إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

السيرة الجهادية للقائد الذباح أبي مصعب الزرقاوي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • السيرة الجهادية للقائد الذباح أبي مصعب الزرقاوي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السيرة الجهادية للقائد الذباح أبي مصعب الزرقاوي


    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيد المرسلين إمام المتقين وقائد المجاهدين وزعيم الغر الميامين وعلي آله وصحابته وعلي من سار علي نهجه إلي يوم الدين وبعد.

    لم أكن في يوم من الأيام من هواة القراءة أو الكتابة، ولا من عشاق كثرة الكلام، لكن الظروف التي أمر بها الآن، أوجدت لدي أوقات فراغ طويلة، قمت باستثمارها بالذكر وحفظ القرآن الكريم وممارسة بعض الحركات الرياضية، وفي ظل هذا البرنامج اليومي وصلتني رغبتكم في الكتابة عن تجربتي مع الأخ الحبيب أبو مصعب (أحمد فضيل). ترددت في ذلك كثيراً في البداية، ولكن وبعد الاستخارة وجدت أن قلبي قد انشرح لهذا الأمر، ولذلك بدأت الذكريات والأفكار بالتوارد علي ذهني تباعاً، وإني لأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعل جهدي هذا في ميزان حسناتي، وأن يفيد به اخوتي المجاهدين الأحرار في كل مكان، والذين أتابع أخبار جهادهم وانتصاراتهم بكل شوق وفخار، فهم اسود وأبطال هذه الأمه، وأملها وخيارها الصحيح، وروادها علي طريق العزة والكرامة والنصر والتمكين القريب بأذن الله، وإني لأحسب أن أخي أبو مصعب من خيرة هؤلاء الأسود الأبطال ولا نزكي علي الله أحداً.
    وبعد أن منَّ الله علي المجاهدين المسلمين في أفغانستان بالنصر المبين علي الكفرة والمشركين من المرتدين والروس، وبعد الخلافات التي أخذت بالبروز بين فصائل المجاهدين الأفغان، بدأ الكثير من اخوتنا العرب التفكير بالعودة إلي أوطانهم الأصلية، لا سيما الاخوة السعوديون واليمنيون والأردنيون، الذين لم تكن لديهم مشاكل أمنية في أوطانهم، علي عكسنا نحن المصريين، وإخواننا السوريين والجزائريين والليبيين، فلم يكن لدينا خيار سوي البقاء في أفغانستان، أو التحول إلي ساحات جهاد ساخنة، أو الذهاب إلي مناطق أمنة بالنسبة لنا، لا توجد فيها حكومات مركزية قوية، وتوجد لنا فيها تحالفات قوية علي الأرض.
    من هنا كان اختيارنا للسودان والصومال، وبعض دول إفريقيا الضعيفة، وذهب بعض الاخوة مبكرين إلي الدول التي استقلت عن دولة الاتحاد السوفييتي المنهار، وبعض الاخوة ساح في بقاع الأرض، وكان هناك رأي من بعض الاخوة المخلصين الواعين؛ أن ما حصل ويحصل هو خسارة كبيرة لا بد من اتخاذ خطوات سريعة وعملية لإيقافها، واستدراك ما فات، فهذه الطاقات والخبرات التي تحملها هذه النفوس العظيمة المخلصة، لا بد من تجميعها وتأطيرها واستخدامها في إحداث التغير المنشود، فكانت فكرة قاعدة الجهاد المباركة كخطوة أولي علي هذا الطريق.

    مرحلة الاعداد

    بدأنا بتجميع المعلومات التي نحن بحاجة لها لإعادة ترتيب عملنا، وكان من أوليات هذا العمل هو تحصيل المعلومات القديمة والجديدة عن كل رواد الجهاد، الذين شاركوا في الجهاد علي الساحة الأفغانية، وكان من هؤلاء الرواد اخوتنا الأردنيون والفلسطينيون علي رأس القائمة التي لابد من إعادة دراستها، وتجديد المعلومات عن شخوصها.
    ولذلك كنا نتابع المحاكمات العسكرية التي تعقدها محكمة أمن الدولة الأردنية، لإخواننا من الأفغان الأردنيين العائدين، وكذلك للمجموعات الإسلامية الصغيرة المتعددة، التي كانت تحاول القيام ببعض الأعمال الجهادية ضد دولة العدو الصهيوني في فلسطين الحبيبة، انطلاقا من الأراضي الأردنية وكان الأبرز ظهوراً من الناحية الإعلامية من بين هؤلاء الاخوة (الأخ أبو محمد المقدسي) و(الأخ أبو مصعب) من خلال متابعة وقائع محاكمتهما في قضية التوحيد (بيعة الإمام).
    وكان أخونا عمر أبو عمر (أبو قتادة) يركز علي نشر إنتاج هؤلاء الأخوة في مجلته (المنهاج) التي كان يصدرها في لندن. فقرأنا رسائل الأخ أبو محمد المقدسي، ورسائل الأخ أبو مصعب ومرافعتهما التاريخية أمام هيئة المحكمة، وكان الأخ أبو قتادة الفلسطيني، لا يفتأ يبشرنا بأن لنا اخوة جيدين، ينشطون في الأردن، وأن لهم مستقبلا واعدا علي طريق الدعوة المباركة.
    فرحنا كثيراً عندما سمعنا عن اطلاق سراحهم أوائل عام 1999، ولم نفاجأ عندما وصلتنا معلومات أن الأخ أبو مصعب وبعض اخوته، قد وصلوا إلي الباكستان.
    وأقول لم نفاجأ بهم؛ لان فكرة الانحياز إلي جماعة المسلمين المجاهدة ومناصرتها أينما كانت، هي واجب علي كل من يفهم الإسلام وعقيدته فهماً سليماً.
    كانت المعلومات المتوفرة لدينا تشير إلي أن أبو مصعب كان يقصد الذهاب إلي الشيشان، فقد كانت الساحة الإسلامية الأكثر سخونة، والأكثر توجهاً في ذلك الوقت، وإذا ما حاولنا تحليل هذه المعلومات، فهي تشير إلي أن الأخ أبو مصعب علي درجة عالية من الوعي والصدق في توجهاته.
    فالذهاب إلي الشيشان يعني الاستعداد التام للتضحية والعطاء في سبيل ما يؤمن به ويدعو له، فالتغير المنشود في واقع الأمة لا يمكن تحقيقه بالأماني والتبشير والتنظير بحتمية النصر، والتمكين النظري فقط، وانما هو بحاجة إلي ممارسة فعلية عملية صادقة من قبل من ينظّر، فجماهير الأمة لم تعد بلهاء تركض خلف كل ناعق، وانما أصبحت من الوعي بحيث لا تقتنع إلا بما تلمسه واقعاً في حياتها، من هنا جاءت نظريتنا في القاعدة للتعامل مع جماهير الأمة والتي سوف أعود إليها بالشرح والتوضيح إن شاء الله.
    وحدث أن حصلت مع أبو مصعب ورفيقيه مشاكل مع الأمن الباكستاني تتعلق بأمور الإقامة، أدت إلي توقيفهم، وتم الاتفاق علي إطلاق سراحهم بشرط مغادرة الباكستان، لم يكن أمام أبو مصعب ورفيقيه إلا اختيار الدخول إلي أفغانستان.

    ملامح شبه بيني ابو مصعب

    وصلتني أخبار عن وصول مجموعة من الأردنيين إلي قندهار، كنت مشغولاً بأمور تتعلق بعملي خارج المنطقة، وعدت إلي قندهار بعد وصول أبو مصعب بحوالي أسبوعين، وبعد ذلك توجهت للقائه في بيت الضيافة المخصص لإقامة الضيوف والقادمين الجدد.
    أبو مصعب وأبو محمد المقدسي لم يكونا بحاجة إلي تزكية مسبقة لدينا، فأخبارهما ووقائع المحاكمات العسكرية التي عقدت لهما في الأردن، وما طرحاه من أفكار علنية في هذه المحاكمات كانت كما أسلفنا، كفيلة بتزكيته وأبو قتادة وأحد مشايخ الجهاد الأردنيين كانوا قد أوصوا بهما خيراً.
    ولا بد لي أن اذكر هنا أنني قمت بلقاء الأخ المسؤول لدينا عن متابعة أبو مصعب ورفيقيه، لأخذ صورة عما جري بين الاخوة وبين أبي مصعب، وكانت النتيجة المحصلة تقول: أن أبو مصعب لديه أراء متشددة في بعض القضايا والأمور، لم يتم الاتفاق عليها بينه وبين الاخوة.
    هذا الأمر أثار حفيظتي، وفتح لدي باباً واسعاً من الذكريات الشخصية جعلتني أستعيد معظم المحطات المهمة في تاريخي وعلاقاتي، بعد أن هداني الله لفهم الإسلام السليم والصحيح في بداية الثمانينيات.
    هذه الذكريات أوجدت لدي تبريراً وعذراً مسبقاً لأبو مصعب قبل أن التقي به. وصلت إلي المكان الذي كان يقيم فيه أبو مصعب، بعد انتهاء صلاة العشاء، وكان برفقتي أحد الاخوة المصريين الذي تعود أصوله إلي الجماعة الإسلامية في مصر، وهو من تلاميذ الشيخ عبد الآخر، والذي لم يكن علي وفاق تام مع الاخوة الشيوخ، بسبب بعض الاجتهادات الحركية والعملية.
    دخلنا المضافة، فوجدنا الأخ أبو مصعب ورفيقيه علي الباب في استقبالنا، فقد كنت بعثت بخبر قدومي قبل ساعتين من ذلك، تعانقنا مع الاخوة وقدمنا لهم التهاني بالسلامة والفرج ودخلنا إلي المضافة.
    للوهلة الأولي تستنتج انك تجلس مع أشخاص عاديين جداً من حيث البساطة والتواضع، قمنا بالتعريف عن أنفسنا بشكل مبدئي، وبدأنا بالحديث. وجدت أنني اقف أمام رجل يتطابق معي في كثير من الصفات الشخصية، رجل صلب البنية لا يتقن فن الكلام كثيراً، يعبر عما يجول في نفسه وفكره بكلام مقتضب، لا يتنازل عن أي شيء مقتنع فيه، لا يهادن ولا يساوم، لديه هدف واضح يسعي لتحقيقه، وهو إعادة الإسلام إلي واقع الحياة البشرية، ليست لديه تفاصيل كثيرة عن الطريقة والأسلوب والوسائل لذلك، سوي تحقيق التوحيد وفهم العقيدة السليمة وجهاد أعداء الأمة.
    تجربته الشخصية في الحياة والعمل ليست واسعة، لكن طموحه كبير، وأهدافه واضحة، أسهبتُ في الاستفسار منه عن واقع الأردن وفلسطين. معلوماته عن الأردن كانت جيدة أما عن فلسطين فكانت ضعيفة جداً.
    بعد ذلك انتقلنا لموضوع النقاط الخلافية مع الاخوة، سمعنا منه ولم نناقشــــه في ذلك، فقد كان هدفنا كسبه إلي جانبنا ابتداء، استمرت جلســـــتنا حوالي خمــــــس ساعات متواصــلة وسمعنا منه كل ما لديه، وتركناهم متواعدين علي اللقاء بعد يومين.
    وفي صبيحة اليوم التالي كان لي ترتيب مسبق للاجتماع بالشيخين، (أسامة بن لادن) والشيخ (أيمن الظواهري) حفظهما الله، وكان لدينا جدول أعمال متفق عليه للمناقشة وبعد الانتهاء من جدول الاجتماع، طرحت موضوع الأخ أبو مصعب للنقاش، حيث أن الأخوة كان لديهم تصور مسبق وواع للموضوع، فالنقاط الخلافية مع أبو مصعب لم تكن جديدة علينا ولم تكن وحيدة، فمئات الاخوة الذين يأتونا من مناطق متعددة من العالم كنا نختلف معهم في بعض الأمور والقضايا، وكل هذا كان مصدره الفهم المتعدد لبعض جوانب العقيدة فيما يتعلق بالولاء والبراءة، وما يترتب عليهما من مواضيع التكفير والإرجاء، والقضية الثانية هي أساليب العمل، والتعامل مع الواقع المعاش، كلٌ في محيطه وموطنه الأصلي، وكانت النقطة الأهم مع أبو مصعب هي الموقف من الحكم السعودي، وطريقة التعامل والتعاطي معه، في ظل الاحكام الشرعية المتعلقة بالكفر والإيمان.
    قمت بتقديم اقتراح للاخوة يقضي بتفويضي بالتعامل مع هذه الحالات،أي حالة أبو مصعب وما يشابهها، لأنه ليس من العدل فقهياً، ولا من الصحيح حركياً، ترك أو عدم التعاطي مع كل أخ أو مجموعة قد نختلف معها علي جزئيات محدودة أو تفاصيل صغيرة.

    تفويض بن لادن والظواهري

    المعلومات التي كانت لدينا تقول، أنه لا يوجد للقاعدة أو لفكرها في فلسطين والأردن، أنصار كثر، وكانت الخطة المتفق عليها بين الاخوة تعطي أهمية للتواجد والانتشار في الأردن وفلسطين، فالقضية الفلسطينية هي قلب الأمة الجريح النابض، ومن يكن في عمله علي تماس معها يكون قريباً من مشاعر الأمة. وضرب الإسرائيليين والقضاء علي دولتهم مرتبط بالتغير والتحرير في واقع الأمة، ولا تغير ولا تحرير إذا لم تضعف إسرائيل ويقضي عليها. فالنظام الإقليمي المرسوم بالمنطقة يرتبط استمراره بوجود دولة إسرائيل وهو موجود لخدمة أهدافها وتمهيد الطريق أمامها للتوسع والانتشار، والارتباط بين النظام العربي القائم حالياً ووجود دولة إسرائيل هو ارتباط جدلي، والمتفق عليه لدينا في هذا الخصوص أنه لا تحرير بدون تغير ولا تغير إذا لم تضعف إسرائيل ولا ضعف لإسرائيل إذا لم تضعف الأنظمة العربية الخادمة لها من ناحية، وإذا لم ترفع حبال الدعم الغربي عنها وعن الأنظمة. لذلك فالنتيجة المنطقية تقول لابد لنا من أن نتواجد في كل مكان علي هذه الأرض، فكيف نترك هذه الفرصة السانحة للتواجد في فلسطين والأردن، وكيف نضيع فرصة التعامل مع أبو مصعب واخوته وأمثاله من سائر البلدان الأخري.
    وأخيراً، وافق الاخوة بعد ساعتين من النقاش المتواصل علي تفويضي في التعامل مع هذا الموضوع، مع توفير ما يلزم لذلك.
    حمدت ُالله سبحانه وتعالي علي هذا التوفيق الذي كان يؤرقني منذ أكثر من عشر سنوات، فأنا كذلك لم أكن علي وفاق مع الجميع، وخصوصاً في النواحي العملية الإجرائية التكتيكية والاستراتيجية منها، فقد بدأت هذه المشكلة معي منذ اليوم الأول لاعتقالي بمصر في 6/5/1987 علي قضية إعادة تشكيل تنظيم الجهاد، والإعداد لمحاولة قلب نظام الحكم، والتي سجلت بقضية الجهاد (401) والتي اعتقل في ظروفها ما يقارب ستة آلاف اخ بقي منهم للمحكمة (417) أخا وارتبطت القضية، بمحاولة اغتيال وزير الداخلية المصري الأسبق حسن أبو باشا، والكاتب الصحافي مكرم محمد احمد. كنت حينها ضابطاً في القوات الخاصة المصرية برتبة مقدم، وكان معي من القوات الخاصة والحرس الخاص الأخ الرائد محمد البرم حفظه الله وسدد خطاه.
    أقول اني وجدت أن الاخوة في تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية، لم يكونوا يمتلكون من الخبرات العملية ما يمكنهم من إحداث التغير المنشود، ويعود ذلك برأيي ورأي بعض الاخوة إلي الحماس الزائد جداً، الذي يدفع إلي التسرع الشديد دائماً، والي التهور في بعض الأحيان، وكذلك إلي عدم امتلاك الخبرات اللازمة في العمل، وكذلك إلي عدم وجود خطة مسبقة علي المدي القصير والبعيد، وعدم وجود رؤية لاستخدام طاقات الأمة وتفعيلها لأعلي المستوي البشري وليس المادي، فالتغير بحاجة إلي فكر وإنسان ومادة وقيادة مخلصة مجربة واعية، تمتلك رؤية وخطة تحدد من خلالها أهدافها ووسائلها، وتكون رايتها واضحة سليمة لا لبس فيها.
    أما عن الأسباب التي دفعتني للخروج من مصر بعد انتهاء القضية المذكورة، فتتشابه هذه الأسباب كثيراً مع الأسباب التي دفعت أبو مصعب للخروج من الأردن، بل تكاد أن تتطابق لشدة تشابهها، ومن هذه الأسباب:
    1ـ الأجهزة الأمنية في مصر والأردن أصبحت تري أن التهديد الرئيس الذي يواجه النظام، هو الجماعات الإسلامية العقائدية، التي لا تري حلولاً وسطا، وتدعو إلي التغير الجذري الانقلابي الشامل، علي كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وبناء علي ذلك، فهي تتابع العمل الإسلامي ليل نهار، وتحاول أن توجه له ضربات استباقية لحرمانه من فرصة النجاح في عملية البناء الهادئ الهادف المنتج.
    2 ـ أصبحت الأجهزة الأمنية في هذين البلدين تقوم بمحاولات تجنيد عملاء ومخبرين لها في صفوف هذه الجماعات، وقد نجحت في هذا المجال أيما نجاح لعدة أسباب، لا مجال لذكرها هنا، مما ولد لدينا شعوراً بضرورة أن تكون قيادة هذا العمل بعيدة عن الضربات، حتي يتسني لها التخطيط الجيد والتنفيذ الجيد.
    3 ـ الإمكانات الداخلية المادية في هذين البلدين اللازمة لإنجاح التغير الإسلامي المنشود غير متوفرة، ولا بد من طرق الأبواب الخارجية، والبحث عن تمويل كبير.
    4 ـ التواصل والتوحد مع الأفراد والجماعات الإسلامية المخلصة، لا يمكن أن يتم في ظل التواجد تحت رحمة وطول اليد للأجهزة الأمنية في هذه الدول، فكان لا بد من الخروج.
    5 ـ مناصرة القضايا الإسلامية الساخنة، فالحر الكريم لا يقبل الضيم والذل لأهله وأمته.
    هذه بعض الأسباب التي دفعتني ودفعت الأخ أبو مصعب لترك بلادنا والتوجه إلي ساحات الجهاد المفتوحة في العالم الإسلامي.
    بعد أن أخذت موافقة الشيخين حفظهما الله علي تفويضي بالتعامل مع حالة الأخ أبو مصعب وأمثالها، قمت بالاتصال ببعض الاخوة الذين أثق بقدرتهم الفكرية والنظرية، وبتجربتهم العلمية الواسعة، وعقدنا اجتماعا طارئا وسريعا، ناقشنا فيه الموضوع من كل جوانبه، وخرجنا بقرارات مهمة، بعد أن استمر اجتماعنا حوالي 9 ساعات، تخللها توقفنا لأداء الصلاة وتناول وجبة طعام.
    أصبح لدي تصور واضح وكامل عن مشروع جديد وكبير، نجاحه المبدئي يرتبط بموافقة الأخ أبو مصعب، وتوجهت إلي الله تعالي بالدعاء الصادق في أن يوفقني في اقناع أبو مصعب ورفاقه بهذا المشروع الجزئي في أهميته بالنسبة للمشروع الإسلامي الكبير، الذي نعمل من اجل انجاحه و انجازه.
    في اليوم التالي كان موعدنا مع الأخ أبو مصعب في الساعة التاسعة صباحاً، توجهت أنا والأخ المصري الذي أشرت إليه في المرة السابقة، واصطحبنا معنا أحد الاخوة المنحدرين من جزيرة العرب، وهو حجازي الأصل، ومن الذين كان لهم باعٌ طويل في قضايا الجهاد والعمل الإسلامي في ساحات متعددة، وكان علي وفاق وتوافق معي في معظم القضايا.
    لم ندخل هذه المرة إلي المضافة وانما طلبنا من أبو مصعب أن يرافقنا منفرداً، صعد معنا إلي السيارة، وتوجهنا إلي بيت الأخ الحجازي، وقمنا بتعريف أبو مصعب علي هذا الأخ، وشعرت أن ابو مصعب قد تقبله وانشرح صدره له.
    بدأت أنا بالحديث، فقد كنت صاحب المشروع الذي يمتلك التصور الكامل عن جوانبه وأهدافه.
    النقطة الأساسية في المشروع، تستند إلي ضرورة إيجاد منطقة في أفغانستان، يتم فيها إنشاء معسكر بسيط للتدريب اليومي، بحيث يقوم الأخ أبو مصعب بالإشراف عليه، وتهدف إلي استقطاب أخوة من الأردن وفلسطين وسورية ولبنان والعراق وتركيا، لأهمية هذه المناطق بالنسبة لنا، وبسبب تقديرنا أننا ضعفاء فيها.
    النقطة الثانية والتي كنا قد ناقشناها مع بعض الخبراء من الاخوة، أن المنطقة التي سيتم اختيارها يجب أن تكون بعيدة عن تواجدنا الرئيسي من ناحية، وان تقع علي الحدود الغربية لأفغانستان، والمحاذية لإيران، ويرجع ذلك إلي أن طريق الاخوة الآمن، كان قد اصبح عن طــــــــريق إيران، بعد أن بدأت السلطات الباكستانية بالتشـــــــديد علينا وعلي حركتنا، بحيث اصــــــبح وصول الاخوة العرب والآخرين إلي أفغانستان عن طريق الباكستان صعب جداً، في حين أن الاخوة كانوا يستخدمون طريق تركيا ـ إيران ـ أفغانستان بسهولة ويسر.
    المدينة المناسبة التي تم اختيارها كانت مدينة هيرات، وهي اقرب مدينه أفغانية إلي الحدود الإيرانية، وبذلك فهي بعيدة نوعاً ما عنا، والوصول إليها والخروج منها اكثر يسراً، أما ما يخص الإمكانيات المادية، تكفل الأخ الحجازي وبعض رفاقه بتوفيرها بما يتناسب مع الحجم البشري الذي سيتواجد في هيرات، وكذلك بما يتناسب مع مقتضيات العمل.

