القاعدة.. هل تقود الأمة نحو التمكين؟
الفاتح كريكار
القاعدة معروفة برمزها الشاخص، و"الأمة" مصطلح خاص استحدثه القرآن في نهاية تدرجه عند تنشئة المسلمين الأوائل الذي يحاول التيار السلفي الجهادي اليوم محاكاته من جديد. وهو المقصود هنا وليس ما تسمي بـ"الأمة الإسلامية" التي تعني المنتمين جغرافيا إلى ديار المسلمين التي انتزع الغرب منها الإسلام شريعة وحكما.
وأقصد بقيادتها استحداث حركة عقائدية (أممية) نظرية وتطبيقية على غرار الحركة الشيوعية التي تبنت النظرية الماركسية وتحركت بها مائة عام قبل أن يقودها لينين إلى تمكينها بثورة أكتوبر 1917 أو الحركة الصهيونية التي تبنت نظرية هيرتزل خمسين عاما قبل أن يقودها بن غوريون نحو تمكينها عام 1948.
فهل تستطيع القاعدة قيادة هذه الأمة العقائدية (السلفية الجهادية) إلى دار إسلام مأوى لها ومنطلقا والتي تتبنى بأفهامها المتباينة نظرية أهل السنة والجماعة في طرحها المتجدد غير المكتمل الأبعاد بعدُ، رغم طرح مقولاتها المؤثرة من الرؤية العقائدية وعقدية الحاكمية والولاء والبراء والهجرة و الجهاد.
"
القاعدة مرشحة أكثر من غيرها لقيادة التيار السلفي الجهادي لثقة هذا التيار بها حيث يعتبرها مدرسته حتى ولو لم ينتم إليها عضويا، والقاعدة من جانبها تتحرك في أوساطه حيث تعتبره عمقها الطبيعي ولكن دون ذلك معوقات وعقبات
"
هذا التيار السلفي الجهادي (المتمثل في نخبة طليعية من كوادر الوسط في بلاد المسلمين وخارجها) باعتباره حركة عقائدية أممية بحاجة إلى حركة مشابهة للشيوعية والصهيونية لتقوده نحو التمكين، والقاعدة مرشحة أكثر من غيرها لقيادته لثقة هذا التيار بها حيث يعتبرها مدرسته حتى ولو لم ينتم إليها عضويا، والقاعدة من جانبها تتحرك في أوساطه حيث تعتبره عمقها الطبيعي ولكن دون ذلك معوقات وعقبات.
وهذه المعوقات لازمت بعض فصائل هذه (الأمة) منذ أول نشأتها ثم ظهرت في رؤيتها وتجمعاتها، ومعوقات تجميعها وتوجيهها وتوظيف طاقاتها.
وأولى معوقات جموع التيار السلفي الجهادي أمام القاعدة هي أفهامه المتباينة لنظرية أهل السنة والجماعة ومدى رسوخ المفاهيم العقائدية في رؤية هذه الجموع وتوافق ما لديها مع الأصول المستقرة الموروثة من هذه النظرية، ثم سلامة فهمه عن صراع الأنبياء في عصرنا الحاضر كي لا ينحرف عن التوجيه القرآني إلى ما استحدثه العصر وأطغاه من مفاهيم ومصطلحات فكرية وسياسية وحركية.
وذلك لأن بعضا من فصائل التيار السلفي ما زال ينتقل بين الأندية ليلهو بمصطلحاتها! وبعضا من فصائله الجهادية ما زالت تعيش فترة طفولتها حيث تلهو عنادا بسيف الجنادرية عند بروز عامر بن عبد ود مع دونالد رمسفيلد!! ولأن بعضا من فصائل التيار الجهادي جاء ثمرة لتوجيه تثقيفي أولي من سلفيين سطحيين زاحموا في ديارهم الوجود الصوفي أو الإخواني أو الشيعي!
