لإعلام الحربي – خاص:
قليلون هم الذين يحفرون اسمهم في سجلات الخالدين، والسر في ذلك أن الانتصار للحق ورفض السير وراء اللاهثين في طرق الانهزام والتنازل بات درباً عبثياً في هذا الزمن الذي أضحى فيه البحث عن نماذج للرجال مهمة صعبة وفي بعض الأحيان مستحيلة.
العظماء يرفضون الخضوع للمحتل، فكيف إذا كان هذا المحتل قادماً ويسحق بوحشية كل أشيائنا الجميلة، ويدوس كرامتنا، فهل يعقل أن نطأطئ له الرأس ونحني الهامة، إنه الخيار بين الرفعة والذلة، بين القوة والضعف، بين الاستسلام والمقاومة.
ولقد اختارها الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل وعلّمنا ذلك: «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله أو أهلك دونه.. وكذلك فعلها الشيخ الثائر عز الدين القسام حين صرخ في يعبد «موتوا شهداء.. إنه جهاد نصر أو استشهاد»... وكذلك حين قال الشيخ القائد محمود طوالبة في جنين الملحمة: «هي معركة كر لا فر فيها» وقاتل حتى استشهد.. هكذا هم العظماء يعرفون طعم الحياة بموت العدو، ويدركون أن الحياة لا تساوي شيئاً، إذا لم تكن طاعة لله وشهادة في سبيله. رحم الله شهيدنا القائد وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء.
تطل علينا اليوم الاربعاء الموافق 9-11-2011، ذكرى ارتقاء الشهيد القائد إياد أحمد صوالحة (32 عاماً) من سكان بلدة كفر راعي قضاء مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة، ويعد قائدنا واحد من أولئك العظماء الذين أسروا قلوب الفلسطينيين بتضحياته وجهاده.
بهذه النماذج اقتدى شهيدنا القائد إياد محمد يوسف صوالحة (30 عاماً)، فجسّد ببطولاته مجد بدرٍ، وعناد القسام، والرؤية الواضحة باستحالة التعايش مع الكيان الصهيوني على أرضنا.. الشهيد القائد صوالحة ينتمي لأسرة مكوّنة من 10 أفراد، ويعاني والده من شلل، وتلقى الشهيد تعليمه في بلدته كفر راعي، وبعد إنهائه المرحلة التوجيهية درس في كلية قلنديا للتدريب المهني.. شارك في الانتفاضة الأولى وبفعالية، وطاردته قوات العدو لفترة طويلة حتى اعتقلته في العام 1992 حيث أمضى سبع سنوات من محكومتيه البالغة مؤبد فأفرج عنه بعد توقيع اتفاقية أوسلو سيئة الذكر.
في غياب الشهداء لا تملك عائلاتهم إلا الذكريات العظيمة لبطولاتهم لتستمد منها معالم الصمود والتحدي لمواصلة المشوار, وعائلة قائد سرايا القدس الجناح العسكري للجهاد الإسلامي الشهيد اياد صوالحة تتذكر في كل لحظة سيرة الشهيد العطرة الذي استشهد خلال معركة عنيفه مع قوات الاحتلال في مدينة جنين , فإياد حي بروحه وجهاده وكلماته وتضحياته تقول والدته التي يجب ان تحفظها الاجيال لتحافظ على عهدهم وتتمسك بوصاياهم وتصون دمائهم خاصة في هذه الايام المباركة في شهر الانتصارات "رمضان"، حيث تستمر المؤامرات على شعبنا وتتواصل المجازر الصهيونية من جنين حتى رفح , فتطل علينا ذكرى الشهداء لتحفزنا على الصمود وعدم الياس والتراجع مهما تكالبت قوى الشر واشتدت الازمة , فدماء الشهداء تبقى منارة تنير الدرب وطريقنا لنحقق اهدافهم ونحرر فلسطين .
شعبنا اقوى من الاحتلال
تحرير فلسطين كما تقول والدة "اياد صوالحة، هي الحلم والهدف الذي عاش وجاهد واستشهد في سبيله اياد وكل الشهداء وعلينا ان نقاتل في سبيله رغم قمع وفاشية الاحتلال فشعبنا اقوى من الاحتلال وتماسكنا والتفافنا حول سيرة وراية الشهداء هو اكبر تهديد للاحتلال وعنوان لانتصارنا القادم رغم انف الاحتلال وامريكا .
