حتى فتياتنا أبت إلا أن تعانق أرواحهن سماء فلسطين.. وأبت دمائهن إلا أن تضيء لنا طريق العزة والكرامة في زمن التخاذل والانكسار والانحطاط.. وأبت ميرفت مسعود ابنة التاسعة عشر من ربيعها أن توقف عداد حياتها بيدها، عندما هب في صدرها روح النخوة والرجولة والكرامة.. في وقت لهث الكثيرين وراء غرائزهم وشهواتهم ككلاب الأرض يفترشون الذل ويأكلون طعام المذلة.
تقربت ميرفت بجسدها من رب العباد عله يرضى عنها ويدخلها فسيح جناته.. فيما تناثرت أجساد الجنود الصهاينة في مكان الحدث، كمشهد لم يكونوا يتوقعونه من فتاة شرقية لا تتجاوز العشرين من عمرها على اعتبار أن فتيات العالم لا يجيدن إلا الحب والعشق.. ولكن فتياتنا ليسن كباقي الفتيات، فهن لا يحلمن بشاب يركب حصان أبيض ليخطفهن إلى قصور الأقفاص الذهبية.. بل هن رجال في الشدة نساء في الرخاء.. عشقن حب الأرض وحب فلسطين.. وأكدن أن في أحشائهن قلب ينبض بروح النخوة والقتال ضد هذا المحتل وعشق الأرض التي بارك الله حولها.
فلم تكن ميرفت عاشقة الدم أو مجرمة حرب كالجنود الغاصبين لأرضنا وعرضنا.. لقد حول هذا المحتل ميرفت إلى قنبلة انفجرت وقتما شاء الله لها ان تكون، وهي علامة مؤكدة إنها لن تكون الأخيرة بين الاستشهاديات وأنها لحقت بركب وفاء إدريس وآيات الأخرس ودارين أبو عيشه وهنادي جرادات وعندليب طقاطقة وهبه دراغمة وريم الرياشي.. ذلك لمعرفتها بأن القدس غالية في قلوبنا.. وان مهر الجنة يحتاج منا الدم الكثير.
ومن المؤكد ان تعود العمليات الاستشهادية لزخمها في ظل الهجمة الشرسة التي يقوم بها جنود الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة، ولطالما بقيت الحكومة الصهيونية في تعنتها حيال الحصار الذي تفرضه على شعبنا الفلسطيني.. ولن نبالغ إذا ما قلنا أن ميدان المعركة سرعان ما سينتقل إلى المدن الصهيونية.. وحينها ستنقلب المعادلة الطبيعية لشعب أعزل يقارع اعتي جيوش الشرق الأوسط عتاداً وعدةً.. وستدور الدائرة على المحتل، ليصبح اجتياح قطاع غزة كابوسا ووبالاً على تلك الحكومة المتطرفة التي تحاول بكل الوسائل التشبث وعدم سقوطها من خلال إراقة الدم الفلسطيني وعلى حساب أطفالنا ونساءنا وشيوخنا.
لقد أراق الاحتلال في بيت حانون دم أكثر من ستين فلسطينياً عندما قتلهم بدم بارد وجرح المئات واعتقل الآلاف ودمر البيوت وأقتلع الأشجار ناهيك عن الحصار الذي يفرضه على الشعب الفلسطيني بأكمله، دون أن يلتفت أحدا لهذا الشعب لا من قريب او من بعيد.. في المقابل أحسب أن أية عملية استشهادية في العمق الصهيوني ستواجه بردود فعل غاضبة جدا من الدول العربية قبل الغربية وستلاقي استهجان واستنكار لمثل هذا العمل البربري، فيما لا يدرك أحداً من هؤلاء أن أجسادنا هي سلاحنا وإيماننا هو طلقاتنا التي تزعزع هذا الكيان الغاصب.
عشقناك يا ميرفت لأنك كنت أول من قالت كلمتها وعبرت عن مشاعرها بجسدها. في وقت اعتقد الجبناء أن زمن الاستشهاد قد ولى أدباره.
"ميرفت" صامت في بيت حانون لتفطر في الجنة!
"أعددتُ طعام الإفطار وجلست في انتظار عودتها من الجامعة.. كانت صائمة لكن يبدو أنها فضلت تناول إفطارها في الجنة".. بهذه الكلمات التي امتزجت بمشاعر الفرحة والحزن تحدثت لإسلام أون لاين.نت "أم علاء" والدة الشهيدة ميرفت مسعود (18 عاما) منفذة عملية بيت حانون شمال قطاع غزة مطلع الأسبوع الجاري.
