أيها العقل الفلسطيني أين أنت؟
تقول أغنية شعبية عراقية:
اللّي مضيّع حبيب يمكن سنة ويلقاه
اللّي مضيع ذهب يمكن في سوق الذهب يلقاه
واللّي مضيع وطن وين يا حسرة الوطن يلقاه؟
إذا كانت قصص التراث تحدثنا عن كثيرين فقدوا عقولهم لضياع الحبيب المرجو لقاؤه، فماذا يمكن أن يكون حال من ضاع منه الوطن، وأي أرض يمكن أن تسعه بعد وطنه؟!
منذ النكبة الأولى، أو قبلها، ونحن نتقلب على جمر الصبر ونحمل الوطن جرحاً في القلب لا يندمل، لكننا بقينا بكامل وعينا، ولم نفقد عقولنا التي ظلّت دوماً شعلة متقدة وبوصلة تؤشر للوطن وترسم سارقة في مركز دائرة الهدف فلا تخطئه أبداً. بعد أوسلو اختلف الأمر، فالعقل الفلسطيني «المخمود» بالتسوية طالت مدة غيابه، ويوماً بعد يوم، يخفت الأمل في أن يفيق أو أن يجمع الله شمله علينا، لا سيما أن «جمع الشمل» الفلسطيني مازال اختصاماً إسرائيلياً!
لا أكتمكم أن تضامن السلطة الفلسطينية ومسؤوليتها أثلج صدري وأنعش قهري (القهر المنتعش هو اختراع جديد أو منتج وطني في زمن الحكم الذاتي وسنصدّره إلى كل أنحاء العالم قريباً، ونجني مليارات الدولارات من الدول المانحة) لكن لا أخفيكم أيضاً أن هذه «النخوة السلطوية» دفعتني لأن أتفقد عقلي من جديد، علماً بأن تحسس الرأس وتفقد العقل أصبح رياضة أمارسها بانتظام مع كل نشرة أخبار منذ توقيع اتفاق أوسلو فأردد مقولة أجدادنا وآبائنا الطيبين: «يا رب يا مثبت العقل والدين».
السلطة تأخذها الحمية وتشجع مسيرات الاحتجاج على لا إنسانية الاحتلال الصهيوني لسجنه واعتقاله أبناء شعبنا ورفض الإفراج عنهم.. لكن ماذا عن السجناء والمعتقلين من مناضلي شعبنا ومجاهديه في سجون السلطة؟!
هل يمكن للسلطة أن تخبرنا لماذا سُجنوا ولمصلحة من؟!
هل يمكن للسلطة أن تعلمنا كيف يمكن لهؤلاء السجناء والمعتقلين في سجونها أن يتضامنوا مع إخوانهم في سجون ومعتقلات العدو؟!
هل بإمكانهم إعلان الإضراب عن الطعام؟ وهل سيكون إضرابهم صرخة توقظ الضمير العالمي المقبور في الأمم المتحدة ضد جرائم إسرائيل؟
أم سيكون «ندبة» على الضمير الفلسطيني الذي «فطس» في أوسلو، فجاءتنا روحه وطاردنا شبحه سجاناً يحتج على اعتقال الآخر لنا، لكنه يعتقلنا لمصلحة الآخر؟!
اللهم لا اعتراض على حكمك يا رب!
«وزير عدل السلطة» يطالب بإعدام من يبيع أرضه لليهود... ويقول لصحيفة «الاتحاد» التي تصدر في حيفا الأسبوع الماضي «الذي يسمسر على قضايا الوطن لا مكان له بيننا» ويضيف «معالي الوزير» «الأرض الفلسطينية في الضفة والقدس هي وقف فلسطيني لا يجوز العبث بها أو الاستيلاء عليها لذلك لن نتردد في فرض حكم الإعدام، لأن بيع الأرض خطيئة من الخطايا ولن نغفر لمن يقترفها».
