الشهيد القسامي/ بكر نعيم العصار
حافر الأنفاق وجندي القسام المجهول
فمن الصعب الحديث عن رجال أحبوا صناعة الموت ليرهبوا أعداء الله، ويزلزلوا الأرض من تحت أقدامه، بل من الصعب الحديث عن الأبطال في زمن الأقزام، فهم الذين صنعوا الحياة الكريمة لغيرهم، باعوا أنفسهم رخيصة في سبيل الله، كان الموت في سبيل الله أسمى أمنية لهم، حرصوا كل الحرص على الجهاد في سبيل الله، ولا يمكن للكلمات أن تفي مثل هؤلاء حقهم، بل لا يمكن لها أن تحكي الشيء القليل عن انتصاراتهم وبطولاتهم.
بكر العصار.. رغم صغر سنه وحداثة عمره إلا أنه صنع لنفسه بإخلاصه وحبه لغيره، مجدا يتحدث عنه إلى الأبد، بل صنع تاريخا يتغنى به الآخرون، ويفتخر به والديه بل كل عائلته به.
بكر يرى النور
وتعرض بكر خلال دراسته الثانوية لمحنة صعبة، فدرس في القسم العلمي في الثانوية العامة بسبب تميزه بالحفظ الشديد لأي شيء يدرسه ويقرأه، إلا أن الظروف لم تساعده في أن يستمر في هذا القسم، فانتقل من القسم العلمي إلى القسم الأدبي، ونجح في دراسته والتحق بجامعة فلسطين الدولية ليدرس فيها دبلوم سكرتارية.
تميز بكر بالحركة المستمرة وحبه لخدمة الآخرين، وقد ساعده في ذلك بنيته القوية وطوله الفارع الذي تميز به عن باقي إخوته في المنزل، والمضحك أن بكر إذا أراد أن يشتري حذاءً ليلبسه في قدميه، يقوم بتفصيل حذاء خاص به لعدم وجود أي حذاء يناسب قدميه.
بنية بكر القوية ووزنه الذي وصل إلى 90 كيلو جرام، جعلته يلتحق بأحد الأندية المتخصصة بكمال الأجسام، وتدرب جيدا فيها على مبارزة الآخرين بالذراع، ويذكر أنه نال المرتبة الثانية على مستوى قطاع غزة في بطولة الذراع على وزنه.
شخصية نادرة
يذكر لنا أحد أصدقاءه أن بكر ليلة استشهاده كان يمازح أخا له في الله، ولكنه أصابه بجرح خفيف في رقبته وغضب هذا الشاب وغادر المكان، إلا أن الشهيد بكر لم يهدأ له بال حتى ذهب إلى بيته وطلب منه أن يسامحه.
حتى أنه في أحد المرات أساء له أحد الشباب الغير ملتزم وشتمه، إلا أن بكر لم يرد الإساءة بالإساء بل سامحه ودعا الله أن يهديه.
كما وتميز بكر بالسرية الشديدة والكتمان خاصة على أعز أصدقائه وأحبابه، حتى أنه أثناء الرباط وخروجه مع إخوانه المجاهدين من أفراد مجموعته لم يكن يزيل اللثام عن وجهه أبدا، حتى وإن طلب أصدقاؤه ذلك منه.
بكر.. الشاب المميز
تميز بكر الواضح لم يقتصر فقط خارج البيت مع أصدقاءه وإخوانه، ولكنه في بيته كان كذلك أيضا، فيقول والد الشهيد: "كان بكر رحمه الله مميزا جدا عن إخوانه وأخواته جميعهم، فقد كان مطيعا إلى أبعد درجة كما أنه أحس بالمسئولية رغم صغر سنه، وإذا كنا نطلب منه أي طلب فسرعان ما ينفذه دون أن يتحجج بشيء، وكان يمزح معي دائما ويقول لي أدق التفاصيل والأسرار التي يخفيها عن غيره حتى لا أقلق عليه أبدا".
ويذكر لنا والد الشهيد موقفا عن ابنه فيقول: "في أحد الأيام رجعت إلى البيت، فقابلتني ابنتي الصغيرة وقالت لي: بكر غلبني، فناديت على بكر وأسرع قائلا بصورة مازحة وهو يضحك لم أغلبها وإنما كنت أمزح معها، فقلت له تعال طيب حتى تضربك أختك، ويأتي ثم يعود للعب معها من جديد".
ألا أتعب من أجل الله!
