أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في شبكة حوار بوابة الاقصى، إذا كنت تمتلك عضوية لدينا مسبقا وتواجه مشكلة في تسجيل الدخول لها يرجى الإتصال بنا،إذا لم تكن تمتلك عضوية لدينا مسبقا يشرفنا أن تقوم بالتسجيل معنا
إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
إنها إحدي قصص بطولات الشباب المصري..
قصة بطولة البطل المصري البدوي سليمان..
احد افراد المخابرات الحربية المصرية..
انها قصة الهروب الكبير..
قصة كفاح ذلك البطل سليمان..
فهو من الذين أقلقوا راحة العدو
في اثناء احتلاله الأرض..
وايضا احد من ساعدوا بمعلومات استطلاعاتهم
في إنجاح العبور العظيم
واسترداد الأرض..
ان حكاية البطل سليمان وبطولته
التي مرت بثلاث مراحل
تعتبر من البطولات نادرة الحدوث..
فالمرحلة الأولي كانت
هي مرحلة نشاطه الاستطلاعي
عن قوات العدو وتفصيلات ذلك النشاط..
وكانت المرحلة الثانية
هي مرحلة القبض عليه والتعذيب الوحشي
الذي تعرض له..
ذلك التعذيب الشرس الذي تحمله برجولة
فلم يبح أبدا باي اسم من أسماء المناضلين البدو
الذين كانوا في مساعدته..
ثم كانت المرحلة الثالثة
وما فيها من اثارة ومغامرات..
فقد كانت هي مرحلة هروبه من أيدي العدو.
لقد ظل العدو يطارد ذلك البطل الهارب
بكلابه المدربة..
وكلابه البشرية وآلياته ومروحياته شهرا كاملا..
كانوا يطاردونه ويحاصرون مناطق اختفائه
ولكن بذكائه كان يوقعهم في شراكه
الخداعية القاتلة لجنوده والمدمرة لمعداته.
كان كالشبح يظهر ويدمر ويقتل ويختفي
في لحظة..
فظل مشتتا لقوات العدو
الي ان وصل سالما الي احضان قواتنا
داخل أرض سيناء
نشاط البطل في اثناء حرب الاستنزاف
كانت حرب الاستنزاف تقلق العدو الاسرائيلي
بسبب عظم خسائره
التي يتكبدها نتيجة نشاط ابطال تلك الحرب
من الفدائيين المصريين
الذين كانوا يتسللون الي الاراضي المحتلة
ويضربون اهداف العدو فيها..
ومن المعروف انه لا صراع ولا حرب ولا انتصار عسكريا
الا بمساعدة المعلومات..
فالمنتصر هو من يملك معلومات اكثر
عن الطرف الذي يصارعه..
ومن هذا المنطلق كانت المخابرات الحربية
قد تمكنت من تكوين فريق من أبناء الارض
من البدو علي عمليات الاستطلاع
وجمع المعلومات..
وكانت مهمة ذلك الفريق
هي استطلاع تحركات العدو
علي المحاور والطرق المهمة..
وكان ذلك الفريق مكونا من مجموعات
تعمل كل منها علي حدة..
وكان عمل كل مجموعة
هو مراقبة كل تحركات العدو.
. ثم تجمع تلك المعلومات من كل المجموعات
وترسل الي القيادةعيون
الاستطلاع الخفية
كانت تلك المعلومات هي المرشد الأول
لعمليات النسف والتدمير
التي كان افرادها يتسللون الي الارض المحتلة
لتفنيذ عملياتهم ضد العدو
لذا كانت الضربات مؤثرة علي العدو تأثيرا قويا..
مما ادي الي استنجاد اسرائيل بأمريكا
من اجل التدخل لإيقاف عمليات هؤلاء الابطال
فكانت ما اطلق عليها مبادرة روجرز
وبناء علي تلك المبادرة..
أوقف ذلك النشاط الفدائي في الأرض المحتلة
ولكن ظلت عيوننا من فريق الاستطلاع
بداخل الأرض..
منتشرة في كل مكان
ومسيطرين علي جميع المحاور..
كانوا متوجدين حتي بداخل احشاء العدو
يحصلون علي المعلومات..
وينقلونها للبطل سليمان بخطة سرية دقيقة..
يقوم هو بالتالي بتوصيلها
لقيادة المخابرات بالقاهرة.
الخطة
كانت خطة توصيل المعلومات الي سليمان
تعتمد علي لقاءات سرية
تتم في العريش كل يوم خميس من كل اسبوع..
كان بطلنا سليمان يقف في ذلك السوق متخفيا
في صورة بائع مواش..
وكان افراد الاستطلاع يحضرون الي السوق
كل بمفرده..
ويتوقف امام بائع المواشي..
ويتعامل معه كبائع ومشتر
وبطريقة سرية يدفع اليه في الخفاء
بتقرير المعلومات التي حصل عليها
من مراقبته للعدو
في محوره المكلف بمراقبته..
وفي نهاية اليوم..
يكون سليمان قد جمع كل المعلومات وصنفها..
وكتب بها تقريرا بالشفرة
بحيث تكون جاهزة للارسال..
مخبأ الجهاز
قبيل منتصف الليل بقليل..
كان ذلك الشبح..
شبح سليمان يتسلل من داره
حيث يسير مستترا ببعض السواتر الطبيعية..
ككدي الارض وعشبها وشجيراتها..
الي ان يصل الي تلك الشجرة البعيدة
في ذلك الوادي المنخفض قليلا عن الأرض..
وبعد ان يطمئن إلي انه غير مراقب..
ينحني علي الأرض ويمسك بيده حلقة
اتقن اخفاءها بلصق كمية من رمل الارض
واغصانه عليها..
بحيث تبدو كجزء من الأرض
فيرتفع معها ذلك الجزء المربع من الصاج المموه
علي شكل طبيعة الأرض
بترابها وحصاها وحتي اعشابها..
ويهبط البطل سليمان في تلك الحفرة..
ويغلق خلفه ذلك الغطاء..
فتصبح قطعة من الأرض لا يفرقها انسان
عن باقي ما حولها من الأرض..
ولكن بالداخل كانت حفرة بعمق مترين
وبنفس الطول والعرض..
وينكب البطل سليمان علي الاتصال بالقيادة..
وعندما يسمع ردها
يقوم بإرسال رسالته المشفرة.
كان ذلك هو الاسلوب العادي الروتيني
المتبع للاتصال بين عيون مصر الراصدة للعدو..
وبين قيادة المخابرات الحربية..
ولكن كان هناك اسلوب آخر
فاحيانا ما كان يعن للقيادة
الاستفسار عن شئ ما..
ويكون مطلوبا بصفة عاجلة
لذا كانت هناك تعليمات لسليمان..
ان يستمع يوميا
وفي موعد محدد لإحد محطات الاذاعة المصرية
التي تذيع لابناء الارض المحتلة
لتصل بينهم وبين من لهم من اقارب خارج الأرض..
وكان ذلك البرنامج يذيع الاغاني المهداة
من ابناء الارض المحتلة خارجها لذويهم بداخلها..
فاذا سمع سليمان المذيع يقدم اغنية معينة
وكانت هي اغنية وردة علي الربابة باغني
فذلك معناه ان يقوم سليمان
فورا بالاتصال بالقيادة لاستقبال
رسالتها اليه.
ويستمر الحال علي ذلك..
اتصالات عادية روتينية..
الي ان كان يوم الاربعاء الموافق2
من اكتوبر عام1973 وقبيل الغروب بقليل..
لحظة تلامس الشمس الغاربة مع الأفق..
في هذه اللحظات كان ذلك الرجل البطل
سليمان يجلس بالقرب من باب داره الواقعة
علي تلك الربوه متأملا جمال الغروب
ومنتظرا اختفاء قرص الشمس..
عندها يبدأ في تناول افطاره
بعد صيام اليوم فقد كان شهر رمضان.
وفي يوم بينما كانت عيون سليمان تتلذذ
بذلك المنظر الجميل المبهر منظر الغروب..
كانت ايضا آذانه تستمع لتلك الاغاني المنبعثة
من ذلك الراديو الصغير بجواره..
وفجأة حدث شيء ما نبه البطل سليمان
وأخرجه من شروده..
كان شيئا ما سمعه من ذلك المذياع الصغير..
فانتبه وكان صوت المذيع يقدم الأغنية
المتفق عليها..
نسي سليمان افطاره..
بل نسي حتي ان يشق ريقه..
ونظر حوله ليطمئن علي عدم وجود من يراقبه..
وتسلل الي الحفرة
وهبط فيها واغلقها علي نفسه
وقام بالاتصال بالقيادة.
ولحظات وتصله تلك الرسالة التي كان نصها كالآتي:
[ افد عن اي تحركات للعدو
وابلغ فورا مع مراعاة الحذر التام..]
حقا كانت رسالة عادية كمثيلتها
مما كان يتلقاه احيانا من القيادة..
ولكن ما لفت نظره وجعلها بالنسبة له غير عادية
هي الفقرة الاخيرة من الرسالة
وهي ابلغ فورا مع مراعاة الحذر
عاد سليمان الي داره..
ولكنه لم ينم ليلتها..
كان يفكر في مدلول تلك الفقرة
التي شدت انتباهه..
وفي الصباح خرج سليمان حيث قام بالمرور
علي جميع نقط الرصد والملاحظة
من زملائه البدو..
وسألهم عن اي تحركات للقوات الاسرائيلية..
وكانت الاجابة بلا..
فينبههم بان عليهم ابلاغه فورا
عند ظهور اي تحركات للعدو..
ولا ينتظرون للموعد المحدد وهو يوم الخميس
بسوق العريش.
كان سليمان قلقا..
فقد استنتج ان هناك شيئا ما سيحدث..
ولكن لم يتمكن من استنتاج كنهه..
وظل علي هذا القلق الي ان كان يوم6 اكتوبر
قبيل الساعة الثانية بقليل..
وبينما كان سليمان ومجالسوه يتحدثون..
اذا به ومن معه يشعرون بشبه هزة ارضية..
وللوهلة الأولي اعتبرها الجميع زلزالا..
ولكن البطل سليمان وصل الي اذنيه
ما يشبه صوت الضرب من علي بعد..
فأسرع بتحويل محطة الراديو الي اذاعة مصر..
وظل مبقيا عليها..
وفجأة ينطلق صوت المذيع بأول بيان عسكري
من القيادة المصرية..
وكان البيان يقول
( صرح الناطق العسكري المصري بما يلي..
قامت قوات العدو بالاعتداء علي قواتنا بالزعفرانة).
بعد ذلك البيان بقليل توالت البيانات العسكرية..
التي جنحت تقريبا الي الاشارة
بأن العدو هو المعتدي..
الي ان كان ذلك البيان الذي يقول
يحظر علي السفن الاقتراب
من المياه الاقليمية المصرية).
هنا فهم وعرف البطل سليمان
ان مصر هي التي هاجمت..
خصوصا عندما بدأت اصوات المدفعية المصرية
تصل بوضوح الي موقع البطل سليمان..
ويهلل الجميع فرحا واستبشارا بالنصر المبكر.
اعتلي البطل سليمان تبة
ونظر منها تجاه الشرق
فشاهد الدخان والنيران المشتعلة من علي بعد كبير.
. نتيجة الضربة الجوية
التي قامت بها القوات الجوية المصرية
علي مواقع العدو..
وعاد ونظر ناحية الغرب فشاهد مطار العريش..
حيث وجد ان العدو يقوم بسحب
طائرات التدريب هيومانجستر علي الأرض..
ايضا بعض السيارات النقل للعدو
كانت تنطلق في اتجاه العريش..
كان شعورا غريبا ذلك الذي شعر به البطل سليمان
في تلك الساعة..
كان شعورا لا يوصف..
ادي به الي البكاء..
فقد كانت دموع الفرح بالنصر..
لحظتها اسرع سليمان الي المخبأ
وفتح علي القيادة
وارسل رسالته وبدأها بالتهنئة والدعاء بالنصر..
ثم سرد فيها ما شاهده..
خصوصا ما كان يحدث من العدو
في مطار العريش..
وانتظر سليمان ثواني الي ان وصله رد القيادة
حيث كانت رسالة قصيرة تقول
( قواتنا في الطريق اليكم)
من هذه اللحظة اصبح سليمان وزملاؤه
في حالة استعداد تام..
وبدأ الرجال يترددون علي مخبأ سليمان..
يبلغون عن تحركات العدو التي نشطت
علي المحاور التي يراقبونها..
وكان سليمان يقوم بإرسال تلك المعلومات
أولا باول الي القيادة بالقاهرة.
ومر يوم6 اكتوبر دون ان يظهر اي نشاط يذكر
لطيران العدو.. ولكن منذ بداية يوم7 اكتوبر..
بدأت تظهر تحركات الطيران الاسرائيلي..
وكان سليمان يرصد نشاط ذلك الطيران.
. فقد بدأت منذ الصباح
موجات متلاحقة من الطائرات الاسرائيلية
علي شكل اسراب..
كل سرب مكون من طائرتين فانتوم
وخلفهما طائرتان سكاي هوك
وكانت تأتي من شمال الشيخ زويد
الي منطقة شريهات الي منطقة الريسان
ومنها الي الجب
وكانت تلك الاسراب متلاحقة
بحيث كانت تشكل شبه
سحابة من الطائرات تغطي السماء.
ايضا كان هناك طريق طيران آخر مكثف
عن طريق جبل لبنه من تجاه البحر..
واسرع البطل سليمان
بإبلاغ ذلك النشاط المكثف
لطيران العدو الي القيادة..
كان العدو قد استوعب الموقف الحرج
الذي هو فيه.. وأيضا كان قد استرد بعض انفاسه..
فأراد ان يدفع بمدرعاته الي الجبهة..
وفي نفس اللحظة التي قرر فيها العدو ذلك..
كان الخبر قد وصل الي القيادة في القاهرة
عن طريق البطل سليمان
ولكن كيف وصل الخبر بتلك السرعة؟
كانت المخابرات المصرية
قد دفعت باحد رجالها للعمل بمعسكر اللواء190
مدرع الاسرائيلي..
لينقل لها أي معلومات أو تحركات..
وفعلا عندما تقرر الدفع بمدرعات العدو
الي الجبهة..
كانت قيادة العدو قد وقع اختيارها علي
دفع اللواء190 مدرع..
وعلي الفور تصرف رجل المخابرات
الذي يعمل في المعسكر..
واسرع الي سليمان وابلغه بذلك..
فأسرع سليمان بدوره
بابلاغ ذلك الي القيادة بالقاهرة..
أي وصلت المعلومة في لحظة تحرك
اللواء المدرع190.
والأكثر من هذا ان توالت عيون الرصد من البدو
متابعة هذا اللواء المدرع في خط سيره
الي الجبهة..
وفي نفس الوقت كانت بعض المدرعات المصرية
تتحرك ايضا تبعا لاشارات سليمان وبلاغاته
عن خط سير اللواء الاسرائيلي وتقدمه..
وهناك في جبهة القتال
كان في انتظار ذلك اللواء المدرع
كمين من المدرعات المصرية..
وكانت معركة الدبابات الشهيرة..
