بسم الله الرحمن الرحيم
تأملات في الواقع (10)
الدرع التكفيري !!
أمريكا تحاول أن تبني منظومة صاروخية في بعض بلاد أوروبا الشرقية لصد أي هجمات محتملة من قِبل أعدائها الروس أو الصينيون أو الكوريون ، وهذا المشروع يسمى "الدرع الصاروخي" ، وعندنا مشروع في عالمنا العربي اسمه "الدرع التكفيري" وهو مشروع مماثل لمشروع أمريكا ، ولكنه أكثر تعقيداً منه وتطوراً !! فكرة هذا الدرع تجمع بين الصدّ والإستباقية ، وبرنامجه السري هو : الدفاع عن البعيد ليسلم القريب .. فأنت إذا حاولت تكفير المُجمع على كفره كالنصيري "بشّار" أو المرتد "زين العابدين" أو المعتوه "القذافي" فإن صواريخ الفتاوى السلطانية تنطلق من قواعدها لتصد هذه القذائف التكفيرية ، لا للدفاع عن هؤلاء بعينهم ، ولكن لحماية من خلفهم .. فهؤلاء المذكورين يشكلون خطوطاً أمامية لحكام جزيرة العرب عامة ، وحاكم الرياض خاصة ، فهم لو سلّموا لك بتكفير حاكم عربي فهذا يؤدي إلى تقويض حصن من حصونهم ، وبالتالي الولوج من خلاله للهجوم على قلعة الحصن في نجد ، فلو حاولت تكفير أي حاكم عربي لرأيت قوات التدخل السريع تحيط بك من جميع الجوانب وتقذف عليك حمم الفتاوى السلطانية المحمّلة برؤوس المصطلحات النووية التي منها الإرهاب والراديكالية والتكفيرية والخارجية ..
توسعة الحرم !!
هل يحتاج الحرم إلى توسعة !! لعله كذلك ، ولكن لماذا تُزال مئات البيوت والأوقاف والبنايات في الجهة الشامية - التي لم تضق بالمصلين - من أجل توسعة الحرم !! أليس الأولى والأفضل إزالة بيت واحد في الجهة الجنوبية من الحرم بدل كل هذه البيوت !! إن الضيق في الحرم هو في المنطقة الجنوبية فقط ، وهي منطقة جبل أبي قبيس الذي كان عليه مسجد بلال رضي الله عنه ، فلماذا لا يُزال هذا البيت الكبير الذي ضيّق على المسلمين ، وتزال بدلاً منه بيوتاً وأوقافاً قائمة منذ مئات السنين !!
توسعة المسعى !!
قبل أن يعمل الأعرابي "عبد الله بن عبد العزيز" على إنشاء المسعى الجديد ، طلب فتوى من هيئة كبار العلماء ، فأفتت بالغالبية المطلقة (17 مقابل 2) بعدم جواز توسعة المسعى كما يريد الملك .. ولكن "ابن عبد العزيز" شرع في التخطيط قبل الفتوى بزمن ، وشرع ببناء المسعى وإغلاق القديم بعد صدور الفتوى ، فأي قيمة لهذه الفتوى وأي قيمة لـ "رئاسة البحوث العلمية والإفتاء : الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء" بعد هذا الفعل !! اللجنة تقول في فتواها الصادر بتاريخ (22 – 2 – 1427هـ) "العمارة الحالية للمسعى شاملة لجميع أرضه ، ومن ثم فإنه لا يجوز توسعتها ، ويمكن عند الحاجة حل المشكلة رأسياً بإضافة بناء فوق المسعى" (انتهى) ، ومعنى هذا الكلام أن "عبد الله" بنى المسعى الجديد خارج حدود المسعى الشرعي ، وأغلق المسعى الشرعي الذي سعى فيه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وملايين الملايين من المسلمين لأربعة عشر قرناً ، كل هذا فعله "عبد الله" لأنه لا يريد أن يرفع المسعى أفقياً ، فهذا قد يجعل بيت الله الحرام موازياً لسور البيت الذي على جبل أبي قبيس والعياذ بالله ، وهذا – في نظره – لا يجوز شرعاً لأن للبيوت حرمات !! طبعاً : سمعنا تصفيقاً وتهليلاً لفعل هذا الملك "المجدد" وقراره الجريء ، ونقول لهؤلاء المصفقين الذين أفتوا بجواز التوسعة : فكّروا قليلاً قبل التصفيق ، فأنتم إن كنتم على خطأ فإنكم تُفسدون على ملايين الملايين من المسلمين ركناً من أركان دينهم ، وتحملون وزر كل مسلم يسعى في مسعى "عبد الله بن عبد العزيز" إلى يوم القيامة ، أليس الأولى أن تتوقفوا لثوان فقط وتفكروا في الأمر قبل التسرّع في التصفيق والتهليل لولي أمركم !! أليس الأولى أن تقولوا لهذا الأعرابي الذي يريد إفساد حج الناس وعمرتهم : ارفع المسعى أفقياً وارفع قبله سور بيتك الذي على جبل أبي قبيس حتى لا يرى المسلمون ما تُحدِث بداخله !! أليس هذا أولى !! ألا تخافون قول الله تعالى – وقد أغلق الأعرابي مسعى الناس ومنعهم من السعي في المكان الذي سعى فيه نبيهم وأفسد عليهم عبادتهم – {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (البقرة : 114) ، أو أن تكونوا ممن قال الله فيهم {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} (الزخرف : 54) ، بعد أن قال لكم هذا الأعرابي {... مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} (غافر : 29) ..
الدعوة لحوار الأديان !!
بالأمس قال بأنه يريد عقد سلام دائم مع اليهود ، وبعده هدم المسعى ودمّر بيوت الناس وأوقاف المسلمين ليسلم بيته ، واليوم يدعو لحوار الأديان والتعايش السلمي مع اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار ، فما حقيقة هذا الحوار !! وبأي لغة سيخاطب هذا الأعرابي جموع المحاورين !! نحن نعلم أنه بالكاد يقرأ العربية ، وقطعاً لا يُحسن الإنجليزية أو أي لغة غربية ، فبأي لغة سيخاطب الجموع !!
لا إخوانه من قبله ولا أبوه دعوا لحوار الأديان ، فمن أين أتانا هذا بهذه الفكرة !! نحن نعلم أنه لا يعرف معنى مصطلح "حوار الأديان" فمن يا ترى لقّنه هذا المصطلح !!
خير من كَتب في أصل هذه الدعوة ونقضها هو العلامة الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله وغفر له في كتابه القيّم "الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان" ، فينغي الإطلاع عليه وعلى كتابه الآخر "خصائح جزيرة العرب" ، ولو أن أحداً من العلماء جلس مع "عبد الله" ليشرح له الكتابين بأسلوب بدوي بسيط حتى يستوعب ما فيهما ، لا ليعمل بهما فهذا بعيد ، ولكن لتقوم عليه الحجة بالعلم ، فلعله يكون جاهلاً ببعض الأحكام الشرعية الدقيقة التي تغيب عن مثله !! ولا نريد أن يكون هذا العالِم من "هيئة كبار العلماء" فهو لا يقيم لها وزناً كما ظهر ذلك جليّاً في قضية المسعى .. نريد من هذا العالِم أن يجلس مع هذا الأعرابي ليشرح له فكرة واحد لا غير ، وهي : أن دين الله واحد ، وليس هناك أديان غير دين الإسلام عند الله .. هذا ما نريد أن يفهمه ملك "بلاد التوحيد" ، ولا يضرنا إذا فهم في سنة أو سنتين ، المهم أن يفهم .. ولكي لا يظن أحد بأن هذه الدعوة مجرّدة من المعاني ومستقلة في نفسها ، ننقل هنا كلاماً للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه "الإبطال" ، فقد قال رحمه الله :
"في الربع الأخير من القرن الرابع عشر هجري ، وحتى عامنا هذا 1416 . وفي ظل "النظام العالمي الجديد" : جهرت اليهود ، والنصارى ، بالدعوة إلى التجمع الديني بينهم ، وبين المسلمين ، وبعبارة أخرى : " التوحيد بين الموسوية ، والعيسوية ، والمحمدية " باسم :
" الدعوة إلى التقريب بين الأديان ". " التقارب بين الأديان " . ثم باسم : " نبذ التعصب الديني ".
ثم باسم : " الإخاء الديني " وله : فتح مركز بمصر بهذا الاسم.
وباسم : " مجمع الأديان " وله فتح مركز بسيناء مصر بهذا الاسم.
