"غزة كالموت" كتاب إسرائيلي جديد يتحدث عن حملة "قوس قزح" في رفح جنوب قطاع غزة
صدر للصحافي الإسرائيلي، شلومي إلدار، كتاب "غزة كالموت" يورد فيه الكثير من صور وتفاصيل عملية الهدم الواسعة التي قام بها جيش الإحتلال في رفح جنوب قطاع غزة، خلال الحملة العسكرية التي أسميت في حينه "قوس قزح" في أيار/ مايو من العام 2004.
وقد نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" قطعة من الكتاب، وقام موقع عرب 48 بترجمتها كما جاءت حرفياً.
[[ الـ "دي 9" سار كالوحش الضخم الجائع وجرف بكفاته صفوف البيوت، وتراكض النساء والرجال باندفاع جنوني.. يد تمسك طفلاً بالكاد يقوى على اللحاق، واليد الأخرى تحمل حقيبة تم توضيبها بسرعة قبل وصول الجرافات الضخمة.. وبالقرب من إحدى الحفر التي تم حفرها وقفت عائلة – الأب والأم والجد والجدة وأخذوا يصرخون باتجاه الطفل الذي تخلف عن اللحاق بهم ويطلبون منه عبور الحفرة... كان الطفل قد أخفى رأسه وراء كومة من التراب ولم يجرؤ على العبور..
في هذه الأثناء اقتربت الجرافة الضخمة، وخشي الوالدان من العودة إلى الوراء حتى لا يصابا بالرصاص العشوائي الذي أطلق من حولهم. نادوا على الطفل " تعال تعال.. كن بطلاً".. فتح الوالد الحقيبة أخرج منها ثياباً داخلية بيضاء وكورها ككرة ورماها باتجاه الطفل وطلب منه أن يلوح بها عندما يمر في خط النار.. تشجع الطفل وفعل كما قال له والده، حنى رأسه ورفع "العلم الأبيض" وعبر ممر الرعب...
أحد سكان حي البرازيل أطلق صافرة كالمجنون لإبعاد الهاربين من طريقه وهو يحاول الدخول إلى منطقة الخطر، وعندما رآني ورأى طاقم التصوير، توقف ونزل من سيارته واقترب مني صارخاً:" ماذا تفعلون؟ عملت سنين طويلة في البناء عندكم، وكل ما ادخرته راح هباءأً.. أنا لا أعرف الآن أين الجميع.. أين أولادي؟ أين زوجتي؟ .. ربما لا يزالون هناك .. وربما لا .. لا أستطيع الوصول إليهم"!
وقفت أمامه وقد عدمت الحيلة عندما انفجر بالبكاء.. وفي هذه اللحظة رأيتها.. خديجة العجوز العمياء.. كانت تجلس فوق ركام البيت ويدها تتحسس الركام .. كانت تبحث وتشتم شارون واليهود .. والعرب الذين لم يهبوا لنجدة الفلسطينيين.. وجلس حولها أحفادها وساعدوها في البحث..
"عما تبحث؟" سألت أحد أبناء عائلتها الذي وقف إلى جانبها يراقبها.
"تبحث عن الدواء الخاص بها، فهي تتلقى الدواء مرة واحدة فقط في الشهر من صندوق المرضى ولا يوجد لديها أي دواء آخر"!
"كيف لها أن تعرف أين تبحث؟" سألت بعد أن بدا الأمر كالبحث عن إبرة في كومة من القش.
"نحن نعرف أن غرفتها كانت هنا بالضبط، والدواء الخاص بها كان تخت وسادتها".
وقفت قرابة الساعة أراقب العجوز العمياء المتكئة الباحثة بيديها بين كومة الحجارة والرمل وبقايا الأغراض التي كانت في بيتها والتي كانت تطل من بين الركام.. وفجأة سحبت بيدها الوسادة! وسارعت العائلة التي كانت متشككة في مقدرة العجوز على إيجاد حبات الدواء، تجندت العائلة للمهمة وقامت برفع الحجارة حجراً تلو الآخر من بين الركام، حتى تم العثور على حفنة من حبات الدواء المطمورة!
يستغرق السفر من رفح إلى تل أبيب ساعتين، تماماً مثل المسافة بين القدس وحيفا، ولكن عندما سافرت في شارع "أيالون" ورأيت أضواء أبراج تل أبيب تخيلت أنني عدت من كوكب آخر.. أين هم وأين نحن؟ وكيف أن رواد المطاعم والمقاهي لا يعرفون ولا يريدون أن يعرفوا شيئاً عن جيرانهم البعيدين القريبين، فنحن نعيش في القرن الحادي والعشرين، في حين أنهم قد أنهوا للتو العصر الحجري وعادوا إلى "الفوضى الشاملة"!
