إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عقوق الاباء

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عقوق الاباء

    عقوق الآباء


    أ. خالد سيف الدين



    قد يعتقد القارئ للوهلة الأولى أن هناك خطأ في عنوان المقالة، أو قد يثير عنوان المقالة في نفس القاري الدهشة والاستغراب، لأننا اعتدنا دائما أن نسمع من الخطباء والوعاظ والدعاة، أو نقرأ ونطالع في الكتب والنشرات الحديث عن (عقوق الأبناء). وحينما يتحدث المتحدثون عن عقوق الأبناء بحق والديهم، يفرطون في تعريف العقوق، وعرض صور ونماذج هذا العقوق، ويلقون باللائمة على الأبناء ويكيلون الاتهامات بحق الأبناء. في الوقت نفسه يغفلون أو يتناسون الشق الآخر للموضوع (عقوق الآباء)، ولم يجهدوا أنفسهم في البحث عن الأسباب التي تدفع الأبناء لعق والديهم.
    في هذه المقالة، سأتطرق إلى الأسباب التي تدفع الأبناء لعقِّ والديهم، أو ما أسميته (عقوق الآباء)، وسأعرض صور ونماذج لهذا العقوق، وهو ما اصطلح على تسميته بين علماء الاجتماع بـ "أساليب التنشئة الاجتماعية الخاطئة أو السلبية".
    بداية أنطلق من القصة التي وقعت في مجلس أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب)، حيث جاء رجل يشكو لأمير المؤمنين عقوق ابنه، فسأل أمير المؤمنين الابن عن سبب عقوقه، فأجاب الابن: أن الأب لم يحسن اختيار أمه، فهي (حبشية)، ولم يحسن اختيار اسمه، فسماه (جعران)، وهذان الجانبان كانا محل سخرية بالابن من قبل أقرانه. فقال أمير المؤمنين للأب: لقد عققته قبل أن يعقك.
    وهنا نذكر بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس"، وعن اختيار الأسماء قال: "خير الأسماء ما حمد وعبد" (عبد الله وعبد الرحمن).. وقوله: "تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي"ن أي أن يكنى بابي القاسم.
    أهم هذه الأساليب ونماذج العقوق:
    1. الشدة والقسوة ( العقاب ):
    كثيرة هي الأسر التي تعتبر أن العقاب هو الأسلوب الأنجع والأفضل في عملية التنشئة الاجتماعية، ويجهل هؤلاء أن عملية التنشئة تقوم على التجربة والخطأ، وتعزيز العمل الإيجابي، وعليهم أن يحسنوا الثواب قبل العقاب.
    وهنا نقطة هامة، لابد أن يوضح للطفل الخطأ الذي ارتكبه وعوقب عليه كي يتجنبه في المرات القادمة، ومن ناحية ثانية ألا يقدم الوالدان على العقاب وهم في حالة غضب، فكم من والد عاقب ولده وهو غضبان فأصمه أو ألحق به عاهة جسدية أو نفسية!!
    وقد أثبتت الدراسات أن العقاب غير قادر على تغيير السلوك لكنه يعمل على طمسه.
    النتائج المترتبة على العقاب: يوجد شخصية غير متوازنة يعشعش فيها الخوف والفزع والهلع، الخشية من تحمل المسئولية حتى لا يتعرض للانتقادات، وقد يكره والديه "وقد يمتد هذا الشعور إلى معارضة السلطة الخارجية في المجتمع باعتبارها البديل عن السلطة الوالدية، وقد ينتهج هو نفسه الصرامة والشدة في حياته المستقبلية عن طريق عمليتي التقليد أو التقمص لشخصية أحد الوالدين أو كلاهما".
    وقد عبر أحد التربويين عن العقاب بقوله: "العقاب حق وضرورة، ولكن الثواب حق وخير أيضاً، ثم إن العقاب البدني أسوأ أشكال العقاب وأخطرها ويجب ألا يلجأ إليه المربي إلا بعد إفلاس كل الأنواع الأخرى... ثم إذا لم يكن من العقاب البدني بد فليكن عقاباً نادراً حازماً غير منتقم ولا ضار يسبقه شرح يفهم الطفل مدى خطورة ذنبه وضرورة معاقبته...".
    2. التسلط:
    يعني: "المنع والرفض الدائم لرغبات الطفل والوقوف حائلاً أمام قيامه بسلوك معين أو تحقيقه لرغبة معينة".
    فإننا نرى أن أهم الأسباب التي تدفع الوالدان لانتهاج هذا الأسلوب ما يلي:
    1-أن يكون الأب متزمتاً لامتصاصه معايير صارمة، ويحاول تطبيقها على أطفاله.
    2- تشدد الأم لفقدها أمها وهي صغيرة وتحملها مسئولية ورعاية أخوتها الصغار جعلها تتخذ اتجاهات متشددة في معاملة أطفالها.
    3- محاولة أن يحقق الأبناء ما فشل الآباء في تحقيقه دون أن يؤخذ في الاعتبار رغباتهم.
    من مظاهر التسلط : تحديد نوع الأكل الذي يتناوله الطفل، أو تحديد نوع وكمية الملابس التي يرتديها، اختيار جماعة الرفاق، أو اختيار أنواع معينة من الألعاب التي يمارسها، وقد يكون التدخل في مستقبله التعليمي، والتسلط قد يمتد من مرحلة الطفولة إلى ما هو أبعد من ذلك.
