حماس“ للاعتراف و”جهاد” ضد الاستفتاء .. عصام نعمان
لا يمارس جيمي كارتر مهنة النجاح بل متعة المحاولة. كان يعرف قبل زيارته المنطقة انه لن يتمكن من تحقيق هدنة ولا حتى تهدئة بين حماس و”إسرائيل”. مع ذلك أصرّ على الإدلاء بدلوه لأن ما يبتغيه هو حثّ “إسرائيل” على الاعتراف ب “حماس”.
“إسرائيل” لم تعترف ب “حماس” لأن أمريكا لا تريدها أن تفعل. هذا “السر” يعرفه كارتر، لكنه أصرّ على الحضور وعلى بذل جهود مكثّفة مع “إسرائيل” من أجل الضغط، عبرها، على أمريكا.
“حماس” تدرك ايضاً أن لا فرصة في الوقت الحاضر للتوصل إلى هدنة مع “إسرائيل”. ما طلبته من كارتر ليس التورط مع عدوها الصهيوني في سلام مستحيل بل تأمين اعتراف “إسرائيلي” وأمريكي بها، بوجودها السياسي وبثقلها العسكري وبحصتها في القرار الفلسطيني.
“حماس”، في الواقع، لا تريد مفاوضة “إسرائيل”. خالد مشعل قالها صراحةً. هي تريد من مصر أن تفعل ذلك نيابةً عنها. لماذا؟ لأن مصر جارة غزة، و”حماس” تريد أن يكون لها دور رئيسي في الإشراف على المعابر القائمة بين القطاع وسيناء، لاسيما معبر رفح.
إذا كانت “حماس” قد أخفقت في انتزاع اعتراف من “إسرائيل”، إلاّ أنها أفلحت في الحصول على اعتراف من كارتر. هذا إنجاز بحد ذاته. فالرئيس الأمريكي السابق له مكانه ومكانته في أمريكا والعالم، وسوف يكون لتوصيته الحارة بالاعتراف ب “حماس” وبمفاوضتها أثره الكبير في بلاده، عاجلاً أو آجلاً.
غير أن حملة كارتر للاعتراف ب”حماس” أربكتها عندما طالبها بإعلان هدنة من طرف واحد مع “إسرائيل”، وبحق “إسرائيل” في العيش إذا أقرّ الفلسطينيون ذلك باستفتاء. ارتبكت “حماس” وتلعثمت لأنها دُفعت الى التحدث بغير لغتها الأصلية. لكن مشعل حرص على الخروج من الورطة بتصويب ما تعنيه “حماس” بكلامها. قال: “نوافق على دولة ضمن حدود يونيو/حزيران 1967 عاصمتها القدس بسيادة حقيقية بلا أي مستوطنات ومع حق العودة كاملاً، إنما من دون الاعتراف ب”إسرائيل”، وعرضنا هدنة لمدة عشر سنوات بعد ان تنسحب “إسرائيل” كبديل من الاعتراف بها”.
كلام سليم، لكن من دون جدوى. كان بالإمكان إرضاء كارتر واسترضاؤه بغير اللغة التي تحدث بها مسؤولو “حماس” قبل اضطرار رئيس مكتبها السياسي إلى التوضيح والتصويب. لماذا؟ لأن “إسرائيل” في غير وارد التراجع في الوقت الحاضر بوصة واحدة عن موقفها المتصلب ولغتها المتعنتة، و”حماس” لا تقلّ عنها تصلباً في هذا المجال، فما الفائدة من التحدث بلغة غريبة عن آذان الأعداء والأصدقاء على السواء؟
كان بالإمكان حصر الحوار مع كارتر بالمسائل الأكثر خطورة وإلحاحاً: الحصار المضروب على غزة، والمجازر التي ترتكبها “إسرائيل” بحق المدنيين الأبرياء، والجوع والعطش والمرض والظلام الذي يفترس الجميع.
