إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

درس في التحريض على الجهاد/لفضيلة الشيخ/ عطیة الله جمال المصراتي (رحمه الله)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • درس في التحريض على الجهاد/لفضيلة الشيخ/ عطیة الله جمال المصراتي (رحمه الله)

    [CENTER]بسم الله الرحمن الرحيم


    درس في التحريض على الجهاد

    [ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:80%;background-color:red;"][CELL="filter:;"][FONT=Simplified Arabic][SIZE=5][COLOR=black][ALIGN=center]
    [SIZE="7"][gdwl]
    لفضيلة الشيخ/ الإمام عطیة الله ابو عبدالرحمن جمال إبراهيم المصراتي (رحمه الله)
    الصادر عن مركز الفجر للإعلام
    19 محرم 1432 هـ
    12/14/ 2011 م

    بسم الله الرحمن الرحيم
    إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريَّته ومن اهتدى بهديه وسار على سنَّته واتَّبع سبيله بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد؛

    قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)، والجزاء: (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى...) -وشيءٌ آخر وخصلةٌ أخرى تحبُّونها- (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).
    ويقول الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).
    ويقول الله سبحانه وتعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ).
    ويقول ربنا عزَّ وجلَّ: (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا).
    ويقول الله عزَّ وجلَّ: (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى).

