الشهيد القائد "محمد الشيخ خليل".. حياة عز وجهاد وبطولة
تمر السنين من جديد.. ومع مرورها.. تمر ذكريات مجدٍ تليد.. تتجدد فينا ذاكرة رحيل رجلٍ بألف رجل.. تتجدد فينا ذاكرة قائدٍ صنع فتحاً كفتح خيبر.. وصنع فجراً كفجر بدر الكبرى.
تهل ذكرى عزيزة على قلوب المجاهدين.. ذكرى أسدٍ هصور.. ذكري رحيل "خطاب فلسطين".. ذاك الأسد.. مخرج الاستشهاديين.. وشقيق عشاق الشهادة (شرف- أشرف- محمود).
"محمد الشيخ خليل" اسم شق طريقه للشهادة.. اسم دّب الرعب في قلوب بني صهيون.. اسم أبكي الصهاينة دماً .. اسم أرغم قادة صهيون لإعلان الهزيمة في غزة.
تهل ذكراك "أبا خليل".. ولا زالت فلسطين تفتقدك.. لا زال طفلي يحلم بعودةٍ لمجدك التليد.. لا زالت أمي تحلم بعهدٍ كعهدك.. لا زال أبناء المخيم يروّن عهد الانتصارات.. لا زال أبناء الجهاد يحيون ذكراك تحت أزيز نار الصواريخ.. لا زال أسود السرايا يسيرون على خطّاك نحو الشهادة.
تعود بنا ذاكراك.. ولا زال الدم الفلسطيني ينزف.. تعود ذكراك ونحن نحيي فتوحاتك.. "فتح خيبر" "الفتح المبين" "بدر الكبرى" "جسر الموت".
رحلت سيدي أبـا خليل لتلتحق برفيق الدرب فتحي الشقاقي.. وياسر أبو العيش.. هنيئاً لك سيدي.. هنيئاً لك وأنت مع النبيين.. هنيئاً لك وأنت برفقة الأحباء.. هنيئاً لك وأنت في رحمة مولنا
مقتطفات من حياةالشهيد الشيخ محمد خليل
الشهيد القائد الشيخ محمد الشيخ خليل البالغ من العمر 32 عاما هو من مواليد مدينة رفح، وسافر إلى لبنان مطاردا في عام 1989. قرر الرجوع إلى موطنه الأصلي فلسطين بعد اتفاقية أوسلو عام 1993 ،ولكن تم القبض علية أثناء عودته في مدينة مصر وتم الحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات ونصف. استشهد شقيقه أشرف الشيخ خليل في اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال بتاريخ 1/7/1991، بينما استشهد شقيقه الثاني شرف الشيخ خليل في اشتباك مسلح في وسط البحر بالقرب من مخيم نهر البارد بتاريخ 2/1/ 1992. بترت ساقه أثناء مهمة جهادية في شهر نوفمبر لعام 2001، وكان برفقته الشهيد ياسر أبو العيش. يعتبر الشيخ محمد الشيخ خليل المطلوب رقم 1لقوات الاحتلال الصهيوني، حيث تعرض لأربع محاولات اغتيال باءت كلها بالفشل، حيث كان آخرها محاولة اغتياله بصاروخ أطلقته طائرة استطلاع على بيته في مخيم يبنا جنوب رفح في شهر أكتوبر لعام 2004، إلا أنه لم يكن متواجدا في المنزل، و أدت محاولة الاغتيال هذه إلى استشهاد شقيقه محمود. و قد نجحت طائرات الاستطلاع الصهيونية مساء يوم الأحد 25/9/2005م، في اغتيال الشيخ خليل بعد أن قصفت سيارته من نوع مرسيدس بينما كان يسير على الطريق الساحلي لمنطقة تل الهوا جنوب مدينة غزة، مما أدى إلى استشهاده و مرافقه محمد برهوم و إصابة عدد من المارة.