    أحدي النقاط التي طرحناها أننا لا نريد من ابو مصعب ومن يتواجد معه بيعة كاملة، وانما نريد تنسيقا وتعاونا لخدمة أهدافنا المشتركة.
    وأوضحنا له أننا علي استعداد لتقديم التدريب الخاص والمتخصص لأي فرد أو مجموعة متميزة من طرفه، وتكفلنا بان نقوم بعملية التنسيق مع الاخوة في حركة طالبان حتي لا تكون هناك أية إعاقات شكلية قد تطرأ في المستقبل، طرحنا موضوع إنشاء محطتين في طهران ومشهد في إيران من اجل تسهيل عملية عبور الاخوة دخولاً وخروجاً، من والي أفغانستان.
    كان الهدف من وراء هذا الطرح كله، هو التواصل مع منطقة مهمة من مناطق العالم العربي والإسلامي، وإيجاد فرصة لجمع الاخوة المخلصين، وخصوصاً الذين لا تتفق وتتطابق أفكارهم مع أفكار القاعدة، من باب التكامل المرحلي، والتطابق في المستقبل القريب بإذن الله.
    حاولنا أن نأخذ رداً سريعاً من الأخ أبو مصعب إلا انه قال: لدي مشاورة، فالأخ خالد العاروري والأخ عبد الهادي دغلس قد صحباني منذ بداية الطريق، ولهم الحق علي بالمشورة والتناصح، واتفقنا علي اللقاء بعد يومين، كان الموعد يوم الجمعة، وقد دعانا الأخ الحجازي علي الغداء، وافق الجميع وأوصي أبو مصعب اصطحاب رفيقيه علي الغداء، واتفقنا علي ارسال سيارة لهم قبيل الصلاة، حتي نتمكن من الصلاة معاً.
    فعلاً هذا ما حصل بعد يومين، قمنا بأداء صلاة الجمعة معاً، وتوجهنا إلي بيت الأخ الحجازي، وكان الغداء عبارة عن كبسة عربية، وبدأنا بالحديث علي الطعام، أخذ الأخ عبد الهادي بالاستفسار والاستيضاح عن بعض النقاط، واتضح من استفساراته أنه يتمتع بذكاء لا بأس به.
    وفقنا الله سبحانه وتعالي بالإجابة عن كل الاستفسارات التي طرحت، وكانت النتيجة الموافقة التامة علي المشروع من قبل أبو مصعب ورفيقاه، وتم الاتفاق علي أن نباشر الإعداد من الغد.
    الخطة كانت تقضي أن يبدأ أبو مصعب ورفيقيه نوعاً خاصاً من التدريب لمدة 45 يوما، وفي الأثناء نتكفل نحن بالإعداد والتحضير في هيرات ومشهد علي التوالي، وبدأ أبو مصعب بالاتصال برفاقه لحضهم علي القدوم إليه.
    لاحظت أثناء التدريب أن أبو مصعب ورفيقيه، لديهم نهم شديد للتدريب، وكانوا يقسون علي أنفسهم كثيراً، نحو الوصول إلي مستويات أعلي دائماً.
    انتهت فترة التدريب سريعاً وبدأنا بالاستعداد للانتقال إلي هيرات حسب الخطة، وقد وصلنا في هذه الأثناء اثنان من الاخوة السوريين، فقمنا بطرح فكرة هيرات عليهم، فوافقوا عليها دون تردد، وانتقلنا إلي هيرات، فوجدنا الاخوة قد اختاروا لنا منطقة تقع علي أطراف هيرات، وتحوي علي معسكر قديم صغير الحجم، وقد زودوه بما يلزم ابتداء.
    حمدنا الله سبحانه وتعالي علي التوفيق الحاصل وأقمنا معهم في هيرات أربعة أيام، شعرت في نهايتها، أننا أصبحنا وأبو مصعب ورفاقه الأردنيون والسوريون علي توافق تام بالأفكار، واتفقنا علي اللقاء الشهري دورياً، شهرا يحضرون إلينا، وشهرا نحضر نحن إليهم، وأبقينا لديهم ثلاث سيارات بك آب، من السيارات التي رافقتنا في رحلتنا، ووعدناهم بسيارات أخري إذا لزم الأمر، وقمنا بتوديعهم وعدنا راشدين.
    تركنا أبو مصعب مع رفيقيه خالد وعبد الهادي والاخوة السوريين، ونحن علي يقين وقناعة انهم سوف ينجحون، بل سوف يتفوقون في مشروعهم هذا، فالجميع كان يمتلك عزيمة قادرة علي هد الجبال، فحرقتهم وهمهم علي الإسلام والمسلمين لم أشاهد لها نظيرا، عندما وصلنا إلي مقرنا، قدمنا تقريراً مفصلاً للاخوة، وشعرت أن الإنجاز الحاصل قد حاز الرضا والقبول، والحمد لله رب العالمين.
    مر شهر كامل علي عودتنا من هيرات، قمنا خلاله بإعداد ثلاث سيارات بك آب، وحملناها بما يلزم من مواد نعتقد أن الاخوة هناك بحاجة إليها، وانطلقت أنا وخمسة من رفاقي العرب، بينهم الأخ الحجازي سالف الذكر، وصحبنا اثنين من الاخوة الأفغان، وصلنا إلي هيرات بعد العصر، وكنا قد اخبرنا أبو مصعب عن موعد وصولنا، فوجدنا الاخوة بانتظارنا، وكانوا قد اعدوا لنا طعام الغداء، الملفت للإنتباه أن الطعام الذي قدم لنا قد احتوي علي أصناف عديدة، وكان الطابع الشامي غالباً عليه، وكان متقن الصنعة ولذيذا، وكان يختلف عن الطعام الذي تناولناه في الأربعة أيام التي أقمناها في هيرات في الشهر الماضي، استفسرت عن الموضوع، فقيل لي أن عائلتين سوريتين، أصلهما من حلب، من الذين كانوا يقيمون في تركيا، قد وصلتا إلي هيرات قبل خمسة أيام، وهم الذين قاموا بإعداد الطعام، كان هذا الخبر مفرحاً جداً بالنسبة لي لأنه يعني أن الفكرة قد بدأت تأخذ طريقها إلي النجاح، حمدت الله كثيراً علي ذلك وانتقلنا للاستفسار عن الأحوال وعن الصعوبات التي واجهتهم خلال الشهر الماضي، وما تم إنجازه بحيث كانت النتائج الحاصلة كما يلي :ـ
    1 ـ استطاع أبو مصعب ورفاقه تمتين العلاقة مع الاخوة المسؤولين في طالبان في المنطقة، ومن خلال هذه العلاقة، استعد الاخوة في طالبان وضع كل إمكانياتهم المتوفرة لخدمة المشروع والسعي لإنجازه.
    2 ـ العدد الذي تركناه في هيرات كان خمسة أفراد؛ أبو مصعب ورفيقيه، والأخوين من سورية. وجدنا أن العائلتين السوريتين اللتين قدمتا إلي هيرات، تتكونان من ثلاثة عشر فردا وهم رب الأسرة وثلاثة شباب فوق سن السادسة عشرا، وامرأتان، وست فتيات، وهذا يعني أن عدد العرب في هيرات قد اصبح 18 شخصا.
    3 ـ وجدنا أن الأخ أبو مصعب، وبالتعاون مع الاخوة السوريين قد أعدوا برنامجاً عسكرياً وثقافياً تعبوياً، كان رائعاً في تقديري آنذاك، بحيث كان يركز البرنامج الثقافي علي البناء العقائدي وعلي حفظ القرآن وعلي دراسة التاريخ والجغرافيا.
    4 ـ إتضح لنا أن الأخ أبو مصعب ورفاقه قد اتفقوا علي رسم هيكلية تنظيمية لمجتمع متكامل، في ظل توقعاتهم بأن المئات من الاخوة وعوائلهم سوف تلتحق بهم، وتصل إلي هيرات قريباً.
    5 ـ علمنا أن الأخ أبو مصعب قد أرسل إشارة إلي اخوته في الأردن، يبشرهم فيها عن بدايات نجاحه في أفغانستان، ويطلب ممن يستطيع الهجرة إليها بان يهاجر، و أرسل في طلب عياله وعيال خالد وعبد الهادي، وكذلك فعل الاخوة السوريون، وهذا إن دل فإنما يدل علي قناعتهم بنجاح المشروع وأهميته.
    حمدنا الله علي هذا التقدم الرائع، وتناقشنا في المستجدات، فيما يتعلق بزيادة الإمكانيات وفيما يتعلق بمحطة مشهد واستنبول.
    أمضينا لديهم ثلاثة أيام، شاركناهم فيها برنامجهم اليومي حيث كان الحماس والإخلاص غالباً عليهم، وودعناهم واتفقنا أن يحضروا إلي طرفنا بعد شهر، وعدنا إلي مقرنا مسرورين متفائلين، حتي أن الأخ الحجازي بدأ يفكر جدياً بالالتحاق بأبو مصعب ورفاقه في هيرات، وقمنا بإضافة المعلومات والنتائج الجديدة إلي ملف هيرات، الذي كنا فتحناه منذ ثلاثة شهور واطلعنا الاخوة المعنيين علي المستجدات.

    مجتمع اسلامي مصغر

    مرت الأيام سريعاً، وجاء أجل موعدنا الشهري، حيث حضر فيه الأخ أبو مصعب والأخ السوري أبو الغادية، وكانت هناك بشائر جديدة؛ العدد في المعسكر من العرب اصبح 42 فرداً بين رجل وامرأة وطفل، من ضمنهم عائلة أبو مصعب ورفيقاه، وكذلك انضمام ثلاث عائلات سوريه جديدة، إحداها قدمت من أوروبا.
    وبدأ أبو مصعب يبشر بأنهم بدأوا ببناء مجتمع إسلامي مصغر، وان هناك اخوة أردنيين وفلسطينيين سوف يصلون قريباً إلي هيرات، وقال إن طريق إيران ـ أفغانستان أصبحت سالكة ومأمونة، هذه النقطة كانت جديدة ومهمة لنا في القاعدة، وقد قمنا باستغلالها جيداً في المستقبل القريب، بحيث أخذنا نستعيض بها عن الطريق القديم المار بباكستان، خصوصاً فيما يتعلق بحركة الاخوة العرب، وهذه النقطة جعلتنا نفكر بمحاولة بناء علاقة طيبة مع بعض الخيرين في إيران، وذلك من اجل تمهيد وتسهيل الطريق اكثر، وللتنسيق في بعض الأمور المشتركة، ولقد تم إنجاز التنسيق مع الإيرانيين لاحقاً.
    كان التنسيق مع أفراد مخلصين في توجهات عدائهم للأمريكان والإسرائيليين، ولم يكن التنسيق مع الحكومة الإيرانية، وخلال هذه الفترة لاحظت على أبو مصعب تطوراً مهماً في شخصيته، فعند لقائنا الأول قبل حوالي أربعة شهور من هذا الوقت، لم يكن أبو مصعب مبادراً بالكلام، وكانت أفكاره واهتمامه بالأخبار السياسية العامة محدودة، وأما الان فقد اصبح أبو مصعب مبادراً بالكلام، يهتم بكل الأمور تقريباً، يبادر إلي فتح العلاقات العامة التي قد تنجح مشروعه، ولاحظت انه أصبح اكثر إقناعا وتأثيرا علي من يقابله في الحديث، حتي أن لهجته أصبحت اقرب إلي الفصيحة منها إلي اللهجة الدارجة، هذه الأمور مجتمعة، كانت تشير إلي معالم تكوين شخصية قيادية متميزة.رفيقه السوري كان رائعاً، ويمتلك خبرات واسعة جداً، ويتقن عدة لغات منها الإنكليزية والتركية والقليل من الكردية. وأما بالنسبة للاخوة السوريين الذين تعرفت عليهم في أفغانستان فقد كانوا من أروع وأخلص الاخوة الذين عرفتهم في حياتي، فقد كان للمعاناة التي مروا بها، وما زالوا يعيشونها، دور كبير في تشكيل شخصياتهم، فهم مؤدبون ويطيعون قادتهم، لديهم دوافع للتعلم وكسب الخبرة النظرية والعملية، لذلك فقد كانت درجة اطمئناني علي مشروع أبو مصعب تزداد كلما علمت أن أعدادا جديدة من الاخوة قد التحقوا به.
    بقي مشروع أبو مصعب يتقدم ويتنامي، من ناحية أعداد الاخوة الذين تقاطروا للحاق به في هيرات، وكانت جنسياتهم قد بدأت بالتنوع أكثر؛ فأصبح لديه سوريون وأردنيون وفلسطينيون وبعض اللبنانيين والعراقيين. واستطاع أبو مصعب بفضل من الله ومنته، أن يبني علاقة مع تنظيم أنصار الإسلام الكردي، الذي كان ينتشر في شمال العراق، وكانت له قواعد وتواجد واضح فيه.
    توالت الزيارات الدورية التي كنا نقوم بها لهيرات، وكنا في كل زيارة نلحظ الجديد والتطور علي كل المستويات، التنظيمية والإدارية، وقدرات الشباب العسكرية،
    ومع وصولنا إلي بداية سنة 2001 كان أبو مصعب قد أصبح شخصا أخر،
    من حيث الإمكانات والقدرات الشخصية التي اصبح يمتلكها، وانعكس كل هذا علي نظرته للأمور، فقد أصبح يفكر بشكل أعمق من السابق في كل قضية تعترضه، وكذلك بدأ يفكر ويخطط للمستقبل بشكل استراتيجي، فقد بدأ يركز علي بناء العلاقات مع كل الجنسيات والأعراق من الشباب العرب وغير العرب، المتواجدين علي الساحة الأفغانية، وبدأ يتجول في كل أفغانستان قاصدا الالتقاء بهم وسماع أخر أخبار مناطقهم الأصلية القادمين منها، ولذلك كان يبقي عبد الهادي دغلس في أغلب الحالات نائبا عنه في هيرات، ويتنقل بصحبة خالد العاروري وسليمان درويش أبو الغادية. وأستطيع القول أن مظاهر القيادة الشاملة بدأت تظهر جلية علي شخصية أبو مصعب ومظاهرها كانت تتمحور في النقاط التالية:
    1 ـ أصبح لديه همٌ عام علي واقع الأمة الإسلامية بمجملها.
    2 ـ التفاني والدقة ومحاولة الإنجاز السريع باتت أحد سماته.
    3 ـ حب القراءة والاطلاع علي كل شيء يدور في العالم أصبح من اهتماماته الدائمة.
    4 ـ كان أبو مصعب معجبا بشخصية القائد الإسلامي الفذ نور الدين زنكي، الذي قاد عملية التحرير والتغير التي أكملها البطل صلاح الدين الأيوبي، ولذلك كان يسأل دائما عن أي كتاب متوفر عن نور الدين وتلميذه صلاح الدين، وأعتقد أن ما قرأه عن نور الدين وانطلاقه من الموصل في العراق، كان له دور كبير في التأثير علي أبو مصعب، في اختيار الانتقال إلي العراق، بعد سقوط حكومة الإمارة الإسلامية في أفغانستان.
    5 ـ ازداد اهتمام أبو مصعب بالأفراد الذين حوله، وكان يتحدث معي دوما عن الأساليب التي تقوي الترابط الاجتماعي والنفسي بينهم، وأخذ من سيرة الرسول صلي الله عليه وسلم زواجه ببنات أصحابه أبو بكر وعمر عائشة وحفصة مثلا يُحتذي، فقام بالزواج من بنت أحد أصحابه الفلسطينيين الذين التحقوا به من الأردن، وأخذ رفاق أبو مصعب يتزوجون ويزوجون بناتهم لبعضهم البعض، مع أن أعمار بعض الفتيات كان صغيرا نوعا ما، إذا ما قارناه بأعمار أقرانهن السائد في عالمنا العربي. استطاع أبو مصعب واخوته أن يصبحوا عائلة واحدة متماسكة ومتراحمة، من كل النواحي العقائدية والاجتماعية والاقتصادية، وأعتقد أن المودة التي أصبحت تربطهم، باتت شبيهة بما كان عليه صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم وأعتقد أن هذا المثال الحديث والقريب، يجب أن يكون درسا صحيحا ومتجددا لكل العاملين في مجال الدعوة والحركة الإسلامية الحديثة.
    6 ـ بعد سنتين من العمل والبناء في هيرات، بدأ أبو مصعب يفكر في ارسال رفاقه الجيدين الذين يثق بهم إلي مناطق خارج أفغانستان، للعمل هناك في موضوع التجنيد وجمع الأموال، وكانت البداية علي ما أذكر باتجاه تركيا وألمانيا، لأن الاخوة السوريين الذين كانوا قد التحقوا به، كانت لهم امتدادات جيدة في هاتين المنطقتين.
    7 ـ أبو مصعب كان من أكثر الأخوة الذين التقيت بهم غيرة علي أعراض ودماء وسمعة المسلمين.

    هذه هي بعض معالم شخصية الأخ أبو مصعب قبيل أحداث 11/9/2001

    أهداف ضربة نيويورك

    في تلك الفترة كنا في القاعدة قد أكملنا العدة للقيام بالضربة الكبري، وكانت أهدافنا المرجوة تتمحور في ثلاث نقاط وهي:
    1ـ منذ قيام الولايات المتحدة الأمريكية واستقلالها عن التاج البريطاني، وعلي مدار أكثر من قرنين من الزمن في تاريخ البشرية، وهي تصول وتجول في كل أنحاء العالم، تظلم هذا الشعب وتعتدي علي الآخر، وتسرق وتنهب مقدرات الأمم والشعوب، وقد يستغرب البعض إذا ما قلنا لهم أن الولايات المتحدة، وفي سنة 1817م كانت قد وجهت أساطيلها بهدف احتلال الجزائر، فتصدي لهذا الأسطول المجاهدون والبحارة العرب في البحر المتوسط، والذين كان الغرب حينها يطلق عليهم اسم القراصنة، واستطاعوا هزيمة الأسطول الأمريكي شر هزيمة، بعد أن استمرت المعارك بين الطرفين الأمريكي والاسلامي أكثر من ثلاثة شهور. كان هذا العدوان الأمريكي بداية التنفيذ للخطة الاستعمارية، التي أقرت في مؤتمر الأمم الأوروبية الثاني، الذي عقد في فينا سنة 1815. منذ تلك الفترة والولايات المتحدة الأمريكية تحاول جاهدة الاعتداء علي أمتنا بهدف إذلالها، والسيطرة علي مقدراتها وخيراتها، وكذلك علي جميع المستضعفين والمقهورين من شعوب الأرض، فتراهم في القرن الماضي يحاولون إذلال الصين وكوريا وفيتنام، ويتآمرون علي كل الشعوب في إفريقيا وأمريكا الجنوبية، والهدف واضح، هو عدوان واضح غاشم، يقوم علي دوافع وأسباب يغلفها التضليل والكذب دوماً، ولقد قاموا باسقاط العديد من الدول والحكومات، وما جري في يوغسلافيا ليس عنا ببعيد، واغتالوا الكثير من زعماء العالم المناهضين لهم، ولم يتركوا أدني وسيلة أو أسلوب لتحقيق أهدافهم. ولم تتجرأ دولة ولا شعب في العالم أن يرد لهم الصاع في أرضهم، فبات كبرياؤهم وغرورهم وزهوهم بأنفسهم يشكل المعالم الأساسية في تركيبتهم النفسية، التي زادت من طغيانهم وظلمهم، حتي وصلوا إلي حد الاستهتار ببقية الأمم والشعوب.
    فكان الهدف الأول لنا ضرب رأس الأفعي في عقر دارها من اجل تحطيم كبريائهم وسحق غرورهم وتنفيس زهوهم وخيلائهم. وقد تحقق هذا الهدف جزئياً والحمد لله، ولو قدر للضربات الأخري أن تنجح نجاح ضربات البرجين، لكان العالم قد أحس بالانقلاب المفاجئ السريع والله اعلم.
    2 ـ كان الهدف الثاني لهذه الضربة: هو اظهار قيادة جديده خيرة لهذا العالم المسحوق تحت أقدام التحالف الصهيوني الإنكلوسكسوني البروتستانتي، فحسب رؤيتنا نقول أن المسلمين المخلصين هم الوحيدون الذين يمتلكون المؤهلات المطلوبة لقيادة هذه البشرية، وإخراجها من غياهب الظلم والقهر والتعسف، والعدوان الذي يقع عليها من قبل هذا التحالف الملعون، فعندما تري امتنا ويري المستضعفون في الأرض أن هناك من البشر من لا يخشي هذا التحالف الشيطاني الشرير، وان هؤلاء القادمين الجدد يمتلكون خطة محكمة ومدروسة لتغيير معالم هذه الحياة البائسة التي يعيشها مستضعفو الأرض.
    عندها، فإن هؤلاء القادمين الجدد سيصبحون القيادة الخيرة لهذا العالم، والتي ستتصدي لقوي الشر والظلم والعدوان، والقاعدة والسنة الربانية التي تحكم الصراع هي قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا . وانه عندما يقوم الحق وينبري لصراع الباطل، فإن الحق منتصر لا محالة، طال الوقت أو قصر، وشعارنا الذي نتمثله في هذا الأمر هو قول ربعي بن عامر، عندما قابل قائد الفرس رستم قبيل معركة القادسية، فعندما سأله رستم لماذا أتيتم يا ربعي أجابه: (ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلي عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلي عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلي سعة الدنيا والآخرة).
    إذا الحر الكريم لا يرضي الضيم والظلم لنفسه ولا لأهله ولا للإنسانية جمعاء، فكيف نسكت علي هذا الظلم الصارخ، وعلي هذا الاستهتار الفاضح بكل قيم الإنسانية وميراثها الخير الذي دنسه شذاذ الآفاق هؤلاء.
    إذا كان هدفنا إبراز قيادة إسلامية صادقة مخلصة خيرة، تهدف إلي جمع طاقات الأمة واستنهاض هممها، وتأليب كل المستضعفين المخدوعين في هذا العالم علي هذا الشيطان الأخطبوط المتمثل في هذا التحالف الشرير، قيـادة تقول ما تعتقد وتفعل ما تقول لا تخشي في الله لومة لائم، ولا يردها عن الوصول إلي أهدافها إلا قضاء الله وقــدره وقد تحقق ذلك والحمد لله.
    3 ـ أما هدفنا الأخير من هذه الضربات الموجعة الموجهة إلي رأس الأفعي، فهو دفعها للخروج من جحرها ليسهل علينا تسديد الضربات المتوالية لها، والتي تساعد في اضعافها وتمزيقها، وتعطينا بالتالي مصداقية اكثر لدي امتنا وشعوب الأرض المستضعفة.فالإنسان الذي يتلقي ضربات مؤلمة علي رأسه، من عدو غير مكشوف وغير واضح المعالم، تكون ردود أفعاله متخبطة وعشوائية وغير مركزة، تجبره علي القيام بأعمال غير مدروسة، قد توقعه في أخطاء خطيرة، وقد تكون قاتلة في بعض الأحيان، وهذا ما حدث فعلاً، فكانت ردة الفعل الأولي غزو أفغانستان، والثانية غزو العراق. وقد تتوالي الأخطاء وتكون هناك ردود أفعال أخري غير مدروسة إن شاء الله.
    ردود الأفعال هذه، جعلت الأمريكان وحلفاءهم، يوجهون إلي امتنا النائمة منذ حوالي قرنين، ضربات قوية إلي الرأس وأجزاء مهمة في الجسد، هذه الضربات سوف تساعد بإذن الله علي جعل هذه الأمة تصحو، وتفيق من غفلتها، ويا ويل الأمريكان والإنكليز ومن والاهم، عندما تصحو امتنا.
    إذا كان هدفنا إخراج الأمريكان من جحرهم، وجعلهم يقومون بضربات قوية يوجهونها لجسد الأمة الغائب عن الوجود، لأنه دون هذه الضربات، لا أمل في الإفاقة والصحوة، فسلاحنا الذي سوف ننتصر به علي الأعداء، هم جماهير الأمة جمعاء، بكل طاقتهم وإمكانياتهم المادية والمعنوية.
    إذا أصبحت لنا قيادة واعية ومخلصة ولديها خطة مدروسة لا مجال هنا للخوض في تفاصيلها، وكذلك الأمة النائمة، أصبحت قاب قوسين أو أدني من الإفاقة والصحوة.
    وقد أكل الأمريكان وحلفاؤهم وأذنابهم المقلب .

