الأسرة الفلسطينية في ظل الانقسام بين ضفة وغزة
أ. خالد سيف الدين
لا يخفى على أحد الحالة التي يعيشها ويمر فيها المجتمع الفلسطيني بشقيه (الضفة الغربية وقطاع غزة)، بعد حالة الفلتان الأمني والفوضى العارمة التي اجتاحت المجتمع الفلسطيني بأكمله، والتي انتهت بالحسم العسكري أو الانقلاب الدموي ـ سمها ما شئت ـ، حيث التمزق والتشرذم والتفسخ في نسيج العلاقات الاجتماعية، ناهيك عن نظرة الشك والريبة وفقدان الثقة في التعامل بين أفراد المجتمع الفلسطيني، بل أنك تفاجأ أحيانا وفي كثير من المواقف، قبل أن يتحدث إليك شخص يطرح عليك السؤال (المفتاح): هل أنت فتحاوي أم حمساوي؟، لأنه بناءً على إجابتك سيحدد موقفه منك، هل سيواصل الحديث معك، أم يدعك وشأنك. إن كنت توافقه التوجه السياسي تحدث معك بكل رحابة صدر وسرور، وإن كنت من الطرف الآخر، فأنت عدو ـ إن جاز التعبير ـ لا يجب مجالسته والحديث معه، وذلك لاعتبارات عدة أهمها خشية أن يقطع الراتب من حكومة رام الله!!. وإن كان الشخص أقل تطرفا، قَبِلَ الحديث معك، ولكن بحذر شديد، ويحسب ألف حساب للكلمة قبل أن تخرج من فيه، لئلا تحسب عليه وتودي به إلى المهالك، فكل واحد منهما يتصيد أخطاء وزلات الآخر.
هناك الكثير من المواقف التي بإمكانك أن تلاحظها وترصدها في الشارع الفلسطيني، حيث أصبح التعامل بين أفراد المجتمع الفلسطيني على أساس معيار (فتح وحماس)، سواء كانت العلاقات الأسرية، أو علاقات الموظفين في العمل، أو علاقات الطلاب في المؤسسات التعليمية، أو علاقات الجيرة، وحتى دور العبادة (المساجد) لم تسلم من هذا الداء.
في هذه المقالة سأقتصر الحديث عن الأسرة فقط، كون أن الأسرة هي النواة الأساسية في بناء وتكوين المجتمع، وهي التي تمد المجتمع بالأفراد حتى يكتب له البقاء والاستمرار، ولأنه بصلاح الأسرة يكون صلاح وسلامة المجتمع، وبفساد الأسرة يكون فساد وضياع وانحلال المجتمع.
الأسرة الفلسطينية وبحكم الوضع الخاص الذي يعيشه المجتمع الفلسطيني، فإنها تختلف قليلا عن الأسرة العربية، وبحكم التعددية السياسية في المجتمع الفلسطيني، فقد تجد في الأسرة الواحدة أكثر من تيار (إسلامي، وطني، يساري). خذ على سبي المثال: فقد يكون الزوج فتحاوي، والزوجة حمساوية، والأبناء جهاد إسلامي أو أي من الجبهتين (الشعبية والديموقراطية)، وقد تكون التقسيمة على غير ذلك. في ظل هذه الانقسامات داخل الأسرة الفلسطينية يمكن رصد وتسجيل الملاحظات الآتية:
أولا/ على صعيد التنشئة الاجتماعية:
إذا كان لكلا الزوجين توجه سياسي مخالف للآخر، فإن الأبناء يستغلون هذا الاختلاف السياسي لصالحهم ـ وإن كان للأبناء الكبار توجه سياسي مخالف لوالديهم ـ لتحقيق مكاسب خاصة على صعيد الامتيازات الشخصية أو المصروف اليومي، فالابن يوالي ويؤيد من يدفع له أكثر ويمنحه المزيد من الامتيازات ويتغاضى عن أخطائه. بدون شك أن هذا التصرف له انعكاس سلبي على التنشئة الاجتماعية للأبناء، فبدلا من أن تعمل الأسرة على تنشئة الأبناء على ثقافة الحوار وحرية الرأي، وتقبل الرأي الآخر، وتقبل النقد البنّاء، والأجواء الديموقراطية، فإن الأسرة تنشئ الأبناء ـ من حيث لا تدري ـ على ثقافة التعصب والانغلاق ورفض الآخر.
