إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحرب النفسية ؛ دفاعاً وهجوماً ..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحرب النفسية ؛ دفاعاً وهجوماً ..

    الحرب النفسية ؛ دفاعاً وهجوماً ..
    الحرب النفسية؛ هي الحرب التي تستخدم فيها أساليب الدعاية
    والوسائل السيكولوجية والمعنوية الأخرى للتأثير في معنويات العدو
    واتجاهاته، لخلق حالة من الانشقاق والتذمر بين صفوفه، ويقصد بها
    المساعدة في كسب المعارك الحربية وإلحاق الهزيمة بالخصم.

    وتوجه للعدو كما توجه للحلفاء والموالين والمحايدين والجنود
    والمدنيين، لرفع الحالة المعنوية للمقاتلين الوطنيين، وخفض
    الحالة المعنوية للأعداء.

    ويستخدم في ذلك الدعاية، وبث حالة الحماس لدى أبناء المجتمع
    العسكريين والمدنيين للتمسك بقضيتهم وبحقوقهم التي يحاربون من
    أجلها، وبيان ضرورة كسب الحرب، مع الاستعانة بإثارة المشاعر
    الوطنية والقيم الدينية والأخلاقية، وفكرة الشهادة في سبيل الله،
    والعودة للمفاخر التاريخية التي تزكي قيمة الدفاع وعن العقيدة
    والمقدسات والعمل على حمايتها.

    ويستخدم في الحرب النفسية العديد من الوسائل؛ كالخطب والأناشيد
    والأغاني والموسيقى الحماسية، وغير ذلك مما يدخل في نطاق الحرب
    النفسية الحديثة.

    والوسائل النفسية أو الحربية هذه تستخدم في العصر الحديث في كثير
    من المجالات خلافاً للمجال الحربي أو العسكري؛ منها الانتخابات،
    وكسب المبارايات الرياضية، وفي مجال الصناعة والتجارة والسياحة
    والاقتصاد عموماً وفي المجالات التربوية والتنموية.

    تنوع الأساليب المستخدمة في الحرب النفسية:

    تستخدم الحرب النفسية أساليب الدعاية بقصد نشر بعض الأفكار أو
    الآراء أو المعتقدات، ولتغيير اتجاهات الناس والتأثير في مشاعرهم
    وميولهم وأفكارهم وآرائهم ومعتقداتهم، وتوجه للفرد أو للجماعة
    على حد سواء.

    وتستهدف الحرب النفسية إضعاف القدرة القتالية للخصم، وخفض
    معنوياته، وتشكيكه في عدالة قضيته، وفي نفس الوقت العمل على رفع
    الحالة المعنوية للطرف الذي يشن الحرب النفسية، وكذلك رفع قدرته
    القتالية، وزيادة قدرته على النضال والصمود والتضحية والبذل
    والعطاء.

    وينجم عن تغيير المشاعر والميول والاتجاهات والآراء والمعتقدات
    والأفكار؛ تغيير السلوك، وهو الهدف الرئيس من هذه العملية، حتى
    يقتنع الخصم بالهزيمة وبأنه لا جدوى من الاستمرار في الحرب، وأن
    الاستسلام هو الحل الوحيد.

    وللحرب النفسية تاريخ طويل؛ فلقد كان أول من استخدم هذا المصطلح
    المحلل العسكري البريطاني "ج.ف. س. فوللر" في عام 1920م، ولم
    ينتشر استعمال هذا المصطلح في الولايات المتحدة الأمريكية إلا في
    العام 1940م.

    وفي أثناء الحرب الكورية؛ أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية
    قسماً خاصاً بالحرب النفسية، أطلقت عليه اسم "مكتب رئيس الحرب
    النفسية" [The office of the chief of psychological warfare]،
    كما أنشأت مدرسة لتدريب العسكريين في فنونها ومناهجها دفاعاً
    وهجوماً.

