الإعلام الحربي – خاص:
لا إله إلا الله " كلمة واحدة دانت بها الأمم لرسول الله ومن معه بها , ودانت بها الدنيا لخلفائه الراشدين وصحابته الميامين, وبعدما بدد المسلمون عزهم وكرامتهم ببعدهم عن دينهم وهجرهم لكتاب ربهم وتركهم لسنة نبيهم , برز في فلسطين من أراد رفع اللواء وإعلاء كلمة الله ورفع غطاء الذلة التي توشحت به نفوس أبناء الأمة وفرسانها الميامين, فعزموا المسير نحو جنات الخلود عبر بوابة الجهاد والمقاومة والرباط والمصابرة في فلسطين.
فكانوا نعم من قام ونعم من حمل اللواء , نعم فقد حملوه بصدق الأوائل وعزيمة الصحابة وجهاد خالد وشجاعة القعقاع وتضحية جعفر وحمزة . فحينما يكون الحديث عن العزة والكرامة والإباء ، ولما تبحث عن الكلمات لكي تصف مناضل وقائد مقدام ولا تجد ما يمكن أن تقوله إلا أن تقول هو الكرم والعزة هو الشموخ والتحدي هو الذي لم تستطع الأيام أن تفت من عضده أو تحني هامته أو تكسر شوكته ، لم تصله حتى اللحظة مقولة استراحة المقاتل لم يتعب ولم يستكن فإنك تتحدث عن الأسير قائد أول خلية عسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وأول أسير لها في سجون الظلم في سجون الاحتلال الصهيوني.
الأسير " احمد أبو حصيرة " أبو العبد، رجل صنديد ، يتوشح بوشاح العزة والكرامة يفترش تحت قدميه مساحات من الثبات والإباء والشموخ ، لم يثن عزيمته طول الطريق آلامها ، ماضٍ كالهمام واثق الخطى ، يستصغر الصعاب ويخوض غمار الحرب بكل ثقة بأن الفرج قريب وأن النصر مع الصبر.
"أبو العبد" أمضى في سجون الاحتلال عشرات الاعوام لا يعلم متى يخرج وكأن نفسه تأبى إلاَّ أن يبقى سائحاً في سبيل الله في سجون الاحتلال من سجن لآخر ومن مركز توقيف لمركز تحقيق ومن زنزانة إلى بركس ودواليك ، وهيهات أن يفهم هذه اللغة سوى الرجال الرجال. ففي سجون الاحتلال الصهيوني أقمار غائبة خلف القضبان، ما نسيناها و لكن غيّبها السجّان ، لكن أسوار السجن هي أعجز من أن تحجب ضوء الأقمار إذا ما خطّت طريقها باتجاه شعوبها خارج تلك الأسوار .
كيف لا وهم الذين حملوا هم الدين والدنيا بوعي وفهم وإدراك وعلم بأن هذا الدين هو دين الله والذي يصلح لكل زمان ومكان بجدارة واستحقاق فهو نظام الحياة الذي تستقيم به الدنيا على هذا قاموا وانتفضوا ومن ثم قاموا لتحرير أرض عزيزة قد سلبت ومقدسات قد انتهكت فكانوا أبناءً حقيقيين لفلسطين .
ولم تكن أرض فلسطين المباركة بالشيء الهين في نفس أسيرنا القائد " احمد أبو حصيرة" فقد عشقها بوجدانه الطاهر فوهبها كل جهده ولم يبخل عليها بدفع حريته ثمناً لنيل حرية وطنه, ودخل احمد كغيره من أبطال فلسطين معترك مشروع التحرير الشامل وكان جاهزاً لبذل الغالي والنفيس لتحقيق الخلاص من دنس الأنجاس يهود خيبر شر من على الأرض من الناس.
دخل الأسير القائد أحمد عبد الرحمن أبو حصيرة، عامه 26 على التوالي في سجون الاحتلال الصهيوني، وبذلك يكون مجموع ما أمضاه في الأسر 34 عاماً. حيث كان قد اعتقل قبل هذه المرة في العام 1971 وأفرج عنه في العام 1979. على خلفية نشاطه في صفوف قوات طلائع التحرير. ويمضي الأسير أبو حصيرة فترة اعتقال ثانية بدأت في 18/2/1986م حيث أصدرت محكمة عسكرية صهيونية بحقه حكما بـ 35 سنة.
