يا مهمومين : و ماهي إلا ساعَـةٌ ثُـمّ تَـنقضي
بسم الله الرحمن الرحيم
و به نستعين . . . و ندعوا اللهَ أنْ يُـعين
الحمدُ لله ، ثُـمّ الحمد لله . .
و الصلاةُ و السلام على رسول الله . .
و بعد
إلى كلِّ من طأطأ الرأسَ و اعتراهُ اليأس . .
و جثى على صدرهِ الطاهرِ المخموم 1 . . الحزنُ و الهموم2 . .
إلى من كانت لهم بالأمس قِـصَّـة ، و في قلوبِـهم مِـنها غَـصَّـة . .
كلُّ مَـنْ لاقيْـتُـهُ يَـشكو هَـمّـهُ * * ليتَ شِـعري هذه الدنيا لِـمَـنْ !! 3
كلُّ مُـصيبةٍ يَـمرُ فيها الإنسان تكونُ بأولِـها صعبة ، لكنها ماتلبث حتى تخف حدتها يوماً بعد يوم . .
فالمشكلة مثل وقت الغروب . .
عندما تغيب الشمس تبدأ المشكلة ، و تشتدُّ كلما تَـلاشى النور ، و تبدد الشفق الأحمر . .
فإذا أحاط الظلامُ السماءَ و غشاها استحكمت حلقات المشكلة
على القلبِ المهموم و ضاقتْ عليه . .
وي كأنّـك تقولُ حينها :
ما للصباح أما لهُ من هيبةٍ * * كي ينجلي وجهُ الظلامِ المفزعُ
( . . . . ) 4
و لكن . .
ثُـمّ يَـجلو الظلامَ ربٌّ حكيمٌ * * بمهاةٍ 5 شُـعاعُـها مَـنشورُ
( أمية بن أبي الصلت )
فلكل ليلٍ حالكٍ بهيمٍ نهاية . .
فالفجرُ لا يأتي إلا بعد الليلِ القاتِـم لا بعد الشفق الأحمر . .
و لرُبَّ نازلةٍ يَـضيقُ لها الفتى * * ذرعاً و عندَ الله مِـنها المخرجُ
ضاقتْ فلما استحكمتْ حلقاتُـها * * فُـرجَـتْ ، و كنتُ أظنّـها لا تُـفرجُ
( الإمام الشافعي )
ألا ترى أنّ الشمعةَ لا تنير إلا بعد الإحتراق . .
ألا ترى أنّ الذهبَ لا يخلو من الشوائِـبِ إلا بعد صهره . .
ألا ترى أنّ العودَ لا تَـفوحُ رائحته إلا عندما يحتضنه الجمر . .
ألا ترى أنّ الشهيدَ لا يَـرتقي للفردوس الأعلى إلا بعد غرقه بدمائِـه . .
فلربما كان الدخولُ إلى العُـلا * * و المجدِ من بوابَـةِ الأحزانِ
( د. عبدالرحمن العشماوي )
يا أختي ، يا أخي . .
الدنيا إذا خلت من المشاكل لسَمّـوْها جنة . .
و لعلّ في طياتِ هذه المحن خيرةً و نعمةً لك لا نقمةً عليك . .
و البلاءُ ليس كله يدل على ضعف المبتلى و حقارته - كلا وربي - فأشدُّ الناس بلاءً هم الأنبياء و لا شك أنّـهم أشرفُ الناس ، ثُـمّ الذين يلونهم ثُـمّ الذين يلونهم . .
و ما أجمل ما قاله الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى و جمعنا و إياه بالفردوس الأعلى - :
الدهرُ يومان ذا أمنٌ و ذا خطرُ * * و العيشُ عيشان ذا صفوٌ و ذا كدرُ
أما تَـرى البحرَ تَـعلو فوقَـهُ جِـيَـفٌ * * و تَـستقرُ بأقصى قاعه الدرَرُ
و في السماءِ نجومٌ لا عَـدَدَ لها * * و ليس يُـكسَـفُ إلا الشمسُ و القمرُ
::: البلاءُ لا يَـدوم :::
البلاءُ - و ربي - حَـتْـماً لا يدوم و إن كان تَـليدا 6 ، و قطعاً سيَـزول و لو كان شديدا . .
أليس أشدُّ الناس بلاءً هم الأنبياء . .
أما تعافى أيوب من مرضه ، أما نجى يونس من حوته ، أما خرج يوسف من سجنه
- عليهم جميعاً أفضل الصلاة و السلام -
أما زالَ البلاءُ عن حبيبنا عليه الصلاة و السلام ، و أشرقت في كلِّ النواحي شمسُ الإسلام . .
و فُـتحت مكة ، و جاء نصرُ الله تعالى و دخل في دين الله الأفواج من الأقوام . .
