قبل أكثر من نصف قرن كتب الشاعر التركي الكبير ناظم حكمت في إحدى قصائده قائلا "عصري لا يخيفني"، فماذا سيكتب أي شاعر عربي عن هذا العصر الذي اختلط فيه الحابل بالنابل؟ إنه عصر انقلاب المفاهيم وانهيار المبادئ وذبح القيم، عصر الدوس على الأخلاق والبحث عن مصطلحات وتبريرات إدانتها وسط الحروب الطاحنة على السلطة والثروة والمال. عصر الحزبية الطاغية على حساب الأوطان التي تتفتت قربانا على مذابح الحكم.
إنه عصر الانحطاط وقلب المفاهيم وشرعنة التآمر على الأوطان وتدميرها وبيعها جثة هامدة لتجار الأعضاء بالقطعة، إنه عصر اختلط فيه الدين بالنفط لينتح فتوى استدعاء الأجنبي بطائراته وأجهزة مخابراته لاستباحة الجغرافيا العربية والتاريخ العربي المصلوب بأموال النفط وفتاوى النفط وإعلام النفط.
نحن في عصر أصبحت فيه الغاية تبرر الوسيلة هكذا بكل بساطة ولم تعد هناك أدوات للقياس، فقديما كان للثوري طعم ولون ورائحة تحدث عنها جيفارا رمز الثوار في العالم، في زمن الربيع العربي أصبح الثوري برائحة البترول، في زمن الثورات الحقيقية كان يقاس ببعد المسافة بينه وبين أميركا، الآن أصبح يقاس بحجم الاقتراب والتحالف مع أميركا وأن يتلقى معلوماته من المخابرات المركزية وأسلحة البنتاجون فقد أصبحت واشنطن قبلة الثوار ....!
إنه عصر الصراع على السلطة وسط إفلاس العرب وفشلهم في اللحاق بالأمم، عصر الفقر وانقطاع الكهرباء وجيوش البطالة، وجيوش الضمير الذين تحدث عنهم هيكل الذين انهاروا أمام المال ( عزمي بشارة نموذجا ) والشيخ القرضاوي الذي أفتى بطلب العون من الناتو يصطفون طوابير على أبواب سلاطين الإمارات أحدهم مدججا بالفكر والآخر بالدين وبفتوى التشريع على حساب الدم المصري والليبي والسوري والفلسطيني والقائمة لم تنته بعد .
لا بكاء على أنظمة الدومينو التي سقطت والتي ستسقط، أنظمة الفساد والعجز والسجون والقمع، ولا عزاء بأنظمة تتقدم على أسنة الرماح الغربية وكأن على العربي أن يختار قدره بين الفشل والفشل، بين التواطؤ والمؤامرة، فما أنتجته الثورات حتى اللحظة مدعاة للتفكير ، في تونس يفوز حزب النهضة ليسافر راشد الغنوشي إلى أميركا ويقول ما لا يقال، وفي مصر يرفض الرئيس مرسي رسالة التهنئة من بشار الأسد ويقبل تهنئة شمعون بيرس واعداً إياه "بالعمل على تحقيق الأمن والاستقرار لكل شعوب المنطقة بما فيها الشعب الإسرائيلي".
في سورية الجيش الحر ليس حراً فهو محمول على أكتاف القوات الخاصة الأميركية والمخابرات التركية والمال القطري وإعلام النفط، وحين تسقط سورية وهي لا بد وأنها ستسقط لأن سلوك الحكم في سورية الذي اتصف بالفاشية، قدم ما يكفي من التحريض عليه وإقناع الناس بضرورة رحيله، وحين تحضر أساطيل المال والإعلام والسلاح فلا بد لبشار أن يرحل.