    النتائج المترتبة عليه: تزييف الواقع، تشويه الوعي، قتل الروح النقدية، حصار العقل، بناء شخصية غير واثقة في النفس، انطوائية، خجولة ومضطربة، غير قادرة على التكيف، إتكالية، انهزامية، تنمو فيها قيم البغض والضغينة والتسلط والتصلب والجمود والكراهية، بناء شخصية متمردة، خارجة عن القانون وسلطة المجتمع.
    3. الإهمال:
    يتمثل في إهمال الوالدين للطفل وكأنه ليس من أفراد الأسرة، وعدم منحه القدر الكافي من الرعاية والاهتمام مما يجعله يفقد حاجة ضرورية من حاجات التنشئة (الأمن)،
    صور الإهمال: عدم توفير احتياجات الطفل الضرورية، ترك الطفل دون رقابة، عدم الاستماع إلى شكواه وآرائه، إرغام الطفل على ترك المنزل، الفشل في تلبية حاجات الطفل النفسية (الحب والعطف والحنان)، هروب الطفل المتكرر من المدرسة، عدم متابعة التحصيل الدراسي للأبناء، عدم توفير مستلزمات وحاجيات المدرسة الضرورية من كتب وقرطاسية ورسوم دراسية.
    ومن الأسباب التي تؤدي إلى إهمال الوالدين لأطفالهما:
    أ- حالات الهجر والطلاق مما يجعل الطفل يفقد الحنان والرعاية.
    ب- الأم العاملة خارج البيت وتترك طفلها عند المربيات، أو الخادمة، أو الأقارب.
    ج- كبر حجم الأسرة مما يجعل الوالدان لا يستطيعان الإيفاء بكل احتياجات الأبناء.
    د- عدم رغبة الأم في الإنجاب أو أن الأسرة لم تكن مهيأة لاستقبال مولود جديد.
    النتائج المترتبة عليه: فقدان الطفل الشعور بالأمن والانتماء، صاحب شخصية متخبطة، غالباً يحاول الانتماء إلى جماعة يجد نفسه فيها – وإن كانت هذه الجماعة منحرفة – لأن الطفل لم يشعر بالتشجيع والثناء، لا يحترم القانون ولا السلطة، عنده نزعة تدميرية، لا يستطيع تكوين صداقات، لا يستطيع التفاعل بشكل قوي وكبير مع المحيط الاجتماعي، تدني مستوى تحصيله الدراسي.
    4. الإيذاء النفسي:
    الإيذاء النفسي: هو "كل تصرف خاطئ يمكن أن يترك أثرا سيئا وسلبيا في نفس الطفل، وقد يكون هذا التصرف صادر عن أحد الوالدين، أو الأخوة، أو الأقارب، أو المدرسين في المدرسة".
    صور الإيذاء النفسي: (الرفض، الخزي والإهانة، الرعب والتخويف، العزل والحبس، الإفساد، الاستغلال، الحرمان من العاطفة).
    النتائج المترتبة عليه: تجعل الطفل يفقد الثقة في نفسه، متخبط في تصرفاته، منطوي على نفسه، يخشى المبادرة لئلا يتعرض للسخرية أو التأنيب، الخوف، التغير المفاجئ في السلوك، التغيب عن المدرسة، عدم الرغبة في العودة إلى المنزل، التفاعل السلبي مع المواقف الاجتماعية، العزلة، النزعة التدميرية والتخريبية، الشعور بالذنب.
    5. التفرقة أو التمييز:
    من الصعوبات التي تواجه الأسرة في عملية التنشئة، اللا مساواة في معاملة الأبناء، الأمر الذي يترتب عليه عدم المساواة في مقدار الحب والحنان، فهناك أسر تميز بين الأبناء بحسب النوع، فهذا الأب يفضل الذكور فيحنو عليهم ويهتم بهم، والأم تهتم بالإناث وتحنو عليهن، أو تميز الأسرة بين الأبناء حسب الترتيب في الأسرة، فالمولود الأول يحظى بالرعاية الكاملة ويكون محل اهتمام الأسرة ومع مجيء الطفل الثاني تنصرف الأنظار كلية نحوه ويترك الطفل الأول، وهنا قد يشعر الأول بالحقد والكراهية نحو الثاني الذي خطف الأنظار من حوله.
    والقرآن الكريم يسوق لنا مثل حي على التمييز في سورة يوسف عليه السلام، حينما قرّب سيدنا يعقوب عليه السلام ابنه يوسف على بقية أبنائه الأحد عشر، فكان له النصيب الأكبر من الحب والرعاية والاهتمام والحظوة أكثر من إخوته وبشكل مميز وواضح، الأمر الذي ولّد الحقد والكراهية والضغينة في نفوس أخوة يوسف، وقد وصل الحقد إلى أعلى درجاته حينما عقدوا العزم على قتله، ثم عدلوا عن رأيهم إلى إلقائه في البئر، وما ذلك إلا بسبب التمييز في المعاملة بين الأخوة ولم يكن لهم نفس النصيب والدرجة من الحب التي كان يحظى بها سيدنا يوسف من والده يعقوب عليهما السلام. وحينما يتقدم النص القرآني في سرد وقائع القصة، ويلقى القبض على بنيامين (شقيق يوسف) بتهمة السرقة، فأجاب الأخوة مباشرة "إن يسرق فقد سرق له أخ من قبل" (سورة يوسف، الآية77)، وأرى أنه ليس المقصود بالسرقة هنا سرقة شئ مادي، بل أخذه الحظ الأكبر من الرعاية والحب من قبل والده، الأمر الذي اعتبره الأخوة سرقة، أي سرق نصيبهم من هذا الحب وتلكم الرعاية.

