لماذا نجحت قطر وفشلت السعودية؟
د. مضاوي الرشيد
26/05/2008السعودية اليوم تحصد ثمار سياسة خارجية فاشلة عمرها ربع قرن. منذ أن اعتبرت القيادة السعودية نفسها اليد اليمني للإمبراطورية الأمريكية وسياستها الخارجية التي بدأت بعد انهيار نظام شاه ايران في عام 1979، خرجت السعودية من دائرة القطب المحايد القادر علي لعب دور بناء في المنطقة العربية او العالم الإسلامي.
الشراكة السعودية ـ الامريكية التي بدأت بتحرير افغانستان من الاحتلال السوفييتي ومن ثم التعاون المفتوح لضرب افغانستان عام 2001 وبعده الموقف المتذبذب من احتلال العراق عام 2003 وما قبله الموقف المؤيد لحصار العراق خلال التسعينات، كلها مواقف أخرجت السعودية من دائرة الحيادية وأدت الي تقليص بل انعدام قدرتها علي تبوؤ منصب القيادة علي الصعيد العربي والاسلامي، حاولت السعودية أن تجمع فصائل متناحرة في فلسطين والعراق من خلال مؤتمرات مكة مستعينة بذلك بثقلها الديني والمادي ولكن دون جدوي، بينما نجد دولة قطر الصغيرة قد انجزت نجاحاّ باهراّ خلال أقل من اسبوع لتوحيد الصف اللبناني واخراج أهله من دوامة الاحتراب والاقتتال الداخلي، عندما وقفت السعودية متفرجة علي تدمير لبنان خلال صيف 2006 سعت قطر من خلال مجلس الأمن لايجاد مخرج او اتفاق علها بذلك تنهي تساقط الصواريخ والقنابل علي لبنان.
أما السعودية فراحت تلوم الضحية ومغامراتها حسب خطابات القيادة الرسمية. وعندما اقترب اللبنانيون من حرب داخلية دموية أطلقت الصحافة السعودية العنان لمنابرها لتدين طرفاّ واحداّ. وساعدتها بذلك فتاوي العلماء الذين استحضروا خلافات عقيدية قديمة ليسقطوها علي وضع سياسي جديد، اصبحت السعودية طرفاّ في نزاعات العرب الداخلية ولم تمنع نفسها عن السقوط في مستنقعات عربية معقدة ومتشابكة،
وبما ان السعودية تطمح لأن تكون القطب المحرك للعالم العربي وجبهة قوية في الخليج تواجه القوة المتصاعدة لايران الا انها لن تجمع العالم العربي وتحشده خلفها ان ظلت طرفاّ في الصراعات الداخلية او أداة لتمرير عمليات سلام فاشلة لا تقبلها الجهات المعنية مباشرة مثل الأطراف الفلسطينية او العراقية والآن اللبنانية، لقد ساهمت السعودية ومن خلفها الولايات المتحدة بالانقسام والشرخ العربي الذي يتبلور اليوم بين معسكرين. احدهما يدعي الاعتدال والآخر يدعي الامتناع، تدهور العلاقات السورية ـ السعودية خلال الاعوام السابقة فتح الباب علي مصراعيه أمام تبلور المعسكرات العربية المتصارعة التي تنضم تحت رايتها دول وأنظمة من الطرفين،
ان ارادات السعودية فعلاّ ان تلعب الدور القيادي الذي تطمح اليه يجب عليها اولاّ ان تنفض الغبار عن سياستها الخارجية وربما تستبدل الطاقم الحالي القديم بطاقم جديد عنده من الحيوية والنضارة ما يجعله يستقطب الرأي العام العربي ليس بالشعارات القديمة عن وحدة الصف واللحمة العربية، بل باجراءات وقرارات تطبق علي الأرض وربما تشتت القيادة السعودية ذاتها وتعدد مصادر القرار داخلياّ هما ما يجعلان السعودية غير قادرة علي توحيد صفها الداخلي قبل ان تخرج للعالم العربي طامحة لقيادته. ان تقلبات السياسة العربية وارتباط حلول المشاكل الداخلية بالوضع الاقليمي والعالمي يتطلبان تغييراّ جذرياّ في السياسة الخارجية السعودية. لن تستطيع السعودية ان تتحول الي محور قوي طالما انها تركض وراء المشاريع الامريكية ومتطلبات الأمن القومي الأمريكي. وطالما ظلت السعودية نفسها رهينة لتعددية مصادر القرار في السعودية ذاتها، ورغم مرور اكثر من عامين علي تولي الملك عبد الله منصبه كملك للبلاد الا انه لم يستطع ولن يستطيع ان يحسم التعددية الداخلية السعودية، اذ انه محور واحد ضمن عدة محاور، كل منها يفرض رأيه