والدة الشهيد القائد محمد الشيخ خليل ربت أبناءها على حب الجهاد وقدمتهم واحدا تلو الأخر في سبيل الله
في أزقة مخيم يبنا للاجئين في رفح كانت البداية وفي بيت جدّ متواضع كان اللقاء، في طريقي إليها تخيلت أن ألتقي امرأة منهارة وهي تودع ابنها الرابع شهيداً.. لكني وجدت مثال المرأة الفلسطينية الصامدة التي نذرت أولادها لله لقد استمدت صبرها من دموع الثكالى وصرخات اليتامى وآهات المعذبين ولم تتوان عن تقديمهم الواحد تلو الأخر في سبيل دينها وربها .
كانت شامخة شموخ الجبال صابرة محتسبة أبناءها الأربعة عند ربها تطال هامتها عنان السماء وكأنها تلملم تباشير النصر من عيونهم وتستمد شجاعتها من ارواحهم الهائمة .
إنها والدة الشهيد القائد محمد الشيخ خليل قائد سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الاسلامي في جنوب قطاع غزة، والتي كان لنا شرف لقائها لتحكي لنا كيف صنعت الرجال الرجال في زمن كثر فيه أشباه الرجال
صانعة الرجالفي بيت احتشد فيه الأحفاد وأبناء الأبطال الذين كانوا يلهون حول جدتهم التي رغم سنوات عمرها الستين الا ان قلبها الكبير كان يتسع لهم جميعا وتحتويهم بين ذراعيها .
لقد بدأت تحكي لنا قصتها المليئة بالمحطات الهامة والنوائب الكثيرة التي زادتها قوة وصلابة فقالت: توفي زوجي منذ أكثر من عشرين عاما وكان عندي سبعة أولاد وخمس بنات كانت أصغرهن ماتزال رضيعة وغدت الآن شابة عمرها 23عاما, وكما قالت لنا أم رضوان فقد حاول الكثير من أهل زوجها إقناعها بالمجيء إلى غزة وترك رفح ولكنها أبت أن تترك مخيم رفح قلعة الصمود لتربي في بيتها المتواضع رجالا اشداء قادرين على مواجهة اعباء الحياة والثبات في وجه النوائب فكان الاقمار الاربعة الذين بزغوا في ارواحنا لينيروا لنا الدروب الحالكة.
وبكل فخر قالت" الحمد لله استطعت أن اصنع منهم مقاومين لو أن هناك مائة رجل لما استطاعوا أن يربوهم كما ربيتهم أنا والحمد لله مرة أخرى الذي بلغني هذا وهذا كله بفضل الله سبحانه وتعالى" .
ومع انطلاق شرارة الانتفاضة الاولى عام 87، في اعقاب معركة الشجاعية البطولية التي خاضها اربعة من فرسان حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين، تحركت بذور الثورة في نفس ام رضوان ولكنها لم تستطع القيام باي دور جهادي في تلك المرحلة، وعوضا عن ذلك شرعت في بذر بذور الثورة والمقاومة في نفوس ابنائها ليلتحقوا بعد ذلك بصفوف الثورة والثوار والمجاهدين الاحرار.
وبكلمات عادت بنا إلى زمن بعيد راحت أم رضوان تسرد أحداث تلك الفترة: في الانتفاضة الأولى انتشر الجواسيس في كل مكان وأنا لم أرد لأي واحد من أولادي أن يطلق عليه لقب جاسوس قلت لأولادي السبعة أفضل أن تقتلوا في سبيل الله ولا أن يقال عن أحدكم عميل أنا أريد رجال بكل مال للكلمة من معنى والحمد لله كان لي ما أردت".
بداية الطريق
قالت في كثير من الأحيان أن لديها أولاد سبعة نذرت خمسة منهم للمقاومة واثنين للدعوة في سبيل لله فكان لها ما تمنت فقد نال الأربعة من خمسة الشهادة .
"أشرف وشرف ومحمود ومحمد" الشهداء الأربعة الذين ساروا على درب الشهادة الواحد تلو الأخر تحلت بالإيمان كلما ودعت أحدهم، وعندما سألناها أيهم كان قريبا إلى قلبك قالت: أنهم أعزاء قلبي وليس هناك اعز منهم على إلا الذي خلقهم.