أسلحة الجهاد
وفي مواجهة الاحداث الجلل فان والدة صوالحة تعتبر الحديث عن الشهداء اهم أسلحة النضال والجهاد والمقاومة فمن سيرتهم وتضحياتهم نكرس البطولة والتضحية ونؤكد التحدي ورفض الاحتلال لذلك فهي لا تتوقف عن سرد سيرة ابنها القائد لاحفادها واقاربها واهالي بلدتها كفر راعي التي ولد وعاش وانطلق منها اياد ليشارك شعبه ملاحم البطولة والشرف التي كتب بعض عناوينها بدم معبرا عن استعداد كل فلسطيني للتضحية وتضيف عندما يتسابق القادة للشهادة فان هذا دليل النصر وشعب يقدم قادته في سبيل حريته شعب يستحق الحياة وقادر على استعادة حقه المغتصبه وتطهير ارضه من دنس الاحتلال .
صفحات من حياة الشهيد
ووتحدث والدته لـ"الاعلام الحربي" عن مسيرة الشهيد اياد وصفحات حياته العامرة بالتضحيه والنضال والجهاد فصورة اياد وصوته قالت انها لا تفارقها لحظة لتحثنا جميعا على الصبر والصمود وحمل الامانة التي نتخلى عنها هذه وصية اياد الذي حمل فلسطين في قلبه منذ صغره وصبغ حروفها بدمه ليؤكد للعالم ان شعبنا لن يفرط بذرة تراب من وطنه مهما مارس الاحتلال من قهر وارهاب وجرائم .
ذكرى عطرة
و مثلما يعيش اياد في قلبها وذاكرتها ووجدانها تقول فانه حي في كل ركن من بلدتنا حيث يوجد لاياد ذكرى عطرة علينا ان نستلهم منها مقومات الصمود والمواجهة لان محلمة المقاومة والجهاد لا زالت متواصله تؤكد للقاصي والداني ان الشعب الفلسطيني وان تخاذل البعض وتامر عليه الحكام العرب لا ينجب الا الابطال فاياد صوالحه وانور حمران ومحمود طوالبة وغيرهم احياء وسيولد الف الف اياد وانور وطوالبة وبراهمة وسيحملون راياتهم حتى انتزاع حقوقنا لان الوطن المقدس لن يعود لطهارته وقداسته وحريته الا بالجهاد والمقاومة .
وككل نساء فلسطين فان والدة اياد تعتبر المقاومة حقا مشروعا لشعبنا لدحر المحتل الغاصب وتقول خلال مطاردة اياد مارس الاحتلال بحقنا كل اشكال الضغط والارهاب فاعتقلوني واعتقلوا زوجه اياد ووالده واشقاءه ولكن لم نركع او نستكين ونخاف كما توقع الاحتلال بل كنت فخورة ببطولات اياد واليوم فانني اناشد الامهات الفلسطينية ان يرضعن ابنائهن حليب المقاومة والجهاد وادعوا كل ام فلسطينية لتشجيع ابنها على القيام بدوره في معركة الجهاد التي انخرط فيها اياد منذ صغره فلم يمضي لحظة في حياته خارج المعركة وقبل ان يصبح في سن الشباب حمل اياد راية المقاومة .
عطاء بطولي
برزت صور البطولة والشجاعة على اياد كما تقول والدته في الانتفاضة الاولى عندما كان دوما يتقدم الصفوف ويشارك في المسيرات والمواجهات وعندما انطلق العمل المسلح انضم للمقاومة ليشارك في المعركة حتى طاردته قوات الاحتلال وتعرض لعدة محاولات تصفيه وعندما شعرت في احدى المرات بالخوف والقلق عليه غضب بشدة وعانقني وهو يقول كلمات لا زالت حية في ذاكرتي كلمات لن انساها ابدا , حيث قال اياد رحمه الله في ذلك الوقت هذه معركة يا امي ويجب ان نخوضها مهما كان الثمن انهم يغتصبون مقدساتنا وحقوقنا ولن نستردها اذا لم نخوض المقاومة الانظمة العربية لن تكون معنا فهي باعت فلسطين وتامرت عليها والمجتمع الدولي شريك كامل مع العدو في تصفيه قضينا .ونحن اهل الرباط علينا الواجب الاكبر ادعي لي يا امي لاتوفق مع رفاقي ولا تطلبي مني التوقف وكوني جاهزة لاستشهادي ولا تحزني او تبكي بل ارفعي راسك وجهزي اخوتي وكل محب لك ليكون شهيدا في سبيل القدس وفلسطين .
تلك الكلمات تقول ,تقول والدة الشهيد اثرت علي كثيرا ولكنني احببت اياد اكثر و منذ تلك اللحظة لم اعترض طريقه وزاد حبي وتقديري له وباركته من اعماق قلبي فقد عاش بطلا واستشهد بطلا .