    أبو مصعب لم يكن مطلعاً علي الضربة قبل وقوعها،

    ولا علي أهدافها، لذلك قمنا بشرح الأهداف جيداً لأبو مصعب، وأطلعناه علي بعض التفاصيل المهمة للأهداف المرحلية القادمة، مع عرض احتمالات الرد الأمريكي المتوقع، وكانت تقديراتنا أن الضربة لم تنجح إلا بتحقيق 20 % مما كنا خططنا له، هذا النجاح كان كفيلاً بأن يقوم الأمريكان بالرد المطلوب وحصل ما حصل.
    في الشهرين اللذين تليا الضربة، من توجيه التهديد والوعيد بالقضاء المبرم علي القاعدة واتباعها في كل مكان، والتبشير باجتثاث الإسلام المجاهد وملاحقته في كل مكان، بدأ الأمريكان يتخبطون بالأقوال والأفعال، وأخذ اتباعهم وحلفاؤهم وأذنابهم بمجاراتهم بكل ما يقولون ويفعلون، وحصل ما كنا نتمناه ونخطط له، وتتوج ذلك بإعلان بوش الصغير حربه الصليبية علي الإسلام والمسلمين في كل مكان.
    هذه الحرب التي كانت قائمة ودائرة منذ زمن بعيد، والتي لم تنته بانتهاء الحرب الصليبية الأولي في زمن صلاح الدين وريتشارد قلب الأسد، قد أخذت مجالات وأبعاد كثيرة، وكان لجهل بوش وزبانيته بمعني هذا المصطلح وأهميته بالنسبة لنا، نصر كبير انتزعناه من أفواههم علي حمق وغفلة منهم.
    نعود إلي الأخ أبو مصعب، فقد بدأ بالتواجد في قندهار برفقتنا اكثر من تواجده في هيرات، واكتسب الكثير من الدروس التي كان لها دور في تكوين صورة شاملة عن مجمل الصراع الدائر في العالم، بين الحق والباطل؛ الحق الذي يتمثل في اتباع الرسل وأصحاب الرسالات السماوية الصحيحة، والباطل الذي يتمثل في اتباع الشياطين والرسائل السماوية المحرفة والمقولبة علي رغبات بعض البشر، يخدم أطماعهم ومصالحهم الشخصية حتي ولو كانت هذه المصالح علي حساب المعدمين والمسحوقين والمحرومين من بقية البشر.
    بدأ الهجوم الأمريكي في نهاية 2001، عاد أبو مصعب إلي هيرات ليكون علي مقربة من إخوانه وجماعته، لم تكن لدينا خطة واضحة ومدروسة للمواجهة، منطقة هيرات كانت بها نسبة مهمة من الشيعة، تم قصف معسكرات طالبان وتجمعات قواتهم ومخازن أسلحتهم بعنف، وتحرك المخالفون والشيعة في المنطقة بسرعة وسيطروا علي المنطقة، لم يكن أمام شباب القاعدة وطالبان وجماعة أبو مصعب إلا الانسحاب السريع، والانضمام إلينا في مناطق الشرق من أفغانستان.حدث وقبل خروج أبو مصعب وإخوانه من هيرات، أن وقعت مجموعة من رفاقهم في اسر قوات الشيعة والمخالفين، وكانت عملية إطلاق سراحهم وإنقاذهم شبه مستحيلة، أصر أبو مصعب ـ حسب ما روي لي ـ علي تخليصهم من الأسر، وجمع حوالي 25 مقاتلاً من جماعته، وصلي بهم ركعتين صلاة الحاجة، وقام بمهاجمة المنطقة التي احتجز فيها رفاقه، وكان الهجوم مباغتاً مما اربك المدافعين، الهجوم كان عنيفاً، لأنه كان هجوم المستميت الذي لا يري حلاً غير إنقاذ اخوته، أو الموت دون ذلك.
    النتيجة كانت فرار المدافعين، وإنقاذ جميع الاخوة دون أدني خسارة، هذه الحادثة تدل علي مدي النجاح الذي تحقق في معسكر أبو مصعب علي مدي سنتين، والذي خرّج رجالاً متحابين متفانيين في الدفاع عن مبادئهم ورفاقهم، حتي لو عرضوا أنفسهم للمخاطر.بعد أن قام أبو مصعب واخوته بتحرير رفاقهم، اخذوا يستعدون للخروج من هيرات فخرجوا بقافلة مكونة من حوالي 135 سيارة، كانت تجمع بينهم وبين الاخوة العرب من القاعدة في المنطقة وكذلك ما تبقي من الاخوة الطلبة.
    الطريق كان طويلاً إلي قندهار، والطيران كان يحلق ويحوم في كل أجواء أفغانستان، إلا انه وبحمد الله وصلت القافلة سالمة إلي قندهار، كان قرارنا في البداية انه لا بد من الدفاع عن قندهار مهما كانت النتائج، بدأنا تأمين نساء الاخوة العرب وأطفالهم، وذلك بإرسالهم إلي باكستان. وأخذنا بالاستعداد للمواجهة.
    وفي أحد الأيام كان هناك اجتماع مع بعض الاخوة المهمين، وكان أبو مصعب من بينهم، قام أحد الاخوة باستخدام هاتفه الثريا الذي كان يعمل عبر الأقمار الصناعية، غادرنا مكان الاجتماع أنا وثلاثة من الاخوة. بعد استخدام الأخ لهاتفه بدقائق وبعد عشرة دقائق من مغادرتنا، قامت طائرة أمريكية بقصف البيت الذي كنا فيه، وكان أبو مصعب وبعض الاخوة ما زالوا فيه. القصف أسفر عن انهيار سقف المنزل، ولم يقتل أحد من الاخوة، لكن البعض أصيب بكسور، وكان منهم أبو مصعب، حيث كسر له بعض الأضلاع في صدره، وأصيب ببعض الكدمات والرضوض نتيجة انهيار السقف.
    بدأ الهجوم علي قندهار. وكان هناك قرار جديد من القيادة بضرورة الانسحاب إلي الجبال وإخلاء الجرحي إلي مناطق آمنة وغير مستهدفة، كان المطلوب من أبو مصعب الخروج إلي باكستان، كونه كان من المصابين، إلا انه آبي إلا الالتحاق بنا والاستمرار بالمشاركة في المعركة.
    الأمريكان كانوا يخشون المواجهة المباشرة، ولذلك كانوا يعتمدون علي قصف الطيران، وكانوا يستخدمون قوات الشمال من المنافقين والمخالفين في التقدم البري، ومما سلف نستطيع القول أن أبو مصعب ما كان له أن يهرب ولا أن يبتعد عن المواجهة، حتي ولو كان لديه عذر شرعي يستدعي ذلك.
    المواجهة لم تكن متكافئة ولم تكن مباشرة وأهداف الهجوم الأمريكي كان يتمحور بالنقاط التالية:
    1 ـ اسقاط الإمارة الإسلامية في أفغانستان، والقضاء علي احتمالية عودتها أو تجديدها في أي مرحلة قادمة، فهي التي وفرت الظروف والأرض والمكان الآمن للقاعدة، ولا عودة للسماح بذلك من جديد. فهذه الإمارة لو استمرت سوف تكون البداية لدولة الخلافة الإسلامية المنشودة من قبل كل المسلمين في العالم.
    2 ـ القضاء علي القاعدة وقيادتها وجعلها عبرة لكل من يعتبر عبر القادم من التاريخ، فمن يتجرأ علي المساس بهذا الفيل العملاق (الولايات المتحدة)، يجب أن يلقي جزاءه، والجزاء يجب أن يكون الاجتثاث الكامل والمبرم.
    كان هذا التحدي من اكبر التحديات التي واجهتنا في عملنا منذ البداية، وكان لا بد من استجابة واعية تصل إلي مستوي التحدي المفروض، فكان قرار القيادة الجريء بضرورة تفكيك الإمارة والاندماج والانخراط بالواقع الأفغاني من جديد، والعمل علي العودة خلال سبع سنوات ضمن خطة محكمة ومدروسة، من خلال هزيمة الأمريكان واتباعهم وأعوانهم من الخونة والمنافقين.
    وقد بدأنا بتنفيذ الخطة فوراً، وبناءً علي ذلك كان لا مجال لنا في القاعدة من الاستمرار بالتواجد العلني السابق والاستمرار بالعمل بنفس الأنماط السابقة، فكان لا بد من الانسياح المنظم من جديد، في كل المناطق التي نستطيع الوصول إليها في هذا العالم.


    لم نهرب من المعركة

    قد يتساءل البعض: أهذه هي الرجولة أو أهذه هي المبادئ والقيم المرتبطة بالعقيدة التي تحملونها وتدعون إليها؟ وخصوصاً أن الإسلام يعتبر الفرار من الزحف خيانة عظمي والجواب علي ذلك يتمحور في عدة نقاط وهي: ـ
    1 ـ نحن لم نهرب من المعركة ونترك الاخوة في طالبان لمواجهة مصيرهم منفردين مع الأمريكان، وانما كانت خطتنا (الانسياح) في الأرض جميعا، ومحاولة فتح معارك جديدة ومتعددة مع الأمريكان من اجل تشتيت قواهم وحرمانهم من التركيز علي منطقة واحدة.
    2 ـ الشكل الذي اختارته القيادة للمواجهة في النهاية يعتمد علي حرب العصابات الذي يتخذ أسلوب الفر والكر، وهذا يتطلب من الذين يقومون به أن يكونوا من أهل المنطقة، فسحنتنا ولغتنا ولهجتنا كعرب لا يتلاءم مع مثل هذه المهمات، أما من يتقن لغات ولهجات أهل البلاد، فكان له الخيار البقاء أو الخروج منحازاً إلي اخوة آخرين في مناطق صراع أخري.
    3 ـ عملية خروج الاخوة وتفرقهم وانسياحهم في البلاد، تعطينا قوة وإمكانيات مادية وبشرية اكثر، نستطيع استخدمها في المعركة، وخصوصاً أن المعركة لم تعد محصورة في بقعة جغرافية محدودة وانما مجالها اصبح العالم كله.
    4 ـ كنا ندرك أن هذه الخطوات مهمة جداً لاستمرار الفكرة، ومهمة كذلك في عدم تمكين الأمريكان من تحقيق جزء من أهدافهم، وهو القضاء علي الاخوة والقضاء علي القيادة.
    والنتيجة أن الخسائر لدينا كانت قليلة والحمد لله، وان القيادة ما زالت سليمة وتمارس عملها بكفاءة من ارض أفغانستان، وان الشباب الذين إنساحوا في العالم، فتحوا ساحات صراع جديدة بينهم وبين الأمريكان ومن يواليهم من المرتدين والمنافقين. ودليلنا علي ذلك النتائج التي حققها الأخ أبو مصعب واخوته في العراق.
    كنت أنا المسؤول عن تأمين بعض الاخوة العرب وإيصالهم إلي إيران، ومن ثم توزيعهم حسب ما نراه مناسباً، وكان الأخ أبو مصعب ومجموعته من ضمن هؤلاء الاخوة.

    في ايران

    بدأنا بالتوافد تباعاً إلي إيران، وكان الاخوة في جزيرة العرب والكويت والإمارات من الذين كانوا خارج أفغانستان، قد سبقونا إلي هناك، وكان بحوزتهم مبالغ جيدة ووفيرة من المال، شكلنا حلقة قيادة مركزية وحلقات فرعية، وبدأنا باستئجار الشقق لإسكان الاخوة وبعض عائلاتهم.
    قام الاخوة في الحزب الاسلامي من جماعة قلب الدين حكمت يار بتقديم المساعدة الجيدة لنا في هذا المجال، فقاموا بتوفير الشقق وبعض المزارع التي يمتلكونها ووضعوها تحت تصرفنا.
    بدأنا العمل واعدنا الاتصال بالقيادة، وبدأنا بمساندتها ودعمها من جديد، وكان هذا الأمر ضمن أهدافنا من عملية الخروج من أفغانستان، وبدأنا بتشكيل بعض المجموعات المقاتلة للعودة إلي أفغانستان لتنفيذ مهمات مدروسة هناك، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرء بدأنا بدراسة حالة المجموعات والاخوة من اجل اختيار أماكن جديدة لهم.
    الأخ أبو مصعب ورفاقه الأردنيون والفلسطينيون اختاروا الذهاب إلي العراق، بعد دراسة ومناقشة طويلة، فهم بسحنهم ولهجاتهم يستطيعون الانخراط والاندماج بالواقع العراقي بسهولة، وقد كانت توقعاتنا ودراستنا المعمقة للأمور تشير إلي أن الأمريكان لا بد من أن يخطئوا ويغزوا العراق عاجلاً أم أجلاً، وان هذا الغزو سيهدف إلي إسقاط النظام، فلا بد لنا من أن نلعب دوراً مهماً في المواجهة والمقاومة، وهذه فرصتنا التاريخية التي قد نستطيع من خلالها إقامة دولة الإسلام التي سيكون لها الدور الأكبر في رفع الظلم وإحقاق الحق في هذا العالم بإذن الله.
    كنت علي وفاق مع أخي أبو مصعب بهذا التحليل، ولم تكن للقاعدة أية علاقة تذكر مع صدام حسين ونظامه، علي العكس مما يشيعه الأمريكان دائماً، فالأمريكان كانوا دائماً يحاولون ربط صدام حسين ونظامه بالقاعدة، حتي يخلقوا لأنفسهم مبررات ومسوغات شرعية، حسب قوانينهم التي فرضوها بالقوة علي هذا العالم المستعبد والمستحمر للغرب وللإسرائيليين وللانغلوسكسون. إذا كان لابد لنا من وضع خطة لدخول الاخوة إلي العراق عن طريق الشمال، غير المسيطر عليه من قبل النظام، ومن ثم الانسياح جنوباً إلي مناطق اخوتنا السنة الذين كان لنا بينهم بعض الاخوة.
    وكان الاخوة في جماعة أنصار الإسلام قد ابدوا الاستعداد لتقديم أي معونة لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف.
    الأمريكان لمسوا أن الإيرانيين يغضون الطرف عن نشاطنا في إيران، فبدأوا بشن حملة إعلامية مركزة علي إيران، وبدأو يتهمونها بأنها تساعد القاعدة والإرهاب العالمي.
    كانت ردة فعل الإيرانيين أن بدأوا بملاحقة الشباب واعتقالهم، والبدء بعملية ترحيلهم إلي أوطانهم السابقة، أو إلي حيث يريدون، المهم أن يخرجوا من إيران فقط.
    الخطوات التي اتخذها ضدنا الإيرانيون أربكتنا وأفشلت 75 % من خطتنا. تم اعتقال العدد الأكبر من الشباب. مجموعة أبو مصعب تم اعتقال حوالي 80 % من أفرادها، كان لابد من وضع خطة سريعة لخروج أبو مصعب والاخوة الذين بقوا طلقاء معه، الوجهة كانت العراق. الطريق، الحدود الشمالية بين العراق وإيران.
    الهدف كان الوصول إلي مناطق السنة في وسط العراق، والبدء بالتحضير والبناء لمواجهة الغزو الأمريكي وهزيمته بإذن الله. الاختيار لم يكن عشوائياً وانما كان مدروساً.
    شخصية أبو مصعب عندما ودعني قاصداً العراق كان قد أضيف إليها بعد جديد لم يكن سابقا، هذا البعد الجديد كان يتركز علي ضرورة الاقتصاص من الأمريكان علي ما ارتكبوه من جرائم شاهدها بأم عينه أثناء القصف علي أفغانستان، اصبح الحقد والعداء الذي يكنه أبو مصعب للأمريكان كفيلاً بتشكيل معالم جديدة لشخصية أبو مصعب.
    أنا لا أستطيع أن اكتب بالتفصيل عن هذه الشخصية الجديدة، فلم التق به ثانية بعد أن غادر إيران، لكني استطيع القول من خلال ما اسمعه عنه، انه اصبح قائداً محنكاً قادراً علي إدارة الصراع مع قوي الكفر العالمي من الأمريكان والاسرائيليين ومن والاهم والانتصار عليهم بإذن الله تعالي.وكل ما أتمناه علي أبو مصعب ورفاقه الأخذ ببعض هذه النصائح التي نري أنها مهمة في هذه المرحلة، وإذا ما أخذ بها ستكون لها نتائج عظيمة في حسم الصراع الدائر في العالم بين الحق والباطل بإذن الله.
    ونصائحنا هي الآتي:
    1 ـ لا بد لكل عمل يصنع أو مجهود يبذل من هدف، فإذا ما كان الهدف واضحاً منذ البداية، فان الطريق الموصلة إليه سوف تكون واضحة المعالم سهلة المسالك، فإذا ما وضحت المعالم نستطيع أن نحدد الوسائل والإمكانيات والوقت الذي يلزمنا لقطع هذا الطريق الموصل إلي الهدف.
    وعليكم أن تعلموا أن الوصول إلي أي هدف بحاجة إلي أربعة عناصر يجب أن تتوفر لكل من يسير علي طريق التغيير هادفاً الوصول إلي نتيجة إيجابية، وهذه العناصر علي الترتيب والتوالي هي:
    أ ـ الفكر: لا بد لأي مشروع ناجح من وجود فكرة أو أفكار تحدد وتبين منطلقاته ووسائله وأهدافه، وهذه المسألة لا مجال للاجتهاد فيها كثيراً فيجب عليكم الإعلان بوضوح وصراحة أن هدفكم هو استئناف الحياة الإسلامية من خلال إقامة دولة الإسلام التي ستقوم بحل جميع مشاكل الأمة لتعود قوية متعافية لتتمكن من لعب دورها الخير في حياة البشرية جمعاء امتثالاً لقول الله تعالي: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله . وكذلك قوله ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .
    هذه الخيرية وهذه الوظيفة لا يمكن أن تتحقق في واقع الأمة إلا إذا امتلكت الأدوات اللازمة لذلك، وهذه الأدوات لا تتحقق إلا بوجود الدولة الإسلامية، ففي الوقت الراهن لا مجال لدفع المعتدي ولا مجال لرفع الظلم السائد في هذا العالم والمتمثل في نهب الثروات واحتلال البلاد وإذلال العباد وانتهاك حرمة الأعراض والأوطان إلا بوجود دولة قوية تكون نداً للمعتدي في كل شيء حتي تستطيع ردعه وإيقافه عند حده، والأمور والظروف أيها الاخوة مهيأة ومواتية لإعلان هذه الدولة. فشعوب امتنا المقهورة باتت واعية بكل ما يدور حولها. فالأنظمة والحكومات التي تسود في عالمنا العربي والإسلامي، كفرها اصبح واضحاً للعيان لا يخفي علي صغير أو كبير وكفرها واضح المعالم من ثلاثة وجوه، الوجه الأول: عدم تحكيمها لشرع الله والوجهة الثاني موالاتها للإسرائيليين والمشركين أعداء الأمة التاريخيين. والوجه الثالث يتضح في عداء هذه الأنظمة وهؤلاء الحكام للإسلام والمسلمين. إذاً جماهير الأمة تتطلع شوقاً ليوم الخلاص من هذه الأنظمة وهؤلاء الحكام وفكرنا هنا يجب أن يكون واضح المعالم، وتكون مصادره محددة، فمن مصادره الأساسية القرآن الكريم والسنة النبوية، والعقيدة أساس مهم من أسس هذا الفكر، نأخذها من السلف الصالح ونتعامل معها بنفس طريقتهم ومناهجهم في التعاطي، العقيدة التي تساعد علي فهم الواقع فهماً سليماً لا لبس ولا غموض فيه، ذلك الفهم ينتج فكراً راقياً قادرا علي التجدد والتعاطي مع كل ما يواجه الأمة من محن وخطوب، فكراً واضحاً جلياً قوياً قادرا علي دحض كل الأفكار المناوئة والتفوق عليها والإسلام والحمد الله قطع مرحلة زمنية طويلة من عمره زادت عن 1400 سنة تعايش من خلالها مع بيئات مختلفة وظروف متعددة انتج معها من الفكر ما يمكنه من الخروج سالماً من كل مأزق ومحنة وبناءً عليه يجب أن تكون لدينا دائرة من الحكماء والعلماء القادرين علي التعاطي مع هذا الأمر.
    ب ـ الإنسان هو العنصر الثاني الذي يجب أن يتوفر لإنجاح أي مشروع، إنسان يؤمن بالفكرة إيمانا جازما ويسعي بها للوصول إلي الهدف الذي تحدده الفكرة، وانطلاقاً من هذا الأمر يجب أن يكون لدينا جهاز دعوي متخصص قادر علي مخاطبة أبناء الأمة واستمالتهم إلي الحق والي جادة الصواب.
    فمثلما نقوم بالعمل العسكري الجهادي يجب علينا أن نقوم بالعمل الدعوي، فلا يمكن أن نصل إلي التغيير المنشود إلا إذا أحدثنا تغيراً واضحاً في واقع الإنسان، لأن الإنسان هو الذي يطبع الزمان والمكان بطابعه الخاص، ولن تستطيع تحقيق النصر الكبير الحاسم إلا إذا تمكنا من تفعيل وتوظيف معظم طاقات الأمة الكامنة سواءً كانت طاقات بشرية أو مادية، وللعلم فان شباب الأمة في هذا الوقت مهيئون لتقبل دعوة الحق ومستعدون لنصرتها والدفاع عنها.
    ج ـ اصبح لدينا الآن فكر سليم وإنسان حرّ يؤمن بهذا الفكر إيمانا جازما، هذا الإنسان لا يمكن أن يصل إلي هدفه إلا إذا توفرت له الإمكانيات المادية اللازمة التي تساعده علي امتلاك الوسائل والأدوات الضرورية لتحقيق النصر والتمكين.
    د ـ القيادة المخضرمة القوية المجربة هي العنصر الرابع الذي يجب أن يتوفر، فالقيادة هي التي تقوم بالتعاطي مع العناصر الثلاثة السالفة الذكر، ذلك التعاطي الواعي الهادف. فلو توفر فكر وإنسان دون وجود مادة أو قيادة لما أمكن الوصول إلي المبتغي، والعالم العربي والإسلامي يزخران بمن يمتلك من الخبرة والتجربة ما يكفي لتشكيل قيادة جديدة واعية مقتدرة لهذه الأمة.
    2 ـ الراية الواضحة: لقد غابت راية الإسلام وغابت القيادة الحقيقية للأمة منذ أكثر من مئة عام تقريباً، غياب الراية فرق الأمة وشتت قواها وقدراتها وأضعفها أمام أعدائها. القيادات التي انبرت للمواجهة كانت قيادات مصطنعة عميلة صنعها الأعداء ووجهوها لخدمة مصالحهم وأهدافهم هؤلاء العملاء رفعوا رايات عالمية هدفها إضلال الأم وتشتيتها فنراهم يرفعون رايات القومية تارة وعلمانية أو أممية تارة أخري، فإذا ما رفعنا راية الإسلام الواضحة راية لا اله إلا الله محمد رسول الله فإنها سوف تحرق جميع الرايات المخالفة وتكشف عوارها وزيفها، وهذا يساعد علي إظهار القيادة الحقيقية للامة القيادة المخلصة القادرة علي الاستجابة لهذه التحديات الجسام، استجابة واعية مدركة قادرة علي مراعاة الظروف وعلي شحذ الهمم واستنفار الطاقات والإمكانيات وتوفيرها علي أحسن ما يكون، هذا الأمر بحاجة إلي فرز الشباب والاخوة كل حسب إمكانياته وقدراته وقد تعلمنا أن التنظيم يعني توظيف القدرات واستغلال الإمكانيات.
    3 ـ الخطة: أي عمل هادف لا بد أن يبني علي خطة واضحة المعالم منذ البداية، وضوح الخطة يحدد الوسائل اللازمة والإمكانيات المطلوبة والزمن المطلوب للإنجاز والتنفيذ، وأي عمل لا يبني علي خطة يعتبر عملاً عشوائياً غير منتج.
    المتابع لعمل الحركات الإسلامية المعاصرة يستنتج أن عملها كان في غالبيته عملاً عشوائياً، الإخلاص وحده لا يكفي لتحصيل النجاح والوصول إلي النصر، لا بد من الأخذ بالسنن والقوانين الربانية، وضع الخطة المحكمة المناسبة من السنن الربانية. وانطلاقاً من هذا يجب علي العاملين المجاهدين، أن تكون لهم خطط قصيرة المدي تسعي لتحقيق أهداف مرحلية وخطة طويلة المدي تسعي للوصول إلي الهدف الأكبر وهو إقامة الدولة.
    4 ـ استغلال الفرص المتاحة واستشراف المستقبل من أجل الإعداد لاستغلال ما يستجد من ظروف وأحوال، للتوضيح نستطيع أن نضرب مثال العراق في الوقت الحالي. فحالة الانفلات الأمني التي نتجت عن انهيار نظام صدام حسين هي التي أتاحت الفرصة الجيدة للعمل الإسلامي الجهادي في أن يتغلغل وينتشر ويتجذر في ساحة مثل الساحة العراقية والتي ما كان له أن ينجح لو بقي النظام السابق. هذه الفرص قد تتكرر وتتاح في مناطق أخري فتوقعاتنا تشير إلي أن سورية ولبنان قد تتعرضان لظروف سوف تتشابه مع الظروف العراقية الحالية. هذا الأمر في حال حصوله سوف يعطي العمل الإسلامي مساحة واسعة للعمل والمناورة سوف تكسبه كماً هائلاً من الطاقات البشرية والمادية وسوف تعطي التيار الإسلامي المجاهد فرصة التواجد علي مقربة من حدود فلسطين المحتلة. العنصر البشري الشامي عنصر مهم، والاشتباك المباشر والدائم مع الإسرائيليين عنصر أهم سوف يعمل علي نشر فكر التيار الجهادي ويعطيه مصداقية وفعالية تتيح له الوصول إلي هدفين من أهدافه الرئيسيين وهو أن يبرر كقيادة حقيقية للعالم الإسلامي والثاني المساهمة في عملية إضعاف إسرائيل والسير قدماً علي طريق هدمها وإزالتها بإذن الله وتعالي.
    هذا الأمر قد ينطبق علي سورية ولبنان قريباً وستلحق بهما مصر عاجلاً أم آجلاً لأن النظرية الإسرائيلية تقوم علي ضرورة استغلال القوة الأمريكية العملاقة في تحطيم كل الأعداء الحاليين أو المفترضين مستقبلا والذين قد يشكلون خطرا علي أمن إسرائيل.
    الأمريكان سوف يرتكبون أخطاء استراتيجية في انجرارهم خلف السياسة الإسرائيلية الخرقاء.
    إذا الظروف الحالية المتوفرة إضافة إلي ما قد يستجد في المنطقة من تطورات وأحداث سوف تتيح الفرصة لإنشاء جيش إسلامي متكامل البناء والإعداد سيكون قادراً علي إحراز انتصارات متتالية تعطيه مصداقية عالية تؤهله لأن يطرح ويبرز قيادة جديدة للأمة الإسلامية تكون قادرة علي شحذ الهمم وصقل المهارات واستغلال الطاقات والإمكانيات المادية والبشرية للأمة سيراً علي طريق الجهاد المبارك الذي سوف يتيح لهذه القيادة إعادة الخلافة الإسلامية إلي الواقع البشري من جديد، الخلافة التي تعني دولة الإسلام القادرة علي إزالة الظلم الواقع علي البشرية جمعاء وعند ذلك يتحقق وعد الله ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين . صدق الله العظيم.
    حينها يتحقق النصر المنشود وتري الناس يدخلون في دين الله أفواجاً.
    إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان تواباً .
    هذه بعض النصائح العملية الملحة التنفيذ والتطبيق نقدمها إلي الأخ أبو مصعب والاخوة المجاهدين في العراق والتي في حال ما اخذوا بها فسيقلبون السحر علي الساحر بإذن الله وسيساعدون في تنفيذ الخطة الكبيرة المرسومة لعودة الإسلام إلي واقع الحياة البشرية عودة موفقة، فالظروف متاحة والحمد الله والقادم من الأيام سوف يبرهن أن عباد الله قادمون لأن الظلم والقهر والحرمان والعدوان الناتج عن سياسات هذه القوي الشيطانية الخرقاء جعل حياة البشر صعبة لا تطاق وبات التغيير ضرورة ملحة يتطلع لها كل الأحرار في العالم.
    هدفٌ واضح وراية سليمة ووسائل شرعية واضحة وحسن استغلال للظروف وقدرة علي استخدام القدرات والإمكانيات والنصر والتمكين ونيل رضا رب العالمين.
    هذه خلاصة نصائحنا والله ولي التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


