الكلب الذي اشتريناه
ما زلت إلي اليوم و بعد مرور كل تلك السنين أسأل نفسي لماذا فشل مشروع الكلب
أحداث قصتنا دارت تقريبا في نهايات عام 1981
كان أخي الأكبر ( رحمه الله ) يملك ذهنا منظما و موهبة فذة في ابتكار الأفكار المدهشة ..
تجلت تلك الموهبة في سن مبكرة للغاية عندما صاحت بعض الدجاجات في منتصف الليل علي سطح البناء الذي كنا نقطن فيه
أسرعنا جميعا بالصعود إلي سطح البيت
اكتشفنا جوالا به بطة واحدة و أرنب واحد بجوار سور السطح الملاصق لجيراننا....
الأرنب و البطة هي جزء من الحيوانات الداجنة المقيمة في عشة فخمة بنيت خصيصا لاحتواء ذلك القطيع الصغير لتدعيم الأمن الغذائي لأسرتنا.
كان الاستنتاج المنطقي لذلك الحدث هو محاولة أحد اللصوص السطو علي بعض من ممتلكات أسرتنا من رصيدها الغذائي, مستغلا سكون الليل و طبيعة البط و الأرانب الصامتة لكن صياح الدجاج فضح محاولة ذلك اللص فقرر الهرب تاركا الغنيمة .
بعدما هدأت المناقشات حول ذلك اللص التافه ..
أقترح أخي الأكبر ( رحمه الله ) إحضار كلب لحراسة سطح البيت ..
كان الاقتراح بمثابة قنبلة فجرت خلافا للرأي لم أشهد مثله من قبل في تلك السن المبكرة ..
بنات الأسرة لم يحرك الاقتراح العبقري لديهن أي مشاعر و لم يهتموا علي الإطلاق بتأييد أو رفض الاقتراح..
نحن الذكور من أبناء الأسرة لم يسبق أن اتفقنا علي شيء مثلما اجمعنا بحماس علي تأييد اقتراح أخي الأكبر ( رحمه الله ) ...
كان كل منا لديه أسبابه المختلفة التي تدعوه للتحمس لاقتناء كلب.
الرفض القاطع شكلا و مضمونا كان من طرف والدتنا ( متعها الله بالصحة و العافية ) و عندها أسباب لا يمكن دفعها أو دحضها .. فنجاسة الكلب ستفسد طهارة البيت ..
حصلنا علي التصريح بإحضار الكلب بعد مداولات استمرت عدة أيام أو ربما أكثر من أسبوع بشروط صارمة أبسطها أن جلب و رعاية الكلب بالكامل مسئوليتنا نحن الذكور فقط و عند الإخلال بأي شرط من تلك الاتفاقية سيتم طرد الكلب.
عندما فقدنا الأمل في جلب كلب مجاني من أحد الأصدقاء قررنا في أحد اجتماعاتنا بالإجماع شراء كلب , و حيث أن أسعار الكلاب كانت باهظة بالنسبة لقدرتنا الشرائية فقد قررنا ادخار مصروفنا اليومي لمدة تغطي مصاريف الشراء ..
أحضرنا لمشروع الادخار صندوقا صغيرا لنضع فيه كل صباح كل المصروف, و في نهاية الأسبوع نحصيه فنكتشف أنه يلزمنا أسبوعا أخر أو أكثر لنستطيع شراء كلبا بوليسيا من النوع الممتاز.
طالت مدة الحرمان التطوعي من التمتع بالمصروف اليومي و بدأنا نحن الصغار في التململ عندما نتذكر طعم الحلوى.
بذكاء و فطنة و بهدف استمرار وحدة الصف, اقترح أخي الأكبر ( رحمه الله ( شراء الكلب و ليس من الضروري أن يكون بوليسي مدرب ... حيث نستطيع القيام بتدريبه بأنفسنا.
لم تمنحنا ثروتنا المحدودة أي فرصة للاختيار كما لم يمنحنا احتمال فشل مشروعنا الذي ضحينا من أجله بالكثير من المتع أي فرصة للتراجع .
عدنا إلي البيت مع كلب نحيف غير مقنع انه يصلح للحراسة, لكنه كلب .
يوم وصول الكلب أنهيت طعام الغذاء بسرعة و أسرعت إلي سطح البيت , حيث أخفيت في جيب منامتي كل نصيبي من اللحم لإطعام الكلب و فعل أخوتي مثلما فعلت .
أصبح التسابق إلي سطح البيت و التنافس لتقديم كل نصيبنا من اللحم للكلب منظرا متكررا يوميا و لم يحدث أبدا أن رفض الكلب أي لحوم نقدمها له.
هو يزداد سمنة و نحن نزداد نحافة.
كانت مشكلة بحق يوم يكون طعام الأسرة سمكا.
كانت المشكلة تكمن في انه علينا التطوع بمصروفنا مرة أخري لشراء عظام من الجزار و طهيها لإطعام الكلب .
بعد مدة ليست بالطويلة أصبح الكلب سمينا و نباحه عالي مزعج كما أصبحت أنيابه مخيفة و اكتشفنا أنه كلب خسيس الأصل, فهو ليس مثل الكلاب الأخرى, يهز ذيله لصاحبه.
كان يكشر عن أنيابه و يزمجر عندما نتأخر في تقديم كل نصيبنا من اللحم له , ثم أن نهمه ليس له حدود لا شيء يشبعه .
حدث تطور عدواني في سلوكه حيث حدد لنا مناطق محدودة من سطح البيت الفسيح لنستخدمها في اللعب فقد تهجم علي أخواني مرات عديدة حتى أصبحنا لا نجسر علي تجاوز الحدود التي رسمها لنا.
فتر حماسنا و كنت السباق في التمرد علي النظام الاقتصادي الذي اتفقنا عليه و امتنعت و أتبعني أخوتي من التبرع بمصرفنا اليومي لإطعام الكلب .
بعد أقل من أسبوع
اكتشفنا اختفاء البط و الأرانب و الدجاج , و بقي الكلب وحده , ..علي السطح ينبح
.
.م ن ق و ل
تعليق