بطولات خلف القضبان
بعد مطاردة طويلة تمكنت قوات الاحتلال من اعتقال اياد في كمين خاص في الانتفاضة الاولى وجرى تقله للتعذيب والعزل والعقاب ولكن محطة السجن كانت نقطه انطلاق وتحول في حياة اياد وكان السجن تحول لمدرسة نضاليه وفشل الصهاينة في الضغط عليه واركاعه ورغم انهم استخدموا كل اساليبب التعذيب والقهر لاركاعه واخضاعه وانتزاع روح النضال الصادقة لديه فشلوا فزادت عزيمته في زنازينهم وقهر السجن والسجان بصموده ومقاومته التي استمرت داخل السجون المختلفة التي نقلوها اليها لعقابه ولكن السجن لم يكن عقاب بل محطة لشحذ الهمم والاستعداد لمعركته القادمة التي خاضها بتحدي ورجوله قاركع السجان واذل جنود شارون ودولة الكيان الغاصبة بمقاومته الجرئية وعملياته الجهادية العظيمة التي نفذتها سرايا القدس خاصة بعد مجزرة مخيم جنين .
وتستمر المعركة
وكما توقعت تقول ام اياد السجن اثر كثيرا على اياد ورفض الزواج وتحقيق امنيتي بان اراه عريسا وابا قبل وفاتي واتذكر انه عندما عرضت عليه الزواج قال لها بكير يا حاجه ولكن اذا كتب الله لي فسيكون هناك عرس كبير تسعدين وتسرين به ولن تنسيه ابدا , خلال ذلك اندلعت انتفاضة الاقصى فلم يتاخر اياد عن اللحاق بركبها وسرعان ما تخلى عن حياته العادية وطوال الفترة التي سبقت مطاردته الثانية لم يبدو عليه الارتياح وكانه اصبح غير قادر على الحياة الطبيعية فلسطين تجري في عروقي والمقاومة والجهاد حياتي والشهادة امنيتي هكذا كان يردد على مسامعي وسرعان ما داهم الصهاينة بيتنا وبدءوا بمطاردته طلبوا مني تسليم مهددين بتصفيته فسخرت منهم وقلت لهم اياد امامكم وهو يعرف كيف يتعامل منكم اما نحن فلن نسلمه ,استشاط الاحتلال غضبا بعد فشل كمائنه وعملائه في اقتناص اياد فاعتقلوني واعتقلوا شقيقاته ولكن صمد وصمدنا فقاموا بهدم منزلنا واثناء الهدم قال لي ضابط المخابرات لن تعيشوا بسلام ما دام اياد حي سنقتله ونعاقبكم كما يفعل باليهود ابنكم ارهابي .
فقالت والدة الشهيد للضابط انتم الارهابيين ومن حق كل فلسطيني ان يدافع عن نفسه وارضه واياد لا يقوم الا بواجبه لطردكم من ارضنا وتخليصنا منكم ارحلوا عنا .
الملاحقة
في هذا الوقت ذاع صيت اياد وبدا الاعلام الصهيوني يركز عليه كثيرا ويقول ان انخراط اياد في سرايا القدس وقيادته لها بعد استشهاد قائدها محمود طوالبة في معركة المخيم شكل انطلاقة كبيرة وخطيرة في العمل النوعي الجهادي لسرايا القدس التي وجهت ضربات عنيفة للكيان الغاصب الذي شدد من حملته لاياد وتقول الوالدة تواصلت عمليات المداهمة والبحث عن اياد لتسليمه او الضغط عليه لتسليم نفسه فهو يقاتل من اجلنا ومن اجل حياتنا التي تحولت لجحيم يوميا يرتكبون المجازر لا يفرقون بين كبير او صغير طائراتهم تقتل وبلدوزراتهم تدمر وحتى لقمة العيش اصبحت مغموسة بالدم ومستحيلة لذلك من حق ابني ان يقاوم في سبيل حرية شعبه واطفال فلسطين .
الزوجة المجاهدة
وبعد رحلة دامت سبع سنوات أمضاها متنقلاً بين سجون جنين وجنيد وشطّه وتلموند وعسقلان والجلمة، أفرج عنه عام 1999. وعندما عاد إلى البيت ـ تقول والدته ـ «طلبت منه الاستعداد للبناء والعمل والزواج»، فقال لي: «بكير يا حاجة، مشواري طويل، لن يهدأ لي بال وأقدام الصهاينة تدنس القدس وفلسطين.. ولكن لا تزعلي، سأحقق أمنيتك وتشاركين في عرس خاص لي لن تشهدي له مثيلاً».