ثانيا/ العلاقات الاجتماعية بين الأخوة:
أصبح الأخ داخل الأسرة يعامل أخاه على أساس الانتماء السياسي، فالفتحاوي لا يحدّث أخاه الحمساوي ولا يقبل أن ينظر إليه. الأول ينظر للثاني على أنه انقلابي دموي، والأخير ينظر للأول على أنه كافر من تيار دايتون وعميل ومتصهين... إلخ من النعوت والأوصاف. أصبح أفراد الأسرة لا يلتقون على مائدة واحدة للطعام لأن كلا منهما لا يطيق النظر والحديث للآخر، وإن اجتمعوا تحولت المائدة إلى مكان للعراك السياسي، وقد ترفع المائدة وقد تفرقوا دون أن يشبع الواحد منهم. أصبح لا يجمع بين الأخوة إلا جدران المنزل ورابطة الدم، فلم تعد تجمعهم القيم والمثل الدينية والاجتماعية والأخلاقية التي تربينا عليها.
ثالثا/ العلاقات بين الزوجين:
هذه العلاقة هي الأخرى شابها نتن الخلافات بين الحركتين (فتح وحماس)، المصيبة تكمن إذا كان أحد الزوجين فتحاوي والآخر حمساوي، والمصيبة الأكبر إذا كانت الزوجة حمساوية والزوج فتحاوي، في هذه الحالة تساوم الزوجة زوجها على حقه الشرعي، فإنها تهجره في المضاجع لأنه ليس من تنظيمها. وفي هذه الحالة تكون الكرة في ملعب الزوج. إن تغلبت فتحاويته على شهوته لم يدع للزوجة مجالا لتحقق انتصارا عليه، وإن كانت الثانية، أي تغلبت شهوته على فتحاويته، ضرب عرض الحائط بمبادئه وبفتح من أجل أن يقضي شهوته، وفي هذه الحالة حققت الزوجة انتصارها على الزوج، وبالتدريج إلى أن تحوله إلى حمساوي. لا أذكر هذا من باب الدعابة والمزاح، بل هذا ما هو واقع بالفعل عند البعض. وهنا أذكّر الزوجة أين هي من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ما معناه: "إذا دعا الرجل زوجته إلى الفراش، فإن أبت باتت ليلتها تلعنها الملائكة"، واللعن: هو الطرد من رحمة الله تعالى، والسؤال للزوجة: في هذه الحالة كيف ستفيدك فتح أو حماس وقد طردت من رحمة الله تعالى؟!، وأقول للزوجين أيضا: أن الحياة الأسرية أساسها الاستقرار والمودة والرحمة لا العلاقات الحزبية والتنظيمية، قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}.
رابعا/ الزواج:
والزواج أيضا قد وصلته دخان الاختلاف بين (فتح وحماس)، وفي هذه المقام سأكتفي بمثالين فقط وقعا في المجتمع الفلسطيني (الغزي):
المثال (1): شاب تقدم لخطبة فتاة، وفي اللقاء الأول بين والد الفتاة والشاب دار بينهما الحوار الآتي:
-والد الفتاة يسأل الشاب: أفتحاوي أنت أم حمساوي؟
-الشاب: أنا مع الله، لست فتحاويا، ولا حمساويا.
-والد الفتاة: أعرف أنك مع الله، لكن أريد أن أعرف، أنت فتح أم حماس؟
-الشاب: يعيد نفس الإجابة، أنا مع الله، لا مع فتح ولا مع حماس.
-والد الفتاة: يعيد السؤال للمرة الثالثة: أعطني إجابة صريحة، أنت فتحاوي ولا حمساوي؟
-الشاب: وعليه علامات الحياء، فتحاوي.
-والدة الفتاة: وقد بدت عليه ابتسامة عريضة، وانفرجت أساريره، الآن أزوجك ابنتي وأنا مطمئن.
المثال (2): شاب تقدم لخطبة فتاة (من المحافظة الوسطى)، في اللقاء الأول كانت الأجواء إيجابية، وهناك موافقة مبدئية، فالشاب يتمتع بخلق طيب، ومنظر جميل، وهندام مرتب، لكن أعطونا مهلة لنسأل.. بعد السؤال تبين لأسرة الفتاة أن الشاب فتحاوي، فأرسلت الأسرة للشاب: ليس عندنا بنات للزواج!!