قبل عامين فقط لو أن منجماً سياسياً قال إن قطر ستقود ثورات الديمقراطية والتحرر في العالم العربي وأن الأخوان المسلمين سيحكمون وسيرسل أحد قادتهم رسالة لإسرائيل يتعهد فيها بتحقيق أمن شعوب المنطقة بما فيها " أمن الشعب الإسرائيلي " لكان الأمر أشبه بنكتة سمجة، ولو حلم أي منا بذلك سيخجل من الإفصاح عن حلمه لأنه سيصبح مدعاة للسخرية وبعيدا عن الأحلام، هذا هو الواقع الجديد دون أي محاولة تجميل، إنه الصعود الثوري نحو الهاوية.
أخرجت الثورات العربية فتنة الطائفية من القمقم لأنها ثورات لم تحمل قيم الثوار فالمنطقة كانت قد تجاوزت تلك الحالة لعقود ليعود الصراع والحديث عن سني وشيعي ومسلم ومسيحي وكردي وتركماني ودرزي وعلوي والحبل على الجرار، وحين تغرق المنطقة بتفاصيل الطائفية فهذه ليست لها حدود، ولن تبقى دولة عربية موحدة وأحداث دهشور الأخيرة بمصر شاهدة وطلب حماية المسيحيين نموذجاً، فمن كان يتحدث في مصر عن قبطي ومسلم؟ فالمنطقة كانت قد قطعت شوطا في التحضر ومن يتحدث باسم الأخوان المسلمين عليه أن يدرك أن المقابل سيكون الأخوان المسيحيين وبعدها الأخوان الشيعة والأخوان العلويين وغيرهم في أسوأ عملية تدمير لبنية المجتمع المدني لإنشاء دويلات دينية تبرر بعد ذلك قيام "الدولة اليهودية" فمن سيعيد هذه الفتنة إلى مهدها ..؟
اعتقدنا في البداية أن الثورات العربية كما عادة الثورات ستحرر المنطقة من التبعية للغرب لتكتشف أن الغرب مطمئن أنها أينما ذهبت ستسقط في يده، فقد كانت الولايات المتحدة كما الخليفة هارون الرشيد الذي يراقب الغيمة مطمئنا لسيرها لأن خراج مطرها في جيبه، فهل كانت كذلك؟ السلوك الأميركي يعكس تخوفا لدى كل المتابعين لما يحدث في المنطقة .
رسالة الرئيس المصري للرئيس الإسرائيلي هي رسالة طبيعية بين رئيسي دولتين محكومتين باتفاقية ولا ينبغي أن تأخذ أكثر من حجمها، والمشكلة أن حاشية الرئيس حاولت تكذيب خبر إرسالها وكأنها تشعر بارتكاب خطأ أو أن الأمر معيب لتنهال عليها الانتقادات ليس بسبب الرسالة بل لمحاولة الإخفاء وهي لم تدرك الكمين الإسرائيلي الذي لن يتكتم عليها، فقد كتب الصحافي الإسرائيلي بوعز بسموت في صحيفة إسرائيل اليوم " لقد نشرنا الرسالة لإخراج مرسي من الخزانة " والناس تحاكم المسؤولين على مبادئهم وهنا كانت أزمة الرسالة.
لكن هذا لا يعني النيل من الرئيس المصري على طريق إضعافه وسط استغلال أزمات مصر اليومية، فالمهمة الآن إعادة هيبة مصر على طريق قيادة العرب حتى لا تسقط أكثر رهينة للمال والسياسة، فقوة مصر هي من يضمن الخروج من التبعية وهذا يتطلب دعم الرئيس مرسي لا إضعافه لأن إضعافه يعني تسليم مصر للغرب وليس لهذا بدأت الثورات.
إن أصدق توصيف للحالة العربية صدر عن الرئيس الأميركي أوباما حين قال عن ثورات الخمسينات والستينات أنها " حررت الدول العربية ولكنها لم تحرر المواطن العربي " صحيح أن المواطن العربي ظل بائسا ووقع تحت طغيان الحكم العسكري الوطني الذي سيطر كما الاحتلال على ثروات الشعوب لصالح الأسر الحاكمة، ولكن يبدو أنه خرج بثورات الربيع العربي كافرا بكل شيء حتى بالقيم والمبادئ ولم يجد حرجا بالتعاون مع الغرب .. إنه زمن انقلاب المفاهيم ..!