    أيها الإخوة، تعظيم الله سبحانه وتعالى لقدر الجهاد والمجاهدين في الشريعة الإسلامية وبيان فضلهم -فضل الجهاد وفضل المجاهدين في سبيل الله عزَّ وجلَّ- وفضل الشهادة والشهداء الذين يُستشهدون في سبيل الله، الذين يزهقون أرواحهم ويبذلون أنفسهم ودماءهم، يريقون هذه الدماء التي هي أغلى شيء عندهم وهذه الروح وهذه النفس، ويهلكون هذا الوجود في هذه الدنيا في سبيل الله عزَّ وجلَّ وسعيًا لتحصيل ونيل مرضاته سبحانه وتعالى ونيل الحظوة عنده والأجر العظيم والمكانة الرفيعة التي أعدَّها الله سبحانه وتعالى لمن قام هذا المقام، بيان الله عزَّ وجلَّ في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لفضائلهم -فضائل الشهادة والشهداء والمجاهدين والجهاد في سبيله عزَّ وجلَّ- شيءٌ كبير جدًا جدًا حتى قال العلماء إنه لم يرد في الكتاب والسنة في فضائل الأعمال مثلما ورد في الجهاد وفي الشهادة، لم يرد في شيء لا في فضائل الصلاة ولا فضائل الصوم ولا الزكاة والصدقة ولا غيرها من الأعمال الصالحة وهي كثيرة -أبوب الخير كثيرة-، لم يرد في شريعة الله عزَّ وجلَّ في الكتاب وفي السنة في ذكر فضائل الأعمال مثلما ورد في الجهاد، الذي ورد في الجهاد وفي المجاهدين وفضلهم وما أعدَّ الله لهم وفي الشهادة والشهداء شيءٌ كثيرٌ يفوق الحصر يصعب حصره ولم يرد مثله أبدًا في أي فضيلة من فضائل الأعمال الصالحة، هذا كلُّه من تعظيم الله عزَّ وجلَّ لهذه المرتبة وهذه المنزلة في الأعمال الصالحة -مرتبة الجهاد ومرتبة الشهادة في سبيله وهي خاتمة الجهاد- ولا شك أنَّ عظمة الجهاد وعظمة الشهادة في سبيل الله عزَّ وجلَّ مستقرَّة في نفوسنا وفي نفوس المسلمين جميعًا بسبب هذا الذي ورد في الكتاب والسنة من ذكر فضلهم ورفع منزلتهم عالية.
    لكن أيها الإخوة، الجهاد.. الجهاد الذي هو الجهاد الممدوح أهله.. الممدوح والممدوح أهله، والمشرَّف والمشرَّف أهله، الذي أحبه الله ورضيه ووعد أهله بالجزاء العظيم كما في هذه الآيات التي تلونا بعضها وفي غيرها كثير من القرآن، ومن السنة مثلاً كقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئِل عن شيءٍ يعدل الجهاد قال: "لا أجده، أتستطيع إذا خرج المجاهد في سبيل الله أن تقوم فلا تفتر وتصوم فلا تفطر؟" قال: ومن يستطيع ذلك؟!.
    الجهاد الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ في الجنة مائة درجة ما بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض أعدَّها الله للمجاهدين في سبيله".
    الجهاد الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "من جاهد في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة" فواق ناقة، ولو لحظة بسيطة وجبت له الجنة.
    الجهاد الذي قال فيه الله سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ قاتلوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) وفي قراءة أخرى (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) حفص يقرأ (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، لكن نافع يقرأ (وَالَّذِينَ قاتلوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ).
    هذا الجهاد، هذا العمل الصالح العظيم إنما يكون هو كما أراده الله وكما مدحه وشرَّفه وعظَّمه وفضَّله ومدح أهله وشرَّفهم وعظَّمهم ووعدهم بجزيل الثواب إذا كان على شريعة الله إذا كان في سبيل الله، هو جهادٌ في سبيل الله هذا هو شرطه هذا هو قيده هذا هو وصفه، لا بد أن يكون في سبيل الله، وكونه في سبيل الله معناها أنه جامعٌ لخصلتين هما محدِّدا سبيل الله، سبيل الله له حافتان وله ضابطان ومحدِّدان:
    1- الإخلاص لله سبحانه وتعالى.
    2- والجري على الشريعة، العمل على وفق الشريعة المطهَّرة.
    هذا هو سبيل الله، سبيل الله هذان ركناه وهذان ضابطاه وحافتاه ومحدِّداه، أن يكون خالصًا لوجه الله سبحانه وتعالى مرادًا به وجهه عزَّ وجلَّ مرادًا به التقرب إلى الله، نيل رضوان الله سبحانه وتعالى، مرادًا به الفوز بين يدي الله سبحانه وتعالى عند لقاء الله، مرادٌ به إذن ما عند الله من الأجر والثواب وحسن المثوبة وحسن الجزاء، نعيم الله سبحانه وتعالى وفضله ورحمته ورضوانه في الآخرة، هذا معنى إرادة وجه الله سبحانه وتعالى، أن لا يُنهِض الإنسانَ للجهاد إلا إرادة ما عند الله عزَّ وجلَّ إرادة وجه الله إرادة الله إرادة ثواب الله سبحانه وتعالى وحسن جزائه، هذا تعبير عن معنًى واحد. لا ينهضه دنيا يريدها ويثمِّرها ويتأثَّل فيها أمواله، ولا ينهضه جاهٌ وطلب رياسة ومنصب، ولا أن يُذكر عند الناس فيُقال شجاعٌ وجريءٌ وبطلٌ وقائدٌ وكومندان ولا شيء من عرض الدنيا، إنما يريد وجه الله سبحانه وتعالى هذه نيته، هذا الذي أنهضه وهذا الذي دفعه وهذا الذي أخرجه، "لا يخرجه إلا إيمانٌ بي وجهادٌ في سبيلي" -كما جاء في الحديث- هذا الضابط الأول لمعنى سبيل الله.