إلى جانب الوالدة الصابرة جلست سوسن شقيقة إياد تستقبل المهنئين بشهادته، وتتحدث بفخر واعتزاز عن حياته، وتتذكر إحدى المرات «عندما زارنا وعلم بتهديد الاحتلال لنا بهدم منزلنا وتصفيته فقال: مهما هدموا ودمروا، ليس مهماً، لن نستسلم، المهم أن نبقى قادرين وجاهزين للمقاومة, ولن أعود إلى السجن مرة أخرى، وأفضل الشهادة على السجن».
وكشفت سوسن عن الحكاية الحقيقية لموافقة إياد على الزواج في ذروة عطائه وجهاده واتساع نطاق الحملة الصهيونية لاعتقاله أو تصفيته فقالت: «قبيل مطاردته في انتفاضة الأقصى تعرف إياد إلى مريم (17 عاماً)، وهي فلسطينية الأب وأمها كرواتية كانت تزور والدها في كفر راعي، فبدأ إياد يحثها على الإسلام وقرر خطبتها لهدايتها.
وبالفعل في فترة بسيطة نجح، فأشهرت إسلامها وتحدّت الظروف والصعوبات ، وأصرت على العودة بعد أن كانت ذهبت في زيارة إلى كرواتيا وتزوجت إياد قبل أربعة شهور من استشهاده، برغم معرفتها أن حياتها ستكون قاسية لأنه مطارد ولا يمتلك بيتاً. وبالفعل تزوجها إياد سراً ولم يعلم أحد بذلك، ومنذ تلك اللحظة اختفت ورافقته إلى كل مكان بتحدٍّ وإيمان حتى استشهاده، فقد تأثرت به كثيراً».
المعركة البطولية
لم يرضخ اياد لتهديدات المخابرات الصهيونية واستمر عطاءه المزلزل في عمق الكيان الغاصب واتهمته قوات الاحتلال بالوقوف خلف عملية الاستشهادي حمزة سمودي قرب حيفا وعملية اشرف حسنين ومصطفي الاسود بالقرب من مجدو وغيرها من العمليات النوعية ، وبدات حملات التحريض الصهيونية التي دعت لاغتياله والانتقام من عائلته واتسع نطاق الهجمة الصهيونية كما تقول والدته حتى فرضوا حظر تجول على جنين لملاحقته , وتضيف احشدت قوات الاحتلال مئات الجنود من حاصروا جنين واحتلوا منازلها وشنوا عمليات دهم من منزل لاخر حتى تمكنوا بعد اسبوعين من محاصرته في البلدة القديمة.
حاصرت قوات الاحتلال اياد تقول والدته وحاولت اعتقاله واكد لنا الاهالي ان الجنود امضوا ليلة كاملة يوجهون نداءات له لتسليم نفسه ولكنه رفض واصر على مقاومتهم وخاض معركة بطولية لعدة ساعات قتل واصيب خلالها عدد من الجنود ثم استشهد , ولكن ما يحزنني ان مشوار شعبنا لا زال طويلا ونحن بحاجه لامثال اياد الذي زلزلوا الارض تحت اقدام المحتلين فعندما حاصروه وطلبوا منه الاستسلام رفض واصر على مقاومتهم حتى الرمق الاخير وبرحيله فان روحه لا زالت حية فينا تبعث في اعماق كل فلسطيني نور ونار المقاومة والجهاد , راية الجهاد خفاقة يا اياد وهي ما يخفف عنا ويعزز صلابتنا وارادتنا ونحن نقول للعالم وشارون والصهاينة لم تنتهي المعركة وملحمة الجهاد الاسلامي مستمرة من جنين حتى رفح وحي الزيتون حتى ترفرف رايات الكرامة والحرية ونحقق حلم اياد وهذه وصيتي لرفاقه لا تتراجعوا او تياسوا وامضوا على درب قادتكم حتى النصر او الشهادة.
عمليات الثأر والانتقام
لم يتأخر مجاهدو السرايا وتلاميذ الشهيد إياد صوالحة على الرد على جريمة العدو فقتلوا بتاريخ (9/11/2002)، ضابطاً صهيونياً، وأصابوا آخراً بجروح في عملية اعتبرتها السرايا رداً على جريمة العدو باغتيال القائد صوالحة.
كما هاجموا بتاريخ (12/11/2002)، قافلة للجنود والمستوطنين بقذائف الار بي جي، على طريق مستوطنة نتساريم وسط قطاع غزة.
ولم يطل الرد القاسي والمؤلم والصاعق على هذه الجريمة، ففي (15/11/2002)، نفذ ثلاثة مجاهدين من سرايا القدس عملية بطولية في الخليل أسفرت عن مقتل 14 عسكرياً صهيونياً ومستوطناً مسلحاً بينهم 4 ضباط وقائد منطقة الخليل العسكرية العقيد «درور فاينبرغ» في معركة استمرت 5 ساعات.
تعليق