فما خارَ و ما اصفَـر7 ، و لا ذَعَـر . .
و لا أدبرَ و لا عَـثَـر . .
و لكن تَـقدم ما تَـقَـهقر 8
- عليه الصلاةُ و السلام -
فَـيا مَـنْ يَـرومُ سبيلَ عِـزِّ الأمة . .
كُـنْ ذا هِـمّـة ، تصلُ إلى القمة . .
و ضع أمام عَـينيْـك حديثَ علي بن أبي طالب رضي الله عنه
" رُبَّ هِـمّـةٍ أحيَـتْ أمّـة "
سِـرْ - نصرك الله - في دروب المجدِ ولا تيأس و لا تتردد . .
فستُـعانقُ المجد و تحضنه بعون الله تعالى . .
إذا غامرتَ في شرفٍ مَـرومٍ * * فلا تَـقنع بما دون النجومِ
فطعمُ الموتِ في أمرٍ حقيرٍ * * كطعمِ الموتِ في أمرٍ عظيمِ
( المتنبي )
و اللهِ ثُـمّ و الله سيأتي اليوم الذي تقول فيه :
لمثلِ هذا يطيرُ القلبُ من فرحٍ * * إنْ كان في القلبِ اسلامٌ و إيمانُ
( عبدالحميد كابلي )
بعدما كنتَ تقول :
لمثلِ هذا يَـذوبُ القلبُ من كمدٍ 9 * * إنْ كان في القلبِ اسلامٌ و إيمانُ
( أبو البقاء الرندي ) 10
و كما قالوا في قديم المقال . .
دوامُ الحال من المحال . .
و صلي اللهُـمّ و سلم على عبدك ورسولك محمد و على آله و صحبه أجمعين
-------- الهوامِـش ----------------------
1 المخموم :
روى الإمام ابن ماجة في سننه :
عن عبد الله بن عمرو قال : قيلَ لرسولِ الله صلى اللهُ عليه و سلم :
أيّ الناسِ أفضل !!
قَالَ : ( كُلُّ مَـخمومِ القلبِ ، صَـدُوقِ اللِّـسانِ ) قالوا : صدوقُ اللسان نَـعرفُـه ، فما مخمومُ القلبِ !!
قال : ( هو التقي النقي ، لا إثمَ فيه و لا بَـغْـيَ و لا غِـلَّ و لا حَـسَـد )
2
الفرق بين الحزن و الهم
الحزن : يكون على أمرٍ قد حصل لك في الماضي
مثل شخص يحزن لأنه رسب في دراسته ، السقوط قد حصل وانتهى إلا أن الحزن بقي في قلبه
الهم : يكون على شيء لم يَـحصل لك لكنك تخشى أن يحصل بالمستقبل
كقول القائل أحمل هم تخرجي من الجامعة ، و يخشى أن تكون نسبته أقل من المتوقع
3
سمعتُ هذا البيت في الإذاعة ، و لا أدري من هو صاحبه . .
و قصة هذا البيت أن قائلَـهُ كان قد هاجر ديارَه ثُـمّ عاد إليها بعد فترةٍ من الزمن . .
و كل ما جلس بمجلسٍ سَـمِـعَ الناس يشكون له همومهم و أحزانهم ، فقال هذا البيت . .
فحفظتُ البيت عندما سمعته ، و لا أدري أحفظي صحيح أم لا . .
و إلى الآن أجهل صاحبَ هذا البيت
4
( . . . . )
هذه العلامة تَـعني أني أجهلُ صاحبَ البيت أو المقولة
5
المهاة هي الشمس
6
تليدا :
التليد هو القديم . .
إنّـي تَـذكرتُ والذكرى مُـؤرِقَـةٌ * * مَجـداً تَـليداً بأيدينـا أضعناهُ
أنى اتّـجَهتَ للإسلامِ في بلدٍ * * تجـدهُ كالطيـر مَـقْـصوصاً جناحاهُ
( محمود غنيم )
7
اصفر :
أعني به هنا الضعف و المرض ، فالإنسان الضعيف يبدو وجهه أصفرا
8
التقهقر هو الرجوع إلى الوراء
9
الكمد هو الحزن المكتوم
10
بيتُ أبي البقاء الرندي هو الأصل و البيت الذي سبقه جاء اعتراضياً عليه . .
و جاء في ثنايا خاطرة بعنوان " فارس قُـبيل الفجر " لعضو رابطة الأدب الإسلامي عبدالحميد كابلي . .
و أبو البقاء الرندي هو صاحب قصيدة رثاء الأندلس التي سارت بها الركبان . .