وتعالت اصوات مدفعيات المدرعات في قصفها..
ولكن سرعان ما صمتت..
فقد تمكن ابطالنا المصريون
من رجال المدرعات المصرية من الانقضاض
علي ذلك اللواء المدرع للعدو
وتم اسر قائده الشهير
عساف ياجوري..
ظل الاتصال مستمرا بين البطل سليمان والقيادة
حيث كان يبلغ عن كل تحركات العدو..
ذلك الي ان شاهد سليمان من موقعه
طائرة كبيرة تطير علي ارتفاعات عالية جدا
قادمة من تجاه البحر الابيض..
وتسير بمحاذاة الجبهة
الي ان تصل الي البحر الاحمر..
ثم تعاود طريقها بالعكس..
ووصلت تلك المعلومة الي القيادة..
فقام خبراؤنا بعملية تحليل لها
فتم التعرف علي نوع تلك الطائرة..
واتضح انها طائرة اواكس الامريكية..
وكانت مهمتها التجسس علي القوات المصرية
بالجبهة..
وظلت تلك الطائرة تجوب المنطقة
من البحر المتوسط الي البحر الاحمر
بمحاذاة الجبهة..
الي ان حدث ما سمي الثغرة.
وتوقع العسكريون المصريون ان امريكا
ستتدخل في المعركة..
وكان لابد من الحصول علي اكبر قدر
من المعلومات بأقصي سرعة ممكنة
عن أي تغيرات تحدث في جيش العدو..
وبناء علي ماسبق..
وصلت اشارة الي البطل سليمان من القيادة..
تطلب فيها ان يظل الاتصال مستمرا بينهما
علي ان يبلغ أولا بأول
باي تطورات
فاستنتج سليمان من ذلك ان
الموقف اصبح خطيرا..
وهنا يتصرف البطل سليمان..
لقد فكر جيدا ودرس الموقف والأرض
فوصل به تفكيره الي ان اي تطور سيحدث
في قوات العدو وتحركاته ستكون بدايته
من مطار العريش..
فقرر ان يقترب أكثر..
فاكتشف اكتشافا عاما
كان العدو يحرص علي اخفائه..
لقد شاهد البطل نشاطا مكثفا في المطار..
لقد رصد عدد ثماني طائرات هيلوكوبتر ضخمة
تأتي من تجاه البحر وتحط في غرب المطار..
ثم تحلق ثماني طائرات هيلوكوبتر ضخمة اخري
من المطار في اتجاه الجبهة..
وابلغ سليمان بذلك..
ولكنه كان لايعرف ماتحمله تلك الطائرات القادمة
من البحر ولا ما تحمله تلك الطائرات
التي تحلق من مطار العريش..
واقترب سليمان أكثر
فشاهد ما كانت تحمله تلك الطائرات القادمة
من البحر..
وما كانت تحمله الطائرات الاخري
وتطير به الي الجبهة..
فقد كانت عبارة عن معدات حربية
من مدرعات وعربات مصفحة ومدفعيات..
لقد كان ذلك هو الجسر الجوي
الذي قامت به امريكا
لمعاونة اسرائيل.
قام سليمان بإرسال رسالة ابلغ فيها
عن ذلك الجسر الجوي..
وما كاد سليمان ينتهي من ارسال اشارته
الا وشاهد عددا من دوريات العدو
تنتشر بسرعة حول المطار
وكأنها تبحث عن شيء
ما فعرف انهم يبحثون عنه..
فقد التقطوا اشاراته وعرفوا منها
ان هناك من يتجسس عليهم
ويذيع أولا بأول ما يحدث في مطار العريش.
واسرع البطل سليمان بدفن جهاز الاتصال
في خرج الجمل بين كميات التبن
التي تملأ الخرج..
واطلق لجمله العنان ليسير بمفرده..
فهذا لايلفت النظر في منطقة سيناء..
فهناك الجمال تسير بمفردها
الي ان تصل الي ديار اصحابها..
اما سليمان فقد سار مترجلا مبتعدا
عن ذلك الموقع..
وكان يسرع بالاختفاء كلما شعر
بقرب سيارات دوريات
العدو التي تبحث عنه.
وينجح سليمان في الوصول الي داره..
وايضا يصل الجمل الي هناك
وكان خبر الثغرة قد عرف..
وحزن البطل سليمان ومن معه..
ولكن ذلك الحزن لم يطغ علي فرحتهم
بتمكن قواتنا المصرية من العبور
وتحرير جزء من ارض سيناء.
كان سليمان وعيونه ورجاله
مازالوا في الجزء المحتل..
عندما تم الاتفاق علي وقف اطلاق النار..
ولكن ظلت الاتصالات بين سليمان والقيادة
في القاهرة
الي ان توقف جهاز اللاسلكي الخاص به
عن العمل..
وكانت مشكلة بحق
عطل جهاز الإرسال
كان جهاز اللاسلكي الذي يعمل به سليمان
من النوع ذي البطاريات التي تشحن باليد..
ويبدو ان تلك البطاريات
قد انتهت مدة صلاحيتها الافتراضية..
فقد كانت سريعا ماتفرغ شحنتها..
ويضطر سليمان إلي شحنها باليد
كل ربع ساعة تقريبا..
وتلك عملية متعبة جدا وغير عملية..
ومع ذلك كان سليمان يقوم بها الي
ان اصبحت البطاريات لاتقبل الشحن تماما..
وانقطع الاتصال بينه وبين القيادة في القاهرة..
وظل علي ذلك مدة41 يوما
الي ان انقطع نداء القيادة له
فقد اعتقدوا ان سليمان
قد قبض عليه من العدو الاسرائيلي.
محاولات اصلاح جهاز اللاسلكي
لم يستسلم سليمان..
بل قرر ان يقوم بمحاولة لاصلاح حال بطاريات الجهاز
.. فقام بفتح الغلاف المغلف به الجهاز
فوجد بداخله بطاريتين صغيرتين
قوة كل منهما6 فولت..
وكانت الأملاح قد تراكمت عليهما..
وفسدتا تماما, وفكر سليمان..
ماذا لو تمكن من إحضار بطاريتين قوة كل منها
6 فولت أو بطارية واحدة كبيرة قوة12 فولت..
ويقوم بدفنها في الأرض
ويأخذ منها سلكين ويوصل أحدهما من
سالب البطارية إلي سالب الجهاز,
ومن موجب البطارية إلي موجب الجهاز..
وفعلا قام سليمان بتنفيذ فكرته
فذهب إلي سوق العريش فلم يجد..
فاشتري بطارية كبيرة تستعمل
في سيارات النقل ودفع ثمنها
700 ليرة اسرائيلية..
وقام بشحنها شحنا قويا..
وحملها وعاد بها الي مخبأ الجهاز..
وقام بعمل التوصيلات..
ولكنه فوجئ بأن مؤشر الجهاز لم يتحرك..
رغم ان قوة شحن البطارية
يمكن ان تدير موتور سيارة نقل كبيرة بسهولة..
واحبط سليمان...
بعد ان فشلت محاولته
وايضا خسر مبلغا من نقوده..
ولكنه لم ييأس وفكر مرة أخري..
مغامرة اصلاح الجهاز
اخذ سليمان احدي البطاريتين الاصليتين
من الجهاز.. ووضعها في كيس من الورق..
فقد قرر الذهاب الي غزة..
لأنه استنفد البحث في سوق العريش
وهو يعرف ان في غزة..
يوجد ذلك المحل الكبير الذي يمول اسواق
مدن سيناء كلها..
واستقل سليمان سيارة من العريش..
وعند منطقة ابو طويلة..
كانت هناك منطقة تفتيش اسرائيلية صعبة..
فترك سليمان السيارة قبل نقطة التفتيش
بمسافة كيلو..
والتف حولها في الصحراء
وخرج بعد نقطة التفتيش بمسافة كيلو متر قريبا..
ثم استقل احدي السيارات
من علي الطريق.
وصل سليمان الي غزه..
وبحث عن محل البطاريات فوجده
بشارع عمر المختار..
ودخل سليمان المحل واخرج بطارية الجهاز
من كيسها وقدمها لصاحب المحل
وطلب منه مثيلتها.
امسك صاحب المحل بالبطارية وصار يتمعنها
باهتمام اقلق سليمان ثم نظر له
وباستغراب سأله قائلا.. بطارية ايش دي؟
ورد عليه سليمان بانها بطارية يستخدمها
في جهاز تسجيل عوضا عن البطاريات العادية
التي تنتهي سريعا..
ولكن ظل صاحب المحل يقلب فيها باستغراب..
ثم يعود ليسأله بطارية ايش دي؟
ويعود سليمان وقلبه يدق خوفا بنفس الاجابة..
وتكرر ذلك عدة مرات..
حتي كاد سليمان يأخذ البطارية وينصرف..
ولكن صاحب المحل امسك بها
واتجه الي التليفون.
وهنا وقع قلب سليمان في قدميه..
فها هو الرجل سيبلغ عنه..
خصوصا عندما سمعه يطلب تل ابيب..
وعندما سمع سليمان ذلك..
تسلل الي قرب باب المحل ووقف بخارجه.
. وفكر ان ينطلق هاربا وسط زحام البشر..
ولكن لأن سليمان مناضل لاييأس.
. فقد ابعد ذلك التفكير..
اي تفكير الهرب عن عقله..
وفقط وقف خارج المحل علي بعد قليل
وعيناه علي الرجل بالداخل..
فإذا تأكد أن الرجل قد ابلغ
فانه من السهل
ان يفر ويختفي بين زحام البشر.
وهو علي هذا الحال..
سمع سارينة سيارة شرطة قادمة من بعيد..
فتأكد ان الرجل ابلغ عنه..
وهم بالفرار ولكن سيارة الشرطة كانت اسرع منه
فقد عبرت مكانه وانطلقت بعيدا.
هدأت انفاس سليمان مرة اخري..
وعاد ونظر علي الرجل صاحب المحل
فوجده معلقا علي سلم ويبحث في
الارفف العليا للمحل..
وبعد فترة نزل الرجل وبيده علبة بها بطارية
وعرضها علي سليمان قائلا..
انها مثل بطاريته.
ويمسك بها سليمان ويجدها مختلفة
في الشكل ويبدي تخوفه من ذلك للبائع
الذي يؤكد له انها مثل بطاريته
وستؤدي نفس الوظيفة بل هي أكفأ
فالبطارية القديمة6 فولت9 أمبير..
اما هذه فهي7 فولت12 امبير..
وهنا يسأله سليمان بطارية ايش دي؟
فيجيبه الرجل انها بطارية موتوسيكل.
سعد سليمان بذلك..
وطلب من الرجل واحدة اخري..
وشحن الاثنتين ودفع له المبلغ الذي طلبه
واخذ منه فاتورة بذلك..
وخرج سليمان من المحل
وسعي الي الاقتراب من مكان لتجميع الزبالة
فأسقط خلسة البطارية القديمة..
لحظتها شعر سليمان بالراحة
فقد اصبح الآن في مأمن..
فالبطاريات التي معه بطاريات موتوسيكل
ومعه فاتورة من المحل الذي اشتراها منه
, واستقل سيارة الي العريش..
وتوجه الي منزله..
وفي الليل تسلل الي مخبأ الجهاز
وقام بتوصيله بالبطاريتين..
فعمل الجهاز.. وسعد سليمان..
وقام بارسال اول نداء الي القيادة
بعد طول غياب...
وكانت سعادته اكثر عندما سمع الرد
وكان الصوت واضحا جدا..
فطلب مهلة لإرسال اشارة.
اسرع سليمان بكتابة الاشارة
حيث ابلغ فيها بالعطل الذي كان بالجهاز
وانه تمكن من التغلب علي ذلك العطل..
وانه مستعد للعمل من الآن..
ويصله رد القيادة بسعادتها لسلامته
وعودته للعمل.
عودة الاتصالات بين سليمان والقيادة
وعادت الاتصالات بين سليمان
والقيادة مرة اخري..
والعجيب ان تلك البطاريات ظلت تعمل بكفاءه
لمدة ثلاثة اشهر..
كان سليمان خلالها دائما علي اتصال
بالقيادة والقيادة دائما علي اتصال به..
تطلب منه احتياجاتها من معلومات عن العدو
ويجيبها سليمان بمعلومات
تغطي تلك الاحتياجات.
لم يكن سليمان يعرف ان العدو
قد تمكن باجهزة التقاطه من التقاط اشاراته المشفرة
.. ولم يكن يعرف ان العدو يحاول المستحيل
من اجل الوصول الي مصدرها..
فقد كانت دوريات العدو من آن لآخر
تجوب المنطقة بالقرب من مكان مخبأ الجهاز..
ومعها الاجهزة التي تلتقط الاشارات..
وفي احد الايام..
بينما كان سليمان بداخل المخبأ يرسل رسالته..
اذا به يسمع اصوات جنود العدو
ووقع اقدامهم فوقه.
. اي فوق غطاء المخبأ..
فوقف عن الإرسال واطفأ الجهاز..
وحاول جنود العدو المستحيل اكتشاف المكان
حقا كانوا يقفون فوقه مباشرة..
ولكنهم لم يكتشفوه لجودة التموية.
.إلي ان يئسوا فانصرفوا وخرج سليمان
وامتنع عن الإرسال والاستقبال
لمدة اسبوع.
القبض علي سليمان
كان العدو قد قام بتحرياته في تلك المنطقة..
ووجد ان بيت سليمان هو اقرب مكان للموقع
الذي حددته اجهزة التقاط الاشارات اللاسلكية..
وفي احد الايام..
بينما كان سليمان داعيا بعض الاعراب علي الغداء..
اذا بسيارات العدو وجنوده تحاصر المنزل.
. ثم قاموا بشن الهجوم عليه.
قام رجال العدو بتفتيش المنزل بدقة
بحثا عن جهاز اللاسلكي..
وعندما لم يعثروا عليه..
وبعد ان يئسوا من جعل سليمان يعترف
بوجود جهاز لديه..
قاموا ببإلقاء القبض عليه..
وتم حبسه في سجن العريش
في تلك الزنزانة الضيقة بذلك السجن..
سجن العريش..
كان سليمان جالسا علي الأرض
منتظرا ما سيحدث له..
وكان الانتظار صعبا..
فالانتظار دائما ما يوصل الإنسان الي
نوع من التوتر النفسي..
وفعلا هذا ما حدث لسليمان
بعد مضي ثماني ساعات..
بعدها فتحت عليه الزنزانة
ودخل ذلك الضابط الإسرائيلي
وكان خلفه عدد من الجنود.
ظل الضابط مركزا نظره علي سليمان لفترة..
ثم أمره بالوقوف.
. فوقف سليمان.
. طلب منه الضابط ان يلف لفة كاملة حول نفسه
وهو واقف في مكانه فلف سليمان..
طلب منه أن يظل يلف حول نفسه دون توقف
فنفذ سليمان وظل يلف..
وكان من الطبيعي انه بعد عدد من تلك اللفات
يشعر بالدوخة فتوقف..
ولكن صراخ الضابط كان يدفعه الي استمرار اللف
الي ان وقع علي الأرض مغشيا عليه.
وعندما عاد سليمان الي وعيه..
وجد نفسه مربوطا علي مقعد..