    الضابط الثاني: أن يكون جهاده على وفق شريعة الله سبحانه وتعالى، فهو يعمل الصالحات يعمل الخير فهو عاملٌ بالحق، داعٍ إلى الحق، آمرٌ بالحق، وناهٍ عمَّا ينهى عنه بالحق، ويقتل بالحق، ويقاتل بالحق، يقاتل ويقتل من أمر الله بقتالهم وقتلهم وأباح الله وشرع وأجاز قتالهم وقتلهم، لا يفعل شيئًا في جهاده وفي قتاله إلا أن يكون قد علم أنَّ الله رضيه وشرعه وأباحه له وجوَّزه وسوَّغه له، وهذا لا يُعرف إلا بالعمل النافع، الفقه في الدين، معرفة الفقه الذي هو متحصَّل من الكتاب والسنة، كما شرحه علماؤنا وأئمتنا رحمهم الله ورضي عنهم أجمعين.
    فهذان هما الضابطان لطريق الله -سبيل الله-، الجهاد في سبيل الله يعني في طريق الله، جهادٌ في سبيل الله، السبيل هو الطريق، لكن الشريعة اختارت التعبير هنا بلفظ.. جرى في لسان الشرع التعبير بلفظ "سبيل الله" لأن كلمة سبيل فيها نوع من الخصوصية أكثر من الطريق، كلمة الطريق لعلَّها كلمة استُعمِلت استعمالاً أوسع فجاءت الشريعة باستخدام هذا اللفظ ليكون له رونق أو نوع من البلاغة.
    "جهادٌ في سبيل الله" سبيل الله هو هذا أيها الإخوة، سبيل الله هذا ضابطه وهاتان حافتاه: الإخلاص، والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، المتابعة للشريعة، العمل على وفق الشريعة، فلا يكون الجهاد محمودًا ولا يكون المجاهد مجاهدًا حقًّا وإن سمَّاه الناس مجاهدًا. النبي صلى الله عليه وسلم قصَّ علينا خبر الثلاثة الذين هم أول من تُسعَّر بهم النار يوم القيامة -حديث أبي هريرة في صحيح مسلم- قال: واحد منهم رجلٌ قاتل في سبيل الله فقُتِل -يعني فيما يرى الناس كما جاء في بعض الألفاظ- قاتل في سبيل الله فقُتِل فيؤتى به، يأتي به الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، فيسأله فيعرِّفه نعمه فيعرفها فيقول: فما فعلت فيها؟ فيقول: قاتلت في سبيلك حتى قُتِلت، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ثم يؤمر به فيسحب على وجهه في النار، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. قالوا له: كذبت إنما قاتلت ليُقال جريء، شجاع وتُمدح بالشجاعة وتُذكر بالشجاعة، فهذا أحد الثلاثة الذين هم أول من تُسعَّر بهم النار، فمعناها أنه ليس مجاهدًا في نفس الأمر في الحقيقة، ليس مجاهدًا وإن سمَّاه الناس مجاهدًا، وإن جرينا نحن في لغتنا وفي استعمالنا على أنه مجاهد تسامحًا وتجوُّزًا، لكن المجاهد الحقيقي من هو؟
    هذا الحديث فيه عبرة عظيمة، هذا الحديث كان أبو هريرة رضي الله عنه إذا حدَّث به يُغمى عليه -يُغشى عليه- حتى يُرشَّ عليه الماء فيقوم ويعود له الغشي أحيانًا يُغشى عليه أكثر من مرَّة، لأن هؤلاء الناس عملوا أعمالاً صالحةً، هذا قائم آناء الليل وأطراف النهار يقرأ القرآن ويعلِّم الناس القرآن، وهذا مُنفق في سبيل الله وأموال تجري ونفقه كبيرة في سبيل الله، وهذا مجاهد يبذل روحه ودمه في سبيل الله -فيما يرى الناس- ومع هذا عذَّبهم الله وعاقبهم بهذه الأفعال التي ظاهرها أفعال في غاية الصلاح.
    هذا الحديث دال على أنَّ ليس كل من نراه مجاهد فهو مجاهد، ولا كل ما نراه جهادًا هو جهاد، علينا أن نبحث ونفتِّش وندقِّق لا بد أن نصيب الجهاد الذي هو جهادٌ عند الله الممدوح عند الله، حقيقة الجهاد ما هو؟ النبي صلى الله عليه وسلم لما عرَّف لنا الجهاد رجع بنا إلى قاعدة أصلية كبيرة جدًا، قال: "والمجاهد من جاهد نفسه في ذات الله" هذا حديث صحيح أيضًا في الترمذي وغيره.
    إذن معناها ممكن الإنسان يكون مجاهد في الصورة في الظاهر ويكون عمله جهادًا في الظاهر وفي الصورة ولكنه ليس مجاهدًا عند الله وعمله ليس جهادًا عند الله سبحانه، ليس معدودًا جهادًا ولا عمل صالح يكون يوم القيامة هباءً منثورًا ويكون وبالاً عليه يوم القيامة، فمن هنا كان لزامًا علينا نحن المسلمين والمجاهدين في سبيل الله أن نفتِّش عن أنفسنا وجهادنا وأن ننظر هل نحن مجاهدون حقًا أم لا؟ هل الذي نمارسه ونعمله جهاد حقيقي هو الجهاد الذي مدحه الله ورضيه وأحبه وأمر به أم شيء ثانٍ نحن نسمِّيه جهادًا؟ هذا كله يُعرف أيها الإخوة بالعلم النافع، بمعرفة أحكام الجهاد والمجاهدين وصفة المجاهد ومعرفة ما هو المجاهد على الحقيقة في كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
    ولهذا نكتفي -طبعًا الكلام طويل- ولكن نكتفي في هذا الإطار بمدارسة ومذاكرة حديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي تبيِّن معنى الجهاد في سبيل الله وما يُرى جهادًا ولكنه ليس جهادًا في سبيل الله عزَّ وجلَّ لأنه لم يحقق إما الشرطين أو أحدهما، شرط الإخلاص وشرط المتابعة.
    والحديث في السنن في سنن النسائي وغيره وفي مسند الإمام أحمد كذلك، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الغزو غزوان" الغزو يعني الجهاد غزو الناس يكون على ضربين ونحوين، قسمان، الغزو غزوان، غزو صفته كذا وغزو صفته كذا حاصلها أنَّ أحدهما ممدوح وهو الغزو الحقيقي والجهاد الحقيقي والثاني لا ليس كذلك.
    "الغزو غزوان" ثم فصَّل جاء بفاء التفريع والتفصيل فقال: "فمن غزى ابتغاء وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة وياسر الشريك واجتنب الفساد في الأرض فإنَّ نومه ونبهه أجرٌ كله، ومن غزى فخرًا ورياءً وسمعةً وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنه لن يرجع بالكفاف" أو في لفظٍ آخر: "فإنه لم يرجع بالكفاف".