    6. اختلاف وجهة نظر الوالدين :
    هذا الأسلوب يعتمد عليه الوالدان كسلاح يشهره كل منهما في وجه الآخر، خاصة إذا كانت العلاقة بينهما متأزمة وجحيم لا يطاق.
    ومن صور الاختلاف بين الوالدين في التنشئة: أن يؤمن الأب بالشدة والصرامة في التعامل مع الأبناء، في حين تأخذ الأم بالليونة والرقة، مما يجعل الطفل يضمر الحقد والكراهية لوالديه، ويجد صعوبة في التمييز بين الصالح والطالح، وقد يضعف انتماءه وولائه للأسرة، وقد يكوّن فكرة خاطئة على الحياة الأسرية، وربما يستغل الطفل حنان ورقّة أمه استغلالاً مادياً، وقد يؤدي ارتباط الطفل بأمه إلى تقمص صفاتها الأنثوية فتبدو عليه أمارات التخنث، وتجعله يبيع نفسه لمن يدفع أكثر.

  • #2
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    استاذى لكتابة هذا الموضوع
    فانا اعتبره كارثة في مجتمعنا عندما الاباء لا يعرفو كيف يعاملو اولادهم وبناتهم
    قالقران الكريم وصى بالوالدين فهذه المعاملة تودي الى العقوق
    بصراحة مااعرف ارد اكثر لازم نسال في هذه الحاله هل تجوز المعصية ام لا وكيف التصرف في هذه الحالة

    تعليق


    • #3
      بارك الله فيك أ خالد سيف الدين على ما سطرت يداك سطور رائعة وجمية
      وعلى المعلومات القيمة والمفيدة
      اللهم جعلنااا ممن يستمعون القول فيتبعوان احسن

      ان ينصركم الله فلا غالب لكم

      تعليق


      • #4
        أخ/ أبو فؤاد
        شكرا على مداخلتك..
        (بصراحة مااعرف ارد اكثر لازم نسال في هذه الحاله هل تجوز المعصية ام لا وكيف التصرف في هذه الحالة)

        هذه القضية مطلوب علاجها بأساليب كثيرة عل أهمها، هو قيام مؤسسات المجتمع المدني المعنيةبشئون الأسرة إلى جاني وسائل الإعلام والمدارس... إلخ، أن تقوم بحملة توعية أسرية ومجتمعية لتوضيح وبيان الأساليب الخاطئة والنتائج السلبية التي تنعكس على شخصية الطفل، وفي المقابل تبين الأساليب الإيجابية والنتائج الطيبة التي تنعكس على شخصية الابن/ة.

        والشكر موصول للأخ/ أبو جابر

        تعليق

        يعمل...
        X