في كلا المثالين تلاحظ معي أخي القارئ أن معيار الزواج اليوم في المجتمع الفلسطيني هو (فتح أو حماس)، لم تعد معايير الزواج التي حددها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث "تنكح المرأة لأربع"، ومن بين هذه المعايير لم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم "تنحك المرأة لفتحاويتها أو لحمساويتها"، إنما قال" فاظفر بذات الدين تربت يداك". في المقابل ماذا قال لأهل الفتاة؟ "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"، ولم يقل لهم: "إذا أتاكم من ترضون فتحاويته أو حمساويته فزوجوه". أيّ انهيار وأيّ تصدع هذا الذي لحق بمؤسسة الأسرة والزواج؟!!
خامسا/ علاقات الأنساب والأصهار:
الزوج وأسرته لهم توجه سياسي ما، وأسرة الزوجة لها توجه سياسي مخالف لأسرة الزوج، ولهذا السبب يَحرِم الزوج زوجته من زيارة أسرتها، أو حتى مشاركتهم في أفراحهم وأتراحهم. مستغلا في ذلك الرأي الشرعي "أن الزوجة لا تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها". أي توظيف سلبي هذا لمفاهيم ونصوص الدين؟!!
هذه الصور والنماذج للعلاقات الاجتماعية ـ الممزقة ـ التي تخيّم على الأسرة الفلسطينية، هي انعكاس لطبيعة العلاقات الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني عموما، كيف لا وأن الأسرة هي أنموذج مصغر للمجتمع بكل همومه ومشكلاته وقضاياه وسلوكياته وأخلاقياته، فما يحدث في المجتمع من أحداث ومواقف تنعكس بشكل مباشر على الأسرة، وبما أن المجتمع الفلسطيني يعيش الآن حالة من التشطير والتمزق والانقسام بين ضفة وغزة، والتراشق الإعلامي ـ الذي يثير التقزز والاشمئزاز في النفس ـ المتوصل بين حركتي فتح وحماس، فإن هذا ـ بدون شك ـ سينعكس سلبا على الأسرة الفلسطينية.
لذلك وجب على الطرفين المتناحرين على "الوهم" الذي اسمه "سلطة"، أن يتقوا الله في شعبهم، وأن يعملوا جاهدين وبنوايا طيبة صادقة لإعادة اللُحمة إلى المجتمع الفلسطيني، الذي كان يضرب به المثل في كل صور التعاون والتكافل والتضحية والفداء، لأنه إذا انهارت مؤسسة الأسرة، معناه انهيار المجتمع الفلسطيني بأكمله، وعلى المجتمع الفلسطيني السلام.
أ. خالد سيف الدين
لا يخفى على أحد الحالة التي يعيشها ويمر فيها المجتمع الفلسطيني بشقيه (الضفة الغربية وقطاع غزة)، بعد حالة الفلتان الأمني والفوضى العارمة التي اجتاحت المجتمع الفلسطيني بأكمله، والتي انتهت بالحسم العسكري أو الانقلاب الدموي ـ سمها ما شئت ـ، حيث التمزق والتشرذم والتفسخ في نسيج العلاقات الاجتماعية، ناهيك عن نظرة الشك والريبة وفقدان الثقة في التعامل بين أفراد المجتمع الفلسطيني، بل أنك تفاجأ أحيانا وفي كثير من المواقف، قبل أن يتحدث إليك شخص يطرح عليك السؤال (المفتاح): هل أنت فتحاوي أم حمساوي؟، لأنه بناءً على إجابتك سيحدد موقفه منك، هل سيواصل الحديث معك، أم يدعك وشأنك. إن كنت توافقه التوجه السياسي تحدث معك بكل رحابة صدر وسرور، وإن كنت من الطرف الآخر، فأنت عدو ـ إن جاز التعبير ـ لا يجب مجالسته والحديث معه، وذلك لاعتبارات عدة أهمها خشية أن يقطع الراتب من حكومة رام الله!!. وإن كان الشخص أقل تطرفا، قَبِلَ الحديث معك، ولكن بحذر شديد، ويحسب ألف حساب للكلمة قبل أن تخرج من فيه، لئلا تحسب عليه وتودي به إلى المهالك، فكل واحد منهما يتصيد أخطاء وزلات الآخر.
هناك الكثير من المواقف التي بإمكانك أن تلاحظها وترصدها في الشارع الفلسطيني، حيث أصبح التعامل بين أفراد المجتمع الفلسطيني على أساس معيار (فتح وحماس)، سواء كانت العلاقات الأسرية، أو علاقات الموظفين في العمل، أو علاقات الطلاب في المؤسسات التعليمية، أو علاقات الجيرة، وحتى دور العبادة (المساجد) لم تسلم من هذا الداء.