والأسير احمد العبد أبو حصيرة – المكنى بأبى العبد، وهو من مواليد العام 1952 – من سكان غزة الرمال ، اعتقل بتاريخ 18/2/1986 وكان يبلغ من العمر وقتها 27 عاماً, وهو متزوج.
حوار مفتوح مع الأسير المجاهد القائد " احمد أبو حصيرة" " ابو العبد"..
س: هل يمكننا التعرف على بطاقتك الشخصية؟
الاسم: احمد عبد الرحمن أبو حصيرة .. الكنية (أبو العبد) .. تاريخ الميلاد 25/12/1952 .. السكن غزة البحر قرب مسجد العباس.
س : هل يمكن أن تعطينا لمحة موجزة عن مسيرة حياتك منذ الطفولة؟
درست الابتدائية بمدرسة ذكور الشاطئ ، والإعدادية بمدرسة غزة الجديدة ، والثانوية بمدرسة فلسطين ، وحصلت على التوجيهي أدبي ومعدلي ممتاز، كنت كباقي أبناء الشعب الفلسطيني لصعوبة الحياة أعمل خلال العطل الصيفية ، فعملت مع والدي رحمه الله بصحبة أخي في تجارة السمك في عام 1969-1968 للمساعدة من الناحية المادية (وكانت ولله الحمد أوضاعنا المادية متوسطة) . نشأت وسط عائلة متدينة مكونة من ثماني ( أخوة 6 إخوة وأختين ) وأصل العائلة من مدينة غزة.
وفي سنة 1972 ، إستشهد أخي الذي يكبرني فى البحر فى وقت الغروب جراء إطلاق النار عليه من قبل الاحتلال بدم بارد، وكان متزوجاً وله من الأولاد إثنين ( ولد وبنت ).
س: يذكر أنك اعتقلت ثماني سنوات من سنة( 1971 حتى 1979 ) فهل لك أن تعطينا لمحة عن هذه الفترة ؟
التحقت بتنظيم قوات التحرير والتي هي في الأصل من الضباط الأحرار الذين تبقوا من جيش التحرير ولم ينهزموا وفي القطاع عملوا على تجميع أنفسهم مكونين تنظيم قوات التحرير. وقمت بتنظيم ثلاث إخوة وقتذاك ، وبعد نشاط دام حوالي سنة تم اعتقالي بتاريخ 8/11/1971 على خلفية إلقاء قنابل على سيارة عسكرية ، وحوكمت عشر سنوات ، وبعد محاكمتي تم نقلي إلى سجن السبع في أواخر سنة 1972م ، وبعد استقراري في سجن بئر السبع اجتهدت بدراسة الكتب الإسلامية (وبالأخص مجلدات الشهيد سيد قطب في ظلال القرآن ومعالم على الطريق) آنذاك كان عدد الذين تأثروا بدراسة ظلال القرآن هو 70 فرد والذين ثبتوا على الطريق حوالي النصف والنصف الثاني تراجع.
أما النصف الأول والذي ثبت فمنهم من تبنى أفكار الأخوان المسلمين ، ومنهم من تبنى أفكار التكفير والهجرة ، ومنهم من تبنى أفكار حزب التحرير (طبعا كل الذين تبنوا هذه الأفكار عددهم جميعاً اقل من عدد الذين تبنوا أفكار( الجهاد) وللإشارة فالجهاد الاسلامى فى فلسطين لم يكن على الساحة الفلسطينية كتنظيم . ومنذ تلك اللحظة في سنة 73 أصبح لنا تجمع عضوي حركي بما تعنيه هذه الجملة من معنى وتم الإفراج عني بتاريخ 24/8/1979م.
