شـــــــمعة لــــلثوّار
إبراهيم عبدالله الزنيدي
إبراهيم عبدالله الزنيدي
تدرك بأنك ملعون منذ الصغر.. منذ أول عصيان ارتكبته.. لتعاقب بمحاولة الأوغاد تحطيم كرامتك الإنسانية.. ولكن مناعتك على الترويض تتضاعف مع كل محاولة قمع.. لذا تصنع لك عالما داخليا لتعيش به بعيداً عن العالم المدجّن.. في كل يوم قبل أن تنام تتلو خطبة وتدلّي حبال المشانق وتصنع بها أرجوحة تركبها لتهدهدك حتى تنام.. وفي المنام لا تحلم.. بل تستيقظ أكثر.. فكل شيء مسخّر لثورتك..
ثم يحدث أن تكبر.. ككل المخلوقات التي لم يحن وقتها لتموت.. تكبر لتشاهد البشر الذين تكن لهم شيئاً من الاحترام يتساقطون من عينيك فتصبح سماوات مبادئك بلا أرواح فيها.. فتتوه في صحراء قلبك تبحث عن أحد فلا تجد إلاّ الأموات.. لذا تبدأ بمحبة الغياب كطلسم يختزلهم لك.. تبدأ بمحبة الموت كوسيلة انتقال لعالم لائق وأكثر عدلا.. تدرك أن اختلافك تهمة لذا تحاول تخريب ذاتك قدر ما تستطيع لتتحول إلى خردة بدلا من وحش..
هناك مهرّج عبوس يزورك بالمنام يخبرك بأن شعورك كالدم الذي ينبعث من قلبك ليهيم في أوردتك وشرايينك.. لذا يكون إيمانك وكفرك بأحد قدميك وأنت تركل العلب الفارغة على الرصيف.. يبدأ عقلك بإنتاج المزيد من الأفكار المختلة.. تحبسها لترتعش روحك خجلا حين تتذكر أن الله يسمعك.. شيء ما يعود ليضحك داخلك.. يخبرك إن كل شيء سيكون على مايرام وأن عليك فقط أن تنتظر العالم لينهار لتعيد أعمارة كما يجب..
لذا تنهض كل يوم لترتكب يوما آخر.. من أجل روح تشبهك لا تعرفها ولا تعرفك.. لن تعرفها ولن تعرفك.. ولكنها تحتاجك أن تنهض كل يوم لترتكب يوما آخر.. لتدق مسماراً آخر في نعش العالم المزيف.. تعلم أنك ستلتقي بها بالغياب فيما بعد.. تماما كما التقيت بكل هؤلاء الذين تحبهم.. أولئك الذين ماتوا قبل أن تأتي أنت برأسك العنيد وقلبك الغاضب إلى هذه الدنيا..
لا تبحث عن أحد لتضحك أو لتبكي معه.. توحّد بكل هذا الكون الذي يسكنك.. بنفسك اللوامة والأمّارة وقرينك وعقلك وقلبك وروحك.. استجوب ظلك كلما رسم حدود جسدك.. اسأله لم الآن فقط قرر أن يكشف وجوده.. اسأله إن كان مادة أم حالة نفي لها.. أستجوب كل شيء بكل هؤلاء المختلين الذين يتشاركون جسدك ويتقاسمون كينونتك..
لا تدع أي شيء يمر مرور الكرام فلا وجود لهم
تعليق