إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

صور للزاكره

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صور للزاكره

    كأنه الخريفُ يمشي أمامي في المساء
    مُلتصقا بريحِ ٍ باردة ٍ
    و همس ٍ خفي ...
    أقف ُ على تُخوم العَتمة
    ما بين قدميّ بقايا التاريخ الحجريِّ
    تتمدِّدُ على طول الطَّريق الفاصِل ِ بينَ شطرَيِّ المَكان ِ
    جدارٌ كان هنا
    ووجوهٌ مُشققة ٌ
    و طابورُ عسكر ٍ
    يملأ ُ مسامَ المدينة ِ بالملحْ ...

    هذه بَرلين ...
    يَأتي الصَّوتُ كأحجيةٍ مسائية ٍ
    لك الَّرمزُ و المشهد ُ
    و السِّيرة ُ الطاعنة ُ في الحُزن ِ و الحُروبْ ...

    لعلَّه الأمسُ يتسللُ من جُموح الجُند
    و من صُراخ عتيقْ ...
    يَهمسُ في أُذن ِ الرِّيح
    سرَّ المكان القديم ...
    فأكتشفُ جَسَدي بَعدَ بَرد ٍ
    يجتازُ حَلقةَ التاريخ ِ
    و حَواجزَ التفتيشْ ...
    يقطعُ المسافة َالمُحرَّمةَ بين نافذتين ِ
    و طوق ِ الفولاذ ْ ...

    أُدوِّن ُ وقتي ...
    قافلةَ حجارة ٍ مَلسَاءَ
    ترَكتها المدينة ُ
    مَدفونَةً في إسفلت ِ الطريق ِ
    تحتَ أقدام ِ المارة ِ
    و ضَجيج السَّيارات ِ
    كعلامة ٍ مُهيَّأة ٍ لمزيد ٍ من البَوحْ ....

    جدارٌ كان هنا
    يقطع ُ الطَّريقَ بين مَسَاءَين ِ
    و طاولتي عَشاءْ ...
    و وُجوه ٍ عدَّة خلفَ النَّوافذ ِ
    تضمُرُ في لسعة ِ البرد ِ
    كأحلام ٍ مُختنقة ...

    زائرون يَبتسمونَ للكامِيرا
    و يقفون كما تسمَّرتْ ...
    يُباعدون ما بين أقدامِهِم
    في مُحاولة ٍ عفوية ٍ
    لالتقاط ما تبَقى من تاريخ ٍ
    مرَّ من هُنا
    بينَِ شَطريِّ العاصِمَة ...

    لمْ يَعُدِ الخريفُ مُثقلا ً بالقتلى
    و خمر الجُنودْ ...
    ألتقط ُ النَّوافذ في سُترَتي
    و المَقاهي ...
    و أمشي أعواماً من طرق ٍ ترنّحتْ بين خوذتين ِ
    و ريح ٍ باردة ...

    كأنَّه الأمسُ الرَّماديُّ
    يلحقني سِراً ...
    يَنتزِعني من هذا الصَّحو الرَّائق ِ
    و حدقتين ِ تُتابعان مَسَاءَ المَدينةِ
    فأُهملُ السَّائحَ الذي نشِطَ في حَقيبتي
    و أمشي في أعين ٍ عابرة ٍ
    كانت قبل آباء ٍ قتلى
    و منسيِّين
    تَختبئُ في مَعاطِف ِ الرُّعب ِ الثقيلْ ...

    و أراهُم على أسوار الذّاكرة ِ
    وجوهاً جامدة ً في الصُّور ِ
    و بَاقات ِ وَرد ٍ
    ما زالت تعبرُ الرَّصيفَ
    إلى حيثُ كانَ الموت ُ
    جداراً و جُنودْ ...



    كأنَّها المدينة ُ تُصِّرُ على بوح خفي ٍّ
    كلما واجهتُ الزَّمنَ العَتيقَ ....
    أطَلَّ المُمدَّدون في قبضة ِ الجُند من أمس ِِ المكان ِ
    و من ضيق الوقت المُتاح ِ للسَّرد ِ
    و من صُور ٍ قريبة ٍ تُؤبِّنُ الغائبينَ
    في احتفال ٍ صَامِتْ ...
    أُسرعُ إلى تصفُّح وُجوهَم
    كأنهم يُطالعونَ العَابرَ و المدينةَ
    فيما يُشبهُ استراحة ً مؤقتة ً
    من الغيابْ ...