كان بإمكان “حماس” أيضا أن تقول لكارتر إن المشكلة الأساس هي أن “إسرائيل” لا تعترف بحق الفلسطينيين في العيش، وان “حماس” وغيرها يمكن ان تفكر بإعلان حقها بذلك عندما تبادر “إسرائيل” إلى الإقرار بحقوق الفلسطينيين وبتكريسها عملياً من طريق المباشرة في تنفيذ جميع القرارات الدولية المتعلقة بقضية فلسطين وفي مقدمها حقهم في العودة إلى ديارهم وبيوتهم.
الحق أن حركة “الجهاد الإسلامي” أظهرت، بالمقارنة، فطنة لافتة حيال المسألة كلها. فقد صرح خالد البطش باسمها ان “لا استفتاء على الثوابت”، وحذر من جعل الثوابت مدار تفاوض “في مرحلة ضعف عربي وانحياز ودعم دوليين لكيان الاحتلال”. أكثر من ذلك، استخلص البطش الدرس المستفاد من تجارب التاريخ بقوله: “إن المفاوضات ونتائجها هي انعكاس لواقع موازين القوى الدولية ما يعني أن نتائج المفاوضات لن تكون لمصلحتنا، بل تصبّ بالكامل في مصلحة العدو”. الحقيقة أن “حماس” لم تقل البتة إنها ستوافق على الاتفاقات. هي أكّدت أنها لن تفاوض “إسرائيل”، لكنها مستعدة للموافقة على أن تعرض للاستفتاء الاتفاقات التي يكون الرئيس محمود عباس (أو حكومته الائتلافية ) قد توصل إليها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن قول البعض إن عرض الاتفاقات للاستفتاء مخالف للشريعة يبقى مسألة خلافية. ليس التفاوض مع العدو ونتائج المفاوضات أموراً تدخل في باب المحرّمات والمحظورات بل في باب الأمور الخاضعة لمعيار المصلحة إذا لم يكن ثمة مانع شرعي. وهل يبقى المانع شرعياً إذا ما وافق الشعب بغالبيته على أمر أو تدبير يتصل بحياته ومصيره؟
أما كارتر فلن تضيع فيه ومعه هذه المرونة المدروسة التي أبدتها “حماس” المعروفة بأنها رائدة في الصلابة حيث ومتى تكون مطلوبة.
لا يمارس جيمي كارتر مهنة النجاح بل متعة المحاولة. كان يعرف قبل زيارته المنطقة انه لن يتمكن من تحقيق هدنة ولا حتى تهدئة بين حماس و”إسرائيل”. مع ذلك أصرّ على الإدلاء بدلوه لأن ما يبتغيه هو حثّ “إسرائيل” على الاعتراف ب “حماس”.
“إسرائيل” لم تعترف ب “حماس” لأن أمريكا لا تريدها أن تفعل. هذا “السر” يعرفه كارتر، لكنه أصرّ على الحضور وعلى بذل جهود مكثّفة مع “إسرائيل” من أجل الضغط، عبرها، على أمريكا.
“حماس” تدرك ايضاً أن لا فرصة في الوقت الحاضر للتوصل إلى هدنة مع “إسرائيل”. ما طلبته من كارتر ليس التورط مع عدوها الصهيوني في سلام مستحيل بل تأمين اعتراف “إسرائيلي” وأمريكي بها، بوجودها السياسي وبثقلها العسكري وبحصتها في القرار الفلسطيني.
“حماس”، في الواقع، لا تريد مفاوضة “إسرائيل”. خالد مشعل قالها صراحةً. هي تريد من مصر أن تفعل ذلك نيابةً عنها. لماذا؟ لأن مصر جارة غزة، و”حماس” تريد أن يكون لها دور رئيسي في الإشراف على المعابر القائمة بين القطاع وسيناء، لاسيما معبر رفح.
إذا كانت “حماس” قد أخفقت في انتزاع اعتراف من “إسرائيل”، إلاّ أنها أفلحت في الحصول على اعتراف من كارتر. هذا إنجاز بحد ذاته. فالرئيس الأمريكي السابق له مكانه ومكانته في أمريكا والعالم، وسوف يكون لتوصيته الحارة بالاعتراف ب “حماس” وبمفاوضتها أثره الكبير في بلاده، عاجلاً أو آجلاً.