    وتعتمد الحرب النفسية على التأثير في اتجاهات الآخرين وآرائهم،
    ويتوقف تأثيرها أو نجاحها على العديد من العوامل، من بينها أن
    يكون مصدرها محل ثقة المجتمع المستهدف، كما تتوقف على مقدار
    الحرب المضادة أو الدعاية المضادة وقوتها التي تقابلها وتعارضها
    وتفندها وتدحضها وتوضح عدالة القضية ومشروعيتها.

    وتستخدم المؤثرات النفسية في تقوية قدرة وعزيمة مجتمع ما على شن
    الحرب والانتصار فيها، وتؤثر أكثر ما تؤثر في الحالة المعنوية،
    وتستهدف نمو الشعور بالثقة في الذات، وزيادة قوة الحماس
    والدافعية والاستمرار في العمل نحو تحقيق الأهداف والشعور
    بالسعادة والفرح والمرح والثقة في الجماعة، وبالذات؛ وتدعيم دور
    الفرد في الجماعة، وتنمي روح الولاء للجماعة والإخلاص لها
    والاستعداد للمجاهدة في سبيل الأهداف الجماعية. وتساعد في زيادة
    تماسك الجماعة ووحدتها وتساندها وتضامنها والإقبال على الحياة.

    وتمتع الجماعة بالصحة النفسية والعقلية؛ يساعد في ارتفاع الروح
    المعنوية، وزيادة العزم والتصميم والصمود وبقاء التساند والتلاحم
    والاتحاد والتماسك في مواجهة الصعوبات والشدائد والمحن التي
    يقابلها المجتمع.

    وتسير عمليات الحرب النفسية في اتجاهين:

    1) رفع الحالة المعنوية للمجتمع المحارب وحلفائه.

    2) خفض حالة العدو المعنوية ومن يسانده .

    ولكن في الوقت الراهن، اتسعت آفاق استخدام الحرب النفسية لتطبق
    في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع، ولم يعد استخدامها
    قاصراً على الحقل العسكري، وذلك بقصد الإقناع، والتأثير في
    الحالة المعنوية، وفي المجالات الفنية والرياضية.

    وتستهدف هذه العملية؛ تعديل آراء الناس بإرسال رسائل لهم، وتقتصر
    الحرب الدعائية على إبراز وجهة نظر واحدة من الموضوع أو من
    القضية المطروحة دون عرض وجهة النظر المعارضة.

    وتمارس الحرب النفسية تأثيرها وهي مختفية أو بصورة مقنعة ومستترة
    وغامضة، فلا تظهر سافرة أو علنية، فقد تتستر وراء شائعة أو قصة
    أو حادثة أو خبر أو رواية أو مسرحية أو حتى موقعة "عسكرية
    مسرحية" يراد بها الحرب النفسية والتأثير على أعصاب الخصم،
    كاحتلال موقع صغير للعدو لا توجد به قوات عسكرية كبيرة، أو
    احتلال جزيرة صغيرة واستخدام هذا الاحتلال كنوع من إظهار القوة
    والبأس.

    ويدخل ضمن المناهج التي تستخدمها الحرب النفسية عملية "غسيل
    الدماغ"... وغير ذلك من وسائل الإقناع لتعديل محتويات عقل الفرد
    أو مفاهيمه وتصوراته وأفكاره ومعتقداته.

    مبادئ الحرب النفسية الناجحة:

    ومن مبادئ الحرب النفسية الناجحة اعتمادها على مايلي:

    1) تقديم أفكار أو حقائق جديدة بالنسبة للمستمع أو المستهدف، أو
    استغلال وتوظيف هذه الحقائق لخدمة أغراض مصدر الحرب النفسية مع
    انتقاء الأفكار التي يحتمل أن يقبلها الخصم، وعدم استعمال
    الأفكار التي من المتوقع أن يرفضها الأعداء.

    ولذلك لابد لمن يشن حرباً نفسية ناجحة من دراسة اتجاهات المجتمع
    المستهدف ومعرفة ميوله وحاجاته وعقائده وكافة عناصر ثقافته.