    صَوتٌ يَعلو في رأسي
    يَردُّني إلى عَينيَّ القادِمتين ِ من دخان ٍ
    و قتلى :
    هي بَرلين ...
    توقد ذاكرة ً مُثقلة ً بجُند ٍ كسالى
    يَجلسون بين كتفيكَ
    كحَوَاجزَ في الرَّأس
    و على قارعة النَّصِّ
    و في وَضحِ القصيدة ِ ...
    فأقرأ ما شئتَ من أرصفة ٍ
    و مارَّة ...

    اصطحِبْ التَّاريخَ إلى أقرب ِ حَانَة ٍ
    اجلسْ إلى امرأة ٍ حَاولتْ قبلَ هُبوب ِ العَسكر ِ
    اجتيازَ الجدَار
    و لَّما طالَ الوقتُ
    تركتْ جَسَدَها للحَدَقات ِ الجَامِدة ِ
    ونُباح الموتْ ...
    و عادَتْ تسرُدُ حُلمَها المَبتورَ
    على فتيلِ دَمعَتينْ ...

    يَخرجُ من ثنايَا الظلِّ
    و خارطة ٍ بعيدة ٍ على مُفترق ِ الفُصُول ِ
    يُرافقُني ...
    يَأتي في المَجاز ِ
    و رَعشَة ِ القلقْ
    هامسًا كدَمع ٍ خفيٍّ :
    وَحَدكَ تُراقبُ القتلى
    مطرٌ على وُجوهِهم
    و وقتٌ غامِضْ ...
    فخُذ ما أردتَ من هواءٍ مرَّ عنه المُحاربُون
    و مَضوا إلى شَوك ٍ بَعيدْ ...
    و امش ِ كمَنْ وُلدَ للتوِّ على أنقاض ِ المَكان ِ
    و حَافَّة ِ الرَّمز ...
    علَّك تَرى انعكاسَ وجهِكَ في الحجارَة ِ ...
    أعلمُ كيفَ يَستيقظ ُ في دَاخلٍكَ القتلى
    كلما عَلمتَ أن جُنديًا كان يَقفُ هنا
    و خوفْ ...
    ففتِّش في تفاصيلِ الَمكانِ عن تشابهٍ في الُّلغة ِ
    يَجعلُ من المَوت ِالسرّيِّ
    مِرآةً لغُرباءٍ لا يكفُّون عن تلمُّس ِ الشَّبّه ِ
    بَين مَوت ٍ
    و مَوتْ ...

    اللَّيلُ مُدنٌ تَتقاطَعُ في الرَّأس ِ
    و قُرَى ...
    لمْ تتخلَّص من رَائحَة الجُند ِ
    و خوذاتٌ تُطاردُ المُسافر أنَّى رَحَلْ ...
    الغُرفة في الفُندق ِ المُوغل ِ في البَرد ِ
    تتَّسعُ كأرَق ٍ
    كلَّما أغمَضتُ عَينيّ
    رأيتُهم على بُعد ِ يَابسة ٍ
    يَنشطونَ في اقتلاع ِ الأجنِحة ِ
    من فضَاء ِ العَصَافِيرْ ...

    أختَصرُ نهارَ بَرلين على الوسَادَة
    فتستَيقظ ُ المُدنُ المَشطورَةُ إلى أنصَاف ٍ
    و أربَاع ٍ ...
    و كُتل ٍ من بشر ٍ مُحاصَرينَ في عٌلب ِ ثقابْ ...
    و يَستيقظُ غَيمٌ مُفتَّتٌ فوقَ التلال ِ
    و مطرٌ لمْ يكتمِلْ فوقَ الزَّيتون ِ
    و جَرحَى بكلِّ اللُّغات ِ
    و صُرَاخْ ...



    أُدقِّقُ في الأسمَاء ِ
    و فيما ترَكه التاريخُ على قارعَة ِ المُدن ِ
    من طَقس ِ الفولاذ ِ ...
    ما بينَ بَرلين العتيقة ِ
    و بَلعينَ ...
    تشَابُهٌ وظيفيٌّ لجِدَار ٍ و خوذات ٍ
    و ضَوضاء ِ مَوت ٍ مُخزَّن ٍ في بَنادق ِ جُندْ ...