غير أن حملة كارتر للاعتراف ب”حماس” أربكتها عندما طالبها بإعلان هدنة من طرف واحد مع “إسرائيل”، وبحق “إسرائيل” في العيش إذا أقرّ الفلسطينيون ذلك باستفتاء. ارتبكت “حماس” وتلعثمت لأنها دُفعت الى التحدث بغير لغتها الأصلية. لكن مشعل حرص على الخروج من الورطة بتصويب ما تعنيه “حماس” بكلامها. قال: “نوافق على دولة ضمن حدود يونيو/حزيران 1967 عاصمتها القدس بسيادة حقيقية بلا أي مستوطنات ومع حق العودة كاملاً، إنما من دون الاعتراف ب”إسرائيل”، وعرضنا هدنة لمدة عشر سنوات بعد ان تنسحب “إسرائيل” كبديل من الاعتراف بها”.
كلام سليم، لكن من دون جدوى. كان بالإمكان إرضاء كارتر واسترضاؤه بغير اللغة التي تحدث بها مسؤولو “حماس” قبل اضطرار رئيس مكتبها السياسي إلى التوضيح والتصويب. لماذا؟ لأن “إسرائيل” في غير وارد التراجع في الوقت الحاضر بوصة واحدة عن موقفها المتصلب ولغتها المتعنتة، و”حماس” لا تقلّ عنها تصلباً في هذا المجال، فما الفائدة من التحدث بلغة غريبة عن آذان الأعداء والأصدقاء على السواء؟
كان بالإمكان حصر الحوار مع كارتر بالمسائل الأكثر خطورة وإلحاحاً: الحصار المضروب على غزة، والمجازر التي ترتكبها “إسرائيل” بحق المدنيين الأبرياء، والجوع والعطش والمرض والظلام الذي يفترس الجميع.
كان بإمكان “حماس” أيضا أن تقول لكارتر إن المشكلة الأساس هي أن “إسرائيل” لا تعترف بحق الفلسطينيين في العيش، وان “حماس” وغيرها يمكن ان تفكر بإعلان حقها بذلك عندما تبادر “إسرائيل” إلى الإقرار بحقوق الفلسطينيين وبتكريسها عملياً من طريق المباشرة في تنفيذ جميع القرارات الدولية المتعلقة بقضية فلسطين وفي مقدمها حقهم في العودة إلى ديارهم وبيوتهم.
الحق أن حركة “الجهاد الإسلامي” أظهرت، بالمقارنة، فطنة لافتة حيال المسألة كلها. فقد صرح خالد البطش باسمها ان “لا استفتاء على الثوابت”، وحذر من جعل الثوابت مدار تفاوض “في مرحلة ضعف عربي وانحياز ودعم دوليين لكيان الاحتلال”. أكثر من ذلك، استخلص البطش الدرس المستفاد من تجارب التاريخ بقوله: “إن المفاوضات ونتائجها هي انعكاس لواقع موازين القوى الدولية ما يعني أن نتائج المفاوضات لن تكون لمصلحتنا، بل تصبّ بالكامل في مصلحة العدو”. الحقيقة أن “حماس” لم تقل البتة إنها ستوافق على الاتفاقات. هي أكّدت أنها لن تفاوض “إسرائيل”، لكنها مستعدة للموافقة على أن تعرض للاستفتاء الاتفاقات التي يكون الرئيس محمود عباس (أو حكومته الائتلافية ) قد توصل إليها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن قول البعض إن عرض الاتفاقات للاستفتاء مخالف للشريعة يبقى مسألة خلافية. ليس التفاوض مع العدو ونتائج المفاوضات أموراً تدخل في باب المحرّمات والمحظورات بل في باب الأمور الخاضعة لمعيار المصلحة إذا لم يكن ثمة مانع شرعي. وهل يبقى المانع شرعياً إذا ما وافق الشعب بغالبيته على أمر أو تدبير يتصل بحياته ومصيره؟
أما كارتر فلن تضيع فيه ومعه هذه المرونة المدروسة التي أبدتها “حماس” المعروفة بأنها رائدة في الصلابة حيث ومتى تكون مطلوبة.
تعليق