13:13 فتحي الشقاقي صانع تاريخ
د. رمضان عبد الله
قلة قليلة هم الذين كانوا يعلمون أن «عز الدين الفارس» كان يوماً الاسم الحركي لفتحي الشقاقي، لكن الأمة كلها أدركت يوم السادس والعشرين من تشرين الأول (اكتوبر) 1995، غداة ازدهاره بالرصاصة ، أن فتحي الشقاقي هو الاسم الحركي لفلسطين. لم يكن فتحي الشقاقي قائدا عادياً، كان البطل الاستثنائي في الزمن الاستثنائي ، وكان بما له من هيبة وسحر وجاذبية ، خاصة واحداً من صناع التاريخ بكل معنى الكلمة ، في مرحلة غاب فيها التاريخيون ، ولم يبق سوى الباعة المتجولون للمبادئ والشهداء والتاريخ ، لم تكن هيبة القائد أبي إبراهيم تتعلق بموقعه أو سلطته، بل هي مرآة قول الصالحين «على قدر خوفك من الله تهابك الخلق» إنها سطوة الروح التي يتحد فيها الفارس والصوفي فيخر أمامها الجندي والمريد طاعة وحباً واحتراماً، ولا تلبث أن تبلغ ذروتها حين يرتقي القائد ذروة المجد شهيداً. كانت هيبته رضوان الله عليه تجعل الكتابة إليه نزيفاً فكيف بالكتابة عنه؟!.. منذ شهور وأخي الدكتور رفعت ، يطاردني بطلب هذه السطور عن الشهيد وأنا أخشى أن لا أعثر عليه في لغتنا اليومية الأرضية القاصرة ، ولا اقدر على الولوج إلى رحابه العلوي دون الاحتراق بنار الفجعية والشوق للمحبوب. عرفته قبل حوالي عشرين عاماً ، وحين وقعت في أسره أدركت أنني ولدت من جديد. كانت غرفة فتحي الشقاقي، طالب الطب في جامعة الزقازيق ، قبلة للحواريين ، وورشة تعيد صياغة كل شيء من حولنا، وتعيد تكوين العالم في عقولنا ووجداننا. ما دلني عليه غير الشعر ، لكنه حين ترجل عن صهوة جواده ، سلبني وتر اللغة التي وهبها لي وفدعني عن حصان النشيد ، وألزمني مقبض السيف ، وكانت على وجهه ابتسامة النصر وحكمة الدهر : أن الشهادة هي ربيع الشعوب حين تقبل كأسراب النحل على أزاهير الحياة وشهد السيوف. عندما كان الشهيد يدفع ضريبة المجد في «سجن نفحة» الصهيوني في صحراء النقب بفلسطين، قبل إبعاده عن الوطن عام 1988، كتب إليه أحد إخوانه قائلا «كنت من بيننا الرجل (البندقة) لا تنكسر، ومن الداخل هشا كحمامة، وقريباً كالمطر، ودافئاً كبحر أيلول، وشهياً كبداية الطريق!» ذلكم هو فتحي الشقاقي بحق. كان أصلب من الفولاذ، وأمضى من السيف ، وأرق من النسمة. كان بسيطاً إلى حد الذهول، مركباً إلى حد المعجزة! كان ممتلئاً إيماناً ووعياً وعشقاً وثورة من قمة رأسه حتى أخمص قدميه. عاش بيننا لكنه لم يكن لنا، لم نلتقط السر المنسكب إليه من النبع الصافي «واصطنعتك لنفسي» «وألفيت عليك محبة مني ولتصع على عيني»، لكن روحه المشتعلة التقطت الإشارة فغادرنا مسرعاً ملبياً «وعجلت إليك رب لترضى». كان الإيمان العميق والصبر الجميل هما زاده وزواده في مواجهة سيل الأعداء الذين ينهمرون عليه من كل صوب، ويطلعون من تحت الجلد، فيستعذب العذاب ، ويقبل التحدي والمنافسة ، بحسن النية، وصدق الكلمة ، وقداسة المسؤولية ، وشجاعة الموقف ، وعلو الهمة ، ويطاردنا بلا هوادة ، شعاره : قليل من العناد والصبر ينفلق الصخر، والذي ينتظرنا ليس هو الموت إنه الحياة أو النصر. لم يكن فتحي الشقاقي مجرد أمين عام لتنظيم فلسطيني يقاوم الاحتلال الصهيوني ، بل كان بذرة الوعي والثورة