الموضوع الذي سأتطرق له طويل إلى حد ما، وحتى لا أجعلك أخي القارئ تشعر بالملل من طول المقالة، بالتالي سأنشرها على سلسلة حلقات، حتى تصل المعلومة وتعم الفائدة ـ بمشيئة الله تعالى ـ وهذا نص الحلقة الأولى
حركة الجهاد الإسلامي.. بين الأمس واليوم
أ. خالد سيف الدين
كلمة لابد منها:
قبل الشروع في كتابة هذه المقالة، لابد من الإشارة إلى الملاحظة التالية: أننا في حركة الجهاد الإسلامي تربينا على مبدأ "الحوار السياسي والفكري، وتَقَبُّل النقد البنّاء". وهذه الميزة التي تتمتع بها حركة الجهاد الإسلامي تكاد تفتقد إليها الكثير ـ إن لم يكن جميع ـ الحركات الإسلامية، التي يغلب عليها مبدأ: "قال الأخ"، نقطة وانتهى. أي أن كلام الأخ لا يقبل الجدال أو النقاش، إنما يؤخذ كمسلمات قابلة للتنفيذ فقط، الأمر الذي يترتب عليه تعطيل دور العقل في الإبداع والتفكير والاجتهاد، ويصبح الإنسان مجرد متلقي للأوامر والتعليمات، ومنفذ لها دون تفحيص أو تمحيص، أو حتى الإدلاء برأي، ما عليه إلا تنفيذ الأوامر فقط بصرف النظر إن كان مقتنع بها أو يختلف معها.
إذا كان هذا هو حال ابن الحركة الإسلامية، فإن الحركة الإسلامية في هذه الحالة تخرّج أجيالا قد فرزوا على فرازة واحدة، ونسجوا على نفس المنوال، ويتحدثون بنفس الأسطوانة، ويرددون نفس العبارات والجمل والكلمات كـ"الببغاوات" من رأس الهرم حتى القاعدة، دون تأمل أو تفكير في معانيها، الأمر الذي يترتب عليه الجمود والتعصب والانغلاق الفكري، ورفض الآخر، ورفض الحوار، وعدم تقبل النقد البنّاء، وأحيانا تصل إلى حد التكفير والتخوين وإهدار الدم. وفي هذه الحالة أنّى للحركة الإسلامية أن تقود عملية "إحياء البعث الإسلامي" التي تخلّص الأمة من جاهليتها وترجعها إلى إسلامها العظيم، وفق ما تحدث شهيد الإسلام/ سيد قطب!!
في المقابل هناك بعض الأخوة في حركة الجهاد الإسلامي ممن يستغل مساحة الحوار الممنوحة له ـ خطئا ـ، فيأتي بتصرفات ليست من الإسلام في شيء ـ سواء بقصد أو من غير قصد ـ، كأن يتطاول على من هو أعلى منه درجة تنظيمية ولا يلتزم القواعد الأخلاقية ولا آداب الحوار، وفي هذه الحالة تتحول فسحة الحرية إلى فوضى، لذلك لابد من التعامل مع هذه الفسحة من الحرية وفق الضوابط الشرعية.
بناءً على ما سبق، وانطلاقا من مساحة الحرية الممنوحة لنا، ونزعة النقد البناء التي تربينا عليها أكتب هذه المقالة، وأرجو أن يتسع صدر الجميع لما أكتب، وما سأكتبه هو من باب الحرص والحرقة على واقع وحال حركة الجهاد الإسلامي الآن، وهي محاولة مقارنة بين وضع حركة الجهاد الإسلامي بين الأمس واليوم.
حركة الجهاد الإسلامي في الأمس:
أصبح معروفا لدى الجميع أن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين تحمل مشروعا فكريا ـ نهضويا ليس للشعب الفلسطيني فحسب، بل للأمة الإسلامية جمعاء، ففكر وأيديولوجية حركة الجهاد الإسلامي فكر رسالي له صفة العالمية، بحيث يمكن لأي فردفي أي مكان على وجه المعمورة يحمل الهَم الإسلامي أن يعتبر نفسه ابنا لحركة الجهاد الإسلامي. بمعنى آخر، أن فكر وأيديولوجية حركة الجهاد الإسلامي ليست حكرا على من يستظل بشجرة الحركة في فلسطين، بل هو فكر ومشروع للأمة الإسلامية جميعها (عربها وعجمها).
