واقعدوا لهم كل مرصد
مركز الإعلام الإسلامي العالمي
يقدم
سلسلة الإعداد للجهاد
الحلقة 18
السرية في الأعمال العسكرية
إن الأصل في الدعوة هو الجهر والاستثناء هو الإسرار، أما الأعمال العسكرية فعكس ذلك، الأصل فيها السرية، وكيفما أمكن إخفاء المعلومات والأسرار والتحركات فهو واجب، وهذا كله بهدف تحقيق عنصر المباغتة ومفاجأة الخصم، وهو من أهم أسباب النصر.
أما أدلة السرية في الأعمال العسكرية فهي:
ما رواه البخاري عن كعب بن مالك في قصة تخلفه عن غزوة تبوك قال: (ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا، وعدوا كثيرا، فجَلَّى للمسلمين أمورهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد) الحديث: 4418. فقوله (ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى غيرها) يدل على أن الأصل في الأعمال العسكرية أن تكون سرية. ورواه أبو داود وزاد فيه (وكان يقول: الحرب خُدعة) وهذا الحديث فيه فائدة فيما يتعلق بالسرية، وهي انه يجوز للأمير أن يخرج بالجيش للغزو ومعظم الجيش لا يعلم بجهة الغزو، بدليل قول كعب (فجلى للمسلمين أمرهم ...... فأخبرهم بوجهه الذي يريد) وذلك في غزوة تبوك دون غيرها، وقد ذكرت هذه الفائدة حتى لا يقول أحد الجنود لا أخرج للغزو حتى أعلم الجهة. وفي ا لحديث فائدة أخرى، وهي أن إخفاء المعلومات ليس عن العدو فقط بل وعن الصديق أيضا، والهدف حصر المعلومات في أضيق دائرة ومنع تسربها ما أمكن فللعدو عيون وقد يتكلم الصديق وفي الحكمة “سِرّك من دمك فانظر أين تضعه”.
ومن ذلك أيضا بيعة العقبة مع الأنصار كانت سرية (البداية والنهاية 3 / 160).
ومن ذلك أيضا هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة كانت سرية قال تعالى: {إِلا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ( التوبة : 40) ، وقال أبو بكر رضي الله عنه : (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما) رواه البخاري حديث 3653 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسراقة بن مالك حين تَبِعَهم: «إخف عنا» رواه البخاري 3906.
ومن السرية أيضا ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم مع سَرِية عبد الله بن جحش كتب له كتابا وأمره ألا يفتحه إلا بعد مسيره يومين ثم ينفذ ما فيه، وستأتي القصة في الباب الخامس إن شاء الله تعالى.
ومن السرية في الأعمال العسكرية التجسس على العدو، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث العيون على عدوه كما بعث حذيفة إلى معسكر الأحزاب، وبعث الزبير طليعة وحده وغير ذلك مما ثبت بالأحاديث الصحيحة.
ومن ذلك كتمان نعيم بن مسعود لإسلامه حتى أوقع بين الأحزاب وبين قريظة يوم الأحزاب [قال ابن إسحاق: إن نعيما بن مسعود أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمُرْني بما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنت فينا رجل واحد، فَخَذِّل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة»]البداية والنهاية 4 / 111 وفتح الباري7 / 402.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يجوز بل قد يجب على المسلم التشبه بالمشركين في الهَدْي الظاهر كاللباس ونحوه لمثل هذه المصالح، قال رحمه الله: [ومما يوضح ذلك: أن كل ما جاء من التشبه بهم، إنما كان في صدر الهجرة، ثم نُسِخَ ذلك: لأن اليهود إذ ذاك، كانوا لا يميزون عن المسلمين لا في شعور ولا في لباس، ولا بعلامة ولا غيرها].
ثم إنه ثبت بعد ذلك في الكتاب والسنة والإجماع، الذي كَمُل ظهوره في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ما شرعه الله من مخالفة الكافرين ومفارقتهم في الشعار والهَدْي.
وسبب ذلك: أن المخالفة لهم لا تكون إلا مع ظهور الدين وعلوه كالجهاد وإلزامهم بالجزية والصغار. فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء لم تُشرع المخالفة لهم، فلما كمل الدين وظهر وعلا، شُرِع ذلك.
