الشهيد المجاهد "محمود النجار" عشق امتشاق بندقية الجهاد دفاعاً عن الأرض
"تستمر قوافل الشهداء على تراب الوطن.. فها هم يتقدمون مشرعين صدورهم نحو الشهادة... يستقبلونها بكل فرح وسرور.. ليجعلوا من أجسادهم جسراً لمواكب الشهداء، ووقوداً دافعاً للمجاهدين الذين يحملون اللواء من بعدهم، ويسيرون على نهجهم... ونارا ملتهبة للانتقام من أعداء الله و أعداء الدين والإنسانية، الذين تلطخت أياديهم الغادرة بدماء أطفال وشباب وشيوخ ونساء فلسطين".
اسم الشهيد : محمود يوسف النجار.
تاريخ الميلاد: 9ـ 9ـ 1989م.
مكان الميلاد: الجماهيرية " الليبية".
البلدة الأصلية: " أم سلمة" قضاء يافا.
السكن الحالي: بلدة خزاعة.
الحالة الاجتماعية: أعزب.
المستوى التعليمي: ثانوية عامة.
الانتماء: الإسلام العظيم، حركة الجهاد الإسلامي.
الاستشهاد: 26ـ 12ـ 2010م.
لم تعرف روح الشهيد محمود يوسف النجار الراحة، ولم تذق عيناه طعماً للنوم ولم تهدأ له نفس، فكان رحمه الله يعمل دون توقف لا ينتابه شيء من الكلل أو الملل، فمنذ أن التحق بصفوف "سرايا القدس" عشق بندقية الجهاد دفاعا عن الأرض بعد أن تجرع حب الوطن بكافة أطياف العلم الفلسطيني، ورغم حداثة عهده تمكن بتسلحه بالإيمان العميق بالله وحتمية النصر من إجبار العدو على التقهقر والتراجع، بل وكبده خسائر فادحة في أكثر من ميدان جمعه ورفاقه الأبطال من جهة وبين جنود الاحتلال المدججين بأعتى أنواع السلاح خلف الآليات المصفحة على الحدود الشرقية لبلدة خزاعة شرق محافظة خان يونس. مقدماً روحه الطاهرة رخيصة في سبيل إعلاء كلمة الله ودفاعاً عن ثرى فلسطين الطهور، بعد أن قضى مضرجاً بدمائه الزكية بالقرب من السياج الأمني الفاصل عن الأراضي المحتلة عام 48م، بعد معركة حامية الوطيس استمرت لأكثر من ساعتين استعان فيها العدو بالطائرات الحربية والدبابات المدرعة والأبراج الفولاذية لمجابهة ثلة من الأطهار أبت إلا أن تروي بدمائها الزكية تراب فلسطين العطشى لكل مقومات الحياة بفعل الإجرام الصهيوني.
وتؤكد والدته "أم محمود" بقلب مقبوض وعيون تقطر بالدموع:" لازلت لا أصدق أن ابني قد غاب عن الحياة وبشكل أبدي، رغم أنني قبّلت جبهته وجسده المضرج بالدماء".تأملت الأم الثكلى بعد صمت صورة ابنها الشهيد بالبزّة العسكرية وهو يحمل على كتفه قاذف " أر .بي. جي" ، وقالت التي كانت في ضيافة أسرة الشهيد :" لقد كان شاباً يافعاً مفعماً بالحياة، يرفض الظلم والعدوان، اختار دربه بإرادته، فقد طلب مني إذا منّ الله عليه الشهادة أن لا أبكيه، لأنه كان يعلم جيداً كم كنت أخاف عليه، فهنيئاً له الشهادة التي تمناها دوماً".
وتضيف "أم محمود" أنها كانت تراقب نجلها دون أن تشعره عند خروجه لمواجهة الاحتلال، و تصلي لأجل أن يوفقه الله و ينصره و يعيده إليها سالماً غانماً. هكذا كانت أم الشهيد محمود تسهر الليل الطويل قلقة تتأمل في وجه الله الخير والسلامة لقرة عينها ، لطالما طلبت هذه الأم الصابرة من أول فرحتها الهدوء والسكون ريثما تتضح الأمور، لكن لسان حاله كان دوماً يقول :"يا حبذا الجنة واقترابها".
ورغم الحزن والألم الذي تجرعته "أم محمود"، إلا أنها بدأت وبقلب الأم الحاني تتحدث عن طفولة ابنها وذكرياتها معه وكأن الروح ردت إليها مجددا لتقول:" منذ أن كان طفلا صغيرا وهو يتميز بالتفوق والذكاء والهدوء، أحبه جميع من عرفه لصدق تعامله وطيبته ومساعدته لي في صنع الطعام".وتابعت حديثها بعد أن التقطت أنفاسها للحظات: كان الشهيد مؤمنا بالله، مواظبا على الصلوات الخمس، وصوم النوافل والفروض، وقراءة القرآن والخروج في سبيل الله دائما يدعو برضا الله ثم رضا والديه".