وامامه ضابط آخر يجلس علي مكتب..
عرف سليمان بعد ذلك
انه ضابط من الاستخبارات الاسرائيلية امان
أي ضابط من المخابرات العسكرية الاسرائيلية
كان ذلك الضابط يضع علي شفتيه
ابتسامه صفراء خبيثة..
حيث اشار لأحد الجنود.
. فأسرع الجندي بفك وثاق سليمان..
بعدها طلب منه الوقوف..
وقف سليمان..
حاول أن يتكلم ولكنه لم يستطع حتي الكلام..
فقد كان حلقه جافا تماما وايضا لسانه.
.واقترب منه الضابط ليعرف
ما يريد سليمان قوله..
فسمع بالكاد صوت سليمان بوهن
حيث كان يسأل الضابط..
سليمان: عايزين ايه؟
سمع الضابط ذلك السؤال من سليمان..
فأبدي سعادته وفرحته..
اقترب منه ودار بينهما الحوار الآتي:
الضابط: كنا عايزينك تسأل السؤال ده؟
سليمان: عايزين ايه؟
الضابط: عايزينك تقولنا علي مكان
جهاز اللاسلكي
سليمان: مااعرفش
الضابط وببرود شديد) طبعا..
أنا كنت عارف انك حتقول كده..
طيب ياسليمان نجرب معاك طريقة ثانية.
ويشير الضابط للجنديين..
فيسرعان إلي سليمان ويجردانه
من كل ملابسه ويتقدم ذلك الضابط
من سليمان.. ويخرج من جيبه قلما جافا..
وانحني قليلا وازاح عنه القطعة الاخيره
من ملابسه الداخلية..
وفجأه وبقسوه وضع غطاء القلم الجاف
في فتحه البول لسليمان
الذي صرخ صرخة مدوية..
واغمي عليه فورا.
ويفيق سليمان علي تلك المياه البارده
التي دفعت إلي وجهه وصدره وعندما فتح عينيه..
وجد الضابط واقفا والقلم الجاف بيده..
وبابتسامة يسأل سليمان...
الضابط: هاه ياسليمان..
حتقول الجهاز فين؟
سليمان: ما اعرفش حاجة
ويعاود الضابط الكرة مره اخري..
ويصرخ سليمان..
ويغمي عليه.
. وظل الحال علي ذلك لمدة يوم كامل..
سليمان معلق من يديه لأعلي..
وغطاء القلم الجاف يستعمل كل مرة
يفيق فيها سليمان..
إلي ان فاق سليمان فوجد نفسه علي الارض
في الزنزانة ومعه طبيب يضمد له جراحه
من اثر ما حدث..
ثم يخرج الطبيب ويبقي سليمان
بمفرده في الزنزانة.
تماسك سليمان..
ونظر حوله فوجد طبقا من اللبن
وقطعة من الخبز المقدد..
وبرغم تلك الآلام التي كان يشعر بها..
فإنه قام بوضع الخبز في اللبن المثلج وابتلعه.
. فقد كان يريد ان يستعيد بعض قوته ليقاوم.
سليمان عاد وتمدد علي أرض الزنزانة..
محاولا النوم.
. وفجأه وكأن سقف الزنزانة قد فتح فيه
طاقة واسعة نزل منها الماء المغلي عليه..
فقفز سليمان من مكانه مبتعد
ا وهو ينظر للسقف..
فوجد ما يشبه الدش يندفع منه الماء الساخن..
فأسرع بالابتعاد عنه الي ركن آخرمن الزنزانة..
ولكن يفاجأ باندفاع ماء مثلج من دش آخر
في ذلك الركن..
ظل سليمان يهرب من دش ماء مغلي
الي ركن آخر في الزنزانة فيفتح عليه
دش ماء مثلج..
وهكذا في جميع أركان الزنزانة
وحتي في منتصفها.
. واستمر ذلك لمده تقرب من الثلاث ساعات
إلي ان وقع ولم يشعر بشيء.
سليمان لم يعرف كم من الوقت مضي عليه
بعد تلك الاغماءة الاخيرة
ولكنه شعر بأنه قد استرد بعض تركيزه...
فيبدو انه ترك لينام فتره ما..
وعندما افاق وجد نفسه جالسا علي مقعد
ويديه مقيدتين للخلف..
وامامه ذلك الضابط الإسرائيلي
المكلف باستجوابه وتعذيبه..
ويعود الضابط لسؤاله..
الضابط: الجهاز فين ياسليمان؟
سليمان: ما اعرفش..
ويشير الضابط لأحد الجنود كان ممسكا
بطرفي سلك
ويتقدم من سليمان ويضع كل طرف علي
احدي قدمي سليمان ويلصقهما ببلاستر.
.وبواسطة زر موصل بالكهرباء
يضغط الجندي فتسري الكهرباء
في جسد سليمان فيصرخ..
يشير الضابط للجندي..
فيوقف التيار الكهربائي..
ويسأل سليمان
الضابط: الجهاز فين يا سليمان؟
سليمان مااعرفش..
ويشير الضابط للجندي فيوصل التيار..
ويظل الحال علي ذلك لمدة تقرب من ساعتين
الي أن فقد سليمان الوعي تماما..
وعندما افاق..
وجد ذلك الطبيب بجواره..
يكشف عليه..
خرج الطبيب من الزنزانة..
واشار الضابط للجنود.
فأجلسوا سليمان علي مقعد وقيدوا يديه
من الخلف..
كان الضابط يقف امامه
وهو يدخن سيجارة ويوجه حديثه لسليمان
محاولا إقناعه بأن يعترف ويصرح بمكان الجهاز..
والا فإنهم سيستمرون في تعذيبه الي ان يموت..
ويرد عليه سليمان بأنه لا يخشي الموت
بل انه يتعجله..
ويقترب منه الضابط وبهدوء ليقول له
انه سيموت ببطء..
وفجأه يلقي بالسيجاره المشتعلة
في صدر سليمان..
فتستقر بين لحمه وملابسه..
ويتململ سليمان من لسع تلك السيجارة
ويصرخ..
ويتركه الضابط علي هذا الوضع
الا ان تخترق شعلة السيجارة ملابس سليمان
وتسقط علي الارض
ومعها سليمان..
يقوم الجنود برفع سليمان الي المقعد
المقيد عليه..
وكان الضابط يشعل سيجارة اخري..
ويقترب من سليمان ويظل يتحدث معه
عن فوائد اعترافه والمكاسب التي ستعود عليه
لأنه سيصبح رجلهم..
ولكن سليمان يظل علي موقفه..
فيقوم الضابط بإسقاط السيجاره
في صدر سليمان..
وظل ذلك الضابط يستخدم صدر سليمان
كطفاية سجائر عدة مرات..
ولكن ابدا لم ينطق سليمان..
بل كان يفقد النطق والوعي
ويغمي عليه..
تعامل العدو مع البطل سليمان
بكل انواع التعذيب القاسية..
ولكن ابدا سليمان لم يعترف..
وعلي قدر احتمال البطل سليمان
للتعذيب الوحشي وعدم خضوعه واعترافه..
كان غضب ضابط مخابرات العدو منه أقوي..
فقد اثبت لهم بطولته بالرغم من كل قسوتهم..
لقد تغلب عليهم سليمان
رغم جبروتهم وضعفه
لقد أجبرهم البطل علي ان ييأسوا منه..
واصبحوا في حيرة من امره..
ويشاء ان تصل الي العدو معلومات تفيد
ان هناك بدويا يدعي محمد الخضيري
هو علي علاقة نسب بالبطل سليمان..
وان هذا الرجل كان يتعامل مع المخابرات المصرية..
وبما انه بدوي من الرحل..
فالعدو لايعرف مكانا ثابتا له
وهنا ارادوا ان يصيبوا عصفورين بحجر..
أولا الاستفادة من سليمان ليدلهم علي مكانه..
والآخر ان يصيبوا سليمان في بطولته
امام اهله وعشيرته..
عندما يصطحبونه ليدلهم علي مكانه
ويعرف ان سليمان هو الذي ابلغ عنه.
كان سليمان قد وصل الي اقصي
درجات الضعف والإعياء..
اصبح لا يحتمل أي تعذيب آخر..
فأخذوه امام ضابط مخابرات..
وسأله عن محمد الخضيري نسيبه.
. ولم يستطع سليمان إنكار نسبه لذلك الرجل..
فهو قريبه فعلا فطلب ضابط المخابرات من سليمان
ان يدلهم علي مكان محمد الخضيري هذا,
ووعده ان دلهم علي مكانه
فانهم سيوقفون التعذيب عنه..
حقا كان ضابط المخابرات متأكدا
من ان سليمان سيرفض ذلك.
. فتجربه قسوه تعذيبه لم ترجعه عن الاصرار
علي عدم الادلاء بأي معلومات يعرفها..
ولكن كانت المفاجأة لضابط المخابرات
ان وافق سليمان علي ذلك..
حقا تعجب ضابط المخابرات لموافقة سليمان..
وحقا كان ذلك عجيبا من سليمان..
ولكن العدو لحظتها لم يعرف ما كان
يفكر فيه سليمان..
فهو لن يدلهم علي شيء..
ولكنه قرر أن يبدأ لعبة القط والفأر
بذكاء مع العدو..
قرر ان يحاول الهرب.
. فحساباته تقول انه مقتول مقتول بيد العدو..
سواء دلهم علي مكان الرجل المطلوب
أو لم يطاوعهم حقا
هو في داخله متأكد ان نجاحه في الهروب
لايزيد علي10%..
ولكن في النهاية سيقتلونه وهو يحاول الهروب..
اذن فعليه ان يحاول..
ترك سليمان في زنزانته ليلتها..
فنام كفايته.
. ولكنه لم يكن نائما طوال الوقت..
بل بعض الوقت فقط. اما باقي الوقت
فقد كان يفتعل النوم
بينما كان يضع لنفسه
خطه الهروب من العدو..
ويالها من خطة
الهروب
المكان الذي يختفي فيه محمد الخضيري..
ولكن يجب ان ينتظروا الي المساء
حتي يستتروا بالظلام..
وفي نفس الليلة اصطحب
ضابط المخابرات سليمان..
وكان معه قوة مكونة
من ثلاثة ضباط وعدد16 جنديا..
كلف منها جنديان بحراسه
سليمان المقيد اليدين من الخلف..
وانطلقت بهم عدد خمس سيارات
جيب الي المكان
الذي سيدلهم عليه سليمان..
دخل بهم سليمان في مدقات وعرة
في صحراء سيناء..
وسار بهم مسافة تقرب من عشرة كيلو مترات..
ثم طلب سليمان من الضابط ان يتوقف..
ويوقف الركب كله..
وتطفأ أضواء السيارات ويلتزم الصمت التام..
وذلك لأن المكان الذي به محمد الخضيري
علي مسافة كيلو متر واحد
ومن الاصلح ان يترجلوا.
واطفئت اضواء السيارات..
وطلب الضابط من الجميع الترجل.
. وطلب من سليمان ان يتقدمهم بين حارسيه..
وبعد ان سار بهم مسافة طويلة..
توقف واشار للضابط علي بيت من الصفيح
علي بعد حوالي خمسين مترا من المكان
الذي توقفوا عنده.
قام ضابط الاستخبارات بتوزيع الجنود..
وكأنه سيشن هجوما علي جيش
فبعضهم حاصر المكان من جميع الاتجاهات..
والبعض الآخر كان يشكل قوة الهجوم..
وامر الضابط بالتحرك..
ولكن سليمان رفض وطلب من الضابط
ان يترك مكانه مع حراسته.
فهو لا يريد ان يظهر أمام نسيبه
عند القبض عليه
ولكن هذه المرة الضابط هو الذي رفض..
فهو اصلا يقصد ذلك فامر الجنديين
بان يجروا سليمان بالرغم منه..
فصاروا يجرونه في الارض مع تقدمهم
الي ذلك البيت الصفيح.
تقدم الضابط وقوة الهجوم بهدوء ليفاجئوا الرجل..
وتم اقتحام المكان
ولكن لم يكن به سوي رجل مسن
يقرب من الثمانين عاما..
كان هو عم الرجل المطلوب..
وبصعوبة فهم منه الضابط ان محمد الخضيري
لم يحضر الي ذلك المكان منذ حوالي شهر..
وحقا كان سليمان يعرف ذلك..
بكل الغضب أمر ضابط الموساد
بإحضار سليمان..
وواجهه بالرجل المسن ولكن سليمان
نظر الي الضابط بنظرة معينة..
فخرج به الي الخارج..
وهمس سليمان للضابط بأنه يعرف المكان البديل
الذي يختفي فيه محمد الخضيري..
سار بهم سليمان لمسافه خمسين مترا
من ذلك البيت في اتجاه الشرق
ثم اشار لهم علي منطقة منخفضة
في آخرها بيت من الشعر..
بالقرب منه شجرة عبل كبيرة.
وتقدم الضباط وخلفهم الجنود..
وسليمان بين الجنديين يسحبانه بالقوه
الي ان هبطوا إلي المنطقة المنخفضة..
وبعد نحو400 متر تقريبا من الهبوط..
كان هناك مكان من خوص يشبه العش...
وتوقف الضابط وامر جنوده بتطويق ذلك المكان المنخفض..
وتفتيش ذلك العش.
. بينما انطلق هو واربعة من الجنود
الي ذلك البيت من الشعر.
ظل الجنديان يجران سليمان بصعوبة
حتي وصلا به الي ذلك البيت من الخوص..
وكان محاطا بسور من زعف النحيل..
واشار الضابط الي الجنديين المكلفين
بحراسة سليمان ان يتوقفا به عند ذلك البيت
من الخوص..
وانطلق هو وجنوده لمهاجمة بيت الشعر..
والقي الجنديان بسليمان بجوار صخره مدببة..
كان سليمان مقيد اليدين من الخلف بالحبال..
وعندما دفع به الجنديان الي تلك الصخرة
حقا تألم.. وشعر بوخزة في ظهرة..
وعندما التفت وجدها قطعا
من الصخر البارز المدببة..
فصار يحك الحبل الموثق بيديه في تلك الصخرة.
وإذا انتقلنا الي داخل البيت من الشعر..
لوجدنا الضباط والقوة التي داهمته
تعثر علي ثلاثة رجال من البدو نائمين.
. ايقظهم الجنود بضربهم بقواعد البنادق..
وسألهم الضابط عن محمد الخضيري..
يداه معرفتهم بمكانه..
فأمر الجنود بضربهم..
وكانت اصوات صراخهم تصل الي سليمان
في مكانه مع حراسه بجوار ذلك البيت
من الخوص.
لم يكن جنديا الحراسة علي سليمان يعرفان
انه قد تمكن من قطع الحبل المقيد به يداه
بواسطة تلك الصخره المدببة التي
كان يرتكن عليها..
كانا قد أهملاه متكلين علي قيوده المقيد بها..
كان الضابط والجنود بداخل الشعر
يحاولون استجواب الرجال الثلاثة
عن مكان محمد الخضيري.
. واكتشف الضابط من اقوالهم..
ان الخضيري هذا مختف من سيناء كلها
منذ بضعة أشهر..