و مطلعها :
لكلّ شيءٍ إذا ما تَـمّ نُـقصانُ * * فلا يُـغرُ بطيبِ العيشِ إنسانُ
و لي مع هذه القصيدة وقفة في مقالتي القادمة - بعون الله تعالى -
بسم الله الرحمن الرحيم
و به نستعين . . . و ندعوا اللهَ أنْ يُـعين
الحمدُ لله ، ثُـمّ الحمد لله . .
و الصلاةُ و السلام على رسول الله . .
و بعد
إلى كلِّ من طأطأ الرأسَ و اعتراهُ اليأس . .
و جثى على صدرهِ الطاهرِ المخموم 1 . . الحزنُ و الهموم2 . .
إلى من كانت لهم بالأمس قِـصَّـة ، و في قلوبِـهم مِـنها غَـصَّـة . .
كلُّ مَـنْ لاقيْـتُـهُ يَـشكو هَـمّـهُ * * ليتَ شِـعري هذه الدنيا لِـمَـنْ !! 3
كلُّ مُـصيبةٍ يَـمرُ فيها الإنسان تكونُ بأولِـها صعبة ، لكنها ماتلبث حتى تخف حدتها يوماً بعد يوم . .
فالمشكلة مثل وقت الغروب . .
عندما تغيب الشمس تبدأ المشكلة ، و تشتدُّ كلما تَـلاشى النور ، و تبدد الشفق الأحمر . .
فإذا أحاط الظلامُ السماءَ و غشاها استحكمت حلقات المشكلة
على القلبِ المهموم و ضاقتْ عليه . .
وي كأنّـك تقولُ حينها :
ما للصباح أما لهُ من هيبةٍ * * كي ينجلي وجهُ الظلامِ المفزعُ
( . . . . ) 4
و لكن . .
ثُـمّ يَـجلو الظلامَ ربٌّ حكيمٌ * * بمهاةٍ 5 شُـعاعُـها مَـنشورُ
( أمية بن أبي الصلت )
فلكل ليلٍ حالكٍ بهيمٍ نهاية . .
فالفجرُ لا يأتي إلا بعد الليلِ القاتِـم لا بعد الشفق الأحمر . .
و لرُبَّ نازلةٍ يَـضيقُ لها الفتى * * ذرعاً و عندَ الله مِـنها المخرجُ
ضاقتْ فلما استحكمتْ حلقاتُـها * * فُـرجَـتْ ، و كنتُ أظنّـها لا تُـفرجُ
( الإمام الشافعي )
ألا ترى أنّ الشمعةَ لا تنير إلا بعد الإحتراق . .
ألا ترى أنّ الذهبَ لا يخلو من الشوائِـبِ إلا بعد صهره . .
ألا ترى أنّ العودَ لا تَـفوحُ رائحته إلا عندما يحتضنه الجمر . .
ألا ترى أنّ الشهيدَ لا يَـرتقي للفردوس الأعلى إلا بعد غرقه بدمائِـه . .
فلربما كان الدخولُ إلى العُـلا * * و المجدِ من بوابَـةِ الأحزانِ
( د. عبدالرحمن العشماوي )
يا أختي ، يا أخي . .
الدنيا إذا خلت من المشاكل لسَمّـوْها جنة . .
و لعلّ في طياتِ هذه المحن خيرةً و نعمةً لك لا نقمةً عليك . .
و البلاءُ ليس كله يدل على ضعف المبتلى و حقارته - كلا وربي - فأشدُّ الناس بلاءً هم الأنبياء و لا شك أنّـهم أشرفُ الناس ، ثُـمّ الذين يلونهم ثُـمّ الذين يلونهم . .
و ما أجمل ما قاله الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى و جمعنا و إياه بالفردوس الأعلى - :
الدهرُ يومان ذا أمنٌ و ذا خطرُ * * و العيشُ عيشان ذا صفوٌ و ذا كدرُ
أما تَـرى البحرَ تَـعلو فوقَـهُ جِـيَـفٌ * * و تَـستقرُ بأقصى قاعه الدرَرُ
و في السماءِ نجومٌ لا عَـدَدَ لها * * و ليس يُـكسَـفُ إلا الشمسُ و القمرُ
::: البلاءُ لا يَـدوم :::
البلاءُ - و ربي - حَـتْـماً لا يدوم و إن كان تَـليدا 6 ، و قطعاً سيَـزول و لو كان شديدا . .
أليس أشدُّ الناس بلاءً هم الأنبياء . .
أما تعافى أيوب من مرضه ، أما نجى يونس من حوته ، أما خرج يوسف من سجنه
- عليهم جميعاً أفضل الصلاة و السلام -
أما زالَ البلاءُ عن حبيبنا عليه الصلاة و السلام ، و أشرقت في كلِّ النواحي شمسُ الإسلام . .
و فُـتحت مكة ، و جاء نصرُ الله تعالى و دخل في دين الله الأفواج من الأقوام . .
فما خارَ و ما اصفَـر7 ، و لا ذَعَـر . .