في حقل النهوض الإسلامي الكبير. كان الشقاقي يدرك أن الأمة تعيش أزمة حضارية شاملة في مواجهة الهجمة الغربية الشرسة ، لكنه كان يرى أن فلسطين هي مركز الهجمة وعنوانها الرئيس، دون أن يغفل بقية مصادر الأزمة وعناوينها الأخرى. منذ البدايات الأولى، في ذاك البلد الزراعي الصغير ـ كما كان يسميه (الزقازيق)، كانت المعادلة واضحة في ذهنه: إسلام بلا فلسطين. وف بلا إسلام يعني فقدان البوصلة والدوران في حلقة مفرغة لا تنتج إلا مزيدا من الضعف والعجز والهوان. هذه المعادلة هي مفتاح فهم افكار الشهيد وما حاول أن يبدعه من مفاهيم ومسالك جديدة في العمل الإسلامي والعمل الوطني الفلسطيني، إن تلاقح فكرة الإسلام، دين التحرر من كل عبودية ، والثورة على كل ظلم ، مع فلسطين المغتصبة ، لابد أن يرفد مفهوم الجهاد في المعادلة بمزيج عناصرها الثلاثة (الإسلام ـ الجهاد ـ فلسطين) أسس الشهيد القائد أبو إبراهيم حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين. إن فكر الشهيد الشقاقي وجهاده المبارك لا يجب أن يقرأ بحرفيته فقط ، بل بزمنيته أيضاً. لذا ، لابد من التعرف عن قرب على حركة الجهاد الاسلامي ودراستها في اطار نهوضها التاريخي ، لمعرفة أسباب ومقومات وظروف نشأتها في الحركة الإسلامية والحركة الوطنية الفلسطينية، وللوقف على أهمية الإسلام أو الاضافة التي قدمها الشهيد الشقاقي وحركته للنهوض بواقع الأمة في معركتها الحضارية الشاملة. لست بصدد دراسة فكر الشهيد الشقاقي في هذا التقديم ، ولا كتابة تاريخ الأعوام والشهور والأيام الحافلة التي ربطتني به ، لاسيما تلك السنوات التي أثرت فيها العمل معه بصمت نائياً عن كل الأضواء، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يعينني على إنجاز مثل هذا العمل يوماً ما. ما أود ان أسطره هنا هو التأكيد على أن الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي سيبقى علامة فارقة في تاريخ جهاد شعب فلسطين والأمة، فحين أغمد المناضلون القدامى سيوفهم وامتشقوا أقلام التواقيع على صكوك الخيانة والاستسلام ، كان الشهيد الشقاقي يمتطي صهوة جواده ، ويعلن مجددا أن الطريق إلى فلسطين تمر عبر فوهة البندقية . وحين كان الصهاينة يحاصرون الزمن العربي كله ، فتصبح الأرض والتاريخ والجغرافيا والعقيدة والسياسة والاقتصاد واللغة وارادة والضمير والوجدان كلها مهددة؛ كان الشقاقي يخترق الحصار الصهيوني لهيباً وانفجارا استشهادياً لا يقاوم. لم يكن مشروعه رحمه الله يسعى لأن يرسل فلسطين إلى العالم تستجدي ضميره النائم ، بل كان يطمح أن يأسر العالم كله في وديان وشعاب فلسطين بالانتفاضه والثورة. وحين كانت سماء القاهرة ومرافيء تونس وكل الطرق العربية مقطوعة أو ممنوعة في وجه الشقاقي ، حيث شمعون بيرز يأسر العواصم ، ويمنح التأشيرات ، ويفرض الجزية لتدشين الشرق الاوسط الجديد ، لم يكن أمام الشقاقي سوى مالطا لتصبغ وردة جرحه وجه المتوسط وينقش على صفحته سيرة الإمام الحسين من جديد في كرباء جديدة، ويهزم دمه الطاهر سيف الإرهاب الإسرائيليى القادر ، ويفضح كل أوهام وأسرار السلام الكاذب الذي لم يستطع أن يؤمن الشهيد قبراً في الوطن! لقد قرر الشقاقي أن يضع حداً لمهزلة