وباسم : " الصداقة الإسلامية المسيحية " .
وباسم : " التضامن الإسلامي المسيحي ضد الشيوعية " .
ثم أخرجت للناس تحت عدة شعارات :
"وحدة الأديان " . " توحيد الأديان " . " توحيد الأديان الثلاثة " . " الإبراهيمية " . " الملة الإبراهيمية " . " الوحدة الإبراهيمية " . " وحدة الدين الإلهي " . " المؤمنون " . " المؤمنون متحدون " . " الناس متحدون " . الديانة العالمية " . " التعايش بين الأديان " . " المِلّيُون " . " العالمية وتوحيد الأديان " .
ثم لحقها شعار آخر ، هو " وحدة الكتب السماوية " . ثم امتد أثر هذا الشعار إلى فكرة طبع : " القرآن الكريم ، والتوراة ، والإنجيل " في غلاف واحد .
ثم دخلت هذه الدعوة في : " الحياة التعبدية العملية " ؛ إذ دعا " البابا " إلى إقامة صلاة مشتركة من ممثلي الأديان الثلاثة : الإسلاميين والكتابيين ، وذلك بقرية : "أسِيس" في : "إيطاليا" . فأقيمت فيها بتاريخ : 27 / 10 / 1986 م .
ثم تكرر هذا الحدث مرات أخرى باسم : " صلاة روح القدس .
ففي : " اليابان " على قمة جبل : "كيتو" أقيمت هذه الصلاة المشتركة ، وكان - واحسرتاه - من الحضور ممثل لبعض المؤسسات الإسلامية المرموقة .
وما يتبع ذلك ، من أساليب بارعة للاستدراج ، ولفت الأنظار إليها والالتفاف حولها ، كالتلويح بالسلام العالمي ، ونشدان الطمأنينة والسعادة للإنسانية ، والإخاء ، والحرية ، والمساواة ، والبر والإحسان . وهذه نظيرة وسائل الترغيب الثلاثة التي تنتحلها الماسونية : "الحرية ، والإخاء ، والمساواة" أو : "السلام ، والرحمة ، والإنسانية" وذلك بالدعوة إلى "الروحية الحديثة" القائمة على تحضير الأرواح ، روح المسلم ، وروح اليهودي ، وروح النصراني ، وروح البوذي ، وغيرهم ، وهي من دعوات الصهيونية العالمية الهدامة .. (إلى آخر كلامه) ..
ثم قال بعد هذا الكلام بفقرات "إن الدعوة إلى هذه النظرية الثلاثية : تحت أي من هذه الشعارات : إلى توحيد دين الإسلام الحق الناسخ لما قبله من الشرائع ، مع ما عليه اليهود والنصارى من دين دائر كل منهما بين النسخ والتحريف ، هي أكبر مكيدة عُرفت لمواجهة الإسلام والمسلمين اجتمعت عليها كلمة اليهود والنصارى بجامع علتهم المشتركة : "بغض الإسلام والمسلمين" . وغلفوها بأطباق من الشعارات اللامعة ، وهي كاذبة خادعة ، ذات مصير مروع مخوف . فهي في حكم الإسلام : دعوة بدعية ، ضالة كفرية ، خطة مأثم لهم ، ودعوة لهم إلى ردة شاملة عن الإسلام ؛ لأنها تصطدم مع بدهيات الاعتقاد ، وتنتهك حرمة الرسل والرسالات ، وتبطل صدق القرآن ، ونسخه ما قبله من الكتب ، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع ، وتبطل ختم نبوة محمد والرسالة المحمدية - عليه الصلاة والسلام - فهي نظرية مرفوضة شرعاً ، محرمة قطعاً بجميع أدلة التشريع في الإسلام من كتاب وسنة ، وإجماع ، وما ينطوي تحت ذلك من دليل ، وبرهان" (انتهى كلامه رحمه الله) ..
التناقضات !!
نحن نتذكّر عندما كان السادات كافراً وخائناً للأمة حينما وضع يده في يد يهود ليعقد معهم معاهدة السلام المخزية !! ذلك الكافر المرتد الخائن الجبان .... إلى آخر تلك الألفاظ والأحكام التي أطلقها علماء نجد !! الآن وقد مد الأعرابي يده لليهود مستعطفاً ومستجدياً نظرة حنان من "بيريز" ، أصبح "الأعرابي" سياسياً بارعاً ومجدداً في فقه السياسة الشرعية على مستوى الأمة الإسلامية !!
نتذكّر عندما أفتى العلماء بكفر وردّة الرافضة الذين يسبّون الصحابة ويكفرونهم ويرمون أمهات المؤمنين بالفاحشة ، هؤلاء الرافضة الذين أفتى (22) من كبار العلماء بكفرهم وفسقهم قبل أيام قليلة ليجتمع بهم الإمام "الأعرابي" الملهم فيصبح رمزاً للتوافق والتضامن بين مختلف الأطياف "الإسلامية" !!
نحن نتذكّر الأيام الخوالي عندما كان اليهود والنصارى أعداء للدين والملّة ليصيّرهم "الأعرابي" إخوة لنا في الإنسانية وشركاء لنا في حوار الأديان وأصدقاء أعزاء وأولياء يقاتلون معنا الإرهاب والفئات الباغية !!
نتذكّر ذلك الزمان السحيق حينما كان بعض "السلفيون الأثريون حاملي لواء أهل السنة والجماعة" من "أتباع" دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب التي هي امتداد لمدرسة شيخ الإسلام ابن تيمية ، هؤلاء الذين كانوا يلمزون ويطعنون في جماعة "الإخوان المسلمين" ويرمونهم بالتساهل مع أعداء الله وعدم إيمانهم بعقيدة الولاء والبراء والحب والبغض في الله !! نتذكّر أنهم كانوا يُنكرون على الأزهر اتصالاته بالفاتيكان !! نتذكّر إنكارهم الشديد على "الإخوان" لتقرّبهم إلى الرافضة !! نتذكّر رميهم "الإخوان" بتمييع الدين من خلال التساهل في الحوار مع أعداء الأمة من النصارى !! نتذكّر كل هذا ثم نرى اليوم ما يفعل "الإمام الملهم" و"الحكيم المعظّم" شيخ الإسلام وإمام المسلمين الأعرابي "أبو متعب" !!
لو عقدنا مقارنة بين الألفاظ التي أضفيت على "الأعرابي" بعد موالاته للنصارى ومد يده لليهود واحتضانه للرافضة ودعوته لحوار الأديان ، لو قارنا بعض هذا بكل ما فعله الإخوان ، لحق لهؤلاء أن يقولوا بأن الإخوان قاب قوسين أو أدنى من أن يصبحوا ملائكة !! لاكن : يبقى الإخوان هم "الإخوان" ويبقى أبو متعب هو "الملك الملهم المجدد الموحّد" !!
الشمري !!
يعجب البعض من خروج الشمّري في الفضائيات مندداً بالمجاهدين ومتهماً لهم بكل أنواع الكذب ومحرضاً عليهم في كل القنوات !! ويعجب المرء عندما يسمع بأن أحد شيوخ شمّر في جزيرة العرب ذهب إلى مسجد للرافضة في المنطقة الشرقية ليصلّي فيه مع أبناء قبيلته خلف إمام رافضي عنواناً للصداقة الجديدة بين "شمّر" والرافضة ، تلك الصداقة الممتدة من سهول كردستان شمالاً إلى حدود قطر جنوبا !! وللمرء أن يتسائل : لماذا ظهرت هذه الصداقات بين "شمّر" وبين الرافضة في عهد "عبد الله بن عبد العزيز" ولم تظهر من قبل !! ربما يزول العجب إذا علمنا أن والدة "عبد الله بن عبد العزيز" هي السيدة ..... بنت العاصي بن كليب بن شريم الشمّري (رحمها الله) ، فهناك علاقة نسب بين شمّر وبين الجهل والخيانة المتمثلة في "مجدد روح العمالة" لليهود والنصارى الملك "عبد الله بن عبد العزيز" مخرّب مسعى الحرم وصديق الرافضة الجديد الداعي لحوار الأديان !!
أزمة الدعوة السلفية في عصرنا الحاضر
قرأت رسالة صغيرة بعنوان " أزمة الدعوة السلفية في عصرنا الحاضر" لكاتبه " عبدالله بن مبارك" وذكر "مدرسة السلفية الجهادية" وجعلها رابع المدارس "السلفية" ، ثم ذكر مآخذاً عليها ، فقال :
1- قلّة العلم فيهم ، مع أنهم أحوج ما يكونون إلى العلم ، لكثرة المواقف والنوازل التي تعترضهم ، ولأن القتل والقتال لا ينبغي أن يقدم عليه أحدٌ إلاّ على علم ويقين وبصيرة ، لعظم أمر الدماء والحقوق والأعراض .
