الإعلام الحربي _خاص :
ما أروعك يا أسامة وأنت تحلق في السماء كما الغمام..ما أروعك وأنت تغرس قطرات دمك الزكي في عمق الأرض لتنبت من جديد جيلا يعشق الجهاد والاستشهاد.. ولتبقى قافلة العطاء ممتدة نحو الفجر الآتي.. فإما كرماء فوق هذه الأرض وإما أشلاء تتطاير لتصل عنان السماء.
ويأبى مسجد الشهيد عز الدين القسام بمشروع بيت لاهيا إلا أن يظل قلعة للشهداء ومدرسة يتعلم فيها المجاهدون فن الانفجار والانعتاق من ضيق هذه الدنيا وقسوتها إلى رحابة الآخرة ونعيمها، وعلى هذا الدرب.. درب الأطهار الأحرار.. تقدم الفارس المغوار أسامة زياد زقوت "أبا المحتسب" ليسجل شهادته بالدم على قسوة هذا العالم الظالم.. تقدم أسامة "حمامة مسجد القسام" ليلحق بركب العشرات من إخوانه الشهداء الأخيار من أبناء المسجد المسكونين وعيا وإيمانا وثورة.
الميلاد والنشأة
كان يوما مباركا ذاك اليوم الذي تنسم فيه شهيدنا المجاهد أسامة زياد زقوت "أبا المحتسب" أولى نسائم هذه الحياة الدنيا، في الأول من مايو من العام الثامن والثمانين بعد التسعمائة وألف (1/5/1988) وذلك بمخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين، ليكون بذلك سابع إخوانه وأخواته التسعة.
نشأ أبا المحتسب في أسرة محافظة كان الإسلام العظيم كساءها.. والثورة على كافة أشكال الظلم والاضطهاد عنوانها.. كيف لا، وهي التي هٌجّرت من بلدتها الأصلية مدينة المجدل المحتلة في العام 1948م على يد عصابات القتل والتشريد الصهيونية ليستقر بها المقام في ذاك المخيم الفقير والمنكوب، وهو ما شكل بالنسبة له بذرة الثورة الأولى على الظلم والظالمين... ليكون كما سنرى لاحقا مثالا للمسلم الثائر..
تلقى شهيدنا المجاهد تلعيمه الأساسي في مدرسة "أبو حسين" بمخيم جباليا، والإعدادي في مدرسة "الإعدادية أ"، والثانوي بمدرسة الشقيري قبل أن يلتحق بجامعة الأقصى ليدرس "التربية الرياضية". وقد تميز الشهيد "أبا المحتسب خلال فترات دراسته بالجد والمثابرة وحب طلب العلم.
ونظرا لدماثة خلقه وروحه المرحة وشخصيته القوية والمؤثرة استأثر "أسامة" بحب جميع أفراد أسرته كما قال لنا احد إخوانه موضحا أن أسامة كان مدللا في صغره، كما كان شقيا محبوبا بين جميع إخوانه وأصدقائه الذين بكوا عليه كثيرا يوم وداعه.
صفات مجاهد
شكل الجو الأسري والتربوي العام الذي نشأ وترعرع في كنفه الشهيد المجاهد "أسامة" الصفات والملامح العامة لشخصية شهيدنا الاستشهادي "ابا المحتسب"، ما جعله ملتزما بتعاليم الدين العظيم منذ نعومة أظفاره، فكان حييا، خلوقا، محبا للآخرين، متفانيا في خدمتهم، مؤثرا على نفسه ولو كان به خصاصة.
عرف شهيدنا المجاهد معنى قول الرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام "طوبى لمن يألفون ويؤلفون" وهو ما تمثل في علاقاته مع الآخرين حيث أحاط نفسه بثلة من الشباب المسلم الملتزم ليكونوا له عونا على الخير كما كان لهم.. هذا عوضا عن علاقاته الأسرية المتميزة، حيث كان بارا بوالديه، واصلا لرحمه.
