(خاص/ القدس للأنباء)
أحيا أهالي كفر مندا الجليلية الذكرى الحادية عشر لشهداء هبة القدس والأقصى
بمسيرة مشاعل يوم الاثنين الماضي بمشاركة القوى والفعاليات السياسية في فلسطين 48، ومن بينهم رئيس لجنة المتابعة محمد زيدان. فحمل الأطفال صور الشهداء والأعلام الفلسطينية وتوجهت المسيرة الى النصب التذكاري للشهيد ابن القرية رامز بشناق.
وقبل يومين، زار وفد مؤلف من قياديي الداخل أضرحة شهداء هبة القدس والأقصى في عرابة البطوف وسخنين وقرية جت ووادي عارة وقرية معاوية والناصرة وكفركنا وكفرمندا ووضعوا أكاليل الزهور على النصب التذكارية ثم توجهوا الى مدينة سخنين للمشاركة في المسيرة المركزية لجماهيرنا في فلسطين 48 لإحياء هذه الذكرى، التي دعت اليها لجنة المتابعة للجماهير العربية، رافعين الشعار المركزي "اننا هنا باقون ما بقي الزعتر والزيتون" ومنددين بالسياسة الصهيونية المستمرة منذ احتلال فلسطين. أما مدينة رهط في النقب، فقد استقبلت المسيرة المركزية الثانية وذلك تأكيدا على رفض الجماهير الفلسطينية لمخطط "برافر" الذي ينهب أكثر من نصف الأراضي المتبقية لأهلنا في النقب ويهجر عشرات الآلاف من قراهم التي ترفض السلطات الصهيونية الاعتراف بها.
الانتفاضة الفلسطينية تمحي "الخط الأخضر"
شكلت هبة القدس والأقصى في الأراضي المحتلة عام 1948 التي اندلعت أيام قليلة بعد انتفاضة الأقصى انعطافا مهما في مسيرة النضال الشعبي في الداخل الفلسطيني كما أثبتت التحول الكبير الذي طرأ على الوعي السياسي للجاهير الفلسطينية بعد اتفاقية اوسلو، التي عملت على إبعادهم وفصلهم عن القضية الفلسطينية بشكل عام واعتبرتهم "مواطنين عرب أسرائيليين".
في الوقت الذي كانت فيه القيادة السياسية في السلطة الفلسطينية وفي النظام العربي المتمثل بالرئيس المخلوع حسني مبارك تطالب الجماهير العربية في الداخل وقياداتها ان تكون مساندة لها وأداة ضغط على "اليمين" الصهيوني لصالح "اليسار" من أجل شروط تفاوضية أفضل في نطاق مشروع أوسلو، خرجت الجماهير العربية الفلسطينية لتعلن مساندتها ومساهمتها في الانتفاضة من أجل القدس وفلسطين. لقد رفضت التمييز بين شارون وباراك، واعتبرت معركتها ضد الظلم والاحتلال والعنصرية والاستيطان والتطهير العرقي معركة ضد المؤسسة الصهيونية بكافة ألوانها، الأمنية والسياسية والشعبية والإعلامية. فكانت هبة القدس والأقصى ردا مدويا على طروحات أوسلو والمفاوضات المرتبطة بها، بقولها انه لا يمكن التخلي عن فلسطين التاريخية ولا يمكن إبعاد مليون ونصف مليون عربي فلسطيني ما زال يعيش على أرضه ويناضل من أجل حريته وكرامته.
اندلعت هبة القدس والأقصى بعد الخطوة الاستفزازية لشارون الذي اقتحم المسجد الأقصى المبارك والقمع الدموي الذي تلاها ضد الجماهير المنتفضة في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة. اندفعت الجماهير الفلسطينية في الداخل لنصرة شعبها وشاركت في المسيرات التي قررتها لجنة المتابعة في يوم 30/9/2000، وهتفت لأرواح الشهداء الذين سقطوا وللمسجد الأقصى. فجاء القرار بقمع وقتل المشاركين من أعلى السلطة السياسية المتمثلة بايهود باراك وشلومو بن عامي وكانت الجريمة عندما أقدمت الشرطة الصهيونية وأفراد حرس الحدود على اطلاق النار بدم بارد على المتظاهرين. فسقط 11 شهيدا في غضون ثلاثة أيام ثم سقط شهيدين في الناصرة بعد بضعة أيام، تتراوح أعمار معظمهم من 17 الى 25 عاما.