أو جاؤوا وقد بدؤوا يشعرون بالحرمان السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فتبنوا سلفية حببت إليهم الرفض فاستعذبتهم مصطلحاتها بداية لكنهم تعذبوا من تيه اختلافاتها نهاية! ولأنهم لم يمتلكوا نظرية استرشاد شرعي واضحة وشاملة، ولم يجدوا ابن تيمية في زمن الضياع هذا ربانا ، رضوا بأن يركبوا سفينة شراعية وهم يتوجهون حبا للشهادة نحو الأسطول السادس.
وخطورة هذه الحالة أمام القاعدة هي أن هذا الجمع قد يقترب من القاعدة لا للانتماء إليها كفريضة شرعية وضرورة جهادية بل للاستقواء بها في صراعه المحلي، فيظهر منه بعد فترة وجيزة التململ والتملص من الأوامر الصادرة إليه لأنه لم يقتنع ابتداء برؤية القاعدة كليا أو بمنهجها أو بتوجيهاتها، وهنا مكمن ضياع كثير من الجهد المادي والمعنوي.
قد ينتمي إلى القاعدة فصيل من هذا التيار في المغرب أو الجزائر أو كردستان أو إيران أو سريلانكا وجنوب تايلند لم ينشأ أصلا من توازن شرعي بل ربما أنشأه الحرمان المومى إليه على فكر عدواني فصار أميل إلى كل تشدد وأسرع إلى قبول التفكير الإقصائي، فأراد التعلق بالقاعدة لتعطيه شهادة حسن مسار تعينه على البقاء والديمومة!
وقد تكون القاعدة أيضا في وضع تسعى فيه لإعادة التوازن من جديد فتحتاج إلى هؤلاء وقد تغض الطرف عن بعض ملابساتهم اضطرارا أملا في إصلاحها مع مرور الزمن.
وهو أمر قد تنجح فيه وقد تخفق، فإن لم تنجح أصبح هؤلاء في صفها أهل كوفة مع سيدنا علي، يثقلون الكاهل تذمرا ويتناجون انتقادا! فلا يستقيم لهم ظل والعود أعوج ولا تقمصهم القاعدة شخصيتها لخلاف قياسها عليهم، ومن ثم تراهم يصبحون سببا لتنفير المتعاطفين! فتخسر القاعدة بسببهم مع مرور الزمن فصائل سلفية جهادية متزنة أو شخصيات مؤثرة معروفة أو طلاب علم أكفاء أو تجارا محسنين.
"
أولى معوقات جموع التيار السلفي الجهادي أمام القاعدة هي أفهامه المتباينة لنظرية أهل السنة والجماعة ومدى رسوخ المفاهيم العقائدية في رؤية هذه الجموع وتوافق ما لديها مع الأصول المستقرة الموروثة من هذه النظرية
"
والنماذج الثانية هي التي تحتاجها القاعدة، مهما طال حوارها معها، فانتماء السيد حكمتيار إليها مكسب كبير حتى لو كان وحده! لا يساويه انتماء الآلف من أعضاء سابقين في حزبه إليها ممن أثر عليهم طول الطريق وتضاريسه! وانتماء الشيخ عبد الآخر حماد إليها أنفع من مئات من شباب لم تهذبهم الرؤية ولم تصقلهم التجارب.
ألا ترى أن قتيبة بن مسلم الباهلي لما سأل عن التابعي الجليل محمد بن واسع قيل له: ها هو وقد رفع سبابته إلى السماء يدعو! فقال قتيبة والله إن سبابته أحب إلي من ألف فارس من بني شيبان! (وبنو شيبان كانوا أهل قتال).
وأنا أقدر طاقات الشباب المنفذين وأعرف أن نجاح الخطط يعتمد بعد فضل الله عز وجل على الصادقين منهم، ولكن طبيعة العمل الحركي تعتمد على خبرة الشيوخ وحماس الشباب معا.. تجمُّع الشيوخ بلا شباب ينفع مراكز البحوث الإستراتيجية! وتجمع الشباب بلا شيوخ ينفع مظاهرات الشوارع!! ولكنهما إذا اجتمعا في عمل حركي لابد من إرشاد الحماس بخبرة الشيوخ، وكل قيادة خبيرة سايرت مضطرة قواعدها المتحمسة، ستفقد التوازن لا محالة.