س: لم تكن الفترة طويلة بعد تحريرك من الاعتقال الأول حتى عدت للعمل العسكري في إطار حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين فهل يمكن أن نتعرف على هذه الحقبة ؟
بعد خروجي من السجن لم ألين ولم أستكين ، على العكس فخرجت أكثر عزماً وصدقاً وإرادة ، على الصعيدين( الشخصي والوطني ) وعملت بجهد كبير لأكوِّن نفسي من الناحية المادية فعملت مع أبي رحمه الله في حر الشمس الحارق ، ومع أخي في محل للتكييف والتبريد ، ثم في السيارات و هنا تعرفت على الأخ محمد الحسنى ( أبو زكى ) ، هذا على الصعيد الشخصي أما على الصعيد التنظيمي فبعد الإفراج عنى بفترة أى تقريباً فى سنة 1981م تعرفتُ أنا وبعض الإخوة الذين نحمل نفس الفكر على جماعة الشهيد الدكتور فتحي الشقاقى في مسجد عنان واتضح أننا نلتقي على نفس الأفكار ، وتطورت العلاقة بيننا حتى أنني قمت بزيارة زملائي فى الأسر ممن كانوا يشاركونني نفس الأفكار فى الاعتقال، وبعد تبادل الثقة والتعرف على بعضنا البعض من خلال جلساتنا السرية المطولة ( أنا والشهيد)... فقمت بزيارتهم فى سجن عسقلان وتم التواصل ما بين الإخوة في عسقلان والأخ الشهيد الدكتور وعلى اثر ذلك تم منحى ما يلزم من متطلبات العمل العسكري وابتدأنا بالقليل بصحبة الأخ محمد الحسنى ( أبو زكى) هذا الأخ العزيز الذي شاركني العمل العسكري طول الفترة قبل اعتقالنا ، و ذلك بقيادة الدكتور الشهيد فتحى الشقاقى ( أبو إبراهيم ) وكنا أول مجموعة عسكرية للجهاد الاسلامى فى فلسطين ، ومن المهم الذكر بأنني تعرفت على الأخ الشهيد عبد الله السبع رحمة الله عليه فى هذه الفترة وهذا كان في بداية سنة 1982 وللعلم فأول عمل عسكري لنا كان في شهر 10 سنة 82، وفمنا بتنفيذ عدة عمليات ( إلقاء قنابل يدوية على الجيش ) وكان كان منها عملية الساحة المشهورة رداً على مقتل العكلوك في سنة 83 ، وفي تاريخ 18/2/86 تم اعتقالي وكنت أول أول أسير للجهاد الإسلامي فى فلسطين ، وتم التحقيق معي بأبشع أنواع التعذيب ، ومكثت في التحقيق والزنازين 130 يوماً على التوالي .
وبعد اعتقالي ب- 14 يوم تم اعتقال الأخ محمد الحسنى (أبو زكي) تم كان اعتقال الدكتور الشهيد فتحى الشقاقى ( أبو إبراهيم ) ، وحوكمت 35 سنة وحوكم الأخ محمد الحسنى (أبو زكي) 30 سنة والأخ الدكتور الشهيد فتحى الشقاقى ( أبو إبراهيم ) 7 سنوات ، وكنا معاً في سجن غزة المركزي في غرفة 6 ج حتى تاريخ 10/12/1986م ، ثم انتقلنا أنا و الأخ محمد الحسنى (أبو زكي) إلى سجن عسقلان ، ثم اجتمعنا مرة أخرى بالدكتور الشهيد فتحى الشقاقى ( أبو إبراهيم) قبل إبعاده إلى لبنان وذلك فى قسم ب في سجن ( المجدل ) عسقلان المركزي .
س: لقد أمضيت ما يقارب من ربع قرن في السجون ، ففي أي السجون تنقلت طوال فترة اعتقالك ؟ وكيف استطعت التغلب على هذه العذابات ؟ وبأي الوسائل؟ وهل فكرت إن تقضي كل هذه السنين فى الاعتقال ؟
الحقيقية إنني أمضيت أكثر من ربع قرن فى الاعتقال ، 8 سنوات سابقاً و لحتى تاريخ هذه المقابلة بدأت فى السنة الحادية والعشرين من الاعتقال على التوالي ، أي لي الآن ما مجموعه 28 سنة من الاعتقال ، أمضيت ما يقارب من 13سنة في سجن عسقلان المركزي و ما يقارب من 10 سنوات من اعتقالي فى سجن نفحة الصحراوي ، والباقى فى سجون متفرقة ، و لقد توفي والدي رحمه الله وأنا فى سجن نفحة واستطعت بحمد الله التغلب على هذه المحنة وعلى الاعتقال بالإرادة والإيمان والتخلي بالصبر وقراءة القرآن والكتب الإسلامية والعلمية ، ولقد ساهمت بالعمل التنظيمي ولفترة طويلة وفي جميع المجالات داخل الاعتقال للحفاظ على الأخوة الجدد وبناءهم فكرياً وثقافياً ، وللحيلولة دون استهدافنا كأسرى معنوياً ومادياً من قبل إدارة مصلحة السجون التي تسعى لتفريغ المناضلين من محتواهم الثقافي والنضالي .