ولعل من أعظم أسباب قلة العلم فيهم أن عامّة من ينهض إلى الجهاد من المسلمين في زماننا هذا هم من العوام وأشباه العوام ، وأن من استجاب لداعي الجهاد من طلاب العلم قليل ، وأما العلماء فنادر ، وهذه مصيبة عظيمة في الدين ، خصوصاً أنه ليس في تقاعس هؤلاء من عذر - مع أنهم أولى الناس به - غير حب الدنيا ، وكراهية الموت ، وجور السلطان ، والله المستعان .
2- قولهم بأن الجهاد القائم في زماننا فرض عين على جميع الأمة ، فيه تحريج على المسلمين ، وتأثيم لهم ، وليس هو بالقول الراجح والله أعلم ، وإنما القول الراجح أن هذا الجهاد اليوم فرض كفاية إلاّ على أهل البلاد التي احتلها الأعداء ففرض عين ، فإن عجزوا عن دفع العدو عنهم فعلى من جاورهم وهكذا ، إنما يتعيّن إمدادهم بالمال والسلاح على جميع الأمة حتى يتمكّنوا من صد أعدائهم ودحرهم عن بلادهم .
وهم – والله أعلم – إنما يصرون على كون هذا الجهاد فرض عين لسببين :
أ – لرفع الحرج عن كثيرٍ من المجاهدين الذين لم يأذن لهم ولاة أمرهم من الوالدين والحكام بالجهاد ، ولو قالوا بكفايته لوجب طاعة الوالدين وولاة الأمر في عدم الخروج إليه ، مما يكون سبباً في تعطيل الجهاد ، مع العلم أن منعهم لهم عن الجهاد – في الغالب – ليس لحاجتهم إليهم ، ولا لأمر شرعي آخر ، وإنما لحب الدنيا ، وضعف الإيمان ، وتحكم السياسة .
ب – لأن أكثر الذين نهضوا إلى الجهاد من المسلمين ، من بلدان بعيدة عن أرض الجهاد ، ولو قيل بكفايته ، فلربما قلل ذلك من حماسهم ، وأضعف عزائمهم ، فرجع كثير منهم .
وعلى كلٍّ فهما قولان للعلماء ، ولكن الذي عليه جمهورهم اليوم هو ما ذكرناه .
3- ومن المآخذ عليهم قيامهم بقتال الأعداء المحاربين من الكفار في بلدان إسلامية بينها وبين هؤلاء الأعداء عهود ومواثيق ، فهم وإن كانوا محاربين للمسلمين في بلد فإنهم معاهدون في بلد آخر .
وقد عدّ كثير من العلماء – اليوم – قتال المجاهدين لهم في البلد المعاهد لهم عدواناً على ذلك البلد المسلم ، وخروجاً وبغياً على ولاة الأمر فيه ، وهذا بناءً على القول بأن كل دولة من دول المسلمين مستقلّة عن الأخرى ، ولها معاهداتها وعلاقاتها المستقلّة عن غيرها من الدول الإسلامية ، فلا يلزمها – على هذا القول – ما يلزم غيرها من الدول الإسلامية المعتدى عليها فيما يتعلق بجهاد أعدائها .
أما المجاهدون فيصرّون على القول بأن الأمة الإسلامية واحدة أمام أعدائها ، وإن تعدّدت دولها وتعدّدت علاقاتها ، وأن واجب الجهاد العيني فرض على كل مسلم قادر وليس على أهل البلد المحتلّ وحده .
ولهم أن يقولوا بذلك إذا تقرّر عند علمائهم ، ولكن ليس لهم أن يفرضوه بالقوّة على غيرهم من المسلمين ، فينتج عن ذلك قتال وسفك دماءٍ بين المسلمين أنفسهم ، مما يزيد الأمة فرقةً وتمزيقاً ." (انتهى كلامه) ..
أقول : هناك الكثير من المقالات والكتب التي كتبت عن المجاهدين ، وقد أعرضنا عن أكثرها لأنها واضحة البطلان ، أما هذه الرسالة الصغيرة التي تقع في قرابة الستين صفحة فهي في ظاهرها رسالة موضوعية ، وكاتبها تحرى الدقة في الحكم على المدارس الأربعة التي ذكرها في رسالته ، ولعله أراد حقا النصح وجمع الكلمة بكتابته هذه الرسالة الجميلة ، ولكنه أبعد النجعة حينما ذكر هذه المآخذ على المجاهدين ، فهذه مآخذ لا تستقيم وموضوعيته في الرسالة .. ولعلنا نبين للأخ الكريم حقيقة ما ذكر من المآخذ :
المأخذ الأول : كونه لا يوجد علماء بين المجاهدين !!
هذا الكلام غريب جداً ، فمن المعلوم أن "طالبان" تعني في لغة الأفغان "طلبة العلم الشرعي" أي أن (أكثر) جيش الإمارة الإسلامية من "طلبة العلم الشرعيين" ، وقادة هذا الجيش من المولوية ، والمولوي كلمة أفغانية تعني "العالم الذي تخرج من جامعة إسلامية" ، فأين النقص في العلماء !! نحن مع الكاتب في عتابه على كثير من علماء الجزيرة وبلاد العرب الذين لم يخرجوا للجهاد ، ولكن يجب أن يعلم الكاتب وغيره بأن هناك علماء خارج جزيرة العرب أيظا ، وأن الله لا يُكرم العلماء المتثاقلين ويقدّمهم على العلماء المجاهدين لكونهم عربا ، فالأمر ليس قطرياً أو شعوبياً .. إن الله يستبدل العرب بالعجم إن تخاذل العرب عن نصرة الدين ، والتاريخ خيرا شاهد .. أقول هذا وأنا على علم بأن هناك علماء وطلبة علم بين المجاهدين في أفغانستان والشيشان والعراق وكشمير والصين وفلسطين وغيرها من ثغور المسلمين .. فكلام الأخ الكريم هذا عار عن الصحة ولا يمت للواقع بصلة .. أما إن كان يقصد بأن علماء المجاهدين ليس لهم مؤلفات شرعية بحجم أعمالهم ، فهذا صحيح ، والسبب في ذلك أنهم مشغولون بجهاد العدو بالسنان ، فليس عندهم الوقت الكافي لكتابة المجلدات الكبيرة ، وحسبهم رسائل صغيرة يحرضون فيها المسلمين ويردون على بعض الشبهات التي كان من الأولى أن يشتغل بها العلماء القاعدون ..
المأخذ الثاني: قول المجاهدين بتعيين فريضة الجهاد
الكاتب طعن في المجاهدين طعناً بليغاً من حيث لا يدري ، فهو ذكر سببين لقول المجاهدين بفرض العين ، وكأن المجاهدين موقنون بأن الجهاد فرض كفاية ، وإنما أفتوا بفرض العين ليحققوا مآربهم !! وهذا اتهام خطير جداً في نيّة المجاهدين لا ينبغي أن يصدر من إنسان يتحرى الموضوعية والحيدة ويزعم إرادة النصح للمسلمين .. ثم إن كلام الكاتب في بداية رسالته ينقض هذا المأخذ من أساسه ، فقد قال "ومعالم مذهب أهل السنة والجماعة أو أهل الحديث أو السلفية بارزة ظاهرة ، وطريقته بيّنة واضحة ، ومن أهم معالمه .... 3- تقديم النص الصحيح الصريح على الرأي والعقل ، فلا رأي مع النص ، وتقديم أقوال السلف على أقوال الخلف ، لقربهم من صفاء الإسلام وجوهره ، ولبعدهم عن التكلّف ، ولعمق علمهم ، وصحة مقاصدهم ، وقوة فهمهم" ، فهو يذكر هنا بأن كلام السلف مقدم على كلام الخلف ، ويذكر بأن القول بكون الجهاد فرض كفاية يخالف قول "جمهور العلماء اليوم" ، ونسي أو تناسى أن يذكر أن علماء السلف مُجمعون على أن الجهاد يتعين إذا دخل العدو بلاد المسلمين أو همَّ بدخولها !! والغريب أنه قال في نفس المأخذ "وإنما القول الراجح أن هذا الجهاد اليوم فرض كفاية إلاّ على أهل البلاد التي احتلها الأعداء ففرض عين ، فإن عجزوا عن دفع العدو عنهم فعلى من جاورهم وهكذا" ، فمعنى كلامه هذا أنه يعلم بأن الجهاد يعم أهل الأرض إن لم يكن لأهل البلد قدرة على صد العدو ، وهذا مجمع عليه أيظاً ، فهلّا أخبرنا الكاتب إن كان الذين في العراق وفلسطين وأفغانستان والشيشان وكشمير والصين والفلبين - وغيرها من الثغور - حصلت بهم الكفاية !! لعل الكاتب يعلم بأن إجماع السلف لا ينقضه إجماع من بعدهم ، وهو يقول : بأننا نقدم أقوال السلف على الخلف ، ويقول بأن فرض العين يعم ، ثم يقول بأن الجهاد فرض كفاية !! فهل هذا مأخذ على المجاهدين أم على الكاتب هدانا الله وإياه !! ثم ليسأل الكاتب جمهور العلماء الذين يقصدهم : لماذا كان الجهاد ضد السوفييت في أفغانستان فرض عين !! ما هي العوامل التي تغيّرت بين الجهاد الأول والثاني !! لعلنا نخبر الكاتب بهذا السر الخطير ، فنقول : المجاهدون هم هم ، والأرض هي هي لم تتغير وإنما ذهب الروس وأتى الأمريكان ، فهذا كل ما تغير ، تغيرت الفتوى بتغيّر العدو النصراني إلى عدو نصراني !!