قال شموليك زكاي:" الهدف من الحملة هو زيادة حرية النشاط العملياتي في العمليات الجارية على محور فيلاديلفي. وقبل الحملة كانت المدرعة والدبابة تفتح المحور وتتلقى ثلاثة قذائف آر بي جي وعبوة ناسفة في المعدل. هدف المسلحين هو تفجير مدرعة والتسبب بخسائر لضرب المعنويات في إسرائيل، وفي المقابل عرض وضع إنساني يحدث كنتيجة لنشاط الجيش الإسرائيلي في الأحياء، وإثارة الرأي العام العالمي ضد إٍسرائيل... لم يتم الهدم هنا لمجرد الهدم، بل لمنع نشوء وضع تنفجر فيه إحدى آليات الجيش"!
ويتابع زكاي:"رئيس هيئة الأركان العامة للجيش، يعالون، ووزير الأمن، موفاز، سألوني: ماذا تعني عندما تقول :زيادة حرية النشاط العملياتي؟"، وقلت لهم " سيطلقون قذائف آر بي جي أقل، وستكون معارضة أقل عندما ندخل للبحث عن الأنفاق، والوسيلة للقيام بذلك بسيطة جداً تتلخص في قتل أكبر عدد من المسلحين وهذا هو جوهر الحملة".
في يوم الجمعة، العشرين من أيار/مايو، قرر زكاي وقف النشاطات لمدة 48 ساعة، لإتاحة المجال أمام الأنروا للدخول إلى رفح لتزويدها بالأدوية والأغذية.
كتبت في مقالتي عن حجم الهدم والدمار وعن العائلات التي فقدت ممتلكاتها، كل ممتلكاتها وسقف بيتها الوحيد.. عشرات العائلات.. مئات اللاجئين..
وأنكر الجيش الإسرائيلي الحقائق التي ذكرتها، وفي بيان للصحافة لشؤون الجيش قال شموليك زكاي في نفس اليوم، كما عرضت ذلك كرميلا منشي المراسلة العسكرية لصوت إسرائيل، في رده على المعطيات التي نشرتها حول حجم هدم المنازل، وطلبت منه التطرق إليها، أجاب زكاي أنه من الممكن أن يكون قد إلتبست الأمور علي، وان عشرات المنازل التي إعتقدت أنه تم هدمها في الحملة، يبدو أنها هدمت خلال سنوات الإنتفاضة وليس في هذه الحملة، أي أنني لم أنقل تقارير صحيحة!
عرضت على كرميلا منشي الإنضمام إلي في رفح وتجاوز الخطوط المهنية كمراسلة مصادرها عسكرية، والنظر إلى الجانب الآخر للحقائق الجافة.
اعتقدت أنه في حال وجود إثنين من الصحافيين، شاهدين إثنين، يريان بأم أعينهما نتائح مصطلحات الجيش "الجيش الإسرائيلي يعمل في رفح" و "مهمة الحملة" و "إتاحة حرية العمل للقوات"، ومصطلحات أخرى جافة تم تعويد الجمهور الإسرائيلي عليها أثناء الحرب على الإنتفاضة.
اعتقدت أن صوتنا المزدوج سيكون له وزن أكبر، ليس كمقاتلين ضد حاجة الجيش إلى العمل ضد المخربين، وإنما كصحافيين يُظهرون ويُسمعون المأزق والورطة التي تضعها غزة أمامنا بين السيئ والأسوأ.
صباح يوم الأحد الثاني والعشرين من أيار/مايو 2004، في الوقت الذي عقدت فيه الحكومة جلستها الأسبوعية، مكثت أنا وكرميلا منشي في جهنم رفح.
عائلات بأكملها واصلت تراجعها أمام الجرافات الضخمة التي واصلت هدم بيوتها، وقال وزير القضاء الإسرائيلي في حينه، يوسيف لبيد، في الجلسة أن صور العجوز ذكرته بجدته أثناء الكارثة، واستغربت بدوري لهذه المقارنة!
لم يعد بإمكان الجيش أن يتجاهل الصور، في نهاية اليوم نفسه، وعندما ظهرت الحقائق وسُمعت، قام الجيش بتعديل المعطيات، وقالت الناطقة، روت يارون، أنه أثناء عملية "قوس قزح" تم هدم 56 منزلاً!!]]