إنه عصر الانحطاط وقلب المفاهيم وشرعنة التآمر على الأوطان وتدميرها وبيعها جثة هامدة لتجار الأعضاء بالقطعة، إنه عصر اختلط فيه الدين بالنفط لينتح فتوى استدعاء الأجنبي بطائراته وأجهزة مخابراته لاستباحة الجغرافيا العربية والتاريخ العربي المصلوب بأموال النفط وفتاوى النفط وإعلام النفط.
نحن في عصر أصبحت فيه الغاية تبرر الوسيلة هكذا بكل بساطة ولم تعد هناك أدوات للقياس، فقديما كان للثوري طعم ولون ورائحة تحدث عنها جيفارا رمز الثوار في العالم، في زمن الربيع العربي أصبح الثوري برائحة البترول، في زمن الثورات الحقيقية كان يقاس ببعد المسافة بينه وبين أميركا، الآن أصبح يقاس بحجم الاقتراب والتحالف مع أميركا وأن يتلقى معلوماته من المخابرات المركزية وأسلحة البنتاجون فقد أصبحت واشنطن قبلة الثوار ....!
إنه عصر الصراع على السلطة وسط إفلاس العرب وفشلهم في اللحاق بالأمم، عصر الفقر وانقطاع الكهرباء وجيوش البطالة، وجيوش الضمير الذين تحدث عنهم هيكل الذين انهاروا أمام المال ( عزمي بشارة نموذجا ) والشيخ القرضاوي الذي أفتى بطلب العون من الناتو يصطفون طوابير على أبواب سلاطين الإمارات أحدهم مدججا بالفكر والآخر بالدين وبفتوى التشريع على حساب الدم المصري والليبي والسوري والفلسطيني والقائمة لم تنته بعد .
لا بكاء على أنظمة الدومينو التي سقطت والتي ستسقط، أنظمة الفساد والعجز والسجون والقمع، ولا عزاء بأنظمة تتقدم على أسنة الرماح الغربية وكأن على العربي أن يختار قدره بين الفشل والفشل، بين التواطؤ والمؤامرة، فما أنتجته الثورات حتى اللحظة مدعاة للتفكير ، في تونس يفوز حزب النهضة ليسافر راشد الغنوشي إلى أميركا ويقول ما لا يقال، وفي مصر يرفض الرئيس مرسي رسالة التهنئة من بشار الأسد ويقبل تهنئة شمعون بيرس واعداً إياه "بالعمل على تحقيق الأمن والاستقرار لكل شعوب المنطقة بما فيها الشعب الإسرائيلي".
في سورية الجيش الحر ليس حراً فهو محمول على أكتاف القوات الخاصة الأميركية والمخابرات التركية والمال القطري وإعلام النفط، وحين تسقط سورية وهي لا بد وأنها ستسقط لأن سلوك الحكم في سورية الذي اتصف بالفاشية، قدم ما يكفي من التحريض عليه وإقناع الناس بضرورة رحيله، وحين تحضر أساطيل المال والإعلام والسلاح فلا بد لبشار أن يرحل.
قبل عامين فقط لو أن منجماً سياسياً قال إن قطر ستقود ثورات الديمقراطية والتحرر في العالم العربي وأن الأخوان المسلمين سيحكمون وسيرسل أحد قادتهم رسالة لإسرائيل يتعهد فيها بتحقيق أمن شعوب المنطقة بما فيها " أمن الشعب الإسرائيلي " لكان الأمر أشبه بنكتة سمجة، ولو حلم أي منا بذلك سيخجل من الإفصاح عن حلمه لأنه سيصبح مدعاة للسخرية وبعيدا عن الأحلام، هذا هو الواقع الجديد دون أي محاولة تجميل، إنه الصعود الثوري نحو الهاوية.