ميزات حركة الجهاد الإسلامي:
حركة الجهاد الإسلامي تتمتع بالعديد من المزايا التي تميزها عن بقية الحركات الإسلامية المعاصرة، ولعل من أهم هذه الميزات الآتي:
** قولبة حركة الجهاد الإسلامي القضية الفلسطينية في قالبها الصحيح (القالب الإسلامي)، وجعلت من فلسطين "القضية المركزية للحركة الإسلامية المعاصرة"، مستندة في ذلك على الكتاب والسنة والتاريخ والواقع، ومن أجل أن تثبت صحة ما تنادي به كتبت الدراسات والأبحاث والمقالات، ودارت الحوارات الفكرية والسياسية. في وقت لم تكن فيه القضية الفلسطينية مدرجة على سلم أولويات الحركة الإسلامية والتيار الإسلامي التقليدي، الذي تعامل مع قضية فلسطين كأي قضية من قضايا العالم الإسلامي، بل أن قضية كقضية أفغانستان ـ التي كانت خاضعة للاحتلال الروسي ـ كانت مقدمة على قضية فلسطين، بحجة تحرير أفغانستان من الاحتلال الروسي أولا، ومن ثَم إقامة دولة الخلافة الإسلامية، وبعدها يزحف الجيش الإسلامي لتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني. السؤال لأصحاب هذا الرأي: من أولى بالتحرير بلاد الجوار أم البلاد التي تحتاج إلى قطع المسافات الطويلة حتى تصل إليها وتحررها؟!، وهناك من ينادي بإقامة دولة الخلافة الإسلامية أولا (حزب التحرير الإسلامي)، ولمّا يأتي خليفة المسلمين ويأمر المسلمين بالجهاد، يخرجون للجهاد في فلسطين وتخليصها من المحتل الصهيوني تحت إمرة وتوجيهات خليفة المسلمين، والسؤال لأصحاب هذا التوجه: أنتم قلتم وناديتم بهذا الكلام منذ العام (1951) ونحن الآن في العام (2008)، أي منذ (57) سنة ننتظر الخليفة المسلم، أين هو هذا الخليفة الذي بشرتم به؟. إننا لم نرَ الخليفة المسلم، ولا حتى أمارات ظهور الخليفة!! فهل نبقى بعد مضي هذه السنوات من عمر القضية الفلسطينية ننتظر ظهور الخليفة المسلم ليعطينا تصريحا للخروج إلى جهاد الصهاينة؟! والعدو الصهيوني يبتلع الأراضي الزراعية الفلسطينية بالاستيطان وجدار الفصل العنصري، والقدس تتعرض للتهويد، وأساسات المسجد الأقصى تتصدع من كثرة الحفريات، وأعداد الشهداء التي ترتقي كل يوم إلى السماء في ازدياد، ناهيك عن أعداد الأسرى والجرحى والمعاقين التي تعد بالآلاف... إلخ.
** تبنت حركة الجهاد الإسلامي التيار الإسلامي الثوري، بإحياء فريضة "الجهاد"، التي كانت مغيبة عن أفكار وممارسات الحركة الإسلامية التقليدية، والتي أجّلت وأخّرت فكرة (الجهاد) لاعتبارات خاصة بها، منها من أجلت لحين ظهور الخليفة المسلم وتقاتل تحت رايته وإمرته، ومنها من أجلت لحين تعد جيل التحرير بالتربية والإعداد، واكتفت بالجانب الإصلاحي والدعوي والاجتماعي والعمل الخيري، وقد ثبت لهذا التيار الإصلاحي فيما بعد صحة الخيار الذي انتهجته حركة الجهاد الإسلامي، الأمر الذي جعل التيار الإصلاحي يتبنى الخيار الذي اختارته ورسمته حركة الجهاد وهو إحياء فريضة الجهاد.