في هذه المقالة سأقتصر الحديث عن الأسرة فقط، كون أن الأسرة هي النواة الأساسية في بناء وتكوين المجتمع، وهي التي تمد المجتمع بالأفراد حتى يكتب له البقاء والاستمرار، ولأنه بصلاح الأسرة يكون صلاح وسلامة المجتمع، وبفساد الأسرة يكون فساد وضياع وانحلال المجتمع.
الأسرة الفلسطينية وبحكم الوضع الخاص الذي يعيشه المجتمع الفلسطيني، فإنها تختلف قليلا عن الأسرة العربية، وبحكم التعددية السياسية في المجتمع الفلسطيني، فقد تجد في الأسرة الواحدة أكثر من تيار (إسلامي، وطني، يساري). خذ على سبي المثال: فقد يكون الزوج فتحاوي، والزوجة حمساوية، والأبناء جهاد إسلامي أو أي من الجبهتين (الشعبية والديموقراطية)، وقد تكون التقسيمة على غير ذلك. في ظل هذه الانقسامات داخل الأسرة الفلسطينية يمكن رصد وتسجيل الملاحظات الآتية:
أولا/ على صعيد التنشئة الاجتماعية:
إذا كان لكلا الزوجين توجه سياسي مخالف للآخر، فإن الأبناء يستغلون هذا الاختلاف السياسي لصالحهم ـ وإن كان للأبناء الكبار توجه سياسي مخالف لوالديهم ـ لتحقيق مكاسب خاصة على صعيد الامتيازات الشخصية أو المصروف اليومي، فالابن يوالي ويؤيد من يدفع له أكثر ويمنحه المزيد من الامتيازات ويتغاضى عن أخطائه. بدون شك أن هذا التصرف له انعكاس سلبي على التنشئة الاجتماعية للأبناء، فبدلا من أن تعمل الأسرة على تنشئة الأبناء على ثقافة الحوار وحرية الرأي، وتقبل الرأي الآخر، وتقبل النقد البنّاء، والأجواء الديموقراطية، فإن الأسرة تنشئ الأبناء ـ من حيث لا تدري ـ على ثقافة التعصب والانغلاق ورفض الآخر.
ثانيا/ العلاقات الاجتماعية بين الأخوة:
أصبح الأخ داخل الأسرة يعامل أخاه على أساس الانتماء السياسي، فالفتحاوي لا يحدّث أخاه الحمساوي ولا يقبل أن ينظر إليه. الأول ينظر للثاني على أنه انقلابي دموي، والأخير ينظر للأول على أنه كافر من تيار دايتون وعميل ومتصهين... إلخ من النعوت والأوصاف. أصبح أفراد الأسرة لا يلتقون على مائدة واحدة للطعام لأن كلا منهما لا يطيق النظر والحديث للآخر، وإن اجتمعوا تحولت المائدة إلى مكان للعراك السياسي، وقد ترفع المائدة وقد تفرقوا دون أن يشبع الواحد منهم. أصبح لا يجمع بين الأخوة إلا جدران المنزل ورابطة الدم، فلم تعد تجمعهم القيم والمثل الدينية والاجتماعية والأخلاقية التي تربينا عليها.
ثالثا/ العلاقات بين الزوجين:
هذه العلاقة هي الأخرى شابها نتن الخلافات بين الحركتين (فتح وحماس)، المصيبة تكمن إذا كان أحد الزوجين فتحاوي والآخر حمساوي، والمصيبة الأكبر إذا كانت الزوجة حمساوية والزوج فتحاوي، في هذه الحالة تساوم الزوجة زوجها على حقه الشرعي، فإنها تهجره في المضاجع لأنه ليس من تنظيمها. وفي هذه الحالة تكون الكرة في ملعب الزوج. إن تغلبت فتحاويته على شهوته لم يدع للزوجة مجالا لتحقق انتصارا عليه، وإن كانت الثانية، أي تغلبت شهوته على فتحاويته، ضرب عرض الحائط بمبادئه وبفتح من أجل أن يقضي شهوته، وفي هذه الحالة حققت الزوجة انتصارها على الزوج، وبالتدريج إلى أن تحوله إلى حمساوي. لا أذكر هذا من باب الدعابة والمزاح، بل هذا ما هو واقع بالفعل عند البعض. وهنا أذكّر الزوجة أين هي من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ما معناه: "إذا دعا الرجل زوجته إلى الفراش، فإن أبت باتت ليلتها تلعنها الملائكة"، واللعن: هو الطرد من رحمة الله تعالى، والسؤال للزوجة: في هذه الحالة كيف ستفيدك فتح أو حماس وقد طردت من رحمة الله تعالى؟!، وأقول للزوجين أيضا: أن الحياة الأسرية أساسها الاستقرار والمودة والرحمة لا العلاقات الحزبية والتنظيمية، قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}.