    2) الاعتماد على التكرار مع التنوع، حتى لايؤدي التكرار إلى
    الشعور بالملل ومن ثم رفض الرسالة، التكرار مع التشويق واستخدام
    وسائل الجذب.

    3) تقديم المكافآت أو التعزيزات للجمهور المتلقي.

    4) خلق حالة من الغموض وحب الاستطلاع لدى الخصم، بحيث تأتي
    الرسالة كإشباع أو إجابة عن هذه الحاجة، وخفض حالة التوتر التي
    تنجم عن الحرمان من المعرفة بالحقيقة، ذلك لأنه في جو الغموض
    وحده تنتشر الشائعات ويقبلها المجتمع لإشباع الحاجة إلى المعرفة.

    5) ضرورة توفر المصداقية في مصدر الرسالة، حتى يصدقه ويثق فيه
    الجمهور المستهدف، فإذا عرف المجتمع المستهدف أن إذاعة معينة
    كاذبة وتروج الشائعات؛ انصرفوا عنها.

    6) يفضل أن يتمتع مصدر الرسالة بالجاذبية والقبول لدى الجمهور
    المستهدف، فالشخص المكروه لا يقبل الناس على الاستماع إليه، وإن
    استمعوا إليه لا يصدقونه، ولذلك تستخدم الشخصيات المحبوبة أو
    المقبولة أو المرموقة.

    7) البعد عن الرسائل أو الأفكار التي تتعارض مع عموميات ثقافة
    المجتمع، كالدين أو المساس بالمقدسات أو العادات الراسخة، حتى لا
    يرفضها الخصوم.

    8) تستهدف الدعاية؛ زعزعة قضية الخصم وتشكيكه في عدالتها وصحتها.

    9) إبراز نواحي الفقر والحرمان والعوز والجوع، والإشارة إلى
    معاناة الخصم من مشاكل، مثل؛ البطالة، وانخفاض مستوى المعيشة،
    وقلة المساكن، وصعوبة الزواج، وصعوبات التعليم.

    10) خلق صورة براقة ومشرقة عن حالة المجتمع المعادي في حالة
    استسلامه وتوقفه عن الحرب وقبوله الهزيمة.

    11) مخاطبة عواطف الناس ووجدانهم وانفعالاتهم أكثر من مخاطبة
    العقل والمنطق.

    12) إثارة الخوف والفزع والرعب في نفوس الخصوم بالمبالغة
    والتضخيم في القوات المسلحة، وتوجه المدمرات والبوارج وحاملات
    الطائرات والمدرعات وأسراب الطائرات المقاتلة والقاذفة، والإشارة
    إلى أعداد ضخمة من القوات المسلحة، وتدريبهم على كافة الحروب
    الحديثة، والتهديد باستخدام أسلحة الدمار الشامل أو الأسلحة
    النووية والكيميائية والجرثومية أو البيولوجية واستخدام الغازات
    السامة والقنابل الضخمة والعنقودية والهيدوروجينية... وما إلى
    ذلك مما شاهدناه في الحملة الحربية التي قادتها الولايات المتحدة
    الأمريكية ضد شعب أفغانستان الأعزل.

    استخدام "هتلر" للحرب النفسية:

    نظراً لأهمية الحرب النفسية، فلقد أنشأ لها "هتلر" وزارة خاصة
    بالدعاية والتنوير أو الإرشاد [The Ministry of Popular
    Enlightement and Propaganda]، وعين وزيراً لها هو "جوزيف جوبيل"
    [Joseph Goebbels]، واستخدما ما نطلق عليه اليوم الطريق السطحي
    في الإقناع من أجل إقناع الجمهور المستهدف من دعايتها.

