المشاة الآلية في العمليات الصحراوية
الصحراء العربية هي أجفّ صحارى العالم جميعاً وأكثرها
قحولة وجدباً، بل إنها تعتبر النموذج الكامل للصحراء
المطلقة التامة... إنها البيداء أكثر مما هي البادية.
والرياح هي سيدة طبوغرافية الصحراء بلا منازع، فالجفاف
المطلق يلغي التعرية المائية، ويترك المسرح خالياً مكشوفاً
تماماً للتعرية الهوائية التي يضاعف من انطلاقها انخفاض
السطح وانبساطه العام أيضاً.
والواقع أن الرياح هي أكبر عامل تشكيل للصحراء العربية،
إنها "جاروف" أو "كبّاش" الصحراء الجبار الذي حفر تجاويفها
الهائلة، وبعبارة أخرى وأخيرة؛ إن الغلاف الغازي هو أكبر
عوامل تشكيل الصحراء العربية.
وتشترك أغلب دول الخليج العربي في انتمائها الصحراوي
وتشابه جغرافيتها وتضاريسها، وتكاد المظاهر الجغرافية
تتكرر في كل دولة خليجية من حيث قيام الحياة، وأغلب المدن
على شريط ساحلي ضيق، يتبعه عمق هائل من الصحراء الممتلئة
بالغرود والكثبان الرملية، ثم تصطف سلاسل من الجبال تأخذ
طابع المانع في أحد الاتجاهات دون الأخرى.
وهنا تساهم الطبيعة في تحديد شكل وتنظيم الجيوش، كما تفرض
أسلوب القتال في حالة التحوّل للدفاع عن الوطن.
إن الحروب في المناطق الصحراوية يكون فيها الصراع أساساً
حول الطرق والممرات الاستراتيجية والنقاط العليا المطلة
على هذه الطرق، بالإضافة إلى السيطرة على الموارد الحيوية.
لقد أكدت العمليات العسكرية الحديثة في "حرب أكتوبر" والتي
جرت العمليات فيها على أرض صحراوية مشابهة للصحراء في
منطقة شبه الجزيرة العربية على أهمية الوحدات الآلية
والمدرعة والقوة الجوية.
ويعود هذا بصورة كبيرة إلى المزايا الآلية والعسكرية للأرض
المفتوحة، حيث لا يعيق النقص العام للزراعة مثل؛ الأشجار
والشجيرات الحركة أو تخفى الأنشطة العسكرية... وبكل بساطة
فإنه من الصعب الاختفاء في صحراء مفتوحة، وفي الوقت الذي
يوفّر فيه انفتاح الأرض الصحراوية نموذجاً لقابلية الحركة
اللازمة للمدرعات والمشاة الآلية، إلا أنها تجعلها عرضة
لهجوم الطائرات.
طبيعة القتال في الصحراء:
كلما تعمّق التوغُّل في الصحراء، كلما عظمت أوجه الشبه ما
بين الحرب في الصحراء والحرب في البحر، فتحركات القوات لدى
هذين النوعين من القتال، تجري بواسطة البيكار والبوصلة،
والتغيير متواصل في المواضع والمقامات، ويكاد يندر العثور
على مكان يصلح للدفاع. كل آلية وكل دبابة هي بحد ذاتها
كسفينة، وكل كتيبة من الدروع أو المشاة التي تقطع مسافات
كبيرة عبر الرمال، هي كالأسطول الذي يمخر عباب المحيطات،
والذي سرعان ما يختفي عند خط الأفق، كأنه ما كان.
إن حركة القوات على الأرض في الصحراء، هي كحركة الأساطيل
على سطح البحار. يصدر الأمر بالتوقّف أو التمركز، ويدوم
هذا بضع ساعات أو بضعة أيام، أو بضعة أسابيع، وعندما يبدأ
المسير تندفع عناصر الاستطلاع لتحديد الأماكن المحتملة
للعدو، وإذا حصل التماس مع العدو، فإن الجسم الرئيس للقوات
المتقدمة يلجأ فوراً إلى المناورة لغرض السبق إلى أخذ
الوضع المناسب لضرب أجناب العدو، تماماً كما يفعل أسطول
بحري مع الخصم.