وعن استشهاد أول اثنين قالت أم رضوان "في الانتفاضة الأولى وبعد مطاردة من قوات الاحتلال انتقل الشهداء الأربعة رحمة الله عليهم اجميعن إلى مصر ثم إلى ليبيا ومنها إلى لبنان ، وهناك استشهد شرف أما أشرف فقد تمكن من الدخول إلى الأراضي المحتلة واستشهد في اشتباك مع دورية صهيونية".
وأضافت: عاد محمد ومحمود بعد أن تدربوا في صفوف رجال المقاومة، ولكن محمد وهو عائد إلى غزة اعتقله المصريين لمدة خمس سنوات، ليخرج بعدها اكثر صلابة وعزيمة وارادة على مواصلة طريق ذات الشوكة... طريق الجهاد والمقاومة
انتفاضة الأقصىوما ان اندلعت انتفاضة الاقصى المباركة، حتى تجدد الامل في نفوس من تبقى من ابنائها للعودة الى خيار الجهاد والمقاومة والانخراط في صفوف المقاومين والمجاهدين، وكان لهم ما ارادوا... حيث بدأ الشهيد القائد محمد الشيخ خليل ببناء النواة الاولى لسرايا القدس في مدينة رفح، ولتبدأ بعدها قصة طويلة من المطاردة والملاحقة ادت الى استشهاد شقيقه محمود قبل نحو عام تقريبا في عملية اغتيال جبانة استهدفته في رفح، ادت بالاضافة الى ذلك، الى اصابة شقيقه احمد والذي بترت يده حيث يرقد الان في احد المشافي المصرية لتلقي العلاج هناك، في حين اصيب الشهيد القائد محمد ببتر جزء من ساقه لم يحل دون تمكنه من مواصلة الجهاد والمقاومة ومقارعة الاعداء.
ولم يقف عطاء ام رضوان عند هذا الحد، بل امتد ليطال احفادها وصهرها، حيث استشهد اثنان من ابناء بناتها وهما حسن ابو زيد وخالد غنام، في حين استشهد زوج الثالثة.
تبدوا الحسرة للحظات قصار على وجه أم رضوان ولكن ما تلبث أن تحتل البسمة التي لا تفارق شفاها مكانها وهي تذكر أطفال الشهيدين محمد ومحمود وتقول "محمود الذي استشهد وترك خلفه ابنتين في عمر الأزهار أما محمد فعندما عاد من مصر بعد اعتقاله خمس سنوات تزوج ورزقه الله بثلاث اولاد وبنت.
وأضافت "أما القائد محمد فقد نجح الاحتلال في الوصول إليه بعد أربع محاولات اغتيال الأولى الحمد لله لم يصب فيها أحد بأذى أما المرة الثانية أطلقت طائرة صهيونية صاروخ فأصيبت عائلة" الكرد" من الجيران بكاملها وفي المرة الثالثة استشهد أخيه محمود وأصيب أحمد، وفي المرة الرابعة تمكنوا فيها من اغتياله برفقة القائد نصر برهوم وذلك في الخامس والعشرين من الشهر الماضي
الفارس المجهول
"أنا كنت أهيئ نفسي دوما لمثل هذا اليوم فقد نال ما تمنى وما أراد وكنت أهيئ نفسي للشهيد الرابع دوما والله انه عزيز علي ولكن هو الواجب الذي لا بد من تقديمه فداء لهذا الدين والوطن المبارك .." هكذا قالت عندما سألناها عن القائد الشهيد محمد الذي لا تلبث تذكر حسناته ومناقبه مضيفة انه كان يردد دوما غدا ستجمعون أشلائي بعد أن تطلق طائرة علي صاروخ".
وتضيف قائلة: لم أكن أعلم أن له كل هذا القدر وله هذه المحبة في قلوب الكثيرين فقد كان دوما كتوما في يتعلق بالمقاومة ولم أشعر بالحزن لان كل هذا في سبيل الله والحمد لله الذي أعطاه هذه النعمة التي لا تقدر بثمن ".