هنا سألني كثيرون: لماذا رضيت القاعدة في العراق أو في كردستان العراق بجمع بسيط انتمى إليها من شباب لم يكمل أميرهم الثانوية العامة ولم يدرس من علوم الشرع شيئا، بل تراهم يمثلون توجه الخوارج تماما مضيفين إليه جواز السرقة من أموال المسلمين وفي بلاد المسلمين؟! لماذا لم توحد القاعدة جهدها وجهادها مع الفصائل السلفية الجهادية العراقية التي عرفت بماضي قادتها وبوضوح رايتها؟!
الجواب ليس لدي بكل تأكيد. قد تكون بعض قيادات القاعدة ملت مما تحسبه تنظيرا، فمالت إلى شيء عملي في الميدان، ومعلوم أن من ناصروا الدين في طول تاريخ المسلمين لم يكونوا بالضرورة من العلماء. وقد تجيبهم: ولكن لابد من علماء للشهادة على سلامة الراية وشرعية المواقف، وسلامة المسير وحفظه حسب الأصول المستقرة.
القاعدة لا تستطيع أن تردهم! لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان معه من لا يريد من الغزو إلا أن يضرب عنقه، بل كان يأخذ منافقين معه إلى الغزوات يعرف نفاقهم بأعيانهم! ولكن من الممكن وهو المطلوب أن تقبل هذه الفصائل المبتدئة وتغربلها برؤيتها وتقومها بمنهجها لترد ما لا ينسجم مع توجهها، وعليها حينئذ أن تنزل إليهم نظرية واضحة المعالم يسترشدون بها وجوبا، كي لا يقعوا في إشكالات الرؤى! ولكن المشكلة أن القاعدة ليس أمامها الزمن الكافي الذي يجده الإخواني للاحتواء والتوظيف. وقد يجعل بعض هؤلاء القاعدة مرحلة في دورة تكوينية لطفيليات لا تحسن إلا جدل الظل.
وثانية معوقات جموع التيار السلفي الجهادي أمام القاعدة هي انضباطها التنظيمي، فقد حصلت القاعدة بعد أحداث سبتمبر/أيلول على تعاطف عالمي واسع وتمنى الكثيرون -ولا يزالون- الانتماء إليها اعتزازا رغم الخوف والقهر الدوليين الذين أفرزتهما "الحرب على الإرهاب"!
لكن من الصعب جدا على التنظيم (كأي تنظيم آخر) أن يستوعب كل الذين يتعلقون به، لأن بعضهم نشأ في جو طليق، لم يلق من يحدد له حدا ودورا! فلا ينقاد لأمر التنظيم الجديد إلا إذا اقتنع بأن الأمر آت إليه خصيصا من رأس الهرم!!
"
ثانية معوقات جموع التيار السلفي الجهادي أمام القاعدة انضباطها التنظيمي، فقد حصلت القاعدة بعد أحداث سبتمبر/أيلول على تعاطف عالمي واسع، لكن من الصعب جدا عليها كأي تنظيم آخر أن تستوعب كل الذين يتعلقون بها
"
وقد يتعلق بالتنظيم (كأي تنظيم آخر) في باكورة ظهوره أو أوقات رخائه أو تألق نجمه الألوف ولكن مع المِحَن يتبرمون منه، ومع الإحَن يتبرؤن ومع الزمن يتساقطون!! وفي قصة طالوت في القرآن عبر ودروس.
وهذا يتطلب من القاعدة صرامة في التعليمات كما هو الحال عند الأحزاب التي تواجه باستمرار ضربات قاسية مثل إخوان مصر وحماس فلسطين وحزب الله اللبناني وحزب العمال الكردستاني ومجاهدي خلق الإيراني وغيرهم. حيث من المستحيل الصعود إلى أدنى درجات السلم الحركي دون صياغة شخصية المنتمي صياغة حركية كاملة ودون إكمال مراحل التنظيم الأولية كاملة غير منقوصة.