مثلي لا يستطيع الصعود إلى الهاوية لمناقشة كل كلمة في كلام «الوزير» لكن أكتفي بسؤالين: إذا كانت أرض الضفة والقدس «وقف فلسطيني» لا يجوز العبث بها، فهل أرض حيفا ويافا وبئر السبع «وقف إسرائيلي» من يبدده يستحق الجائزة «ومن طراز نوبل طبعاً»؟!
«يا مثبت العقل والدين يا رب».. العصابات الصهيونية كانت شعارها «بالدم والنار سقطت يهوذا، بالدم والنار تقوم يهوذا». ومنذ ما يقرب من نصف قرن ونحن نسمع شعارات «بالدم والنار سقطت فلسطين» واليوم نسمع أنه بالكوكاكولا وأضواء مراسم توقيع الاتفاقات تقوم الدولة!
قد يفقد شخص عقله لفقد حبيب له، لكن لا يفقد شعب عقله الجمعي لفقدان أرضه أو ضياع وطنه إلا إذا قرر بإرادته أن يضع عقله في جيب السلطة التي تحيا على وهم السلام مع مخلوق بشع مسلح من رأسه حتى أخمص قدميه يدعى «إسرائيل».
نعم.. كلام «وزير العدل» عين العدل! إن بيع الأرض أو التفريط فيها خطيئة وجريمة لا تغتفر، لذا على السلطة أن تراجع نفسها وأن توقف هذه المغامرة المصيرية التي ينحدر قطارها بسرعة فائقة إلى الهاوية.
وإذا كانت السلطة «قلبها محروق على أسرى «القفص الإسرائيلي» لدى العدو، فإن عليها أن تطلق سراح من في «قفصها الوطني!».
وإلى أن تدرك الجماهير الغفيرة التي يعتبرونها «أرانب» التجارب الإسرائيلية والأميركية في «القفص الذاتي الكبير» أصرخ مع خالص الحب والدعاء بالفرج لأهلنا في الأقفاص الثلاثة: أيها العقل الفلسطيني.. أين أنت؟
محمد الفاتح
23/06/1995
تقول أغنية شعبية عراقية:
اللّي مضيّع حبيب يمكن سنة ويلقاه
اللّي مضيع ذهب يمكن في سوق الذهب يلقاه
واللّي مضيع وطن وين يا حسرة الوطن يلقاه؟
إذا كانت قصص التراث تحدثنا عن كثيرين فقدوا عقولهم لضياع الحبيب المرجو لقاؤه، فماذا يمكن أن يكون حال من ضاع منه الوطن، وأي أرض يمكن أن تسعه بعد وطنه؟!
منذ النكبة الأولى، أو قبلها، ونحن نتقلب على جمر الصبر ونحمل الوطن جرحاً في القلب لا يندمل، لكننا بقينا بكامل وعينا، ولم نفقد عقولنا التي ظلّت دوماً شعلة متقدة وبوصلة تؤشر للوطن وترسم سارقة في مركز دائرة الهدف فلا تخطئه أبداً. بعد أوسلو اختلف الأمر، فالعقل الفلسطيني «المخمود» بالتسوية طالت مدة غيابه، ويوماً بعد يوم، يخفت الأمل في أن يفيق أو أن يجمع الله شمله علينا، لا سيما أن «جمع الشمل» الفلسطيني مازال اختصاماً إسرائيلياً!
لا أكتمكم أن تضامن السلطة الفلسطينية ومسؤوليتها أثلج صدري وأنعش قهري (القهر المنتعش هو اختراع جديد أو منتج وطني في زمن الحكم الذاتي وسنصدّره إلى كل أنحاء العالم قريباً، ونجني مليارات الدولارات من الدول المانحة) لكن لا أخفيكم أيضاً أن هذه «النخوة السلطوية» دفعتني لأن أتفقد عقلي من جديد، علماً بأن تحسس الرأس وتفقد العقل أصبح رياضة أمارسها بانتظام مع كل نشرة أخبار منذ توقيع اتفاق أوسلو فأردد مقولة أجدادنا وآبائنا الطيبين: «يا رب يا مثبت العقل والدين».
