ) الأعراف:59.
        وعليه فمن يشك بالتوحيد أو بأي أمر معلوم من الدين بالضرورة فهو في حقيقة أمره يشك بالله تعالى، وبصدق أنبيائه ورسله الذين بلغوا عنه سبحانه وتعالى ما أوحاه إليهم من الدين ..!
        وقال صلى الله عليه وسلم : " من يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة " مسلم.
        مفهوم الحديث أن من يشهد أن لا إله إلا الله وهو غير مستيقن قلبه بها وبمتطلباتـها لا تبشره بالجنة، ومن يُحرم الجنة لا مسكن له إلا نار جهنم أعاذنا الله منها .

        واليقين بالتوحيد: هو العلم الجازم ـ الذي ينتفي عنه أدنى شكٍّ أو ريب ـ بأن الله تعالى واحد أحد في خصائصه وإلهيته وربوبيته، وأسمائه وصفاته، لا شريك له في شيءٍ من ذلك، وأنـه تعالى وحده المستحق للعبادة .


        يتبــــــــــع إن شاء الله ...
        __________________
        . . .
        ::.إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ.::


        تعليق


        • #5
          الشرط السادس: العمل بها .

          ومن شروط صحة شهادة التوحيد العمل بها وبمتطلباتها ظاهراً وباطناً، وهو الغاية منها ومن نزولها على الأنبياء والرسل، كما قال تعالى: (وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويُقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ) البينة:5. وقال تعالى: (ومـا خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون ) الذاريات:56. أي ليوحدون ..
          فمن أبطل العمل بالتوحيد كشرط لصحته أبطل الدين وأمات روحه، وأبطل حق الله على العبيد، والغاية التي لأجلها خلق الله الخلق وأنزل الكتب، وأرسل الرسل، كما قال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) الأنبياء:25
          هذه الآيات وغيرها تفيد حصر مهام وغاية الرسل جميعاً في تحقيق التوحيد حق الله تعالى على العبيد، وكأنهم ليس لهم مهمة سوى تحقيق ذلك، كما قال الصحابي ربعي بن عامر رضى الله عنه لطاغوت فارس عندما استجوبه عن الغاية من انبعاثهم وغزوهم لدياره: لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن سجن الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة !
          وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري وغيره عن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال: كنت رديف النبي عليه الصلاة والسلام على حمار فقال لي: يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال:" حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يُشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يُعذب من لا يُشرك به شيئاً " قلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس ؟ قال:" لا تبشرهم فيتكلوا " متفق عليه.
          فحق الله على العبيد أن يعبدوه ظاهراً وباطناً ولا يُشركوا به شيئاً ظاهراً وباطناً، وهو المراد من شهادة أن لا إله إلا الله
          ؛ يوضح ذلك الرواية الأخرى عن أنس بن مالك رضى الله عنه ومعاذ رديفه على الرحل، قال يا معاذ: ما من أحدٍ يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار، قال: يا رسول الله، أفلا أخبر الناس فيستبشروا ؟ قال:" إذاً يتكلوا " متفق عليه.

          مما دل أن المراد من الحديث الآخر :" ما من أحدٍ يشهد أن لا إله إلا الله .." ليس المراد مجرد التلفظ بالشهادة من دون تحقيق التوحيد حق الله على العبيد عملاً، وظاهراً وباطناً .. فالأحاديث تفسر بعضها البعض، والإنصاف يقتضي إعمالها جميعاً جنباً إلى جنبٍ من دون إهمال أو ترك شيءٍ منها .
          ولو كان الأمر ينتهي عند حد القول دون العمل لما امتنع كفار قريش عن إجابة النبي صلى الله عليه وسلم إلى دعوته، ولأعطوه " لا إله إلا الله " لفظاً مع بقائهم على شركهم وعاداتهم الوثنية، ولاستراحوا وأراحوا، ولما بذلوا أرواحهم وكل ما يملكون مقابل دفع كلمة التوحيد وعدم الاستجابة لها ..!
          ولكن لما علموا أن من لوازم الإقرار بشهادة التوحيد العمل بها وبمضمونها ..
          من لوازمه تكسير الأصنام والأوثان واعتزال عبادتها .. والانخلاع كلياً من الشرك وعبادة الأنداد ..
          قابلوها بهذه الحرب وبهذا العناد والإعراض الذي لم يعرف التاريخ مثيلاً له ..!!
          ولأجل ذلك كله كذلك بذلوا للنبي  كل غالٍ ونفيس من مالٍ وملكٍ ورياسة، وعرضوا عليه كل ما تستشرفه النفوس وتتمناه مقابل أن يعفيهم من الإقرار والانصياع لشهادة التوحيد لا إله إلا الله ..
          أبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبل منهم شيئاً إلا بعد أن يجيبوه أولاً إلى التوحيد بشموليته: اعتقاداً وقولاً وعملاً، ظاهراً وباطناً ..!

