التعصب الحزبي
داء لـــــــه دواء
مقدمة:
التعصب ظاهرة اجتماعية قديمة حديثة، اتخذت أشكالاً عدة، فتارة تكون للقبيلة أو العائلة، وتارة أخرى لاتجاه فكري معين، أو لحزب سياسي، وباتت ظاهرة التعصب للحزب أو ما تم الاصطلاح عليه بالتعصب الحزبي آخذة بالتفشي بشكل كبير في المجتمع الفلسطيني سيما بعد الانتخابات التشريعية في مطلع العام 2006م ·، وامتد أثرها إلى كل بيت، ولعل الشواهد
- التي لا تغيب عن أعيننا - دليل شديد الوضوح في المجتمع الفلسطيني، فتشتد وتيرة التعصب الحزبي تارة بين الأشقاء في المنزل الواحد ما بين المشادة الكلامية إلى إطلاق النار، إضافة إلى دلالات أخرى جعلت ناقوس الخطر يدوي بإنذار استفحال ظاهرة اجتماعية سيئة تحمل في طياتها ما يكون سبباً رئيساً في تفتيت لُحمة المجتمع الفلسطيني.
ويعد هذا المؤتمر – كمبادرة عاجلة - هاماً لعلاج الصدع المجتمعي الذي كان للتعصب الحزبي الدور الرئيس فيه، والذي وجد عوامل بيئية ومجتمعية أخرى ساعدت على انتشاره، وبالتالي فإن هذه الورقة تكتسب أهميتها من أهمية المؤتمر بجميع محاوره، وتتركز أهمية الموضوع بالنسبة للمجتمع على وجه الخصوص، لتقدم فكرة واحدة – على الأقل - يمكن أن تترجم إلى برنامج عمل تطبيقي يساهم في توحيد الصف الوطني الفلسطيني.
وتهدف هذه المشاركة إلى الحد من بواعث التعصب الحزبي لتحقيق معنى الأخوة الفعلية بين أبناء الشعب الواحد، والدين الواحد، والبلد الواحد، والهدف الواحد، والقضية الواحدة، والتعرف على الأسباب الكامنة وراء انتشار ظاهرة التعصب الحزبي، ومحاولة الحد من انتشارها، كما تهدف إلى تقديم مشروع تطبيقي يستطيع الإجابة على التساؤلات التي تطرحها هذه الورقة، وهي:
· ما هو التعصب الحزبي، ومتى يكون التعصب الحزبي محموداً؟
· كيف أثر التعصب الحزبي على النسيج الوطني الفلسطيني؟
· لماذا انتشر التعصب الحزبي في المجتمع الفلسطيني بهذه السرعة؟
· كيف يمكن أن نعالج أو نحد من ظاهرة التعصب الحزبي؟
كما تهدف هذه الورقة إلى إتاحة الفرصة للتفكير والرجوع إلى الأصل في التربية الإسلامية التي تدعو إلى نبذ العصبية بكل صورها استناداً إلى قول الرسول الكريمr (ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من مات على عصبية) [1] ويشمل ذلك كل أشكال التعصب بما فيها التعصب الحزبي، الذي طالما يحاول صاحبه أن يعطيه من المبررات التي قد تضطره لاستخدام وسائل وأساليب زائفة للدفاع عنه.
وتتناول هذه الورقة بإيجاز المقصود بالتعصب الحزبي مع تقديم مبررات التعصب المحمود والتعصب المذموم كما يراه البعض، والتركيز على الانعكاسات السلبية للتعصب الحزبي السلبية على القضية الفلسطينية بشكل عام، وعلى النسيج الوطني الفلسطيني بشكل خاص، وفي محور آخر تتناول الورقة أهم الأسباب التي تؤدي إلى التعصب الحزبي أو تجعل بيئته خصبة لنمو الفتن الحزبية الطفيلية الخطرة.