    سيف العدل
    ( المسؤول الامني في جيش قاعدة الاسلام العالمي)



    الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية
    قسم النشر والتوزيع

    الوكالات والصحف
    __________________
    الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية



    وهذه نبذة من حياته


    بدأ قبضايا في شوارع الزرقاء وتتلمذ علي شيخ المجاهدين العرب عبدالله عزام ومنظر السلفية المقدسي
    دعا عشيرته بني حسن الي استرداد القدس.. وفي سجن سواقة اكتمل الخط الجهادي عند الناشط الاردني
    فؤاد حسين
    الشخصية التي يتناولها هذا الكتاب فرضت أنماطا مختلفة من صنوف التصنيف، تارة أسلوب البحث العلمي المعتمد علي القراءة والبحث والتمحيص والتلخيص، وقد أخذ هذا الأسلوب نصيبه في فصول هذا الكتاب، وتارة أخري الاستماع إلي شهادات العشرات ممن عرفوا الزرقاوي أو رافقوه في مختلف محطات حياته، وهذا أخذ وقتا طويلا بين تدوين تلك الشهادات، ومن ثم تدقيقها، وتمحيصها، ومقارنة الشهادات بعضها ببعض، للوقوف علي المعلومة الدقيقة لاستخدامها بعد التحقق من صحتها، وطرح المعلومة الضعيفة واستبعادها، ما لم نستطع التثبت منها، وتارة أخري الطلب من أشخاص بعينهم أن يكتبوا بأنفسهم إجاباتهم علي أسئلة طرحناها عليهم، لكن الشاق في هذا الجانب كان الوصول إلي هؤلاء الأشخاص ممن لهم بصمات واضحة، سواء في تشكيل فكر الزرقاوي أو تشكيل منهجه واستراتيجيته، وكانت هذه المرحلة الأصعب من الكتاب، إذ باتت إمكانية الاتصال مع هؤلاء صعبة للغاية، إن لم تكن شبه مستحيلة، بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، فغالبيتهم إما في السجون أو مطاردون أو مختفون، لكن دون تدوين شهاداتهم، لن يكون للكتاب إضافة معتبرة، فآثرنا تأخير الكتاب شهورا عدة إلي أن وصلنا إلي مبتغانا، وضمنا الكتاب ثلاث شهادات تغطي مراحل تطور مسيرة الزرقاوي.
    الشهادة الأولي كانت لأبي المنتصر بالله محمد، وهو الشخص الأول الذي بدأ الزرقاوي معه بناء التنظيم الأول الذي أسسه أبو مصعب عام 1993، وهو تنظيم التوحيد، الذي عُرف لاحقا باسم (بيعة الأمام)، مسجلا بالتواريخ والأسماء والأحداث كل ما تم حتي عام 1999. فآثرنا تلخيص هذه الشهادة دون التدخل في مضمونها، ذلك أن الكثير مما ذكره لم يعد سرا يحمل صفة الجدة، إن لم أقل أنه سبق أن نشر مضمونه بعموميته، لذلك أبقينا علي المعلومات التي طرحت للمرة الأولي، وعلي الانطباع الشخصي لصاحب الشهادة وموقفه من تلك الأحداث التي دونها.
    الشهادة الثانية كانت للأب الروحي للزرقاوي عصام البرقاوي (أبو محمد المقدسي) الذي التقاه في الباكستان عام 1989، واتفق معه هناك علي تشكيل تنظيم ديني في الأردن، وبقي معه في السجن، بادئا معه كرفيق درب وصديق، ثم شيخه الذي ينظر لفكرة التنظيم ويضع أدبياتها، ثم كتابع له بعد أن أصبح الزرقاوي أميرا للمجموعة داخل السجن، ثم منتقدا له وناصحا عن بعد، هو في سجنه بالأردن والزرقاوي في العراق.
    الشهادة الثالثة، وهي الأهم كانت للرجل الثالث في القاعدة محمد مكاوي (سيف العدل) الذي يلقي من خلال شهادته الضوء علي القدوم الثاني للزرقاوي إلي أفغانستان عام 1999، وأسباب الخلاف بين الزرقاوي وبن لادن، وكيف تم إنشاء معسكر خاص للزرقاوي في هيرات، مبينا طبيعة العلاقة التي كانت قائمة في تلك الفترة بين قيادة القاعدة والزرقاوي، وصولا إلي ضربة الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، وأهداف القاعدة من وراء هذه الضربة، موضحا كم تحقق من تلك الأهداف، مرورا باحتلال أفغانستان والخروج إلي باكستان وإيران، كاشفا طبيعة الدور الذي لعبته طهران حينذاك، وبعد ذلك قرار إدخال الزرقاوي إلي العراق والتحضيرات التي سبقت ذلك.
    وفي محاولة لاستشراف مستقبل القاعدة في العراق من خلال تطور تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين تتبع الكتاب محطات تطور عمل، وشخصية الزرقاوي، خلال السنوات الثلاث الأخيرة. معتمدين معلومات دقيقة تطلب الوصول إليها استقصاء دقيقا وحثيثا، لكل من كان علي تماس مع الزرقاوي خلال تلك السنين.
    وللوقوف علي مستقبل الحرب المفتوحة بين القاعدة، وواشنطن التي تطلق علي حربها تلك مصطلح محاربة الإرهاب الدولي، حاورنا العديد من منظري القاعدة سواء ممن ساهموا في صنع استراتيجياتها في وقت سابق أو من باتوا من صناع قراراتها لاحقا، واستمعنا إلي كل ما يجول بخاطرهم، لنرسم للقراء استراتيجية القاعدة حتي عام 2020، والوسائل التي أتبعوها، والخطط التي وضعوها للوصول إلي تحقيق هذه الاستراتيجية.
    __________________

    شخصية الزرقاوي والابعاد الثلاثة

    الزرقاوي، هو أحمد فضيل نزال الخلايلة، وكنيته أبو مصعب، والزرقاوي لقب لم يعرفه الأردنيون من قبل، وهو نسبة إلي مدينة الزرقاء التي ولد فيها في الثلاثين من تشرين الأول (أكتوبر) عام 1966، معظم سكان مدينة الزرقاء التي تبعد نحو 25 كلم شرق العاصمة عمان من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة.
    ولد الزرقاوي لأسرة فقيرة محافظة تنتمي إلي عشيرة بني حسن وهي من كبري عشائر الأردن، موطنها البادية الأردنية الممتدة من حدود الأردن مع العراق وسورية إلي مدينة الزرقاء وجرش الواقعتين في وسط الأردن والمناطق المحيطة بهما.
    والابعاد الثلاثة التي شكلت شخصية الزرقاوي الحالية؛ الأول تتعلق بنشأته، والثاني يرتبط بالبعد الديني والمدرسة المذهبية التي قنع بها، والثالث الانعكاس التاريخي.

    نشأة الزرقاوي

    نشأة أحمد فضيل البدوية وعلاقته الخاصة بوالدته كانت الضلع الأساس في تشكيل شخصيته، تجد الطيبة فيه عفوية وحبه للآخرين عفوياً، وتجد إقباله علي مساعدته للآخرين كذلك عفويا، ولا تغيب بداوته عنه في فهمه أو علاقته مع الآخرين، وبمقدار ما هو معروف عن البدوي شهامته وشجاعته وكرمه، فقد جُبل البدوي أيضا علي تمسكه بثأره، فلا ينسي إساءة عدوه أو خصمه أو غريمه مهما طال الزمن، ويمتلك البدوي في العادة قدرة هائلة علي الصبر ليصل إلي ثأره، وما يُتداول في الموروث الشعبي عن بدوي تعجل في الآخذ بثأره بعد انتظار دام أربعين عاما، فيه دلالة عميقة علي طول صبر البدوي، هذا الصبر لا يقتصر علي الأخذ بالثأر، بل يتعداه إلي الصبر علي شظف العيش وصعوبات الحياة، وانتظار قطف الثمار!
    عاش الزرقاوي طفولته في حي رمزي في الزرقاء، وهو من الأحياء الشعبية المكتظة. علي بعد عشرات الأمتار من ذلك الحي، كان الزرقاوي يلهو مع أقرانه في المقبرة الواقعة في حي معصوم، الذي يعتبر من أقدم الأحياء الشعبية في مدينة الزرقاء، التي ازدهرت نتيجة وجود أقدم معسكرات الجيش الأردني فيها، منذ بدايات تأسيس المملكة. أصبحت الزرقاء لاحقا مركز استقطاب سكاني، حتي لكثيرين ممن يعملون خارجها، لانخفاض كلف المعيشة فيها. اتسعت المدينة حتي أصبحت، ثالث أكبر مدن الأردن سكانا. غالبيتهم من الموظفين والصناع، بعد أن كانت موطنا للبدو الذين يعمل أبناؤهم في صفوف الجيش. ولأن مدينة الزرقاء اتسمت بدايات بنائها وتوسعها بالعشوائية، كانت تفتقر للخدمات العامة، فلم يكن أمام الصبية بد من اتخاذ المقبرة ـ في بدايات نشأتها ـ مكانا للهو واللعب، لافتقار المدينة إلي المتنزهات، وأماكن اللهو واللعب. والمقبرة، كونها مشاعا لجميع الصبية في تلك المدينة الصغيرة حينذاك، كان يرتادها الأشرار والطيبون، فعايش الزرقاوي منذ بواكير وعيه، الخير والشر في آن معا، وتعايش مع التناقضات، علاوة علي ما يتركه قضاء الوقت الطويل بين القبور من تصالح مع التناقض بين فكرتي الموت والحياة. في تلك المقبرة نسج الزرقاوي أهم صداقاته.
    درس الزرقاوي حتي الصف الثاني الثانوي وحصل علي معدل (87 %) في نهاية العام الدراسي، لكنه لم يكمل الثانوية العامة. وعمل لمدة قصيرة لا تتعدي شهرا واحدا في بلدية الزرقاء/قسم الصيانة، لكنه ترك العمل بناء علي طلب والده.
    عرف عن أبو مصعب في تلك الفترة أنه من قبضايات الحي لا يجرؤ أحد علي التعدي علي أي من أصدقائه أو أقاربه، كانت نفسه أبية لا تقبل الظلم، صاحب نخوة يلبي طلب أصدقائه ويدافع عنهم، كانت نفسه وثابة تبحث عن شيء يطفيء عطشه للرجولة، وفعل شيء نافع.
    بعد أن اشتد عوده في مدينة الزرقاء التي لا يكاد يخلو شارع من شوارعها من مسجد، وغادر سن المراهقة، أصبح مسجد عبد الله بن عباس المجاور لبيته، بيته الثاني. في هذا المسجد بدأ الزرقاوي نسج صداقات جديدة، الأصدقاء الجدد جلهم ينتمي إلي جماعات إسلامية مختلفة، لكن كل تلك الجماعات علي اختلاف اجتهاداتها، تُجمع علي تحريض الشباب علي الجهاد، فأخذت أفكار الجهاد والاستشهاد تتنامي عنده، بعد أن أصبح رواد المسجد، هم الأصدقاء الأكثر قربا، مغادرا كل تفاصيل الطفولة والصبا التي بناها في المقبرة، دون أن يغادر علاقاته التي بناها فيها أيام الصبا.
    __________________

    هجرته الأولي إلي أفغانستان

    الجهاد ضد الشيوعيين المحتلين لأفغانستان، كان الطريق المتاح في الأردن ـ مثل معظم الدول العربية حينذاك ـ لعشاق الجهاد والاستشهاد، مع أن فلسطين، كانت الأقرب للأردنيين عامة والزرقاوي خاصة، جغرافيا ووجدانيا، بحكم التركيبة الديموغرافية لسكان الأردن.
    في الرسالة التي وجهها الزرقاوي إلي أبناء عشيرته (بني حسن)، والتي يدعو فيها أبناء عمومته إلي العمل من أجل رفع راية الإسلام والانخراط في الجهاد ضد كل من يحول دون مقاتلة الإسرائيليين المحتلين لفلسطين، يعلن الزرقاوي أن جذور عشيرته تعود إلي القدس:
    يا قوم عودوا لدينكم فهو مجدكم وعزكم ومجد آبائكم وأجدادكم الذين نالوا شرف الانضواء تحت لواء صلاح الدين الأيوبي في حطين وشرف المشاركة في تحرير القدس مع قبائل أخري، فأقطع صلاح الدين للقبائل التي شاركت معه أراضي حول القدس من أجل حمايتها من الصليبيين وقال: هذا مسري جدكم فحافظوا عليه (يقصد النبي صلي الله عليه وسلم)، وكانت حصة بني حسن في الجزء الجنوبي الغربي من القدس حيث عاشوا وتكاثروا في قري الولجة وعين كارم والمالحة وغيرها...
    يا قوم... أجدادنا يومها حافظوا علي تلك الأراضي وحموا القدس الشريف ، فعاشوا عزة الإسلام وقوته، أباة مخلصين .
    لكن الزرقاوي شد الرحال كغيره من الشباب الأردني الإسلامي المتحمس إلي أفغانستان، أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، حيث عبد الله عزام وأسامة بن لادن. بعد أن استمع إلي محاضرة ألقاها عبد الرسول سياف في الأردن، هذه المحاضرة كانت النقطة الفاصلة لديه في اتخاذ قرار الالتحاق بالمجاهدين في أفغانستان.
    عبد الله عزام كان من أوائل العرب الذين توجهوا إلي أفغانستان، لمشاركة المجاهدين الأفغان قتال جيوش الاتحاد السوفييتي الداعم لحكم الشيوعيين هناك، أقنعه بن لادن بالانضمام إلي المجاهدين في أفغانستان، بدل الدراسة في إحدي الجامعات السعودية، وكان يُنظر إليه في أوساط المجاهدين الأفغان علي أنه قائد وملهم كل المتطوعين العرب والمسلمين. يعتبر عبد الله عزام إلي جانب بن لادن، مؤسس ظاهرة الأفغان العرب، التي ما لبثت أن انتشرت في البلدان العربية بعد خروج جيوش الاتحاد السوفييتي من أفغانستان، وتوجه إليها أصابع الاتهام بأنها وراء الكثير من تصاعد المصادمات المسلحة مع الأنظمة العربية الحاكمة. وعبد الله عزام من القيادات التاريخية الأساسية لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وكانت ولا تزال تلك الجماعة تعيش حالة وفاق مع نظام الحكم منذ نشأتها، رغم حالات المد والجزر التي تعتري تلك العلاقة بين الفينة والأخري.
    كانت الأنظمة العربية الحاكمة ـ التي يرتبط معظمها بشكل أو بأخر بعجلة السياسة الأمريكية ـ تشجع توجهات الشباب الالتحاق بالمجاهدين في أفغانستان، حيث كانت الحرب الباردة علي أشدها بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، فكان المتطوعون يغادرون الأردن إلي أفغانستان جهارا نهارا، وتجمع أموال التبرعات بشكل علني من المساجد والأماكن العامة لتمويل سفر الأعداد الكبيرة من الشبان إلي أفغانستان. في الوقت الذي كانت الأموال الخليجية والسعودية تحديدا، تتدفق علي المجاهدين الأفغان استجابة لمطالب واشنطن الحريصة علي إلحاق الهزيمة بخصمها اللدود ـ موسكو. في تلك الفترة، كان أئمة المساجد في الضفة الغربية وقطاع غزة، ممن ينتمون إلي المدرسة الفكرية القريبة من الإخوان المسلمين، يكفرون من يقومون بعمليات فدائية ويفجرون أنفسهم بأحزمة ناسفة في المناطق الفلسطينية المحتلة، فلم يكن بد أمام الزرقاوي الباحث عن فرصة للجهاد من التوجه إلي أفغانستان، للالتحاق بعبد الله عزام، أواخر الثمانينيات من القرن الماضي.
    تلقي الزرقاوي تدريبه العسكري، ونمت ثقافته الدينية والسياسية في ظل القتال المحتدم بين المجاهدين من عرب وأفغان مع جيوش الاحتلال السوفييتي. شارك في فتح خوست عام 1991م وشهد دخول المجاهدين إلي كابل، قاتل علي أسخن الجبهات وتحديدا مع جلال الدين حقاني وقلب الدين حكمت يار، وهما الزعيمان الأفغانيان المطلوبان اليوم علي القوائم الأمريكية إلي جوار أبو مصعب الزرقاوي.