وكان أملي كبير في أن يتم الإفراج عنى عبر الافراجات التي تكررت فى عهد السلطة ، وحلمي أن يتم الإفراج عنى بعملية تبادل للأسرى .
ومن منطق إيماني العميق بأن الدين فعل المأمور وترك المحظور والرضي بالمقدور. فأنا والحمد لله مؤمناً بقدري ، صابراً محتسباً فلله الحمد في السراء والضراء.
س: من المؤكد أن هذه السنين أثرت على جوهر حياتك الاجتماعية والصحية والنفسية فهل يمكن أن تضعنا في هذه التأثيرات؟
الحمد لله الذي رزقني بزوجة صالحة كانت تساندني طيلة الوقت رغم أننا لم نرزق بأولاد خلال الأربع سنوات ما قبل اعتقالي ، ولكننا نحمد الله على ذلك ، ولله الحمد معنوياتنا ممتازة ، وصابرون رغم منع السلطات لها من زيارتي لما يقارب من خمس سنوات متتالية ألا إننا محتسبون ونسأل الله الفرج والأجر .
س: هل أنت نادم على عملك بعد هذه السنين؟
الحمد لله لم أشعر لحظة بالندم ، فمن رضىَ فله الرضى ومن سخط فعليه السخط والعياذ بالله ، فأسأل الله الرضى و الأجر والفرج القريب وليس على الله بعزيز ، وأتمنى أن يكون عملي مخلصاً لله ويكون جهدي ومعاناتي مدخراً لي عند مليك مقتدر واسأل الله إن يتقبل صالح أعمالي وأن يكون راضٍ عني.
س: تجربة الاعتقال قاسية ويتخللها مواقف جميلة .أي المواقف أسعدتك وأي المواقف أحزنتك طوال هذه السنين؟
من المواقف التي أسعدتني الإفراج عن غالبية الأسرى ، ومن الموقف التي أحزنتني هو عدم الإفراج عن باقي الأسرى الذين تصفهم سلطات الاحتلال ( باطلةً ) بأن أياديهم ملطخة بالدماء ، وللأسف الجميع ( تنظيمات وسلطة) يتحملون المسئولية فى إبقاء عناصرها وأسراها لما يزيد عن الربع قرن فى الاعتقال دون أن يقدموا حلاً جذرياً واضحاً لوقف هذه المعاناة الإنسانية والأخلاقية والوطنية ،
مع أن الجميع يدرك واجبه ودوره فى هذه القضية .
س: بماذا توصي المعنيين والتنظيمات والقيادات وكوادر وعناصر حركة الجهاد في فلسطين خارج السجن؟
أوصيهم بتظافر كل الجهود( سلطة وتنظيمات ومنظمات أهلية وحقوقية ) للعمل سوياً من اجل الإفراج عن القدامى بشكل خاص وكل الأسرى دون استثناء بشكل عام وبكل الوسائل الممكنة ، كما ونتمنى من كل الفصائل الاتفاق والوفاق فى كل القضايا عبر الحوار الوطنى وليس بأي وسيلة أخرى .
س: ما هو طموحك في الحياة والأمور التي تتبناها وتسعى لتحقيقها؟
أتمنى من الله العلي القدير أن يفك أسرانا ، وأن يوفقني الله لأرد فضل زوجتي لتواصلها معى طوال فترة اعتقالى، وأتمنى أن يرزقنا الله الذرية الصالحة كما وأتمنى من الله إن أتمكن من زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم والحج ،و في الختام اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل برّ والفوز بالجنة والنجاة من النار.