بعد جريمة قتل ال13 شابا، طالبت الجماهير الفلسطينية وقياداتها بمحاكمة القتلة من عناصر الشرطة وحرس الحدود. فعيّنت الحكومة الصهيونية لجنة تحقيق في العام 2001 برئاسة قاضي المحكمة تيودور أور. فصدر عن هذه اللجنة تحقيقا باهتا يلقي اللوم على بعض القيادات السياسية الفلسطينية في الداخل متهمة أياها بإثارة مشاعر الناس كما طالبت من جهة أخرى القيادات الصهيونية العمل على تخفيف حدة السلوك العنصري، غير انها لم تشخص معظم المسؤولين عن أعمال القتل ولم تمنح عائلات الشهداء حق الاستجواب كما انها اكتفت بتقارير سرية للشاباك. رفضت كل الاحزاب والحركات السياسية في الداخل توصيات اللجنة كما رفضت لجنة ذوي الشهداء أية تسوية أو تعويض، مطالبة بمحاكمة المجرمين.
التحدي والمواجهة
ومنذ تلك الفترة، تشارك الجماهير الفلسطينية في الداخل في المسيرات السنوية في ذكرى هبة القدس والأقصى وسقوط شهداءها، وتصعّد حدة خطابها الوطني في تحدي واضح للمؤسسة الصهيونية، التي تصرّ على اعتبارهم "مواطنين" غير مرغوب بهم و"قنبلة ديمغرافية موقوتة" وتتعامل معهم على أساس أمني.
لقد أدركت الجماهير الفلسطينية في الداخل قوتها الذاتية خلال هبة القدس والأقصى والمواجهات السياسية التي تلتها في هذا الجزء الأساسي من فلسطين المحتلة. فهي طالبت أولا بمحاكمة المجرمين الذين ينتمون الى القوى الأمنية الصهيونية وقامت بتعرية العنصرية المؤسساتية في مؤتمر دوربان عام 2001 مما أثار غضب الكيان وكافة شرائح مجتمعه. ثم نظمّت المساندة والدعم الى شعبها في الضفة الغربية وقطاع غزة من خلال لجان الاحياء والقرى والبلدات حتى جاء قرار المؤسسة الصهيونية باعتقال الشيخ رائد صلاح بتهمة "تبييض الأموال ودعم الإرهاب" في العام 2003.
حاولت المؤسسة الصهيونية، من خلال الملاحقات السياسية وتعبئة شارعها العنصري، إقصاء وإبعاد القيادة الفلسطينية كما فعلت عام 1948 بعد احتلالها فلسطين لتترك الجماهير في الداخل دون قيادة ميدانية. فكانت الحملات الإعلامية ضد الرموز الوطنية ومحاولات الاغتيال والترهيب والاعتقال كما كانت محاولات التمييز بين القيادات "المساندة للإرهاب" وتلك "المعتدلة"، غير ان الالتفاف الجماهيري حول قياداته من كافة الأحزاب ورموزه التاريخية أسقط هذه المحاولة.
رغم الخلافات السياسية والفكرية التي تعكس الانتماءات الفكرية والتنظيمية العديدة في المجمتع الفلسطيني في الداخل، صممّت الجماهير وقياداتها على وحدة الأداء في معظم الاحيان لمواجهة المؤسسة الصهيونية. فوقفت الى جانب المقاومة الاسلامية في لبنان في حرب 2006 كما وقفت الى جانب المقاومة في الحرب على قطاع غزة في 2008-2009. دافعت عن القدس وأهلها كما دافعت عن أهل عكا وأم الفحم وشفا عمرو ضد المستوطنين المدعومين من المؤسسة الصهيونية. تحت لواء لجنة المتابعة للجماهير العربية، شاركت في اسطول الحرية لفك الحصار عن قطاع غزة وتشارك في الحملة العالمية لعزل الكيان الصهيوني ومقاطعته، كما نشطت في الدفاع عن الأسرى والموقوفين ووقفت الى جانب كل مواطن تم استدعائه للتحقيق من قبل الأجهزة الأمنية.
لجأت المؤسسة الصهيونية الى شرعنة ممارساتها العنصرية والتطهير العرقي لمواجهة المد الوطني الفلسطيني في الداخل وأصدرت القوانين ضد احياء ذكرى النكبة وفرض التعاليم الصهيونية في المدارس وحددّت ما هو "المواطن الصالح" وهدّدت بسحب الهويات وإبعاد كل من يزعجها، معتبرة ان وجود الفلسطيني في أرضه المحتلة منّة وليس حق. كما لجأت في الآونة الأخيرة الى تهديد المجتمع الفلسطيني بإشاعة العنف بداخله عن طريق تسليح بعض الأفراد وترويج المخدرات.
ولكن رغم هذه المحاولات البائسة من قبل المؤسسة الصهيونية، واصلت الجماهير الفلسطينية في الداخل المعركة والمواجهة للدفاع عن الأرض والسكن في النقب والجليل والمثلث، وفي المدن الساحلية ورفعت شعاراتها لتعبر عن انتماءها : "باقون ما بقي الزعتر والزينون" و"يوم استقلالكم هو يوم نكبتنا".
تعليق