    "الغزو غزوان" معناها أنَّ الغزو قسمان ونوعان: ممدوحٌ، ومذموم، وسيأتيكم التفصيل.
    "فمن غزى ابتغاء وجه الله" أولاً: شرط الإخلاص صاحبه حقق فيه شرط الإخلاص غزى ابتغاء وجه الله يريد ما عند الله عزَّ وجلَّ، هذا الذي أنهضه وأخرجه وحرَّكه ودفعه للجهاد أنه يريد نصرة دين الله، التقرب إلى الله، دفعته محبة الله والغيرة على دين الله والخشية من الله والخوف والرهبة من الله أن يلومه وأن يعاقبه ويؤاخذه لو لم يجاهد في سبيله، مريدًا ثواب الله وحسن جزائه وكرامته في الآخرة، مريدًا رضا الله سبحانه وتعالى، منافسًا في درجات وسُلَّم الكرامات عند الله عزَّ وجلَّ. هذه المعاني كلها متضمَّنة في قولنا "يريد وجه الله".
    "فمن غزى ابتغاء" ابتغاء يعني إرادة وجه الله عزَّ وجلَّ.
    "فمن غزى ابتغاء وجه الله وأطاع الإمام" هذه خمسة شروط ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث للغزو الصالح، للمجاهد الصالح، للجهاد الصالح.
    "فمن غزى ابتغاء وجه الله" إخلاص، إرادة وجه الله عزَّ وجلَّ وحده لا شريك له.
    "وأطاع الإمام" الشرط الثاني: طاعة الإمام، وهو الأمير الذي عليك، سواءً كان الإمام الأعظم في حال وجوده أو كان نوابه في حال وجوده أيضًا ونوابه هم المباشرين لك، أو في حال عدم وجوده مثلاً كأحوالنا اليوم عدم وجود إمام جامع واحد للمسلمين فيقوم جماعة المسلمين وقياداتهم وأمراؤهم تقوم مقام الإمام في هذا، هذا لا شك فيه، والشريعة والفقهاء متفقون على أنَّ مثل هذه الجماعات وجماعات المسلمين الصغيرة تقوم مقام الإمام في حال فقده وفي حال شغور الزمان عن الإمام الأعظم في مسائل متعددة ذكروها في الفقه، وهذه المسائل مسألة الجهاد اليوم الذي لا بد فيه من جماعةٍ وإمارةٍ وسمعٍ وطاعة لأنه لا يتم الجهاد إلا بها، فهذا لا شك في دخوله في هذا دخولاً أوليًا يعني لا شك في دخوله في هذه المسألة التي هي مسألة ما يقوم مقام الإمام في حالة عدم وجود الإمام هؤلاء أمراء الجهاد، "وأطاع الإمام" يدخل فيه الأمير أميرك أمير الجهاد وهو السمع والطاعة وهو الذي لا تكون الجماعة جماعة إلا به السمع والطاعة؛ لأنه لا جماعة إلا بسمع وطاعة، ما هي الجماعة وما هي حقيقتها؟ الجماعة قوم مجتمعون لهم رأس يطيعونه لهم رأس يعني أمير، قيادة، قائد، مسؤول عليهم يطيعونه يأتمرون بأمره هذه هي الجماعة، وليس مجرد يعني ناس وُجدوا في مكان واحد هؤلاء ليسوا جماعة، إنما الجماعة هي الجماعة التي اجتمعت على شخص واحد يقودهم ويسوسهم يأتمرون بأمره لأن؛
    لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم * * * ولا سراة إذا جُهَّالهم سادوا