أما الانسحاب الذي فرح فيه الكثيرين فقد أزعج القائد محمد الذي ظن ان قطار الشهادة قد فاته، كما قالت لنا والدته فقد كان دوما يقول "يبدوا أني أغضبت ربي كيف يخرج الصهاينة دون أن أنال الشهادة".
اليوم الأخير
وعن الليلة الاخيرة التي سبقت عملية اغتيال الشهيد القائد محمد، حيث بدت ام رضوان قلقة، فسألها الشهيد القائد عن سبب ذلك، فقالت وهي تشير إلى الباب الذي وقف عنده قائلة" لقد كان يقف هناك وسألني لماذا تبكي ألست هنا بخير فما كان مني إلا أن ضممته إلى صدري وقبلته".
وعن عزائه الذي تحول إلى عرس قالت : يوم استشهاد محمد كان بمثابة عيد وفرح وزعت الحلوى وجاء الكثير من الناس من جميع الفصائل للمشاركة في تهنئتي بهذا العرس ، وتحول هذا العزاء إلى عرس فلسطيني وهذا ما صبرني خاصة عندما رأيت كم كان محبوبا،وهذا تكريم من الله له في الدنيا وفي الآخرة إن شاء الله له نعيم مقيم ".
أمنية ودعوة
قالت لنا وهي تنظر إلى أبناء الشهيد القائد محمد الذين التفوا حولها: أنا أتمنى وأحاول أن أزرع في أحفادي حب الجهاد والمقاومة من الآن وأحوال أن أربيهم كما ربيت أبائهم حتى ينتقموا لهم ويسيروا على ذات النهج المقاوم الذي ارتضاه لنا ربنا وامرنا بالسير على خطاه.
واضافت ام رضوان "خنساء رفح "وأتمنى أن تربي كل نساء فلسطين أبنائهم كما ربيت وهذا من فضل الله، لأن هذا تكريم من الله في الدنيا وفي الآخرة إن شاء الله ".
كما دعت أمهات الشهداء أن يحتسبن أولادهن عند الله سبحانه وتعالى وتتمنى أن يشفع لها ولدها الشهيد يوم القيامة.
تمر السنين من جديد.. ومع مرورها.. تمر ذكريات مجدٍ تليد.. تتجدد فينا ذاكرة رحيل رجلٍ بألف رجل.. تتجدد فينا ذاكرة قائدٍ صنع فتحاً كفتح خيبر.. وصنع فجراً كفجر بدر الكبرى.
تهل ذكرى عزيزة على قلوب المجاهدين.. ذكرى أسدٍ هصور.. ذكري رحيل "خطاب فلسطين".. ذاك الأسد.. مخرج الاستشهاديين.. وشقيق عشاق الشهادة (شرف- أشرف- محمود).
"محمد الشيخ خليل" اسم شق طريقه للشهادة.. اسم دّب الرعب في قلوب بني صهيون.. اسم أبكي الصهاينة دماً .. اسم أرغم قادة صهيون لإعلان الهزيمة في غزة.
تهل ذكراك "أبا خليل".. ولا زالت فلسطين تفتقدك.. لا زال طفلي يحلم بعودةٍ لمجدك التليد.. لا زالت أمي تحلم بعهدٍ كعهدك.. لا زال أبناء المخيم يروّن عهد الانتصارات.. لا زال أبناء الجهاد يحيون ذكراك تحت أزيز نار الصواريخ.. لا زال أسود السرايا يسيرون على خطّاك نحو الشهادة.
تعود بنا ذاكراك.. ولا زال الدم الفلسطيني ينزف.. تعود ذكراك ونحن نحيي فتوحاتك.. "فتح خيبر" "الفتح المبين" "بدر الكبرى" "جسر الموت".