ثم سؤال أخير للكاتب : من هم جمهور العلماء الذين تعنيهم !! إن كنت تقصد علماء أمة الإسلام فدعواك هذه فيها مجازفة كبيرة ، فهناك أكثر من ألف عالم في أفغانستان وحدها أفتوا بأن الجهاد فرض عين على الأمة ، فليسمٍ لنا الأخ الكريم ألف عالم – على الأقل – أفتوا بما قال !! فإن لم يجد فليسمٍ لنا خمسمائة أو حتى مائة عالم قالوا بما يقول !!
الحقيقية أن كل من تكلم في هذه المسألة تخبّط مثل هذا التخبّط ، ذلك أن نصوص علماء السلف واضحة جليّة في هذه مسألة العدو الصائل وتعميم فرض العين إن لم تحصل الكفاية ..
المأخذ الثالث : قتال الكفار في بلاد المسلمين
لا أدري كيف يكون هذا مأخذاً على المجاهدين !! هناك معاهدات بين كرزاي والمالكي وبين أمريكا ، ومعاهدات بين محمود عباس وبين اليهود ، ومعاهدات بين الرئيس الشيشاني وبين الروس ، فهل هذه المعاهدات ملزمة !! ينبغي النظر في طبيعة المعاهدة وشرعيتها قبل إلزام المسلمين بها ، هات لنا عالم واحد فقط من علماء السلف يقول بمشروعية معاهدة يستضيف فيها بلد إسلامي جيوش نصرانية يزودها بالمال والعتاد لقتل المسلمين في بلد أخرى !! مقالة الكاتب تتكلم عن "السلفية" ، أي : الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ، فهل يستطيع هذا الكاتب أو جميع العلماء الذين ينتمون اليوم إلى "السلفية" أن يأتونا بقول عالم واحد من علماء السلف (وقد ذكر كاتب الرسالة جملة من أسماء علماء السلف في رسالته) ، عالم واحد فقط قال في جملة صغيرة - أو نصف جملة أو سدسها - بما يقول هؤلاء العلماء الذين خالفوا المجاهدين !!
أما ما قاله الكاتب في نهاية المأخذ فأمر محيّر !! قال " ولهم [أي : للمجاهدين] أن يقولوا بذلك إذا تقرّر عند علمائهم ، ولكن ليس لهم أن يفرضوه بالقوّة على غيرهم من المسلمين ، فينتج عن ذلك قتال وسفك دماءٍ بين المسلمين أنفسهم ، مما يزيد الأمة فرقةً وتمزيقاً" ، فهذا كلام غريب جداً !! كيف تريد من المجاهدين أن يردوا على طائرات العدو التي تنطلق من قواعد عسكرية في جزيرة العرب ، هذه القواعد التي فيها المهندسون والطيارون والجنود النصارى الصائلون ومعداتهم العسكرية !! أتريد من المجاهدين أن يرموا عليهم قصاصات ورق فيها فتواى أو كتب ورسائل علمية أم ماذا !! المجاهدون هم الذين يعانون حمم وقذائف هذه الطائرات التي تنطلق من هذه القواعد ، وجيران القواعد من المسلمين قواعد ، وحياة المجاهد أهم من حياة القاعد كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية ، والأولى والأصل أن ينتدب أبناء تلك البلاد لهدم هذه القواعد على رؤوس من فيها من النصارى الحربيين لا أن يدافعوا عنها بإصدار فتاوى تحقن دماء الكفار وتجرّم المجاهدين في سبيل الله !! أين في كتب السلف وعقائدهم جواز وجود قواعد عسكرية لجيوش نصرانية في قلب الجزيرة العربية !! أهذه هي السلفية !! هل قال أحد من السلف بجواز عقد معاهدة مع النصارى يبقى بموجبها خمسون ألف جندي نصراني في جزيرة العرب بطائراتهم ودباباتهم وصواريخهم ويحرس هذه القواعد أبناء المسلمين ، يحمونها من ضربات المجاهدين !! هل يرضى أبو بكر أو عمر أو عثمان أو علي أو طلحة أو الزبير أو أبو عبيدة أو سعد بن أبي وقاص أو عبد الرحمن بن عوف أو غيرهم من الصاحبة والتابعين وتابعيهم (رضي الله عنهم أجمعين) بهذه الفتاوى التي تُنسب إليهم زوراً وبهتاناً بإسم "السلفية" !! هل يتخيّل مسلم أن يرضى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بتواجد جيوش قيصر في تبوك أو نجد أو بين جبال الحجاز !!
الرئيس يهوذا كرزاي المالكي
يروي الإنجيل المحرّف الذي عند النصارى قصة "يهوذا" الذي كان أحد حواريي عيسى عليه السلام ، وكيف أن هذا الرجل خان أستاذه ودلّ الرومان عليه مقابل قليل من المال ليصبح بعده "يهوذا" رمزاً للخيانة والعمالة والإنحطاط في التراث النصراني ، فتجد النصارى يطلقون على كل خائن لقب "يهوذا" .. هذه الكلمة استخدمها أحد الكتاب الأمريكيون في موقع أمريكي مزج فيها بن الإعتزاز والسخرية ليصف كرزاي أفغانستان ومالكي العراق فيقول "ليس يهوذا حكراً على التراث النصراني ، فلقد أوجدنا نسخاً طبق الأصل ليهوذا في العالم الإسلامي" .. الحقيقة أن هذا الكاتب الأمريكي قليل الثقافة لأنه لا يعرف الدول العربية وحكوماتها ، فمعظم هذه الزعامات أوجدتها أوروبا (بريطانيا وفرنسا وإيطاليا) ، والفرق بين الزعامات الأوروبية والزعامات الأمريكية في دولنا العربية : أن امريكا تريد نتائج سريعة واضحة ، أما أوروبا فتختفي خلف الستار وتنتظر النتائج بصبر وطول بال .. ولعل هذا الأمريكي لا يعرف تاريخ بلاده ولا واقعه ، فبريطانيا لما سحبت جيوشها بعد حرب الإستقلال الأمريكي : لم تنهي مصالحها في أمريكا ، فالبريطانيون كانوا – ولا زالوا – أكبر المستثمرين والمستفيدين من خيرات أمريكا ، فهم تركوا أمريكا عسكريا ولكن لم يتركوها اقتصاديا ، وهذا ما فعله البريطانيون والفرنسيون في الدول العربية ، وهذا ما تريد أمريكا فعله الآن .. إن الأوروبيون لم يأتوا بيهوذا "الغبي" ، بل أتوا بيهوذا "الخفي" الذي يعطيهم ما يريدون ويفعل ما يأمرون دون علم الرعية !! وخطأ الأوروبيون يقع أحياناً في اختيار بعض الأغبياء لدرجة تفقع مرارة الأوروبيين أنفسهم ، وهذا ما ورثه الأمريكان منهم ، ولذلك يريد الأمريكان خلق "فوضى خلّاقة" في بلاد العرب للتخلص من بعض هؤلاء الأغبياء ، فبدأوا بصدّام ..