تلك الصفات التي اكتسبها من أسرته المحافظة والملتزمة، كان لا بد لها من صقل وتنمية، فكان المسجد بمثابة التربة الخصبة لنماء بذور الخير والعطاء في نفسه، وكان مسجد الشهيد عز الدين القسام بمشروع بيت لاهيا... ذاك المسجد الذي جبلت أركانه بدماء العشرات من الشهداء الأتقياء.. وهناك وجد الحضن الدافئ بين إخوانه من شباب وشيوخ المسجد الذين تربوا على موائد القرآن وموائد الوعي والإيمان والثورة.
أسامة ودرب الجهاد والمقاومة
شق الشهيد المجاهد "أسامة" طريقه إلى مسجد القسام في العام 2003م، بعد أن كان يؤدي صلواته في عدد من المساجد في منطقته، وهناك بدأ أسامة أولى خطواته على طريق ذات الشوكة.. متدرجا في سلم العمل الحركي الجهادي، بعد أن آمن بفكر حركة الجهاد الإسلامي وأطروحاتها السياسية والفكرية سواء تلك المتعلقة بفلسطين أو العالم الإسلامي والدولي، حيث ابتدأ ذلك المشوار المبارك كما يقول احد المسئولين المباشرين عنه بالعمل في اللجنة الدعوية لحركة الجهاد الإسلامي في مسجد القسام، وقد أبلى بلاء حسنا في هذا الميدان، قبل أن ينتقل إلى العمل في اللجنة الرياضية حيث كان مسئولا عن عمل تلك اللجنة، وقد تميز شهيدنا بجسم رياضي قوي وهو ما دفعه لدراسة "التربية الرياضية" في جامعة الأقصى، وقد أشرف أبا المحتسب على العديد من الدورات الرياضية.
والى جانب ترؤسه لعمل اللجنة الرياضية، عمل أيضا مسؤلا للجنة الدعوية في منطقة سكناه "منطقة العلمي" واشرف على تحفيظ القرآن الكريم لعدة مجموعات من الأشبال.
حب الجهاد والبحث عن الشهادة دفعا أسامة إلى البحث بكل جد واجتهاد عن اقرب الطرق إلى الله وهو الاستشهاد في سبيله، ولذلك ألحّ "أسامة" على إخوانه في سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين ليكون جنديا في صفوفهم، وذلك في منتصف العام 2004م، .
إن الشهيد المجاهد أبا المحتسب خاض العديد من الدورات العسكرية تعلم خلالها على جميع فنون القتال العسكرية بالإضافة إلى عمليات إطلاق الصواريخ وزرع العبوات الناسفة خلال الاجتياحات الصهيونية لمنطقة شمال غزة.
كما يعتبر "أسامة" احد الاستشهاديين في وحدة الاستشهاديين" التابعة لسرايا القدس، إلى جانب كونه المصور الميداني لعمليات سرايا القدس في شمال القطاع خاصة عمليات إطلاق الصورايخ التي كان يشارك أحيانا في إطلاقها.
كما شارك الشهيد أبا المحتسب في عملية فدائية شرق مخيم جباليا بالاشتراك مع لجان المقاومة الشعبية. وقد استشهد احد مجاهدي اللجان وهو عبد المعطي العر، فيما تمكن المجاهد "أسامة" من الانسحاب من المكان.
وترجل أسامة شهيدا
إنفاذا لعهده الذي قطعه على نفسه أن يلقى الله شهيدا في هذا الشهر الفضيل، حدد الشهيد أبا المحتسب فجر التاسع عشر من رمضان الموافق 11/10/2006م ليلقى ربه شهيدا، فكانت مغتصبة "كيسوفيم" هي الهدف، حيث توجه هناك عاقدا قلبه على إيمان لايتزعزع، متزنرا بحزام ناسف وقابضا على سلاحه الرشاش، إلا أن رصاصات صهيونية غادرة عاجلته أدت إلى استشهاده على الفور مقبلا غير مدبر، كما أراد وتمنى.