الوقفة الأولى
الشقاقي و فلسفة الشهادة
الحمد لله الذي أكرمنا بالانتماء لهذا الركب الطاهر، ركب الشهادة و الشهداء و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطاهرين و صحبه وبعد:
الإخوة الأحبة أبناء الإيمان و الوعي و الثورة لا يمكن ان تمر علينا لحظات الذكرى دون الخروج بمعان و دروس و حيث يكون الحديث عن الشقاقي فان أبواب الفكر تنفتح على المرحلة لتستوعب كل الإحداث بثوابها و متغيراتها و حيث يكون الحديث عن شخصية الدكتور الشهيد فلا بد من الحديث عن فلسفة الخاصة و نظراته لمجريات الأمور لا سيما الحركية منها ومن أهم المصطلحات الفكرية لدى الدكتور و فلسفة الشهادة.
بادئ ذي بدء لم يكن يخلو حديث أو بيان أو مؤتمر أو مناسبة وكان يشترك بها الدكتور رحمه الله إلا و كان الحديث عن الشهادة حاضراً مثل الحديث عن فلسطين و لم تكن الشهادة تنفك أو تنفصل عن قضية فلسطين في مخيلة و فكر الشقاقي فكان خيار الشهادة وفي إطار الكفاح المسلح و المواجهة عبر الخط الجهادي ضد الصهاينة كانت الشهادة حاضرة كخيار استراتيجي في إطار العمل الاستشهادي و ترتيبات العمل الميداني و النظم العسكرية.
ففي أعراس الشهادة و الشهداء و احتفالات التأبين كان التصريح بوضوح بأن الشهادة مفتاح الوصول لقلب العدو و اختراقه صفوفه و ضربه لزرع قناعة الرعب لدى الصهاينة و ثقافة المهابة من أحزمة الاستشهاديين أصحاب الضمائر الحية ووقود البلوغ حتى النصر أو التحرير ، فمن أشهر ما قال" فلسطين قلب العرب وقلب المسلمين و مركز الصراع الكوني اليوم بين تمام الحق وتمام الباطل وعلينا ان نختار بين أبد الذل و الهوان وبين الحرب حتى النصر أو الشهادة، هذه ارض الرباط إلى يوم القيامة وحدهم الأموات سيشهدون نهاية الحرب هكذا كان الشقاقي يتحدث عن الشهادة كخيار استراتيجي في مرحلة التحرر وفي إطار المواجهة المباشرة مع الصهاينة و للشهادة مغزى واضح لدى الدكتور الشهيد في المفهوم الفكري، فلقد كانت الشهادة و الحديث عن الشهداء يستلهب الجماهير و يبرز الوجه المشرق لأبناء فلسطين و كانت احداث الشهادة و نهر الدم المتدفق في فلسطين وكان الشقاقي يستثمر فرصة الدم المسفوح ليحاول بذلك إذابة الجليد المتراكم بين نفوس أبناء الشعب الواحد، حاثاً الجميع على الوفاء للدم المسفوح غدرا كما كان الحال في المجازر الصهيونية المتكررة آنذاك.... منبها أن هذا الدم إنما هو فلسطين بالدرجة الأولى متغافلا عن الصبغة التنظيمية وكأنه يريد ان يقول بأن العدو حين يقتل الفلسطيني لا يميزه وذلك من شأنه أن يرسخ في أذهان الجميع ان التوحد خلف خيار الشهادة و الاجتماع سوية في صف الجهاد و المقاومة هو ما يحمي جدارنا الداخلي من الاختراق أو الانهيار ثم ينتقل الشهيد للحديث عن الشهادة كحلم خاص لطالما حلم به منذ كان صغيرا فكان يراه الحكم المقبل وكان حين يسأل عن التصفية كان يردد بانتظام لقد عشت أكثر مما أتوقع و أكثر مما كنت أتصور و حارس العمر الأجل و الشهادة لطالما حلمت بها و يكاد يبكي وان لم ترىَ دموعه في وداع الشهداء لأنهم سبقوه كان يتمنى أن يكون في كل مواجهة و حاضر في كل ملأ مقاتل في فلسطين، كان يبحث عن الشهادة و تعددت وسائل بحثه و كان يميزه صدق التوجه و عزمه ومضيه في يقين وحسن ظنه بربه بأنه سيلقاه شهيدا، لقد رحل الشقاقي أيها الأحبة وترك فينا قناعة الشهادة وعلينا ان نفهم فلسفتها حقا كما فهمها الشقاقي رضوان الله عليه، عيشوا شهداء بفكركم و سلوككم و أحسنوا الظن بربكم في اختيار ، و تمنوا اللحظات الأخيرة لتلقوا ما تمناه و لقيه الشقاقي " أيها الأحبة ان الشهداء برحيلهم ينسجون لنا ثوب الحياة لا لننتحر و نذهب ، إنما لنواصل حمل أعباء المرحلة و استكمال مشروع من سبقونا لنستنتج في يوم من الأيام وعبر دمائنا ثوبا جديدا من الحياة لمن يعدنا هذه فلسفة الشهادة لمن أراد اقتفاء الأثر.
تعليق