تبع
تأملات في الواقع (10)
الدرع التكفيري !!
أمريكا تحاول أن تبني منظومة صاروخية في بعض بلاد أوروبا الشرقية لصد أي هجمات محتملة من قِبل أعدائها الروس أو الصينيون أو الكوريون ، وهذا المشروع يسمى "الدرع الصاروخي" ، وعندنا مشروع في عالمنا العربي اسمه "الدرع التكفيري" وهو مشروع مماثل لمشروع أمريكا ، ولكنه أكثر تعقيداً منه وتطوراً !! فكرة هذا الدرع تجمع بين الصدّ والإستباقية ، وبرنامجه السري هو : الدفاع عن البعيد ليسلم القريب .. فأنت إذا حاولت تكفير المُجمع على كفره كالنصيري "بشّار" أو المرتد "زين العابدين" أو المعتوه "القذافي" فإن صواريخ الفتاوى السلطانية تنطلق من قواعدها لتصد هذه القذائف التكفيرية ، لا للدفاع عن هؤلاء بعينهم ، ولكن لحماية من خلفهم .. فهؤلاء المذكورين يشكلون خطوطاً أمامية لحكام جزيرة العرب عامة ، وحاكم الرياض خاصة ، فهم لو سلّموا لك بتكفير حاكم عربي فهذا يؤدي إلى تقويض حصن من حصونهم ، وبالتالي الولوج من خلاله للهجوم على قلعة الحصن في نجد ، فلو حاولت تكفير أي حاكم عربي لرأيت قوات التدخل السريع تحيط بك من جميع الجوانب وتقذف عليك حمم الفتاوى السلطانية المحمّلة برؤوس المصطلحات النووية التي منها الإرهاب والراديكالية والتكفيرية والخارجية ..
توسعة الحرم !!
هل يحتاج الحرم إلى توسعة !! لعله كذلك ، ولكن لماذا تُزال مئات البيوت والأوقاف والبنايات في الجهة الشامية - التي لم تضق بالمصلين - من أجل توسعة الحرم !! أليس الأولى والأفضل إزالة بيت واحد في الجهة الجنوبية من الحرم بدل كل هذه البيوت !! إن الضيق في الحرم هو في المنطقة الجنوبية فقط ، وهي منطقة جبل أبي قبيس الذي كان عليه مسجد بلال رضي الله عنه ، فلماذا لا يُزال هذا البيت الكبير الذي ضيّق على المسلمين ، وتزال بدلاً منه بيوتاً وأوقافاً قائمة منذ مئات السنين !!
توسعة المسعى !!
قبل أن يعمل الأعرابي "عبد الله بن عبد العزيز" على إنشاء المسعى الجديد ، طلب فتوى من هيئة كبار العلماء ، فأفتت بالغالبية المطلقة (17 مقابل 2) بعدم جواز توسعة المسعى كما يريد الملك .. ولكن "ابن عبد العزيز" شرع في التخطيط قبل الفتوى بزمن ، وشرع ببناء المسعى وإغلاق القديم بعد صدور الفتوى ، فأي قيمة لهذه الفتوى وأي قيمة لـ "رئاسة البحوث العلمية والإفتاء : الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء" بعد هذا الفعل !! اللجنة تقول في فتواها الصادر بتاريخ (22 – 2 – 1427هـ) "العمارة الحالية للمسعى شاملة لجميع أرضه ، ومن ثم فإنه لا يجوز توسعتها ، ويمكن عند الحاجة حل المشكلة رأسياً بإضافة بناء فوق المسعى" (انتهى) ، ومعنى هذا الكلام أن "عبد الله" بنى المسعى الجديد خارج حدود المسعى الشرعي ، وأغلق المسعى الشرعي الذي سعى فيه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وملايين الملايين من المسلمين لأربعة عشر قرناً ، كل هذا فعله "عبد الله" لأنه لا يريد أن يرفع المسعى أفقياً ، فهذا قد يجعل بيت الله الحرام موازياً لسور البيت الذي على جبل أبي قبيس والعياذ بالله ، وهذا – في نظره – لا يجوز شرعاً لأن للبيوت حرمات !! طبعاً : سمعنا تصفيقاً وتهليلاً لفعل هذا الملك "المجدد" وقراره الجريء ، ونقول لهؤلاء المصفقين الذين أفتوا بجواز التوسعة : فكّروا قليلاً قبل التصفيق ، فأنتم إن كنتم على خطأ فإنكم تُفسدون على ملايين الملايين من المسلمين ركناً من أركان دينهم ، وتحملون وزر كل مسلم يسعى في مسعى "عبد الله بن عبد العزيز" إلى يوم القيامة ، أليس الأولى أن تتوقفوا لثوان فقط وتفكروا في الأمر قبل التسرّع في التصفيق والتهليل لولي أمركم !! أليس الأولى أن تقولوا لهذا الأعرابي الذي يريد إفساد حج الناس وعمرتهم : ارفع المسعى أفقياً وارفع قبله سور بيتك الذي على جبل أبي قبيس حتى لا يرى المسلمون ما تُحدِث بداخله !! أليس هذا أولى !! ألا تخافون قول الله تعالى – وقد أغلق الأعرابي مسعى الناس ومنعهم من السعي في المكان الذي سعى فيه نبيهم وأفسد عليهم عبادتهم – {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (البقرة : 114) ، أو أن تكونوا ممن قال الله فيهم {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} (الزخرف : 54) ، بعد أن قال لكم هذا الأعرابي {... مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} (غافر : 29) ..
الدعوة لحوار الأديان !!
بالأمس قال بأنه يريد عقد سلام دائم مع اليهود ، وبعده هدم المسعى ودمّر بيوت الناس وأوقاف المسلمين ليسلم بيته ، واليوم يدعو لحوار الأديان والتعايش السلمي مع اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار ، فما حقيقة هذا الحوار !! وبأي لغة سيخاطب هذا الأعرابي جموع المحاورين !! نحن نعلم أنه بالكاد يقرأ العربية ، وقطعاً لا يُحسن الإنجليزية أو أي لغة غربية ، فبأي لغة سيخاطب الجموع !!
لا إخوانه من قبله ولا أبوه دعوا لحوار الأديان ، فمن أين أتانا هذا بهذه الفكرة !! نحن نعلم أنه لا يعرف معنى مصطلح "حوار الأديان" فمن يا ترى لقّنه هذا المصطلح !!
خير من كَتب في أصل هذه الدعوة ونقضها هو العلامة الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله وغفر له في كتابه القيّم "الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان" ، فينغي الإطلاع عليه وعلى كتابه الآخر "خصائح جزيرة العرب" ، ولو أن أحداً من العلماء جلس مع "عبد الله" ليشرح له الكتابين بأسلوب بدوي بسيط حتى يستوعب ما فيهما ، لا ليعمل بهما فهذا بعيد ، ولكن لتقوم عليه الحجة بالعلم ، فلعله يكون جاهلاً ببعض الأحكام الشرعية الدقيقة التي تغيب عن مثله !! ولا نريد أن يكون هذا العالِم من "هيئة كبار العلماء" فهو لا يقيم لها وزناً كما ظهر ذلك جليّاً في قضية المسعى .. نريد من هذا العالِم أن يجلس مع هذا الأعرابي ليشرح له فكرة واحد لا غير ، وهي : أن دين الله واحد ، وليس هناك أديان غير دين الإسلام عند الله .. هذا ما نريد أن يفهمه ملك "بلاد التوحيد" ، ولا يضرنا إذا فهم في سنة أو سنتين ، المهم أن يفهم .. ولكي لا يظن أحد بأن هذه الدعوة مجرّدة من المعاني ومستقلة في نفسها ، ننقل هنا كلاماً للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه "الإبطال" ، فقد قال رحمه الله :
"في الربع الأخير من القرن الرابع عشر هجري ، وحتى عامنا هذا 1416 . وفي ظل "النظام العالمي الجديد" : جهرت اليهود ، والنصارى ، بالدعوة إلى التجمع الديني بينهم ، وبين المسلمين ، وبعبارة أخرى : " التوحيد بين الموسوية ، والعيسوية ، والمحمدية " باسم :
" الدعوة إلى التقريب بين الأديان ". " التقارب بين الأديان " . ثم باسم : " نبذ التعصب الديني ".
ثم باسم : " الإخاء الديني " وله : فتح مركز بمصر بهذا الاسم.
وباسم : " مجمع الأديان " وله فتح مركز بسيناء مصر بهذا الاسم.