وتختتم الورقة بتصور مقترح للحد من ظاهرة التعصب الحزبي وكيفية توظيف الطاقات الفردية والمجتمعية في محاربة هذا الوباء الاجتماعي، وذلك بالانشغال في التصدي لنصرة القضية الفلسطينية الأم، وتوجيه طاقات الشعب الفلسطيني تجاه الهدف الأسمى لدحر العدوان الصهيوني، والتحلي بسمات وأخلاقيات المسلم في إشاعة روح التسامح والترفع عن تصيد الأخطاء للأشقاء في الأحزاب الأخرى.
وأخيراً، أسأل المولى عز وجل أن يتقبل هذا العمل المتواضع، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع بالصالح منه، وأن يتجاوز عن القصور فيه، ويهدينا الصواب إنه على كل شيء قدير وبعباده رءوف رحيم.
أولاً : مفهوم التعصب الحزبي:
التعصب ظاهرة اجتماعية لها بواعث نفسية شتى [1]، وقد تساعد على تنميتها دوافع فكرية أو سياسية أو ثقافية أو دينية ... الخ، ولعل من أبرز صور التعصب الفكري اليوم هو التعصب ضد المسلمين، فباتوا يصفون المسلمين بالمتعصبين، وكلما ازداد المسلمين تمسكاً بتعاليم دينهم انكال أعداء الإسلام عليهم باصطلاح أشد تعصباً فوصفوهم بالمتعصبون أو المتشددون أو المتزمتون وأخيراً المتطرفون إلى غيرها من الألفاظ التي تشوه صورة الإسلام والمسلمين وتسعى لإحداث الفرقة بين أبناءه.
ولكي يتضح المقصود بالتعصب الحزبي الوارد في عنوان هذه الورقة، يجدر بنا تحليل مفردات العنوان للتعرف على مضمون التعصب الحزبي، أما التعصب فيأتي في اللغة بمعنى الشدة يقال لحم عصب: صلب شديد، وأتعصب أشتد، والعصب: الطي الشديد، وعصب رأسه وعصبه تعصيباً: شده واسم ما شد به العصابة، ومنه قوله عز وجل (هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ) [2] أي شديد ، والتعصب من العصبية والعصبية أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته والتألب معهم على من يناوئهم ظالمين كانوا أو مظلومين[3].
واصطلاحاً فهو التشدد وأخذ الأمر بشدة وعنف وعدم قبول المخالف ورفضه والأنفة من أن يتبع غيره ولو كان على صواب، وهو نصرة المتعصب لقومه أو جماعته أو من يؤمن بمبادئه سواء كانوا محقين أم مبطلين، وسواء كانوا ظالمين أو مظلومين[4].
أما الحزب، وجمعه أحزاب : يعني كل طائفة أو جماعة جمعهم اتجاه نحو غرض واحد سياسياً كان ذلك الغرض أو غير سياسي، وغلب حالياً إطلاق مصطلح الحزب على التنظيم الذي يجمع جماعة من الأفراد تشترك في تصور واحد لبعض المسائل السياسية، وتكون رأياً انتخابياً واحداً [5]، والتحزب يعني انتظام الناس في أحزاب، ويمكن أن يشتق منه أيضاً حزبي أو حزبياً أي ينتمي لجماعة معينة.
ويرى الكاتب أنه يمكن تعريف التعصب الحزبي بأنه: المبالغة الشديدة في مناصرة طائفة أو حزب معين والدفاع عنه – بغض النظر على حق كان أم باطل- والرفض الشديد لأي من الأفكار التي تعادي دستور أو مبادئ الحزب، وتقديم الولاء المطلق لقادته.
هل التعصب الحزبي محمود أم مذموم؟
اتجه البعض[6] إلى أن التعصب في حد ذاته لا يعد سلوكاً مذموماً مادام هنالك ضوابط، بمعنى لا يعاب على صاحبه بل هو من صميم إيمانه طالما كان الموصوف به خادماً مطيعاً وراعياً أميناً لوطنه وأمته ومبادئ دينه، فالأولى بالمسلم أن يكون تعصبه في إطار الحق دون انزلاق تجاه الشهوة أو الغنيمة أو السلطة أو الجاه.