لا إله إلا الله " كلمة واحدة دانت بها الأمم لرسول الله ومن معه بها , ودانت بها الدنيا لخلفائه الراشدين وصحابته الميامين, وبعدما بدد المسلمون عزهم وكرامتهم ببعدهم عن دينهم وهجرهم لكتاب ربهم وتركهم لسنة نبيهم , برز في فلسطين من أراد رفع اللواء وإعلاء كلمة الله ورفع غطاء الذلة التي توشحت به نفوس أبناء الأمة وفرسانها الميامين, فعزموا المسير نحو جنات الخلود عبر بوابة الجهاد والمقاومة والرباط والمصابرة في فلسطين.
فكانوا نعم من قام ونعم من حمل اللواء , نعم فقد حملوه بصدق الأوائل وعزيمة الصحابة وجهاد خالد وشجاعة القعقاع وتضحية جعفر وحمزة . فحينما يكون الحديث عن العزة والكرامة والإباء ، ولما تبحث عن الكلمات لكي تصف مناضل وقائد مقدام ولا تجد ما يمكن أن تقوله إلا أن تقول هو الكرم والعزة هو الشموخ والتحدي هو الذي لم تستطع الأيام أن تفت من عضده أو تحني هامته أو تكسر شوكته ، لم تصله حتى اللحظة مقولة استراحة المقاتل لم يتعب ولم يستكن فإنك تتحدث عن الأسير قائد أول خلية عسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وأول أسير لها في سجون الظلم في سجون الاحتلال الصهيوني.
الأسير " احمد أبو حصيرة " أبو العبد، رجل صنديد ، يتوشح بوشاح العزة والكرامة يفترش تحت قدميه مساحات من الثبات والإباء والشموخ ، لم يثن عزيمته طول الطريق آلامها ، ماضٍ كالهمام واثق الخطى ، يستصغر الصعاب ويخوض غمار الحرب بكل ثقة بأن الفرج قريب وأن النصر مع الصبر.
"أبو العبد" أمضى في سجون الاحتلال عشرات الاعوام لا يعلم متى يخرج وكأن نفسه تأبى إلاَّ أن يبقى سائحاً في سبيل الله في سجون الاحتلال من سجن لآخر ومن مركز توقيف لمركز تحقيق ومن زنزانة إلى بركس ودواليك ، وهيهات أن يفهم هذه اللغة سوى الرجال الرجال. ففي سجون الاحتلال الصهيوني أقمار غائبة خلف القضبان، ما نسيناها و لكن غيّبها السجّان ، لكن أسوار السجن هي أعجز من أن تحجب ضوء الأقمار إذا ما خطّت طريقها باتجاه شعوبها خارج تلك الأسوار .
كيف لا وهم الذين حملوا هم الدين والدنيا بوعي وفهم وإدراك وعلم بأن هذا الدين هو دين الله والذي يصلح لكل زمان ومكان بجدارة واستحقاق فهو نظام الحياة الذي تستقيم به الدنيا على هذا قاموا وانتفضوا ومن ثم قاموا لتحرير أرض عزيزة قد سلبت ومقدسات قد انتهكت فكانوا أبناءً حقيقيين لفلسطين .
ولم تكن أرض فلسطين المباركة بالشيء الهين في نفس أسيرنا القائد " احمد أبو حصيرة" فقد عشقها بوجدانه الطاهر فوهبها كل جهده ولم يبخل عليها بدفع حريته ثمناً لنيل حرية وطنه, ودخل احمد كغيره من أبطال فلسطين معترك مشروع التحرير الشامل وكان جاهزاً لبذل الغالي والنفيس لتحقيق الخلاص من دنس الأنجاس يهود خيبر شر من على الأرض من الناس.
دخل الأسير القائد أحمد عبد الرحمن أبو حصيرة، عامه 26 على التوالي في سجون الاحتلال الصهيوني، وبذلك يكون مجموع ما أمضاه في الأسر 34 عاماً. حيث كان قد اعتقل قبل هذه المرة في العام 1971 وأفرج عنه في العام 1979. على خلفية نشاطه في صفوف قوات طلائع التحرير. ويمضي الأسير أبو حصيرة فترة اعتقال ثانية بدأت في 18/2/1986م حيث أصدرت محكمة عسكرية صهيونية بحقه حكما بـ 35 سنة.