وباسم : " الصداقة الإسلامية المسيحية " .
وباسم : " التضامن الإسلامي المسيحي ضد الشيوعية " .
ثم أخرجت للناس تحت عدة شعارات :
"وحدة الأديان " . " توحيد الأديان " . " توحيد الأديان الثلاثة " . " الإبراهيمية " . " الملة الإبراهيمية " . " الوحدة الإبراهيمية " . " وحدة الدين الإلهي " . " المؤمنون " . " المؤمنون متحدون " . " الناس متحدون " . الديانة العالمية " . " التعايش بين الأديان " . " المِلّيُون " . " العالمية وتوحيد الأديان " .
ثم لحقها شعار آخر ، هو " وحدة الكتب السماوية " . ثم امتد أثر هذا الشعار إلى فكرة طبع : " القرآن الكريم ، والتوراة ، والإنجيل " في غلاف واحد .
ثم دخلت هذه الدعوة في : " الحياة التعبدية العملية " ؛ إذ دعا " البابا " إلى إقامة صلاة مشتركة من ممثلي الأديان الثلاثة : الإسلاميين والكتابيين ، وذلك بقرية : "أسِيس" في : "إيطاليا" . فأقيمت فيها بتاريخ : 27 / 10 / 1986 م .
ثم تكرر هذا الحدث مرات أخرى باسم : " صلاة روح القدس .
ففي : " اليابان " على قمة جبل : "كيتو" أقيمت هذه الصلاة المشتركة ، وكان - واحسرتاه - من الحضور ممثل لبعض المؤسسات الإسلامية المرموقة .
وما يتبع ذلك ، من أساليب بارعة للاستدراج ، ولفت الأنظار إليها والالتفاف حولها ، كالتلويح بالسلام العالمي ، ونشدان الطمأنينة والسعادة للإنسانية ، والإخاء ، والحرية ، والمساواة ، والبر والإحسان . وهذه نظيرة وسائل الترغيب الثلاثة التي تنتحلها الماسونية : "الحرية ، والإخاء ، والمساواة" أو : "السلام ، والرحمة ، والإنسانية" وذلك بالدعوة إلى "الروحية الحديثة" القائمة على تحضير الأرواح ، روح المسلم ، وروح اليهودي ، وروح النصراني ، وروح البوذي ، وغيرهم ، وهي من دعوات الصهيونية العالمية الهدامة .. (إلى آخر كلامه) ..
ثم قال بعد هذا الكلام بفقرات "إن الدعوة إلى هذه النظرية الثلاثية : تحت أي من هذه الشعارات : إلى توحيد دين الإسلام الحق الناسخ لما قبله من الشرائع ، مع ما عليه اليهود والنصارى من دين دائر كل منهما بين النسخ والتحريف ، هي أكبر مكيدة عُرفت لمواجهة الإسلام والمسلمين اجتمعت عليها كلمة اليهود والنصارى بجامع علتهم المشتركة : "بغض الإسلام والمسلمين" . وغلفوها بأطباق من الشعارات اللامعة ، وهي كاذبة خادعة ، ذات مصير مروع مخوف . فهي في حكم الإسلام : دعوة بدعية ، ضالة كفرية ، خطة مأثم لهم ، ودعوة لهم إلى ردة شاملة عن الإسلام ؛ لأنها تصطدم مع بدهيات الاعتقاد ، وتنتهك حرمة الرسل والرسالات ، وتبطل صدق القرآن ، ونسخه ما قبله من الكتب ، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع ، وتبطل ختم نبوة محمد والرسالة المحمدية - عليه الصلاة والسلام - فهي نظرية مرفوضة شرعاً ، محرمة قطعاً بجميع أدلة التشريع في الإسلام من كتاب وسنة ، وإجماع ، وما ينطوي تحت ذلك من دليل ، وبرهان" (انتهى كلامه رحمه الله) ..
التناقضات !!
نحن نتذكّر عندما كان السادات كافراً وخائناً للأمة حينما وضع يده في يد يهود ليعقد معهم معاهدة السلام المخزية !! ذلك الكافر المرتد الخائن الجبان .... إلى آخر تلك الألفاظ والأحكام التي أطلقها علماء نجد !! الآن وقد مد الأعرابي يده لليهود مستعطفاً ومستجدياً نظرة حنان من "بيريز" ، أصبح "الأعرابي" سياسياً بارعاً ومجدداً في فقه السياسة الشرعية على مستوى الأمة الإسلامية !!
نتذكّر عندما أفتى العلماء بكفر وردّة الرافضة الذين يسبّون الصحابة ويكفرونهم ويرمون أمهات المؤمنين بالفاحشة ، هؤلاء الرافضة الذين أفتى (22) من كبار العلماء بكفرهم وفسقهم قبل أيام قليلة ليجتمع بهم الإمام "الأعرابي" الملهم فيصبح رمزاً للتوافق والتضامن بين مختلف الأطياف "الإسلامية" !!
نحن نتذكّر الأيام الخوالي عندما كان اليهود والنصارى أعداء للدين والملّة ليصيّرهم "الأعرابي" إخوة لنا في الإنسانية وشركاء لنا في حوار الأديان وأصدقاء أعزاء وأولياء يقاتلون معنا الإرهاب والفئات الباغية !!
نتذكّر ذلك الزمان السحيق حينما كان بعض "السلفيون الأثريون حاملي لواء أهل السنة والجماعة" من "أتباع" دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب التي هي امتداد لمدرسة شيخ الإسلام ابن تيمية ، هؤلاء الذين كانوا يلمزون ويطعنون في جماعة "الإخوان المسلمين" ويرمونهم بالتساهل مع أعداء الله وعدم إيمانهم بعقيدة الولاء والبراء والحب والبغض في الله !! نتذكّر أنهم كانوا يُنكرون على الأزهر اتصالاته بالفاتيكان !! نتذكّر إنكارهم الشديد على "الإخوان" لتقرّبهم إلى الرافضة !! نتذكّر رميهم "الإخوان" بتمييع الدين من خلال التساهل في الحوار مع أعداء الأمة من النصارى !! نتذكّر كل هذا ثم نرى اليوم ما يفعل "الإمام الملهم" و"الحكيم المعظّم" شيخ الإسلام وإمام المسلمين الأعرابي "أبو متعب" !!
لو عقدنا مقارنة بين الألفاظ التي أضفيت على "الأعرابي" بعد موالاته للنصارى ومد يده لليهود واحتضانه للرافضة ودعوته لحوار الأديان ، لو قارنا بعض هذا بكل ما فعله الإخوان ، لحق لهؤلاء أن يقولوا بأن الإخوان قاب قوسين أو أدنى من أن يصبحوا ملائكة !! لاكن : يبقى الإخوان هم "الإخوان" ويبقى أبو متعب هو "الملك الملهم المجدد الموحّد" !!
الشمري !!
يعجب البعض من خروج الشمّري في الفضائيات مندداً بالمجاهدين ومتهماً لهم بكل أنواع الكذب ومحرضاً عليهم في كل القنوات !! ويعجب المرء عندما يسمع بأن أحد شيوخ شمّر في جزيرة العرب ذهب إلى مسجد للرافضة في المنطقة الشرقية ليصلّي فيه مع أبناء قبيلته خلف إمام رافضي عنواناً للصداقة الجديدة بين "شمّر" والرافضة ، تلك الصداقة الممتدة من سهول كردستان شمالاً إلى حدود قطر جنوبا !! وللمرء أن يتسائل : لماذا ظهرت هذه الصداقات بين "شمّر" وبين الرافضة في عهد "عبد الله بن عبد العزيز" ولم تظهر من قبل !! ربما يزول العجب إذا علمنا أن والدة "عبد الله بن عبد العزيز" هي السيدة ..... بنت العاصي بن كليب بن شريم الشمّري (رحمها الله) ، فهناك علاقة نسب بين شمّر وبين الجهل والخيانة المتمثلة في "مجدد روح العمالة" لليهود والنصارى الملك "عبد الله بن عبد العزيز" مخرّب مسعى الحرم وصديق الرافضة الجديد الداعي لحوار الأديان !!
أزمة الدعوة السلفية في عصرنا الحاضر
قرأت رسالة صغيرة بعنوان " أزمة الدعوة السلفية في عصرنا الحاضر" لكاتبه " عبدالله بن مبارك" وذكر "مدرسة السلفية الجهادية" وجعلها رابع المدارس "السلفية" ، ثم ذكر مآخذاً عليها ، فقال :
1- قلّة العلم فيهم ، مع أنهم أحوج ما يكونون إلى العلم ، لكثرة المواقف والنوازل التي تعترضهم ، ولأن القتل والقتال لا ينبغي أن يقدم عليه أحدٌ إلاّ على علم ويقين وبصيرة ، لعظم أمر الدماء والحقوق والأعراض .