وان آخر اخباره انه كان يعمل في تل ابيب..
هنا شعر ضابط المخابرات
ان سليمان قد خدعه..
ولنسرع الي سليمان في الخارج
قبل ان يسرع اليه الضابط..
كان سليمان في هذه اللحظات
قد عاين بنظره الحاد تلك المنطقة المحيطة..
فشاهد علي بعد مائه متر من مكانه
منطقة عشب كثيفة ومرتفعة.
. فلو تمكن من الوصول اليها والدخول فيها
فانه من الممكن ان يختفي عن الجنود..
ونظر سليمان لحارسيه
فوجدهما مشغولين عنه.
وشاهد ذلك الخنجر في وسط احدهما..
كان ظهره له..
وفجأه انقض سليمان كالوحش علي ذلك الجندي
وفي نفس الوقت سحب الخنجر..
وغرزه في ظهره.
وفطن الحارس الآخر لذلك
وسريعا ما وجه بندقيته لسليمان.
واطلق..
ولكن لم تصب الطلقة سليمان
فقد كان الاخير قد اسرع بضرب الجندي بقدمه
في وجهه..
ثم غرس الخنجر في قلبه
ولكن تلك الطلقة قد نبهت ضابط المخابرات
وباقي القوة..
فخرجوا من بيت الشعر..
وكان سليمان قد أطلق ساقيه للريح
في اتجاه الاحراش..
لم يكن يعرف اذا كان فعلا يجري
ام انه يخيل له ذلك..
فكل ما كان يعيه انه يقترب شيئا فشيئا
من منطقة العشب..
وفي نفس اللحظة كان ضابط المخابرات
قد سحب بندقية من يد احد الجنود..
واطلق منها طلقة اصابت سليمان
فوقع علي الارض علي بعد قليل
قبل وصوله لتلك الاحراش..
سمعت باقي القوة طلق النار
فانهال من اسلحتهم وابل من النيران
في اتجاه سليمان الذي ظل يزحف علي الأرض
محاولا الوصول الي داخل تلك الاحراش.
وبصعوبة دخلها سليمان..
ظل سليمان لفترة منبطحا علي الارض..
وايضا كانت الطلقات تنهمر عليه من كل جانب..
وتمر من حول جسده..
وبعد لحظات استرد فيها انفاسه
ظل يزحف علي الارض
الي ان وصل الي نهاية منطقة الاحراش.
فوجد امامه منطقة رمال مكشوفة تماما..
وكانت الطلقات تقترب منه..
وايضا اصوات الجنود
وهم يصرخون عليه بالتوقف..
كانت اصابة سليمان تؤلمه وتحد من حركته..
فقام بقطع قطعة من قماش عمامته
وقام بربط ما قبل الجرح
بقليل ربطة قوية لمنع النزيف..
واثناء ذلك كان يسمع اقتراب أصوات مطارديه
وطلقات اسلحتهم المستمرة..
فقرر لحظتها الاستمرار في محاولة الهرب..
انه لن يتوقف حتي يقتلوه
أو ينجح في الهرب منهم..
زحف سليمان علي الأرض مستترا
بهذه الاعشاب الكثيفة..
ولكنه شعر بقربهم منه جدا..
فنظر حولة فوجد شجرة عبل
فتوجه الي اسفلها وصار يحفر بيديه
بقوة حبه للحياه وبسرعة لهاثه..
حتي تمكن من عمل حفرة بالكاد يضع فيها جسمه..
ثم نزل فيها..
وسحب بيديه الرمال عليه..
أي أنه دفن نفسه في الرمال.
كل ذلك وطلقات الرصاص لم تنقطع..
وأصوات صرخات الجنود
علي بعضهم وهم يبحثون عنه بين الأحراش
تقترب..
الي ان شعر سليمان انهم وصلوا
لأقرب مكان منه..
فقام بدفن رأسه ووجهه في الرمال..
ووصلوا فعلا الي مكانه
واصبحوا بالقرب من منطقة الرمال المكشوفة..
ولكن يشاء الله ان يعميهم عنه
فلم يكتشفوا مخبأه..
بعد لحظات شعر سليمان وهو غير مصدق..
ان الاصوات تبتعد قليلا عنه
وكان قد اصبح لا يستطيع كتم انفاسه..
فرفع رأسه قليلا ليلتقط بعض الهواء
فشاهد الجنود يتراجعون بعد ان يأسوا
من العثور عليه..
فمنطقة الرمال امامهم مكشوفة..
ولكن كانت اقدام احد الجنود مازالت بالقرب منه..
وفي متناول يده
وشاهد سليمان خنجرا
في جراب بساق الجندي..
وبمبدأ ياقاتل يامقتول..
أمسك سليمان قدمي الجندي
وبقوة الخوف الهستيري ولواهما..
فوقع الجندي علي الارض..
فخطف سليمان الخنجر من ساقه
واسرع وأجهز عليه به..
نهض سليمان..
وسحب الجندي الذي قتله الي الحفرة
التي دفن نفسه بها حيا..
فدفن فيها الجندي قتيلا..
ووقف يتنصت علي مطارديه
فوجدهم يبتعدون عن مكانه..
فخرج الي المنطقة الرملية المكشوفة
وسار للامام عشر خطوات
ثم بدأ يتراجع للخلف وتعمد ان يضع قدميه
وهو يتراجع مكان قدميه
وهو يتقدم وذلك حتي لايعرف من سيقتفي اثره
انه تراجع فيتوقع انه اتجه للامام
فيذهب للبحث عنه في هذا الاتجاه..
وعندما وصل الي أولي خطواته..
توقف وقطع قطعة من فروع شجر العشب
واستدار للخلف وصار يتراجع جهة اليمين
وهو يمسح آثار أقدامه
إلي ان وصل الي منطقة ارض طينية صلبة
لا يظهر فيها الاثر..
وكانت ترتفع لأعلي علي شكل تبة صغيرة..
وفي اعلاها نظر فوجد مطارديه مندفعين
في الاتجاه الامامي حيث خدعهم بأقدامه
التي افتعلها في هذا الاتجاه..
كان الجنود مازالوا يبحثون عنه بين الا حراش..
واثناء ذلك مر احد الجنود في المكان
الذي دفن فيه سليمان ذلك الجندي الذي قتله..
فتعثر في جثته وعندما حاول الوقوف
كانت بعض الرمال قد انزاحت
من علي الجندي القتيل
ودقق النظر فيه فشاهد زميله المدفون
تحت طبقة خفيفة من الرمل..
وفجأه انطلقت من الجندي صرخة مدوية..
لا احد يعلم اذا كانت صرخة فزع
من رؤية زميله مقتولا..
او انها صرخة للفت انتباه باقي القوة اليه
ليسرعوا نحوه..
وايا كانت اسباب الصرخة
فقد اسرع عدد من الجنود اليه
ووجدوا زميلهم مقتولا..
جن جنون ذلك الضابط..
فالهارب سليمان لم يكتف بالهرب
بل قتل ثلاثة من جنوده ايضا..
فأمر الضابط بسرعة اقتفاء اثر الهارب..
وتقدم احد الجنود وهو من قصاصي الاثر..
فوجد اثار أقدام سليمان تتقدم إلي الأمام..
فنادي عليهم وأسرعوا إليه في نفس اللحظة
كان سليمان مازال مختبئا في الجهة اليمني
ووجدها فرصة سانحة فتسلق تلك التبة..
ووصل الي قمتها..
وكان علي بعد منه ذلك البيت البدوي المصنوع
من الخيط..
والذي سبق وفتش فيه العدو
عن محمد الخضيري..
فدخل سليمان الي ذلك البيت
وحقا كانت فكرة سليمان ماكرة
فالعدو لن يتصور ان يلجأ سليمان
الي ذلك البيت من الخيط ليختبئ فيه..
فهم قاموا بتفتيشه من قبل ولم يجدوا فيه
سوي ذلك الرجل المسن..
ظل العدو يبحث في جميع انحاء المنطقة..
وكان الليل قد أسدل ظلامه
فأطلقوا القذائف المضيئة
واستمروا في البحث عن سليمان..
إلي ان انتابهم اليأس فعادوا الي سياراتهم
واستقلوها..
وقبل ان يتركوا المنطقة..
سلطوا كشافات السيارات الجيب
علي كل المنطقة بحثا عن الهارب.
نعود إلي سليمان في ذلك البيت من الخيط..
حيث كان يعاني اثر تلك الطلقة
التي اصيب بها في ساقه..
وكان لابد من إخراجها...
وتولي الرجل المسن اخراج تلك الطلقة
من ساق سليمان..
ذلك بعد ان وجد منه استعدادا لتحمل الالم..
فاحمي الرجل خنجرا في النار..
ووضع في فم سليمان قطعة من الخشب
ليعض عليها..
وتمكن العجوز من إخراج الرصاصة..
ثم قام بكي الجرح
وكانت قوة احتمال سليمان للالم قد نفذت
فأغمي عليه.
لم يفق سليمان من اغمائه سوي قرب الفجر..
حيث وجد ذلك الرجل المسن بجواره..
وكان سليمان قد استرد بعض قوته..
فأراد ان يخرج من البيت الشعر
حتي يستكمل هروبه..
وبحث مع ذلك الرجل المسن
الذي كان يمثل الاستضعاف
امام العدو عندما هاجم البيت من الشعر اول مرة.
.والذي ثبت انه علي دراية كاملة بالمنطقه..
فهو ايضا من المجاهدين..
وبحث معه سليمان أي الطرق
التي يمكن ان يجتازها
دون ان يشعر به العدو..
أجابه الرجل المسن بأن أأمن طريق
يمكن منه الهرب هو ان يتجه شرقا وراجعه سليمان
بأن ذلك الاتجاه عبارة عن منطقة مكشوفة..
فأجابه المسن بانه من اجل ذلك
يختار له هذا الاتجاه..
ولو ان تلك المنطقه التي يفضل له الاتجاه
اليها عبارة عن حقل ألغام..
لذا فهي لاتصلح للهرب..
وبالتالي فجميع الاتجاهات مغلقة في وجهه..
وفكر سليمان فيما قاله الرجل..
ثم سأله اذا كان يعرف شيئا عن
خريطه حقل الألغام هذا..
فأجاب الرجل بانه هو الذي زرعه..
ويجلس في ذلك البيت المشرف عليه
ليري بنفسه نتيجة عمله.
. ليري العدو يدخل في ذلك الحقل
وتنفجر فيه الالغام التي زرعها..
وعجبا لهؤلاء البدو الوطنيين..
الرجل يعرف انه مسن وغير قادر
علي محاربة رجال العدو..
فزرع الالغام وعاش بجوارها
حتي يري بنفسه نتيجه عمله
عندما تحصد تلك الالغام جنود العدو..
كانت تلك امنية ذلك الرجل المسن..
وفكر سليمان ان يحقق لهذا الرجل أمنيته..
وطلب منه ان يدله علي الطريق الآمن
بين تلك الالغام ولمسافة100 متر فقط.
فأجابه الرجل بالإيجاب وعلي الارض الرملية
رسم له المسن الطريق بين الالغام..
وعليه قام سليمان وارتدي حذاءه..
وتقدم مسترشدا بارشاد الرجل
وصار يخطو بين الالغام..
الي ان وصل الي الحد
الذي طلب منه الرجل التوقف..
هنا بدأ سليمان يتراجع للخلف
وأثناء تراجعه كان يحرص
علي ان يضع اقدامه مكان كل قدم تقدم به..
كما فعل من قبل وذلك ليخفي رجوعه..
ووصل الي اول الحقل.
.وطلب من الرجل المسن أن يرشده
لمكان آمن يختبأ فيه..
أخذ الرجل المسن سليمان من يده..
ودخل به الي ذلك البيت من الشعر
وأزاح عن الارض ما يطلق عليه بالحصيرة..
وفي ركن من المكان..
رفع غطاء مموها بشكل الارض..
ونظر فيه سليمان فوجدها حفره عمقها
حوالي مترين وعرضها نحو مترين..
فاطمأن سليمان علي مكان اختفائه
من العدو لو داهم ذلك البيت مره اخري.
واستفسر الرجل المسن منه عن الغرض
الذي قام من اجله بدخول حقل الالغام ثم رجوعه
بهذه الطريقه..
وشرح له سليمان..
فعند بزوغ ضوء النهار ستعود قوات العدو
للبحث عنه..
ولا شك انهم سيعثرون علي آثار اقدامه
داخل تلك المنطقه الملغمة
التي لايعرفون شيئا عن تلغيمها..
وعليه فإنهم سيتقدمون فيها
وبالتالي سيقعون في شرك حقل الالغام..
عم ضوء النهار المكان..
وجلس ذلك الرجل البدوي المسن
خارج البيت امام راكية من نيران العشب
كان يضع عليها كوزا به الشاي كعادة البدو..
وفي الحقيقة كان يراقب الطريق
لينبه سليمان لوصول العدو..
وسمع العجوز أصوات قادمة من بعيد..
فنظر في اتجاه الصوتا..
فشاهد علي بعد قولا من سيارات الجيب
محملة بأعداد من جنود العدو.
كان ذلك الرجل المسن يجلس خارج البيت
أمام راكية من نيران العشب
عليها كوز به الشاي كعادة البدو..
وفي الحقيقه كان يراقب الطريق
لينبه سليمان لوصول العدو..
وعلي بعد شاهد الرجل قولا
من سيارات الجيب محملة بأعداد من جنوده..
ومن مكانه دون ان يتحرك
اعطي اشارة لسليمان
الذي كان يقبع بداخل البيت من الشعر
وينظر من فتحة منه
وسريعا اختفي سليمان
في تلك الحفرة المموهة..
توقفت قوات العدو قرب بيت الشعر..
حيث كان يجلس ذلك الرجل المسن
الذي كان يمثل الضعف والوهن..
وسأله الضابط اذا كان قد شاهد رجلا هاربا
في المنطقة..
وبصوت واهن أبلغه الرجل ان نظره ضعيف..
ولم ير شيئا ولكنه لم يشعر برجل غريب
في تلك المنطقة..
وفي اثناء ذلك اسرع اليه احد الجنود
وابلغ الضابط بأن قصاص الاثر
عثر علي اثر لأقدام الهارب..
أسرع الضابط الي مكان قصاص الاثر..
الذي اشار له مؤكدا انها آثار أقدام الهارب..
وانه هرب في هذا الاتجاه
أي الي داخل حقل الألغام..
وان ذلك كان تقريبا قرب الفجر
أي منذ عدة ساعات.
وعليه فإنه لابد وان يكون قد قطع مسافة كبيرة
في هذا الاتجاه..
أمر القائد جنوده بأن يتسلقوا المركبات
ويسرعوا ليلحقوا بالهارب
وتقدم هو بسيارته الجيب.
. وباقي القوات بالسيارات
خلفه داخل حقل الألغام..
وهنا بدأت الألغام تنفجر في السيارات
ومن عليها الواحدة تلو الاخري..
الا أن ذلك الضابط توقف في مكانه بالسيارة..
وفهم الخدعة..
وتمكن بصعوبة ان يعود الي خارج حقل الألغام..
بينما بعض الألغام تنفجر في بعض جنوده..