وفي وصيتها حرصت ميرفت على أن تحث شعبها على المقاومة وقالت: "أيها الشعب المرابط، ابق على نهجك، نهج المقاومة، حافظ على عهدك لدم الشهداء، فأنا اليوم أخرج بهذه العملية انتقاماً لكل ما فعله الاحتلال من مجازر لنجعل من أجسادنا نارا وبركانا على هذا المحتل المتغطرس".
أما في بيتها المتواضع بمخيم جباليا شمال القطاع، فلا تزال تلتف جموع النسوة لتعزية والدة الشهيدة التي كانت توزع الحلوى كما أوصتها ابنتها.
وميرفت هي أول فتاة تنفذ عملية استشهادية، بعد الانسحاب الإسرائيلي قبل أكثر من عام من قطاع غزة، وثامن استشهادية في سجل الاستشهاديات الفلسطينيات اللاتي سطرن عمليات فدائية ضد الاحتلال.
وجاءت العملية ضمن سلسلة من البطولات التي قامت بها نساء بيت حانون ردا على المجازر الإسرائيلية المتواصلة على القطاع منذ يونيو الماضي والتي أسفرت عن استشهاد نحو 400 فلسطيني.
طلبت الرضا
وبسيول من الدموع أضافت أم علاء: "لم تخبرني أنها ستنفذ العملية إلا أنها كانت دائمة التلميح لذلك، كانت تؤكد أنها ستكون استشهادية تنتقم لدماء الأطفال والنساء وللشجر والحجر".
وتابعت: "كنا نظن أنها تمازحنا ولكن قبل أسبوع ألحت علي بأن أرضى عليها.. فمازحتها بأنني لست راضية فأخذت تبكي حتى عانقتها وقلت لها: الله يرضى عليك، رضا من ربي ورضا من قلبي".
وبصوتٍ أبكى جميع الحضور أخذت الأم تردد من أعماق قلبها: "راضية أنا عليكِ يا حبيبتي يا ميرفت.. راضية بعدد أوراق الشجر وبعدد ما في الدنيا بشر".
وضمت أم علاء شهادة الثانوية العامة لابنتها الشهيدة، متفاخرة بأن ابنتها كانت من المتفوقات دراسيا فقد حصلت على مجموع 90% من القسم العلمي.
وأضافت الأم بصوت تعلوه نبرة الحزن: "التحقت بالجامعة الإسلامية بكلية العلوم، لكنها لم تنه عامها الدراسي الأول"، وتابعت: "كنت أحلم بأن أعانق شهادتها الجامعية ولكن الحمد لله لقد حصلت على شهادة أعظم".
على الدرب
نظرت الأم إلى ما تبقى لها من أبناء وقالت كانت ميرفت أما حنونة ثانية لأخواتها فالشهيدة هي الابنة الكبرى لأربعة إخوة (نعيمة 16 عاما, علاء 15 عاما, صابرين 4 أعوام، ونبيل عام ونصف).
وسارت ميرفت على درب ابن عمها الاستشهادي نبيل مسعود من كتائب شهداء الأقصى المحسوبة على حركة فتح.
ونبيل هو أحد منفذي عملية ميناء أشدود جنوب تل أبيب في مارس 2004 بالاشتراك مع كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، والتي أسفرت عن مقتل 11 إسرائيليا.
صلاة ودعاء
وتذكرت أم علاء الأيام الأخيرة لابنتها قائلة: "من كثرة قيامها وصلاتها ودعائها في الفترة الأخيرة شعرت بأنها ستفارقني.. قبل استشهادها بيوم جلست تصلي لمدة طويلة وتدعو بصوت خافت لم أسمع منها سوى كلمة: يا رب".
وعن آخر لقاء جمعها مع ميرفت قالت: "كان بعد أن تناولنا معا السحور فجر الإثنين 6-11-2006، تناولت كأسا من الشاي مع أقراص الفلافل ثم استعدت لصلاة الفجر وارتفع صوت نبيل بالبكاء فأمرتني بالذهاب إليه وعند الباب استوقفتني قائلة: ارضي عني وسامحيني".
ومع ساعات الصباح الأولى ارتدت ميرفت ملابسها وخرجت للجامعة ووقفت عند باب حجرة والدتها التي كانت بين الصحو والمنام لم تشأ أن توقظها ثم قالت: "أمي هناك أخبار عاجلة.. مع السلامة".