صدر للصحافي الإسرائيلي، شلومي إلدار، كتاب "غزة كالموت" يورد فيه الكثير من صور وتفاصيل عملية الهدم الواسعة التي قام بها جيش الإحتلال في رفح جنوب قطاع غزة، خلال الحملة العسكرية التي أسميت في حينه "قوس قزح" في أيار/ مايو من العام 2004.
وقد نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" قطعة من الكتاب، وقام موقع عرب 48 بترجمتها كما جاءت حرفياً.
[[ الـ "دي 9" سار كالوحش الضخم الجائع وجرف بكفاته صفوف البيوت، وتراكض النساء والرجال باندفاع جنوني.. يد تمسك طفلاً بالكاد يقوى على اللحاق، واليد الأخرى تحمل حقيبة تم توضيبها بسرعة قبل وصول الجرافات الضخمة.. وبالقرب من إحدى الحفر التي تم حفرها وقفت عائلة – الأب والأم والجد والجدة وأخذوا يصرخون باتجاه الطفل الذي تخلف عن اللحاق بهم ويطلبون منه عبور الحفرة... كان الطفل قد أخفى رأسه وراء كومة من التراب ولم يجرؤ على العبور..
في هذه الأثناء اقتربت الجرافة الضخمة، وخشي الوالدان من العودة إلى الوراء حتى لا يصابا بالرصاص العشوائي الذي أطلق من حولهم. نادوا على الطفل " تعال تعال.. كن بطلاً".. فتح الوالد الحقيبة أخرج منها ثياباً داخلية بيضاء وكورها ككرة ورماها باتجاه الطفل وطلب منه أن يلوح بها عندما يمر في خط النار.. تشجع الطفل وفعل كما قال له والده، حنى رأسه ورفع "العلم الأبيض" وعبر ممر الرعب...
أحد سكان حي البرازيل أطلق صافرة كالمجنون لإبعاد الهاربين من طريقه وهو يحاول الدخول إلى منطقة الخطر، وعندما رآني ورأى طاقم التصوير، توقف ونزل من سيارته واقترب مني صارخاً:" ماذا تفعلون؟ عملت سنين طويلة في البناء عندكم، وكل ما ادخرته راح هباءأً.. أنا لا أعرف الآن أين الجميع.. أين أولادي؟ أين زوجتي؟ .. ربما لا يزالون هناك .. وربما لا .. لا أستطيع الوصول إليهم"!
وقفت أمامه وقد عدمت الحيلة عندما انفجر بالبكاء.. وفي هذه اللحظة رأيتها.. خديجة العجوز العمياء.. كانت تجلس فوق ركام البيت ويدها تتحسس الركام .. كانت تبحث وتشتم شارون واليهود .. والعرب الذين لم يهبوا لنجدة الفلسطينيين.. وجلس حولها أحفادها وساعدوها في البحث..
"عما تبحث؟" سألت أحد أبناء عائلتها الذي وقف إلى جانبها يراقبها.
"تبحث عن الدواء الخاص بها، فهي تتلقى الدواء مرة واحدة فقط في الشهر من صندوق المرضى ولا يوجد لديها أي دواء آخر"!
"كيف لها أن تعرف أين تبحث؟" سألت بعد أن بدا الأمر كالبحث عن إبرة في كومة من القش.
"نحن نعرف أن غرفتها كانت هنا بالضبط، والدواء الخاص بها كان تخت وسادتها".
وقفت قرابة الساعة أراقب العجوز العمياء المتكئة الباحثة بيديها بين كومة الحجارة والرمل وبقايا الأغراض التي كانت في بيتها والتي كانت تطل من بين الركام.. وفجأة سحبت بيدها الوسادة! وسارعت العائلة التي كانت متشككة في مقدرة العجوز على إيجاد حبات الدواء، تجندت العائلة للمهمة وقامت برفع الحجارة حجراً تلو الآخر من بين الركام، حتى تم العثور على حفنة من حبات الدواء المطمورة!
يستغرق السفر من رفح إلى تل أبيب ساعتين، تماماً مثل المسافة بين القدس وحيفا، ولكن عندما سافرت في شارع "أيالون" ورأيت أضواء أبراج تل أبيب تخيلت أنني عدت من كوكب آخر.. أين هم وأين نحن؟ وكيف أن رواد المطاعم والمقاهي لا يعرفون ولا يريدون أن يعرفوا شيئاً عن جيرانهم البعيدين القريبين، فنحن نعيش في القرن الحادي والعشرين، في حين أنهم قد أنهوا للتو العصر الحجري وعادوا إلى "الفوضى الشاملة"!
