كتب رئيس التحرير ناصر اللحام – الانقلاب العسكري هو قيام جهة سياسية أو عسكرية داخل نفس البلد بالسيطرة على مقاليد الحكم والقصر الرئاسي ومقر التلفزيون الحكومي ومقار السيادة والحدود والخزينة بقوة السلاح – أما الانقلاب المسلح الدموي فهو نفس الفعل السابق ولكن وجراء القيام به سالت دماء وسقط قتلى من العسكريين والمدنيين – أما الانقلاب الأبيض فهو السيطرة على الحكم من دون استخدام السلاح عن طريق عزل الزعيم أو الحكومة وتعيين حكومة أو زعيم بديل للبلاد ، وأما التمرد فهو انقلاب عسكري في إقليم غير العاصمة وعدم إطاعة الأوامر الصادرة عن العاصمة أو القيادة المركزية .
وقد اعتمدت الكثير من الثورات وحركات التحرر أسلوب الانقلاب العسكري لتحقيق غاياتها وفاخرت في ذلك مثل انقلاب فلاديمير ايليتش لينين على القيصر في روسيا في أكتوبر 1917 أو محاولات الثائر الفنزويلي الانقلاب العسكري في بوليفيا أو دعوات حركة القوميين العرب إلى انقلابات عسكرية في الدول العربية في الستينيات عن طريق ضمّ جنرالات في الجيش لصالح أفكارها وتحقيق تغيير نظام الحكم ولم تعتبر ذلك بأنه شتيمة أو مثلبة في تاريخها .
وفي صيف 2007 حدث ما حدث في غزة – والذي تكتب عنه وتعتبره وكالة معا انقلابا عسكريا بكل معنى الكلمة – فيما لا تكتب معا عما فعله حزب الله في صيف 2008 في بيروت انه انقلاب عسكري لان حزب الله لم يدخل السرايا ولم يجرد الجيش من أسلحته ولم يقتحم مقرات الأمن أما حماس فاقتحمت المقرات ومقر الرئيس ومنزله وهيئة الإذاعة والتلفزيون ومثلها ؟
وفي كل مرة نكتب ونقول " انقلاب حماس في غزة " يغضب مثقفو حماس ، ويلومون من يقول ذلك ، وبعض الرؤوس الحامية في حماس تعتبرها مخالفة تستحق العقاب !ولكننا لم نكتب أبدا أن حماس صاحبة انقلاب قبل يوم 14 حزيران 2007 لان الأحداث ورغم قسوتها قبل ذلك اليوم كانت اقتتال بين تيار مسلح في فتح وتيار مسلح في حماس في ظل وجود المقار السيادية والشرطة والأمن الوطني وقوات الحدود والمعابر الرسمية التابعة للسلطة .
وبعد عام على ذلك الحدث ، سألت احد قادة حماس وقلت له : إننا نقول انقلاب عبد السلام عارف على الملك فيصل في العراق ولا يغضب العراقيون ، ونقول انقلاب جمال عبد الناصر على الملك فاروق ولا يغضب الناصريون ،ونقول انقلاب حافظ الأسد على نور الدين الاتاسي ولا يغضب العلويون ،ونقول انقلاب عبد الفتاح إسماعيل على الرئيس علي ناصر محمد في اليمن ولا يغضب القحطانيون ،ولا ننسى الدول العربية التي وقع فيها انقلاب ابيض ( من دون سلاح ) وانقلب الحكم فيها مثل تونس وقطر وعدد لا يحصى من الأمثلة في العالم ، ونقول انقلاب امريكا على مانويل نوريغا في بنما 1989 ولا يغضب الواشنطونيون وهلمجرا ... وإذا قلنا انقلاب حماس على أجهزة أمن السلطة في غزة تغضب حماس فلماذا ترفض حماس الاعتراف بما حصل وتحشرنا في مرحلة الإنكار طالما هي تعتبر القيادة الفلسطينية سلطة رجعية يجب التخلص منها وهذا واضح من خلال خطابها الاعلامي بعد الانقلاب ؟
ضحك المسئول الحمساوي من مداخلتي وقال : من ناحية العلوم السياسية قد يبدو انقلابا ولكننا نعتقد أن من يقول ذلك يقصد الإساءة لحماس من خلال استخدام المصطلح .