وقد تتساهل القاعدة (كأي تنظيم آخر) في انتماء المؤيد والنصير من الذين يربون خارج الهيكل التنظيمي رحمة بهم ومماشاة واصطبارا حتى ينضجوا، ولكن ذلك ليس من مصلحة القاعدة كثيرا، بل من مصلحتها أن تصرف الجهود المضنية دون كلل أو ملل مع من نضجوا في محاضن غيرها لتكسبهم إلى صفها، فهم أوسع نظرا وأكثر تجربة وقد نجح كثير منهم في ابتلاءات الطريق، فهم يمثلون مواد بناء جاهزة لرص البنيان المحبوب عند الله!
أما قاعدة القاعدة العاطفية المؤيدة فيجب أن تقحم في الأتون إقحاما ليعلم الصابر الصادق، فلا ينبغي التعامل معهم معاملة الداعي مع المدعو أو العالم مع المتعلم! وإلا لادعى كل مرحب به أنه (ناطق رسمي) للقاعدة في منطقته! ولاكتفى الكثيرون بالانتماء العرفي!! والانتماء الاسمي إلى القاعدة لتكون مباهاة للمتشدقين في مجالس المسلمين!!
الانضباط التنظيمي الصارم خصوصا في درجات السلم العليا مع مراعاة الزمن الكافي كفيل بعد الله بملء الفراغ الذي تحدثه ضربات الخصم من تصفيات واعتقالات أو ما يحدثه تساقط الطريق، والقاعدة خسرت خلال السنين الخمس المنصرمة رجالات كان كل واحد منهم أمة في ميزان العمل فهي بحاجة إلى ملء الفراغ بمن يناسبه تماما.
وهذا يتطلب أيضا جرأة في الإسراع في انتقاء من تتوسم فيه الصفات القيادية لتأهيله، والقاعدة ظاهرا عرفت طريقها نحو التمكين فالتزمته. والله اعلم.
ـــــــــــــــــــ
مؤسس جماعة أنصار الإسلام الكردية
المصدر: الجزيرة
الفاتح كريكار
القاعدة معروفة برمزها الشاخص، و"الأمة" مصطلح خاص استحدثه القرآن في نهاية تدرجه عند تنشئة المسلمين الأوائل الذي يحاول التيار السلفي الجهادي اليوم محاكاته من جديد. وهو المقصود هنا وليس ما تسمي بـ"الأمة الإسلامية" التي تعني المنتمين جغرافيا إلى ديار المسلمين التي انتزع الغرب منها الإسلام شريعة وحكما.
وأقصد بقيادتها استحداث حركة عقائدية (أممية) نظرية وتطبيقية على غرار الحركة الشيوعية التي تبنت النظرية الماركسية وتحركت بها مائة عام قبل أن يقودها لينين إلى تمكينها بثورة أكتوبر 1917 أو الحركة الصهيونية التي تبنت نظرية هيرتزل خمسين عاما قبل أن يقودها بن غوريون نحو تمكينها عام 1948.
فهل تستطيع القاعدة قيادة هذه الأمة العقائدية (السلفية الجهادية) إلى دار إسلام مأوى لها ومنطلقا والتي تتبنى بأفهامها المتباينة نظرية أهل السنة والجماعة في طرحها المتجدد غير المكتمل الأبعاد بعدُ، رغم طرح مقولاتها المؤثرة من الرؤية العقائدية وعقدية الحاكمية والولاء والبراء والهجرة و الجهاد.
"
القاعدة مرشحة أكثر من غيرها لقيادة التيار السلفي الجهادي لثقة هذا التيار بها حيث يعتبرها مدرسته حتى ولو لم ينتم إليها عضويا، والقاعدة من جانبها تتحرك في أوساطه حيث تعتبره عمقها الطبيعي ولكن دون ذلك معوقات وعقبات
"
هذا التيار السلفي الجهادي (المتمثل في نخبة طليعية من كوادر الوسط في بلاد المسلمين وخارجها) باعتباره حركة عقائدية أممية بحاجة إلى حركة مشابهة للشيوعية والصهيونية لتقوده نحو التمكين، والقاعدة مرشحة أكثر من غيرها لقيادته لثقة هذا التيار بها حيث يعتبرها مدرسته حتى ولو لم ينتم إليها عضويا، والقاعدة من جانبها تتحرك في أوساطه حيث تعتبره عمقها الطبيعي ولكن دون ذلك معوقات وعقبات.