ولعل من أعظم أسباب قلة العلم فيهم أن عامّة من ينهض إلى الجهاد من المسلمين في زماننا هذا هم من العوام وأشباه العوام ، وأن من استجاب لداعي الجهاد من طلاب العلم قليل ، وأما العلماء فنادر ، وهذه مصيبة عظيمة في الدين ، خصوصاً أنه ليس في تقاعس هؤلاء من عذر - مع أنهم أولى الناس به - غير حب الدنيا ، وكراهية الموت ، وجور السلطان ، والله المستعان .
2- قولهم بأن الجهاد القائم في زماننا فرض عين على جميع الأمة ، فيه تحريج على المسلمين ، وتأثيم لهم ، وليس هو بالقول الراجح والله أعلم ، وإنما القول الراجح أن هذا الجهاد اليوم فرض كفاية إلاّ على أهل البلاد التي احتلها الأعداء ففرض عين ، فإن عجزوا عن دفع العدو عنهم فعلى من جاورهم وهكذا ، إنما يتعيّن إمدادهم بالمال والسلاح على جميع الأمة حتى يتمكّنوا من صد أعدائهم ودحرهم عن بلادهم .
وهم – والله أعلم – إنما يصرون على كون هذا الجهاد فرض عين لسببين :
أ – لرفع الحرج عن كثيرٍ من المجاهدين الذين لم يأذن لهم ولاة أمرهم من الوالدين والحكام بالجهاد ، ولو قالوا بكفايته لوجب طاعة الوالدين وولاة الأمر في عدم الخروج إليه ، مما يكون سبباً في تعطيل الجهاد ، مع العلم أن منعهم لهم عن الجهاد – في الغالب – ليس لحاجتهم إليهم ، ولا لأمر شرعي آخر ، وإنما لحب الدنيا ، وضعف الإيمان ، وتحكم السياسة .
ب – لأن أكثر الذين نهضوا إلى الجهاد من المسلمين ، من بلدان بعيدة عن أرض الجهاد ، ولو قيل بكفايته ، فلربما قلل ذلك من حماسهم ، وأضعف عزائمهم ، فرجع كثير منهم .
وعلى كلٍّ فهما قولان للعلماء ، ولكن الذي عليه جمهورهم اليوم هو ما ذكرناه .
3- ومن المآخذ عليهم قيامهم بقتال الأعداء المحاربين من الكفار في بلدان إسلامية بينها وبين هؤلاء الأعداء عهود ومواثيق ، فهم وإن كانوا محاربين للمسلمين في بلد فإنهم معاهدون في بلد آخر .
وقد عدّ كثير من العلماء – اليوم – قتال المجاهدين لهم في البلد المعاهد لهم عدواناً على ذلك البلد المسلم ، وخروجاً وبغياً على ولاة الأمر فيه ، وهذا بناءً على القول بأن كل دولة من دول المسلمين مستقلّة عن الأخرى ، ولها معاهداتها وعلاقاتها المستقلّة عن غيرها من الدول الإسلامية ، فلا يلزمها – على هذا القول – ما يلزم غيرها من الدول الإسلامية المعتدى عليها فيما يتعلق بجهاد أعدائها .
أما المجاهدون فيصرّون على القول بأن الأمة الإسلامية واحدة أمام أعدائها ، وإن تعدّدت دولها وتعدّدت علاقاتها ، وأن واجب الجهاد العيني فرض على كل مسلم قادر وليس على أهل البلد المحتلّ وحده .
ولهم أن يقولوا بذلك إذا تقرّر عند علمائهم ، ولكن ليس لهم أن يفرضوه بالقوّة على غيرهم من المسلمين ، فينتج عن ذلك قتال وسفك دماءٍ بين المسلمين أنفسهم ، مما يزيد الأمة فرقةً وتمزيقاً ." (انتهى كلامه) ..
أقول : هناك الكثير من المقالات والكتب التي كتبت عن المجاهدين ، وقد أعرضنا عن أكثرها لأنها واضحة البطلان ، أما هذه الرسالة الصغيرة التي تقع في قرابة الستين صفحة فهي في ظاهرها رسالة موضوعية ، وكاتبها تحرى الدقة في الحكم على المدارس الأربعة التي ذكرها في رسالته ، ولعله أراد حقا النصح وجمع الكلمة بكتابته هذه الرسالة الجميلة ، ولكنه أبعد النجعة حينما ذكر هذه المآخذ على المجاهدين ، فهذه مآخذ لا تستقيم وموضوعيته في الرسالة .. ولعلنا نبين للأخ الكريم حقيقة ما ذكر من المآخذ :
المأخذ الأول : كونه لا يوجد علماء بين المجاهدين !!
هذا الكلام غريب جداً ، فمن المعلوم أن "طالبان" تعني في لغة الأفغان "طلبة العلم الشرعي" أي أن (أكثر) جيش الإمارة الإسلامية من "طلبة العلم الشرعيين" ، وقادة هذا الجيش من المولوية ، والمولوي كلمة أفغانية تعني "العالم الذي تخرج من جامعة إسلامية" ، فأين النقص في العلماء !! نحن مع الكاتب في عتابه على كثير من علماء الجزيرة وبلاد العرب الذين لم يخرجوا للجهاد ، ولكن يجب أن يعلم الكاتب وغيره بأن هناك علماء خارج جزيرة العرب أيظا ، وأن الله لا يُكرم العلماء المتثاقلين ويقدّمهم على العلماء المجاهدين لكونهم عربا ، فالأمر ليس قطرياً أو شعوبياً .. إن الله يستبدل العرب بالعجم إن تخاذل العرب عن نصرة الدين ، والتاريخ خيرا شاهد .. أقول هذا وأنا على علم بأن هناك علماء وطلبة علم بين المجاهدين في أفغانستان والشيشان والعراق وكشمير والصين وفلسطين وغيرها من ثغور المسلمين .. فكلام الأخ الكريم هذا عار عن الصحة ولا يمت للواقع بصلة .. أما إن كان يقصد بأن علماء المجاهدين ليس لهم مؤلفات شرعية بحجم أعمالهم ، فهذا صحيح ، والسبب في ذلك أنهم مشغولون بجهاد العدو بالسنان ، فليس عندهم الوقت الكافي لكتابة المجلدات الكبيرة ، وحسبهم رسائل صغيرة يحرضون فيها المسلمين ويردون على بعض الشبهات التي كان من الأولى أن يشتغل بها العلماء القاعدون ..
المأخذ الثاني: قول المجاهدين بتعيين فريضة الجهاد
الكاتب طعن في المجاهدين طعناً بليغاً من حيث لا يدري ، فهو ذكر سببين لقول المجاهدين بفرض العين ، وكأن المجاهدين موقنون بأن الجهاد فرض كفاية ، وإنما أفتوا بفرض العين ليحققوا مآربهم !! وهذا اتهام خطير جداً في نيّة المجاهدين لا ينبغي أن يصدر من إنسان يتحرى الموضوعية والحيدة ويزعم إرادة النصح للمسلمين .. ثم إن كلام الكاتب في بداية رسالته ينقض هذا المأخذ من أساسه ، فقد قال "ومعالم مذهب أهل السنة والجماعة أو أهل الحديث أو السلفية بارزة ظاهرة ، وطريقته بيّنة واضحة ، ومن أهم معالمه .... 3- تقديم النص الصحيح الصريح على الرأي والعقل ، فلا رأي مع النص ، وتقديم أقوال السلف على أقوال الخلف ، لقربهم من صفاء الإسلام وجوهره ، ولبعدهم عن التكلّف ، ولعمق علمهم ، وصحة مقاصدهم ، وقوة فهمهم" ، فهو يذكر هنا بأن كلام السلف مقدم على كلام الخلف ، ويذكر بأن القول بكون الجهاد فرض كفاية يخالف قول "جمهور العلماء اليوم" ، ونسي أو تناسى أن يذكر أن علماء السلف مُجمعون على أن الجهاد يتعين إذا دخل العدو بلاد المسلمين أو همَّ بدخولها !! والغريب أنه قال في نفس المأخذ "وإنما القول الراجح أن هذا الجهاد اليوم فرض كفاية إلاّ على أهل البلاد التي احتلها الأعداء ففرض عين ، فإن عجزوا عن دفع العدو عنهم فعلى من جاورهم وهكذا" ، فمعنى كلامه هذا أنه يعلم بأن الجهاد يعم أهل الأرض إن لم يكن لأهل البلد قدرة على صد العدو ، وهذا مجمع عليه أيظاً ، فهلّا أخبرنا الكاتب إن كان الذين في العراق وفلسطين وأفغانستان والشيشان وكشمير والصين والفلبين - وغيرها من الثغور - حصلت بهم الكفاية !! لعل الكاتب يعلم بأن إجماع السلف لا ينقضه إجماع من بعدهم ، وهو يقول : بأننا نقدم أقوال السلف على الخلف ، ويقول بأن فرض العين يعم ، ثم يقول بأن الجهاد فرض كفاية !! فهل هذا مأخذ على المجاهدين أم على الكاتب هدانا الله وإياه !! ثم ليسأل الكاتب جمهور العلماء الذين يقصدهم : لماذا كان الجهاد ضد السوفييت في أفغانستان فرض عين !! ما هي العوامل التي تغيّرت بين الجهاد الأول والثاني !! لعلنا نخبر الكاتب بهذا السر الخطير ، فنقول : المجاهدون هم هم ، والأرض هي هي لم تتغير وإنما ذهب الروس وأتى الأمريكان ، فهذا كل ما تغير ، تغيرت الفتوى بتغيّر العدو النصراني إلى عدو نصراني !!