قلت : أوليس من المأساة أن نبدأ نحن الفلسطينيون بمحاكمة بعضنا البعض بناء على ما نعتقد أن الآخرين يعتقدون عنا ؟ أوليس من الخطأ أن نعتقد بأن الآخر يعتقد أننا أعداء له فنبدأ نحن بالإنكار والرفض ؟ وهذا ينسحب على كل الفصائل ؟
وفي ذكرى انقلاب حماس في غزة .... نريد أن نذكر جمهور القراء بالايجابيات التالية التي يمكن أن نكون قد نسيناها في معمعان القتال :
• إن الفلسطينيين ورغم الاحتلال ورغم اغتيال الزعيم ياسر عرفات ذهبوا إلى صناديق الاقتراع ونفذوا عملية انتخابات نزيهة بشهادات عالمية.
• إن فتح كانت أول حزب عربي سياسي يتنازل عن السلطة لصالح حزب معارض ويسلمه مقاليد الحكم ويؤمن يتداول السلطة .
• أن حماس كانت أول حركة أسلامية عربية تؤمن بالانتخابات الديمقراطية وتخوضها بشرف وتنجح فيها سلميا ومن دون إراقة نقطة دم واحدة .
• إن الرئيس محمود عباس كان أول زعيم عربي في التاريخ المعاصر يصدر مرسوما مرتين متتاليتين لحزب منافس لحزبه مثل حماس لترؤس حكومتين مناهضتين لتوجهاته السياسية والأمنية.
• إن الاحتلال هو الذي حاصر الحكومتين ومنع العالم من التعامل معها وقايضتنا حكومة الرئيس بوش حليب أطفالنا بحكومتنا فاخترنا حكومة الوحدة الوطنية يوما وحليب أطفالنا يوما آخر ولكننا لم يرمش لنا جفن حين بايعناها.
• إن حكومة الاحتلال بالدرجة الأولى (والدول الشقيقة والصديقة ) التي تطمع في سرقة القرار الوطني الفلسطيني بالدرجة الثانية هي التي تتحمل مسؤولية تعميق الخلاف بين فتح وحماس وصولا إلى الانقلاب الدموي ( ليس انقلاب ابيض ) في غزة والذي راح ضحيته مئات من أبناء فتح وحماس والمدنيين وعابري السبيل .
• بعد عام من القطيعة والألم ، بعد عام من التجريح والتخوين وقتل الروح المعنوية للمواطنين ، بعد عام من استباحة الحريات وانتهاك الحقوق لمدنية والحريات السياسية ، بعد عام من السادية السياسية ، والجهل الثقافي ورفض الآخر ، بعد عام من الزمن الحراشي وحياة الغاب ، بعد عام من التخلف والتعصب والانقسام واهانة كرامات الناس واساتذة الجامعات في الزنازين والسجون ، بعد عام من المزايدة والتخريف الإعلامي والتحشيد الفضائي ...... هل يمكن أن نرى نظرة ندم في عيون المسئولين عن الخراب الكبير الذي حل بالمجتمع الفلسطيني ؟ هل يمكن أن يملك أي قائد فلسطيني الجرأة والرجولة لكي يقف أمام كاميرات التلفزة ويقول : أنا آسف واطلب المغفرة من شعبي ومن حزبي ومن أهلي ومن جيراني ومن خصومي ومن أصدقائي ؟
• بعد عام على رصيف الثورة ..... بعد عام من النزيف وحصار غزة وتلوي أطفال القطاع جوعا أمام أعيننا.... لتسمح لنا حماس وتسمح لنا فتح أن نفكر مرة أخرى كفلسطينيين: أين أخطأنا ؟ قبل أن تأخذنا العزة بالإثم.
تعليق