رحلت سيدي أبـا خليل لتلتحق برفيق الدرب فتحي الشقاقي.. وياسر أبو العيش.. هنيئاً لك سيدي.. هنيئاً لك وأنت مع النبيين.. هنيئاً لك وأنت برفقة الأحباء.. هنيئاً لك وأنت في رحمة مولنا
مقتطفات من حياةالشهيد الشيخ محمد خليل
الشهيد القائد الشيخ محمد الشيخ خليل البالغ من العمر 32 عاما هو من مواليد مدينة رفح، وسافر إلى لبنان مطاردا في عام 1989. قرر الرجوع إلى موطنه الأصلي فلسطين بعد اتفاقية أوسلو عام 1993 ،ولكن تم القبض علية أثناء عودته في مدينة مصر وتم الحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات ونصف. استشهد شقيقه أشرف الشيخ خليل في اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال بتاريخ 1/7/1991، بينما استشهد شقيقه الثاني شرف الشيخ خليل في اشتباك مسلح في وسط البحر بالقرب من مخيم نهر البارد بتاريخ 2/1/ 1992. بترت ساقه أثناء مهمة جهادية في شهر نوفمبر لعام 2001، وكان برفقته الشهيد ياسر أبو العيش. يعتبر الشيخ محمد الشيخ خليل المطلوب رقم 1لقوات الاحتلال الصهيوني، حيث تعرض لأربع محاولات اغتيال باءت كلها بالفشل، حيث كان آخرها محاولة اغتياله بصاروخ أطلقته طائرة استطلاع على بيته في مخيم يبنا جنوب رفح في شهر أكتوبر لعام 2004، إلا أنه لم يكن متواجدا في المنزل، و أدت محاولة الاغتيال هذه إلى استشهاد شقيقه محمود. و قد نجحت طائرات الاستطلاع الصهيونية مساء يوم الأحد 25/9/2005م، في اغتيال الشيخ خليل بعد أن قصفت سيارته من نوع مرسيدس بينما كان يسير على الطريق الساحلي لمنطقة تل الهوا جنوب مدينة غزة، مما أدى إلى استشهاده و مرافقه محمد برهوم و إصابة عدد من المارة.
والدة الشهيد القائد محمد الشيخ خليل ربت أبناءها على حب الجهاد وقدمتهم واحدا تلو الأخر في سبيل الله
في أزقة مخيم يبنا للاجئين في رفح كانت البداية وفي بيت جدّ متواضع كان اللقاء، في طريقي إليها تخيلت أن ألتقي امرأة منهارة وهي تودع ابنها الرابع شهيداً.. لكني وجدت مثال المرأة الفلسطينية الصامدة التي نذرت أولادها لله لقد استمدت صبرها من دموع الثكالى وصرخات اليتامى وآهات المعذبين ولم تتوان عن تقديمهم الواحد تلو الأخر في سبيل دينها وربها .
كانت شامخة شموخ الجبال صابرة محتسبة أبناءها الأربعة عند ربها تطال هامتها عنان السماء وكأنها تلملم تباشير النصر من عيونهم وتستمد شجاعتها من ارواحهم الهائمة .
إنها والدة الشهيد القائد محمد الشيخ خليل قائد سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الاسلامي في جنوب قطاع غزة، والتي كان لنا شرف لقائها لتحكي لنا كيف صنعت الرجال الرجال في زمن كثر فيه أشباه الرجال
صانعة الرجالفي بيت احتشد فيه الأحفاد وأبناء الأبطال الذين كانوا يلهون حول جدتهم التي رغم سنوات عمرها الستين الا ان قلبها الكبير كان يتسع لهم جميعا وتحتويهم بين ذراعيها .
لقد بدأت تحكي لنا قصتها المليئة بالمحطات الهامة والنوائب الكثيرة التي زادتها قوة وصلابة فقالت: توفي زوجي منذ أكثر من عشرين عاما وكان عندي سبعة أولاد وخمس بنات كانت أصغرهن ماتزال رضيعة وغدت الآن شابة عمرها 23عاما, وكما قالت لنا أم رضوان فقد حاول الكثير من أهل زوجها إقناعها بالمجيء إلى غزة وترك رفح ولكنها أبت أن تترك مخيم رفح قلعة الصمود لتربي في بيتها المتواضع رجالا اشداء قادرين على مواجهة اعباء الحياة والثبات في وجه النوائب فكان الاقمار الاربعة الذين بزغوا في ارواحنا لينيروا لنا الدروب الحالكة.