وتتمنى والدة ميرفت لو أن الزمن يتوقف عند هذا المشهد: "لأعانقها وأقبلها.. آه يا ميرفت يا فرحة عمري كم أحبك وكم أشتاق إليك".
وفى إحدى الإذاعات المحلية كان خبر عملية بيت حانون وقالت أم علاء: "ما أن قال المذيع إن فتاة نفذت عملية استشهادية حتى صرخت.. إنها ميرفت".
وبينما الأم تتحدث لإسلام أون لاين.نت إذا بجثمان ابنتها يصل إلى البيت لإلقاء نظرة الوداع.. ساعتها وقفت لغة الضاد بكل حروفها عاجزة عن وصف المشهد.
زغرودة الجدة
جدة ميرفت في العقد السابع من عمرها أطلقت زغرودة افتخار قائلة: "قدمت من أحفادي نبيل وميرفت ولي كل الفخر بأن أقدمهم جميعا لله والوطن".
وأوضحت الجدة أن ميرفت كانت دائما تسهر على راحتها وفي صباح استشهادها قالت الجدة: "حدثتني عن معركة نساء بيت حانون عندما قمن بفك الحصار عن المقاومين في مسجد النصر الأسبوع الماضي فتمنيت لو أن باستطاعتي المشي لأشاركهن فردت علي: أنا سأستشهد".
بانتظار عودتها
غرفتها، فمازحتها وقلت لها بأن غرفتها مطلوبة لأنها تابعة لحركة الجهاد وقد تتعرض للقصف فضحكت بأعلى صوتها".
وتصمت نعيمة لتتنهد طويلا، ثم تواصل: "سأتحسر طوال عمري لأنني لم أنم بجوارها في ذلك اليوم".
ولم تكن ميرفت كما تؤكد نعيمة تأبه بالدنيا وملذاتها: "كنت أتمنى لو أشاهدها تتابع مسلسلا أو تتحدث كما يحلو للفتيات.. ما فارقت يوما المصحف، كانت تردد أننا في هذه الحياة عابرو سبيل".
وتعرب نعيمة عن فخرها بما قامت به أختها: "في ظل صمت عربي ودولي أمام المجازر التي نتعرض لها لا بد أن تذهب نساء فلسطين للجهاد والاستشهاد".
صابرين (4 أعوام) قالت بصوتها الطفولي: "راحت ميرفت عالزنة (على الجنة).. أنا بأستناها نطلع سوا وتشتري حلوى لي ولنبيل".
وتؤكد الأم أن ابنتها التحقت بحركة الجهاد الإسلامي بعد أن كانت منتمية لحركة فتح: "سبب تحويلها رفض أحد قادة فتح في منطقتنا تجهيزها لتنفيذ عملية استشهادية فقد أخبرها بأنه لا يمكن أن يؤخذ من العائلة أكثر من فرد.. لهذا توجهت للجهاد".
ميرفت مسعود.. الاستشهادية الثامنة خلال الانتفاضة المباركة
سرت في خطى حائرة نوعا ما تجاه مخيم جباليا شمال قطاع غزة، لا علم لي بمكان بيت الاستشهادية الثامنة "ميرفت مسعود" التي سجل اسمها في سجل الاستشهاديات الفلسطينيات.
لكن المكان أصبح كالمعلم البارز يدلك عليه الصغير قبل الكبير، الشارات والأعلام تحدد لك أيضا مكان هذا البيت، أما الزقاق الصغير الذي يقع فيه باب البيت فتشدك إليه رائحة القهوة والحطب الذي يجلس بالقرب منه رجلا عجوزا يرتدي الكوفية الفتحاوية..
لم أكن الوحيدة التي دخلت هذا البيت في تلك اللحظة، فالمهنئين بالشهادة لم يكفوا عن قصد المنزل، عندما دخلت ونظرت إلى النساء استطعت بسهولة تمييز أم الشهيدة من بينهن..
كانت أم علاء مسعود تحتضن طفلتها "صابرين" ابنة الأربعة أعوام فهي حبيبة الراحلة "ميرفت"، اختارت أم علاء مكان تتحدث فيه معي عن الشهيدة ميرفت، فأجلستني في الغرفة التي كانت تقضي فيها ميرفت أغلب وقتها تتابع فيها الأخبار وأخرها أخبار مجزرة بيت حانون التي قررت أن تنتقم لشهدائها.