ومثل ذلك اليوم: لو أن المسلم بدار حرب، أو دار كفر غير حرب، لم يكن مأمورا بالمخالفة في الهدي الظاهر، لما عليه في ذلك من الضرر، بل قد يستحب للرجل، أو يجب عليه، أن يشاركهم أحيانا في هديهم الظاهر، لما عليه في ذلك من الضرر، إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين، والإطلاع على باطن أمورهم، لإخبار المسلمين بذلك، أو دفع ضررهم عن المسلمين، ونحو ذلك من المقاصد الصالحة.
فأما في دار الإسلام والهجرة التي أعز الله فيها دينه، وجعل على الكافرين بها الصَّغار والجزية ففيها شُرعت المخالفة. وإذا ظهر أن الموافقة والمخالفة لهم تختلف باختلاف الزمان والمكان ظهرت حقيقة الأحاديث في هذا] أهـ (اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية تحقيق د/ ناصر العقل ط 1404هـ ج 1 ص 418 ـ 419).
قلت: هذا بما يتعلق بالسرية في الإسلام مؤيدا بالأدلة الشرعية، ومنه تعلم خطأ من يقول إن الإسلام لا يقر العمل السري، فمما يؤسف له أن بعض من يَتَصَدون للدعوة الإسلامية ينكرون على غيرهم الأخذ بالسرية، وهذا الإنكار يدل على أن الإعداد للجهاد في سبيل الله لم يخطر ببال هؤلاء المنكرين، وإلا لعلموا معنى السرية. فتأمل هذا. قال تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} ( التوبة: 46) ، وهذا آخر ما نذكره في فقرة (الحرب خدعة).
ويمكن أيضا صياغة هذه الفقرة هكذا (والمقصد الأصلي للجهاد هو إظهار الدين لا الاستشهاد).
اللهم نسألك باسمك الأعظم أن تننصر إخواننا المجاهدين في كل مكان...إنك القادر على ذلك جل شأنك.
مركز الإعلام الإسلامي العالمي
يقدم
سلسلة الإعداد للجهاد
الحلقة 18
السرية في الأعمال العسكرية
إن الأصل في الدعوة هو الجهر والاستثناء هو الإسرار، أما الأعمال العسكرية فعكس ذلك، الأصل فيها السرية، وكيفما أمكن إخفاء المعلومات والأسرار والتحركات فهو واجب، وهذا كله بهدف تحقيق عنصر المباغتة ومفاجأة الخصم، وهو من أهم أسباب النصر.
أما أدلة السرية في الأعمال العسكرية فهي:
ما رواه البخاري عن كعب بن مالك في قصة تخلفه عن غزوة تبوك قال: (ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا، وعدوا كثيرا، فجَلَّى للمسلمين أمورهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد) الحديث: 4418. فقوله (ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى غيرها) يدل على أن الأصل في الأعمال العسكرية أن تكون سرية. ورواه أبو داود وزاد فيه (وكان يقول: الحرب خُدعة) وهذا الحديث فيه فائدة فيما يتعلق بالسرية، وهي انه يجوز للأمير أن يخرج بالجيش للغزو ومعظم الجيش لا يعلم بجهة الغزو، بدليل قول كعب (فجلى للمسلمين أمرهم ...... فأخبرهم بوجهه الذي يريد) وذلك في غزوة تبوك دون غيرها، وقد ذكرت هذه الفائدة حتى لا يقول أحد الجنود لا أخرج للغزو حتى أعلم الجهة. وفي ا لحديث فائدة أخرى، وهي أن إخفاء المعلومات ليس عن العدو فقط بل وعن الصديق أيضا، والهدف حصر المعلومات في أضيق دائرة ومنع تسربها ما أمكن فللعدو عيون وقد يتكلم الصديق وفي الحكمة “سِرّك من دمك فانظر أين تضعه”.
ومن ذلك أيضا بيعة العقبة مع الأنصار كانت سرية (البداية والنهاية 3 / 160).