والمبدأ المسيطر في حرب الصحراء؛ هو أن القوات العاملة في
الصحارى يجب أن تكون خفيفة دائماً، وأن يكون هدفها الرئيس
هو تحقيق التماس مع العدو وهزيمته وليس احتلال الأرض،
فالطريدة هي الجيوش وليست الأرض، تماماً كما تطارد السفن
الحربية مثيلاتها من سفن الأعداء دون أن تعير اهتماماً إلى
مكان المعركة البحرية على سطح الماء.
وكما أن السفينة تتكيف مع البحر ببنيانها ونوع محركها،
كذلك يجب على الوحدات الآلية أن تتكيف مع الصحراء، وعلى
هذه القوات أن تدأب باحثة عن نقاط الضعف في خضم الرمال
المعادية التي لا ترحم، وأن تتفنن في استنباط الوسائل
والحيل للنجاة من مكائد هذه الرمال ومهالكها. إن القوات
الآلية تستخدم الصحراء، لكنها لا تسعى أبداً لكي تكون سيدة
عليها، فالصحراء هي التي تحدد الخطى والوزن والنبض، وتعين
الاتجاه، وتقرر الخطة.
الحرب الآلية:
تعرف الحرب الآلية بأنها الحرب التي تستخدم فيها تكتيكات
متحركة في جميع أنواع العمليات، والقائمة على استخدام
الآليات التي تعمل بالجازولين والديزل... وتعتبر الدبابة
والناقلة المدرعة هما عصب الحرب الآلية وخصوصاً في
الصحراء.
وحتى عام 1917م كانت الشاحنات والسكك الحديدية هما وسيلتا
النقل المستخدمة لنقل القوات إلى الجبهة الأمامية، وفي ذلك
العام تم اختراع الدبابة، فأحدثت ثورة حقيقية في تكتيكات
الجيوش المتحاربة، وتقدم الجنزير ليحل محل الإطارات
المطاطية، ولانت الصحراء تحت جنازير الدبابات لتبدأ الجيوش
عصر جديد هو عصر الحرب الآلية.
ويعتبر قائد المدرعات الألماني "جوديريان" مهندس الحرب
الآلية الأول، وهو الذي تبنّى أسلوب الحرب الخاطفة، وقد
تمكّن في الثلاثينيات من القرن الماضي من وضع أفضل تشكيل
آلي عرفته الجيوش بعد الحرب العالمية الأولى، والذي سمّى
بفرق "البانزر"، والتي تشكّلت من وحدات مدرعة ومشاة آلية
محمّلة على ناقلات مدرعة وعناصر إسناد آلية أخرى.
وقد طبق "رومل" - ثعلب الصحراء - فكرة الحرب الخاطفة في
مسرح عمليات شمال أفريقيا الصحراوي على النحو التالي:
1) تهاجم القوات الجوية الخطوط الأمامية للعدو ومناطقه
الخلفية والطرق الرئيسة، والمطارات ومراكز الاتصالات، وفي
الوقت نفسه تقوم وحدات مشاة آلية قوية بمهاجمة الخطوط
الأمامية للعدو أو مراكز تجمّعه الرئيسة، وتحافظ على
استمرار الاتصال بقواته لمنعه من معرفة اتجاه المجهود
الرئيس للهجوم.
2) تقوم وحدات مدرعة بسرعة التوغُّل في عمق دفاعات العدو،
بينما تقوم المشاة الآلية المصاحبة لها بالاشتباك مع عناصر
العدو المدافعة ومنعها من الانسحاب أو إقامة دفاعات جديدة
في العمق، كما تقوم وحدات آلية أخرى بمهاجمة أجناب العدو.
3) تقوم القوة الرئيسة باستغلال نجاح القوات المدرعة
الأمامية، مركّزة هجومها في اتجاه المجهود الرئيس، ثم يتم
الاتصال بباقي القوات المهاجمة وتستكمل عملية تطويق العدو
وتدميره.
