الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية
قسم الإعلام التوعوي
:: يقدم ::
سلسلة مواقف مع شهداء أفغانستان (عبدالحكيم الليبي)
عبدالحكيم الليبي / بل نحن المساكين
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد،
عبدالحكيم هو أخو أبو الليث من النسب، بينما كان أخوه في جهاد مع نظام القذافي المرتد، كان عبدالحكيم على غير استقامة، وذات يوم أمر مسيلمة العصر القذافي جنوده أن يجمعوا الناس إلى كلمته التي سوف يلقيها، فكانوا يأخذون الناس بالقوة وبالسلاح إلى كلمته التي سوف يلقيها حتى يوهموا الناس والغرب أن الحضور هائل وكبير، فبينما هم يجمعون الناس ويركبونهم الحافلات كي يأخذونهم إلى مسيلمة، كان في إحدى تلك الحافلات عبدالحكيم مع أمه وحوله ضباط وجنود مسيلمة، فهمس إلى والدته فقال لها: أتريدين أن أضربه؟ فقالت له أمه: لا وهي خائفة من أن يفعلها، فعصاها وبطيش الشباب ضرب الضابط الذي بجواره بمرفقه على وجهه فسقط فأخذ سلاحه وسحب الأقسام ووجهه على وجهه وجنوده يضربون عبدالحكيم على وجهه، فقال لهم مقالة عمر عندما أسلم، وضربوه حتى أسقط كبيراً لهم وقال لهم: قل لهم أن يبتعدوا عني وإلا قتلتك، فأمرهم هذا الضابط الحقير أن يدعوه، فتركوه ثم طمئن أمه وقال لاتحزني، ثم خرج يجري هرباً منهم والسلاح بيده.
أخذ عبدالحكيم يفكر لماذا فعلت هذا ولماذا لم أطع أمي وماذا جنيت بفعلي هذا؟ أسئلة كانت تدور في خلده، ولكن لم يكن يعلم أن هذا تقدير الله لحكمة أرادها ستغير مجرى حياته وتصحح وجهته، يقول عبدالحكيم الليبي رحمه الله: كنت أمر في الشوارع ولا أخاف أحداً من البشر، فعندي سلاح، وكنت أمر على المتسكعين ولا أكترث بهم، ثم ذهبت إلى عمتي وبقيت عندها أياماً، علمت عندها أن جنود مسيلمة قد دخلوا بيتي ، وعندما فتش جنود مسيلمة البيت اكتشفوا أن ابو الليث أمير الجماعة الاسلامية المقاتلة، فقد كان أميرهم داخل ليبيا في ذلك الوقت، فساقوا أباه وعمه إلى السجن وعذبوهما ثم أعدموهما، واقتادوا اخواته إلى السجن، وكانت أمه تقول لهم: لو كان الرجال هنا ما استطعتم الدخول، فذهب عبدالحكيم إلى بيته فوجد جنود مسيلمة عند بيته، ولم يكن يتوقع أن كل ذلك سيحدث بفعلته تلك، فرمى السلاح إليهم وقال لهم: لو اقترب أحدكم لقتلته، ثم هرب ولحقو به حتى صعد على سطح بيت قريب من بيته واستلقى على بطنه وتضرع بالدعاء فصرفهم الله سبحانه وتعالى عنه، بعدها دخل على أمه وهي تبكي وتقول له: إنهم قاتلوك، فقال لها: لن يستطيعوا بإذن الله، يقول: دخلت عليها وهي تبكي وودعتها وهي تضحك.
التحق عبدالحكيم بالمجاهدين في ليبيا ، ثم هرّبوه إلى السودان، ومن السودان رُحّل في طائرة مع الشيخ أسامة وأبي حفص والدكتور أيمن وغيرهم من القادة إلى افغانستان.
هكذا غير هذا الموقف حياة عبدالحكيم، وما أشبه هذا الموقف بموقف حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه عندما بلغه أن أبا جهل ضرب النبي صلى الله عليه وسلم وسبه، فضرب حمزة أبا جهل على وجهه فشجه شجة منكره وقال: يا مصفّر استه اتسبه وأنا على دينه، فقد قالها حمية عن أخيه من الرضاعة وابن أخيه، ولكن أصبح بذلك سيد الشهداء وأسد الله رضي الله عنه.