رابعا/ الزواج:
والزواج أيضا قد وصلته دخان الاختلاف بين (فتح وحماس)، وفي هذه المقام سأكتفي بمثالين فقط وقعا في المجتمع الفلسطيني (الغزي):
المثال (1): شاب تقدم لخطبة فتاة، وفي اللقاء الأول بين والد الفتاة والشاب دار بينهما الحوار الآتي:
-والد الفتاة يسأل الشاب: أفتحاوي أنت أم حمساوي؟
-الشاب: أنا مع الله، لست فتحاويا، ولا حمساويا.
-والد الفتاة: أعرف أنك مع الله، لكن أريد أن أعرف، أنت فتح أم حماس؟
-الشاب: يعيد نفس الإجابة، أنا مع الله، لا مع فتح ولا مع حماس.
-والد الفتاة: يعيد السؤال للمرة الثالثة: أعطني إجابة صريحة، أنت فتحاوي ولا حمساوي؟
-الشاب: وعليه علامات الحياء، فتحاوي.
-والدة الفتاة: وقد بدت عليه ابتسامة عريضة، وانفرجت أساريره، الآن أزوجك ابنتي وأنا مطمئن.
المثال (2): شاب تقدم لخطبة فتاة (من المحافظة الوسطى)، في اللقاء الأول كانت الأجواء إيجابية، وهناك موافقة مبدئية، فالشاب يتمتع بخلق طيب، ومنظر جميل، وهندام مرتب، لكن أعطونا مهلة لنسأل.. بعد السؤال تبين لأسرة الفتاة أن الشاب فتحاوي، فأرسلت الأسرة للشاب: ليس عندنا بنات للزواج!!
في كلا المثالين تلاحظ معي أخي القارئ أن معيار الزواج اليوم في المجتمع الفلسطيني هو (فتح أو حماس)، لم تعد معايير الزواج التي حددها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث "تنكح المرأة لأربع"، ومن بين هذه المعايير لم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم "تنحك المرأة لفتحاويتها أو لحمساويتها"، إنما قال" فاظفر بذات الدين تربت يداك". في المقابل ماذا قال لأهل الفتاة؟ "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"، ولم يقل لهم: "إذا أتاكم من ترضون فتحاويته أو حمساويته فزوجوه". أيّ انهيار وأيّ تصدع هذا الذي لحق بمؤسسة الأسرة والزواج؟!!
خامسا/ علاقات الأنساب والأصهار:
الزوج وأسرته لهم توجه سياسي ما، وأسرة الزوجة لها توجه سياسي مخالف لأسرة الزوج، ولهذا السبب يَحرِم الزوج زوجته من زيارة أسرتها، أو حتى مشاركتهم في أفراحهم وأتراحهم. مستغلا في ذلك الرأي الشرعي "أن الزوجة لا تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها". أي توظيف سلبي هذا لمفاهيم ونصوص الدين؟!!
هذه الصور والنماذج للعلاقات الاجتماعية ـ الممزقة ـ التي تخيّم على الأسرة الفلسطينية، هي انعكاس لطبيعة العلاقات الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني عموما، كيف لا وأن الأسرة هي أنموذج مصغر للمجتمع بكل همومه ومشكلاته وقضاياه وسلوكياته وأخلاقياته، فما يحدث في المجتمع من أحداث ومواقف تنعكس بشكل مباشر على الأسرة، وبما أن المجتمع الفلسطيني يعيش الآن حالة من التشطير والتمزق والانقسام بين ضفة وغزة، والتراشق الإعلامي ـ الذي يثير التقزز والاشمئزاز في النفس ـ المتوصل بين حركتي فتح وحماس، فإن هذا ـ بدون شك ـ سينعكس سلبا على الأسرة الفلسطينية.
لذلك وجب على الطرفين المتناحرين على "الوهم" الذي اسمه "سلطة"، أن يتقوا الله في شعبهم، وأن يعملوا جاهدين وبنوايا طيبة صادقة لإعادة اللُحمة إلى المجتمع الفلسطيني، الذي كان يضرب به المثل في كل صور التعاون والتكافل والتضحية والفداء، لأنه إذا انهارت مؤسسة الأسرة، معناه انهيار المجتمع الفلسطيني بأكمله، وعلى المجتمع الفلسطيني السلام.
تعليق