    الشرط الثاني إذن: طاعة الإمام، "وأطاع الإمام"؛ طاعة الإمام في الجهاد، السمع والطاعة والانضباط في كل شيء والطاعة في كل شيء إلا إذا خالف الأمر الشريعة المخالفة الصريحة للشريعة إذا ارتكب حرامًا أو أمرك بحرام واضح ليس من المسائل الاجتهادية وغيرها لا، الأمر الواضح فحين إذ تقول "لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيةِ الخَالِقِ"، "إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ" لا طاعة للإنسان لأمير أو غيره في معصية الله أبدًا، إذن "وأطاع الإمام" هذا الشرط الثاني.
    "وأنفق الكريمة" يعني أنفق الأموال الكريمة عليه؛ الكريمة على نفسه التي تكرم عليه وتنفس عنده؛ تكون كريمة ونفيسة عنده، وإما يكون المقصود بها "الكريمة" يعني الأموال عمومًا مطلقًا لأنها كل الأموال في الحقيقة هي كريمة على الإنسان نفيسة عنده، المال مطلقًا، وإما أن يكون المقصود أنفق الأموال الكريمة التي هي الأموال الخاصة التي هي تكرم على الإنسان فيكون فيه ترغيب وحثٌّ على إنفاق كرائم الأموال.
    "وأنفق الكريمة" فالإنفاق واجب في الجهاد في سبيل الله في مثل حالتنا هذه إذا كان الجهاد متعينًا فالإنسان واجب عليه أن يجاهد بنفسه وماله الجهاد بالنفس لا يغني عن الجهاد بالمال يا إخواننا، نحن كل واحد منا واجب عليه أن يجاهد بنفسه ويجاهد بماله إذا كان عنده مال، طبعًا لا شك نحن معظمنا نحن يعني قليلي المال وما عندنا شيء كبير، ولكن لو فرض أن إنسانًا غنيًا وجاء إلى الجهاد هنا بنفسه يجب عليه أيضًا أن يجاهد بماله، وحتى في الجهاد الفرض الكفائي؛ الجهاد بالمال قد يتعيَّن إذا احتاج المسلمون في حال ما وفي وقت ما إلى ماله مثلاً، وعزَّ عليهم وصعب عليهم أن يأخذوا من غيره أو تعيَّن فيه واجب النفقة فـ "وأنفق الكريمة"، وعلى كل حال حتى في حالة عدم تعيُّنه عليه شخصيًا فإنفاق الكريمة فإنفاق الأموال في الجهاد في سبيل الله دالٌ على سخاء النفس في طاعة الله سبحانه وتعالى وبذلها في ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى، "وأنفق الكريمة" هذا الشرط الثالث.
    الشرط الرابع "وياسر الشريك"، ياسره يعني عامله باليسر ولم يعنته ولم يشدد عليه لا تعالى عليه ولا ترفَّع عليه بل تواضع له وذلَّ له كما قال الله تعالى: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
    فـ"وياسر الشريك" إذن هذا الشرط الرابع؛ والشريك هو الزميل، المجاهد شريكه زميله، المجاهد معه، أخيه المجاهد معه، "وياسر الشريك" لأنه زميله وشريكه في هذا الجهاد وصديقه ورفيقه، "وياسر الشريك" ياسره يعني عامله باليسر، خفض جناحه له وذل وتواضع له، عامله المعاملة اليسرى السهلة اللينة، "وياسر الشريك" فهذه تحتها معاني كثيرة جدًا، إذا كان نحن في الصلاة، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ" ويقول : "خَيْرُكُمُ أُلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ فِي الصَّلاةِ" حديث صحيح، فالجهاد مبني على العنف أصلاً، الجهاد شدة وقوة وعنف ومن هذا الجنس، ربما يكون الإنسان في حالة حدة وشدة واشتداد وقوة وغضب يعني يحتاج إلى القوة الغضبية في الجهاد، الحقد على الأعداء والغيض عليهم تنمية الغيض عليهم، لكن بالمقابل لا بد أن يكمل هذه الفضيلة بفضيلة الذلة للمؤمنين (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)، التراحم فيما بين المؤمنين، الرحمة للمؤمنين والشفقة عليهم والذلة لهم والتواضع لهم، رحمتهم، الإحسان إليهم، التودد والتعاطف والتراحم والتوادد فيما بين المؤمنين، "وياسر الشريك" يعني عامله بالرفق وباللين وبالذلة والتواضع والمودة والتيسير عليه ولا يعنته، طبعًا هذا مراتب متعددة يتفاوت فيها الناس، كلما كان الإنسان ألين لإخوانه أكثر ذلةً وتواضعًا كان أعلى عند الله سبحانه وتعالى "وما تواضع أحد لله إلا رفعه"، (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)، إذن هذا الشرط الرابع.
