لبنــــان ...لماذا!! الى ايـــن؟؟
ــــــــــــــــــــ
نظرة اوليةــــــــــــــــــــ
من نافلة القول ان انتهاء الحرب الباردة على الصعيد الدولي قد افرز القوة العالمية احادية الرأس المتمثلة بالولايات المتحدة الامريكية، والناتج الاولي هو سعي القوة المطلقة الى التحكم بالعالم عبر مسار تحدده رؤيتها ومصالحها ، ومع تقسم العالم الى مناطق طبقا لمستويات المصلحة والاولويات ، وطبقا لتحديد مواطن القوة والضعف ، ومع المحاولات الاوروبية لتعبئة الفراغ الناشيء عن غياب الاتحاد السوفياتي كقوة دولية ، اصبحت منطقة الشرق الاوسط هي في موقع الاولوية المطلقة ، كونها مقترنة بأمرين اساسيين اخرين لهم طابع الاستراتيجية العليا في السياسة الامريكية وهما وجود النفط والكيان الصهيوني ، فالاول يمثل عمق القوة الاقتصادية الصناعية في العالم وعصبها الرئيسي فيما الثاني يمثل العمق المنهجي والفكري ، وفي تلكم المرحلة عينها برز المحافظون الجدد عبر الرئيس الامريكي ريغان الذي تتمثل لديه بزور العقيدة المسيحية الصهيونية المؤمنة بشدة بضرورة تسهيل انشاء الكيان اليهودي تمهيدا للعودة المرتقبة للسيد المسيح عليه السلام ، وريغان يعتبر الاب الروحي في العصر الامريكي الحديث لهذا الفكر .وقد توصل الى انشاء مجموعة عمل متقدمة ومتطورة تستهدف التهيئة للسيطرة على مفاصل القرار في الادارة الامريكية وبالتالي في العالم بهدق تحقيق رؤيتها الفكرية عبرها والتي نجحت بالتمثل في السيطرة عبر ادارة جورج بوش الابن ، ورفعت شعارا استراتيجيا متداورا لملء فراغ الوجود العسكري المباشر عبر منهجية الفوضى الخلاقة والتي تقضي بتحقيق متغيرات دراماتيكية تؤدي الى هدم دعائم الفكر القومي لمصلحة الشمولية العلمية الاقتصادية تحت شعارات براقة كالديمقراطية والعدالة والتقدم ، وتفكيك المجتمعات ذات الطابع القومي الى اثنيات وعرقيات متناحرة لتسهيل السيطرة المطلوبة لاجل تحقيق مجموعة الاهداف المنتقاة حسب كل مرحلة .
عجالة تاريخية للبنان
مفاصل رئيسية سريعة حول لبنان تمكننا من فهم التالي من الاحداث عبر ربطها بسياقها، فالتركيبة اللبناني وادعاء التفرد فيها والذي يتم تداوله كثيرا ليس مجرد اهواء او انتقاص من الواقع بل هو في حقيقته خروجا عن المسار ، فمنذ زمن الامبراطورية العثمانية كانت امارة جبل لبنان كما العديد من الجبال البعيدة المعزولة مأوى لاقليات عرقية او دينية كالمسيحيين والدروز ، والموارنة بشكل خاص كانوا اغلبية مسيحية سبق لها وان خاضت معارك تهدف السيطرة على الامارة في وجه الحكام الدروز او المسلمين وقد كانت الغلبة بينهم تبعا لطبيعة علاقاتهم بالحكام العثمانيين المهتمين اصلا بتوطيد دعائم سيطرتهم عبر حكام موالين ينفذون رغباتهم ، والمذهب الماروني هو خاص باللبنانيين فهم ليسوا من اتباع الكنيستين الكاثوليكية او البروتستانتية ،كما انهم لا يتبعون مسيحيي الشرق الذين هم جزء من تركيبة الامة العربية وجودا وتكوينا وثقافة ، بل يعتقدون انفسهم امتدادا للثقافة العربية وتمثيلا لوجودها في الشرق ما شكل تمايزا فارقا بينهم وبين الطوائف الشرقية من المسيحيين وفي علاقاتهم مع المسلمين ، وفي خضم الصراع الدولي بين العثمانيين من جهة وكل من بريطانيا وفرنسا من جهة اخرى انعكس الفكر الانتمائي الماورني ليشكل واحدة من اسس الصراع الاوروبي مع السلطنة وانتزعت فرنسا عبر علاقاتها مع الموارنة العديد من الامتيازات من الحكم العثماني باعتبارها وصية حضارية دينية وثقافية للارث الماروني المسيحي في لبنان ، وهو الاثر الذي استمر تفاعله زمن الانتداب الفرنسي للبنان بعد انهيار الحكم العثماني ، وصولا الى مرحلة ما سمي بالاستقلال والذي يمثل حالة نادرة منفردة فقد قامت سلطات الاحتلال في جميع الدول التي كانت تحتلها بمنحها الاستقلال دون تحديد الهوية القومية او الدينية لها الا في لبنان فقد عمدت فرنسا الى كسر القاعدة ومكنت الموارنة من تأطير حركتهم السياسية وتدعيمها لتشكل حالة موازية تشترط منحها دورا مشاركا في الهوية كثمنا للاستقلال ، واستنت لهذا اعرافا خاصة لتزاوج بين الجمهورية وعملية الغاء السمة الدينية الاسلامية عنها ومنع ابراز هوية الانتماء القومي باعتبار ان المسيحيين في لبنان ويمثلهم الموارنة يشكلون عاملا قوميا خاصا ان لم يكن اوروبيا غربيا ، فهو ليس بعربي ، وقد ارتضى الطرف الاخر اي المسلمون بهذه المعادلة في ظل توازن القوى الذي كان يميل وبقوة لمصلحة الموارنة ، وهكذا نشأ ما اصطلح على تسميته بالمارونية السياسية ، والتي كانت نقطة تجاذب بين الدين والهوية على مدى وجود الدولة وبنائها . ( يتبـــــع )
تعليق