    محطة افغانستان

    في أفغانستان تشكل الضلع الثاني من شخصية الزرقاوي، وكان هذا الضلع هو الأساس في تشكيل نمطه الفكري، النصف الأول من هذا الضلع شكله وأسسه فكر عبد الله عزام، وأكمله لاحقا، عصام البرقاوي المعروف باسم أبو محمد المقدسي الذي التقي معه عام 1989في بيشاور بالباكستان.
    قتال الزرقاوي ضمن جبهات الأفغان جاء أقرب إلي خط عبد الله عزام ـ الذي عُرف بشيخ المجاهدين العرب، وقد تأثر به كثيرا؛ كان يقرأ كتاباته، يستمع إلي محاضراته، يردد أقواله كثيرا.
    بعد انسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان، واشتعال القتال بين الفصائل الأفغانية، لم يعد للمجاهدين العرب عدو يقاتلونه، مما قد يكون أسهم في تبخر أحلامهم الجهادية بأفغانستان، فما كان أمام المجاهدين العرب القادرين علي العودة إلي بلدانهم، دون التعرض لمخاطر أمنية إلا العودة، والبحث عن عدو جديد، ويبدو أن هذا ما دفع الزرقاوي للعودة إلي الأردن، لتأسيس تنظيم، يجسد رؤياه. فاتفق مع المقدسي ـ فلسطيني المولد، القادم من الكويت، حيث كان أهله يقيمون ـ علي ذلك منتصف عام 1993، بهدف تعبئة الشباب بالفكر الذي يؤمنون به، كمرحلة أولي نحو تجميع السلاح والقنابل، للتدريب أولا، والقيام بعمليات عسكرية ضد إسرائيل ثانيا.
    بدأ أبو محمد المقدسي المنظر الأساس لهذا التنظيم ـ الذي أطلقوا عليه تسمية جماعة التوحيد ـ بإلقاء الدروس والمحاضرات في المساجد وأماكن تجمع الشبان، بهدف ضمهم إلي مجموعتهم الجديدة. وجلهم بما فيهم المقدسي والزرقاوي كانوا عديمي الخبرة التنظيمية، فوقعوا بشراك الأجهزة الأمنية الأردنية بعد وقت قصير من بدء العمل، فزج بهما مع بقية أفراد التنظيم بالسجن في 29 آذار (مارس) عام 1994، وقدموا للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة، بقضية أطلقت عليها السلطات الرسمية الأردنية اسم بيعة الإمام.
    __________________

    بيعة الإمام

    كان تأسيس جماعة التوحيد مع المقدسي الذي قاده إلي سجن دام خمس سنوات الخطوة العملية الأولي في رحلة الزرقاوي اللاحقة، وكان السجن المحطة الأهم في تكوين شخصيته.
    لم يكن لرحلة الزرقاوي الأولي إلي أفغانستان أهمية كبيرة في تكوين شخصيته، إذ لم يتسن له في تلك الفترة أن يكون أكثر من عنصر بين آلاف العناصر العربية التي توافدت إلي أفغانستان، في وقت بات القتال فيه بين المجاهدين وجيوش الاتحاد السوفييتي في نهاياته، فكان أن فقدت ساحات القتال ألقها، مما أفقد الجميع ـ بمن فيهم الزرقاوي ـ فرصة إظهار مهاراتهم وتمايزهم.
    كانت للسجن بصمات واضحة المعالم في شخصية الزرقاوي التي تبلورت لاحقا، وأصبحت شخصية حدية لا وجود للون الرمادي فيها، إذ اصبح رجال الشرطة بكل تخصصاتهم، والقضاة بكل مراتبهم ومواقعهم وكل أركان الحكم، في نظره، أعوانا للأنظمة الحاكمة، التي هي وفق قناعاته طواغيت، يجب محاربتهم.
    بعد انتهاء مرحلة التحقيق، رُحّل الزرقاوي إلي سجن سواقة الصحراوي الذي يقع علي بعد خمسة وثمانين كيلو مترا جنوب العاصمة عمان، بعد رحلة شملت عددا من السجون. ما لبث أن التحق به رفاقه المعتقلون علي ذمة القضية ذاتها، وأصبحوا كلهم معا في سجن واحد.
    كان سجن سواقة في تلك الفترة يضم أكثر من ستة آلاف معتقل، الجناح السادس كان أهم أقسام السجن، إذ كان يحتضن العديد من المعتقلين السياسيين من جميع ألوان الطيف الإسلامي، كل طيف خصصت له غرفة مستقلة في ذلك الجناح الواقع في أقصي الطرف الشرقي من السجن. إذ كان في أحد تلك الغرف عطا أبو الرشته مسؤول حزب التحرير في الأردن، وهو حاليا أمير الحزب علي مستوي العالم، ومعه عدد من قادة التنظيم، وجلهم جامعيون. وكان في الغرفة المقابلة لهم النائب الأردني الإسلامي المعارض المهندس ليث شبيلات، يشاركه الغرفة أعضاء تنظيم عرف باسم الأفغان العرب، مع أن أيا منهم لم يزر أفغانستان في حياته!! ومعهم أيضا؛ ثلاثة شبان من شمال الأردن، أعتقلوا بقضية عرفت باسم الغام عجلون، وثلاثتهم جامعيون، إضافة إلي الكثيرين المتهمين بتشكيل جماعات إسلامية مختلفة. في حين أن جماعة المقدسي والزرقاوي جلهم لم يكمل دراسته باستثناء المقدسي الذي أنهي تعليمه الجامعي بإحدي الجامعات السعودية متخصصا بالعلوم الشرعية، وأبو المنتصر الحاصل علي بكالوريوس الآداب.
    كان المقدسي أميرا لجماعة التوحيد (بيعة الإمام )، ذلك أن كل جماعة إسلامية سواء أكانت داخل السجن أم خارجه، لا بد لها من أن تؤمر عليها أميرا، تكون له كلمة الفصل في كل مناحي الحياة، كلامه ملزم للجميع، فهو مزود بنص ديني أن علي الجميع طاعته، ومخالفته معصية.
    لم يكن المقدسي رجلا عاديا، فهو صاحب نظريات يُعتد بها، يعتبر من المنظرين الأساسيين في العالم العربي والإسلامي للمنهج السلفي الأصولي، له العشرات من الكتب والمؤلفات في هذا الجانب، من أشهرها كتابه (ملة إبراهيم ودعوة الأنبياء والمرسلين )، وهو مكرس لفكرة التوحيد لله وحده، مكفرا كل من يحكم بغير الشريعة الإسلامية ويتخذ من القوانين الوضعية دستورا للحكم، وهذه الفكرة المبنية علي فهم محدد للتوحيد يتجاوز أداء العبادات إلي ممارسات حياتية يومية، والتشريع منها بشكل خاص، هي الركن الأساس في فكر الجماعات السلفية التي تتكئ عليها في تكفير كل الأنظمة العربية والإسلامية الحاكمة، علاوة علي تكفير كل ركائز هذه الأنظمة من مؤسسات وأجهزة بما فيها المجالس النيابية. والكتاب الثاني ذو الأهمية القصوي للمقدسي، هو في تكفير آل سعود حكام العربية السعودية (الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية)، وكان لهذا الكتاب أهمية قصوي في زرع بذور العنف الذي تشهده السعودية حاليا، إذ اعترف من قاموا بتفجيرات الخبر والرياض منتصف التسعينيات من القرن الماضي، أنهم تأثروا بمؤلفات المقدسي، بل أن أحد المتهمين وهو عبد العزيز المعثم، اعترف قبل إعدامه بالسعودية، أنه التقي المقدسي في الأردن وأخذ منه مؤلفاته، وخاصة مؤلفه المتعلق بآل سعود، وعمل علي نشره بالجزيرة العربية والخليج، وقناعة بما جاء به قام بتنفيذ تلك التفجيرات. ورغم محاولات إلصاق المقدسي بهذه العمليات، إلا أنه نفي بشدة في أجوبة خطية ردا علي أسئلة طرحناها عليه أن يكون قام بأكثر من البحث والتأليف والاجتهاد.
    إذا كان ذاك حال من قرأ كتب المقدسي وتأثر بها، فكيف سيكون مآل أبو مصعب الذي أسس معه تنظيما وقضي معه في السجن سنين عدة.
    عاش الزرقاوي الفترة الأولي من سجنه في كنف المقدسي، يتتلمذ علي كتبه وأفكاره، مستكملا ما رسخ في قناعاته من عبد الله عزام، مستمعا للحوارات التي كانت تجري بين المقدسي وبقية قادة الفكر الإسلامي في الأردن، المعتقلين معهم بذات السجن، في تلك الأثناء كان الزرقاوي يعمل علي تطوير ثقافته بالعلوم الشرعية، فحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب.
    هذا التشدد الذي كان يمثله المقدسي، لم يكن كافيا بنظر الزرقاوي، فاستطاع بشخصيته الكارزمية التي يمتلكها، استقطاب أعضاء التنظيم في السجن ليسلموا له راية الإمارة، وبات هو الآمر الناهي للمجموعة داخل السجن، وأخذ يفرض آراءه علي كل أعضاء المجموعة بمن فيهم المقدسي. الذي انزوي جانبا، متفرغا للكتابة والتأليف. كان ذلك في صيف عام 1996.
    __________________

    هكذا التقيت بالزرقاوي

    في ذلك الصيف، قادتني مهنة المتاعب إلي سجن سواقة ـ حيث يوجد الزرقاوي ـ اثر مقالات صحافية كتبتها منتقدا السياسية الداخلية لرئيس الوزراء الأردني حينذاك عبد الكريم الكباريتي، خاصة لجهة الحريات العامة وسياسته الاقتصادية التي أدت إلي رفع سعر الخبز، وهو المادة الغذائية الأساسية لعامة الأردنيين، مما أدي إلي اندلاع احتجاجات عنيفة في مختلف أنحاء الأردن.
    كانت حملة الاعتقالات في ذلك الصيف واسعة، شملت معظم ألوان الطيف السياسي في الأردن؛ من الماركسيين في أقصي اليسار، إلي الإسلاميين في أقصي اليمين، وطوال اكثر من شهرين قضيتها بالسجن، قبل أن يفرج عني بتدخل ملكي، لم يلفت أبو مصعب نظري داخل السجن سوي مرات محدودة، خلاف معلمه وأبيه الروحي أبو محمد المقدسي الذي كان يحتل كامل المشهد.
    كان أول من استقبلني لدي وصولي سجن سواقة، النائب ليث شبيلات الذي تربطني به علاقة شخصية قوية، ومنذ اللحظة الأولي، نبهني إلي ضرورة تجنب زيارة غرفة الزرقاوي وجماعته، وقال لي: أنا نائب طروحاتي ومنطلقاتي إسلامية ولا يقبلونني، فكيف ستكون نظرتهم إليك وأنت لست إسلاميا، لكن حين أحس بفضولي الصحافي في التعرف إليهم، قال ناصحا: إذا كنت لا تريد الأخذ بنصيحتي، فكن حذرا في كلامك معهم، فان ضيفوك كوبا من الشاي، فهذا مدعاة اطمئنان، وإلا فأحسن الخروج من عندهم بسرعة كما أحسنت الدخول، زاد هذا الحديث من فضولي الصحافي، فتوجهت منذ اليوم الأول إلي غرفتهم، كان يجلس في صدرها أبو محمد المقدسي، والزرقاوي. بعد إلقاء التحية عليهما قدمت نفسي لهما قائلا: أنا صحافي متابع للقضايا السياسية، ولا أنتمي لأي من الجماعات الإسلامية، لكن لدي الرغبة في التعرف علي تفاصيل قضيتكم التي تابعتها عبر وسائل الإعلام، فهل أنتم علي استعداد لتحدثوني عنها بالتفصيل، وأعدكم بنشر روايتكم بوسائل الإعلام، رحبوا في أجمل ترحيب، ووضع الزرقاوي أمامي كوبا من الشاي، مما أثلج صدري، وأشعرني بالراحة والطمأنينة، ودامت الجلسة أكثر من ساعتين. كان النقاش خلالها محصورا مع المقدسي حول التطورات السياسية بالمنطقة، ولم يتدخل الزرقاوي بالنقاش إلا مرة واحدة، حين سألني عن المعاملة التي لقيتها أثناء فترة التحقيق قبل ترحيلي إلي سجن سواقة، بعد أن استمع أبو مصعب إلي اجابتي، حدثني بما جري معه خلال اعتقاله بزنزانة انفرادية علي مدي ثمانية أشهر ونصف الشهر، وقال أنه فقد أظافر قدميه نتيجة التقرحات التي أصابتهما جراء التعذيب الشديد. أدركت حينها أنه إذا ما تسني للزرقاوي الخروج من السجن فسيغادر الأردن فورا، بلا عودة!

    الزنزانة الانفرادية

    بعد أسبوع من وصولي إلي سجن سواقة، وضعت إدارة السجن الزرقاوي في زنزانة انفرادية، عقوبة له علي تلاسنه مع أحد الحراس، لكسر شوكته بين مجموعته، كونه أميرهم، حاول المقدسي ورفاقه مفاوضة إدارة السجن لاعادته إليهم، لكن انقضي أسبوع من المماطلة والتسويف، فقررت مجموعة الزرقاوي العصيان داخل السجن، وطلبوا منا نحن المعتقلين السياسيين أن نتضامن معهم، ففعلنا، فتأزم الموقف وازدادت حدة التوتر بين الإدارة من جهة، وبقية كامل المعتقلين من جهة ثانية، ولما وصلت الأمور إلي حافة الصدام، اقترح المعتقلون السياسيون أن أفاوض باسم الجميع إدارة السجن لاعادة الزرقاوي، وافق المقدسي علي المقترح، فأبلغت الضابط المناوب بضرورة التفاوض لإيجاد مخرج للازمة، قبل أن تتفاقم الأمور وتصل إلي ما لا يحمد عقباه، رافقني للتفاوض أبو المنتصر من مجموعة الزرقاوي، فالتقينا مع مدير السجن حينذاك إبراهيم خشاشنة، لكنه لم يبد مرونة، فتصاعد الموقف، وبلغ العصيان أوجه. أغلق المعتقلون كاميرات المراقبة، خلعوا الأسرة الحديدية وصنعوا منها أدوات حادة استعدادا للنزال، أغلقوا الأبواب الرئيسة للقسم مانعين رجال الأمن العام من الاقتراب للمكان، فعلم بالأمر مدير السجون الشريف أبو عصام، الذي وصل إلينا قرابة الفجر. تفاوضت معه نيابة عن المساجين لإخراج الزرقاوي من الزنزانة الانفرادية، فوافق علي أن يتم التنفيذ في اليوم التالي، حفظا لماء وجه مدير السجن. وحين عاد الزرقاوي في اليوم التالي إلي الجناح السادس، عاد لممارسة إمارته علي رفاقه، وعاد المقدسي الذي تولي الإمارة أثناء غياب الزرقاوي إلي البحث والتأليف.
    كان الزرقاوي داخل السجن إنسانا بسيطا، هادئا، كثير الصمت، إذا كلمته يتكلم، وإذا لم تكلمه لا يتكلم، يقضي أوقات فراغه بحفظ القرآن والقراءات الدينية الأخري، ويهتم كثيرا بالصلاة وقيام الليل وكل ما له علاقة بتغذية البعد الروحي، أما القراءات الأدبية أو السياسية أو أية قراءات بعيدة عن المواضيع الدينية، فلا مكان لها عنده، وبعيدا عن القراءة كان الزرقاوي يهتم بممارسة التمارين الرياضية، إذ كان شديد الحرص علي بنيته الجسدية، وفي فترات الصباح كان يقوم بزيارات للمعتقلين علي قضايا مدنية أو جنائية، كان يسعي لتمتين علاقاته الشخصية معهم، تمهيدا لدعوتهم إلي العودة لله والتوبة من ذنوبهم، مطبقا لأمر مهم من أمور العقيدة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) بهدف إقناعهم بأفكاره تمهيدا لضمهم إلي تنظيمه، وقد حقق نجاحا مذهلا في هذا الجانب. وبات معروفا علي نطاق واسع أن المئات من أصحاب السوابق الاجرامية في مدينتي الزرقاء والسلط في الأردن، باتوا الآن هو أكثر الشبان تشددا بدينهم، وكثيرون منهم قتلوا في معارك جرت بأفغانستان والعراق.
    كان الزرقاوي داخل السجن يتعامل بشخصيتين، الأولي تلك التي يتعامل بها مع جماعته؛ كان لهم بمثابة الأب الحاني الكريم الودود اللطيف، يحرم نفسه من النقود القليلة التي هو بأمس الحاجة إليها، ويعطيها لأي من رفاقه يشعر أنه بحاجة إليها أكثر منه، يخلع ثيابه ويهديها لأي من رفاقه، إذا ما أحس أن أحدهم أبدي إعجابه بها. وفي ذات الوقت أوامره نافذة علي مجموعته دون نقاش، ويصل الأمر أحيانا إلي إنزال العقاب في أي شخص من أعضاء مجموعته إذا ما خالف الأوامر أو خرج عن رأي الجماعة. فالزرقاوي يتمتع بصفات قيادية أهلته لاحقا لبناء شبكة هي الأقوي في منطقة الشرق الأوسط.
    الشخصية الأخري للزرقاوي، تلك التي يتعامل بها مع الجهات الرسمية داخل السجن، فهو جدي في غاية الجلافة، مهيب الجانب، يحصر التعامل معهم في أضيق الحدود الرسمية، لا يسمح لادارة السجن أن تتعامل مع أحد من مجموعته إلا من خلاله. مع أنه كان يميل إلي الانطواء والعزلة لدرجة أنه كان يلقب بالغريب، وهو اللقب الذي سجل اسمه به عند تطوعه للقتال مع المجاهدين في أفغانستان، كان يحب هذا اللقب ويحب أن يناديه الآخرون به، ويوقع به رسائله وبطاقاته لذويه
    علاقته بوالدته

    كان لوالدته الأثر الكبير في استكمال الضلع الأول (نشأته)، وهو الضلع الأساس في تشكيل شخصيته، التي أثرت كثيرا في تنشئته، فقد ربته تربية محافظة في ظل ظروف اقتصادية غير مريحة لأسرة كبيرة تضم ثلاثة أولاد وسبع بنات.
    كان الزرقاوي في السجن، يترقب بشوق زيارات والدته اليه لحظة بلحظة، فلم يكن العالم المحيط به بالسجن من رفاق وامارة، كافيا لاشباع الجانب العاطفي من شخصيته، فكان اليوم المقرر لزيارة والدته اليه، يوما استثنائيا، اذ كان يلبس أفضل ما لديه لملاقاتها، وحين يسأله زملاؤه عن تأنقه غير المعتاد واهتمامه البالغ بهندامه، يقول: انها أمي.
    هذه الأم كانت تحظي بمكانة كبيرة في ذاكرته ووجدانه، كتب اليها أرق وأعذب البطاقات التي كان يرسلها في المناسبات والأعياد الدينية، لكن جنوح مشاعره تجاهها لم يكن حائلا دون الالحاح عليها ضرورة الالتزام الصارم بالسلوك الديني القويم _ من وجهة نظره. وشوقه الي ملاقاتها الذي لا حدود له، دون أن يتمكن من تحقيقه بسبب ظروف اعتقاله، كان يستعيض عنه بالتمني بملاقاتها بالجنة في الدار الآخرة.
    حبيبتي الغالية ان سألت عني فاني والحمد لله بخير ولا ينقصني سوي رؤية وجهك الطاهر ويعلم الله ما أحنُّ لشيء في هذه الدنيا أكثر مما أحن اليك يا ست الحبايب ولو بقيت العمر عند قدميك ما أوفيتك شيئا من حقك .
    ولم تكن رسائل الزرقاوي وبطاقاته الي والدته، تعكس مشاعره تجاهها فحسب، بل كانت تعكس أيضا قناعاته الدينية، فرغم السن المتقدمة التي بلغتها والدته، مع ذلك كان يذكرها بضرورة عدم مجالسة الرجال والسلام عليهم، حبا بها، لتدخل الجنة، ويلقاها هناك:
    فكم كنت أتمني أن أكون عندك في رمضان لأدخل السرور علي قلبك وأعوضك ما فات من سنين سجني ولكن قضاء الله نافذ لا محالة والحمد لله علي نعمه الظاهرة والباطنة وهذا يا أمي دين الله غالي يحتاج الي بذل الغالي والرخيص فأصبري يا حنونة فان لم نجتمع في الدنيا فالملتقي عند الله الكريم الجواد الرحيم ولكن احرصي يا حنونتي أن تطيعي الله في كل شيء وأكثري من فعل الخيرات في رمضان واياك ومجالسة الرجال ومصافحتهم فهذا رجائي عندك لأنني يا أمي لا أحب لك الا طاعة الله والبعد عن سخطه .
    لم يكتف الزرقاوي برسائله وبطاقاته التي كان يرسلها من سجنه الي والدته وذويه، بما تتدفق به قريحته من أشعار وخواطر، بل كانت شدة الشوق والوجد اليهم تحيله فنانا يرسم من الكلمات لوحات فنية، تارة بالتفنن بالتخطيط، وتارة أخري بالرسومات المعبرة عما يجول في خاطره، بما تدلل عن عمق ارتباطه الأسري بوالدته وبقية أفراد عائلته. وحين غادر الي الباكستان بعد خروجه من السجن أرسل وراء والدته وزوجته للحاق به هناك، بيد أن والدته مكثت عنده بعض الوقت وعادت الي الأردن.
    الزرقاوي متزوج من سيدتين له من الأولي أربعة أطفال أكبرهم الطفلة آمنة وعمرها (14) سنة، روضة وعمرها (11) سنوات، محمد وهو الولد الذكر وعمره (9) سنوات، والصغير مصعب وعمره (7) سنوات.
    الضلع الثالث لشخصية الزرقاوي له بعد تاريخي، فلا يمكن فهم شخصية الزرقاوي ومحاولة استشراف مستقبل تنظيمه والخطوات التي يمكن أن يقدم عليها ما لم ندرس شخصية نور الدين زنكي. الذي يستحوذ علي اعجاب الزرقاوي بشكل كبير.
    فأينما حل الزرقاوي أو ارتحل يبحث عن الكتب التي تتحدث عن نور الدين، وأفضل الهدايا التي كان يتلقاها ممن عرفوه كانت كتب التاريخ التي تفصل الحديث عن جهاد وفتوحات نور الدين زنكي ضد الصليبيين.
    من هنا يمكننا الاجابة علي السؤال المهم: لماذا اختار الزرقاوي دون قادة القاعدة العراق مستقرا له بعد احتلال الجيوش الأمريكية لأفغانستان؟ هل يريد أن ينطلق من الموصل لتحرير العراق وتوحيد بلاد الشام وشمال العراق مع مصر تمهيدا لتحرير بيت المقدس؟ وهل يمكننا أن نأخذ ببعض النظريات التي تذهب الي حد القول أن صناع التاريخ يتقمصون شخصية بطلهم ويسيرون علي خطاه لاعادة كتابة التاريخ؟
    من خلال قراءة سيرة نور الدين زنكي أمكننا فهم سبب اعتماد الزرقاوي في بداياته علي عناصر من شمال سورية (حلب، حماة، اللاذقية)، ومن هنا يمكننا فهم اتخاذه شمال العراق ومنطقة الجزيرة علي ضفاف الفرات قاعدة أولي له لمنازلة قوات الاحتلال الأمريكي في العراق.