وسريعا مابلغت الاشارات
وسريعا ما وصلت سيارات الإسعاف..
وسريعا ما وصلت قوات الكشف عن الألغام.
. وايضا سريعا ما وصل بعض كبار المسئولين..
وارتبكت الأمور
وكان ضابط المخابرات هذا قد نجا فعلا
ولكنه بغبائه ومكر سليمان
أوقع بعدد كبير من جنوده قتلي..
فكان في أقصي درجات الغيظ
من سليمان الهارب..
وأمر بإحضار ذلك الرجل المسن
الذي يقيم في ذلك البيت من الشعر..
ولكن أبدا لم يعثروا عليه فقد اختفي تماما
دون ترك اي اثر..
أما سليمان الهارب الماكر..
فقد فكر في حيلة أخري لاستكمال هربه..
انه عندما بدأ هروبه كان يتجه الي الشرق.
. فماذا لو عكس اتجاهه وهرب الي الغرب
أي الي داخل عمق العدو
الذي لن يتصور ابدا ان الهارب
سيعود الي المكان الذي هرب منه..
الهروب إلي الداخل
وقرر سليمان ان يهرب الي الداخل
وليس الي الخارج..
فليعد أدراجه الي المكان الاول
الذي خدع العدو به..
علي انه مكان محمد الخضيري..
وفعلا بدأ رحله العودة.
. كان كلما يقطع مسافة في العودة
وهو مختفي يري سيارات الاسعاف
وسيارات الجيش والقوات
تتجه مسرعة الي مكان حادث حقل الالغام..
كان لحظتها يشعر بكل السعادة..
فرغم انه فرد واحد وهارب
ويقاوم جيشا فإنهه تمكن
من ايقاع خسائر كبيرة بالعدو..
ووصل سليمان في سيره
الي منطقة كثيفة العشب..
فقرر الاختفاء فيها
الي أن يحل الظلام ليستأنف رحلة الهروب.
وحل الليل..
وكان سليمان قد حصل علي بعض الراحة..
وكان العدو قد بدأ يستجمع شتات نفسه
بعد ذلك الحادث الكبير..
فبدأ مطاردته للهارب سليمان مرة أخري..
ولكن هذه المرة استخدم العدو
الطائرات المروحية وكشافات الاضاءة
التي كان يسقطها منها..
بينما كان سليمان يواصل هروبه
داخل تلك الاحراش..
الا ان وصل الي الطريق
الذي يوصل الي مدينة العريش..
كان هذا الطريق مكشوفا تماما..
فخشي سليمان من تلك الكشافات الضوئية
التي تلقيها الطائرات للبحث عنه واكتشاف مكانه..
فظل مختبئا
إلي توقفت تلك المروحيات
وبالتالي توقف نشاط مطارديه..
فانطلق سليمان يسير بسرعة
علي جانب ذلك الطريق المؤدي إلي العريش..
كان يقفز في هروبه من شجرة الي شجرة..
إلي ان شاهد علي بعد منطقة زراعة زيتون.
. وكان يعرف مسبقا
انها قريبة جدا من مدخل مدينة العريش..
دخل سليمان بين شجر الزيتون وجلس ليستريح..
ولكن فجأة يسمع سليمان اصوات المروحيات
تقترب..
ومعني ذلك ان العدو قادم بسياراته الجيب
ومن المؤكد ان العدو سيتوقع مكان اختفائه
بين شجر الزيتون..
وبالتالي سيتم تفتيش منطقة الزيتون
تلك تفتيشا دقيقا وفكر سليمان بسرعة.
. ثم تحرك الي مكان تقل فيه كثافة
شجر الزيتون..
كان سليمان يسير علي عكس
التفكير المنطقي للعدو.
. فالمنطق لشخص يريد الاختفاء
ان ينتقي مكان كثيف الاشجار ليختفي فيها..
إلا ان سليمان انتقي مكانا كثافة اشجاره قليلة..
وبه مناطق مكشوفة وخالية..
تماما كما فعل عندما سار في هروبه الـي الداخل
تجاه الشرق..
بينما العدو كان يبحث عنه في اتجاه الغرب..
سمع سليمان صوت محركات
سيارات العدو تقترب..
فأسرع بالاستلقاء علي ظهره..
وبدأ يحفر في الأرض مرة أخري
ليدفن نفسه فيها.. ولكن هذه المرة من المؤكد
أنه سيضطر ان يبقي مدفونا
تحت الارض مدة طويلة.
. فبدأ يجهز لذلك بيديه يحفر
اسفل جسمه بسرعة وقوة..
وكان يأخذ ناتج الحفر ويغطي به نفسه.
. ولكنه اكتشف ان الرمال التي في باطن الارض
يختلف لونها عن الرمال التي فوق الارض..
فالاخيرة بيضاء اما الاولي التي في باطن الارض
فهي حمراء
.. فقام بجمع بعض الرمال البيضاء
من فوق الارض ووضعها بالقرب من يديه..
ثم استأنف الحفر حول جسده..
الي أن تمكن من دفن جسده تماما.
. ثم بدأ ينثر الرمال البيضاء فوقه
ليصبح كقطعة من الارض وبلونها..
ايضا كان قد حفر مكانا سيقوم بدفن رأسه
وكان أصلا مستعدا بقطعة من البوص
حتي اذا اقترب العدو من مكانه
سيقوم بدفن راسه في التراب
وسيستعين بقطعة صغير من البوص
ليأخذ من خلالها بعض الهواء ليتنفس به.
وفعلا بعد دقائق من دفن نفسه في الرمال..
بدأ سليمان يسمع أصوات الجنود علي الأرض..
فقد انتشروا في محيط مكان اختفائه..
ودخل عدد منهم منطقة زراعة الزيتون
المختبئ فيها ليبحثوا عنه.
. ظل سليمان متماسكا
الي ان أصبحت اصوات اقدامهم قريبة منه جدا..
فقام بدفن راسه وكان طرف صغير من البوصة فقط
هو الظاهر.
ولكن ابدا لا احد كان سيلاحظ ذلك.
كان علي سليمان ان يحبس انفاسه
للحظات طويلة..
وكان عندما يضطر لإخراجها في عملية الزفير..
يخرجها ببطء شديد حتي لاتتحرك الرمال
من فوقه ويكتشف مكانه..
ظل علي هذا الوضع لفترة كانت عليه
أطول من كل ايام حياته وكان بعض جنود العدو
يطأون مكانه بأقدامهم
ولكنهم لم يشعروا به تحتها.
وظل سليمان محتملا ذلك علي اعصابه
إلي ان انتهي جنود العدو
من تفتيش المنطقة بكاملها دون جدوي.
. ثم بدأ العدو الانسحاب
من منطقة اختفاء سليمان..
وأيضا ابتعدت الطائرات..
فقد بدأ ضوء الفجر يظهر..
خرج سليمان من ذلك القبر الذي دفن نفسه فيه..
ولكن عندما ازاح عنه الأتربة والرمال
وحاول ان يحرك قدميه فلم يتحركا.
. اخرج رأسه من دفنتها ونظر حوله..
ليتأكد من خلو المكان..
واسترق السمع جيدا
فلم يسمع أي صوت
فنظر من خلال اشجار الزيتون علي الطريق.
. فلم ير أي أثر للعدو..
تجرأ وبدأ يتسلل بين الاشجار في محازاة الطريق
حتي يتمكن من الوصول الي مدينة العريش.
. فهو اذا وصلها ودخلها
فانه سيتوه بين كثافة سكانها.
كان سليمان يسير بين اشجار الزيتون الكثيفة..
ولاحظ ان حركته بين الاشجار واصطدامه بأوراقها
يصدر صوتا من الممكن
ان يكشف عن موقعه فخفف من حركته وابطأ منها..
بعد فترة شعر سليمان بانهيار كل قواه.
. كان في أشد حالات الارهاق..
شعر بأن الموت أقرب منه إلي الحياة..
فقد اخذ منه العطش مأخذه..
ونتج عن ذلك شعوره بسخونة شديدة
في بطنه ومعدته..
كان الفجر قد قارب علي البزوغ..
وفي هذه اللحظات يسقط الندي..
فكان يرطب الارض من حوله..
فيعري سليمان بطنه الملتهبة
وينام عليها علي الأرض الرطبة
حتي تمتص بطنه ندي الأرض
ورطوبتها لتهديء من تلك الحرارة.
.وعندما يشعر بالحرارة مرة أخري.
. كان يغير المكان
ويرقد علي مكان آخر رطب..
اثناء ذلك سمع سليمان أصوات مروحيات.
وعندما نظر الي السماء من بين غصون الشجر
شاهد مروحيتين للعدو..
كانتا تطيران علي ارتفاع منخفض
تبحثان عنه بين أشجار الزيتون.
. فقد كان العدو وكأنه متأكد
من أن سليمان الهارب مختبيء فيها.
. وبعد فتره ابتعدت الطائرتان..
واستأنف سليمان السير في اتجاه العريش..
وبعد حوالي عشر دقائق من السير
بدأ يسمع أصوات الأهالي علي الطريق..
وبالقرب منه كان يمر اثنان يتحدثان
وسمعهما يقولان ان طائرات العدو
كانت طوال الليل تبحث عن الهارب..
اقترب سليمان من مدخل العريش..
فسمع صوت المؤذن يؤذن لصلاة الفجر..
وبدأ الاهالي يظهرون في الشوارع متجهين
الي المسجد للصلاة,
فخرج سليمان من بين اشجار الزيتون
وأصبح علي الطريق بين اهل العريش
وهم متجهون الي المسجد وسار بينهم..
وهنا فقط اطمأن سليمان لأول مرة
منذ بدأ هروبه وحتي الأن.
البطل الهارب وإمام المسجد
زاد اطمئنان سليمان عندما دخل المسجد
مع المصلين..
وكان إمام المسجد يجلس مسبحا.
. فشاهد سليمان..
حقا لم يكن سليمان يعرف أن ملابسه أصبحت
في حالة غير عادية.
. فقد اتسخت تماما وأيضا تمزقت
من بعض أجزائها وجلس سليمان
في ركن من المسجد..
كان محتاجا لراحة الاطمئنان..
وهاهو يشعر بها.
نهض ذلك الشيخ الطيب إمام المسجد
الي حيث كان يجلس سليمان
وجلس بجواره وبصوت دافئ وبهمس سأله
اذا كان هو الهارب الذي يبحث عنه العدو
فهز سليمان رأسه إيجابا..
فمال الرجل الطيب علي احد المصلين بجواره
وهمس له..
علي أثر ذلك اسرع الرجل بالخروج من المسجد.
لاحظ الشيخ الطيب نظرة الشك
في عيون سليمان..
فابتسم ابتسامة مطمئنة
وهمس له بصوت هادئ
حيث ذكر له أنه في الأمان لأنه في بيت الله..
وفي أثناء ذلك كان الرجل قد وصل
وقدم للشيخ جلبابا وغيارا داخليا نظيفا.
قدم الشيخ الملابس لسليمان..
وطلب منه ان يذهب الي حمامات المسجد
ويأخذ حماما..
ويغير ملابسه..
ويترك الملابس القديمة في داخل الحمام
فسيتولي أحد الرجال التخلص منها..
ولم يسع سليمان إلا ان ينحني
ويقبل يد ذلك الرجل المبروك..
شاكرا إياه..
انتهت صلاة الفجر..
فطلب الشيخ من سليمان
ان يسير معه ومع المصلين
عند خروجهم من الجامع..
كان جنود العدو قد انتشروا بكثافة
في شوارع المدينة.. ولكن لم يشكوا في سليمان
الذي كان يسير بجوار ذلك الشيخ امام المسجد.
. الا ان وصلا الي منزل الشيخ
ودعاه لدخول المنزل معه.
. تناول إفطاره مع الشيخ.
. حقا كان جائعا..
فأكل.. وكان عطشانا فشرب..
ثم قدم له الشيخ كوبا كبيرا من الشاي
فاحتساه..
وشعر الشيخ أن سليمان محتاجا للنوم..
وأصر عليه فنام..
استقيظ سليمان من النوم
فشعر انه استرد كامل قواه وعافيته..
وشعر انه علي استعداد لاستكمال
رحلة الهروب..
فأستأذن من الشيخ في الانصراف..
فسأله الاخير الي أين.
. وابلغه سليمان بانه سيستمر في الهروب
الي ان يصل الي منطقة خربة المتمركزة
فيها قواتنا المصرية..
سأله الشيخ عن خط سيره
فاجابه بانه سيتوغل في دروب الصحراء
لانه لن يستطيع ان يسير علي الطريق
سأله ألديك جمل يحملك الي هناك
.. فأجابه بانه سيسير علي قدميه
الي هناك وبابتسامة سأله الشيخ..
أليس في ذلك مجازفة..
فمع طول المسافة..
فانه لابد وانه سيلتقي بقوات العدو
سواء المطاردون له..
او بدورياته التي تجوب
كل مكان في الصحراء..
صمت الشيخ الطيب لحظات
ثم بصوته الهادئ قال لسليمان..
إنك يابني رجل يجب المحافظة عليه.
. وانا اعتبر ذلك واجبي.
. ولذلك فلن اسمح لنفسي أبدا
ان اتركك تجازف فتقع في يد العدو مرة أخري..
لذا عليك ان تترك أمرك لله ثم لي..
وأنا سأرتب كل شئ لإيصالك
الي خطوط قواتنا المسلحة المصرية سالما.
نظر سليمان لذلك الشيخ الطيب مندهشا
.. وهنا تمتم الشيخ بصوت هامس حيث قال.
. نعم أنا من رجال المقاومة في الأرض المحتلة..
وقد عينت لك دليلا ليصحبك وليرشدك للطريق
.. حقا هو طريق وعر وصعب..
ولكنه مختصر ولاتعرفه قوات العدو
صمت سليمان..
ثم نظر للشيخ وبرجاء طلب منه السماح بالتسلل
الي موقع داره..
لسببين..
فعليه ان يطمئن امه الضريرة علي نفسه
ويطمئن هو عليها..
ويودعها..
والأمر الآخر وهو الأهم..
أنه يريد ان يخرج جهاز الارسال اللاسلكي
من مخبئه هو والشفرة الخاصة به
ليحضرها الي الشيخ كأمانة لديه..
سكت الشيخ مفكرا وعلي وجهه عدم الاطمئنان.. ولاحظ سليمان في تعبير وجهه ذلك..
فحاول ان يطمئنه..
فقال للشيخ..
إن العدو حاليا يطارده في اتجاه الغرب..
ولن يتصور العدو أنه سيعود في فراره الي الداخل
في اتجاه الشرق وموقع داره في اتجاه الشرق
وعلي بعد بضع كيلو مترات من المكان..
وعليه فانه سيكون في الأمان
لأنه عكس اتجاه مطاردة العدو له.
هنا فقط سمح له الشيخ بذلك..
ولكن مع بعض التعديل.
. فقد طلب منه ان يحمل معه جهاز اللاسلكي
بعد اخفائه..
ويظل معه لأنه سيحتاجه
في لحظة من لحظات الهروب..
وسيسهل عليه الوصول
الي خطوط قواتنا المصرية..
ثم أحضر الشيخ ورقة وقلما..
