إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

من وجدانيات الامين العام د.رمضان شلح

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من وجدانيات الامين العام د.رمضان شلح

    من لا يقوى على الشهاده لا يقوى على الحياه



    من وجدانيات د. رمضان شلح


    يبدو أن الشعب الفلسطيني وقضيته وأرضه وحقوقه وأسراه قد أصبح ملهاة معروضة على المسرح الروماني القديم.

    وفي هذا المسرح كان يؤتى بالضواري من الأسود والنمور الجائعة فتطلق في حلبة المسرح ويلقى بأسير أو معتقل، وهو أعزل، فتنقض عليه الكواسر لتمزقه إرباً إرباً وتأكله أمام المشاهدين الذين يصفقون لحرارة المشهد!

    هذا المسرح الوحشي استوحاه طاغية العرب، الحجاج بن يوسف الثقفي، ولكن بصيغة ملطفة جداً. جاء في تاريخ دمشق لابن عساكر أن الحجاج قبض على قاطع طريق شرس دوخ اليمن والجزيرة، يدعى جحدر بن فاتك، فاختار له الحجاج العقوبة التالية: أمر بتجويع سبع لمدة ثلاثة أيام، ثم يطلق في حلبة، ويؤتى بالمعتقل جحدر فتقيد يده اليمنى، ويعطى سيفاً باليد اليسرى ويلقى في الحلبة. وينقض السبع الجائع على جحدر فيعاجله بضربة سيف بيده اليسرى فينفلق رأسه ويهوي السبع صريعاً فيكبّر الحجاج ويكبّر المشاهدون، ويطلق سراح جحدر ويعطى منصباً!

    إن شعبنا الفلسطيني ومجاهديه ومعتقليه ليسوا جحدراً قاطع الطريق، لكن جلادي هذا الزمان أسوأ من الحجاج بكل المقاييس.

    إنهم يصرون على أن يجرد شعبنا من سيفه، فلا يسمح بالسيف حتى باليد اليسرى. فشريعة الغاب التي يحكم بها العم سام العالم قضت بأن تصفد أيدي شعبنا، ويلقى مكبلاً على حلبة المسرح الروماني الجديد التي تبلغ مساحتها مساحة الوطن المسروق فلسطين، ويصفق للتراجيديا الدامية فيها ملايين المشاهدين عبر الفضائيات ممن تبلدت مشاعرهم وأحاسيسهم وماتت ضمائرهم.

    هذا هو النص الذي يحكم «مأساة فلسطين» من بداية القرن، لكن أبطال مسرح الشهادة، أمير مصالحة، وجاد عزايزة، ونزال كريّم، أبناء قريتي دبورية ومشهد، المحتلتين من عام 1948، قرروا الخروج على هذا النص مطلع الأسبوع.

    خمسون عاماً من التهويد، ذبحت فيها فلسطين من الوريد إلى الوريد، لكنها لم تمت، بل فاجأت الجميع وهي تسطع كالشمس وكالسيف يقطر شهداً من دعاء الفجر في صلاة أمير مصالحة، إمام قرية مشهد.

    حين اختار النشاما طريقهم إلى الخلود، عبر لحظة الانفجار المقدس في طبريا وحيفا، كانوا يدشنون ممراً آمناً للعودة بالصراع إلى نقطة الصفر.

    فلسطينيو (1948)، أسقطتهم الاتفاقات من الحسبان في زمن التساقط، فاختاروا العودة إلى الجذور ليصوبوا بدمهم بوصلة التاريخ في مسيرة الفداء والشهادة التي بيعت في «المزاد المتنقل» من أوسلو حتى شرم الشيخ.

    لم يحلموا بجرعة من البكاء والنحيب الذي لا يجدي، حتى من أقرب المقربين إليهم ممن طال عليهم الأمد، فجفت الدموع في مآقيهم وفقدوا القدرة على البكاء والفرح في كل المناسبات فصارت الحياة لديهم بلا معنى!

    ثلاثة زهرات من رياحين فلسطين، أرادت أن تلملم شظايا الوطن المبعثرة على خرائط الاتفاقات، بنشر شظايا أجسادها المنحوتة من جبال فلسطين، وأن تكتب على مياه طبريا الكلمة ـ الوصية التي يريد أن يقولها الشهيد:

    «حين يمنعنا الغزاة حقنا في الحياة الحرة الكريمة، فإنهم لا يستطيعون منعنا حقنا في الموت بشرف.. وإن التنصل من دمنا هو إثبات لمشروعية السارق لأرضنا ووطننا.. وإن كل الحلول المفروضة لتصفية قضيتنا المقدسة بالخداع والقوة، تفرض علينا أن لا ننتظر الموت أو الشهادة بل نمشي إليها مبتسمين.. ويا شعبنا العزيز.. من لا يقوى على الاستشهاد لا يقوى على الحياة».
يعمل...
X