    الشرط الخامس "واجتنب الفساد في الأرض" اجتناب الفساد هذا عموم، كل فساد؛ كل ما لا يحبه الله سبحانه وتعالى، كل ما لا يرضى عنه الله عزَّ وجلَّ، كل ما ينهى عنه الله ولا يأمر به بل ينهى عنه، كل ما ينهى عنه الله عزَّ وجلَّ ويكرهه ويبغضه ويذمه فهذا هو الفساد، "واجتنب الفساد في الأرض" كل ما يتفق الناس عقلاؤهم على أنه من الفساد في الأرض يكون فسادًا إذا ما جاءت الشريعة بخلاف هذا، المنكر والفساد يجتنبه الإنسان، الاجتناب هو المباعدة، يجتنبه: يبتعد عنه، فلا يرتكبه ولا يقربه ولا يكون من أهله ومن أصحابه، "واجتنب الفساد في الأرض" الفساد بقتل الناس بغير حق، بأخذ أموال الناس بغير حق، بالتعالي والتكبر على الناس، بظلم الناس، بإرادة العلو في الأرض والفساد وأعراض الدنيا والغلبة على الناس، لأن المجاهد تعتريه آفات وفتن كبيرة، من أخطر الآفات التي تعتري المجاهدين ويبتلون بها وعليهم أن يجاهدوا أنفسهم إزاءها ويعتصموا بالله سبحانه وتعالى هي فتنة العلو على الخلق، الظلم للناس، أخذ أموال الناس وأخذ حقوقهم بغير حق، بغير إذنٍ من الله عزَّ وجلَّ، بغير إذنٍ من الشريعة، لأن الإنسان إذا ملك السلاح وصار له مُلك وتمكن في الأرض فإن هذه النفس الأمارة بالسوء تأمره وتدعوه وتميل به إلى ما تهواه من الغلبة على الناس والترفع عليهم والظهور فوقهم والأمر والنهي والسلطنة، فعلى الإنسان المجاهد أن يكون متواضعًا وألا يقع في هذه المحذورات العظيمة، أن ينتبه إلى جهاده وإلى قلبه وإلى نفسه وإلى عمله فينضبط بشريعة الله سبحانه وتعالى ويتواضع لله (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
    إذن "واجتنب الفساد في الأرض"؛ من الفساد أيضًا الفساد في وسط الجماعة المجاهدة بالفتنة والكلام بالتثبيط وبالتخذيل، وببث الفتن بين الناس، الإرجاف مثلاً والطعن في المؤمنين وفي جماعاتهم وفي قياداتهم وفي علمائهم أو غيرها بغير حق، هذا كله من الفتن، من الفساد في الأرض.
    "واجتنب الفساد في الأرض"؛ مساوئ الأخلاق عمومًا في التعامل مع إخوانه في الجهاد، هذه كلها من الفساد الذي يبغضه الله سبحانه وتعالى، فالمجاهد الحقيقي هو إذن من شرطه أنه يجتنب الفساد في الأرض، إذن هذه خمسة شروط.
    "فمن غزى ابتغاء وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة وياسر الشريك واجتنب الفساد في الأرض" قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن نومه ونبهه أجرٌ كله" هذا جواب الشرط أو الجزاء، فمن غزى وكذا وكذا بهذه الصفات "فإن نومه ونبهه أجرٌ كله"؛ نومه ونبهه يعني نومه أو صحوه، كله أجر ومعدود كله ومصبوب في ميزان حسناته، لا يمضي عليه ثانية ولا دقيقة وهو في ساحات الجهاد بهذه الشروط –الجهاد الحقيقي- إلا وهو إيش؟ العدَّاد يحسب، عداد الحسنات والملائكة تكتب يقظته ومنامه، "فإن نومه ونبهه أجرٌ كله".