وهذه المعوقات لازمت بعض فصائل هذه (الأمة) منذ أول نشأتها ثم ظهرت في رؤيتها وتجمعاتها، ومعوقات تجميعها وتوجيهها وتوظيف طاقاتها.
وأولى معوقات جموع التيار السلفي الجهادي أمام القاعدة هي أفهامه المتباينة لنظرية أهل السنة والجماعة ومدى رسوخ المفاهيم العقائدية في رؤية هذه الجموع وتوافق ما لديها مع الأصول المستقرة الموروثة من هذه النظرية، ثم سلامة فهمه عن صراع الأنبياء في عصرنا الحاضر كي لا ينحرف عن التوجيه القرآني إلى ما استحدثه العصر وأطغاه من مفاهيم ومصطلحات فكرية وسياسية وحركية.
وذلك لأن بعضا من فصائل التيار السلفي ما زال ينتقل بين الأندية ليلهو بمصطلحاتها! وبعضا من فصائله الجهادية ما زالت تعيش فترة طفولتها حيث تلهو عنادا بسيف الجنادرية عند بروز عامر بن عبد ود مع دونالد رمسفيلد!! ولأن بعضا من فصائل التيار الجهادي جاء ثمرة لتوجيه تثقيفي أولي من سلفيين سطحيين زاحموا في ديارهم الوجود الصوفي أو الإخواني أو الشيعي!
أو جاؤوا وقد بدؤوا يشعرون بالحرمان السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فتبنوا سلفية حببت إليهم الرفض فاستعذبتهم مصطلحاتها بداية لكنهم تعذبوا من تيه اختلافاتها نهاية! ولأنهم لم يمتلكوا نظرية استرشاد شرعي واضحة وشاملة، ولم يجدوا ابن تيمية في زمن الضياع هذا ربانا ، رضوا بأن يركبوا سفينة شراعية وهم يتوجهون حبا للشهادة نحو الأسطول السادس.
وخطورة هذه الحالة أمام القاعدة هي أن هذا الجمع قد يقترب من القاعدة لا للانتماء إليها كفريضة شرعية وضرورة جهادية بل للاستقواء بها في صراعه المحلي، فيظهر منه بعد فترة وجيزة التململ والتملص من الأوامر الصادرة إليه لأنه لم يقتنع ابتداء برؤية القاعدة كليا أو بمنهجها أو بتوجيهاتها، وهنا مكمن ضياع كثير من الجهد المادي والمعنوي.
قد ينتمي إلى القاعدة فصيل من هذا التيار في المغرب أو الجزائر أو كردستان أو إيران أو سريلانكا وجنوب تايلند لم ينشأ أصلا من توازن شرعي بل ربما أنشأه الحرمان المومى إليه على فكر عدواني فصار أميل إلى كل تشدد وأسرع إلى قبول التفكير الإقصائي، فأراد التعلق بالقاعدة لتعطيه شهادة حسن مسار تعينه على البقاء والديمومة!
وقد تكون القاعدة أيضا في وضع تسعى فيه لإعادة التوازن من جديد فتحتاج إلى هؤلاء وقد تغض الطرف عن بعض ملابساتهم اضطرارا أملا في إصلاحها مع مرور الزمن.
وهو أمر قد تنجح فيه وقد تخفق، فإن لم تنجح أصبح هؤلاء في صفها أهل كوفة مع سيدنا علي، يثقلون الكاهل تذمرا ويتناجون انتقادا! فلا يستقيم لهم ظل والعود أعوج ولا تقمصهم القاعدة شخصيتها لخلاف قياسها عليهم، ومن ثم تراهم يصبحون سببا لتنفير المتعاطفين! فتخسر القاعدة بسببهم مع مرور الزمن فصائل سلفية جهادية متزنة أو شخصيات مؤثرة معروفة أو طلاب علم أكفاء أو تجارا محسنين.