أخرجت الثورات العربية فتنة الطائفية من القمقم لأنها ثورات لم تحمل قيم الثوار فالمنطقة كانت قد تجاوزت تلك الحالة لعقود ليعود الصراع والحديث عن سني وشيعي ومسلم ومسيحي وكردي وتركماني ودرزي وعلوي والحبل على الجرار، وحين تغرق المنطقة بتفاصيل الطائفية فهذه ليست لها حدود، ولن تبقى دولة عربية موحدة وأحداث دهشور الأخيرة بمصر شاهدة وطلب حماية المسيحيين نموذجاً، فمن كان يتحدث في مصر عن قبطي ومسلم؟ فالمنطقة كانت قد قطعت شوطا في التحضر ومن يتحدث باسم الأخوان المسلمين عليه أن يدرك أن المقابل سيكون الأخوان المسيحيين وبعدها الأخوان الشيعة والأخوان العلويين وغيرهم في أسوأ عملية تدمير لبنية المجتمع المدني لإنشاء دويلات دينية تبرر بعد ذلك قيام "الدولة اليهودية" فمن سيعيد هذه الفتنة إلى مهدها ..؟
اعتقدنا في البداية أن الثورات العربية كما عادة الثورات ستحرر المنطقة من التبعية للغرب لتكتشف أن الغرب مطمئن أنها أينما ذهبت ستسقط في يده، فقد كانت الولايات المتحدة كما الخليفة هارون الرشيد الذي يراقب الغيمة مطمئنا لسيرها لأن خراج مطرها في جيبه، فهل كانت كذلك؟ السلوك الأميركي يعكس تخوفا لدى كل المتابعين لما يحدث في المنطقة .
رسالة الرئيس المصري للرئيس الإسرائيلي هي رسالة طبيعية بين رئيسي دولتين محكومتين باتفاقية ولا ينبغي أن تأخذ أكثر من حجمها، والمشكلة أن حاشية الرئيس حاولت تكذيب خبر إرسالها وكأنها تشعر بارتكاب خطأ أو أن الأمر معيب لتنهال عليها الانتقادات ليس بسبب الرسالة بل لمحاولة الإخفاء وهي لم تدرك الكمين الإسرائيلي الذي لن يتكتم عليها، فقد كتب الصحافي الإسرائيلي بوعز بسموت في صحيفة إسرائيل اليوم " لقد نشرنا الرسالة لإخراج مرسي من الخزانة " والناس تحاكم المسؤولين على مبادئهم وهنا كانت أزمة الرسالة.
لكن هذا لا يعني النيل من الرئيس المصري على طريق إضعافه وسط استغلال أزمات مصر اليومية، فالمهمة الآن إعادة هيبة مصر على طريق قيادة العرب حتى لا تسقط أكثر رهينة للمال والسياسة، فقوة مصر هي من يضمن الخروج من التبعية وهذا يتطلب دعم الرئيس مرسي لا إضعافه لأن إضعافه يعني تسليم مصر للغرب وليس لهذا بدأت الثورات.
إن أصدق توصيف للحالة العربية صدر عن الرئيس الأميركي أوباما حين قال عن ثورات الخمسينات والستينات أنها " حررت الدول العربية ولكنها لم تحرر المواطن العربي " صحيح أن المواطن العربي ظل بائسا ووقع تحت طغيان الحكم العسكري الوطني الذي سيطر كما الاحتلال على ثروات الشعوب لصالح الأسر الحاكمة، ولكن يبدو أنه خرج بثورات الربيع العربي كافرا بكل شيء حتى بالقيم والمبادئ ولم يجد حرجا بالتعاون مع الغرب .. إنه زمن انقلاب المفاهيم ..!
تعليق