وصار يشرح لسليمان
كيف يصل الي المكان الذي سيلتقي فيه
مع الدليل الذي يصطحبه
في باقي مشوار رحلة الهروب..
ولم ينس الشيخ ان يذكر له كلمة السر
التي سيتعرف بها علي الدليل
كنوع من التأمين والأمان.
انطلق سليمان متخفيا في ظلام الليل..
وواصل سيره بحرص
الي ان وصل الي قرب داره قبيل الفجر بقليل..
ولكنه توقف بعيدا عنه..
وظل يراقب ويتابع ليطمئن إلي
ان جنود العدو لا يراقبون البيت..
في نفس اللحظة كانت أم سليمان
قد استيقظت وقامت لتتوضأ
استعداد لصلاة الفجر..
ولكنها توقفت لحظات
وواضح أنها كانت تتشمم الجو حولها..
ثم همست لنفسها باسم سليمان ابنها..
يبدو ان الله سبحانه وتعالي
عندما يأخذ إحدي نعمه من الانسان
فهو يعوضه بقوة في نعمة أخري..
لقد أخذ الله من أم سليمان نعمة البصر..
ولكنه قوي لديها حاسة الشم.
. لقد شمت ام سليمان رائحة ابنها
في المنطقة..
واستكملت الأم الوضوء..
وفتحت باب الدار..
وخرجت خطوتين خارجة للخارج..
وكانت خيوط الفجر الأولي قد ظهرت..
ومن علي بعد شاهد أمه
تقف وتفتح يديها بالدعاء
متوجهة برأسها الي السماء.
. ثم تمسح علي صدرها ووجهها.
. وتكرر ذلك ثلاث مرات.
. لم تكن تلك سوي الاشارة
التي كان سليمان متفقا عليها
مع امه ففي الأيام السابقة..
أيام حرب الاستنزاف..
كان سليمان أحيانا يشك
في ان العدو سيهاجم منزله..
فكان يهرب الي مكان بعيد عن منزله
ويختبئ فيه وكان الاتفاق مع أمه
عندما تحاول ان تطمئنه لكي يعود الي الدار..
هي ان تقف خارجه وتقوم بتلك الحركة
وكانها تدعو الي الله.
فهم سليمان إشارة امه..
فتقدم بكل الحرص الي المنزل..
لم يدخل من باب الدار..
بل تسلق الشجرة التي خلف الدار
وقفز الي السطح ومنه هبط
ودخل الي صحن الدار.
كانت الأم تصلي..
وواضح انها شمت رائحته
بأقوي مما كانت تشمها من قبل.
وأثناء صلاتها..
فتحت يديها بالشكر والحمد لله علي سلامة
ابنها حتي الآن..
وما كادت تنهي صلاتها حتي ارتمي سليمان
في حضنها وأكثر من تقبيل يديها
بينما كانت هي تمسح علي شعره
بيدها مكررة..
الحمد لله.
ذكرت الأم لابنها أن قوات العدو حضروا الي الدار
فور فراره..
وفتشوا فيه تفتيشا دقيقا..
وقلبوه رأسا علي عقب..
وبسرعة سألها سليمان
اذا كانوا قد فتشوا
في المنطقة المحيطة للدار.
. فأجابته بالإيجاب..
ولكن في نفس الوقت طمأنته
علي أنهم لم يعثروا علي اي شئ..
كان علي سليمان ان يذهب الي المكان
الذي أخفي فيه اللاسلكي والشفرة
فاستأذن من أمه قليلا
لحين أن تجهز له الافطار
وخرج من الخلف كما دخل وتسلل
الي مكان الجهاز..
واطمئن علي وجوده والشفرة
واخفاهما في ملابسه البدوية الفضفاضة..
عاد سليمان الي الدار بنفس الطريقه..
وكان الافطار معدا ولأول مرة منذ هروبه
يتمتع بمثل ذلك الافطار
من الجبن والخبز والفطير والعسل
والقشطة واللبن..
وبعد الانتهاء كانت الأم قد جهزت له الزاد والزواد..
ولكنه رفض ان يحمل معه مايثقل عليه الحركة..
فقط اخذ رغيفين من الخبز..
وزمزمية من الماء وانطلق
قبل أن يسطع ضوء النهار..
واختفي في المخبأ القريب من الدار
وظل قابعا به حتي عم الظلام
فخرج متجها الي الغرب الي المكان
الذي حدده له ذلك الشيخ الطيب
ليلتقي فيه بالدليل الذي سيصحبه
في رحلة الهروب..
ظل سليمان سائرا في الصحراء مستعينا
في خط سيره بالنجوم..
وبعد ساعتين من السير في الرمال الصعبة..
بدأ يظهر له من بعيدا شيء ما أسود
مرتفعا قليلا عن الأرض..
لحظتها أطمان سليمان إلي انه
في الاتجاه الصحيح..
فقد ذكر له الشيخ ان الدليل سيكون منتظره
في خيمة صغيرة من الشعر في منطقة اللقاء..
تقدم سليمان ببطء وحرص الي أن يصل الي
تلك الخيمة من الشعر فوجد جملا باركا أمامها..
دخل الخيمة فلم يجد بها أحدا
وفجأة استدار ليجد خلفه شبحا يرتدي السواد..
كان ذلك الشبح يرتدي ملابس نساء البدو السوداء
ونظر الي الوجه فوجده ملثما لايظهر من اللثام
سوي عينان سوداوين واسعتين
زادهما الكحل حولها اتساعا وجمالا..
ذهل سليمان..
فلم يكن يتوقع ان دليله سيكون امرأة..
فشهق وهو يقول امرأة
وكان الرد من الدليل بصوت نسائي
ولكنه جاف نوعا..
أنا سالمة دليلك ثم ألقت اليه بصرة
من الملابس وأمرته أن يرتديها..
وعندما أمسك بها سليمان وفتحها
وجد بداخلها ملابس نساء البدو..
وبضيق غاضب رفض أن يرتدي تلك الملابس..
ولكن سالمة بجدية حازمة أمرته أن ينفذ.
فتلك تعليمات الشيخ ولابد من تنفيذها..
وقبل ان تنهي حديثها..
عاتبت سليمان علي أنه لم يتأكد منها بكلمة السر.
. كل ذلك وسليمان صامت مندهش..
ولكن تلقائيا خرجت من فمه كلمة السر
وكانت صقر وسمع الرد الصحيح من سالمة
وكانت صقر
راجع ثم سألته عن الجهاز,
فاستدار واخرجه من ملابسه..
وأخذته منه قائلة وابتعدت عنه لتعطيه
فرصة لاستبدال ملابسه..
ولتخفي هي الجهاز والشفرة
تحت التبن الذي في خرج الجمل.
ارتدي سليمان الملابس النسائية..
فاقتربت منه سالمة وببعض الرتوش
اصبح سليمان سيدة بدوية مسنة..
وببساطة وحنان قالت سالمة لسليمان
امتطي الجمل يا اماي..
وامتطي سليمان الجمل..
وامسكت سالمة بحبله وجعلته يقف
ثم سارت وهي تجر الجمل
الذي عليه البدوية المسنة أم سالمة..
أقصد سليمان وكان الطريق صعبا ووعرا..
تخلله بعض الاستراحات
تناولا فيها الطعام والشاي..
ولاحظ سليمان ان دليلته سالمة قليلة الكلام..
فقد حاول ان يجري حديثا معها
فكانت ردودها مقتضبة..
وعليه توقف سليمان عن الحديث تقريبا
الا فيما ندر..
حقا كان بالرحلة بعض المخاطر..
فقد كانا أحيانا يضطران للسير
في أماكن مأهولة بالاهالي.
وفي هذه الاماكن كان ينتشر جنود العدو الباحثين
عن الهارب..
وحدث مرة أن استوقفت إحدي الدوريات
سليمان وسالمة..
وبما ان سالمة هي الشابة بينما المسنة أمها
فوق الجمل..
فقد كان الحديث يدور مع سالمة التي كانت ترد
بكل ثقة وهدوء علي أسئلتهم عن مكان ذهابها.
. ومن اين جاءت..
وما هو الحمل الذي معها.
. وفي إحدي المرات عن لضابط الدورية
ان يفتش الخرج الذي علي الجمل..
وعندما بدأ يفتح الخرج لكز سليمان
الجمل بخفيه فأتي الجمل بحركة مفاجأة عنيفة
أخافت ذلك الضابط
فابتعد عن الجمل ولم يحاول الاقتراب
مرة أخري منه
. مرت ليلتان بثلاثة أيام علي بداية المرحلة الاخيرة
من رحلة الهروب
وأصبح ماتبقي من الطريق
للوصول الي خطوط المواجهة لقوات العدو
علي بعد كيلو واحد فقط,
وهنا غيرت سالمة اتجاهها
من الغرب الي الشمال الغربي
بذلك كانت تبتعد بمسافة كيلو متر
عن يمين خطوط العدو..
والغرض هو محاولة الوصول
الي أطراف الخطوط ليسهل المرور منها
لتباعد دوريات الحراسة فيها وعند نقطة معينة..
ووسط أرض مزروعة بشجر الزيتون
دخلت فيها سالمة بالجمل
وأخفته بين الاشجار..
ونزل سليمان من علي الجمل..
فابلغته سالمة أنهما سيتوقفا هنا
لعدد من الساعات الي أن يحل الظلام..
وأيضا شرحت له علي الرمال
خط سيره ليخترق خطوط العدو في أمان.
. وسألها سليمان اذا كانا سيفترقا
عند هذه النقطة فأجابته بالإيجاب
وتمنت له السلامة..
تناولا الشاي.
ودار بينهما حديثا قصيرا
.. سألها سليمان اذا كانت متزوجة
فأجابته باقتضاب بالنفي..
سألها عن قبيلتها فرفضت ذكر اسم
قبيلتها لدواعي الأمن..
وعندما بدأ الظلام يعم علي المكان.
. وقفت سالمة لتودع سليمان
الذي أخفي الجهاز أسفل ملابسه
بعد أن عاد الي ملابس الرجال..
مد سليمان يده لسالمة مصافحا وشاكرا..
ولكنه فوجئ بان سالمة
تفتح له ذراعيها لتأخذه بالاحضان
وتقبله في وجنتيه متمنية له السلامة..
حقا ذهل سليمان من تصرف سالمة..
ووقف مدهوشا..
ولم يفت ذلك علي سالمة فسألته
اذا كان متعجبا مما حدث منها.
. فهز رأسه بالايجاب..
سألته بدلال..
اتعتبر ذلك نوعا من العيب؟
فأحرج سليمان ولم يرد.
فابتسمت. وقالت لاتخشي شيئا
فانا لم ارتكب خطأ.
وهنا كانت المفاجأة الكبري لسليمان
عندما أزاحت سالمة اللثام
من علي وجهها وغطاء رأسها..
ليظهر لسليمان ان سالمة لم تكن سالمة..
بل كان شابا حيث قال لسليمان..
إني لست بسالمة بل أنا سالم..
رجلا مثلك ولكن من أجلك
كنت مضطرا للتنكر فالعدو لايثير شكه النساء.
ضحك سليمان من ذلك الموقف..
وهذه المرة هو الذي قام باحتضان سالم مودعا..
وكان سالم يتمم بالدعاء
أن يصل الي قواتنا سالما..
وافترق رفيقا الطريق..
وسار سليمان في اتجاه الطرف الشمالي
من خطوط قوات العدو.
وبنجاح تمكن سليمان من التسلل
من بين خطوط للعدو.
. وأصبح في المنطقة الحرة الوسط
مابين خطوط القوات المصرية
وخطوط قوات العدو واستمر سليمان
في السير في الظلام.
ولنترك سليمان مستمرا في سيره
وننتقل الي أحد الخنادق الأمامية
لخطوط قواتنا المصرية..
حيث كان أحد الجنود من خلال مغزل في الخندق..
أي فتحة صغيرة يوضع فيها السلاح..
كان ذلك الجندي ممسكا بنظارة من نوع النظارات
التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء
التي توضح الرؤية أثناء الظلام
حيث شاهد شبحا يتقدم من خطوط قواتنا.
علي الفور قام الجندي بالاتصال
بقائده عن طريق التليفون الميداني
الذي يصل الخنادق ببعضها..
وأبلغ عن تسلل من جهة قوات العدو..
فاسرع قائد المواقع المتقدمة
الي ذلك الموقع الذي به الجندي..
ونظر من خلال النظارة فتأكد فعلا
من وجود متسلل يتقدم ببطء.
. وهنا أمر جنود الموقع بإطلاق النار عليه..
وانطلقت رشاشات الموقع وبنادقه الآلية..
وأيضا المواقع المجاورة
في إطلاق النار تجاه المتسلل..
كانت قواتنا المصرية
تطلق النار علي ذلك المتسلل
وهم لايعرفون أنه البطل سليمان
بطل ذلك الهروب الكبير.
كان سليمان منبطحا علي وجهه
في تلك الأرض المكشوفة ليتقي طلقات النار
المنهالة عليه..
ولحظتها كان يكلم ربه.
. لقد نجا من كل ما تعرض له
من مطاردة العدو له..
ونجي من التسلل من خلال خطوط العدو..
وكتب عليه أن يموت
أمام خطوط قواتنا وبين المصريين.
فجأة هداه الله الي تفكير
يمكن ان ينقذه من هذا الموقف..
فأخرج الجهازالذي كان يخفيه في ملابسه.
. وفتحه وظل ينادي علي القيادة
عسي ان تسمعه وتوقف الضرب عليه.
. حقا كان ذلك التفكير نسبة نجاحه5% فقط..
ولكن لماذا لايحاول..
وحاول سليمان..
وظل بلهفة ينادي علي القيادة
وبعد لحظات سمعها ترد عليه..
وبسرعة عرف نفسه بالكود..
وطلب ايقاف ضرب النار عليه
لأنه هو المتسلل عبر الخطوط
بعد هروبه من العدو.
كان ذلك ومازال اطلاق النار عليه مستمرا..
وطبعا إطلاق النار هذا من جانب القوات المصرية
لفت نظر العدو..
وكانت الاتصالات بين خنادق المقدمة
لديه للاستعلام عن اذا كان هناك تسللا
من جانبهم للخطوط المصرية وكان الرد بالنفي..
وعليه عرفت قوات العدو ان المتسلل هارب..
فوجهت اليه الأسلحة وكان فتح النار
من جانب العدو أيضا علي سليمان..
أي أصبح سليمان محصورا بين نيران العدو
ونيران قواتنا وكلها موجهة إليه.
لحظات ولاحظ سليمان توقف اطلاق النا
ر من جانب قواتنا..
فعرف ان القيادة أمرت بإيقاف إطلاق النار..
فنهض من مرقده وأطلق ساقيه للريح
في اتجاه خط قواتنا.. وظل يجري
والعدو يتابعه بنيرانه.
. الي ان شاهد سيارة مصفحة
تسرع في اتجاهه حيث التقطته
وعادت به الي خطوط قواتنا
وأصبح سليمان في أمان بين أحضانها..
وكانت تلك هي
نهاية رحلة الهروب الكبير.