وبكل فخر قالت" الحمد لله استطعت أن اصنع منهم مقاومين لو أن هناك مائة رجل لما استطاعوا أن يربوهم كما ربيتهم أنا والحمد لله مرة أخرى الذي بلغني هذا وهذا كله بفضل الله سبحانه وتعالى" .
ومع انطلاق شرارة الانتفاضة الاولى عام 87، في اعقاب معركة الشجاعية البطولية التي خاضها اربعة من فرسان حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين، تحركت بذور الثورة في نفس ام رضوان ولكنها لم تستطع القيام باي دور جهادي في تلك المرحلة، وعوضا عن ذلك شرعت في بذر بذور الثورة والمقاومة في نفوس ابنائها ليلتحقوا بعد ذلك بصفوف الثورة والثوار والمجاهدين الاحرار.
وبكلمات عادت بنا إلى زمن بعيد راحت أم رضوان تسرد أحداث تلك الفترة: في الانتفاضة الأولى انتشر الجواسيس في كل مكان وأنا لم أرد لأي واحد من أولادي أن يطلق عليه لقب جاسوس قلت لأولادي السبعة أفضل أن تقتلوا في سبيل الله ولا أن يقال عن أحدكم عميل أنا أريد رجال بكل مال للكلمة من معنى والحمد لله كان لي ما أردت".
بداية الطريق
قالت في كثير من الأحيان أن لديها أولاد سبعة نذرت خمسة منهم للمقاومة واثنين للدعوة في سبيل لله فكان لها ما تمنت فقد نال الأربعة من خمسة الشهادة .
"أشرف وشرف ومحمود ومحمد" الشهداء الأربعة الذين ساروا على درب الشهادة الواحد تلو الأخر تحلت بالإيمان كلما ودعت أحدهم، وعندما سألناها أيهم كان قريبا إلى قلبك قالت: أنهم أعزاء قلبي وليس هناك اعز منهم على إلا الذي خلقهم.
وعن استشهاد أول اثنين قالت أم رضوان "في الانتفاضة الأولى وبعد مطاردة من قوات الاحتلال انتقل الشهداء الأربعة رحمة الله عليهم اجميعن إلى مصر ثم إلى ليبيا ومنها إلى لبنان ، وهناك استشهد شرف أما أشرف فقد تمكن من الدخول إلى الأراضي المحتلة واستشهد في اشتباك مع دورية صهيونية".
وأضافت: عاد محمد ومحمود بعد أن تدربوا في صفوف رجال المقاومة، ولكن محمد وهو عائد إلى غزة اعتقله المصريين لمدة خمس سنوات، ليخرج بعدها اكثر صلابة وعزيمة وارادة على مواصلة طريق ذات الشوكة... طريق الجهاد والمقاومة
انتفاضة الأقصىوما ان اندلعت انتفاضة الاقصى المباركة، حتى تجدد الامل في نفوس من تبقى من ابنائها للعودة الى خيار الجهاد والمقاومة والانخراط في صفوف المقاومين والمجاهدين، وكان لهم ما ارادوا... حيث بدأ الشهيد القائد محمد الشيخ خليل ببناء النواة الاولى لسرايا القدس في مدينة رفح، ولتبدأ بعدها قصة طويلة من المطاردة والملاحقة ادت الى استشهاد شقيقه محمود قبل نحو عام تقريبا في عملية اغتيال جبانة استهدفته في رفح، ادت بالاضافة الى ذلك، الى اصابة شقيقه احمد والذي بترت يده حيث يرقد الان في احد المشافي المصرية لتلقي العلاج هناك، في حين اصيب الشهيد القائد محمد ببتر جزء من ساقه لم يحل دون تمكنه من مواصلة الجهاد والمقاومة ومقارعة الاعداء.
ولم يقف عطاء ام رضوان عند هذا الحد، بل امتد ليطال احفادها وصهرها، حيث استشهد اثنان من ابناء بناتها وهما حسن ابو زيد وخالد غنام، في حين استشهد زوج الثالثة.