يتبع في الحلقة الثانية.....
حركة الجهاد الإسلامي.. بين الأمس واليوم
أ. خالد سيف الدين
كلمة لابد منها:
قبل الشروع في كتابة هذه المقالة، لابد من الإشارة إلى الملاحظة التالية: أننا في حركة الجهاد الإسلامي تربينا على مبدأ "الحوار السياسي والفكري، وتَقَبُّل النقد البنّاء". وهذه الميزة التي تتمتع بها حركة الجهاد الإسلامي تكاد تفتقد إليها الكثير ـ إن لم يكن جميع ـ الحركات الإسلامية، التي يغلب عليها مبدأ: "قال الأخ"، نقطة وانتهى. أي أن كلام الأخ لا يقبل الجدال أو النقاش، إنما يؤخذ كمسلمات قابلة للتنفيذ فقط، الأمر الذي يترتب عليه تعطيل دور العقل في الإبداع والتفكير والاجتهاد، ويصبح الإنسان مجرد متلقي للأوامر والتعليمات، ومنفذ لها دون تفحيص أو تمحيص، أو حتى الإدلاء برأي، ما عليه إلا تنفيذ الأوامر فقط بصرف النظر إن كان مقتنع بها أو يختلف معها.
إذا كان هذا هو حال ابن الحركة الإسلامية، فإن الحركة الإسلامية في هذه الحالة تخرّج أجيالا قد فرزوا على فرازة واحدة، ونسجوا على نفس المنوال، ويتحدثون بنفس الأسطوانة، ويرددون نفس العبارات والجمل والكلمات كـ"الببغاوات" من رأس الهرم حتى القاعدة، دون تأمل أو تفكير في معانيها، الأمر الذي يترتب عليه الجمود والتعصب والانغلاق الفكري، ورفض الآخر، ورفض الحوار، وعدم تقبل النقد البنّاء، وأحيانا تصل إلى حد التكفير والتخوين وإهدار الدم. وفي هذه الحالة أنّى للحركة الإسلامية أن تقود عملية "إحياء البعث الإسلامي" التي تخلّص الأمة من جاهليتها وترجعها إلى إسلامها العظيم، وفق ما تحدث شهيد الإسلام/ سيد قطب!!
في المقابل هناك بعض الأخوة في حركة الجهاد الإسلامي ممن يستغل مساحة الحوار الممنوحة له ـ خطئا ـ، فيأتي بتصرفات ليست من الإسلام في شيء ـ سواء بقصد أو من غير قصد ـ، كأن يتطاول على من هو أعلى منه درجة تنظيمية ولا يلتزم القواعد الأخلاقية ولا آداب الحوار، وفي هذه الحالة تتحول فسحة الحرية إلى فوضى، لذلك لابد من التعامل مع هذه الفسحة من الحرية وفق الضوابط الشرعية.
بناءً على ما سبق، وانطلاقا من مساحة الحرية الممنوحة لنا، ونزعة النقد البناء التي تربينا عليها أكتب هذه المقالة، وأرجو أن يتسع صدر الجميع لما أكتب، وما سأكتبه هو من باب الحرص والحرقة على واقع وحال حركة الجهاد الإسلامي الآن، وهي محاولة مقارنة بين وضع حركة الجهاد الإسلامي بين الأمس واليوم.
حركة الجهاد الإسلامي في الأمس:
أصبح معروفا لدى الجميع أن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين تحمل مشروعا فكريا ـ نهضويا ليس للشعب الفلسطيني فحسب، بل للأمة الإسلامية جمعاء، ففكر وأيديولوجية حركة الجهاد الإسلامي فكر رسالي له صفة العالمية، بحيث يمكن لأي فردفي أي مكان على وجه المعمورة يحمل الهَم الإسلامي أن يعتبر نفسه ابنا لحركة الجهاد الإسلامي. بمعنى آخر، أن فكر وأيديولوجية حركة الجهاد الإسلامي ليست حكرا على من يستظل بشجرة الحركة في فلسطين، بل هو فكر ومشروع للأمة الإسلامية جميعها (عربها وعجمها).