السلطة تأخذها الحمية وتشجع مسيرات الاحتجاج على لا إنسانية الاحتلال الصهيوني لسجنه واعتقاله أبناء شعبنا ورفض الإفراج عنهم.. لكن ماذا عن السجناء والمعتقلين من مناضلي شعبنا ومجاهديه في سجون السلطة؟!
هل يمكن للسلطة أن تخبرنا لماذا سُجنوا ولمصلحة من؟!
هل يمكن للسلطة أن تعلمنا كيف يمكن لهؤلاء السجناء والمعتقلين في سجونها أن يتضامنوا مع إخوانهم في سجون ومعتقلات العدو؟!
هل بإمكانهم إعلان الإضراب عن الطعام؟ وهل سيكون إضرابهم صرخة توقظ الضمير العالمي المقبور في الأمم المتحدة ضد جرائم إسرائيل؟
أم سيكون «ندبة» على الضمير الفلسطيني الذي «فطس» في أوسلو، فجاءتنا روحه وطاردنا شبحه سجاناً يحتج على اعتقال الآخر لنا، لكنه يعتقلنا لمصلحة الآخر؟!
اللهم لا اعتراض على حكمك يا رب!
«وزير عدل السلطة» يطالب بإعدام من يبيع أرضه لليهود... ويقول لصحيفة «الاتحاد» التي تصدر في حيفا الأسبوع الماضي «الذي يسمسر على قضايا الوطن لا مكان له بيننا» ويضيف «معالي الوزير» «الأرض الفلسطينية في الضفة والقدس هي وقف فلسطيني لا يجوز العبث بها أو الاستيلاء عليها لذلك لن نتردد في فرض حكم الإعدام، لأن بيع الأرض خطيئة من الخطايا ولن نغفر لمن يقترفها».
مثلي لا يستطيع الصعود إلى الهاوية لمناقشة كل كلمة في كلام «الوزير» لكن أكتفي بسؤالين: إذا كانت أرض الضفة والقدس «وقف فلسطيني» لا يجوز العبث بها، فهل أرض حيفا ويافا وبئر السبع «وقف إسرائيلي» من يبدده يستحق الجائزة «ومن طراز نوبل طبعاً»؟!
«يا مثبت العقل والدين يا رب».. العصابات الصهيونية كانت شعارها «بالدم والنار سقطت يهوذا، بالدم والنار تقوم يهوذا». ومنذ ما يقرب من نصف قرن ونحن نسمع شعارات «بالدم والنار سقطت فلسطين» واليوم نسمع أنه بالكوكاكولا وأضواء مراسم توقيع الاتفاقات تقوم الدولة!
قد يفقد شخص عقله لفقد حبيب له، لكن لا يفقد شعب عقله الجمعي لفقدان أرضه أو ضياع وطنه إلا إذا قرر بإرادته أن يضع عقله في جيب السلطة التي تحيا على وهم السلام مع مخلوق بشع مسلح من رأسه حتى أخمص قدميه يدعى «إسرائيل».
نعم.. كلام «وزير العدل» عين العدل! إن بيع الأرض أو التفريط فيها خطيئة وجريمة لا تغتفر، لذا على السلطة أن تراجع نفسها وأن توقف هذه المغامرة المصيرية التي ينحدر قطارها بسرعة فائقة إلى الهاوية.
وإذا كانت السلطة «قلبها محروق على أسرى «القفص الإسرائيلي» لدى العدو، فإن عليها أن تطلق سراح من في «قفصها الوطني!».
وإلى أن تدرك الجماهير الغفيرة التي يعتبرونها «أرانب» التجارب الإسرائيلية والأميركية في «القفص الذاتي الكبير» أصرخ مع خالص الحب والدعاء بالفرج لأهلنا في الأقفاص الثلاثة: أيها العقل الفلسطيني.. أين أنت؟
محمد الفاتح
23/06/1995
تعليق