راياتنا سود ..... ولا نهاب اليهود ...... في سبيل الله نجود ..... بإرداة وصمود ...... جيشنا الجبار نقود ...... نسعى لإزالة إسرائيل من الوجود .... . نحن جند السرايا الأسود .......
مصائد العملاء في السجون .. أساليب خادعة في انتزاع المعلومات
إعداد : أسرى المقاومة في سجن نفحة الصحراوي
لما كان أكثر من 90% من اعترافات المجاهدين والمناضلين المعتقلين في التحقيق تنتزع عن طريق العملاء، أو ما يطلق عليهم بمصطلح "العصافير"، الذين يخدعون المجاهد المعتقل، مدعين أنهم من تنظيمه، فقد ارتأينا نحن بعض أسرى حركة المقاومة الإسلامية – حماس أن نستصرخ إخواننا العاملين في حقل الدعوة، بأن يعوا جيدا هذا الشرك، وأن يوعوا المجاهدين والشعب بأكمله إن أمكن، ولهذا فقد أصدرنا هذه الدراسة، استصراخا منا لكل العاملين من أجل تحرير أرض فلسطين ... إياكم والخداع .
إلى كل العاملين من أجل تحرير فلسطين .. أسرى حركة حماس في السجون يستصرخونكم .. احذروا الخداع ..احذروا الخداع .. احذروا الخداع ..
يتعلق الموضوع هنا بالصراع القائم بين العدو الصهيوني، المتمثل في جهاز الأمن الداخلي الصهيوني "الشاباك"، وبين المجاهد الذي يقع في الأسر، حيث يخضع لجولات تحقيق مختلفة الأشكال، من أجل انتزاع اعترافات ومعلومات من هذا المجاهد أو ذاك، حيث تنقسم هذه المواجهة إلى قسمين رئيسيين :
1- المواجهة المباشرة مع ضابط التحقيق، والتي تدور داخل مكاتب التحقيق.
2- وهو الأخطر، وهي المواجهة غير المباشرة، حيث يستخدم ضابط المخابرات بعض العملاء للقيام باستدراج المجاهد المعتقل، وأخذ واستدرار معلومات كاملة منه، وهؤلاء العملاء يسمون "العصافير" أو "الصراصير"، وهذه الظاهرة "العصافير" هي الأشد خطرا وفتكا بالمجاهدين والمقاومين أثناء مرحلة التحقيق، وتعتبر أهم مرحلة من مراحل التحقيق وأخطرها، حيث أن معظم وأغلب الاعترافات تؤخذ عند هؤلاء العصافير، الذين يقومون بدور خفي وخطير جدا، من خلال تنفيذ دور الشرفاء والمخلصين عبر تمثيليات مسرحية يقومون بتمثيلها على المجاهد المعتقل، حيث أن هذه المصائد والمخادعات تنطلي – للأسف الشديد – على أغلب المجاهدين والمقاومين المعتقلين.
ويمكن القول أن 90% من الاعترافات في التحقيق تؤخذ عن طريق هؤلاء الحثالة من العملاء "العصافير"، وسنتكلم هنا بإيجاز عن بعض أشكال مصائد العصافير، ولكن قبل الحديث عن العصافير سنذكّر ببعض الأمور الواجب معرفتها مسبقا قبل الخضوع بالتحقيق المباشر مع ضابط المخابرات أو المحققين للحذر منها مسبقا :
1- قضية البلفون أو الجوال الخاص بالأخ المعتقل، حيث أن المخابرات تحرص على أخذ ومصادرة البلفون الخاص بالمجاهد أثناء عملية اعتقاله، حيث يقومون بتسجيل أرقام التليفونات الموجودة في الشريحة، والتحقيق بشكل دقيق حول أصحابها، وإن كانوا من الجهاز العسكري فيجب التنبه والإدراك أنهم يعرفون مسبقا بعض أرقام البلفونات الخاصة بإخوة يعملون في الجهاز العسكري، مما يضع المجاهد المعتقل في موقف ضعيف في التحقيق، فضلا عن إمكانية قيام الصهاينة بتسجيل بعض المكالمات التي قمت بها أو استقبلتها، فتجدها أمامك كشاهد عليك.
2- إيهام الأخ المعتقل بأن القضية كلها مكشوفة بتفاصيلها، ومخاطبته في إطار العموميات، وكأنهم يعرفون كل شيء.
3- ينقسم ضباط المخابرات إلى قسمين أثناء عملية التحقيق، أحدهما يمثل دور الصديق والحريص عليك، الذي يكثر من الحديث المطول والحوار المستفيض مع المعتقل، خاصة في قضية تهم المعتقل فكريا، في ظلّ ادعاءات ومزاعم باطلة، بأنه حريص عليه ومستعد لكتابة تقرير إيجابي عنه مع ملف القضية يحسّن وضعه في المحكمة، فيما يمثل الآخر دور الشرير العنيف.
4- التركيز على قانون "تامير"، وأنه سوف يحاكم إذا أصر على إنكاره، ومن الأفضل له الاعتراف، لأن ذلك يخفف عنه الحكم.
5- العمل على تضارب أقوال أبناء القضية الواحدة، وإيهام كل واحد منهم أن باقي أفراد مجموعته قد اعترفوا كاملا، ولا جدوى من إنكاره، وأن إنكاره – فقط – يعذب صاحبه، ويبقيه في التحقيق مشبوحا على الكرسي دون فائدة، فقط، بسبب عنادك أنت.
6- إيهامه أنهم على غير عجلة من أمرهم، وأنه سيبقى في التحقيق ستة أشهر حتى يعترف بعد طول عناء وتعب، حيث يكون مصيره، في النهاية، الاعتراف.
7- تحذيره بأن كل قضية تقع مستقبلا وكان يعلم في التحقيق بها، سوف يحاكم عليها.
وبادئ ذي بدء يجدر التعرف على بعض أشكال مصائد العصافير:
1- العصافير في الزنازين بين أربعة أشكال:
الشكل الأول: حيث أن المجاهد المعتقل بعد أن تمضي عليه فترة من الوقت داخل غرف التحقيق والمواجهة المباشرة، يتم إنزاله إلى الراحة أو النوم داخل زنزانة، وغالبا ما يكون ذلك آخر أيام الأسبوع يومي الجمعة والسبت، حيث يكون العميل موجودا داخل هذه الزنزانة، أو يأتي بعد دخول المجاهد إليها بوقت قصير، وليس المهم أن يأتي بل المهم أن تجتمع أنت وإياه داخل الزنزانة، حيث يمثل دور مجاهد معتقل مثلك وأنه نازل من التحقيق للراحة، وتبدو عليه آثار التعب والإرهاق والسهر مثلك تماما، بحيث لا تستطيع تمييزه من حيث الشكل بأنه مرهق فعلا، ويبدأ هذا العميل "العصفور" بالحديث معك بأن له مدة كبيرة في التحقيق ولم يعترف على شيء، وأنه سوف يفرج عنه قريبا وقد يكون غدا، وأنه مستعد للمساعدة بحيث يقوم بتوصيل أخبارك للأهل وباقي أفراد مجموعتك في الخارج، وإذا أردت أن تحذر أفراد مجموعتك في أمور معينة أو ما شابه من هذا الحديث، أو أن يعرض عليك جهاز بلفون كي تتحدث به مع أشخاص يخصّونك في الخارج، ويدعي أنه قد هرّب هذا الجهاز أو دخل معه عند الاعتقال ولم يتم تفتيشه جيدا، كي يوقع بك ويسمعك ويسمع ما تريد أن تقوله، ثم يقوم بنقل ذلك إلى المخابرات.
الشكل الثاني: العميل الذي يكون معك في الزنزانة ولا يتحدث بشيء، ودائما ما يكون نائما، حتى تضطر أنت للحديث معه وهو غير مبال، لإيهامك بأنه غير مهتم بكل ما تقول، مما يدفعك للثقة به والاسترسال في الحديث معه حول قضيتك.
الشكل الثالث: العميل الذي يحاول الحديث معك حول قضيتك بكل أسلوب، ومحاولة معرفة التفاصيل، وهو دور معروف، ولكن الخطير في الأمر أنه بعد أن يجلس معك ينتقل إلى زنزانة أخرى مع أحد أفراد قضيتك، ويقول له أنه كان معك في الزنزانة وأن ابن قضيتك قد اعترف بكل شيء، ويحدثه ببعض العموميات حول القضية، وهذا أخطر ما في الموضوع، حيث يوهمك بأن أبناء القضية قد اعترفوا بكل شيء ولا داعي للصمود.
الشكل الرابع: العميل "العصفور" الذي يمثل دور الناصح الأمين، حيث يقوم بتحذيرك من العملاء "العصافير"، وضرورة عدم التحدث عن قضيتك وأهمية ألا تكتب شيئا عنها، ويشرح لك بشكل مطول حول "العصافير"، وأنك الآن في المرحلة التي تسبق ذهابك إلى "العصافير"، وبعدها سوف تخرج إلى السجن الحقيقي، ويشرح لك عن السجن الحقيقي، وأن به شاويش مردوان وأميرا للقسم وموجها أمنيا أو أميرا أمنيا أو ما شابه، وفي الحقيقة فهو يشرح لك عن مردوان "العصافير" الذي يتواجد به العملاء، وأن هذه المرحلة تهيئة لك وتجهيزك للذهاب إلى العصافير ليس إلا وهو دور حقيقي يمثل خطورة كبيرة.
2- "العصافير" في أقسام المعتقلين:
حيث توجد عدة غرف ويكون بها عدد من المعتقلين قد يبلغ العشرات، وينقسم إلى قسمين، حيث يتم إبلاغ المجاهد أنه قد أنهى مرحلة التحقيق وسوف ينقل للأقسام الآن، والتي تكون أقساما للعصافير على شكلين:
الشكل الأول: أن يكون معظم سكان القسم من العملاء "العصافير"، حيث تذهب إلى غرفة داخل القسم معظم سكانها عملاء "عصافير" يمثلون دور سجناء قدماء داخل السجن بأشكال توحي بأنهم وطنيون، وقد يكون معظمهم ملتحين ويقرأون القرآن بشكل جيد، ويمثلون دور العابدين، يصومون النهار ويقومون الليل، ويتسمّون بأسماء إسلامية لها تاريخ، مثل أبو صهيب وأبو حمزة وما شابه، ويقوم أحدهم بتمثيل دور الأمير العام للتنظيم وآخر دور الموجه الأمني وثالث أمير مجلس الشورى ...إلخ، حيث يمثلون دور التنظيم، ويقوم الموجه الأمني بالطلب من الأخ المجاهد المعتقل الجديد أن يكتب تقريرا أمنيا كما جرت العادة داخل السجون، حيث يكتبون له أسئلة تكون معظمها عن معلومات لم يعترف عليها، وأسرارا تنظيمية، وعن "شبه الخسارة داخل التحقيقkH"، أي كم أخذوا ( المحققين ) منك في التحقيق، وعلى كم اعترفت، 5% أو 10%، وما إذا كانت هناك أشياء أخرى لم تعترف عليها، وعن مجموعات السلاح وما شابه ذلك .. يعني عن كل ما يخفيه الأخ المجاهد وتبحث عنه المخابرات، وإذا لم يتعاطى الأخ المجاهد معهم يقومون بتهديده أو معاقبته بالمقاطعة وعدم الكلام مثلا، وعزله عن باقي السجناء وتهديده بالتحقيق معه لأنه عميل، والتهديد بالتشفير، أي ضربه بالشفرة في وجهه، أو حتى التهديد بإعدامه، ويمارسون عليه دور الإرهاب والتهديد والوعيد وأنه مدسوس عليهم، وهذا مجرد تهديد فحسب ولا ينفذون أي شيء من ذلك.
الشكل الثاني: أن يكون معظم القسم الذي يسكنه السجناء من السجناء الشرفاء، حتى ممن يعرفهم المجاهد المعتقل داخل وأثناء التحقيق والزنازين، أو حتى بل قد يكونون ممن يعرفهم خارج السجن، مما يسكب الثقة والطمأنينة في النفس، حتى يدخل المجاهد المعتقل داخل غرفة كل أفرادها شرفاء، حيث يكون منهم أميرا للغرفة وآخر موجها أمنيا من الشرفاء، ولكن يكون العملاء - فقط- من الذين يعملون في النظافة داخل القسم، ويوزعون الطعام، ويأخذون الأوراق والرسائل والتقارير الأمنية من شخص إلى آخر، ومن غرفة إلى أخرى، وهنا يضغطون عليه وحتى قد يهددونه ببعض التهديدات إن لم يلتزم بطلبات التنظيم، وخصوصا الموجه الأمني، الذين عادة ما يطلب منه كتابة تقرير أمني، وهذا هو أخطر أسلوب، حيث إن الشرفاء يقومون بدور العملاء من حيث لا يعلمون، مما يسهل الانخداع بهم والسقوط في مصائدهم، ويتولى عمال النظافة "العصافير" الذين يقومون بتوزيع الطعام و نقل الرسائل، نقل هذه التقارير إلى ضابط المخابرات مباشرة وليس إلى التنظيم، ثم تقوم المخابرات بطلب المجاهد لجولة تحقيق أخرى يقومون فيها بمفاجأته بالتقارير.
الشكل الثالث: وهو الشكل السهل حيث يكون معظم الموجودين في الغرف من العملاء، وقد تكون هناك غرفة أو اثنتين بعدد غير كبير، وهذا الشكل يعمل على كشفه لك لإيهامك أنك ذهبت ومكثت عند العصافير وأنهيت قضية العصافير برمتها تمهيدا لإيقاعك في الفخ .. ويمكن الاستدلال بتجربة "العصافير" في معتقل "مجدو"، و"مجدو" هو سجن أو معتقل عسكري في شمال فلسطين، وهو عبارة عن عدة أقسام بعضها من خيام والأخرى غرف، حيث يتم نقل الأخ المجاهد إلى أحد هذه الأقسام في المعتقل، حيث يكون معظم نزلاء القسم من العملاء، الذين قد يستخدمون واحدا من أسلوبين:
الأسلوب الأول: تدخل إلى القسم الذي يتواجد به عددا من المعتقلين، على رأسهم شاويش القسم الذي يتعامل مع الإدارة ويتحدث معها حول أمور وحاجيات القسم، وأمير القسم، والموجه الأمني الذي يمثل دور الحرب، ويخاطبك بأن فترة الموقوفين حساسة ولا يجب الحديث فيها عن قضيتك أو تنظيمك، أو الحديث عن الفكر السياسي، ويحذرونك من كتابة أي شيء حول قضيتك، وأن ذلك ممنوع منعا باتا وأنه يسمح لك فقط بالحديث – فقط- مع أمير القسم دون الكتابة، وذلك من أجل تسوية قضيتك، أو محاولة وضع الإخوة في الخارج في الصورة، ليقوموا بدورهم بتصحيح الخلل الذي حدث وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وقد تجلس عندهم أكثر من عشرة أيام وتأتيك منه ( الموجه الأمني ) رسائل تنظيمية عن طريق شاويش القسم، على شكل كبسولة مختومة بخاتم حماس مثلا أو غيرها حسب التنظيم الذي تنتمي إليه، تطلب منك الحديث مع شاويش القسم حول قضيتك وتفاصيلها.