ثم سؤال أخير للكاتب : من هم جمهور العلماء الذين تعنيهم !! إن كنت تقصد علماء أمة الإسلام فدعواك هذه فيها مجازفة كبيرة ، فهناك أكثر من ألف عالم في أفغانستان وحدها أفتوا بأن الجهاد فرض عين على الأمة ، فليسمٍ لنا الأخ الكريم ألف عالم – على الأقل – أفتوا بما قال !! فإن لم يجد فليسمٍ لنا خمسمائة أو حتى مائة عالم قالوا بما يقول !!
الحقيقية أن كل من تكلم في هذه المسألة تخبّط مثل هذا التخبّط ، ذلك أن نصوص علماء السلف واضحة جليّة في هذه مسألة العدو الصائل وتعميم فرض العين إن لم تحصل الكفاية ..
المأخذ الثالث : قتال الكفار في بلاد المسلمين
لا أدري كيف يكون هذا مأخذاً على المجاهدين !! هناك معاهدات بين كرزاي والمالكي وبين أمريكا ، ومعاهدات بين محمود عباس وبين اليهود ، ومعاهدات بين الرئيس الشيشاني وبين الروس ، فهل هذه المعاهدات ملزمة !! ينبغي النظر في طبيعة المعاهدة وشرعيتها قبل إلزام المسلمين بها ، هات لنا عالم واحد فقط من علماء السلف يقول بمشروعية معاهدة يستضيف فيها بلد إسلامي جيوش نصرانية يزودها بالمال والعتاد لقتل المسلمين في بلد أخرى !! مقالة الكاتب تتكلم عن "السلفية" ، أي : الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ، فهل يستطيع هذا الكاتب أو جميع العلماء الذين ينتمون اليوم إلى "السلفية" أن يأتونا بقول عالم واحد من علماء السلف (وقد ذكر كاتب الرسالة جملة من أسماء علماء السلف في رسالته) ، عالم واحد فقط قال في جملة صغيرة - أو نصف جملة أو سدسها - بما يقول هؤلاء العلماء الذين خالفوا المجاهدين !!
أما ما قاله الكاتب في نهاية المأخذ فأمر محيّر !! قال " ولهم [أي : للمجاهدين] أن يقولوا بذلك إذا تقرّر عند علمائهم ، ولكن ليس لهم أن يفرضوه بالقوّة على غيرهم من المسلمين ، فينتج عن ذلك قتال وسفك دماءٍ بين المسلمين أنفسهم ، مما يزيد الأمة فرقةً وتمزيقاً" ، فهذا كلام غريب جداً !! كيف تريد من المجاهدين أن يردوا على طائرات العدو التي تنطلق من قواعد عسكرية في جزيرة العرب ، هذه القواعد التي فيها المهندسون والطيارون والجنود النصارى الصائلون ومعداتهم العسكرية !! أتريد من المجاهدين أن يرموا عليهم قصاصات ورق فيها فتواى أو كتب ورسائل علمية أم ماذا !! المجاهدون هم الذين يعانون حمم وقذائف هذه الطائرات التي تنطلق من هذه القواعد ، وجيران القواعد من المسلمين قواعد ، وحياة المجاهد أهم من حياة القاعد كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية ، والأولى والأصل أن ينتدب أبناء تلك البلاد لهدم هذه القواعد على رؤوس من فيها من النصارى الحربيين لا أن يدافعوا عنها بإصدار فتاوى تحقن دماء الكفار وتجرّم المجاهدين في سبيل الله !! أين في كتب السلف وعقائدهم جواز وجود قواعد عسكرية لجيوش نصرانية في قلب الجزيرة العربية !! أهذه هي السلفية !! هل قال أحد من السلف بجواز عقد معاهدة مع النصارى يبقى بموجبها خمسون ألف جندي نصراني في جزيرة العرب بطائراتهم ودباباتهم وصواريخهم ويحرس هذه القواعد أبناء المسلمين ، يحمونها من ضربات المجاهدين !! هل يرضى أبو بكر أو عمر أو عثمان أو علي أو طلحة أو الزبير أو أبو عبيدة أو سعد بن أبي وقاص أو عبد الرحمن بن عوف أو غيرهم من الصاحبة والتابعين وتابعيهم (رضي الله عنهم أجمعين) بهذه الفتاوى التي تُنسب إليهم زوراً وبهتاناً بإسم "السلفية" !! هل يتخيّل مسلم أن يرضى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بتواجد جيوش قيصر في تبوك أو نجد أو بين جبال الحجاز !!
الرئيس يهوذا كرزاي المالكي
يروي الإنجيل المحرّف الذي عند النصارى قصة "يهوذا" الذي كان أحد حواريي عيسى عليه السلام ، وكيف أن هذا الرجل خان أستاذه ودلّ الرومان عليه مقابل قليل من المال ليصبح بعده "يهوذا" رمزاً للخيانة والعمالة والإنحطاط في التراث النصراني ، فتجد النصارى يطلقون على كل خائن لقب "يهوذا" .. هذه الكلمة استخدمها أحد الكتاب الأمريكيون في موقع أمريكي مزج فيها بن الإعتزاز والسخرية ليصف كرزاي أفغانستان ومالكي العراق فيقول "ليس يهوذا حكراً على التراث النصراني ، فلقد أوجدنا نسخاً طبق الأصل ليهوذا في العالم الإسلامي" .. الحقيقة أن هذا الكاتب الأمريكي قليل الثقافة لأنه لا يعرف الدول العربية وحكوماتها ، فمعظم هذه الزعامات أوجدتها أوروبا (بريطانيا وفرنسا وإيطاليا) ، والفرق بين الزعامات الأوروبية والزعامات الأمريكية في دولنا العربية : أن امريكا تريد نتائج سريعة واضحة ، أما أوروبا فتختفي خلف الستار وتنتظر النتائج بصبر وطول بال .. ولعل هذا الأمريكي لا يعرف تاريخ بلاده ولا واقعه ، فبريطانيا لما سحبت جيوشها بعد حرب الإستقلال الأمريكي : لم تنهي مصالحها في أمريكا ، فالبريطانيون كانوا – ولا زالوا – أكبر المستثمرين والمستفيدين من خيرات أمريكا ، فهم تركوا أمريكا عسكريا ولكن لم يتركوها اقتصاديا ، وهذا ما فعله البريطانيون والفرنسيون في الدول العربية ، وهذا ما تريد أمريكا فعله الآن .. إن الأوروبيون لم يأتوا بيهوذا "الغبي" ، بل أتوا بيهوذا "الخفي" الذي يعطيهم ما يريدون ويفعل ما يأمرون دون علم الرعية !! وخطأ الأوروبيون يقع أحياناً في اختيار بعض الأغبياء لدرجة تفقع مرارة الأوروبيين أنفسهم ، وهذا ما ورثه الأمريكان منهم ، ولذلك يريد الأمريكان خلق "فوضى خلّاقة" في بلاد العرب للتخلص من بعض هؤلاء الأغبياء ، فبدأوا بصدّام ..
تبع
تعليق