تبدوا الحسرة للحظات قصار على وجه أم رضوان ولكن ما تلبث أن تحتل البسمة التي لا تفارق شفاها مكانها وهي تذكر أطفال الشهيدين محمد ومحمود وتقول "محمود الذي استشهد وترك خلفه ابنتين في عمر الأزهار أما محمد فعندما عاد من مصر بعد اعتقاله خمس سنوات تزوج ورزقه الله بثلاث اولاد وبنت.
وأضافت "أما القائد محمد فقد نجح الاحتلال في الوصول إليه بعد أربع محاولات اغتيال الأولى الحمد لله لم يصب فيها أحد بأذى أما المرة الثانية أطلقت طائرة صهيونية صاروخ فأصيبت عائلة" الكرد" من الجيران بكاملها وفي المرة الثالثة استشهد أخيه محمود وأصيب أحمد، وفي المرة الرابعة تمكنوا فيها من اغتياله برفقة القائد نصر برهوم وذلك في الخامس والعشرين من الشهر الماضي
الفارس المجهول
"أنا كنت أهيئ نفسي دوما لمثل هذا اليوم فقد نال ما تمنى وما أراد وكنت أهيئ نفسي للشهيد الرابع دوما والله انه عزيز علي ولكن هو الواجب الذي لا بد من تقديمه فداء لهذا الدين والوطن المبارك .." هكذا قالت عندما سألناها عن القائد الشهيد محمد الذي لا تلبث تذكر حسناته ومناقبه مضيفة انه كان يردد دوما غدا ستجمعون أشلائي بعد أن تطلق طائرة علي صاروخ".
وتضيف قائلة: لم أكن أعلم أن له كل هذا القدر وله هذه المحبة في قلوب الكثيرين فقد كان دوما كتوما في يتعلق بالمقاومة ولم أشعر بالحزن لان كل هذا في سبيل الله والحمد لله الذي أعطاه هذه النعمة التي لا تقدر بثمن ".
أما الانسحاب الذي فرح فيه الكثيرين فقد أزعج القائد محمد الذي ظن ان قطار الشهادة قد فاته، كما قالت لنا والدته فقد كان دوما يقول "يبدوا أني أغضبت ربي كيف يخرج الصهاينة دون أن أنال الشهادة".
اليوم الأخير
وعن الليلة الاخيرة التي سبقت عملية اغتيال الشهيد القائد محمد، حيث بدت ام رضوان قلقة، فسألها الشهيد القائد عن سبب ذلك، فقالت وهي تشير إلى الباب الذي وقف عنده قائلة" لقد كان يقف هناك وسألني لماذا تبكي ألست هنا بخير فما كان مني إلا أن ضممته إلى صدري وقبلته".
وعن عزائه الذي تحول إلى عرس قالت : يوم استشهاد محمد كان بمثابة عيد وفرح وزعت الحلوى وجاء الكثير من الناس من جميع الفصائل للمشاركة في تهنئتي بهذا العرس ، وتحول هذا العزاء إلى عرس فلسطيني وهذا ما صبرني خاصة عندما رأيت كم كان محبوبا،وهذا تكريم من الله له في الدنيا وفي الآخرة إن شاء الله له نعيم مقيم ".
أمنية ودعوة
قالت لنا وهي تنظر إلى أبناء الشهيد القائد محمد الذين التفوا حولها: أنا أتمنى وأحاول أن أزرع في أحفادي حب الجهاد والمقاومة من الآن وأحوال أن أربيهم كما ربيت أبائهم حتى ينتقموا لهم ويسيروا على ذات النهج المقاوم الذي ارتضاه لنا ربنا وامرنا بالسير على خطاه.
واضافت ام رضوان "خنساء رفح "وأتمنى أن تربي كل نساء فلسطين أبنائهم كما ربيت وهذا من فضل الله، لأن هذا تكريم من الله في الدنيا وفي الآخرة إن شاء الله ".
كما دعت أمهات الشهداء أن يحتسبن أولادهن عند الله سبحانه وتعالى وتتمنى أن يشفع لها ولدها الشهيد يوم القيامة.
تعليق