          مسألة :-
          اعلم أن الإنسان يصير كافراً ـ من جهة ترك الأعمال ـ في حالتين:
          الحالة الأولى: أن يترك جنس العمل والطاعة، فلا يصلي، ولا يصوم، ولا يحج، ولا يزكي ماله، ولا يفعل شيئاً من الطاعات .. فهذا كافر خارج من الإسلام مهما زعم بلسانه أنه مسلم أو من المؤمنين .
          هذا مذهب علماء المسلمين قديماً وحديثاً، فمن قال غير هذا فهو مرجئ خبيث، احذره على دينك، والدليل على هذا قول الله تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ) .
          الحالة الثانية: أن يأتي بجنس العمل ولا يُحرم مطلق الطاعات العملية، لكنه يترك العمل بالتوحيد .. فأيضاً هذا كافر خارج من الإسلام، لا ينتفع بشيءٍ من الأعمال والطاعات الأخرى التي قام بها كما تقدم .
          قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختلف شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس وأمثالهما ا-هـ .


          __________________
          ::.إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ.::


          تعليق


          • #6
            جزاك الله كل خير اخوي علي المجهود الرائع والطيب


            تقبل الله منك هذا العمل وجعله في ميزان حسناتك


            دمت بحفظ الرحمن ورعايته
            إن لله عباداً فطنا .. طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
            نظروا فيها فلما علموا .. أنها ليست لحييٍ وطنا
            جعلوها لجةً واتخذوا .. صالح الأعمال فيها سفنا

            تعليق


            • #7
              جزاك الله خيرا
              و بارك الله فيك


              وجزاك الله كل خير اخوي علي المجهود الرائع والطيب

              تعليق


              • #8
                وبارك الله فيك وجزاكم الله كل خير
                #################
                اذا تكرر نفس التوقيع سيتم طردك من المنتدى المرة القادمة
                الادارة

                تعليق


                • #9
                  جزاك الله خيرا
                  و بارك الله فيك

                  [fot1]
                  سرايا القدس امتداد لسرايا الرسول صلى الله عليه وسلم[/fot1]

                  تعليق


                  • #10
                    جزاك الله كل خير أختاه وجعل الله هذا العمل في ميزان حسناتك
                    ولكن يا ريت نجد آذان صاغيه وعقول تفهم معنى كلمه التوحيد
                    (( لا اله الا الله .......... محمد رسول الله ))


                    فإننا عزمنا أن نعيش شرفاء أو نموت شهداء , فخذوا حذر كم أيها الجبناء

                    تعليق


                    • #11
                      جزيتي خيرا أختي الكريمة
                      في ميزان حسناتك
                      والى الامام ان شاء الله
                      أيها العضو الصديق لا بأس أن تؤيد رأيك بالحجة و البرهان .....

                      كما لا بأس أن تنقض أدلتي ، وتزييف مما تعتقد أنك مبطل له
                      .....

                      لكن هناك أمر لا أرضاه لك أبدا ما حييت ، ولا أعتقد أنه ينفعك
                      ؟

                      الشتم و السباب

                      تعليق

                      يعمل...
                      X