فيما وصف والده "أبو محمود" نجله الشهيد بالشاب المتدين الخلوق المطيع له المحب للجميع، مؤكداً أن فراقه كان صدمة وفاجعة، ولكنه قدر الله، متمنياً من الله أن يجمعه و إياه و كل المسلمين في جنة الرحمن التي وعد بها عباده الصابرين. وأضاف أبو محمود أن "الشهيد كان لا يتوانى عن مساعدته في كافة الأمور الحياتية، حتى أنه كان يعطي والده راتبه الشهري فور استلامه من عمله في المطاعم،في محاولة منه لتقاسم أعباء ومسئولية أسرتهم بعدما فقد والده العمل في الأرض التي جرفتها الآليات الصهيونية وحالت دون إمكانية وصولهم إليها.
عرف الشهيد بالتزامه في إتمام الصلوات الخمس في مسجد " عباد الرحمن" و خاصة صلاة الفجر. هذا وتميز الشهيد محمود بالتفاعل الاجتماعي و حبه للآخرين الذي انعكس على شخصيته وحب الآخرين له ، أشاد أصدقاؤه وجيرانه بحسن خلقه وأدبه وعطفه على الصغير والكبير، فترى دوماً الابتسامة لا تفارق شفتيه.
لم تكن مشاهد الظلم والقهر التي عاشها الشهيد المجاهد محمود النجار مع أبناء شعبه المطحون حقيقة واقعة بعد عودته وأسرته من المهجر في الجماهيرية العربية "الليبية"، سوى دافعاً قوياً للالتحاق بصفوف حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين في عام 2008م، إيمانا بحقه وحق كل فلسطيني وعربي ومسلم ينتمي لهذا الشعب أو ينتمي لهذه الأمة مهما بعدت المسافات أن يمتشق السلاح ليواجه بثبات وعزيمة الترسانة الصهيونية المدعومة من أمريكا وزبانيتها، ولإيمانه الراسخ بعدالة قضية شعبه ووطنه ولقناعاته أن الاحتلال وـ بسواعد المجاهدين ـ زائل لا محالة. وانضم الشهيد بعد فترة من الوقت إلى صفوف سرايا القدس ، حيث تلقى العديد من الدورات العسكرية السرية . ثم عمل ضمن وحدات الرصد والمتابعة.
وشارك الشهيد في صد العديد من الاجتياحات وخاصة في منطقتي بلدة خزاعة وعبسان الكبيرة .ويسجل للشهيد نصب العديد من العبوات وقذف العديد من الآليات الصهيونية بقذائف " أر. بي. جي" . وتلقى قبل فترة من استشهاده دورة متخصصة في الوحدة المدفعية.
وقال العضو المجاهد في سرايا القدس أبو مقداد عن الشهيد:" زاد إقبال الشهيد محمود على الشهادة بعد استشهاد رفيق دربه الشهيد سليمان عميش "قديح" الذي ارتقى إثر عملية اغتيال بصواريخ طائرات الاحتلال خلال العدوان الصهيوني الكبير على قطاع غزة.
وأشار أبو مقداد إلى أن الشهيد محمود كان لا يتوانى عن المشاركة في كافة فعاليات وأنشطة حركة الجهاد الإسلامي. مضيفاً أن الشهيد استطاع أن يأسر القلوب بتميزه ونشاطه وإقباله على العمل وإصراره على الوصول إلى أكثر المناطق خطورة لمواجهة جنود الاحتلال بقلب المؤمن وبخطى المخلص العارف.
وعُرف الشهيد المجاهد محمود بالسرية والكتمان، فكان يعمل بصمت مستلهماً حديث رسول الله " استعينوا على قضاء حوائجكم بالسر والكتمان ".كان شهيدنا المجاهد زاهداً في هذه الدنيا الفانية طامعاً في جنة عرضها السموات والأرض أُعدت للمتقين.
استشهاده
ويشير أبو مقداد إلى أن الشهيد محمود ورفيقه مصعب أبو روك كانا في مهمة جهادية زرعا خلالها عبوة ناسفة في طريق تسلكه الوحدات الخاصة قريبا جداً من السياج الأمني، غير أن أجهزة الرصد الصهيونية كشفتهم فأطلقت عدة رصاصات خطاط باتجاههم، إلا أنهما لم يبديا أي حركة، فتقدمت وحدة خاصة من لواء "غولاني" باتجاههم ظناً منها أنهم حظوا بصيد ثمين، مع وصول جنود الاحتلال لنقطة "الصفر"، انقض الشهيدان عليهم مع صيحات الله أكبر، مما أحدث حالة من الإرباك والتخبط في صفوف الجنود، الأمر الذي دفع لتدخل الطائرات الحربية الصهيونية والآليات المدرعة لإنقاذ جنود الاحتلال من نيران محمود ومصعب ووحدة الإسناد التي كانت ترافق الشهيدين.
ويضيف أبو مقداد أن الشهيد محمود لم يستشهد على الفور، بل أصيب في ساقه إصابة بالغة حالت دون تمكنه من الحركة، ورغم محاولة رفاقه سحبه لأكثر المناطق أمناً إلا أن شدة وكثافة نيران الاحتلال حالت ون ذلك، حيث طلب الشهيد محمود من رفاقه تركه والانسحاب، متهماً جيش الاحتلال بإعدام الشهيد محمود، حيث لم يبق في جسده موضع إصبع إلا واخترقته رصاصة حقد صهيونية أو شظية مدفعية.
تعليق