كيف نستفيد من السيرة النبوية في حياتنا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
أهمية السيرة النبوية
يواجه المرء في حياته اليومية العديد من المواقف والمشكلات التي يقف أمامها حائرًا متردّدًا في اتخاذ القرار المناسب وإن اختار شيئًا بقى القلق من العواقب والنتائج حليفه. بل إن الأمة الإسلامية بشكلٍ عام تواجه الكثير من القضايا المعقّدة والمشكلات المتشابكة التي تحتاج لحلّها وتجاوزها إلى مرجعية موثّقة ذات مصداقية يمكن البناء عليها والاعتماد على نصوصها كمصدر أساسي يطمئن إليه المسلم وتلجأ إليه الأمة عند الحاجة. ولعل خير مرجع وأصدق مصدر يرجع إليه المسلم هو ما ورد من سيرة الرسول-صلى الله عليه وسلم-. فسيرة المصطفى تتميّز بمزايا تجعلها المرجعية الوحيدة على الإطلاق التي تتصف بالشمولية والمصداقية والصحّة. فمنها ما ذكر في القرآن ومنها ما ذكر في الأحاديث الصحيحة التي اعتمدت الأساليب العلمية والدقة في النقل والتي لا يمكن التشكيك فيها.
فهذه الأحداث لم يكتبها شخص واحد، ولم ينقلها اثنان، بل تعدى الأمر لنرى أحاديث نبوية أو آثاراً تنقل لنا السيرة النبوية بأسانيد صحيحة لا غموض أو تلفيق فيها
ميزات السيرة النبوية
وتمتاز السيرة النبوية عن سير باقي الأنبياء والمشاهير والعظماء بشموليتها ومصداقيتها. فقد غطّت السيرة النبوية جميع جوانب حياة الرسول صلى الله عليه وسلم منذ ولادته وحتى وفاته. فشملت السيرة طفولته وشبابه، ولادته ونشأته، صفاته وشمائله، وأخلاقه وعباداته. بل إنها السيرة الوحيدة التي يستطيع الاقتداء بها الأب والزوج والصاحب والإمام والعالم والقائد والسياسي والعابد والجندي والعامل والداعية.
وقد ذكرت لنا السيرة النبوية كل ما يتعلق بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم دون غموض أو تلفيق، وليس هناك مجال للشك في أحداث السيرة الكبرى حيث أنها وصلت إلينا بطرق علمية دقيقة. ونُقلت إلينا من أكثر من طريق وشهد لها الأعاجم والأعارب مما جعلها أصدق من أي سيرة أخرى.
الاقتداء بالسيرة طريق الفلاح
وقد أثبت نجاح النبي –صلى الله عليه وسلم- في تأسيس الدولة الإسلامية وبنائها أفرادًا ومؤسسات ومجتمعات - بناءًا يعتمد على الجهود البشرية لا المعجزات الخارقة والقدرات اللاعادية- أن هذه السيرة صالحة للتطبيق البشري. فالاقتداء بالسيرة ليس أمرًا معجزًا لا تصل إليه قدرات الإنسان الطبيعية.
ثمّ إن النصر الذي حققه –صلى الله عليه وسلم- في مدة قصيرة لم تزد على ثلاثة وعشرين سنة، دليل على أنه –صلى الله عليه وسلم- مؤيّدٌ من الله بالتمكين؛ وهذا يبرهن على أن الاقتداء بسيرته هو عملٌ بما يريده الله ويرتضيه لعباده المؤمنين.
كيف يستفيد الفرد المسلم من السيرة
والاقتداء بالسيرة النبوية والانتفاع بها يكون على مستويين، مستوى الفرد المسلم ومستوى الأمة الإسلامية.
ولكي يتمكن المسلم من الانتفاع بما جاءت به السيرة النبوية فإنه يلزمه دراستها وفهمها والاقتداء بكل ما ورد عنه –صلى الله عليه وسلم- في معاملاته وأخلاقه. بل إن من الضروري عند قراءة المواقف الواردة عنه –صلى الله عليه وسلم- أن يقف المسلم عندها ويحاول فهم ظروف الموقف وحيثياته والتوصل إلى الأسباب والحكمة من تصرّف النبي في ذاك الموقف، ومن ثمّ فإن عليه استنتاج الفوائد التي يمكن استخلاصها من الموقف.