الأسلوب الثاني: حيث يكون معظم القسم من العملاء، الذين يجلسون حلقات للحديث ويبدأ كل واحد منهم في الحديث عن قضيته، وتدور معظم الأحاديث حول قضايا تشبه أو تماثل قضية المجاهد المعتقل الجديد، مما يساعد على جرّه وتشجيعه على الحديث في قضيته، وكشف أسرار ومعلومات عنها.
وهناك شراك تنصبها المخابرات للمجاهد المعتقل تكون متتالية ومتتابعة، مثلا شركين أو ثلاثة شراك، وتتعمد المخابرات كشف هذه الشراك للمجاهد المعتقل حتى يعتقد أنه قد مرّ بالمصائد، واجتاز أسلوب العصافير، ثم ينصب له شرك رابع محبوكا بإتقان يقع فيه المجاهد بعد أن ظن أنه قد تجاوز مرحلة شراك العصافير في المرات الثلاث الأولى، فالمخابرات لا تكتفي بشرك أو اثنين فقط، وهذه الأساليب متطورة، وتتبدل وتتغير وتتجدد باستمرار، بحيث لا تبقى المخابرات على أسلوب واحد، ولذلك يجب افتراض وتوقع كل شيء، وليس أفضل من الصمت .. الصمت .. الصمت.
ويجدر بالأخ المجاهد المعتقل التنبه إلى ملاحظة مهمة جدا، وهي أنك إذا اكتشفت العملاء "العصافير"، فالأصل ألا تشعرهم بأنك عرفتهم وكشفتهم، بل عليك أن توهمهم بأنك قد انخدعت بهم، ويمكنك أن تعطيهم معلومات مضللة، بحيث توصل - عن طريقهم- للمخابرات معلومات تخدمك وتبرئك، أما إذا شعروا بأنك قد اكتشفتهم فسيقومون بعمل شرك آخر لك.
وهناك شرك آخر قد يواجهه المعتقل .. فقد تدخل إلى الزنزانة، وتجد بها شخصا عميلا يمثل دور معتقل مرهق جدا، وأنه قد أنهى كل جولات التحقيق، ويريد أن ينام ولا يريد الحديث مع أي شخص، وأن له مدة طويلة في التحقيق، الأمر الذي يوحي للأخ المجاهد بأنه صادق ومسكين، فيبادر بالسؤال عن التحقيق ومراحله، وهنا يتثاقل العميل في الإجابة "لأنه مرهق ولا يريد الحديث مع أي شخص"، ويقول للمجاهد المعتقل بعد سؤاله له عن المدة التي قضاها في التحقيق وجولات التحقيق، أنه لم يبق لك سوى جولة واحدة، وهي جولة "العصافير"، ثم بعدها تخرج إلى السجن عند الشباب والسجناء القدماء، ويقوم بتحذيرك من العصافير، بل ويشرح لك طرق عملهم، وعندما يذهب المجاهد المعتقل عند "العصافير" يكتشفهم بسهولة نتيجة لتحذير هذا العميل داخل الزنزانة، ثم يخرج المجاهد لجولة تحقيق عند المخابرات، حيث يقولون له "صحتين" أنك كشفت عملاءنا، وعندها يقولون له الآن انتهى التحقيق معك وسوف تذهب إلى السجن، وهذا هو الشرك الحقيقي والأصلي وتكون المرحلة التي سبقتها توطئة للشرك الأخير.
وهناك أسلوب حديث يستخدمه العملاء، وهو استخدام البلفونات والاتصالات بعد أن انتشرت هذه البلفونات داخل السجون بشكل مهرب وغير قانوني، حيث يطلب العملاء من المجاهد المعتقل الجديد أن يتصل بمن يعرفهم في الخارج وبأفراد مجموعته حتى يحذرهم ويخبرهم بأمره ويطلعهم على حاله.
1-يجب التركيز على عدم الاعتراف، حتى لو أوهموك أن القضية مكشوفة وأن أبناء القضية قد اعترفوا بكل شيء، ولا يغرنّك تحدثهم ببعض العموميات عن العمليات التي تتهم بها المجموعة.
2-الإحاطة علما بأن التهديد بقانون "تامير" غير صحيح، وعلى المجاهد المعتقل اليقين بأن عدم الاعتراف يفيد جدا في تخفيف الحكم.
3-أن دور الصديق والشرير الذي يقوم به المحققين، يجسّد مسرحية مكملة لبعضها البعض، فكلهم يعمل من أجل هدف واحد، وهو سحب الاعتراف وتحطيمك أنت وتنظيمك.
4-التأكد أن التحقيق بأغلبه يعتمد على العامل النفسي أكثر من العامل الجسدي.
5-عدم الإلتفات لما قد يقوله لك المحقق من عبارات تستهدف خداعك مثل : اصمد يا بطل أيام وأسابيع، وأنهم سوف يقولون عنك بطل في صمودك، ولا لوم عليك إن اعترفت بعد هذه المدة.
6-لا يعني مواجهتك بابن قضيتك واعترافه أمامك نهاية المطاف وأنه لا بد من الاعتراف، وهنا يجب الصمود وعدم الاعتراف، وهذا أمر واقع وليس مستحيلا، وهناك نماذج من المجاهدين أصحاب الهمم العالية سطرت أسطورة في هذا المجال، وصمودك يفيدك أنت وابن قضيتك.
7-عليك أن تدرك أنك خاضع للتحقيق في كل فترة الزنازين، وأن كل الخطوات التي تتم معك ليست صدفة، وأن من تقابلهم في الزنازين ليسوا صدفة، وأنهم، في أوج التحقيق، بعد 3-5 أيام من الشبح على الكرسي ينزلونك إلى زنزانة انفرادية لوحدك فترة قد تصل إلى عشرة أيام لوحدك، حتى تشعر أنك تحتاج للحديث مع أي شخص يأتي عندك، وحينها يأتوا إليك بعميل "عصفور" يدخل معك في الزنزانة، فيكون اندفاعك للحديث بشكل كبير، ويمكن القول أن معظم من يأتون عندك في فترة الزنازين يكونون من العصافير.
8-إن التنظيم الحقيقي داخل السجن، لا يطلب من أحد أية معلومات لم يعترف بها عند المخابرات نهائيا، ولا تحت أي ظرف أو مسمى.
9-إن عبارات الاتصال بالإخوة في الخارج، من أجل إصلاح الخلل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتقليل الخسائر وتحذير الإخوة لتقنين الضربة، كلها عبارات مخابراتية لا يستخدمها إلا العملاء من العصافير.
10-إن عبارات التهديد التي تستخدم ضد المجاهد المعتقل، مثل معاقبتك ووضعك تحت الحالة الأمنية وبأنك مدسوس علينا وسوف نحقق معك، أو التهديد بالقتل أو الضرب أو التشفير، لا يمكن أن يستخدمها التنظيم الحقيقي، إنما هي عبارات كلها من صنع العصافير العملاء.
11-وهي ملاحظة مهمة، حيث إن الرغبة الكامنة في نفس الأخ المعتقل داخل الزنازين والتحقيق لإكمال مشواره الجهادي والعسكري، والاستمرار في العمل العسكري، وتعويض ما خسره في التحقيق، تجعله يقع فريسة سهلة في شباك العصافير العملاء، من خلال عرضهم عليه المساعدة والاتصال بالخارج وإكمال العمل وتعويض الخسائر، وهنا شر البلية، ولذلك يجب أن يعلم الأخ المجاهد أن وقوعه في الأسر قد أنهى كل أشكال العمل مع إخوانه في الخارج، وأنه يعيش واقعا جديدا، ومرحلة جديدة، تستلزم السرية التامة، وعدم محاولته الاتصال بالخارج تحت أي ظرف، وخاصة أثناء فترة التحقيق.
12-من اللافت للانتباه، أن بعض الإخوة الذين يملكون بعض المعلومات عن "العصافير" ينتبهون للشكل وليس للمبدأ، حيث يكونون حذرين إزاء شكل وأسلوب محدد من أشكال وأساليب العصافير فإذا تغير الشكل وقعوا بسهولة فريسة لهم .. وهنا لا بد من تعليم الأخ المبدأ وليس الشكل، وهو السرية التامة وحجب المعلومات بشكل كامل عن أي إنسان تحت أي مسمى أو هيئة.
13-إن من يخدعون من الإخوة، ويقعون فريسة سهلة للعصافير العملاء، يخدعون بسبب قيام هؤلاء العملاء بإتيانهم والحديث معهم باسم التنظيم أو مجلس شورى الحركة أو الأمير العام، و ما شابه ذلك، حيث يقود احترام الأخوة المجاهدين لهذه المسميات، عن جهالة، للوقوع في حبائل العملاء بكل سهولة. وهنا نقول بكل صراحة، أن التنظيم داخل السجن، وكل مؤسساته، لا يطلب على الإطلاق أية معلومات سرية لدى الأخ لم يعترف عليها عند المخابرات.
14-إن الهالة والتضخيم التي تنسج حول شخصية رجل المخابرات أو المحقق هالة مصطنعة، من أجل بث الرعب والخوف في نفس المجاهد، ليكون ضعيفا أثناء المواجهة مع ضابط المخابرات والمحقق أثناء جولات التحقيق، والحقيقة أن رجل المخابرات هو عبارة عن موظف مدرب على الخداع فقط، يكون همّه -في نهاية المطاف- العودة إلى البيت والزوجة بعد أن يقضي ساعات عمله اليومي.
15-لا بد من التنويه أنه يوضع أجهزة تنصت داخل الزنازين أو في الفتحات ( فتحات التهوية )، التي تكون على هيئة شبابيك بين الزنازين، فليكن المعتقل على حذر من ذلك.
16-عدم الإنجرار وراء أساليب الحرب النفسية التي تمارس ضدك، فقد تسمع أثناء وجودك في مكاتب التحقيق أو الشبح على الكرسي أصوات ضرب وصراخ وطرق أبواب بصوت عال جدا، وهذا كله مصطنع لبث الخوف والرعب في نفس السجين، وليس له رصيد من الحقيقة والواقع.
17-قد يهددونك إذا لم تعترف باستخدام التحقيق العسكري، وهذه أكذوبة لأنك خاضع للتحقيق العسكري من أول لحظة تطأ فيها مكان التحقيق.
18-قد يخرج المجاهد المعتقل أثناء مكوثه عند العملاء "العصافير" لمقابلة المحامي أو الصليب، فلا يجوز أن يعتبر ذلك عامل ثقة، ويعتقد خطأ أنه موجود عند سجناء شرفاء.
19-وهي نصيحة غالية جدا ومهمة للغاية، فإذا اعتقل أحد أفراد مجموعتك أو أي شخص تربطك بع علاقة تنظيمية، فمن الخطأ القاتل أن تعوّل على صموده وأنه لن يعترف عليك، وعليه تتصرف بشكل طبيعي وتتحرك على حواجز جيش الاحتلال وكأنه لا شيء عليك، وتنام في بيتك وتذهب إلى عملك بشكل طبيعي، وهنا الطامة الكبرى التي نحذر بشكل كبير منها، حيث يجب التحرك والعمل منذ اللحظة الأولى على أساس أن الأخ المعتقل قد اعترف بكل شيء، وأنك قد أصبحت مكشوفا ومطلوبا لقوات الاحتلال ومخابراته، وهذا الحذر يجب أن يبقى ملازما لك فترة طويلة تصل إلى عدة أشهر وليس لأيام أو أسابيع حتى تتأكد من أن الأخ المعتقل لم يعترف عليك، ولا يتأتى ذلك إلا بعد عدة أشهر، حتى يثبت أنه في سجن طبيعي ويتصل بك بإحدى الطرق والأساليب، ويطلعك على طبيعة قضيته.
20-عدم الانخداع بما قد تلجأ إليه المخابرات في التحقيق من أشكال وأساليب مختلفة، ومنها تخويف المجاهد المعتقل بجهاز كشف الكذب، ويتمثل في وضع المجاهد على جهاز تسمّه المخابرات جهاز كشف الكذب، وهو عبارة عن جلوس المجاهد على كرسي، ويقوم المحقق بوضع جهاز شبيه بجهاز فحص الدم وكذلك بشبك أسلاك في أطراف الأصابع، وقبل الفحص بيوم يعطيك المحقق أسئلة خاصة بقضيتك لتقوم بدراستها بشكل جيد، ثم يقوم بتوجيه هذه الأسئلة لك في اليوم التالي، لتقوم بالإجابة عليها بعد أن يصوّر لك دقة هذا الجهاز ومصداقيته وعظمته ويمجد به كثيرا، وهذا الجهاز يعطي إشارات للتوترات العصبية وإفرازات العرق، ودائما –بشكل مقصود- يعطي صفة الكذب للمجاهد، لذلك يجب عليك أخي المجاهد تحريك أي جزء من جسمك بدون أن يلاحظ المحقق، وبعد العرض على الجهاز يتم نقل المجاهد إلى غرفة التحقيق ليواجهه المحقق بشكل عصبي بأنه كذاب، وما ذلك إلا خدعة حتى يقتنع المجاهد وتنطلي عليه حيلة كشف الكذب، وأنه لا مجال إلا قول الحقيقة.
21-توقع وجود أجهزة تنصت في أي مكان تجتمع به مع ابن قضيتك ( زنزانة أو غرفة ترحيل أو عيادة أو بوسطة أو مكتب أو غرفة محامي أو صليب أو زيارة )، فيجب الحذر وعدم الحديث.
22-نتيجة لإنكار بعض الإخوة لاعترافاتهم أمام "العصافير"، لجأت المخابرات إلى جعل بعض المحققين ملثمين في غرف "العصافير" بدعوى أنهم من اللجنة الأمنية للتنظيم، فيقوم المعتقل بالاعتراف أمامهم دون معرفتهم، ثم بعد اعترافه يقومون بكشف اللثام عن وجوههم حتى لا يستطيع المعتقل الإنكار.
وفي الختام تبقى الملاحظة الأهم، وهي أن المعلومات السرية أمانة لا يجوز التفريط فيها، لا شرعا ولا تنظيما لأي شخص كان، مهما كان شكله أو صفته أو صورته أو لقبه، وكل من يفرط في هذه الأمانة فهو متجاوز لحدود الشرع. وللأسف، ومع كل ما ينشر ويتداول من دراسات وتوعية، فإنه يسقط في شراك العملاء "العصافير" كثيرا من المثقفين والأطباء والمشايخ والقادة المعروفين وكذلك بعض السجناء القدماء المجربين .. إذ تجد أن أحدهم قد قرأ دراسة أو تحذيرا لهذا قبل يومين من اعتقاله لكنه سرعان ما يقع فريسة سهلة في حبائل العملاء وكأن شيئا لم يكن .. فما السبب يا ترى ؟ هل لدى العملاء سحرا يسحرون به الناس ؟ أم أنه حب الظهور والرياء والاستهتار بمصير الآخرين وحب النفس ؟! .. أسئلة كثيرة لها جواب واحد فقط يعرفه الجميع.
لهذا يجب أن يبقى شعاري كمجاهد أنه ليس لأحد أن يطلع على سري، حتى وإن كان أكبر مسئول تنظيمي، ما دمت أنا في السجن
تعليق