    وفي بعض الأحيان كانا يخاطبان عواطف الناس، كما اعتمدا على تكرار
    إطلاق بعض الشعارات، ولم تكن هذه الدعاية تهتم كثيراً بالمبادئ
    الأخلاقية محتجاً في ذلك بأن النصر هو أهم الأهداف وهو الانتصار
    "الكاسح"، كما كانت تذهب إليه دعاية النازية، ولكن في واقع
    الحال؛ انتهت بهزيمة منكرة لألمانيا ومن معها من دول المحور -
    إيطاليا واليابان -

    ومن هذه المبادئ المستخدمة في الدعاية الألمانية ما يلي:

    1) الاعتماد على غربلة أو تصفية المادة المراد إرسالها، بحيث
    تحقق الهدف النفسي منها، ومؤدى ذلك أنه لا يلزم بالضرورة سرد
    الحقائق كلها أو كما هي في الواقع، بل إن الواقعة الواحدة يمكن
    تجزئتها واستقطاع جزء واحد منها واستعماله.

    ولقد تمكنت النازية من تحقيق ذلك بعد سيطرتها على أجهزة الإعلام
    الجماهيرية أو وسائل الاتصال الجماهيرية، وتشمل الآن الإذاعة
    والتلفاز والصحف والمجلات والدوريات والسينما والمسرح والمعارض
    والمهرجانات، بحيث لا يصل إلى الناس - سواء في الداخل أو في
    الخارج - إلا المعلومات "المفلترة" أو المنقاة أو المصفاة
    والمختارة خصيصاً لتحقيق الأثر النفسي.

    وسيراً في طريق السيطرة على الصحافة؛ كان الصحافيون يتم اختيارهم
    بدقة شديدة من أصحاب الولاء للفكر النازي، وكانوا يخضعون للعقاب
    أو نيل الثواب والجزاء بصورة منتظمة بناء على جهودهم في خدمة
    النازية أو السماح لبعضهم بالاطلاع على بعض الحقائق أو القصص،
    وكانت صورة شائعة عن الشخصية النازية تصفها بالجسارة والشجاعة
    والإقدام عن طريق عرض الشعارات والملصقات ذات القدرة العالية على
    جذب الانتباه، وكانت الرسائل الموالية للنازية تمتزج مع برامج
    التسلية الشيقة والمشهورة.

    2) تعمد إقناع الناس بأن انجلترا تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة،
    ومن القلاقل السياسية، أو عدم الاستقرار السياسي.

    3) عرض الأفلام التي توضح اتفاق الشعب مع "هتلر" وسياسته.

    4) خلق صورة من مشاعر العظمة والسمو لدى الشعب الألماني، ومن أجل
    تحقيق هذا الغرض تم بناء استديوهات كبيرة، واستخدمت لعقد
    اللقاءات والمقابلات بين الناس لإقناع الناس بأن للنازيين أصولاً
    ثقافية عريقة وقوية في الماضي، وذلك لإقناع الناس بقوة النازية.

    5) تكوين جماعات من الشبيبة موالية لـ "هتلر"، يدينون بالولاء
    للنازية، وكانوا يتميزون بارتداء القمصان البنية اللون كشعار لهم.

    6) الاستفادة من حالة الخوف والإحباط التي ترتبت عن خوض ألمانيا
    الحرب العالمية الأولى، والتي تركتها تعاني أشد المعاناة من
    الصعوبات الاقتصادية، وشعور الناس بعدم الأمان حول المستقبل،
    ولذلك ابتكر "هتلر" فكرة؛ أن اليهود هم الذين تسببوا في امتصاص
    الاقتصاد الألماني ومصادره أو منابعه، وبذلك لفظ المجتمع
    الألماني اليهود بينما توحد الشعب الألماني معاً.

    7) استخدام الراديو أثناء الحرب العالمية الثانية، من طرفي
    النزاع على حد سواء، بقصد إضعاف معنويات العدو، واستخدم النازي
    بعض الخونة من الإنجليز في الإذاعة، كما استخدمتهم اليابان لهذا
    الغرض، تم استخدام هذه الإذاعات والبرامج الإذاعية إلى جانب
    إسقاط المنشورات والكتيبات والأوراق والصور من الطيران.