الموت على مزاج الأوصياء باختيار الشهادة على طريق الأنبياء، وإذا كان رحمه الله في عيون إخوانه ومحبيه (شهياً كبداية الطريق!) فكم هي المرارة في حلوقهم ، حين يترجل في أول الدرب ، ومشروعه ، رغم دوي انطلاقته ووهج حضوره ، مازال جنيناً ، لم يتجاوز بالقياس إلى ما كان في مخيلة الشهيد طور الحلم؟! لقد غادرنا أبو إبراهيم مبكراً ليسكن قلوب الملايين الظامئة للحرية .. إنه يستيقظ كعادته كل صباح ليحدد برنامج عملنا اليومي .. لقد صار ملح خبزنا ونار مواقدنا وكلمات مقدمة في كراريس أطفالنا. كان الشهيد القائد ، رضوان الله عليه ، بالنسبة لكل من عرفه عن قرب من إخوانه ومحبيه ، هبة فلسطين التي تمزق حواجز الزمن لتدفع عجلة التاريخ إلى الامام.. لقد علمنا كيف ننتصر على الواقع المرير بكل إحباطاته الوضعية ، عبر الأمل والانفتاح على المستقبل بكل إشراقاته القرآنية.. رحم الله أبا إبراهيم فقد كان بحق صانع تاريخ. إننى إذ أنتهز فرصة تقديم هذه الأجزاء من أعمال وكتابات الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي لأؤكد مجدداً أن هناك أعمال للشهيد لم تتضمنها هذه الأجزاء، وأخص بالذكر ذلك الكنز الكبير الذي تركه الشهيد من مراسلات خاصة وأوراق تتعلق بحركة الجهاد الإسلامي وقضاياها وتفاعلاتها لاسيما منذ إبعاد الشهيد عن فلسطين عام 1988 ، أسأل الله سبحانه أن يعيننا على إخراج هذه الثروة الفكرية بما تحويه من تجربة إنسانية رائدة في مجال الكفاح والجهاد إلى النور بإذن الله. رحم الله شهيدنا وقائدنا ومعلمنا أبا إبراهيم وجمعنا وإياه في الفردوس الأعلى إن شاء الله.
د. رمضان عبد الله
قلة قليلة هم الذين كانوا يعلمون أن «عز الدين الفارس» كان يوماً الاسم الحركي لفتحي الشقاقي، لكن الأمة كلها أدركت يوم السادس والعشرين من تشرين الأول (اكتوبر) 1995، غداة ازدهاره بالرصاصة ، أن فتحي الشقاقي هو الاسم الحركي لفلسطين. لم يكن فتحي الشقاقي قائدا عادياً، كان البطل الاستثنائي في الزمن الاستثنائي ، وكان بما له من هيبة وسحر وجاذبية ، خاصة واحداً من صناع التاريخ بكل معنى الكلمة ، في مرحلة غاب فيها التاريخيون ، ولم يبق سوى الباعة المتجولون للمبادئ والشهداء والتاريخ ، لم تكن هيبة القائد أبي إبراهيم تتعلق بموقعه أو سلطته، بل هي مرآة قول الصالحين «على قدر خوفك من الله تهابك الخلق» إنها سطوة الروح التي يتحد فيها الفارس والصوفي فيخر أمامها الجندي والمريد طاعة وحباً واحتراماً، ولا تلبث أن تبلغ ذروتها حين يرتقي القائد ذروة المجد شهيداً. كانت هيبته رضوان الله عليه تجعل الكتابة إليه نزيفاً فكيف بالكتابة عنه؟!.. منذ شهور وأخي الدكتور رفعت ، يطاردني بطلب هذه السطور عن الشهيد وأنا أخشى أن لا أعثر عليه في لغتنا اليومية الأرضية القاصرة ، ولا اقدر على الولوج إلى رحابه العلوي دون الاحتراق بنار الفجعية والشوق للمحبوب. عرفته قبل حوالي عشرين عاماً ، وحين وقعت في أسره أدركت أنني ولدت من جديد. كانت غرفة فتحي الشقاقي، طالب الطب في جامعة الزقازيق ، قبلة للحواريين ، وورشة تعيد صياغة كل شيء من حولنا، وتعيد تكوين العالم في عقولنا ووجداننا. ما دلني عليه غير الشعر ، لكنه حين ترجل عن صهوة جواده ، سلبني وتر اللغة التي وهبها لي وفدعني عن حصان النشيد ، وألزمني مقبض السيف ، وكانت على وجهه ابتسامة النصر وحكمة الدهر : أن الشهادة هي ربيع الشعوب حين تقبل كأسراب النحل على أزاهير الحياة وشهد السيوف. عندما كان الشهيد يدفع ضريبة المجد في «سجن نفحة» الصهيوني في صحراء النقب بفلسطين، قبل إبعاده عن الوطن عام 1988، كتب إليه أحد إخوانه قائلا «كنت من بيننا الرجل (البندقة) لا تنكسر، ومن الداخل هشا كحمامة، وقريباً كالمطر، ودافئاً كبحر أيلول، وشهياً كبداية الطريق!» ذلكم هو فتحي الشقاقي بحق. كان أصلب من الفولاذ، وأمضى من السيف ، وأرق من النسمة. كان بسيطاً إلى حد الذهول، مركباً إلى حد المعجزة! كان ممتلئاً إيماناً ووعياً وعشقاً وثورة من قمة رأسه حتى أخمص قدميه. عاش بيننا لكنه لم يكن لنا، لم نلتقط السر المنسكب إليه من النبع الصافي «واصطنعتك لنفسي» «وألفيت عليك محبة مني ولتصع على عيني»، لكن روحه المشتعلة التقطت الإشارة فغادرنا مسرعاً ملبياً «وعجلت إليك رب لترضى». كان الإيمان العميق والصبر الجميل هما زاده وزواده في مواجهة سيل الأعداء الذين ينهمرون عليه من كل صوب، ويطلعون من تحت الجلد، فيستعذب العذاب ، ويقبل التحدي والمنافسة ، بحسن النية، وصدق الكلمة ، وقداسة المسؤولية ، وشجاعة الموقف ، وعلو الهمة ، ويطاردنا بلا هوادة ، شعاره : قليل من العناد والصبر ينفلق الصخر، والذي ينتظرنا ليس هو الموت إنه الحياة أو النصر. لم يكن فتحي الشقاقي مجرد أمين عام لتنظيم فلسطيني يقاوم الاحتلال الصهيوني ، بل كان بذرة الوعي والثورة في حقل النهوض الإسلامي الكبير. كان الشقاقي يدرك أن الأمة تعيش أزمة حضارية شاملة في مواجهة الهجمة الغربية الشرسة ، لكنه كان يرى أن فلسطين هي مركز الهجمة وعنوانها الرئيس، دون أن يغفل بقية مصادر الأزمة وعناوينها الأخرى. منذ البدايات الأولى، في ذاك البلد الزراعي الصغير ـ كما كان يسميه (الزقازيق)، كانت المعادلة واضحة في ذهنه: إسلام بلا فلسطين. وف بلا إسلام يعني فقدان البوصلة والدوران في حلقة مفرغة لا تنتج إلا مزيدا من الضعف والعجز والهوان. هذه المعادلة هي مفتاح فهم افكار الشهيد وما حاول أن يبدعه من مفاهيم ومسالك جديدة في العمل الإسلامي والعمل الوطني الفلسطيني، إن تلاقح فكرة الإسلام، دين التحرر من كل عبودية ، والثورة على كل ظلم ، مع فلسطين المغتصبة ، لابد أن يرفد مفهوم الجهاد في المعادلة بمزيج عناصرها الثلاثة (الإسلام ـ الجهاد ـ فلسطين) أسس الشهيد القائد أبو إبراهيم حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين. إن فكر الشهيد الشقاقي وجهاده المبارك لا يجب أن يقرأ بحرفيته فقط ، بل بزمنيته أيضاً. لذا ، لابد من التعرف عن قرب على حركة الجهاد الاسلامي ودراستها في اطار نهوضها التاريخي ، لمعرفة أسباب ومقومات وظروف نشأتها في الحركة الإسلامية والحركة الوطنية الفلسطينية، وللوقف على أهمية الإسلام أو الاضافة التي قدمها الشهيد الشقاقي وحركته للنهوض بواقع الأمة في معركتها الحضارية الشاملة. لست بصدد دراسة فكر الشهيد الشقاقي في هذا التقديم ، ولا كتابة تاريخ الأعوام والشهور والأيام الحافلة التي ربطتني به ، لاسيما تلك السنوات التي