    أدبيات الزرقاوي السياسية في السجن

    الكلمات العذبة، والرقة البالغة التي نلمسها في مراسلات الزرقاوي الي والدته وذويه، كان النقيض لها في مرافعته التي قدمها أمام محكمة أمن الدولة في الأردن، أثناء النظر بالقضية المتهم بها (الانتساب الي جماعة بيعة الامام). هذه المرافعة التي جري العرف أن تكون دفاعية تفند ما وُجه اليه من تهم، كانت لائحة اتهام ضد القضاة ونظام الحكم السياسي الذي يتبعون اليه، تهمتهم أنهم يحكمون بالقوانين والدساتير الوضعية، وليس بما تمليه الشريعة الاسلامية، وما أنزل به الله:

    أيها القاضي بغير ما أنزل الله:

    اذا عرفت هذا، وظهر لك أن الكفر البواح والشرك الصراح اتخاذ غير الله مشرعا ـ سواء كان هذا المشرع عالما أو حاكما أو نائبا أو شيخ عشيرة ـ وعلمتم أن الله قد حكم علي الشرك في كتابه، فقال: ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .

    ثم علمتم أن المادة 26 من دستوركم الوضعي تنص علي:

    أـ السلطة التشريعية تناط بالملك وأعضاء مجلس الأمة.
    ب ـ تمارس السلطة التشريعية وغيرها صلاحياتها ومهامها وفقا لمواد الدستور.
    عرفتم أن كل من قبل بهذا الدين المحدث والكفر البواح المناقض لدين الله تعالي وتوحيده، أنه قد اتخذ هؤلاء المشرعين أربابا من دون الله تعالي، يشركهم مع الله في عبادته .
    خرج الزرقاوي من السجن في شهر آذار (مارس) عام 1999 نتيجة عفو ملكي عام أصدره العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بمناسبة توليه الحكم، بعد وفاة والده الملك حسين، في محاولة لتبييض السجون، مزيحا عن كاهله ارث والده السياسي، من خصوم ومريدين، لكن يبدو أن الزرقاوي قد عُرض عليه خياران لا ثالث لهما، أما مغادرة الأردن ليريح ويستريح، واما العودة الي السجن ثانية. قرر الزرقاوي الذي كان تواقا للحرية، مغادرة الأردن بعد ستة أشهر من الافراج عنه، خلاف معلمه أبو محمد المقدسي الذي كان يعتبر دوره محصورا بالمجال الدعوي والتنظيري، في حين كان الزرقاوي يري أنه خُلق للعمل الميداني.
    الأفكار التي تشربها الزرقاوي خلال فترة الاعتقال، حملها معه حين غادر السجن.
    __________________

    محاولة السفر للشيشان

    توجه الزرقاوي فور مغادرته الأردن الي باكستان، محطة مؤقتة، للسفر الي الشيشان التي كان يري أنها اكثر حاجة من غيرها للمجاهدين العرب، خاصة وأن الساحة الأفغانية كانت حينذاك ملتهبة بمعارك داخلية طاحنة بين حلفاء الأمس. رغب الزرقاوي أن ينأي بنفسه عن تلك الصراعات الداخلية، لكن السلطات الباكستانية اعتقلته بسبب انتهاء مدة الاقامة الممنوحة له، قبل أن يكمل ترتيب اجراءات سفره الي الشيشان، وبعد اعتقال دام ثمانية أيام في مدينة بيشاور، قررت السلطات الباكستانية ابعاده، فلم يكن في تفكيره قط العودة الي الأردن، مما اضطره لاختيار أفغانستان مكرها.
    رحبت القاعدة بعودة الزرقاوي اليها، بيد أن أبو مصعب لم يكن علي توافق تام مع بن لادن، وهذا حال دون انخراطه مجددا في تنظيم القاعدة، فما كان من الزرقاوي الا الاعتذار عن مواصلة مشواره مع القاعدة. لكنه اتفق معها علي التدريب في معسكراتها، لحين الاتفاق علي ترتيبات جديدة.
    محمد مكاوي المعروف باسم سيف العدل، وهو الرجل الثالث في تنظيم القاعدة، عرض علي الزرقاوي مساعدته بكل ما يحتاج اليه، اذا ما قرر البدء بعمل جديد، بعد أن اتفق مع بن لادن علي ضرورة استيعاب الحالات التي لا تتفق مع القاعدة بشكل كامل، مثل حالة الزرقاوي، كما سيأتي تفصيله لاحقا. لاقي هذا العرض هوي في نفس الزرقاوي الذي قرر بناء معسكر خاص به في مدينة هيرات الواقعة غرب أفغانستان علي الحدود الايرانية، وبدأ مرحلة جديدة من مسيرته في أواخر عام 1999. حيث بدأ اتباعه الذين يعرفون باسم جند الشام في التوافد اليه في نهاية ذلك العام، الي معسكر هيرات، حيث تلقي دعما كاملا من تنظيم القاعدة وحركة طالبان.
    استقلال الزرقاوي عن تنظيم القاعدة تكرس بشكل كامل قبل الحرب الأمريكية علي أفغانستان فلم يكن راضيا تماما عن أسلوب عملها، حيث كان يأخذ عليها عدم قسوتها في ضرب أعدائها، وأن العمليات ينبغي أن تكون أكثر دموية وايلاما، فأي نذير يوحي أبو مصعب بقدومه لأعدائه. لكن هذا الخلاف لم يؤد الي قطع صلات الود مع قادة القاعدة.
    كان الساعد الأيمن للزرقاوي في بناء معسكره الخاصة في هيرات، عبد الهادي دغلس وخالد العاروري (أبو القسام)، وكانا من رفاقه المخلصين في السجن وقبله، ولم يمكث العاروري طويلا في الاعتقال، بسبب عجز السلطات الأمنية في الأردن عن توفير الأدلة المادية اللازمة لادانته أمام المحاكم، وكان العاروري الشخص الوحيد الذي غادر الأردن برفقة الزرقاوي الي باكستان، استمر هذان الشخصان في اخلاصهما للزرقاوي أثناء تأسيس شبكته الخاصة، حيث عملا علي استقطاب المتطوعين العرب الباحثين عن الجهاد في أفغانستان الي هذه الشبكة وخاصة الأردنيين منهم والفلسطينيين.
    لم يكن التغيير في رحلة الزرقاوي الثانية الي أفغانستان مقتصرا علي العامل الذاتي، المتعلق بتأسيس شبكته الخاصة فحسب، بل كان التغيير أيضا متعلقا بالعامل الموضوعي، فقد ذهب الي أفغانستان في المرة الأولي لمقاتلة السوفييت الذين يحتلون أرض المسلمين، لكن في المرة الثانية قصد أفغانستان، بعد أن حل الأمريكيون في موقع العداء والخصومة، محل السوفييت الذين اندثرت امبراطوريتهم، بسبب عوامل كثيرة، كان الغوص في الوحل الأفغاني من أهم أسبابها. لكن بعد الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) الضربة الأكبر في تاريخ الصراع والتحول في المنطقة، والتي غيرت كل شيء، اصبح ثمة مفهوم جديد للصراع.
    لقد طورت الولايات المتحدة استراتيجيتها من سياسة الاحتواء والردع الي سياسة الضربة الاستباقية، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وسيطرة المحافظين الجدد علي البيت الأبيض. التنظيمات السلفية الجهادية وعلي رأسها القاعدة، هي الأخري كانت قد حزمت أمرها بشكل أبكر من النقاشات التي كانت تدور في واشنطن، فقد انتهجت هذه التيارات وأعلنت وأظهرت بأنها سوف تعمد الي أسلوب الحرب الاستباقية، أي الحرب الهجومية، بشكل ظاهر قبل واشنطن بوقت طويل، فبدأت بتفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام، وأتبعت ذلك بمهاجمة المدمرة الأمريكية يو أس أس كول في اليمن، وتوجتها بهجمات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر). فالسلفية الجهادية والادارة الأمريكية كلاهما يتبني الاستراتيجية ذاتها وبالتالي كلاهما يشترك في نفس النقطة.
    وقع الاجتياح الأمريكي لأفغانستان أواخر عام ألفين وواحد، بهدف القضاء علي حكم طالبان عامة بزعامة الملا عمر، وتنظيم القاعدة خاصة، بقيادة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، ولم يلتفت أحد ـ حينذاك ـ الي الزرقاوي كقائد خطر يشكل تهديداً. في تشرين الثاني (نوفمبر) 2001 غادر الزرقاوي ومجموعته معسكر هيرات، بعد حصارهم من قبل الأفغان الموالين لقوات التحالف، القادمة من مناطق الحدود المتاخمة لايران. توجه الزرقاوي الي قندهار علي رأس قافلة سيارة ضخمة، تحمل عائلات مقاتليه من نساء وأطفال، علاوة علي الأفغان ممن كانوا ضمن شبكته، كانت الرحلة محفوفة بالمخاطر والصعاب في ظل اشتداد القصف الجوي، وتقدم المعارضة الأفغانية المتحالفة مع أمريكا، مما زاد صعوبات الحركة والانتقال حيث استغرقت الرحلة ثلاثة أيام.
    شارك الزرقاوي ومجموعته الي جانب طالبان والقاعدة في المعارك العنيفة التي دارت في قندهار وتورا بورا، حيث أصيب الزرقاوي في معارك قندهار بكسر في أحد أضلاعه اليسري، جراء سقوط أجزاء من بناء كان بداخله، تعرض لقصف جوي، ولم يصب الزرقاوي في رجله ولم يفقدها، خلاف ما يشاع علي نطاق واسع.
    رغم شدة المعارك في تورا بورا، استطاع الزرقاوي الانسحاب مع مجموعته سالما من القصف الأمريكي والطوق الذي فرض علي المنطقة، ويري اتباعه في ذلك دلالة علي حنكته العسكرية.
    مغادرة أفغانستان كان الخيار الوحيد المتاح أمام الزرقاوي بعد سقوط قندهار وقصف تورا بورا، اذ بات واضحا أن عهد طالبان قد انتهي. عمل الزرقاوي قبل مغادرة أفغانستان، علي تأمين سلامة زوجات وأبناء رفاقه، فتأكد من اخراجهم الي الباكستان قبل مغادرتهم النهائية لأفغانستان.

    في طهران

    لم يكن أمام الزرقاوي خيارات متعددة، فباكستان كان اعتقل بها، وتم ابعاده منها بسبب مخالفته قوانين الاقامة، علاوة علي أن تحالفها مع الولايات المتحدة في الحرب علي أفغانستان، يجعلها مكانا غير آمن، والأردن لا يمكنه العودة اليه بسبب حكم غيابي بالاعدام كان صدر بحقه، فقرر التوجه الي ايران.
    وضع الزرقاوي الترتيبات المناسبة لتسهيل نقل أفراد شبكته من أفغانستان الي ايران، عبر باكستان، فعين عبد الهادي دغلس قائدا لمجموعته، قبل توجهه منفردا الي ايران، حيث رتب اقامة قاعدة لوجستية في مدينة زاهدان الايرانية الواقعة قرب الحدود مع باكستان، بمساعدة ايرانيين من السنة، كان علي علاقة طيبة معهم حين كان له معسكر في هيرات، ثم أقام مركزا آخر في طهران، بمزرعة يملكها القائد الأفغاني حكمت يار، اتخذ منها مقرا للقيادة، وهناك عقد الزرقاوي مجلس شوري لقادة شبكته ابلغهم فيه أنه قرر التوجه الي العراق، لاعتقاده أنها ستكون ساحة المعركة المقبلة مع الأمريكيين. قرار الزرقاوي التوجه الي العراق، كان اتخذه بسرية مطلقة، فلم يكن أحد من أفراد مجموعته يعرفون وجهتهم حين غادروا الي باكستان، ومن ثم الي ايران.
    وزع الزرقاوي أفراد شبكته علي عدد من الفنادق المنتشرة في طهران، خاصة من يملكون وثائق سفر رسمية، ووضع في بيوت خاصة البعض الأخر من أعضاء شبكته، ممن لا يملكون وثائق اثبات الشخصية.
    عمل الزرقاوي في طهران بداية علي نقل عائلات أفراد شبكته جوا الي تركيا، تمهيدا لنقلهم لاحقا الي العراق، وطلب ممن يملكون وثائقهم الرسمية من مقاتليه التوجه جوا الي تركيا، ومن هناك الي العراق، في حين قام بترتيب نقل من لا يملكون وثائق سفر رسمية الي شمال العراق بشكل غير رسمي، وفي أثناء تنفيذ هذه الخطة، داهمت المخابرات الايرانية عددا من الفنادق التي يقيم بها أفراد مجموعته، وذلك عشية استعدادهم للسفر الي تركيا، حيث تم اعتقال قرابة ثلاثة وعشرين شخصا، وفي المقدمة منهم ساعده الأيمن خالد العاروري، مما حمل الزرقاوي الي سرعة التوجه مع من تبقي من أفراد شبكته الي شمال العراق. بعد أن اتفق الزرقاوي مع العراقي الكردي (وريا صالح) الملقب أبو عبد الله الشافعي، من قادة تنظيم أنصار الاسلام، علي تولي التدريب والدعم العسكري لشبكته لحين استكمال بنائها والاعتماد علي نفسها
    ___________
    كردستان

    أسس الزرقاوي في كردستان العراق قاعدتين لوجستيتين: الأولي في دارغايش خان، الثانية كانت في سرغات. نصب الفلسطيني عبد الهادي دغلس رفيق طفولته وصباه في مدينة الزرقاء، أميرا عليها، وكلفه مسؤولية تنسيق العلاقة بين شبكته وجماعة أنصار الاسلام الكردية، وقد قتل دغلس مع بداية الهجوم الأمريكي علي العراق في شهر آذار (مارس) عام 2003. وقــــــد رثاه الزرقاوي بنفسه في أول خطبة ألقاها من العراق، وكانت باســم الحق بالقافلة :
    فكم من الأحباب يا رب اصطفيتهم واتخذتهم من بيننا وحرمتنا من ذلك بذنوبنا اللهم فلا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم وألحقنا بهم.
    وان كنت أنسي.. فلا أنسي في هذا المقام اخواننا الشهداء ـ رحمهم الله ـ الذين كانوا معنا في السراء والضراء وصبروا معنا علي لأواء الطريق وعلي رأسهم الأخ الحبيب الغالي الشهيد الحي ـ نحسبه كذلك والله حسيبه ـ أبو عبيدة عبد الهادي دغلس فوالله ما رزئت بمصيبة ـ بعد أن هداني الله ـ بمثل فقد هذا الأخ، هذا الأخ الذي كنت استصغر نفسي أمامه لفرط شجاعته واقدامه وصبره وحسن خلقه.
    فعلي مثل عبد الهادي فلتــبـكِ العيون.
    فعلي مثل عبد الهادي فلتــبـكِ العيون.
    فكلما تذكرته تذكرت حديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي رواه أحمد وابن حيان، عن ابن مسعود أنه قال:
    عجب ربنا من رجلين... وذكر منهما رجل غزا في سبيل الله فانهزم أصحابه وعلم ما عليه في الانهزام، وماله في الرجوع، فرجع حتي يهرق دمه، فيقول الله لملائكته: انظروا الي عبدي رجع رجاء فيما عندي وشفقة مما عندي حتي يهرق دمه .
    فيوم أن اضطر المجاهدون الي أن يخلوا مواقعهم نتيجة القصف الشديد والمتواصل أبي أن يرجع، وتبايع علي الموت هو وثلة من اخوانه وانغمسوا في العدو نسأل الله أن يتقبلهم.
    ماتوا وغُـيّـب في التراب شخوصهم
    فالنســـر مسك والعظام رميم
    فوالله لقد كان جبلاً من الجبال، وأسداً من الأسود، وعابداً من العباد، وزاهداً من الزهاد، تري الصلاح في وجهه، مسعّـر حرب لو كان معه رجال، لا تأخذه في الله لومة لائم، شديدا ً علي أعداء الله، رحيماً وبراً باخوانه.
    رحمك الله يا عبد الهادي رحمة واسعة، لقد كنت ـ والله ـ الأخ الحبيب والصديق الشفيق، وكنت السمع والبصر.
    فوالله ان مكانك مازال شاغراً.. لا يستطيع أن يملأه أحد، وبفقدك فقدت عضواً من أعضائي.
    وان كنت أنسي فلن أنس ذلك اليوم الذي قلت لي فيه: اني لأدعو لك أكثر مما أدعو لوالدي.
    فأي خسارة بعد هذه الخسارة، وأي رزية بعد هذه الرزية، فقدتك في وقت كنت أحوج ما أكون اليك فيه.
    نسأل الله عز وجل أن يرفعك في عليين، وأن يلحقنا بك غير مفتونين شهداء صالحين مع النبيين والصديقين وحَسُن أولئك رفيقا، أنت واخوانك الذين لم أذكرهم لضيق المقام.
    لُيسق عهدكم عهد الســرور فما
    كنـــتم لأرواحــنا الا رياحينَ
    بعد أسر خالد العاروري في ايران، ومقتل عبد الهادي دغلس في شمال العراق، اتخذ الزرقاوي من منطقة الجزيرة غرب الأنبار مقرا رئيسا لتنظيمه. وأوكل الي طبيب الأسنان السوري سليمان خالد درويش المعروف بلقب أبو الغادية، مهام الاثنين،كما أوكل اليه مسؤولية تدريب اتباعه علي صناعة المتفجرات، بعد أن استقرت زوجته الثانية ـ وهي فلسطينية ـ وابنهما خالد في الأردن، حتي أصبح أبو الغادية من أهم عناصر شبكة الزرقاوي التي قررت الانتقام من أمريكا.
    اعتمد الزرقاوي في بناء شبكته علي أسس تختلف عن تلك التي اعتمد عليها بن لادن والظواهري، اللذان ركزا علي متطوعين من الجزيرة العربية ومصر بشكل كبير، وعلي تمويل يعتمد علي أموال متدفقة من الجزيرة العربية، في حين اعتمد الزرقاوي في بناء شبكته علي أهل بلاد الشام (الأردن، فلسطين وسورية)، ولاحقا علي العراقيين وبقية العرب، حتي بات أعضاؤها يسمون بجند الشام، وقد استثمر الزرقاوي شتات السوريين الموزعين في دول مختلفة من العالم، بصفتهم لاجئين سياسيين، جراء البطش الذي تعرضت له جماعة الاخوان المسلمين وبقية الجماعات الاسلامية في المدن السورية، مثل حلب وحماة، أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وباتوا علي ما يبدو يميلون الي الأفكار الأكثر تشددا وعنفا، بعد أن كانوا حركة دعوية، كرد فعل علي العنف الذي مورس ضدهم وفق ما هو معتقد، فالتحق قسم غير قليل من هؤلاء وأبنائهم بالمجاهدين في أفغانستان، محملين بمبالغ طائلة من الأموال، جمعوها أثناء عملهم في أوروبا والأمريكيتين وبقية بلدان العالم، فتلقفهم الزرقاوي واستقطبهم، من خلال مساعده السوري أبو الغادية، بعد أن وضع استراتيجية خاصة لادارة المعركة في العراق.
    العارفون بهيكلية شبكة الزرقاوي، يشكون في جدوي تخصيص جوائز مالية لاعتقال أميرها أبو مصعب، لأنه عمد وهو في هيرات الي بناء مجتمع اسلامي مصغر يحتضن شبكته، لحمايتها من الاختراق، فعلي سبيل المثال فقد أقدم علي الزواج من ابنة الشيخ ياسين الذي قاد سيارة اسعاف مفخخة، اغتال فيها الزعيم الشيعي باقر الحكيم، وزوج شقيقته الي خالد العاروري، وتزوج أبو الغادية من ابنة أبي محمد أحد مقاتلي الشبكة. وهكذا أصبحت علاقة المصاهرة تربط معظم القادة الرئيسيين بشبكة الزرقاوي مع بعضهم البعض.
    رغم تلك الأحداث الجسام التي مر بها الزرقاوي، الا أنه بقي شخصا بعيدا عن الأضواء، الي أن سلط الأردن الكشافات الساطعة عليه، حين اتهمه بالوقوف وراء اغتيال الدبلوماسي الأمريكي لورنس فولي، الذي وقع بالعاصمة الأردنية عمان، في الثامن والعشرين من شهر تشرين الأول (أكتوبر) عام 2002، وقد تبني عملية الاغتيال آنذاك، تنظيم أطلق علي نفسه اسم شرفاء الأردن، في بيان حمل رقم اثنين، وكان البيان رقم واحد، قد صدر عن هذا التنظيم في السادس من أب (أغسطس) عام ألفين وواحد، حين تبني مسؤولية اغتيال اسحاق سنير، الذي وصفه البيان بأنه عميل للموساد الاسرائيلي، كان يسكن في العاصمة الأردنية بجوار فولي حينذاك.
    لم يحظ الزرقاوي أيضاً باهتمام أحد قبل عامين من اغتيال فولي، حين أصدرت محكمة أمن الدولة في الأردن، حكما غيابيا بحقه مع أحد عشر شخصا أخرين، بالسجن خمسة عشر عاما، في أيلول (سبتمبر) عام 2000، بتهمة التخطيط لهجمات علي مواقع سياحية ودينية في الأردن، في مطلع الألفية الثالثة، تنفيذا لتعليمات تنظيم القاعدة وفق قرار الحكم.
    اتهام الزرقاوي بعلاقته في اغتيال الدبلوماسي الأمريكي فولي، كان له هذه المرة وقعه الخاص، فالقتيل أمريكي، ورئيس الحكومة الأردنية حينذاك علي أبو الراغب، أضفي علي هذه الحادثة بعدا دوليا، ليس لأن القتيل دبلوماسي أمريكي فحسب، بل لأن أبو الراغب، أطلق أول اشارة تربط العراق بالقاعدة، بترجيحه وجود الزرقاوي في شمال العراق، وأنه علي صلة بتنظيم أنصار الاسلام.
    لكن اللافت في مجريات المحاكمة، أن الدليل الذي قدمه الادعاء العام لاثبات علاقة الزرقاوي بالمجموعة المتهمة بتنفيذ العملية، اتصالات هاتفية قال أنها جرت بينهم عبر أحد مساعديه يدعي أبو الغادية، ودخول الزرقاوي الأردن في شهر أيلول (سبتمبر) من العام ذاته، أي قبل شهر واحد من الاغتيال، والتقائه بالمتهمين وفق لائحة الاتهام. فكيف دخل الزرقاوي للأردن وخرج منه وهو محكوم غيابيا بالسجن خمسة عشر عاما، دون أن تدري السلطات الأردنية؟!
    اهتمت الوكالات الأمنية الأمريكية بالتحقيقات الخاصة باغتيال فولي، حيث قامت الـ (i.b.f) بجمع الأدلة التي تدين مشاركة الزرقاوي بعملية الاغتيال، رغم أن هذه المشاركة الأمريكية مخالفة للقوانين الأردنية، مما دفع محامي الدفاع الي تسجيل اعتراضاته علي نتيجة التحقيقات المبنية علي تلك المشاركة.
    اهتمام الادارة الأمريكية بقضية اغتيال فولي، والسعي لتأكيد ربطها بالزرقاوي، تزامن مع سعي الولايات المتحدة الي تحشيد دول العالم والرأي العام العالمي، استعدادا لاجتياح العراق، بدعوي امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، ودعمه للارهاب العالمي.
    في السادس من نيسان (ابريل) عام 2004، أصدرت محكمة أمن الدولة في الأردن، الأحكام بحق المتهمين باغتيال لورانس فولي، بمن فيهم أبو مصعب الزرقاوي.
    بعد أسبوعين من اصدار هذا الحكم باعدام الزرقاوي، أعلنت السلطات الأردنية، أنها أحبطت مخططا أعده الزرقاوي للقيام بهجوم قالت أنه كيماوي، كان سيستهدف مقر المخابرات العامة، والسفارة الأمريكية، ومقر رئاسة الوزراء، وكان سيؤدي ـ وفق البيان الرسمي الحكومي ـ الي مقتل واصابة قرابة سبعين ألف شخص. قائد المجموعة المكلفة بهذا الهجوم عزمي الجيوسي، ألقت قوي الأمن الأردنية القبض عليه، مع عدد من أفراد مجموعته، حين داهمت منزله في أطراف مدينة اربد شمال الأردن، واعتقلت بقية أفراد المجموعة، وطاردت آخرين وحاصرتهم في منزل شرق العاصمة عمان، فقتلت أربعة منهم قيل أنهم رفضوا الاستسلام، واعتقلت البقية، نشرت السلطات الأردنية اعترافات منسوبة اليهم، قالوا فيها أن الزرقاوي خطط لهذه العملية ومولها، ودرب عناصرها علي صنع المتفجرات الكيماوية.
    هذا العمل العسكري، كان يدار بسرية مطلقة، فقد كان الجيوسي قد وصل الي الأردن قبل ستة أشهر من اعتقاله، الا أن اكتشاف أجهزة الأمن السورية أن مجموعة الزرقاوي تتخذ من سورية قاعدة لوجستية لعمل يعد له في الأردن، وابلاغ الأردن بالتفاصيل، أسهم في احباط الخطة. وأفقد الزرقاوي قاعدة لوجستية مهمة له في سورية.
    لكن بعد تسعة أيام من نشر السلطات الأردنية لهذه الاعترافات كانت المفاجأة، حيث أصدر تنظيم (شرفاء الأردن) الذي كان تبني المسؤولية عن اغتيال فولي في حينه، بيانه الثالث يجدد فيه تبنيه لعملية الاغتيال، وأرفق مع البيان الذي أرسله الي محامي الدفاع عن المتهمين بالاغتيال، مظروفي طلقتين للمسدس الذي استخدم بعمليتي اغتيال فولي، ومن قبله الاسرائيلي، نافيا أن يكون للمحكوم عليهم علاقة بهذه القضية.
    تهمة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل أُسندت لمفتشي الأمم المتحدة، لكنهم لم يعطوا الادارة الأمريكية ما سعت اليه، من تأكيدات امتلاك العـراق لها، كما أن تصريحات كولن باول وزير الخارجـية الأمريكية في الرابع من نيسان (ابريل) عام 2004، من أن الأدلة التي قدمها في كلمته بمجلس الأمن في الرابع من شباط (فبراير) عام 2003، لم تكن مؤكدة ليعتد بها، وأسهم علي ما يبدو في اغلاق هذا الملف، فواصلت واشنطن التركيز علي ما بدأته في مسألة علاقة العراق بالارهاب العالمي، وتحديدا مع تنظيم القاعدة، وقد تكون وجدت في الزرقاوي الشخص المناسب، لتتهمه بصلة الوصل بين نظام حكم صدام حسين العلماني، وتنظيم الــــقاعدة الأصولي، بعد أن قالت أن الزرقاوي تلقي العلاج في أحد مستشفيات العاصمة العراقية بغداد
    __________________
    _______