وبذلك فإن أنصار هذا الاتجاه يرون أن التعصب الحزبي لا يعد في حد ذاته سمة سيئة، طالما أن هنالك إيمان بأفكار هذا الحزب وطالما أن الهدف من وراء هذا التعصب هو هدف يحقق مصلحة وطنية كبرى، وليس مآرب شخصية، فمتى تحول هذا التعصب وسيلة لتحقيق غاية ذاتية كان التعصب ممقوتاً مذموماً.
ويرى الكاتب أن هذا التبرير ما هو إلا وسيلة لتجميل صورة التعصب لوصفة بما لم يتصف به، وهي محاولة للتزيين بغرض إقناع أعضاء الحزب الواحد بأن يؤمنون به من أفكار قد تنزهت عن الخطأ، وبالتالي تُعْصِب أعينهم عن الرؤية السليمة للحقائق، وتُعْصِب قلوبهم عن الإدراك بأنهم قد وقعوا – دون وعي - في شباك التعصب الحزبي.
كما أن ذلك يخالف ما جاءت به الشريعة الإسلامية باعتبارها – بلا شك - مرتكزة على الإيمان بمشروعية التعدد في الآراء والتوجهات، فالمجتمعات التي تعتمد مشروعية "التعددية الفكرية" هي التي تعتمد تعددية التنظيم والانتظام في الأحزاب[7] ، وهذا ما أكده الإسلام عند التحدث عن وحدة "الدين" من لدن آدم إلى محمد، وعبر كل الرسل والأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام ، فإنه قد تحدث عن التعددية في "الشرائع" لأمم الرسالات، فقال تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [8]، وأكد التعدية أيضاً قوله تعالى (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) [9]، فالدين واحد، أزلاً وأبداً، والشرائع متعددة، أزلاً وأبداً، كذلك فهنا وحدة، وتعددية في إطار الوحدة [10]، وبالتالي فإن التجربة السياسية الأولى لدولة الإسلام قد شهدت من "المؤسسات" ما "يشبه" التمايز التنظيمي – لا الحزبي – على نحو من الأنحاء.
يتبع..............
داء لـــــــه دواء
مقدمة:
التعصب ظاهرة اجتماعية قديمة حديثة، اتخذت أشكالاً عدة، فتارة تكون للقبيلة أو العائلة، وتارة أخرى لاتجاه فكري معين، أو لحزب سياسي، وباتت ظاهرة التعصب للحزب أو ما تم الاصطلاح عليه بالتعصب الحزبي آخذة بالتفشي بشكل كبير في المجتمع الفلسطيني سيما بعد الانتخابات التشريعية في مطلع العام 2006م ·، وامتد أثرها إلى كل بيت، ولعل الشواهد
- التي لا تغيب عن أعيننا - دليل شديد الوضوح في المجتمع الفلسطيني، فتشتد وتيرة التعصب الحزبي تارة بين الأشقاء في المنزل الواحد ما بين المشادة الكلامية إلى إطلاق النار، إضافة إلى دلالات أخرى جعلت ناقوس الخطر يدوي بإنذار استفحال ظاهرة اجتماعية سيئة تحمل في طياتها ما يكون سبباً رئيساً في تفتيت لُحمة المجتمع الفلسطيني.
ويعد هذا المؤتمر – كمبادرة عاجلة - هاماً لعلاج الصدع المجتمعي الذي كان للتعصب الحزبي الدور الرئيس فيه، والذي وجد عوامل بيئية ومجتمعية أخرى ساعدت على انتشاره، وبالتالي فإن هذه الورقة تكتسب أهميتها من أهمية المؤتمر بجميع محاوره، وتتركز أهمية الموضوع بالنسبة للمجتمع على وجه الخصوص، لتقدم فكرة واحدة – على الأقل - يمكن أن تترجم إلى برنامج عمل تطبيقي يساهم في توحيد الصف الوطني الفلسطيني.