لبث عبدالحكيم الليبي في أفغانستان قرابة الخمس سنوات وكان حريصاً على التدريب، فقد لبث في احدى المعسكرات 8 اشهر ولم ينزل فيها الى المدينة لا لحاجة ولا لغيرها، وكان كثيراً ما يذكر أمه ويقول: أتمنى أن أراها ولو لمرة. وهكذا ضحى ابو الليث واخوه بأقرب الناس إليهما نصرة لدين الله عز وجل، وكان عبدالحكيم حريصاً على الحراسة ومحباً لها، وكان يلزم الرباط ويسأل الله الشهادة. منّ الله عليه بالمشاركة في معركة الجبل صابر، قتل من أصحابه بارود وشيخه أبو العطا التونسي وغيرهم، وقد نصبه الإخوه أميراً على المجموعة، فكان يحث إخوانه على المسير وعدم التوقف، وكان بعضهم يجلس في مكانه ويقول دعوني أقاتل حتى أقتل، فلا أستطيع المشي، فكان عبدالحكيم يتوسل إليه أن يواصل ولتقديره بالمسؤولية والأمانة التي في عنقه وكان يحمل أسلحة الإخوة الذين لا يستطيعون المشي حتى أوصلهم.
كان رحمه الله شديداً لا يحب أن يرى أثر الضعف والخوف على وجوه إخوانه، ومن ذلك أنه كان مع إخوة قليلي الخبرة ولم يمض على وصولهم للخط إلا القليل، فسمعوا صوت قذيفة على موقعهم فاضطربوا وغيروا أماكنهم وهو جالس، فقال لهم هل خفتم؟ قالوا: لا، قال: لم قمتم إذاً! قالوا: هكذا علمونا أن ننتشر في مثل هذه الحالات، فقال: إذا كان أميركم جالساً وقد انفضيتم عنه من أول قذيفة فهذا دليل أنكم خائفون، وكان رحمه الله يريد الزواج ويقول: اتمنى لو اتزوج بحافظة للقرآن، أو ذات دين ولو كانت سوداء، وكان رحمه الله ليس فقيراً فقط، بل كان معدماً.
منّ عليه بالزواج وحملت زوجته، وبينما كانت زوجته في شهورها الأخيرة جاءتني رسالة من أهلي، فوصلت إليه وطُلب منه أن يوصلها إلي، فترك زوجته وهي في تلك الحالة وسافر من كابل إلى قندهار وهو يبحث عني، وجلس أياماً ولكنه لم يجدني، ثم التقيت به بعد مدة، وقدر الله أن أكون في مجموعته، فكان رحمه الله شديد الشفقة والحرص والرحمة على إخوانه، فبينما كانت الطائرات تقصف جبال تورا بورا كان مشفقاً على مجموعته وإخوانه من أن يلحق بهم ضرر من ذلك، وكان بعيداً عنهم لأمر ما، وعندما وصل إليهم وجدهم بخير فاطمئن، وعندما سأل احدنا هل خرجتم من اماكنكم قال نعم، فعنّفهم وقال وهو في أشد الغضب: (يا كسالى) فقط، ولكن انظر لو غضب أحد منا ماذا سيقول! وكنا تسعة نفر تحت صخرة ولم تكن الخنادق تكفينا كلنا في طول اربعة امتار في متر، وكان قائدنا عبدالحكيم فيما يلي المدخل، وكان المكان الوحيد الغير محصن، وان كان المكان كله شبه محصن، وهكذا تكون تضحية الأمراء، فكان يلزم كل أفراد مجموعته بالعمل وإن كان يحتاج لأمر ما ثلاثة نفر، فإنه يأمر البقية بعملهم حتى لا يشعر أحد أنه يفضل أحدا على أحد.
مشيناها خطاً كتبت علينا *** ومن كتبت عليه خطاً مشاها
ومن كانت منيته بأرض *** فليس يموت في أرض سواها
قدر الله أن يخرج من تورا بورا ليلحق بإخوانه في معسكر الليبيين المتآخم لخط كابل، وعندما انكسر الخط ثبت الأشاوس وكان آخر اتصال معهم بالمخابرة أن قال أحدهم ولم يبق بيننا وبين العدو الا القليل ولكننا لن نستسلم، فقتل عبدالحكيم وفيصل وابو محمد وابراهيم، وكلهم كانوا من ليبيا، ذادوا عن عرينهم حتى آخر رمق، ولازلت أذكر عندما سَأل قائدنا عبر المخابرة عمن قتل، فذكر اسمه وأنا عنده فتأثرت وقلت عفوياً: مسكين، فقال لي أحد المجاهدين وكان كبيراً في السن: بل نحن المساكين.
نعم والله بل نحن المساكين.
كتبها: المحاربي
أعدها ثم نقلها عنه: أبو تراب الغريب
.....- وصلنا عبر البريد الخاص -.....
لا تنسونا من صالح دعائكم
إخوانكم في
قسم الإعلام التوعوي
الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية
رَصدٌ لأخبَار المُجَاهدِين وَ تَحرِيضٌ للمُؤمِنين
تعليق