    8) إثارة حرب الأعصاب التي كان النازي يشنها قبيل توجيه عدوانه
    نحو الشعوب الأوروبية، بالادعاء بأن الأقلية الألمانية في البلد
    المستهدف تم القبض عليهم وتوجيه الاتهامات، وأن الجيش الألماني
    يقف على أهبة الاستعداد للرد الصارم على ذلك، مثل هذه الدعاية أو
    حرب الأعصاب هذه كانت تستهدف إضعاف العدو، وجعله في حالة من
    الحيرة والتردد والانقسام على نفسه.

    9) تصوير "هتلر"؛ في صورة الأب العطوف والقائد الكفء والمحارب
    الفذ، وأن كل مشاكل الأمة تجد حلها في الالتفاف حول هذا القائد
    العسكري الخبير، فكانت صورته كالأب المتواضع، وأن الشعب كله يقف
    من ورائه، كما يقال الآن في بعض المجتمعات "زعيم الأمة"، أو
    "حبيب الشعب" "راعي الشباب"، "نصير الحق".

    واستخدم الحلفاء مناهجهم في الحرب النفسية والدعائية ضد دول
    المحور والتي ركزت جهودها لمقاومة أو مكافحة دعاية الأعداء،
    ولخفض معنويات القوات المسلحة الألمانية والإيطالية واليابانية،
    والنيل من معلومات المدنيين، وفي نفس الوقت كانت تعمل هذه
    الدعاية لتقوية الروح المعنوية في الداخل، وتقوية الدوافع نحو الحرب.

    ولذلك فإن الحرب النفسية أصبحت سمة أساسية من سمات كل الحروب
    الحديثة، ولقد استخدمت بتوسع في الحروب الحديثة الآتية:
    تابع.............
    1) حرب فيتنام.
    2) الحرب الكورية.
    3) حرب جزيرة الفوكلاند.
    4) في حرب الخليج.
    5) الحرب في يوغسلافيا.
    6) وأخيراً؛ حرب أفغانستان، ضد حركة طالبان الحاكمة والحرب ضد العراق.

    هل تسهم الدعاية في حماية أرواح الناس أم في زيادة أعداد القتلى؟

    المعروف أن للحروب نتائج مأسوية كثيرة في سفك الدماء، وقتل
    الأبرياء، وحصد الأرواح، وتدمير الممتلكات، وهدم ما بناه الإنسان
    من معالم حضارية، والعودة إلى مراحل بدائية، ولذلك توصف الحرب
    بأنها سلوك انتكاصي أو نكوصي يرتد فيه الإنسان إلى الوراء في
    مدارج الحضارة، ولكن لا نعرف على وجه التحديد كم تسهم الدعاية في
    إنقاذ حياة الناس أم في قتلهم، هناك حاجة لإجراء الدراسات
    الإحصائية والميدانية العلمية والدقيقة للتعرف على عدد الأشخاص
    الذين يتم إنقاذ حياتهم أو وفاتهم بسبب الحرب النفسية وحدها، وهل
    هي خير أم شر؟

    أحياناً؛ يتم التغرير بسكان مدينة معينة بأنها سوف تهاجم من
    ناحية الشرق - مثلاً - فتتجه أعداد غفيرة منهم هرباً في اتجاه
    الغرب، وهناك يكمن لهم العدو ويقضي عليهم، فالدعاية قد تكون
    خادعة ومضللة وتؤدي إلى الفتك بمزيد من الأرواح.

    وبعد انتهاء الحروب فإن الدعايات التي تتضمن في الغالب أكاذيب
    ومعلومات مغلوطة لا يتم تصويبها، ولكن لا يعرف كم من الآثار تبقى
    من هذه الدعاية في أذهان الناس وفي مشاعرهم، ربما تبقى بعض
    الرسائل مترسبة في نفوس هؤلاء، تبقى لكي تظهر إذا ما بدأ صراع
    جديد بين نفس الأطراف.