حتى أن أحد المجاهدين يشير إلى أن بكر كان يحتفظ بعبوة شواظ يأخذها معه على الرباط، فكان يحملها ذهابا وإيابا دون أن يعطيها لأحد من المجاهدين لكي يريحه منها، حتى أنه ذات مرة طلب منه أحد رفاقه الذين يخرجون معه إلى الرباط أن يحمل عنه العبوة، فرفض بكر قائلا: "أأتعب في النهار من أجل المال، ولا أتعب في الليل من أجل الله وفي سبيله".
والد الشهيد بكر قال أيضا: "رجعت ذات يوم إلى البيت في الليل فوجدت بكر ممسكا ببنطال له ويريد أن يخيطه، لكنه لم يستطع في حينها أن يضع الخيط في الإبرة، فأخذتها منه ووضعت الخيط في الإبرة، فقال لي ممازحا: هذا إنتي يا أبي شاب وأنا صرت عجوز".
كما أنه في أحد الأيام ذهب لمساعدة أحد أصدقائه في رفع الحجارة إلى الطابق الأول من بيته، فكان الشباب الآخرين يرفعون حجرين حجرين، إلا أن بكر وبمساعدة بنيته القوية كان يحمل أربعة حجارة مع بعضها البعض، وقد طلب منه صاحب البيت أن يكف عن ذلك إلا أنه رفض واستمر في حمل الحجارة الأربعة.
مع القسام
والتحق بكر أيضا بجهاز العمل الجماهيري الخاص بحركة حماس وكان نشيطا جدا في هذا الجهاز، إلا أن بكر كان يسعى إلى ما هو أعلى شأنا من ذلك فقد حرص دوما على أن يكون ضمن صفوف كتائب القسام، حتى يمهد لنفسه بأن يكون أحد العناصر الضاربة فيها والفاعلة أيضا، فطالب دوما وتكرارا من قيادته بأنه يريد الالتحاق بصفوف الكتائب، حتى أن والده الشيخ نعيم قال له يا بني اصبر وتمهل، إلا أن بكر كان يقول لوالده: أنت لا تريدني أن استشهد!، لكن بكر نال ما أراد والتحق في صفوف القسام مع بداية عام 2006م.
ولم يغفل بكر في يوم من الأيام أن يسأل والده عن مكان النقب وكيفية الوصول إلى الأراضي المحتلة عام 1948م، وما هي أقرب طريق للوصول إليها، ويعقب والده على هذا الأمر قائلا: بعد ان يسألني بكر عن ذلك يقوم بإحضار خريطة لفلسطين ويحدد عليها الطرق التي يمكن من خلالها الوصول إلى الأراضي المحتلة.
وقد تأثر الشهيد بكر العصار جدا باستشهاد أخيه وجاره الشهيد القسامي المجاهد محمد البابلي، فقد أحبه كثيرا وتمنى لو أنه استشهد معه، وهذا ما دفعه إلى زيارة قبر الشهيد البابلي بشكل يومي والجلوس بجوار قبره ومحادثته، حتى أن بكر سأل أحد أصدقاءه يوما: يا ترى هل يحبني محمد البابلي كما أحبه؟!.
نبأ الاستشهاد
ورجع أبو بكر في ذاكرته إلى الوراء قليلا حيث قال: في الأيام الأخيرة لبكر، كان يزور كل خالاته وعماته ويقوم بتوديعهن بصورة غير مباشرة وكأنه كان يحس بأنه سوف يستشهد، وفي أحد المرات وهو يتواجد عند جدته طلب منها أن تدعو له بأن يستشهد فقالت له يارب تنال شهادة الجامعة، فقال لها: لأ أنا أريد شهادة الآخرة، فردت عليه قائلة بس تتزوج يا بكر، قال لها إن شاء الله بتزوج من الحور العين.
حادثة الاستشهاد
يذكر أحد المجاهدين أن بكر كان يرفض أن ينزل أحد قبله إلى النفق ولا يرضى أن يبدأ أحد بالحفر قبل أن يبدأ هو، فنزل بكر إلى النفق يوم استشهاده وأطال في الداخل، فانشغل بال إ
الشهيد القسامي/ بكر نعيم العصار
حافر الأنفاق وجندي القسام المجهول
فمن الصعب الحديث عن رجال أحبوا صناعة الموت ليرهبوا أعداء الله، ويزلزلوا الأرض من تحت أقدامه، بل من الصعب الحديث عن الأبطال في زمن الأقزام، فهم الذين صنعوا الحياة الكريمة لغيرهم، باعوا أنفسهم رخيصة في سبيل الله، كان الموت في سبيل الله أسمى أمنية لهم، حرصوا كل الحرص على الجهاد في سبيل الله، ولا يمكن للكلمات أن تفي مثل هؤلاء حقهم، بل لا يمكن لها أن تحكي الشيء القليل عن انتصاراتهم وبطولاتهم.