ومن ذلك أيضا هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة كانت سرية قال تعالى: {إِلا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ( التوبة : 40) ، وقال أبو بكر رضي الله عنه : (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما) رواه البخاري حديث 3653 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسراقة بن مالك حين تَبِعَهم: «إخف عنا» رواه البخاري 3906.
ومن السرية أيضا ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم مع سَرِية عبد الله بن جحش كتب له كتابا وأمره ألا يفتحه إلا بعد مسيره يومين ثم ينفذ ما فيه، وستأتي القصة في الباب الخامس إن شاء الله تعالى.
ومن السرية في الأعمال العسكرية التجسس على العدو، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث العيون على عدوه كما بعث حذيفة إلى معسكر الأحزاب، وبعث الزبير طليعة وحده وغير ذلك مما ثبت بالأحاديث الصحيحة.
ومن ذلك كتمان نعيم بن مسعود لإسلامه حتى أوقع بين الأحزاب وبين قريظة يوم الأحزاب [قال ابن إسحاق: إن نعيما بن مسعود أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمُرْني بما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنت فينا رجل واحد، فَخَذِّل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة»]البداية والنهاية 4 / 111 وفتح الباري7 / 402.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يجوز بل قد يجب على المسلم التشبه بالمشركين في الهَدْي الظاهر كاللباس ونحوه لمثل هذه المصالح، قال رحمه الله: [ومما يوضح ذلك: أن كل ما جاء من التشبه بهم، إنما كان في صدر الهجرة، ثم نُسِخَ ذلك: لأن اليهود إذ ذاك، كانوا لا يميزون عن المسلمين لا في شعور ولا في لباس، ولا بعلامة ولا غيرها].
ثم إنه ثبت بعد ذلك في الكتاب والسنة والإجماع، الذي كَمُل ظهوره في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ما شرعه الله من مخالفة الكافرين ومفارقتهم في الشعار والهَدْي.
وسبب ذلك: أن المخالفة لهم لا تكون إلا مع ظهور الدين وعلوه كالجهاد وإلزامهم بالجزية والصغار. فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء لم تُشرع المخالفة لهم، فلما كمل الدين وظهر وعلا، شُرِع ذلك.
ومثل ذلك اليوم: لو أن المسلم بدار حرب، أو دار كفر غير حرب، لم يكن مأمورا بالمخالفة في الهدي الظاهر، لما عليه في ذلك من الضرر، بل قد يستحب للرجل، أو يجب عليه، أن يشاركهم أحيانا في هديهم الظاهر، لما عليه في ذلك من الضرر، إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين، والإطلاع على باطن أمورهم، لإخبار المسلمين بذلك، أو دفع ضررهم عن المسلمين، ونحو ذلك من المقاصد الصالحة.
فأما في دار الإسلام والهجرة التي أعز الله فيها دينه، وجعل على الكافرين بها الصَّغار والجزية ففيها شُرعت المخالفة. وإذا ظهر أن الموافقة والمخالفة لهم تختلف باختلاف الزمان والمكان ظهرت حقيقة الأحاديث في هذا] أهـ (اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية تحقيق د/ ناصر العقل ط 1404هـ ج 1 ص 418 ـ 419).
قلت: هذا بما يتعلق بالسرية في الإسلام مؤيدا بالأدلة الشرعية، ومنه تعلم خطأ من يقول إن الإسلام لا يقر العمل السري، فمما يؤسف له أن بعض من يَتَصَدون للدعوة الإسلامية ينكرون على غيرهم الأخذ بالسرية، وهذا الإنكار يدل على أن الإعداد للجهاد في سبيل الله لم يخطر ببال هؤلاء المنكرين، وإلا لعلموا معنى السرية. فتأمل هذا. قال تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} ( التوبة: 46) ، وهذا آخر ما نذكره في فقرة (الحرب خدعة).
ويمكن أيضا صياغة هذه الفقرة هكذا (والمقصد الأصلي للجهاد هو إظهار الدين لا الاستشهاد).
اللهم نسألك باسمك الأعظم أن تننصر إخواننا المجاهدين في كل مكان...إنك القادر على ذلك جل شأنك.
تعليق