    ويذهب بعض علماء النفس إلى القول؛ إن أساليب الإقناع قد تكررت
    وكثر استعمالها لدرجة أن الناس أصبحوا لا يتأثرون بها، ولم تعد
    ذات فاعلية لديهم، من ذلك عدم اهتمام الناس بالذهاب إلى صناديق
    الانتخاب مهما سمعوا من دعاية عن أهمية الانتخابات ونزاهة
    المرشحين، أو التبرع لبعض جمعيات الإحسان، أو جودة سلعة معينة،
    أو الإعلان عن شقق بعمارات فاخرة... كثرة الإعلانات الكاذبة
    أكسبت الناس حصانة ومناعة ضد قبول الدعايات المتكررة، ولذلك لابد
    من انتهاج مناهج جديدة في إقناع الناس وإخضاع هذه الأساليب
    للقانون وللقيم الأخلاقية لحماية الناس من النصب والاحتيال، ربما
    لأن الواقع الفعلي أكثر قوة وصدقاً من كل أساليب الدعاية.

    والحقيقة أن أجهزة الإعلام كثيراً ما تعطي صورة خاطئة عن العالم
    كله أو على القليل عن بعض القضايا، ومن أمثلة ذلك القضية العربية
    كما تظهر في الإعلام الغربي، وبالمثل صورة الإسلام والجمعيات
    الإسلامية الخيرية أيضاً في الإعلام الغربي وصورة الشخصية
    العربية والإسلامية.

    وللتلفاز تأثير كبير في هذا الصدد، فقد يظهر المجتمع على أنه
    عنيف بصورة أكثر مما هو عليه في الواقع، وقد يصور مجتمعاً ما على
    أنه غارق في الترف والرخاء، الأمر الذي يتطلب من متلقي الرسالة
    الفحص والتمحيص والدقة في قبولها أو رفضها باستخدام العقل
    والمنطق وليس العاطفة أو الانفعال والوجدان.

    ويميل الناس إلى قبول الدعاية التي تسبب لهم الشعور بالسعادة
    أكثر من تلك التي تسبب لهم الشعور بالقلق أو الضيق أو الحزن أو
    اليأس، فالدعاية الوردية التي تبعث على الأمل يقبلها الناس، كتلك
    الدعاية التي تشير إلى قرب انتهاء الحرب أو قرب موعد النصر
    النهائي، أما الدعاية التي تثير الخوف والرعب والهلع والفزع
    والقلق والضيق والتشاؤم فتسمى بالدعاية السوداء، وينفر منها
    الجمهور المستهدف، كالقول؛ بأن الأعداء أسروا شاباً مقاتلاً
    وقتلوه ومزقوا جسده إرباً وبعثوا برأسه كهدية إلى زوجته، مثل هذه
    الشائعات يفضل عدم استعمالها لأنها منفرة وتبعث على التقزز.

    استخدام المنهج العلمي في الحرب الدعائية:

    على الرغم من وجود محاولات قليلة في استخدام الحرب النفسية
    والدعاية قبل الحرب العالمية الأولى، إلا أن الدعاية أصبحت
    عنصراً رئيساً من عناصر الحرب في أواخر الحرب العالمية الأولى،
    مستخدمة المنهج العلمي وتقنيات العلم الحديث.

    ولكن هذا الاتجاه لم يصل إلى إنجلترا إلا في صيف عام 1918، حيث
    تم إنشاء قسم خاص للرد على دعاية العدو، كما تكونت لجنة قومية
    لهذا الغرض، وتشكلت من أعضاء من إنجلترا والولايات المتحدة
    الأمريكية وفرنسا وإيطاليا.

    وفي الولايات المتحدة الأمريكية أنشأ الرئيس الأمريكي "ودرو
    ولسون" [Woodrow Wilson] لجنة للمعلومات العامة في عام 1917م،
    تلك اللجنة التي استطاعت الاستفادة من المعلومات والخبرات
    المطبقة في الدعاية التجارية، ومن فنون الإعلان المختلفة
    المعروفة في ذلك الوقت كي تشن دعايتها إلى كل من المجتمع
    الأمريكي في الداخل وللأجانب المشاهدين والمستمعين في الخارج.