والأسير احمد العبد أبو حصيرة – المكنى بأبى العبد، وهو من مواليد العام 1952 – من سكان غزة الرمال ، اعتقل بتاريخ 18/2/1986 وكان يبلغ من العمر وقتها 27 عاماً, وهو متزوج.
حوار مفتوح مع الأسير المجاهد القائد " احمد أبو حصيرة" " ابو العبد"..
س: هل يمكننا التعرف على بطاقتك الشخصية؟
الاسم: احمد عبد الرحمن أبو حصيرة .. الكنية (أبو العبد) .. تاريخ الميلاد 25/12/1952 .. السكن غزة البحر قرب مسجد العباس.
س : هل يمكن أن تعطينا لمحة موجزة عن مسيرة حياتك منذ الطفولة؟
درست الابتدائية بمدرسة ذكور الشاطئ ، والإعدادية بمدرسة غزة الجديدة ، والثانوية بمدرسة فلسطين ، وحصلت على التوجيهي أدبي ومعدلي ممتاز، كنت كباقي أبناء الشعب الفلسطيني لصعوبة الحياة أعمل خلال العطل الصيفية ، فعملت مع والدي رحمه الله بصحبة أخي في تجارة السمك في عام 1969-1968 للمساعدة من الناحية المادية (وكانت ولله الحمد أوضاعنا المادية متوسطة) . نشأت وسط عائلة متدينة مكونة من ثماني ( أخوة 6 إخوة وأختين ) وأصل العائلة من مدينة غزة.
وفي سنة 1972 ، إستشهد أخي الذي يكبرني فى البحر فى وقت الغروب جراء إطلاق النار عليه من قبل الاحتلال بدم بارد، وكان متزوجاً وله من الأولاد إثنين ( ولد وبنت ).
س: يذكر أنك اعتقلت ثماني سنوات من سنة( 1971 حتى 1979 ) فهل لك أن تعطينا لمحة عن هذه الفترة ؟
التحقت بتنظيم قوات التحرير والتي هي في الأصل من الضباط الأحرار الذين تبقوا من جيش التحرير ولم ينهزموا وفي القطاع عملوا على تجميع أنفسهم مكونين تنظيم قوات التحرير. وقمت بتنظيم ثلاث إخوة وقتذاك ، وبعد نشاط دام حوالي سنة تم اعتقالي بتاريخ 8/11/1971 على خلفية إلقاء قنابل على سيارة عسكرية ، وحوكمت عشر سنوات ، وبعد محاكمتي تم نقلي إلى سجن السبع في أواخر سنة 1972م ، وبعد استقراري في سجن بئر السبع اجتهدت بدراسة الكتب الإسلامية (وبالأخص مجلدات الشهيد سيد قطب في ظلال القرآن ومعالم على الطريق) آنذاك كان عدد الذين تأثروا بدراسة ظلال القرآن هو 70 فرد والذين ثبتوا على الطريق حوالي النصف والنصف الثاني تراجع.
أما النصف الأول والذي ثبت فمنهم من تبنى أفكار الأخوان المسلمين ، ومنهم من تبنى أفكار التكفير والهجرة ، ومنهم من تبنى أفكار حزب التحرير (طبعا كل الذين تبنوا هذه الأفكار عددهم جميعاً اقل من عدد الذين تبنوا أفكار( الجهاد) وللإشارة فالجهاد الاسلامى فى فلسطين لم يكن على الساحة الفلسطينية كتنظيم . ومنذ تلك اللحظة في سنة 73 أصبح لنا تجمع عضوي حركي بما تعنيه هذه الجملة من معنى وتم الإفراج عني بتاريخ 24/8/1979م.