قال شموليك زكاي:" الهدف من الحملة هو زيادة حرية النشاط العملياتي في العمليات الجارية على محور فيلاديلفي. وقبل الحملة كانت المدرعة والدبابة تفتح المحور وتتلقى ثلاثة قذائف آر بي جي وعبوة ناسفة في المعدل. هدف المسلحين هو تفجير مدرعة والتسبب بخسائر لضرب المعنويات في إسرائيل، وفي المقابل عرض وضع إنساني يحدث كنتيجة لنشاط الجيش الإسرائيلي في الأحياء، وإثارة الرأي العام العالمي ضد إٍسرائيل... لم يتم الهدم هنا لمجرد الهدم، بل لمنع نشوء وضع تنفجر فيه إحدى آليات الجيش"!
ويتابع زكاي:"رئيس هيئة الأركان العامة للجيش، يعالون، ووزير الأمن، موفاز، سألوني: ماذا تعني عندما تقول :زيادة حرية النشاط العملياتي؟"، وقلت لهم " سيطلقون قذائف آر بي جي أقل، وستكون معارضة أقل عندما ندخل للبحث عن الأنفاق، والوسيلة للقيام بذلك بسيطة جداً تتلخص في قتل أكبر عدد من المسلحين وهذا هو جوهر الحملة".
في يوم الجمعة، العشرين من أيار/مايو، قرر زكاي وقف النشاطات لمدة 48 ساعة، لإتاحة المجال أمام الأنروا للدخول إلى رفح لتزويدها بالأدوية والأغذية.
كتبت في مقالتي عن حجم الهدم والدمار وعن العائلات التي فقدت ممتلكاتها، كل ممتلكاتها وسقف بيتها الوحيد.. عشرات العائلات.. مئات اللاجئين..
وأنكر الجيش الإسرائيلي الحقائق التي ذكرتها، وفي بيان للصحافة لشؤون الجيش قال شموليك زكاي في نفس اليوم، كما عرضت ذلك كرميلا منشي المراسلة العسكرية لصوت إسرائيل، في رده على المعطيات التي نشرتها حول حجم هدم المنازل، وطلبت منه التطرق إليها، أجاب زكاي أنه من الممكن أن يكون قد إلتبست الأمور علي، وان عشرات المنازل التي إعتقدت أنه تم هدمها في الحملة، يبدو أنها هدمت خلال سنوات الإنتفاضة وليس في هذه الحملة، أي أنني لم أنقل تقارير صحيحة!
عرضت على كرميلا منشي الإنضمام إلي في رفح وتجاوز الخطوط المهنية كمراسلة مصادرها عسكرية، والنظر إلى الجانب الآخر للحقائق الجافة.
اعتقدت أنه في حال وجود إثنين من الصحافيين، شاهدين إثنين، يريان بأم أعينهما نتائح مصطلحات الجيش "الجيش الإسرائيلي يعمل في رفح" و "مهمة الحملة" و "إتاحة حرية العمل للقوات"، ومصطلحات أخرى جافة تم تعويد الجمهور الإسرائيلي عليها أثناء الحرب على الإنتفاضة.
اعتقدت أن صوتنا المزدوج سيكون له وزن أكبر، ليس كمقاتلين ضد حاجة الجيش إلى العمل ضد المخربين، وإنما كصحافيين يُظهرون ويُسمعون المأزق والورطة التي تضعها غزة أمامنا بين السيئ والأسوأ.
صباح يوم الأحد الثاني والعشرين من أيار/مايو 2004، في الوقت الذي عقدت فيه الحكومة جلستها الأسبوعية، مكثت أنا وكرميلا منشي في جهنم رفح.
عائلات بأكملها واصلت تراجعها أمام الجرافات الضخمة التي واصلت هدم بيوتها، وقال وزير القضاء الإسرائيلي في حينه، يوسيف لبيد، في الجلسة أن صور العجوز ذكرته بجدته أثناء الكارثة، واستغربت بدوري لهذه المقارنة!
لم يعد بإمكان الجيش أن يتجاهل الصور، في نهاية اليوم نفسه، وعندما ظهرت الحقائق وسُمعت، قام الجيش بتعديل المعطيات، وقالت الناطقة، روت يارون، أنه أثناء عملية "قوس قزح" تم هدم 56 منزلاً!!]]
تعليق