    فالدعاية توجه إلى:

    1) خارج البلاد؛ لبث روح الهزيمة في الخصم.
    2) داخل البلاد؛ لتدعيم الروح المعنوية ومساندة الجيش والدولة في قضيتها.

    ولم يكن الراديو قد استعمل في الاتصالات الجمعية، ولذلك كان
    الاعتماد على الصحف والمجلات والنشرات والملصقات والأفلام
    والخطباء العامين والكتيبات والمقالات والكراسات الصغيرة.

    وكان الهدف من شن هذه الدعاية تحقيق الأهداف الآتية - ومازالت
    هذه الأهداف قائمة حتى الآن في كل الحروب -

    1) لتعبئة وإثارة الشعور بالكراهية والحقد والسخط وتوجيه هذه
    المشاعر نحو العدو، وخفض حالة العدو المعنوية وتثبيط همته.

    2) لإقناع أبناء المجتمع الداخلي بأحقية قضيتهم ومشروعيتها
    وعدالتها، وكذلك الحلفاء المشتركين في الحرب. ولتنمية الروح
    القتالية والاحتفاظ بهذه الروح.

    3) لتنمية مشاعر الصداقة والود مع المجتمعات أو الدول المحايدة،
    ولغرس الاعتقاد في أذهانهم بأن الحلفاء على حق، بل إنهم في
    النهاية سوف يحققون النصر، وإذا أمكن حثهم على تقديم المساعدة
    والتأييد والتعضيد وتعاونهم الفاعل والإيجابي والمثمر مع الحلفاء.

    4) لتنمية حالة الصداقة والود مع الأمم أو الدول التي تحارب معنا
    وتقوية هذه الروح.

    وأياً كانت المناهج المستخدمة في هذه الحرب الدعائية - سواء ما
    كان منها في جانب الحلفاء أو دول المحور = فإن الفكرة الأساسية
    من الحرب النفسية؛ كانت تنمية اتجاهات مؤيدة وقوية داخل المجتمع
    وكذلك تنمية المشاعر والآراء والمعتقدات الموالية للحلفاء، مع
    تكوين اتجاهات معادية ومعارضة نحو العدو باعتباره كياناً خطراً
    علينا وباعتباره خارجاً عن أمتنا، أي صب المشاعر العدوانية على
    عدو خارج عن المجتمع.

    والإنسان بطبعه يميل إلى الالتحام والالتصاق بجماعته عندما يواجه
    الإحباط أو الفشل أو الخطر أو القلق، والمجتمع يتوحد ويتماسك
    ويأتلف عندما تواجهه الأخطار الخارجية، ومؤدى ذلك أن الدعاية
    تستهدف تنمية مشاعر الحب ومشاعر الكره، ولا يوجد شيء أقوى من
    الحرب في كسر الحواجز الطبقية أو الطائفية والدينية وتنمية مشاعر
    الوحدة، ويؤدي ذلك إلى تنمية مشاعر الود والصداقة والتعاون داخل
    المجتمع الواحد والكيان الواحد، ذلك لأن مشاعر العدوان السابقة
    التي كانت توجه نحو الداخل، وكذلك مشاعر السخط أو الحنق أو النقد
    تخرج وتنطلق لتوجه إلى عدو خارجي أو خارج عن الذات، ولذلك يلاحظ
    بوادر الانقسام بعد انتهاء الحرب، كما حدث في اتحاد الأمة
    الجزائرية والأمة الأفغانية ضد عدو خارجي ثم سرعان ما دب الخلاف
    بين رفقاء السلاح بعد انتهاء معركتهم من العدو الخارجي.

    وفي زمن الحرب تقوى مشاعر حب الوطن أو الوطنية، وتعلو فوق كافة
    المذاهب السياسية أو الاقتصادية كالشيوعية أو الاشتراكية أو
    الماركسية.