س: لم تكن الفترة طويلة بعد تحريرك من الاعتقال الأول حتى عدت للعمل العسكري في إطار حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين فهل يمكن أن نتعرف على هذه الحقبة ؟
بعد خروجي من السجن لم ألين ولم أستكين ، على العكس فخرجت أكثر عزماً وصدقاً وإرادة ، على الصعيدين( الشخصي والوطني ) وعملت بجهد كبير لأكوِّن نفسي من الناحية المادية فعملت مع أبي رحمه الله في حر الشمس الحارق ، ومع أخي في محل للتكييف والتبريد ، ثم في السيارات و هنا تعرفت على الأخ محمد الحسنى ( أبو زكى ) ، هذا على الصعيد الشخصي أما على الصعيد التنظيمي فبعد الإفراج عنى بفترة أى تقريباً فى سنة 1981م تعرفتُ أنا وبعض الإخوة الذين نحمل نفس الفكر على جماعة الشهيد الدكتور فتحي الشقاقى في مسجد عنان واتضح أننا نلتقي على نفس الأفكار ، وتطورت العلاقة بيننا حتى أنني قمت بزيارة زملائي فى الأسر ممن كانوا يشاركونني نفس الأفكار فى الاعتقال، وبعد تبادل الثقة والتعرف على بعضنا البعض من خلال جلساتنا السرية المطولة ( أنا والشهيد)... فقمت بزيارتهم فى سجن عسقلان وتم التواصل ما بين الإخوة في عسقلان والأخ الشهيد الدكتور وعلى اثر ذلك تم منحى ما يلزم من متطلبات العمل العسكري وابتدأنا بالقليل بصحبة الأخ محمد الحسنى ( أبو زكى) هذا الأخ العزيز الذي شاركني العمل العسكري طول الفترة قبل اعتقالنا ، و ذلك بقيادة الدكتور الشهيد فتحى الشقاقى ( أبو إبراهيم ) وكنا أول مجموعة عسكرية للجهاد الاسلامى فى فلسطين ، ومن المهم الذكر بأنني تعرفت على الأخ الشهيد عبد الله السبع رحمة الله عليه فى هذه الفترة وهذا كان في بداية سنة 1982 وللعلم فأول عمل عسكري لنا كان في شهر 10 سنة 82، وفمنا بتنفيذ عدة عمليات ( إلقاء قنابل يدوية على الجيش ) وكان كان منها عملية الساحة المشهورة رداً على مقتل العكلوك في سنة 83 ، وفي تاريخ 18/2/86 تم اعتقالي وكنت أول أول أسير للجهاد الإسلامي فى فلسطين ، وتم التحقيق معي بأبشع أنواع التعذيب ، ومكثت في التحقيق والزنازين 130 يوماً على التوالي .
وبعد اعتقالي ب- 14 يوم تم اعتقال الأخ محمد الحسنى (أبو زكي) تم كان اعتقال الدكتور الشهيد فتحى الشقاقى ( أبو إبراهيم ) ، وحوكمت 35 سنة وحوكم الأخ محمد الحسنى (أبو زكي) 30 سنة والأخ الدكتور الشهيد فتحى الشقاقى ( أبو إبراهيم ) 7 سنوات ، وكنا معاً في سجن غزة المركزي في غرفة 6 ج حتى تاريخ 10/12/1986م ، ثم انتقلنا أنا و الأخ محمد الحسنى (أبو زكي) إلى سجن عسقلان ، ثم اجتمعنا مرة أخرى بالدكتور الشهيد فتحى الشقاقى ( أبو إبراهيم) قبل إبعاده إلى لبنان وذلك فى قسم ب في سجن ( المجدل ) عسقلان المركزي .
س: لقد أمضيت ما يقارب من ربع قرن في السجون ، ففي أي السجون تنقلت طوال فترة اعتقالك ؟ وكيف استطعت التغلب على هذه العذابات ؟ وبأي الوسائل؟ وهل فكرت إن تقضي كل هذه السنين فى الاعتقال ؟
الحقيقية إنني أمضيت أكثر من ربع قرن فى الاعتقال ، 8 سنوات سابقاً و لحتى تاريخ هذه المقابلة بدأت فى السنة الحادية والعشرين من الاعتقال على التوالي ، أي لي الآن ما مجموعه 28 سنة من الاعتقال ، أمضيت ما يقارب من 13سنة في سجن عسقلان المركزي و ما يقارب من 10 سنوات من اعتقالي فى سجن نفحة الصحراوي ، والباقى فى سجون متفرقة ، و لقد توفي والدي رحمه الله وأنا فى سجن نفحة واستطعت بحمد الله التغلب على هذه المحنة وعلى الاعتقال بالإرادة والإيمان والتخلي بالصبر وقراءة القرآن والكتب الإسلامية والعلمية ، ولقد ساهمت بالعمل التنظيمي ولفترة طويلة وفي جميع المجالات داخل الاعتقال للحفاظ على الأخوة الجدد وبناءهم فكرياً وثقافياً ، وللحيلولة دون استهدافنا كأسرى معنوياً ومادياً من قبل إدارة مصلحة السجون التي تسعى لتفريغ المناضلين من محتواهم الثقافي والنضالي .