    والغزو الثاني أيها الإخوة؛ النوع الثاني والقسم الثاني من الغزو ومن الجهاد الذي يراه الناس غزوًا ويسمَّى غزوًا ونسميه غزوًا ونسمِّيه جهادًا؛ من باب اعتبار الظاهر، من باب اعتبار الصورة، النظر إلى الصورة وإلى الظاهر فقط أو من باب الدعوى، اعتبار الدعوى، اعتبار دعواه، هذه كلها اعتبارات مبنية على التسمُّح، النبي صلى الله عليه وسلم سمَّاها غزوة أيضًا في أول صدر هذا الحديث؛ "ومن غزى فخرًا ورياءً وسمعةً وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنه لن يرجع بالكفاف" من غزى بهذه الصفات وهذه الأعمال المصاحبة لغزوه وجهاده وعدَّها خمسًا، بعضها يقارب بعضًا في المعنى، لكن هي خمسٌ أيضًا كأنه تنظير بالأول ومُشاكلةٌ له.
    "ومن غزى فخرًا"؛ غزى فخرًا: يفاخر الناس ويفتخر عليهم بغزوه، مريدًا الفخر أو قاصدًا بغزوه الفخر والافتخار على الناس، "ومن غزى فخرًا ورياءً": فخرًا هذه مفعول له، تسمَّى في النحو مفعول له ومفعول لأجله منصوب على المفعولية لأجله هذا، "ومن غزى فخرًا": يعني لأجل الفخر، أي غزى مفاخرًا ومفتخرًا على الناس.
    "ومن غزى فخرًا ورياءً": الرياء هو إرادة إراءة الناس عمله لكي يمدحوه ويَعْظُم في قلوبهم مثلاً، أن يعمل الإنسان العمل مريدًا أن يراه الناس، قاصدًا إراءة الناس عمله هذا حتى يمدحوه ويَعْظُم عندهم أو يكبر في نفوسهم وهكذا فهو لا يريد وجه الله إنما يريد أن يكبر ويعظم عند الناس، "ومن غزى فخرًا ورياءً" هذا هو الرياء، غزى رياءً يعني إنما دفعه وحمله على الغزو الرياء، مراءاة الناس مريدًا إراءة الناس عمله لكي يمدحوه أو يعظموه.
    "ومن غزى فخرًا ورياءً وسمعةً": السمعة هي إرادة الإنسان أن يسمع به الناس أو أن يُسْمِع الناس، السمعة والرياء هما باب واحد لكن هذا متعلق بالرؤية بالبصر وهذا متعلق بالسمع لإسماع الناس، "ومن غزى فخرًا ورياءً وسمعةً": يسمِّع الناس، يريد أن يسمع الناس ويسمِّعهم إذا هم لم يروا، يسمِّعهم ويتحدَّث ويتكلَّم، وأنا ونحن وفعلنا وحطّينا..، ولهذا الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يكرهون التحديث بمواقفهم في الغزو وبمشاهدهم في الغزو، وإنما حدَّثوا ببعض مشاهدهم في الغزو من أجل الفائدة ومن أجل التربية والتعليم وإعطاء حكم شرعي مثلاً أو غير ذلك وإلا كانوا يكرهون التحدُّث بمشاهدهم في الغزو خوفًا على أعمالهم أن تحبط حفظًا لأعمالهم وصيانةً ومجانبةً لأسباب حبوط العمل -نسأل الله العفو والعافية والسلامة-.
    "ومن غزى فخرًا ورياءً وسمعةً وعصى الإمام" بعكس الأول الذي أطاع الإمام هذا عصى الإمام، يعصي الإمام إمَّا المعصية الجهريَّة الواضحة فيُفسد في الأرض ويعصي الإمام ولا يطبِّق الأوامر ولا يسمع ولا يطيع ويخرج عن الطاعة والمشاقة والعصيان الكامل، أو العصيان الكثير الصغير المفسد، فهذا أيضًا فقد شرطًا كبيرًا من شروط المجاهد الجهاد الصحيح الحقيقي المحبوب لله سبحانه وتعالى، هذا عصى الإمام فهذا يكون من القسم الثاني من الجهاد ومن الغزو الذي لا يرضى عنه الله سبحانه وتعالى.
    "وعصى الإمام وأفسد في الأرض" بعكس الأول الذي اجتنب الفساد في الأرض، هذا أفسد في الأرض بالعلو والتعالي على الخلق وظلم الخلق بأخذ أموالهم وانتهاك أعراضهم -مثلاً- وقتلهم بغير حق وضرب أبشارهم بغير حق والتكبُّر عليهم والترفُّع.