وقراره ليس فقط علي السياسة الداخلية، بل ايضاّ علي المواقف من أزمات المنطقة العربية. لقد انهكت القرارات المتضاربة والممارسات المتناقضة الساحة السعودية الداخلية وشلت قدرة السعودية علي لعب دور قيادي علي الساحة العربية. فلا اصلاحات الداخل التي وعد بها الملك تحققت، بل تزايدت عمليات القمع وطالت اصحاب الرأي والأقلام من كتاب وأكاديميين ومدونين علي خلفية وعود وهمية بالانفتاح والحرية والتعددية. وكما هو حال الوضع الداخلي المتردي نجد ان السياسة الخارجية هي ايضاّ رهينة المواقف المتباينة والتصريحات المتناقضة التي تصدر من أقطاب متعددة داخل السعودية والتي لكل منها آلة اعلامية وأقلام تروج لها، وبينما التزمت قطر بمواقف موحدة لأن سياستها لا تدار من قبل أطراف متناقضة ومتناحرة نجد السعوية تغرق في تصريحات متباينة تصدر من قبل أقطاب متعددة داخل قيادتها. احادية القرار الخارجي في قطر تقابلها تعددية هدامة في السعودية قلصت من قدرة السعودية علي الخروج من دوامة التناحر الداخلي والتباين في المواقف ازاء الأزمات العربية المتكررة.
ان الدولة المركزية التي بناها الملك فيصل خلال الستينات والسبعينات لنا عليها الكثير من المآخذ ولكن يبدو ان هذه الدولة استطاعت ان تحد من التناقضات السياسية خاصة في العلاقات الخارجية. حينها كان العالم يعرف المحور الأساسي المحرك للسياسة الداخلية والخارجية السعودية، أما اليوم فنحن امام حالة جديدة أبرز معالمها تشرذم القرار السعودي الداخلي الذي وقع فريسة لتصارع الأمراء في مرحلة التسابق الي الوصول الي أعلي مركز في الدولة، الدولة السعودية اليوم هي أشبه ما تكون بقبيلة دون رأس رغم كل المحاولات والشعارات وطقوس الوحدة المزيفة التي تستحضرها القيادة السعودية في مهرجاناتها وطقوسها المعروفة.
ان كانت دولة ما لها من الموارد والثروة كالسعودية تطمح في قيادة العالم العربي او لعب دور اكبر في حل قضاياه العالقة والمستعصية فيجب عليها ان تتحول الي مسار تقنين السلطة وحصرها بيد طاقم واحد وليس تفكيك مسارها من خلال تدخل شريحة كبيرة من الأمراء وأبنائهم في مسارها. وأهم من ذلك علي السعودية ان تفك الارتباط مع مسارات الأمن القومي الأمريكي لأن الأحداث الحاصلة علي الساحة العربية تبرهن يوماّ بعد يوم ان مصالح الولايات المتحدة ليست بالضرورة هي مصالح الأنظمة العربية الحاكمة.
تحتاج السعودية الي نقلة نوعية تنتزعها من حالة تشرذم القرار الداخلي وتعددية مصادره بالاضافة الي استقلالية واضحة وصريحة تبعدها عن مسار الخطوط العريضة للسياسة الأمريكية في المنطقة. عندها فقط تستطيع السعودية المحاولة من جديد وبطريقة اخري ان تحشد الرأي في العالم العربي خلفها وتنتزع نفسها من متاهات التشرذم والتهميش وحتي العداء من قبل شرائح كبيرة في العالم العربي لا تزال مقتنعة ان السعودية ليست الا ذراعاّ للسياسة الأمريكية. يجب علي السعودية ان تقف ضمن مساحة واحدة من جميع الأطراف المتنازعة في أي عاصمة عربية علّها بذلك تنجح في مساعيها ليس فقط في حل المنازعات بل في فرض نفسها كمحور مهم وقوي في السجالات الدولية والعربية. ربما المال وحده او الثروة النفطية لا تضمن الدور القيادي ان لم تلازمها سياسة حكيمة اكثر قرباّ من مصالح المنطقة وبعداّ عن المصالح الخارجية. وهذا يبدو لنا نقطة انطلاق لقرار سياسي صعب ان لم تحسمه السعودية اليوم فستظل علي هامش الحدث، بل ستجلب لنفسها مصاعب قادمة قد تتخطي الصلح اللبناني وتتجاوزه الي أبعد من ذلك خاصة وان المواجهة قد تنتقل من البحر المتوسط الي الخليج ذاته ان كان الأمن القومي الأمريكي يتطلب مواجهة مع ايران في المستقبل.
كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية
تعليق