وكان أملي كبير في أن يتم الإفراج عنى عبر الافراجات التي تكررت فى عهد السلطة ، وحلمي أن يتم الإفراج عنى بعملية تبادل للأسرى .
ومن منطق إيماني العميق بأن الدين فعل المأمور وترك المحظور والرضي بالمقدور. فأنا والحمد لله مؤمناً بقدري ، صابراً محتسباً فلله الحمد في السراء والضراء.
س: من المؤكد أن هذه السنين أثرت على جوهر حياتك الاجتماعية والصحية والنفسية فهل يمكن أن تضعنا في هذه التأثيرات؟
الحمد لله الذي رزقني بزوجة صالحة كانت تساندني طيلة الوقت رغم أننا لم نرزق بأولاد خلال الأربع سنوات ما قبل اعتقالي ، ولكننا نحمد الله على ذلك ، ولله الحمد معنوياتنا ممتازة ، وصابرون رغم منع السلطات لها من زيارتي لما يقارب من خمس سنوات متتالية ألا إننا محتسبون ونسأل الله الفرج والأجر .
س: هل أنت نادم على عملك بعد هذه السنين؟
الحمد لله لم أشعر لحظة بالندم ، فمن رضىَ فله الرضى ومن سخط فعليه السخط والعياذ بالله ، فأسأل الله الرضى و الأجر والفرج القريب وليس على الله بعزيز ، وأتمنى أن يكون عملي مخلصاً لله ويكون جهدي ومعاناتي مدخراً لي عند مليك مقتدر واسأل الله إن يتقبل صالح أعمالي وأن يكون راضٍ عني.
س: تجربة الاعتقال قاسية ويتخللها مواقف جميلة .أي المواقف أسعدتك وأي المواقف أحزنتك طوال هذه السنين؟
من المواقف التي أسعدتني الإفراج عن غالبية الأسرى ، ومن الموقف التي أحزنتني هو عدم الإفراج عن باقي الأسرى الذين تصفهم سلطات الاحتلال ( باطلةً ) بأن أياديهم ملطخة بالدماء ، وللأسف الجميع ( تنظيمات وسلطة) يتحملون المسئولية فى إبقاء عناصرها وأسراها لما يزيد عن الربع قرن فى الاعتقال دون أن يقدموا حلاً جذرياً واضحاً لوقف هذه المعاناة الإنسانية والأخلاقية والوطنية ،
مع أن الجميع يدرك واجبه ودوره فى هذه القضية .
س: بماذا توصي المعنيين والتنظيمات والقيادات وكوادر وعناصر حركة الجهاد في فلسطين خارج السجن؟
أوصيهم بتظافر كل الجهود( سلطة وتنظيمات ومنظمات أهلية وحقوقية ) للعمل سوياً من اجل الإفراج عن القدامى بشكل خاص وكل الأسرى دون استثناء بشكل عام وبكل الوسائل الممكنة ، كما ونتمنى من كل الفصائل الاتفاق والوفاق فى كل القضايا عبر الحوار الوطنى وليس بأي وسيلة أخرى .
س: ما هو طموحك في الحياة والأمور التي تتبناها وتسعى لتحقيقها؟
أتمنى من الله العلي القدير أن يفك أسرانا ، وأن يوفقني الله لأرد فضل زوجتي لتواصلها معى طوال فترة اعتقالى، وأتمنى أن يرزقنا الله الذرية الصالحة كما وأتمنى من الله إن أتمكن من زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم والحج ،و في الختام اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل برّ والفوز بالجنة والنجاة من النار.
تعليق