"
أولى معوقات جموع التيار السلفي الجهادي أمام القاعدة هي أفهامه المتباينة لنظرية أهل السنة والجماعة ومدى رسوخ المفاهيم العقائدية في رؤية هذه الجموع وتوافق ما لديها مع الأصول المستقرة الموروثة من هذه النظرية
"
والنماذج الثانية هي التي تحتاجها القاعدة، مهما طال حوارها معها، فانتماء السيد حكمتيار إليها مكسب كبير حتى لو كان وحده! لا يساويه انتماء الآلف من أعضاء سابقين في حزبه إليها ممن أثر عليهم طول الطريق وتضاريسه! وانتماء الشيخ عبد الآخر حماد إليها أنفع من مئات من شباب لم تهذبهم الرؤية ولم تصقلهم التجارب.
ألا ترى أن قتيبة بن مسلم الباهلي لما سأل عن التابعي الجليل محمد بن واسع قيل له: ها هو وقد رفع سبابته إلى السماء يدعو! فقال قتيبة والله إن سبابته أحب إلي من ألف فارس من بني شيبان! (وبنو شيبان كانوا أهل قتال).
وأنا أقدر طاقات الشباب المنفذين وأعرف أن نجاح الخطط يعتمد بعد فضل الله عز وجل على الصادقين منهم، ولكن طبيعة العمل الحركي تعتمد على خبرة الشيوخ وحماس الشباب معا.. تجمُّع الشيوخ بلا شباب ينفع مراكز البحوث الإستراتيجية! وتجمع الشباب بلا شيوخ ينفع مظاهرات الشوارع!! ولكنهما إذا اجتمعا في عمل حركي لابد من إرشاد الحماس بخبرة الشيوخ، وكل قيادة خبيرة سايرت مضطرة قواعدها المتحمسة، ستفقد التوازن لا محالة.
هنا سألني كثيرون: لماذا رضيت القاعدة في العراق أو في كردستان العراق بجمع بسيط انتمى إليها من شباب لم يكمل أميرهم الثانوية العامة ولم يدرس من علوم الشرع شيئا، بل تراهم يمثلون توجه الخوارج تماما مضيفين إليه جواز السرقة من أموال المسلمين وفي بلاد المسلمين؟! لماذا لم توحد القاعدة جهدها وجهادها مع الفصائل السلفية الجهادية العراقية التي عرفت بماضي قادتها وبوضوح رايتها؟!
الجواب ليس لدي بكل تأكيد. قد تكون بعض قيادات القاعدة ملت مما تحسبه تنظيرا، فمالت إلى شيء عملي في الميدان، ومعلوم أن من ناصروا الدين في طول تاريخ المسلمين لم يكونوا بالضرورة من العلماء. وقد تجيبهم: ولكن لابد من علماء للشهادة على سلامة الراية وشرعية المواقف، وسلامة المسير وحفظه حسب الأصول المستقرة.
القاعدة لا تستطيع أن تردهم! لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان معه من لا يريد من الغزو إلا أن يضرب عنقه، بل كان يأخذ منافقين معه إلى الغزوات يعرف نفاقهم بأعيانهم! ولكن من الممكن وهو المطلوب أن تقبل هذه الفصائل المبتدئة وتغربلها برؤيتها وتقومها بمنهجها لترد ما لا ينسجم مع توجهها، وعليها حينئذ أن تنزل إليهم نظرية واضحة المعالم يسترشدون بها وجوبا، كي لا يقعوا في إشكالات الرؤى! ولكن المشكلة أن القاعدة ليس أمامها الزمن الكافي الذي يجده الإخواني للاحتواء والتوظيف. وقد يجعل بعض هؤلاء القاعدة مرحلة في دورة تكوينية لطفيليات لا تحسن إلا جدل الظل.