سألت أم علاء -وهي ابنه الأربعين عاما- عن عمر ميرفت فقالت :"في أغسطس الماضي أتمت عامها الثامن عشر، التحقت بالجامعة في السنة الدراسية الأولى بعد نجاحها في الثانوية العامة بدرجة 90 % وانتسبت لكلية العلوم، كانت من أوائل الفصل دائما، حتى أنها جاءت تعتذر لي عن هذا المعدل القليل".
تتابع وهي تتذكر بكرها الجميلة وكيف كانت تراها كل يوم عروس أجمل من اليوم السابق بحسن هندامها وملابسها في البيت :"كانت ميرفت جميلة في كل شيء في هذه الدنيا، في البيت كانت الزاهدة التي رفضت قبل أيام وتحديدا قبل عيد الفطر أن تشتري مثل أخواتها زيا جديدا رغم عرض أمها هذا الأمر عليها أكثر من مرة، فكانت تقول أنها غير محتاجة لهذه الملابس".
أما خارج البيت فقد كانت دائما ميرفت - وهي فتحاوية المبادئ وتعشق أبو عمار- ترتدي الزي الشرعي دون نقاب، لكنها اضطرت لارتداء النقاب يوم تنفيذ العملية، تقول أمها :" كنت أغار من حسن عبادتها، في الليل والنهار وفي كل وقت، بين كل ركعتان كانت تدعو بكل قنوت وإيمان، كنت أفيق أجدها تصلي وأنام وهي تصلي، وتسابقني في الصوم حتى يوم شهادتها الذي لم أنعم فيه بفطور معها كانت صائمة".
داخل ذاكرة أم علاء كان أخر أحاديث الشهيدة، الذي ما زال صداه في أذنيها، وهو إعجاب ميرفت بالمسيرة النسائية لبيت حانون، تقول أم علاء :"عادت يوم المسيرة من الجامعة تحدثني عن بطولات المرأة الفلسطينية التي استطاعت بعزيمتها وقوتها أن تجابه دبابات الاحتلال ومدافعه ورشاشاته الثقيلة، وكيف أن أستاذها في الجامعة قال أن هذا الفعل لم تفعله الخنساء ذاتها".
حياة شهيدة
ككل الفلسطينيين رجالا ونساء، عبرت ميرفت عن أمنيتها بالشهادة مثل ابن عمها الشهيد نبيل مسعود، الذي استشهد لكن مبادئه الوطنية مغروسة في عقل وقلب ميرفت.
ذكريات أم علاء مع يوم شهادة ابنتها بدأت قبل صلاة الفجر عندما فاقت تعد السحور فوجدت ميرفت على سجادة الصلاة كعادتها، إلى أن قرب موعد أذان الفجر فطلبت منها أن تتسحر، وفعلا لبت ميرفت النداء وأكلت خبزة وفلافل صغيرة ورشفة من كأس شاي.
تقول أمها :"داعبتني قليلا ثم طلبت مني الدعاء والرضي الخالص من قلبي عنها بإلحاح شديد"..تتذكر الأم هذه اللحظات فتلوم نفسها على أنها لم تدرك نية ابنتها بالخروج للاستشهاد على أرض بيت حانون.
رحلة الانتقام
بعد شروق الشمس استعدت ميرفت للخروج للجامعة، لكن وجهتها الحقيقة كانت لبيت حانون استعداداً لتنفيذ عملية فدائية انتقاماً للشهداء والجرحى والمحاصرين، جاء عصر اليوم والظن ما زال أن ميرفت في محاضراتها، أم علاء كانت تجلس بالقرب من المذياع تتابع أخبار بيت حانون المحاصرة وجاء النبأ العاجل لحدوث عملية استشهادية ثم تتبع تفاصيل الخبر بأن الشهيد فتاة، سمعت أم علاء شهادة شهود عيان يقولون أن فتاة فلسطينية طلب منها جنود الاحتلال في احدي منازل بيت حانون خلع النقاب فاستجابت ثم طلبوا منها خلع "الجاكيت" فرفضت ثم خدعتهم بالقبول وانحنت قليلا و"طارت" تجاه ستة من قوات الاحتلال وحدث انفجار هائل في المكان.
لم تعلم الأم أي شئ إلى جاء الخبر من إحدى المقاومين في حركة الجهاد الإسلامي، الناشطين في بيت حانون بأن ميرفت هي من قامت بتنفيذ العملية الاستشهادية الثامنة للفلسطينيات.