وتهدف هذه المشاركة إلى الحد من بواعث التعصب الحزبي لتحقيق معنى الأخوة الفعلية بين أبناء الشعب الواحد، والدين الواحد، والبلد الواحد، والهدف الواحد، والقضية الواحدة، والتعرف على الأسباب الكامنة وراء انتشار ظاهرة التعصب الحزبي، ومحاولة الحد من انتشارها، كما تهدف إلى تقديم مشروع تطبيقي يستطيع الإجابة على التساؤلات التي تطرحها هذه الورقة، وهي:
· ما هو التعصب الحزبي، ومتى يكون التعصب الحزبي محموداً؟
· كيف أثر التعصب الحزبي على النسيج الوطني الفلسطيني؟
· لماذا انتشر التعصب الحزبي في المجتمع الفلسطيني بهذه السرعة؟
· كيف يمكن أن نعالج أو نحد من ظاهرة التعصب الحزبي؟
كما تهدف هذه الورقة إلى إتاحة الفرصة للتفكير والرجوع إلى الأصل في التربية الإسلامية التي تدعو إلى نبذ العصبية بكل صورها استناداً إلى قول الرسول الكريمr (ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من مات على عصبية) [1] ويشمل ذلك كل أشكال التعصب بما فيها التعصب الحزبي، الذي طالما يحاول صاحبه أن يعطيه من المبررات التي قد تضطره لاستخدام وسائل وأساليب زائفة للدفاع عنه.
وتتناول هذه الورقة بإيجاز المقصود بالتعصب الحزبي مع تقديم مبررات التعصب المحمود والتعصب المذموم كما يراه البعض، والتركيز على الانعكاسات السلبية للتعصب الحزبي السلبية على القضية الفلسطينية بشكل عام، وعلى النسيج الوطني الفلسطيني بشكل خاص، وفي محور آخر تتناول الورقة أهم الأسباب التي تؤدي إلى التعصب الحزبي أو تجعل بيئته خصبة لنمو الفتن الحزبية الطفيلية الخطرة.
وتختتم الورقة بتصور مقترح للحد من ظاهرة التعصب الحزبي وكيفية توظيف الطاقات الفردية والمجتمعية في محاربة هذا الوباء الاجتماعي، وذلك بالانشغال في التصدي لنصرة القضية الفلسطينية الأم، وتوجيه طاقات الشعب الفلسطيني تجاه الهدف الأسمى لدحر العدوان الصهيوني، والتحلي بسمات وأخلاقيات المسلم في إشاعة روح التسامح والترفع عن تصيد الأخطاء للأشقاء في الأحزاب الأخرى.
وأخيراً، أسأل المولى عز وجل أن يتقبل هذا العمل المتواضع، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع بالصالح منه، وأن يتجاوز عن القصور فيه، ويهدينا الصواب إنه على كل شيء قدير وبعباده رءوف رحيم.
أولاً : مفهوم التعصب الحزبي:
التعصب ظاهرة اجتماعية لها بواعث نفسية شتى [1]، وقد تساعد على تنميتها دوافع فكرية أو سياسية أو ثقافية أو دينية ... الخ، ولعل من أبرز صور التعصب الفكري اليوم هو التعصب ضد المسلمين، فباتوا يصفون المسلمين بالمتعصبين، وكلما ازداد المسلمين تمسكاً بتعاليم دينهم انكال أعداء الإسلام عليهم باصطلاح أشد تعصباً فوصفوهم بالمتعصبون أو المتشددون أو المتزمتون وأخيراً المتطرفون إلى غيرها من الألفاظ التي تشوه صورة الإسلام والمسلمين وتسعى لإحداث الفرقة بين أبناءه.
ولكي يتضح المقصود بالتعصب الحزبي الوارد في عنوان هذه الورقة، يجدر بنا تحليل مفردات العنوان للتعرف على مضمون التعصب الحزبي، أما التعصب فيأتي في اللغة بمعنى الشدة يقال لحم عصب: صلب شديد، وأتعصب أشتد، والعصب: الطي الشديد، وعصب رأسه وعصبه تعصيباً: شده واسم ما شد به العصابة، ومنه قوله عز وجل (هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ) [2] أي شديد ، والتعصب من العصبية والعصبية أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته والتألب معهم على من يناوئهم ظالمين كانوا أو مظلومين[3].