أثرت فيها العمل معه بصمت نائياً عن كل الأضواء، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يعينني على إنجاز مثل هذا العمل يوماً ما. ما أود ان أسطره هنا هو التأكيد على أن الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي سيبقى علامة فارقة في تاريخ جهاد شعب فلسطين والأمة، فحين أغمد المناضلون القدامى سيوفهم وامتشقوا أقلام التواقيع على صكوك الخيانة والاستسلام ، كان الشهيد الشقاقي يمتطي صهوة جواده ، ويعلن مجددا أن الطريق إلى فلسطين تمر عبر فوهة البندقية . وحين كان الصهاينة يحاصرون الزمن العربي كله ، فتصبح الأرض والتاريخ والجغرافيا والعقيدة والسياسة والاقتصاد واللغة وارادة والضمير والوجدان كلها مهددة؛ كان الشقاقي يخترق الحصار الصهيوني لهيباً وانفجارا استشهادياً لا يقاوم. لم يكن مشروعه رحمه الله يسعى لأن يرسل فلسطين إلى العالم تستجدي ضميره النائم ، بل كان يطمح أن يأسر العالم كله في وديان وشعاب فلسطين بالانتفاضه والثورة. وحين كانت سماء القاهرة ومرافيء تونس وكل الطرق العربية مقطوعة أو ممنوعة في وجه الشقاقي ، حيث شمعون بيرز يأسر العواصم ، ويمنح التأشيرات ، ويفرض الجزية لتدشين الشرق الاوسط الجديد ، لم يكن أمام الشقاقي سوى مالطا لتصبغ وردة جرحه وجه المتوسط وينقش على صفحته سيرة الإمام الحسين من جديد في كرباء جديدة، ويهزم دمه الطاهر سيف الإرهاب الإسرائيليى القادر ، ويفضح كل أوهام وأسرار السلام الكاذب الذي لم يستطع أن يؤمن الشهيد قبراً في الوطن! لقد قرر الشقاقي أن يضع حداً لمهزلة الموت على مزاج الأوصياء باختيار الشهادة على طريق الأنبياء، وإذا كان رحمه الله في عيون إخوانه ومحبيه (شهياً كبداية الطريق!) فكم هي المرارة في حلوقهم ، حين يترجل في أول الدرب ، ومشروعه ، رغم دوي انطلاقته ووهج حضوره ، مازال جنيناً ، لم يتجاوز بالقياس إلى ما كان في مخيلة الشهيد طور الحلم؟! لقد غادرنا أبو إبراهيم مبكراً ليسكن قلوب الملايين الظامئة للحرية .. إنه يستيقظ كعادته كل صباح ليحدد برنامج عملنا اليومي .. لقد صار ملح خبزنا ونار مواقدنا وكلمات مقدمة في كراريس أطفالنا. كان الشهيد القائد ، رضوان الله عليه ، بالنسبة لكل من عرفه عن قرب من إخوانه ومحبيه ، هبة فلسطين التي تمزق حواجز الزمن لتدفع عجلة التاريخ إلى الامام.. لقد علمنا كيف ننتصر على الواقع المرير بكل إحباطاته الوضعية ، عبر الأمل والانفتاح على المستقبل بكل إشراقاته القرآنية.. رحم الله أبا إبراهيم فقد كان بحق صانع تاريخ. إننى إذ أنتهز فرصة تقديم هذه الأجزاء من أعمال وكتابات الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي لأؤكد مجدداً أن هناك أعمال للشهيد لم تتضمنها هذه الأجزاء، وأخص بالذكر ذلك الكنز الكبير الذي تركه الشهيد من مراسلات خاصة وأوراق تتعلق بحركة الجهاد الإسلامي وقضاياها وتفاعلاتها لاسيما منذ إبعاد الشهيد عن فلسطين عام 1988 ، أسأل الله سبحانه أن يعيننا على إخراج هذه الثروة الفكرية بما تحويه من تجربة إنسانية رائدة في مجال الكفاح والجهاد إلى النور بإذن الله. رحم الله شهيدنا وقائدنا ومعلمنا أبا إبراهيم وجمعنا وإياه في الفردوس الأعلى إن شاء الله.
تعليق