هذه كانت لقطات من حياة الشهيدة الثامنة في بيت حانون، لكنها لن تكون الأخيرة في قائمة الاستشهاديات الفلسطينيات.
تقربت ميرفت بجسدها من رب العباد عله يرضى عنها ويدخلها فسيح جناته.. فيما تناثرت أجساد الجنود الصهاينة في مكان الحدث، كمشهد لم يكونوا يتوقعونه من فتاة شرقية لا تتجاوز العشرين من عمرها على اعتبار أن فتيات العالم لا يجيدن إلا الحب والعشق.. ولكن فتياتنا ليسن كباقي الفتيات، فهن لا يحلمن بشاب يركب حصان أبيض ليخطفهن إلى قصور الأقفاص الذهبية.. بل هن رجال في الشدة نساء في الرخاء.. عشقن حب الأرض وحب فلسطين.. وأكدن أن في أحشائهن قلب ينبض بروح النخوة والقتال ضد هذا المحتل وعشق الأرض التي بارك الله حولها.
فلم تكن ميرفت عاشقة الدم أو مجرمة حرب كالجنود الغاصبين لأرضنا وعرضنا.. لقد حول هذا المحتل ميرفت إلى قنبلة انفجرت وقتما شاء الله لها ان تكون، وهي علامة مؤكدة إنها لن تكون الأخيرة بين الاستشهاديات وأنها لحقت بركب وفاء إدريس وآيات الأخرس ودارين أبو عيشه وهنادي جرادات وعندليب طقاطقة وهبه دراغمة وريم الرياشي.. ذلك لمعرفتها بأن القدس غالية في قلوبنا.. وان مهر الجنة يحتاج منا الدم الكثير.
ومن المؤكد ان تعود العمليات الاستشهادية لزخمها في ظل الهجمة الشرسة التي يقوم بها جنود الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة، ولطالما بقيت الحكومة الصهيونية في تعنتها حيال الحصار الذي تفرضه على شعبنا الفلسطيني.. ولن نبالغ إذا ما قلنا أن ميدان المعركة سرعان ما سينتقل إلى المدن الصهيونية.. وحينها ستنقلب المعادلة الطبيعية لشعب أعزل يقارع اعتي جيوش الشرق الأوسط عتاداً وعدةً.. وستدور الدائرة على المحتل، ليصبح اجتياح قطاع غزة كابوسا ووبالاً على تلك الحكومة المتطرفة التي تحاول بكل الوسائل التشبث وعدم سقوطها من خلال إراقة الدم الفلسطيني وعلى حساب أطفالنا ونساءنا وشيوخنا.
لقد أراق الاحتلال في بيت حانون دم أكثر من ستين فلسطينياً عندما قتلهم بدم بارد وجرح المئات واعتقل الآلاف ودمر البيوت وأقتلع الأشجار ناهيك عن الحصار الذي يفرضه على الشعب الفلسطيني بأكمله، دون أن يلتفت أحدا لهذا الشعب لا من قريب او من بعيد.. في المقابل أحسب أن أية عملية استشهادية في العمق الصهيوني ستواجه بردود فعل غاضبة جدا من الدول العربية قبل الغربية وستلاقي استهجان واستنكار لمثل هذا العمل البربري، فيما لا يدرك أحداً من هؤلاء أن أجسادنا هي سلاحنا وإيماننا هو طلقاتنا التي تزعزع هذا الكيان الغاصب.
عشقناك يا ميرفت لأنك كنت أول من قالت كلمتها وعبرت عن مشاعرها بجسدها. في وقت اعتقد الجبناء أن زمن الاستشهاد قد ولى أدباره.
"ميرفت" صامت في بيت حانون لتفطر في الجنة!
"أعددتُ طعام الإفطار وجلست في انتظار عودتها من الجامعة.. كانت صائمة لكن يبدو أنها فضلت تناول إفطارها في الجنة".. بهذه الكلمات التي امتزجت بمشاعر الفرحة والحزن تحدثت لإسلام أون لاين.نت "أم علاء" والدة الشهيدة ميرفت مسعود (18 عاما) منفذة عملية بيت حانون شمال قطاع غزة مطلع الأسبوع الجاري.