    العراق الاحتلال وتفجير سفارة

    فجر العشرين من آذار (مارس) 2003 بدأ الهجوم الأمريكي علي العراق، وكنت قد وصلت الي بغداد لتغطية هذه الحرب قبل ذلك بثلاثة أيام، وقد رتبت أموري وفريقي التلفزيوني، علي أن المعركة ستطول أشهراً عدة، وأكثر ما كان يقلق الصحافيين في بغداد استخدام أسلحة الدمار الشامل من قبل العراقيين، عندما يخسرون المعركة. هاجس الموت منها كان أكبر من هاجس الموت من القصف الأمريكي العنيف علي بغداد.
    السابع والثامن من نيسان (ابريل) عام 2003 كانا الأطول في أيام الحرب، فقد بات واضحا أن نظام الحكم في العراق قد انتهي، والكل بانتظار أن يستخدم ذلك النظام أخر طلقة في جعبته، لكن القوات الأمريكية دخلت بغداد في التاسع من نيسان (ابريل) عام 2003 دون مقاومة تذكر، حينها الكل أدرك أن لا وجود لأخر طلقة.. لا وجود لأسلحة دمار شامل، فقررت مغادرة بغداد مع جثامين زملائنا الصحافيين الذين قتلوا في مكتب الجزيرة وفندق فلسطين، وطوال قرابة ألف كيلو متر، وهي المسافة بين بغداد وعمان، وأنا مستغرق بالتفكير بحقيقة وجود صلة بين الزرقاوي ونظام صدام حسين، بعد أن رجحت مجريات الحرب أن لا وجود لأسلحة الدمار الشامل.
    بعد دخول القوات الأمريكية بغداد، لم تقدم الادارة الأمريكية أدلة تثبت امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل. كما أنها لم تفلح في اثبات علاقة النظام العراقي السابق بالارهاب الدولي عامة، وبالقاعدة خاصة. وهما التهمتان اللتان أعلنتهما واشنطن سببا لاحتلال العراق، واسقاط نظام حكمه، علاوة علي تبشيرها بنشر الديمقراطية واحترام حقوق الانسان.
    حين غادرت بغداد في التاسع من نيسان (ابريل)، كان الشعور السائد أن العراق سيرزح تحت احتلال طويل دون أية مقاومة، ذلك الشعور تولد نتيجة احتلال بغداد دون قتال، علاوة علي النقاشات التي كانت تدور أثناء الحرب مع بعض العراقيين من صحافيين وأكاديميين، كانت خلاصتها، أنهم يأملون أن تساعدهم الولايات المتحدة في اعادة بناء بلدهم التي أنهكها الحصار الطويل، لكن بعد شهرين من احتلال القوات الأمريكية للعراق، بدأت عمليات المقاومة العسكرية تستهدف هذا الوجود، ومرة أخري، حمّلت الادارة الأمريكية الزرقاوي مسؤولية هذه العمليات.
    شاهدت بأم عيني تدفق المتطوعين العرب الي العراق أثناء الحرب، لمقاتلة الأمريكيين، وزرتهم في مواقع تجمعاتهم، واستمعت الي شهاداتهم، سواء في المستشفيات بعد أصابتهم نتيجة القصف الأمريكي، أو بعد هروبهم من مناطق عراقية رفضت استقبالهم. لكن ذلك كان أثناء الحرب، ربما تكون الصورة اختلفت بعد ذلك. لكن لم يذكر أي من هؤلاء المتطوعين شيئا عن الزرقاوي حينذاك.
    في الثامن من آب (أغسطس) عام 2003 تعرضت السفارة الأردنية في بغداد لعملية تفجيرية، كما تعرض مقر الأمم المتحدة في بغداد، في التاسع عشر من الشهر ذاته لعملية مماثلة، أصابع الاتهام أشارت مرة أخري الي وقوف الزرقاوي وراء هاتين العمليتين. الا أن الزرقاوي تبني المسؤولية عن التفجير الثاني دون الأول، وعن عمليات أخري، وفق تسجيل صوتي له، صدر بعد ثمانية أشهر، من نسف مقر الأمم المتحدة:
    فقد أكرمنا اللهُ فقطفنا رؤوسهم، ومزَّقنا أجسادهم في مواطنَ عديدة، فالأمم المتحدة في بغداد وقوات التحالفِ في كَربلاء، والطِّليان في الناصرية، والقواتُ الأمريكية علي جسرِ الخالدية، والمخابراتُ الأمريكيةُ في فندقِ الشاهين، والقصرُ الجمهوريُ في بغداد، والسي آي ايه في فُندقِ الرشيد، والقوات البولنديةِ في الحلة، وقد أُحيطت هذه العمليةُ المباركة، بتكتيمٍ اعلاميٍ غيرِ مسبوقٍ في العراق وأظهرَ الاعلامُ الخبيث، أنَّ المتضررَ من هذه العملية هم الابرياءُ وحدهم، ولم يذكروا أن أربعاً من الطائراتِ المروحية، هبطت الي الموقعِ لنقلِ الجُـثثِ النجسة، من قواتِ التحالفِ الصليبي، وأن قتلاهم يزيد علي مئتين جندي، أخيرا وليس آخرا الموساد الاسرائيلي في فندق جبل لبنان، وغيرُها وغيرُها في قائمةٍ طويلة، مضتْ بعضُ فصولها،والقادِمُ أدهي وأمرُّ بعونِ الله.
    وَنحنُ نَتحدَّي الاِعلامَ الأمريكي الكاذب، بأن يُبينَ حقيقةَ الدَّمار، وحجمَ الخسائِر التي حلَّت بقواتِه، فَرامبُو هوليوود لا مكانَ له بَينَ أُسودِ الاِسلامِ وأبطاله، ولنَا معهم باِذنِ اللهِ صولاتٌ وَجَولات واذا كَانَ جُون أبي زيد قَد نجا هذِه المرَّةَ مِنْ سُيوفِنا، فَنَحنُ له ولبريمر وَلِجنرالاتِهم وَجُنودِهم وَأعوانِهم بالمِرصادِ، نتخطَّفُهم كالطيرِ، ونقطعُ عليهم كُلَّ طَريقٍ، ونُشرِّدُ بهم من خَلفَهم.
    بعد شهر من تفجير مقر الأمم المتحدة في بغداد، أعلنت وزارة المالية الأمريكية في 24 أيلول (سبتمبر) عام 2003، تجميد أموال ابو مصعب الزرقاوي، ضمن ستة أشخاص صنفتهم ارهابيين دوليين. وفي الشهر التالي أعلنت السلطات الأمريكية في العراق، تخصيص خمسة ملايين دولار، مكافأة لمن يدلي بمعلومات تؤدي الي الزرقاوي.
    لم يتوقف أمر اتهام الزرقاوي بالوقوف وراء العمليات التي تقع داخل العراق، بل تعداه الي أوروبا، حين وُجهت أصابع الاتهام الي الزرقاوي مجددا، في الوقوف وراء تفجيرات استنبول، في العشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2003.
    في الثاني من شباط (فبراير) عام 2004 تعرضت كربلاء والكاظمية الي عمليات تفجير ضخمة، كان من الصعب توجيه الاتهام الي الزرقاوي بالوقوف ورائهما دون دليل، نظرا لأهميتها وضخامتها، فكانت الرسالة التي كشفت السلطات الأمريكية عنها، وقالت أن الزرقاوي كتبها الي قادة القاعدة، وأنها ضبطتها علي قرص مدمج مع أحد أعوان أسامة بن لادن.
    السلطات الأمريكية في العراق كانت قد أعلنت قبل أسبوع من ذلك، أي في الرابع والعشرين من شهر كانون الثاني (يناير)، أنه تم اعتقال الباكستاني حسن جهل في العراق. وعليه تم الربط، بين هذا الاعتقال، وضبط الرسالة. لكن الجديد هنا في مضمون هذه الرسالة: أن الزرقاوي استكمل بناء شبكته الخاصة في العراق.
    تلك الرسالة ذات المصدر الأمريكي، اذا ما سلمنا بصحة نسبتها الي الزرقاوي، تثير تساؤلات كبيرة، فهل تتوافق مع ما يؤمن به الزرقاوي من فكر وقناعات، والي أي حد تعكس هذه القناعات، فكر مدرسته المذهبية التي باتت تسمي السلفية الجهادية، خاصة ما يتعلق منها، بنظرتهم الي الشيعة، وفي أي خانة يضعونهم، مع المسلمين أو مع غيرهم.
    بعد ثمانية أيام من تفجيرات كربلاء والكاظمية، أعلنت السلطات الأمريكية بالعراق، في الحادي عشر من ذات الشهر شباط (فبراير)، مضاعفة المكافأة المرصودة لمن يدلي بمعلومات عن الزرقاوي، وأصبحت عشرة ملايين دولار. في محاولة من السلطات الأمريكية لاضفاء الصدقية علي أن الرسالة التي ضبطتها، كتبها الزرقاوي بنفسه.
    لم يكتف الزرقاوي بالتوعد بمقاتلة الشيعة، بل أعلن صراحة مسؤوليته عن اغتيال محمد باقر الحكيم، رئيس المجلس الأعلي للثورة الاسلامية في العراق، في الانفجار الذي استهدفه بالنجف في التاسع والعشرين من آب (أغسطس) عام 2003. وقد كلف الزرقاوي والد زوجته الثانية، الشيخ ياسين، لتنفيذ عملية اغتيال محمد باقر الحكيم.
    اذا ما تفحصنا طبيعة تفجيرات كربلاء والكاظمية، نري انها استهدفت الشيعة، في مناسبة هي الأعظم دينيا لديهم، فهل باتت مقاتلة الشيعة، أولوية لدي الزرقاوي، علي مقاتلة الأمريكان، في ظل التحالفات الناشئة، بعد تصاعد المقاومة للوجود الأمريكي في العراق، في المناطق التي أصطلح علي تسميتها بالمثلث السني؟ مواقف الزرقاوي المتشددة لم تقتصر علي الشيعة وحدهم، بل شملت مسلمين سنة أيضا، عربا وأكرادا، معتبرا أن التخوف من حرب طائفية، ما هي الا دعوات للسكوت علي الاحتلال.
    البيان الذي نفي فيه تنظيم القاعدة مسؤوليته عن تفجيرات كربلاء والكاظمية. يؤكد ما جاء في ذيل رسالة الزرقاوي، التي ضبطتها الأجهزة الأمريكية في العراق، من أنه ليس جزءا من تنظيم القاعدة، وأن لكل منهما موقفه الخاص تجاه التعامل مع الشيعة في العراق، رغم اتفاقهما العقائدي علي الموقف منهم.
    شهد النصف الأول من عام 2004، نقلة نوعية في عمل الزرقاوي وشبكته المسماة التوحيد والجهاد، فبعد الاعلان عن ولادة الشبكة عبر البيان العسكري رقم واحد، الخاص بالهجوم البحري علي ميناء البصرة، والذي حمل توقيع الزرقاوي شخصيا، توالي صدور البيانات العسكرية، لكن بتوقيع الجناح العسكري، وأصبح لديهم مكتبا اعلاميا خاصا بشبكة التوحيد والجهاد، مما يوحي أن شبكة الزرقاوي، باتت تعتمد العمل المؤسسي المنظم. وامعانا من الزرقاوي في تأكيد حضوره القوي بالعراق، وتقديم الدليل المادي أنه وراء التفجيرات الكبيرة التي حدثت في العراق، والتي أعلن مسؤوليته عنها في بيانات خطية، وأنه وراء عمليات اغتيال كبار المسؤولين من أعضاء مجلس الحكم الانتقالي في العراق وغيرهم، وزع الزرقاوي شريطا مصورا عبر شبكة الانترنت يظهره وهو يقوم شخصيا بقطع رأس المواطن الأمريكي نيكولاس بيرغ، بعد أن تلا بيانا بصوته، يبرر فيه هذا التصرف بأنه انتقام لما جري من انتهاكات بحق السجناء في معتقل أبو غريب وغيره، متوعدا بالمزيد، وبذات الأسلوب الذي كرره مع المختطف الكوري.
    البيان الذي أصدره الزرقاوي متبنيا مسؤولية الهجوم البحري علي ميناء البصرة جنوب العراق، في الخامس والعشرين من نيسان (ابريل) عام 2004، يؤكد بشكل قاطع، أنه لم تعد هناك أية صلة للزرقاوي بتنظيم القاعدة، فقد وُقع البيان باسم أبو مصعب الزرقاوي أمير جماعة التوحيد والجهاد ، مما يعني أنه قرر الاعلان عن شبكته الخاصة التي بدأ في انشائها، حين أسس معسكره الخاص في هيرات. حمل بيان البصرة الرقم واحد، مما يعني أن الزرقاوي وصل الي طريق مسدود مع قادة القاعدة، في أن يوافقوه علي رأيه الخاص بالموقف من الشيعة، ذلك الموقف الذي ضمنه الرسالة التي ضبطتها السلطات الأمريكية في العراق، شرطا للعمل بامرتهم، وفي اشارة البيان الي أن عملية البصرة جاءت تأسيا بما فعله اخوانهم ليوث القاعدة بالمدمرة كول ، هي تأكيد علني صريح مباشر، أنه لا يتبع للقاعدة، وأنه قادر أن يفعل مثلهم وأكثر.
    هذا الوضع يعني أن شبكتي الزرقاوي وبن لادن ستتنافسان في ايقاع الضربات الأكثر ايلاما في خصمهما المشترك، ليثبت كل منهما، أنه الأجدر في أن يُقدم له الجميع الولاء والطاعة. ليكون رمزا لكل الجماعات الاسلامية المسلحة في العالم، التي تنتمي الي ما أصطلح علي تسميته بالسلفية الجهادية.

    التغطية الاعلامية الامريكية للزرقاوي

    لكن أسلوب ادارة الولايات المتحدة للأمور في العراق، أدي الي سكب زيت بن لادن علي نار الزرقاوي، ليزيد اشتعال العراق عليهم لهيبا، فالتغطية الاعلامية الهائلة الذي حظيت بها أنشطة الزرقاوي في العراق، والتضخيم الاعلامي الأمريكي المقصود للزرقاوي في العراق، بهدف تعليق جميع العمليات العسكرية والمقاومة المشتعلة بالعراق، علي شماعة الزرقاوي، للايحاء بأن العراقيين قابلون بتواجد القوات الأجنبية علي أراضيهم، وأن قلة من المقاتلين العرب، هم الذين يفتعلون تلك الأحداث بالعراق، لتأكيد وجود ارهابيين في العراق، قبيل الغزو الأمريكي له. خدم الزرقاوي كثيرا، دون أن تقصد أو تعي واشنطن ذلك، فهذا التضخيم أسهم في خلق صورة البطل في أذهان العرب الباحثين عن قائد يتوجهون اليه، ليخوضوا معه جهادهم التواقين اليه، فبات كل عربي ومسلم راغب في الذهاب للجهاد في العراق، يتوجهون الي الزرقاوي للانضواء تحت قيادته. فالذهنية في المشرق اعتادت أن تخلق بطلا ان لم يكن موجودا، تصنع منه رمزا لتتحلق حوله في صنع التاريخ. الذهنية الأمريكية الهوليوودية، تلتقي مع ذهنية المشرق في ذلك، فخلقت من الزرقاوي بطلا ورمزا، مع أنه في تلك الأثناء لم يكن قد فعل الكثير ليشار اليه بالبنان. وكان مجموع من يأتمرون بالزرقاوي حينذاك لا يتعدون ثلاثين شخصا. لكن بفضل (العبقرية) الاعلامية الأمريكية، بات عدد أتباع الزرقاوي الآن يعدون بالآلاف.
    كذلك أدي اعلان السلطات الأمريكية وضع يدها علي رسالة، قالت أن الزرقاوي كتبها لقادة القاعدة، ونشرت نصها الكامل، الي منح فرصة لقيادة القاعدة وكوادرها للعمل علي توحيد الصفوف مع الزرقاوي، لأن نص الرسالة يؤكد أن لدي الزرقاوي الاستعداد ليكون جزءا من تنظيم القاعدة، وفق رؤية طرحها، فسارع المقاتلون العرب والمسلمون ممن يدينون بالولاء لفكر القاعدة، الي الالتحاق بشبكة الزرقاوي، حتي قبل أن تتم عملية التوحد، كما بادر الأثرياء من العرب والمسلمين، بعد نشر تلك الرسالة، الي السعي لايصال أموالهم الي الزرقاوي، مما قوي من شبكته بشريا وماليا في العراق. أما أسامة بن لادن، فقد تلقف ذلك أيضا، وبادر الي الاتصال بالزرقاوي لتتم عملية انضواء تنظيمه تحت راية القاعدة، والتي بات الزرقاوي أميرها في العراق. حتي أصبحت القاعدة الآن، اللاعب الرئيسي في الساحة العراقية.
    توحد الزرقاوي مع القاعدة علي الصعيد التكتيكي والاستراتيجي، يخدم الطرفين، بن لادن والزرقاوي. أما لبن لادن فهو الفرصة التاريخية ليضع اصبعه في عيون واشنطن ليقول لها أن اجتياح أفغانستان لم ينه القاعدة، علي قاعدة أن الطلقة التي لا تقتلني تقويني، وأن العراق باتت ساحة أكثر أهمية للقاعدة، فطبيعة الأرض والشعب توفر حاضنة أكثر ملائمة للقاعدة من أفغانستان. أما بالنسبة للزرقاوي، فالمخزون البشري الذي يمده بالمقاتلين، غالبيتهم متطوعون قصدوا العراق للوصول الي الزرقاوي حبا بالجهاد، وتدفق هذا المخزون مرتبط ارتباطا طرديا مع القبضة الأمنية علي الحدود، بينما اتحاده مع القاعدة يؤمن له تواصل هذا التدفق البشري بشكل دائم ومنظم.
    وما ينطبق علي العامل البشري ينطبق علي العامل المادي واللوجستي.
    استراتيجية الزرقاوي السياسية في العراق، أصبحت أكثر وضوحا بعد كلمته التي هدد فيها أياد علاوي رئيس الحكومة المؤقتة في العراق بالقتل، هذه الاستراتيجية باتت تركز علي استهداف الشرطة العراقية، وهو انعكاس لموقفه الثابت من الشرطة مذ كان سجينا في الأردن، وقتله للرهينة الكوري، يوضح حدود استراتيجيته العسكرية، الاستفراد بالأمريكيين وحدهم بعد أن يدفع الآخرين الي مغادرة العراق، مكررا ما قام به تجاه الأمم المتحدة، ليصل في النهاية الي عرقلة الخطط الأمريكية في ايجاد واجهة عراقية محلية لادارة أمور البلاد، لتبقي الحرب مفتوحة بين قوات احتلال أميركية، ومجاهدين يقاتلون لاخراج القوات الصليبية من أرض المسلمين، مما يبقي تجربة الجهاد في أفغانستان حية، لكن هذه المرة بأنماط متطورة تتيح لكرة الثلج الجهادية أن تكبر ليصل تدحرجها الي دول الجوار العراقي، وصولا الي القضية الأكثر قدسية واشتعالا في رؤوس المسلمين؛ قضية فلسطين
    __________________

    أفكار الزرقاوي وعقيدته

    أولا: مدرسته المذهبية
    بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، أصبح الغرب أكثر اهتماما بالاسلام، لكن دون أن يعرف الفرق بين المذاهب والفرق الاسلامية، وصب جل اهتماماته علي السلفية، أو ما يسمونه بـ(الوهابية)، لوجود خمسة عشر سعودياً متهماً بالاشتراك في الهجمات علي نيويورك وواشنطن.
    والوهابية تطلق مجازا علي المدرسة السلفية وذلك نسبة الي الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الذي تُصنف أفكاره علي أنها دعوة سلفية. وهو المنهج الديني الذي يسيطر علي التوجه الديني في السعودية.