و لا أدبرَ و لا عَـثَـر . .
و لكن تَـقدم ما تَـقَـهقر 8
- عليه الصلاةُ و السلام -
فَـيا مَـنْ يَـرومُ سبيلَ عِـزِّ الأمة . .
كُـنْ ذا هِـمّـة ، تصلُ إلى القمة . .
و ضع أمام عَـينيْـك حديثَ علي بن أبي طالب رضي الله عنه
" رُبَّ هِـمّـةٍ أحيَـتْ أمّـة "
سِـرْ - نصرك الله - في دروب المجدِ ولا تيأس و لا تتردد . .
فستُـعانقُ المجد و تحضنه بعون الله تعالى . .
إذا غامرتَ في شرفٍ مَـرومٍ * * فلا تَـقنع بما دون النجومِ
فطعمُ الموتِ في أمرٍ حقيرٍ * * كطعمِ الموتِ في أمرٍ عظيمِ
( المتنبي )
و اللهِ ثُـمّ و الله سيأتي اليوم الذي تقول فيه :
لمثلِ هذا يطيرُ القلبُ من فرحٍ * * إنْ كان في القلبِ اسلامٌ و إيمانُ
( عبدالحميد كابلي )
بعدما كنتَ تقول :
لمثلِ هذا يَـذوبُ القلبُ من كمدٍ 9 * * إنْ كان في القلبِ اسلامٌ و إيمانُ
( أبو البقاء الرندي ) 10
و كما قالوا في قديم المقال . .
دوامُ الحال من المحال . .
و صلي اللهُـمّ و سلم على عبدك ورسولك محمد و على آله و صحبه أجمعين
-------- الهوامِـش ----------------------
1 المخموم :
روى الإمام ابن ماجة في سننه :
عن عبد الله بن عمرو قال : قيلَ لرسولِ الله صلى اللهُ عليه و سلم :
أيّ الناسِ أفضل !!
قَالَ : ( كُلُّ مَـخمومِ القلبِ ، صَـدُوقِ اللِّـسانِ ) قالوا : صدوقُ اللسان نَـعرفُـه ، فما مخمومُ القلبِ !!
قال : ( هو التقي النقي ، لا إثمَ فيه و لا بَـغْـيَ و لا غِـلَّ و لا حَـسَـد )
2
الفرق بين الحزن و الهم
الحزن : يكون على أمرٍ قد حصل لك في الماضي
مثل شخص يحزن لأنه رسب في دراسته ، السقوط قد حصل وانتهى إلا أن الحزن بقي في قلبه
الهم : يكون على شيء لم يَـحصل لك لكنك تخشى أن يحصل بالمستقبل
كقول القائل أحمل هم تخرجي من الجامعة ، و يخشى أن تكون نسبته أقل من المتوقع
3
سمعتُ هذا البيت في الإذاعة ، و لا أدري من هو صاحبه . .
و قصة هذا البيت أن قائلَـهُ كان قد هاجر ديارَه ثُـمّ عاد إليها بعد فترةٍ من الزمن . .
و كل ما جلس بمجلسٍ سَـمِـعَ الناس يشكون له همومهم و أحزانهم ، فقال هذا البيت . .
فحفظتُ البيت عندما سمعته ، و لا أدري أحفظي صحيح أم لا . .
و إلى الآن أجهل صاحبَ هذا البيت
4
( . . . . )
هذه العلامة تَـعني أني أجهلُ صاحبَ البيت أو المقولة
5
المهاة هي الشمس
6
تليدا :
التليد هو القديم . .
إنّـي تَـذكرتُ والذكرى مُـؤرِقَـةٌ * * مَجـداً تَـليداً بأيدينـا أضعناهُ
أنى اتّـجَهتَ للإسلامِ في بلدٍ * * تجـدهُ كالطيـر مَـقْـصوصاً جناحاهُ
( محمود غنيم )
7
اصفر :
أعني به هنا الضعف و المرض ، فالإنسان الضعيف يبدو وجهه أصفرا
8
التقهقر هو الرجوع إلى الوراء
9
الكمد هو الحزن المكتوم
10
بيتُ أبي البقاء الرندي هو الأصل و البيت الذي سبقه جاء اعتراضياً عليه . .
و جاء في ثنايا خاطرة بعنوان " فارس قُـبيل الفجر " لعضو رابطة الأدب الإسلامي عبدالحميد كابلي . .
و أبو البقاء الرندي هو صاحب قصيدة رثاء الأندلس التي سارت بها الركبان . .
و مطلعها :
لكلّ شيءٍ إذا ما تَـمّ نُـقصانُ * * فلا يُـغرُ بطيبِ العيشِ إنسانُ
و لي مع هذه القصيدة وقفة في مقالتي القادمة - بعون الله تعالى -
تعليق