وفي وصيتها حرصت ميرفت على أن تحث شعبها على المقاومة وقالت: "أيها الشعب المرابط، ابق على نهجك، نهج المقاومة، حافظ على عهدك لدم الشهداء، فأنا اليوم أخرج بهذه العملية انتقاماً لكل ما فعله الاحتلال من مجازر لنجعل من أجسادنا نارا وبركانا على هذا المحتل المتغطرس".
أما في بيتها المتواضع بمخيم جباليا شمال القطاع، فلا تزال تلتف جموع النسوة لتعزية والدة الشهيدة التي كانت توزع الحلوى كما أوصتها ابنتها.
وميرفت هي أول فتاة تنفذ عملية استشهادية، بعد الانسحاب الإسرائيلي قبل أكثر من عام من قطاع غزة، وثامن استشهادية في سجل الاستشهاديات الفلسطينيات اللاتي سطرن عمليات فدائية ضد الاحتلال.
وجاءت العملية ضمن سلسلة من البطولات التي قامت بها نساء بيت حانون ردا على المجازر الإسرائيلية المتواصلة على القطاع منذ يونيو الماضي والتي أسفرت عن استشهاد نحو 400 فلسطيني.
طلبت الرضا
وبسيول من الدموع أضافت أم علاء: "لم تخبرني أنها ستنفذ العملية إلا أنها كانت دائمة التلميح لذلك، كانت تؤكد أنها ستكون استشهادية تنتقم لدماء الأطفال والنساء وللشجر والحجر".
وتابعت: "كنا نظن أنها تمازحنا ولكن قبل أسبوع ألحت علي بأن أرضى عليها.. فمازحتها بأنني لست راضية فأخذت تبكي حتى عانقتها وقلت لها: الله يرضى عليك، رضا من ربي ورضا من قلبي".
وبصوتٍ أبكى جميع الحضور أخذت الأم تردد من أعماق قلبها: "راضية أنا عليكِ يا حبيبتي يا ميرفت.. راضية بعدد أوراق الشجر وبعدد ما في الدنيا بشر".
وضمت أم علاء شهادة الثانوية العامة لابنتها الشهيدة، متفاخرة بأن ابنتها كانت من المتفوقات دراسيا فقد حصلت على مجموع 90% من القسم العلمي.
وأضافت الأم بصوت تعلوه نبرة الحزن: "التحقت بالجامعة الإسلامية بكلية العلوم، لكنها لم تنه عامها الدراسي الأول"، وتابعت: "كنت أحلم بأن أعانق شهادتها الجامعية ولكن الحمد لله لقد حصلت على شهادة أعظم".
على الدرب
نظرت الأم إلى ما تبقى لها من أبناء وقالت كانت ميرفت أما حنونة ثانية لأخواتها فالشهيدة هي الابنة الكبرى لأربعة إخوة (نعيمة 16 عاما, علاء 15 عاما, صابرين 4 أعوام، ونبيل عام ونصف).
وسارت ميرفت على درب ابن عمها الاستشهادي نبيل مسعود من كتائب شهداء الأقصى المحسوبة على حركة فتح.
ونبيل هو أحد منفذي عملية ميناء أشدود جنوب تل أبيب في مارس 2004 بالاشتراك مع كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، والتي أسفرت عن مقتل 11 إسرائيليا.
صلاة ودعاء
وتذكرت أم علاء الأيام الأخيرة لابنتها قائلة: "من كثرة قيامها وصلاتها ودعائها في الفترة الأخيرة شعرت بأنها ستفارقني.. قبل استشهادها بيوم جلست تصلي لمدة طويلة وتدعو بصوت خافت لم أسمع منها سوى كلمة: يا رب".
وعن آخر لقاء جمعها مع ميرفت قالت: "كان بعد أن تناولنا معا السحور فجر الإثنين 6-11-2006، تناولت كأسا من الشاي مع أقراص الفلافل ثم استعدت لصلاة الفجر وارتفع صوت نبيل بالبكاء فأمرتني بالذهاب إليه وعند الباب استوقفتني قائلة: ارضي عني وسامحيني".
ومع ساعات الصباح الأولى ارتدت ميرفت ملابسها وخرجت للجامعة ووقفت عند باب حجرة والدتها التي كانت بين الصحو والمنام لم تشأ أن توقظها ثم قالت: "أمي هناك أخبار عاجلة.. مع السلامة".
وتتمنى والدة ميرفت لو أن الزمن يتوقف عند هذا المشهد: "لأعانقها وأقبلها.. آه يا ميرفت يا فرحة عمري كم أحبك وكم أشتاق إليك".