    وقصارى القول:

    إن الحرب النفسية لا تعرف حدود الزمان والمكان، فهي تمارس قبل
    الحرب لإعداد عقول الناس لها، وأثناء الحرب لرفع الحالة القتالية
    وزيادة الاعتقاد في عدالة القضية التي نحارب من أجلها، وبعد
    الحرب لتدعيم مكاسبها وترسيخها.

    كذلك فإن الحرب النفسية ذات طبيعة مستترة، فهي تعمل في الخفاء
    ومن وراء ستار ولا تظهر بصورة علنية سافرة، وقد تمارس في شكل خبر
    أو قصة أو واقعة أو رواية أو مسرحية أو شائعة.

    ولا تعرف الحدود الجغرافية؛ لأنها تمارس عبر الأثير، وتنطلق
    لتجوب العالم كله. وهي وإن كانت لا تستخدم الأساليب العسكرية إلا
    أن تأثيرها قويا في النيل من معنويات الخصم وعزيمته وإضعاف
    إرادته.

    ومن خصائص الحرب الدعائية الحديثة؛ أنها لا تمارس فقط في المجال
    العسكري وإنما في كافة مجالات الحياة العصرية السياسية
    والاقتصادية والدبلوماسية والثقافية أو الفكرية أو العقائدية أو
    الإيدولوجية.

    ولنجاحها لابد من اعتمادها على العلم والمنهج العلمي، ومن ذلك
    دراسة اتجاهات وظروف المجتمع الذي توجه إليه، ومعرفة التربية
    التي يحتمل أن تنمو فيها وتنتشر وتزدهر الشائعات، وتلقى الشائعات
    قبولاً إذا كانت تشبع حاجات الناس مع المعرفة بحقائق الأمور
    وأسباب الأحداث والوقائع، ولذلك تنتشر في جو الغموض وحيث يحدث
    التعتيم الإعلامي عن تفسير الأحداث الجارية.

    وهي أكثر نجاحاً إذا راعت المستوى العقلي، والثقافي، والتعليمي
    لمن توجه إليه، وإذا استخدمت وسائل جذب الانتباه، واعتمدت على
    التكرار غير الممل وعلى التشويق، وإذا كان مصدرها جذاباً أو
    مقبولاً من قبل الجمهور المستهدف، وإذا كان مصدر ثقتهم. وتنطبق
    عليها شروط التعليم الجيد وشروط الإعلام الجيد وشروط الإقناع
    الجيد.

    وكما تشن للهجوم فإنها أيضاً تتصدى للدعاية المعادية بالرد عليها
    وبيان زيفها وبطلانها.

    المراجع العربية والإنجليزية:
    1) بدوي، أحمد زكي، 1986م، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية،
    مكتبة لبنان، بيروت، لبنان.
    2) دسوقي، كمال، 1990، ذخيرة علوم النفس، توزيع مؤسسة الأهرام،
    القاهرة، مصر.
    3) الحفني، عبدالمنعم، 1994م، موسوعة علم النفس والتحليل النفسي،
    مكتبة مدبولي، القاهرة، مصر.
    4) سالمي، عبدالمجيد، وآخرون، 1998م، معجم مصطلحات علم النفس،
    دار الكتاب اللبناني ودار الكتاب المصري، مصر ولبنان.
    5) طه، فرج عبدالقادر وآخرون، 1993م، موسوعة علم النفس والتحليل
    النفسي، دار سعاد الصباح، الكويت والقاهرة.
    6) Birch, A. and Malim, T1998 Introductory psychology,
    Macmillan press, London.
    7) Brown, J. A. C. 1963 Techniques of persuasion from
    propaganda to brainwashing, a pelican book, London.
    8) Rebet, A. S1995 Penguin dictionary of pcychology, penguin
    books, London

    عبد الغفور الجزائري

  • #2

    يعطيك العافية اخي وجزاك الله كل خير000وفي ميزان اعمالك يارب !

    تعليق

    يعمل...
    X