بكر العصار.. رغم صغر سنه وحداثة عمره إلا أنه صنع لنفسه بإخلاصه وحبه لغيره، مجدا يتحدث عنه إلى الأبد، بل صنع تاريخا يتغنى به الآخرون، ويفتخر به والديه بل كل عائلته به.
بكر يرى النور
وتعرض بكر خلال دراسته الثانوية لمحنة صعبة، فدرس في القسم العلمي في الثانوية العامة بسبب تميزه بالحفظ الشديد لأي شيء يدرسه ويقرأه، إلا أن الظروف لم تساعده في أن يستمر في هذا القسم، فانتقل من القسم العلمي إلى القسم الأدبي، ونجح في دراسته والتحق بجامعة فلسطين الدولية ليدرس فيها دبلوم سكرتارية.
تميز بكر بالحركة المستمرة وحبه لخدمة الآخرين، وقد ساعده في ذلك بنيته القوية وطوله الفارع الذي تميز به عن باقي إخوته في المنزل، والمضحك أن بكر إذا أراد أن يشتري حذاءً ليلبسه في قدميه، يقوم بتفصيل حذاء خاص به لعدم وجود أي حذاء يناسب قدميه.
بنية بكر القوية ووزنه الذي وصل إلى 90 كيلو جرام، جعلته يلتحق بأحد الأندية المتخصصة بكمال الأجسام، وتدرب جيدا فيها على مبارزة الآخرين بالذراع، ويذكر أنه نال المرتبة الثانية على مستوى قطاع غزة في بطولة الذراع على وزنه.
شخصية نادرة
يذكر لنا أحد أصدقاءه أن بكر ليلة استشهاده كان يمازح أخا له في الله، ولكنه أصابه بجرح خفيف في رقبته وغضب هذا الشاب وغادر المكان، إلا أن الشهيد بكر لم يهدأ له بال حتى ذهب إلى بيته وطلب منه أن يسامحه.
حتى أنه في أحد المرات أساء له أحد الشباب الغير ملتزم وشتمه، إلا أن بكر لم يرد الإساءة بالإساء بل سامحه ودعا الله أن يهديه.
كما وتميز بكر بالسرية الشديدة والكتمان خاصة على أعز أصدقائه وأحبابه، حتى أنه أثناء الرباط وخروجه مع إخوانه المجاهدين من أفراد مجموعته لم يكن يزيل اللثام عن وجهه أبدا، حتى وإن طلب أصدقاؤه ذلك منه.
بكر.. الشاب المميز
تميز بكر الواضح لم يقتصر فقط خارج البيت مع أصدقاءه وإخوانه، ولكنه في بيته كان كذلك أيضا، فيقول والد الشهيد: "كان بكر رحمه الله مميزا جدا عن إخوانه وأخواته جميعهم، فقد كان مطيعا إلى أبعد درجة كما أنه أحس بالمسئولية رغم صغر سنه، وإذا كنا نطلب منه أي طلب فسرعان ما ينفذه دون أن يتحجج بشيء، وكان يمزح معي دائما ويقول لي أدق التفاصيل والأسرار التي يخفيها عن غيره حتى لا أقلق عليه أبدا".
ويذكر لنا والد الشهيد موقفا عن ابنه فيقول: "في أحد الأيام رجعت إلى البيت، فقابلتني ابنتي الصغيرة وقالت لي: بكر غلبني، فناديت على بكر وأسرع قائلا بصورة مازحة وهو يضحك لم أغلبها وإنما كنت أمزح معها، فقلت له تعال طيب حتى تضربك أختك، ويأتي ثم يعود للعب معها من جديد".
ألا أتعب من أجل الله!
حتى أن أحد المجاهدين يشير إلى أن بكر كان يحتفظ بعبوة شواظ يأخذها معه على الرباط، فكان يحملها ذهابا وإيابا دون أن يعطيها لأحد من المجاهدين لكي يريحه منها، حتى أنه ذات مرة طلب منه أحد رفاقه الذين يخرجون معه إلى الرباط أن يحمل عنه العبوة، فرفض بكر قائلا: "أأتعب في النهار من أجل المال، ولا أتعب في الليل من أجل الله وفي سبيله".