    نشأة المدرسة السلفية

    لم تكن السلفية وليدة الأحداث الراهنة، ولا الفهم المعاصر للاسلام وانما تمتد ـ حسب ما يري بعض الباحثين ـ الي شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية. ترتكز الدعوة الوهابية علي مبادئ أساسية، أهمها الرجوع الي الكتاب والسنة في كل شأن من شؤون الحياة، واتباع سبيل السلف الصالح، ونبذ الفلاسفة والمتكلمين ورجال التصوف، لكونهم يتعارضون وروح الدعوة الاسلامية. بينما يري الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه تاريخ المذاهب الاسلامية في السياسة والعقائد، أن نسبة السلفية ترجع الي الامام أحمد بن حنبل، بظهور جماعة في القرن العاشر الميلادي، وكانوا من الحنابلة، ويقولون بنسبة آرائهم الي الامام أحمد الذي أحيا عقيدة السلف وناهض ما دونها، ثم تجدد ظهورهم في القرن الخامس عشر، حيث أحياه شيخ الاسلام ابن تيمية، ثم ظهرت تلك الآراء في شبه الجزيرة العربية في القرن الثامن عشر, بانشاء المدرسة الاصلاحية السلفية، التي انتشرت في العالم الاسلامي علي يد محمد بن عبد الوهاب. الذي عاش في القرن الثامن عشر الميلادي في الجزيرة العربية، ركز جهوده في محاربة البدع التي تنحرف بعقيدة التوحيد الاسلامية، وتنسب الي غير الله، ما لا يجوز أن ينسب اليه، من أمور تحمل سمات الشرك بالله، مثل زيارة القبور والأضرحة، للتبرك والتوسل بمن دفن فيها.. الخ.
    كان لانتصار الحركة الوهابية المسلحة وسيطرتها علي مكة والمدينة وهما المدينتان المقدستان اللتان يحج اليهما ملايين المسلمين كل سنة أثره الفعال والمهم في انتشار الفكر الوهابي خارج الجزيرة العربية.
    وعليه فقد غدا موسم الحج السنوي الفرصة الأكثر حيوية لدعاة الوهابية، لنشر مذهبهم في التوحيد ومحاربة البدع.
    فالي جانب الخطب المنبرية والجلسات التفقيهية والوعظية المنظمة بمناسبة الحج، اهتم القائمون علي الدعوة الوهابية، بنشر كتب الشيخين ابن عبد الوهاب وابن تيمية. بالاضافة الي عدد كبير من الكراسات والمحاضرات التي تشرح أصول المذهب الوهابي التوحيدي الجديد، وتوزيعها مجانا علي الحجاج.
    كما أن التصرفات الغريبة التي كانت تصدر من بعض دعاة الوهابية أو القائمين علي رعاية الأماكن المقدسة، كانت تثير ردود فعل مختلفة من قبل الحجاج، وخاصة عندما كان الوهابيون يمنعونهم من الاقتراب من ضريح الرسول (ص)، بحجة أن ذلك شرك ، وان من تمسح بالقبر أو وضع يده علي الشباك المحيط بالقبر الشريف، فقد أشرك. وينادون علي من يفعل ذلك يا مشرك. كل هذه التصرفات كانت تثير لدي الحجاج تساؤلات عدة، تدفع المتعلمين منهم للسؤال والبحث. وقد تعرف الكثير منهم علي العقائد الوهابية من جراء ذلك.
    أما انتشار الوهابية في دول العالم الاسلامي، فيعزي الي طائفة من العلماء والفقهاء زاروا مكة والمدينة للحج، فتعرفوا علي عقائد الوهابية والتقوا معها، في مسألة محاربة البدع والخرافات العقائدية التي كانت منتشرة، ومن ثم شكلوا النواة الأولي للدعوة الوهابية في بلدانهم، لما رجعوا من حجهم. بالاضافة الي مجموعة كبيرة من الطلبة الذين استوعبتهم الجامعات الدينية الوهابية، المؤسسة لتعليم المذهب الحنبلي وعقائده.
    ولقد كانوا فعلا رسل المذهب وسفراءه في بلدانهم، ومن ثم بدأت أفكار الشيخين ابن تيمية وابن عبد الوهاب تعرف طريقها نحو العالمية.
    علاوة علي ما سبق، فان الحكم في السعودية وبحكم تعلقه بالشرعية الدينية السياسية وارتباطه بالدعوة الوهابية، قد بذل جهودا كبيرة لدعم هذا المذهب ونشره داخل الجزيرة وخارجها. وقد خصص لهذا الغرض ميزانية ضخمة تصرف علي طباعة الكتب الخاصة بالعقيدة الحنبلية بصيغتها الوهابية . منذ الملك عبد العزيز، وكتب السلف تطبع وتنشر وتوزع مجانا، فهذه مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، والدرر السنية، ومجموعة فتاوي ابن تيمية وكتب ابن القيم وكتب الفقه والتفسير والحديث. وهذا النشر والطباعة لتراث الحنابلة وتوزيعه مجانا، ولم يقتصر فيه علي السعودية نشرا وتوزيعا. وانما تمت الاستفادة من أغلب دور النشر في مصر وبيروت ودمشق وبغداد والهند. وبذلك اتسعت رقعة التوزيع لتحيط بالسوق العربية والاسلامية للكتاب.
    وبما أن الكتاب السلفي الوهابي لا يشكل أية مشكلة بالنسبة لجهات المراقبة علي الكتاب الاسلامي في الوطن العربي بالخصوص، فقد أُغرقت الأسواق بهذا الكم الهائل من هذه الكتب. والتي أصبح من المتعذر عدم وجود بعضها ضمن مكتبات أبناء الصحوة الاسلامية. كما أن المراكز الثقافية التابعة للحكومة السعودية والمنتشرة في جميع الدول الاسلامية، تقوم بدور فعال في هذا المجال، خصوصا تزويد الطلبة بفتاوي شيخ الاسلام ابن تيمية. علاوة علي المراكز الاسلامية التي دأبت السعودية علي افتتاحها في العواصم الدولية، وتزويدها بالكتب السلفية والخطباء والعلماء الوهابيين.
    واذا أضفنا الي ذلك ظهور تيارات حركية سلفية داخل العالم الاسلامي، تابعة للمؤسسة الدينية السعودية. تكون الصورة قد اكتملت حول حجم ظاهرة الدعوة السلفية التي واكب ظهورها وانتصارها وسيطرتها علي الحجاز والمدينتين المقدستين بروز وتشكل الصحوة الاسلامية العالمية.
    بعد ذلك أخذت السلفية اتجاهات مختلفة، حيث باتت تركز علي التربية والاصلاح الاجتماعي، خاصة في المغرب العربي، متأثرة بدعوة الشيخ محمد عبده الذي عرَّف هو نفسه بحركته التجديدية فقال: ارتفع صوتي بالدعوة الي أمرين عظيمين: تحرير الفكر من قيد التقليد وفهم الدين علي طريقة سلف الأمة.
    هذه الدعوة الي الاصلاح السياسي والاجتماعي، كانت الاستجابة لها في المغرب العربي قوية. واتجهت السلفية في المغرب نحو الاندماج في الحركة الوطنية وتبني أهدافها التحديثية، وانتهت بالذوبان فيها، خصوصا عندما جند المستعمرون بعض الجماعات الدينية والقوي المختلفة المتعاملة معهم، ضد الوطنية والسلفية. بل يمكن القول ان الحركة الوطنية التحررية انما خرجت من جوف السلفية، تماما مثلما أن السلفية انتشرت في جسم المجتمع المغربي وتغلبت علي المذاهب الأخري وخاصة الصوفية، خصمها الديني، باندماجها في الحركة الوطنية، ورفعها راية الجهاد ضد المستعمر وأعوانه وعملائه.كل ذلك جعل مفهوم السلفي يتوسع ليشمل في آن واحد: محاربة الاستعمار، ومحاربة البدع والتقاليد الاجتماعية الشعبية، والدعوة الي التجديد والتحديث في كل مجال في الفكر والسياسة والاجتماع... الخ.
    تعتبر الحركات السلفية ــ في عالم اليوم ــ من أهم الحركات الاسلامية الاصلاحية. ولهذه الحركات صوتها الجهوري الداعي الي تحرير الدين من شوائب العرف وبدع الخلَف.
    وقد تمظهرت الحركة السلفية المعاصرة بمظاهر شتي خلال القرن العشرين، من ليبرالية، الي عقلانية، الي جهادية. لكن ما تبلور في النهاية تحت مسمي السلفية هو المدرسة النجدية ذات الجذور الحنبلية. وهي التي نركز عليها بالتحليل هنا نظرا لأن صوتها تجاوز حدود مواطنها الأصلية كثيرا، وأثرها امتد الي كل الآفاق، فغدتْ ظاهرة اسلامية عالمية.
    لقد ظلت الحركة السلفية حتي وقت قريب تمثل مخزونا احتياطيا ورصيدا استراتيجيا للحركات الاسلامية السياسية والجهادية، دون أن تتحمل بنفسها عبئا في الجهاد السياسي يتناسب مع حجمها وأثرها العلمي والاجتماعي. فكان أغلب السياسيين والحركيين الاسلاميين يتخذون من علماء السلفية ومنشوراتها مرجعا في كثير من رؤاهم التأصيلية، ويستمدون من الحركة السلفية جانبا مهما من مددهم البشري، دون أن يعولوا كثيرا علي الحركة نفسها في الجهاد السياسي، نظرا للموقف المتوجس الذي عبر عنه علماء السلفية وقادتها تجاه العمل السياسي، بسبب هاجس الخوف من الفتنة. لكن يبدو أن الحركة السلفية تمر اليوم بمرحلة مخاض بدأت تغير هذه المعادلة، وتخرج بالفكر السلفي من الطوق الذي وضع فيه نفسه.
    لكن المخاض الفكري والسياسي الذي تعيشه الحركة السلفية الآن، جعل المساوئ المنهجية تضمحل تدريجيا، باستثناء جيوب معزولة هنا وهناك. وأخذ الفكر السلفي يقترب من هموم الأمة، والتحرر من أسر التاريخ، والخروج من عباءة بعض الأنظمة، التي طالما ركبت الموجة السلفية لتحقيق مآربها. ويلاحظ أن السلفيين بدأوا يتخففون من الجدل التاريخي والكلامي، مع بدء الجهاد في أفغانستان، وأخذوا يركزون علي شؤون العصر، وتحديات الحياة المعاشة، وتعطشهم الي الاستفادة من ثقافة العصر في مجال الفكر السياسي والتنظيمي.

    وتعود أسباب هذه التطورات علي الساحة السلفية الي عدة عوامل منها:

    أولا: تضاعف أعداد المتطوعين للجهاد في أفغانستان، خاصة من علماء الدين الذين أخذوا علي عاتقهم التأصيل للجهاد، وفق المذهب السلفي، من أن القتال في أفغانستان هو جهاد دفع، لا يحتاج الي تطبيق الاشتراطات الصعبة التي يتطلبها أنواع الجهاد الأخري.
    ثانيا: تمرد بعض العلماء والدعاة مطلع التسعينيات من القرن الماضي علي السلطات السياسية، فحرروا الخطاب السلفي لأول مرة من عباءة الأنظمة التي تجعل الشريعة خادمة للسلطة ـ لا العكس المفترض ـ وهذا دفع الشباب السلفي الي دراسة الواقع واستيعاب مقتضيات الدين في العصر الحاضر.
    ثالثا: امساك بعض الوجوه السلفية بزمام المبادرة السياسية داخل بعض الدول المسلمة، وتعاونهم مع الجماعات الاسلامية الأخري ومع عامة الشعب بحكمة واستيعاب. وقد برزت هذه الظاهرة أوضح ما تكون في تجربة الجبهة الاسلامية للانقاذ بالجزائر مطلع التسعينيات من القرن الماضي.
    رابعا: ما قامت به الجماعات السلفية المغتربة في أوربا وأمريكا من دور تنويري أسهم في تطوير خطاب سلفي جديد، يتسم بالوعي والنضج. وربما كان للثقافة العملية السائدة في الغرب أثر ايجابي هنا، حيث لا تقاس قيمة المبدأ بصحته النظرية، بل بصلاحيته العملية. مما أسهم في أن يدرك السلفيون ـ وان كان في وقت متأخر من القرن الماضي ـ أن أمامهم وأمام الاسلام تحديات أكبر من منازلة الشيعة والمرجئة والأشاعرة والمتصوفة. فقد وعوا أن ما تحتاجه الصحوة الاسلامية اليوم، هو أمة تعيش تحديات عصرها، لا تستعبدها مقولات الماضي ومصطلحاته، وحروبه التي أضاعت علي القوي الاسلامية ــ فيما مضي ــ الكثير من الوقت والجهد.
    هذه الاستراتيجية الجديدة للحركات السلفية، أعطتها قوة تنظيمية وحركية، وباتت تتمتع بمرونة غير مسبوقة. ظهرت أكبر تجلياتها في استيعاب القاعدة عام 1999 لأبو مصعب الزرقاوي، رغم عدم اتفاقه التام مع منهج بن لادن، بسبب الفهم المتعدد لبعض جوانب العقيدة فيما يتعلق بالولاء والبراءة، وما يترتب عليه من مواضيع التكفير والارجاء، وهي مسألة تعتبر من المسائل العقائدية الدينية الأساسية، وأقصد هنا الموقف من آل سعود حكام السعودية، ان كانوا كفرة أم لا، واذا كانوا، ما هو الموقف الذي ينبغي أن يكون. كل هذا الخلاف لم يحل دون أن تتنازل القاعدة، وهي الطرف الأقوي في أفغانستان، أن تتنازل عن بيعة كاملة من الزرقاوي، بل تدعمه في تأسيس معسكر خاص له، علي أساس التنسيق والتكامل، وهو ما سيطلعنا عليه بالتفصيل الرجل الثالث في القاعدة محمد مكاوي (سيف العدل) في الشهادة التي بعث بها الينا.
    هذه المرونة باتت تشكل خطرا علي كل خصوم وأعداء الحركة السلفية، فأخذ هؤلاء الأعداء يعملون علي توسعة الفجوة بين الحركات السلفية وغيرها من الحركات الاسلامية، منعا من تشكيل جبهة اسلامية عريضة في وجه التحديات التي تواجه الأمة الاسلامية، بعد أن بدأ السلفيون يتحررون من داء التنظير المجرد ومتاهات علم الكلام، ويفتحون أعينهم علي تحديات الواقع المعاصر وتعقيداته، وبدأ الاسلاميون الحركيون ــ مثلما يجري حاليا في العراق ــ يتحررون من الروح الحزبية ويفتحون صدورهم لكل عامل ولو من خارج التنظيم، حتي وان ابتعد قليلا عن الأصول العلمية للسلفية.
    فما هي هذه الأصول ؟
    __________________
    مما قال أسد الاسلام الشيخ أسامة بن لادن
    كما و أني أطمئن أهلي في فلسطين خاصة بأننا سنوسع جهادنا بإذن الله , ولن نعترف بحدود سايكس بيكو , ولا بالحكام الذين وضعهم الاستعمار , فنحن والله ما نسيناكم بعد أحداث الحادي عشر , وهل ينسى المرء أهله ؟

  • #2
    رحم الله شهدائنا الأبرار وعلى رأسهم القائد أبو مصعب

    جزاك الله كل خير أخي
    القناعة كنز لا يفنى

    تعليق


    • #3
      رحم الله شهيدنا الذباح باذن الله ابو مصعب الزرقاوي
      وبارك الله فيك اخي ابو مصعب
      فصرخت فيهم صرخة قالوا كفانا تملقـا..!
      أتريـد منـا ثـورة أتريـد فعـلا أحمـقـا...؟!
      زمنُ البطولة قد مضي وكفانا قولا أخرقا
      إنا تعودنا القيــود ومثلنــا لــن يُعتقـــا..!
      النومُ أفضلُ غايــةً لسنا لمجــدٍ مطلقـا
      يامن تريد كرامةً ثوب الكرامة أُحرِقا..


      وقل ربي ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا.
      نموت ويبقى كل ما قد كتبناه فياليت من يقرأ مقالي دعا لياْْْْ لعل إلهي أن يمن بلطفه ويرحم تقصيري وسوء فعاليا .

      تعليق


      • #4
        رحم الله المجاهدون

        22:2
        لا تنسونا من صالح الدعاء

        تعليق


        • #5
          بسم الله الرحمن الرحيم

          بارك الله فيكم أخوتي في الله أسود الحرب ومجاهد الأمة والدحدوح على هذه الردود والكلام الطيب.
          مما قال أسد الاسلام الشيخ أسامة بن لادن
          كما و أني أطمئن أهلي في فلسطين خاصة بأننا سنوسع جهادنا بإذن الله , ولن نعترف بحدود سايكس بيكو , ولا بالحكام الذين وضعهم الاستعمار , فنحن والله ما نسيناكم بعد أحداث الحادي عشر , وهل ينسى المرء أهله ؟

          تعليق


          • #6
            رحم الله الشهيد المجاهد
            وأسكنه فسيح جناته
            http://www.21za.com/pic/flower001_files/4.gif

            تعليق


            • #7
              بسم الله الرحمن الرحيم

              بارك الله فيك أخي في الله أبو السعيد على هذا المرور والرد الطيب...
              مما قال أسد الاسلام الشيخ أسامة بن لادن
              كما و أني أطمئن أهلي في فلسطين خاصة بأننا سنوسع جهادنا بإذن الله , ولن نعترف بحدود سايكس بيكو , ولا بالحكام الذين وضعهم الاستعمار , فنحن والله ما نسيناكم بعد أحداث الحادي عشر , وهل ينسى المرء أهله ؟

              تعليق


              • #8
                رحم الله المجاهد القائد ابا مصعب واسكنه الجنة مع الصديقين والشهداء والابرار

                لن ننسى دمائك يا ابا مصعب
                إن سلاحنا هو شرفنا .. إن سلاحنا هو عرضنا وكرامتنا .. وبندقيتنا لن نقايضها الا بفلسطين المحررة



                لا تنسوا وصايا الشهداء

                تعليق


                • #9
                  بسم الله الرحمن الرحيم

                  بارك الله فيك أخي في الله عاشق الحوراء على هذا المرور والرد الطيب...
                  مما قال أسد الاسلام الشيخ أسامة بن لادن
                  كما و أني أطمئن أهلي في فلسطين خاصة بأننا سنوسع جهادنا بإذن الله , ولن نعترف بحدود سايكس بيكو , ولا بالحكام الذين وضعهم الاستعمار , فنحن والله ما نسيناكم بعد أحداث الحادي عشر , وهل ينسى المرء أهله ؟

                  تعليق


                  • #10
                    رحم الله الشهيد القائد ابو مصعب الزرقاوى

                    تعليق


                    • #11
                      بسم الله الرحمن الرحيم

                      بارك الله فيك أخي في الله ابو فؤاد على هذا المرور والرد الطيب....
                      مما قال أسد الاسلام الشيخ أسامة بن لادن
                      كما و أني أطمئن أهلي في فلسطين خاصة بأننا سنوسع جهادنا بإذن الله , ولن نعترف بحدود سايكس بيكو , ولا بالحكام الذين وضعهم الاستعمار , فنحن والله ما نسيناكم بعد أحداث الحادي عشر , وهل ينسى المرء أهله ؟

                      تعليق


                      • #12
                        رحم الله الشهيد القائد ابو مصعب الزرقاوى واسكنه فسيح جناته

                        تعليق


                        • #13
                          بارك الله فيك أخي في الله على هذا المرور والرد الطيب....
                          مما قال أسد الاسلام الشيخ أسامة بن لادن
                          كما و أني أطمئن أهلي في فلسطين خاصة بأننا سنوسع جهادنا بإذن الله , ولن نعترف بحدود سايكس بيكو , ولا بالحكام الذين وضعهم الاستعمار , فنحن والله ما نسيناكم بعد أحداث الحادي عشر , وهل ينسى المرء أهله ؟

                          تعليق


                          • #14
                            رحمه الله وجزاك الله خيرا
                            أسد المجاهدين (أبو يحيى)

                            تعليق


                            • #15
                              رحم الله الشهيد البطل

                              تعليق

                              يعمل...
                              X