وفى إحدى الإذاعات المحلية كان خبر عملية بيت حانون وقالت أم علاء: "ما أن قال المذيع إن فتاة نفذت عملية استشهادية حتى صرخت.. إنها ميرفت".
وبينما الأم تتحدث لإسلام أون لاين.نت إذا بجثمان ابنتها يصل إلى البيت لإلقاء نظرة الوداع.. ساعتها وقفت لغة الضاد بكل حروفها عاجزة عن وصف المشهد.
زغرودة الجدة
جدة ميرفت في العقد السابع من عمرها أطلقت زغرودة افتخار قائلة: "قدمت من أحفادي نبيل وميرفت ولي كل الفخر بأن أقدمهم جميعا لله والوطن".
وأوضحت الجدة أن ميرفت كانت دائما تسهر على راحتها وفي صباح استشهادها قالت الجدة: "حدثتني عن معركة نساء بيت حانون عندما قمن بفك الحصار عن المقاومين في مسجد النصر الأسبوع الماضي فتمنيت لو أن باستطاعتي المشي لأشاركهن فردت علي: أنا سأستشهد".
بانتظار عودتها
غرفتها، فمازحتها وقلت لها بأن غرفتها مطلوبة لأنها تابعة لحركة الجهاد وقد تتعرض للقصف فضحكت بأعلى صوتها".
وتصمت نعيمة لتتنهد طويلا، ثم تواصل: "سأتحسر طوال عمري لأنني لم أنم بجوارها في ذلك اليوم".
ولم تكن ميرفت كما تؤكد نعيمة تأبه بالدنيا وملذاتها: "كنت أتمنى لو أشاهدها تتابع مسلسلا أو تتحدث كما يحلو للفتيات.. ما فارقت يوما المصحف، كانت تردد أننا في هذه الحياة عابرو سبيل".
وتعرب نعيمة عن فخرها بما قامت به أختها: "في ظل صمت عربي ودولي أمام المجازر التي نتعرض لها لا بد أن تذهب نساء فلسطين للجهاد والاستشهاد".
صابرين (4 أعوام) قالت بصوتها الطفولي: "راحت ميرفت عالزنة (على الجنة).. أنا بأستناها نطلع سوا وتشتري حلوى لي ولنبيل".
وتؤكد الأم أن ابنتها التحقت بحركة الجهاد الإسلامي بعد أن كانت منتمية لحركة فتح: "سبب تحويلها رفض أحد قادة فتح في منطقتنا تجهيزها لتنفيذ عملية استشهادية فقد أخبرها بأنه لا يمكن أن يؤخذ من العائلة أكثر من فرد.. لهذا توجهت للجهاد".
ميرفت مسعود.. الاستشهادية الثامنة خلال الانتفاضة المباركة
سرت في خطى حائرة نوعا ما تجاه مخيم جباليا شمال قطاع غزة، لا علم لي بمكان بيت الاستشهادية الثامنة "ميرفت مسعود" التي سجل اسمها في سجل الاستشهاديات الفلسطينيات.
لكن المكان أصبح كالمعلم البارز يدلك عليه الصغير قبل الكبير، الشارات والأعلام تحدد لك أيضا مكان هذا البيت، أما الزقاق الصغير الذي يقع فيه باب البيت فتشدك إليه رائحة القهوة والحطب الذي يجلس بالقرب منه رجلا عجوزا يرتدي الكوفية الفتحاوية..
لم أكن الوحيدة التي دخلت هذا البيت في تلك اللحظة، فالمهنئين بالشهادة لم يكفوا عن قصد المنزل، عندما دخلت ونظرت إلى النساء استطعت بسهولة تمييز أم الشهيدة من بينهن..
كانت أم علاء مسعود تحتضن طفلتها "صابرين" ابنة الأربعة أعوام فهي حبيبة الراحلة "ميرفت"، اختارت أم علاء مكان تتحدث فيه معي عن الشهيدة ميرفت، فأجلستني في الغرفة التي كانت تقضي فيها ميرفت أغلب وقتها تتابع فيها الأخبار وأخرها أخبار مجزرة بيت حانون التي قررت أن تنتقم لشهدائها.
سألت أم علاء -وهي ابنه الأربعين عاما- عن عمر ميرفت فقالت :"في أغسطس الماضي أتمت عامها الثامن عشر، التحقت بالجامعة في السنة الدراسية الأولى بعد نجاحها في الثانوية العامة بدرجة 90 % وانتسبت لكلية العلوم، كانت من أوائل الفصل دائما، حتى أنها جاءت تعتذر لي عن هذا المعدل القليل".