واصطلاحاً فهو التشدد وأخذ الأمر بشدة وعنف وعدم قبول المخالف ورفضه والأنفة من أن يتبع غيره ولو كان على صواب، وهو نصرة المتعصب لقومه أو جماعته أو من يؤمن بمبادئه سواء كانوا محقين أم مبطلين، وسواء كانوا ظالمين أو مظلومين[4].
أما الحزب، وجمعه أحزاب : يعني كل طائفة أو جماعة جمعهم اتجاه نحو غرض واحد سياسياً كان ذلك الغرض أو غير سياسي، وغلب حالياً إطلاق مصطلح الحزب على التنظيم الذي يجمع جماعة من الأفراد تشترك في تصور واحد لبعض المسائل السياسية، وتكون رأياً انتخابياً واحداً [5]، والتحزب يعني انتظام الناس في أحزاب، ويمكن أن يشتق منه أيضاً حزبي أو حزبياً أي ينتمي لجماعة معينة.
ويرى الكاتب أنه يمكن تعريف التعصب الحزبي بأنه: المبالغة الشديدة في مناصرة طائفة أو حزب معين والدفاع عنه – بغض النظر على حق كان أم باطل- والرفض الشديد لأي من الأفكار التي تعادي دستور أو مبادئ الحزب، وتقديم الولاء المطلق لقادته.
هل التعصب الحزبي محمود أم مذموم؟
اتجه البعض[6] إلى أن التعصب في حد ذاته لا يعد سلوكاً مذموماً مادام هنالك ضوابط، بمعنى لا يعاب على صاحبه بل هو من صميم إيمانه طالما كان الموصوف به خادماً مطيعاً وراعياً أميناً لوطنه وأمته ومبادئ دينه، فالأولى بالمسلم أن يكون تعصبه في إطار الحق دون انزلاق تجاه الشهوة أو الغنيمة أو السلطة أو الجاه.
وبذلك فإن أنصار هذا الاتجاه يرون أن التعصب الحزبي لا يعد في حد ذاته سمة سيئة، طالما أن هنالك إيمان بأفكار هذا الحزب وطالما أن الهدف من وراء هذا التعصب هو هدف يحقق مصلحة وطنية كبرى، وليس مآرب شخصية، فمتى تحول هذا التعصب وسيلة لتحقيق غاية ذاتية كان التعصب ممقوتاً مذموماً.
ويرى الكاتب أن هذا التبرير ما هو إلا وسيلة لتجميل صورة التعصب لوصفة بما لم يتصف به، وهي محاولة للتزيين بغرض إقناع أعضاء الحزب الواحد بأن يؤمنون به من أفكار قد تنزهت عن الخطأ، وبالتالي تُعْصِب أعينهم عن الرؤية السليمة للحقائق، وتُعْصِب قلوبهم عن الإدراك بأنهم قد وقعوا – دون وعي - في شباك التعصب الحزبي.
كما أن ذلك يخالف ما جاءت به الشريعة الإسلامية باعتبارها – بلا شك - مرتكزة على الإيمان بمشروعية التعدد في الآراء والتوجهات، فالمجتمعات التي تعتمد مشروعية "التعددية الفكرية" هي التي تعتمد تعددية التنظيم والانتظام في الأحزاب[7] ، وهذا ما أكده الإسلام عند التحدث عن وحدة "الدين" من لدن آدم إلى محمد، وعبر كل الرسل والأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام ، فإنه قد تحدث عن التعددية في "الشرائع" لأمم الرسالات، فقال تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [8]، وأكد التعدية أيضاً قوله تعالى (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) [9]، فالدين واحد، أزلاً وأبداً، والشرائع متعددة، أزلاً وأبداً، كذلك فهنا وحدة، وتعددية في إطار الوحدة [10]، وبالتالي فإن التجربة السياسية الأولى لدولة الإسلام قد شهدت من "المؤسسات" ما "يشبه" التمايز التنظيمي – لا الحزبي – على نحو من الأنحاء.
يتبع..............
تعليق