وهذا الأسلوب مخالفٌ لما يقوم به البعض في هذه الأيام حيث يقرأ أحدنا السيرة كما لو أنه يقرأ قصة للتسلية لا يدري علاقتها بالواقع ولا يجد لها رابط بحياته التي يحياها. بل إن البعض ليرى السيرة رواية تاريخية انتهى تاريخ استهلاكها فلا يمكنه الانتفاع بها في الوقت الحالي!! والله تعالى يقول: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة".
فحريٌّ بنا أن نقرأ السيرة قراءةً واعية ومبصرة وقد كان ذلك نهج الصحابة رضوان الله عليهم فما فعلوا شيئًا دون أن يفهموه، وإن التبس عليهم أمر ولم يعوه سألوا عنه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فما كان من النبي إلاّ أن شرح وفصّل وأعانهم على فهمه ولم يعاتبهم على تساؤلاتهم بل حثّهم عليه.
كيف تنتفع الأمة بسيرة نبيها
أما الانتفاع بالسيرة على مستوى الأمة فذاك أمر يحتاج إلى دراساتٍ تتناول الجوانب المختلفة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ودراسة المواقف التي تحاكيها القضايا المعاصرة التي تقف في مواجهتها الأمة الإسلامية.
فمن ذلك يمكن دراسة المنهج النبوي في صناعة الأفراد والرجال وهذه دراسة تربوية محضة يمكن من خلالها استنتاج العديد من النظريات التربوية الناجحة، فهي نظريات مجرّبة أثبتت نتائجها صحتها ونجاحها. أضف إلى ذلك الدراسات السياسية والعسكرية التي يتوجب على الأمة الإسلامية بقادتها ورؤسائها انتهاجها والاقتداء بها. وكذلك منهجية الرسول –صلى الله عليه وسلم- في التعامل مع كفار قريش في بداية الدعوة وبعدها أسلوبه في معاملة يهود المدينة ومن ثم القواعد التي أرساها فيما يتعلق بأهل الذمة والأقوام الأخرى كالحبشة والفرس والروم. وتتناول السيرة جوانب أخرى عديدة لا تخلو من كل فائدةٍ باتت الأمة في حاجة ماسّةٍ لها.
كيفية الإلمام بالسيرة النبوية
ولا يكفي قراءة واحدة للسيرة النبوية كي تصل الفائدة الكاملة ولكن من الضروري أن يقوم الدارس للسيرة النبوية بقراءة السيرة من كتب متعددة حتى يتمكن من رؤية جوانب مختلفة للسيرة قد تظهر في كتاب وتغيب في آخر، بالإضافة إلى الفائدة العظيمة التي يجنيها من قراءة تحليلاتٍ وشروحات متعددة نابعة من ثقافات متباينة المستوى والجوانب مما يجعل فهمه للسيرة أقرب إلى الشمولية والعمق. ولعل تعدد مصادر السيرة النبوية وتنوع الكتب التي ألّفت فيها في زمننا الحالي يسهل قراءة ودراسة السيرة على المطّلع حتى يستطيع أن يعايش الرسول صلى الله عليه وسلم بقلبه وعقله ووجدانه كما عايشه أصحابه ومعاصروه.
ومن الضروري أن يقوم المرء بالقراءة من وقت لآخر في السيرة النبوية، فحركة الحياة وتغيّراتها المستمرة سواء على مستوى الفرد أو الأمة تتبعها مستجدّات وامور قد لا يلحظها المرء في قراءة سابقة للسيرة وبالتالي فإن ذلك يستلزم دوام الاطلاع والقراءة واللجوء إلى قراءة المواقف المشابهة في سيرة المصطفى حين يستجد أمر أو تطرأ قضية ما.
خاتمة
ولا ننسى أن توفيق الله سبحانه وتعالى هو خير معينٍ لنا على الانتفاع بسيرة الحبيب-صلى الله عليه وسلم- ولذلك كان دعاؤنا "اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه"، فالحق ما أوحى به الله إلى رسوله المصطفى، والباطل هو ما جانب نهج النبي وخالفه. وحسب المرء أنه باقتدائه بالرسول الكريم-صلى الله عليه وسلم- ينال الدرجات العلا ويحظى بحب الله سبحانه وتعالى كما في قوله تعالى :"قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم". وإن حظي المرء بحب الله ونبيه كان أحظى بالرواء حين تشرئب أعناق الظامئين بينما الرسول صلى الله عليه وسلم يسقي بيديه الكريمتين أحباءه شربةً لا يظمؤوا بعدها أبدًا.
بقلم وريشة:
هداية