تتابع وهي تتذكر بكرها الجميلة وكيف كانت تراها كل يوم عروس أجمل من اليوم السابق بحسن هندامها وملابسها في البيت :"كانت ميرفت جميلة في كل شيء في هذه الدنيا، في البيت كانت الزاهدة التي رفضت قبل أيام وتحديدا قبل عيد الفطر أن تشتري مثل أخواتها زيا جديدا رغم عرض أمها هذا الأمر عليها أكثر من مرة، فكانت تقول أنها غير محتاجة لهذه الملابس".
أما خارج البيت فقد كانت دائما ميرفت - وهي فتحاوية المبادئ وتعشق أبو عمار- ترتدي الزي الشرعي دون نقاب، لكنها اضطرت لارتداء النقاب يوم تنفيذ العملية، تقول أمها :" كنت أغار من حسن عبادتها، في الليل والنهار وفي كل وقت، بين كل ركعتان كانت تدعو بكل قنوت وإيمان، كنت أفيق أجدها تصلي وأنام وهي تصلي، وتسابقني في الصوم حتى يوم شهادتها الذي لم أنعم فيه بفطور معها كانت صائمة".
داخل ذاكرة أم علاء كان أخر أحاديث الشهيدة، الذي ما زال صداه في أذنيها، وهو إعجاب ميرفت بالمسيرة النسائية لبيت حانون، تقول أم علاء :"عادت يوم المسيرة من الجامعة تحدثني عن بطولات المرأة الفلسطينية التي استطاعت بعزيمتها وقوتها أن تجابه دبابات الاحتلال ومدافعه ورشاشاته الثقيلة، وكيف أن أستاذها في الجامعة قال أن هذا الفعل لم تفعله الخنساء ذاتها".
حياة شهيدة
ككل الفلسطينيين رجالا ونساء، عبرت ميرفت عن أمنيتها بالشهادة مثل ابن عمها الشهيد نبيل مسعود، الذي استشهد لكن مبادئه الوطنية مغروسة في عقل وقلب ميرفت.
ذكريات أم علاء مع يوم شهادة ابنتها بدأت قبل صلاة الفجر عندما فاقت تعد السحور فوجدت ميرفت على سجادة الصلاة كعادتها، إلى أن قرب موعد أذان الفجر فطلبت منها أن تتسحر، وفعلا لبت ميرفت النداء وأكلت خبزة وفلافل صغيرة ورشفة من كأس شاي.
تقول أمها :"داعبتني قليلا ثم طلبت مني الدعاء والرضي الخالص من قلبي عنها بإلحاح شديد"..تتذكر الأم هذه اللحظات فتلوم نفسها على أنها لم تدرك نية ابنتها بالخروج للاستشهاد على أرض بيت حانون.
رحلة الانتقام
بعد شروق الشمس استعدت ميرفت للخروج للجامعة، لكن وجهتها الحقيقة كانت لبيت حانون استعداداً لتنفيذ عملية فدائية انتقاماً للشهداء والجرحى والمحاصرين، جاء عصر اليوم والظن ما زال أن ميرفت في محاضراتها، أم علاء كانت تجلس بالقرب من المذياع تتابع أخبار بيت حانون المحاصرة وجاء النبأ العاجل لحدوث عملية استشهادية ثم تتبع تفاصيل الخبر بأن الشهيد فتاة، سمعت أم علاء شهادة شهود عيان يقولون أن فتاة فلسطينية طلب منها جنود الاحتلال في احدي منازل بيت حانون خلع النقاب فاستجابت ثم طلبوا منها خلع "الجاكيت" فرفضت ثم خدعتهم بالقبول وانحنت قليلا و"طارت" تجاه ستة من قوات الاحتلال وحدث انفجار هائل في المكان.
لم تعلم الأم أي شئ إلى جاء الخبر من إحدى المقاومين في حركة الجهاد الإسلامي، الناشطين في بيت حانون بأن ميرفت هي من قامت بتنفيذ العملية الاستشهادية الثامنة للفلسطينيات.
هذه كانت لقطات من حياة الشهيدة الثامنة في بيت حانون، لكنها لن تكون الأخيرة في قائمة الاستشهاديات الفلسطينيات.
تعليق