    "وأفسد في الأرض" قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الذي غزى هذا الغزو وغزى على هذا النحو وعلى هذا الوجه قال: "فإنه لن يرجع بالكفاف" لن يرجع من غزوه وجهاده بالكفاف، والكفاف هو حالة الاستواء لا لك ولا عليك، يُقال رجع كفافًا يعني ما ربح وما خسر، رجل أخذ رأس مال للسوق يتاجر فباع واشترى وكذا وصفق بالأسواق فإذا به يرجع برأس ماله فيُقال: رجع كفافًا، لا له ولا عليه، هذه حالة الكفاف، وأيضًا تُستعمل بمعنى الحالة الكافية أو الحد الأدنى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ قُوتَ آَلِ مُحَمَّدٍ كَفَافًا"، يقول النبي صلى الله عليه وسلم هذا الذي غزى على هذا النحو وعلى هذا الوجه بهذا الصفات: "لن يرجع بالكفاف" يعني لن يرجع حتى برأس ماله، يعني أنه يرجع خاسرًا –والعياذ بالله- فالحديث واضح وجلي جدًا جدًا، أن من الناس من يغزو ويجاهد وهو يخسر -والعياذ بالله- لا يربح شيئًا، بل يخسر لأنه قال "لن يرجع بالكفاف" أو "لم يرجع بالكفاف" يعني حتى برأس ماله ما رجع، بل رجع خاسرًا.
    فوالله هذا شيء عظيم جدًا جدًا شيء عظيم، ينبغي علينا أن يكون دائمًا نصب أعيننا، والله شيء يُطير القلوب ويُفزعها أنَّ الإنسان يجاهد ثمَّ يقول ليتني لم أجاهد، ونحن أيها الأخوة بين نارين فعلينا أن نستعين بالله سبحانه وتعالى وننجو بين يدي الله عزَّ وجلَّ ونكون من المفلحين الفائزين الرابحين الناجحين المرضيِّ عنهم عند الله سبحانه وتعالى، لا بد نسعى في هذا ونجتهد، هذا هو الربح الحقيقي وخلافه هو الخسران المبين، نحن بين نارين: نار القعود عن الجهاد ونار أن نذهب إلى الجهاد ولكن نخسر، فلا بد أن ننجو، لا بد أن نكون رجالاً حقًّا ونستعين بالله سبحانه وتعالى ونتوكَّل عليه ونعتمد عليه فيوفِّقنا الله وننجح، امتحان صعب في غاية الصعوبة ومحك خطير جدًا جدًا، لأن ربَّما إذا سمع بعض الناس هذا الكلام يقول: إذا كان فيه خطر عظيم أني أنا ممكن أذهب للجهاد ثمَّ أخسر فأنا لا أجاهد، نقول له: (أَلَا فِي الفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكَافِرِينَ)، بل عليك أن تجاهد يجب عليك الجهاد ولو قعدت ولم تجاهد فإنك مرتكب كبيرةً في مثل هذا الوقت الذي الجهاد فيه فرض عين، القاعد عن الجهاد بغير عذر مرتكب كبيرة، ويل له من الله إن لم تتداركه رحمة الله عزَّ وجلَّ إن لم يتب أو تتداركه رحمة الله سبحانه وتعالى بأسباب المكفِّرات فإنه متعرِّضٌ لسخط الله وعذابه، متعرِّضٌ لوعيد الله على هذه الكبيرة الفظيعة التي ارتكبها وهي القعود عن الجهاد الواجب المتعيّن عليه، فيجب علينا أن نجاهد وما نخاف منه يجب علينا أن نجاهد أيضًا حتى نكون مجاهدين حقًّا كما يحب الله سبحانه ويرضى، كلُّها جهاد؛ في البداية جهاد وأنت في أرضك وبين أحضان أمِّك فتنهض للجهاد وتخرج للجهاد وتنفر للجهاد تاركًا وراءك الدنيا والأحباب والأهل والخلاَّن والأوطان وتهاجر وتجاهد في سبيل الله، ثم عليك جهاد آخر وهو جهاد حقيقي لكي تكون مجاهدًا حقًّا، جهاد أن تحقق هذه الخمسة شروط التي هي:
    1- ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى.
    2- وإطاعة الإمام.
    3- وإنفاق الكريمة.
    4- ومياسرة الشريك.
    5- واجتناب الفساد في الأرض.
    لا بد أن تُحقِّقَها مجاهدةً للنفس، والمجاهد من جاهد نفسه في ذات الله، تجاهد نفسك وتأطرها وتحملها على أن تستقيم على منهاج الله سبحانه وتعالى وعلى شريعة الله، حتى تكون في سبيل الله وفي طريق الله عزَّ وجلَّ حقًّا مرضيًّا عنك عند الله عزَّ وجلَّ، فهو جهاد كلُّه، جهاد إلى آخر نَفَس أيها الأخوة، جهاد إلى آخر قطرة من دمائنا.. جهاد.

  • #2
    رد: درس في التحريض على الجهاد/لفضيلة الشيخ/ عطیة الله جمال المصراتي (رحمه الله)

    الدرس طويل سأعود لقرائته ان شاء الله

    بارك الله فيك
    منا الجند ومنا القادة

    وكلنا عشاق شهادة

    زحفا زحفا حتى النصر

    تعليق

    يعمل...
    X