والد الشهيد بكر قال أيضا: "رجعت ذات يوم إلى البيت في الليل فوجدت بكر ممسكا ببنطال له ويريد أن يخيطه، لكنه لم يستطع في حينها أن يضع الخيط في الإبرة، فأخذتها منه ووضعت الخيط في الإبرة، فقال لي ممازحا: هذا إنتي يا أبي شاب وأنا صرت عجوز".
كما أنه في أحد الأيام ذهب لمساعدة أحد أصدقائه في رفع الحجارة إلى الطابق الأول من بيته، فكان الشباب الآخرين يرفعون حجرين حجرين، إلا أن بكر وبمساعدة بنيته القوية كان يحمل أربعة حجارة مع بعضها البعض، وقد طلب منه صاحب البيت أن يكف عن ذلك إلا أنه رفض واستمر في حمل الحجارة الأربعة.
مع القسام
والتحق بكر أيضا بجهاز العمل الجماهيري الخاص بحركة حماس وكان نشيطا جدا في هذا الجهاز، إلا أن بكر كان يسعى إلى ما هو أعلى شأنا من ذلك فقد حرص دوما على أن يكون ضمن صفوف كتائب القسام، حتى يمهد لنفسه بأن يكون أحد العناصر الضاربة فيها والفاعلة أيضا، فطالب دوما وتكرارا من قيادته بأنه يريد الالتحاق بصفوف الكتائب، حتى أن والده الشيخ نعيم قال له يا بني اصبر وتمهل، إلا أن بكر كان يقول لوالده: أنت لا تريدني أن استشهد!، لكن بكر نال ما أراد والتحق في صفوف القسام مع بداية عام 2006م.
ولم يغفل بكر في يوم من الأيام أن يسأل والده عن مكان النقب وكيفية الوصول إلى الأراضي المحتلة عام 1948م، وما هي أقرب طريق للوصول إليها، ويعقب والده على هذا الأمر قائلا: بعد ان يسألني بكر عن ذلك يقوم بإحضار خريطة لفلسطين ويحدد عليها الطرق التي يمكن من خلالها الوصول إلى الأراضي المحتلة.
وقد تأثر الشهيد بكر العصار جدا باستشهاد أخيه وجاره الشهيد القسامي المجاهد محمد البابلي، فقد أحبه كثيرا وتمنى لو أنه استشهد معه، وهذا ما دفعه إلى زيارة قبر الشهيد البابلي بشكل يومي والجلوس بجوار قبره ومحادثته، حتى أن بكر سأل أحد أصدقاءه يوما: يا ترى هل يحبني محمد البابلي كما أحبه؟!.
نبأ الاستشهاد
ورجع أبو بكر في ذاكرته إلى الوراء قليلا حيث قال: في الأيام الأخيرة لبكر، كان يزور كل خالاته وعماته ويقوم بتوديعهن بصورة غير مباشرة وكأنه كان يحس بأنه سوف يستشهد، وفي أحد المرات وهو يتواجد عند جدته طلب منها أن تدعو له بأن يستشهد فقالت له يارب تنال شهادة الجامعة، فقال لها: لأ أنا أريد شهادة الآخرة، فردت عليه قائلة بس تتزوج يا بكر، قال لها إن شاء الله بتزوج من الحور العين.
حادثة الاستشهاد
يذكر أحد المجاهدين أن بكر كان يرفض أن ينزل أحد قبله إلى النفق ولا يرضى أن يبدأ أحد بالحفر قبل أن يبدأ هو، فنزل بكر إلى النفق يوم استشهاده وأطال في الداخل، فانشغل بال إخوانه المجاهدين عليه وصاروا ينادون عليه، إلا أنه لم يجيب عليهم أبدا وما هي إلا لحظات حتى رأوا رأس بكر وهي على الأرض، فرمى أحد الإخوة عليه حجرا صغيرا ولكنه لم يجيب، فقام البقية على الفور بسحبه فوجدوا أنه فاقد للوعي، وأنفاسه قد توقفت.
فكان الاستشهاد يوم السبت 28-10-2006م أثناء تأديته لواجبه الجهادي في حفر أحد الأنفاق القسامية.
خوانه المجاهدين عليه وصاروا ينادون عليه، إلا أنه لم يجيب عليهم أبدا وما هي إلا لحظات حتى رأوا رأس بكر وهي على الأرض، فرمى أحد الإخوة عليه حجرا صغيرا ولكنه لم يجيب، فقام البقية على الفور بسحبه فوجدوا أنه فاقد للوعي، وأنفاسه قد توقفت.
فكان الاستشهاد يوم السبت 28-10-2006م أثناء تأديته لواجبه الجهادي في حفر أحد الأنفاق القسامية.
رحمك الله يا بكر
منقول
تعليق