    المَشهَدُ المُدبَّبُ
    يَشقُّ الرَّأسَ كطعنة ٍغائرَة ٍ
    تقولُ للأرض ِ:
    تلكَ حُدودُ الأبجَدية ِ
    فعُودي إلى الوَرَاء شجرَتَين ِ
    سَأحرسُ وَحدي مَصيرَ الزَّنبَق الَّبريَّ
    سَأمنحُ الوَردَ الجُوريَّ اسمي
    و التلالَ التي في حَوزَتي
    سَألِّونُها بقرمِيد ِالقادمين َ من وَراء ِ بَحرْ
    و سَأجعَلُ لغَتي بَوَّابةً مَعدَنيةً
    و جُندًا يَقفون وَرَاء مَناظير ِ المُراقبة ِ
    لهُم أوامري القُصوَى
    بمَنعِ المَطرِ من التنَقلِ بينَ شَطرَيّ الحُقولْ ...

    كأنَّني انشطارِي ...
    كلما حَاولتُ استدرَاجَ الغَيمِ لإغفاءةٍ قصيرةٍ ...
    تسَللتْ كُتلُ الاسمَنتْ
    و رَائِحةُ غُبارٍ في ذيلِ ناقلاتِ عَسكرٍ
    أمضُوا نهَارَهم في اكتشاف ِشُقوقٍ مُحتمَلةٍ
    قد تسلُكُها عَصَافيرُ المُخيِّلة ...
    هُنا في الضَّفةِ المُتاخِمةِ لمِلح ِالأسَاطيرِ
    و النَّهر ِالمُقدَّسْ ...
    الوُجوهُ تتراكضُ في غازِ الدُّموعِ الحارِقِ
    و الرَّصَاصْ ...
    و بينَ راياتِ بلونِ التِّلالِ
    حاكَها الصِّغارُ على عَجَل ٍ
    و انطلقوا قبلَ الإفطارِ
    و مِيعَادِ المَدرَسةِ : هُنا ... نحنُ ...
    نَزرَعُ أعمَارَنا الطريَّةَ
    في خُطواتِنا إلى الَمدارس ِ
    و الحُقول ِ
    و نكبُرُ ...
    دُونَ بَتر ٍ في الغَيماتِ
    أو الشَّجَرْ ...

    أحمِلُ نكهَةَ برلينَ إلى مِقعَدي في الطَّائرّة ِ
    لأنثرَها بينَ كفَّي في المَسَافةِ العَائِدَة
    إلى جِدارٍ يَنتصِب ُبين عينَيَّ
    كرُمحِ سامُّ ...
    و على مَتنِ حَديثٍ عابرٍ لمُسافرٍ كان مثلي
    يَتصَفَّحُ وجهَ المدينة
    أُقلِّبُ أورَاقي الصَّغيرَةَ
    و ما كتَبتْ ...
    و ما قالتهُ المسنِّاتُ الرَّاحِلاتُ
    حين لمَستُ الرَّصيفَ البَرلينيَّ
    فهَمَسَ ألفُ وجهٍ في أذنِي ...

    ما بَينَ بَرلينَ العَتيقةِ
    و بَلعينَ ...
    جُندٌ سَيَخرجونَ من مَسَام الوقت ِ
    و ضُوء سَيَعودُ مُزركشا بتضَاريسِ التلال
    و أغنياتُ الرُّعَاةِ ...
    و صِبيةٌ سيُكمِلون طريقَهم إلى المَدرَسة ِ
    دُونَ حَدَقات ٍمعدنيةٍ
    تتلصَصُ على أقدامِهم الصَّغيرَة ...
    و زُوَّارٌ سَيَأتونَ من جهاتِ الشمس ِالأربَع
    يَقفون على أنقاضِ الحجارِة
    ابتسامةٌ للكامِيرَا
    صُورَةُ للذَّاكرة ...

  • #2
    بارك الله فيك يا بطل

    تعليق


    • #3
      مشكور أخي على مرورك صفحتي
      تحياتي

      تعليق

      يعمل...
      X