ميزات حركة الجهاد الإسلامي:
حركة الجهاد الإسلامي تتمتع بالعديد من المزايا التي تميزها عن بقية الحركات الإسلامية المعاصرة، ولعل من أهم هذه الميزات الآتي:
** قولبة حركة الجهاد الإسلامي القضية الفلسطينية في قالبها الصحيح (القالب الإسلامي)، وجعلت من فلسطين "القضية المركزية للحركة الإسلامية المعاصرة"، مستندة في ذلك على الكتاب والسنة والتاريخ والواقع، ومن أجل أن تثبت صحة ما تنادي به كتبت الدراسات والأبحاث والمقالات، ودارت الحوارات الفكرية والسياسية. في وقت لم تكن فيه القضية الفلسطينية مدرجة على سلم أولويات الحركة الإسلامية والتيار الإسلامي التقليدي، الذي تعامل مع قضية فلسطين كأي قضية من قضايا العالم الإسلامي، بل أن قضية كقضية أفغانستان ـ التي كانت خاضعة للاحتلال الروسي ـ كانت مقدمة على قضية فلسطين، بحجة تحرير أفغانستان من الاحتلال الروسي أولا، ومن ثَم إقامة دولة الخلافة الإسلامية، وبعدها يزحف الجيش الإسلامي لتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني. السؤال لأصحاب هذا الرأي: من أولى بالتحرير بلاد الجوار أم البلاد التي تحتاج إلى قطع المسافات الطويلة حتى تصل إليها وتحررها؟!، وهناك من ينادي بإقامة دولة الخلافة الإسلامية أولا (حزب التحرير الإسلامي)، ولمّا يأتي خليفة المسلمين ويأمر المسلمين بالجهاد، يخرجون للجهاد في فلسطين وتخليصها من المحتل الصهيوني تحت إمرة وتوجيهات خليفة المسلمين، والسؤال لأصحاب هذا التوجه: أنتم قلتم وناديتم بهذا الكلام منذ العام (1951) ونحن الآن في العام (2008)، أي منذ (57) سنة ننتظر الخليفة المسلم، أين هو هذا الخليفة الذي بشرتم به؟. إننا لم نرَ الخليفة المسلم، ولا حتى أمارات ظهور الخليفة!! فهل نبقى بعد مضي هذه السنوات من عمر القضية الفلسطينية ننتظر ظهور الخليفة المسلم ليعطينا تصريحا للخروج إلى جهاد الصهاينة؟! والعدو الصهيوني يبتلع الأراضي الزراعية الفلسطينية بالاستيطان وجدار الفصل العنصري، والقدس تتعرض للتهويد، وأساسات المسجد الأقصى تتصدع من كثرة الحفريات، وأعداد الشهداء التي ترتقي كل يوم إلى السماء في ازدياد، ناهيك عن أعداد الأسرى والجرحى والمعاقين التي تعد بالآلاف... إلخ.
** تبنت حركة الجهاد الإسلامي التيار الإسلامي الثوري، بإحياء فريضة "الجهاد"، التي كانت مغيبة عن أفكار وممارسات الحركة الإسلامية التقليدية، والتي أجّلت وأخّرت فكرة (الجهاد) لاعتبارات خاصة بها، منها من أجلت لحين ظهور الخليفة المسلم وتقاتل تحت رايته وإمرته، ومنها من أجلت لحين تعد جيل التحرير بالتربية والإعداد، واكتفت بالجانب الإصلاحي والدعوي والاجتماعي والعمل الخيري، وقد ثبت لهذا التيار الإصلاحي فيما بعد صحة الخيار الذي انتهجته حركة الجهاد الإسلامي، الأمر الذي جعل التيار الإصلاحي يتبنى الخيار الذي اختارته ورسمته حركة الجهاد وهو إحياء فريضة الجهاد.
يتبع في الحلقة الثانية.....
تعليق