وثانية معوقات جموع التيار السلفي الجهادي أمام القاعدة هي انضباطها التنظيمي، فقد حصلت القاعدة بعد أحداث سبتمبر/أيلول على تعاطف عالمي واسع وتمنى الكثيرون -ولا يزالون- الانتماء إليها اعتزازا رغم الخوف والقهر الدوليين الذين أفرزتهما "الحرب على الإرهاب"!
لكن من الصعب جدا على التنظيم (كأي تنظيم آخر) أن يستوعب كل الذين يتعلقون به، لأن بعضهم نشأ في جو طليق، لم يلق من يحدد له حدا ودورا! فلا ينقاد لأمر التنظيم الجديد إلا إذا اقتنع بأن الأمر آت إليه خصيصا من رأس الهرم!!
"
ثانية معوقات جموع التيار السلفي الجهادي أمام القاعدة انضباطها التنظيمي، فقد حصلت القاعدة بعد أحداث سبتمبر/أيلول على تعاطف عالمي واسع، لكن من الصعب جدا عليها كأي تنظيم آخر أن تستوعب كل الذين يتعلقون بها
"
وقد يتعلق بالتنظيم (كأي تنظيم آخر) في باكورة ظهوره أو أوقات رخائه أو تألق نجمه الألوف ولكن مع المِحَن يتبرمون منه، ومع الإحَن يتبرؤن ومع الزمن يتساقطون!! وفي قصة طالوت في القرآن عبر ودروس.
وهذا يتطلب من القاعدة صرامة في التعليمات كما هو الحال عند الأحزاب التي تواجه باستمرار ضربات قاسية مثل إخوان مصر وحماس فلسطين وحزب الله اللبناني وحزب العمال الكردستاني ومجاهدي خلق الإيراني وغيرهم. حيث من المستحيل الصعود إلى أدنى درجات السلم الحركي دون صياغة شخصية المنتمي صياغة حركية كاملة ودون إكمال مراحل التنظيم الأولية كاملة غير منقوصة.
وقد تتساهل القاعدة (كأي تنظيم آخر) في انتماء المؤيد والنصير من الذين يربون خارج الهيكل التنظيمي رحمة بهم ومماشاة واصطبارا حتى ينضجوا، ولكن ذلك ليس من مصلحة القاعدة كثيرا، بل من مصلحتها أن تصرف الجهود المضنية دون كلل أو ملل مع من نضجوا في محاضن غيرها لتكسبهم إلى صفها، فهم أوسع نظرا وأكثر تجربة وقد نجح كثير منهم في ابتلاءات الطريق، فهم يمثلون مواد بناء جاهزة لرص البنيان المحبوب عند الله!
أما قاعدة القاعدة العاطفية المؤيدة فيجب أن تقحم في الأتون إقحاما ليعلم الصابر الصادق، فلا ينبغي التعامل معهم معاملة الداعي مع المدعو أو العالم مع المتعلم! وإلا لادعى كل مرحب به أنه (ناطق رسمي) للقاعدة في منطقته! ولاكتفى الكثيرون بالانتماء العرفي!! والانتماء الاسمي إلى القاعدة لتكون مباهاة للمتشدقين في مجالس المسلمين!!
الانضباط التنظيمي الصارم خصوصا في درجات السلم العليا مع مراعاة الزمن الكافي كفيل بعد الله بملء الفراغ الذي تحدثه ضربات الخصم من تصفيات واعتقالات أو ما يحدثه تساقط الطريق، والقاعدة خسرت خلال السنين الخمس المنصرمة رجالات كان كل واحد منهم أمة في ميزان العمل فهي بحاجة إلى ملء الفراغ بمن يناسبه تماما.
وهذا يتطلب أيضا جرأة في الإسراع في انتقاء من تتوسم فيه الصفات القيادية لتأهيله، والقاعدة ظاهرا عرفت طريقها نحو التمكين فالتزمته. والله اعلم.
ـــــــــــــــــــ
مؤسس جماعة أنصار الإسلام الكردية
المصدر: الجزيرة
تعليق