ورغم أهمية المشاة الآلية كعنصر رئيس في الحرب الصحراوية،
فإن إسرائيل كانت في "حرب أكتوبر" منحازة لصالح المدرعات
وضد المشاة، وقد نبع ذلك من اعتقادها أن الدبابات وحدها
قادرة على تحقيق النصر في المعركة، وقد نما هذا الانحياز
عندما ساعدت الظروف الدبابات الإسرائيلية لإثبات فعاليتها
في عام 1956م وعام 1967م، وقد ذهب أحد المحللين بعيداً
جداً عندما أطلق على المشاة اسم؛ "الابن غير الشرعي لقوات
الدفاع الإسرائيلية".
وقد دفعت إسرائيل ثمن هذا الاعتقاد الزائف كثيراً من
خسائرها البشرية في "حرب أكتوبر" عام 1973م نتيجة قيام
قواتها المدرعة بهجمات مضادة غير مسندة بالمشاة، وكان هذا
ضمن الموضوعات الرئيسة في أعمال لجنة "جرانات" التي شُكّلت
في إسرائيل بعد الحرب لبحث أسباب التقصير في "حرب أكتوبر".
إن هذا يؤكد أهمية المشاة الآلية في المعركة الحديثة، وفي
مسرح العمليات الصحراوية. وقتال المشاة الآلية في الصحراء
أيضاً، هو سباق على التموين، وتنازع على السبق في تلقي
الإمدادات والمعدات والمحروقات للدبابات والناقلات المدرعة
والشاحنات.
إن حماية خطوط التموين وسلامة الخط الحيوي الواصل بين
الجبهة والمناطق الإدارية الخلفية، كلها أمور تكاد تكون في
بعض الأحيان أكثر أهمية من المعارك ذاتها.
قديماً كان مصير الأمم والامبراطوريات يتقرر في حدود بضعة
كيلومترات، وفي غضون أيام أو ساعات محدودة؛ أما اليوم
فالمعارك في الصحراء تنتشر على مساحات شاسعة، وتأخذ في بعض
الأحيان أسابيع للوصول إلى قرار.
إن قتال المشاة الآلية في الصحراء هو قتال حركي إيجابي
يعتمد على سرعة البديهة والقرارات الشجاعة والمخاطرة
المحسوبة، وتتطلب من القائد أن يرضى بما في حوزته، وأن
يستخدم أسلحته ومعداته بحذر ومهارة وبسالة.
والصحراء تسمح باستعمال التضليل والخديعة لمباغتة الخصم،
ولكن دون إسراف، ويجب ألاّ يغيب عن البال أن هذه الوسائل
ما هي إلا ارتجالات واجتهادات خاطفة لا تستعمل إلاّ في
ظروف خاصة.
عقلية القائد في قتال الصحراء:
الجمود والتقيُّد الأعمى بالنماذج النمطية في القتال هما
في حدّ ذاتهما عيبان مهلكان، فكل شيء في الصحراء يكون في
مدّ وجزر، فلا حواجز لا مفر منها، ولا خطوط أرضية معترضة
لا إمكان لتجنّبها، ولا ماء ولا غابات للتغطية، كل شيء في
الصحراء شاسع ومفتوح، والقتال في ساحات كهذه، يفرض على
القائد التكيّف مع طبيعة الصحراء ومطالبها بسرعة، والبقاء
محتفظاً بحريته في التفكير والعمل... إنه يعيش الدقائق
والساعات في غاية الحذر والتيقظ، ويقضي أوقاته وهو من
الأسر أو التدمير قاب قوسين أو أدنى، من قِبَل عدو قد يكون
أوسع منه حيلة وأكثر يقظة وأبعد تفكيراً وأعظم حركية.
لا تنفع في هذه الحرب عقلية محافظة جامدة، ولا اعتماد فيها
على السوابق والتقاليد، ولا ركون أو التجاء إلى هالة من
الانتصارات السابقة.
إن السرعة في تقويم الموقف وتقديره والوصول إلى قرار سريع
في المواقف المفاجئة - وما أكثرها في حرب الصحراء - هو
السبيل الوحيد لتحقيق النصر في المعركة الصحراوية.
أهمية التنسيق بين المشاة والدبابات:
لاشك أن مصير الحرب في الصحراء يتوقّف على الدبابة، ولكن
يجب التنبّه إلى أن معركة الصحراء هي المثال النموذجي
لمعركة الأسلحة المشتركة، وهذا يعني أن التناغم والتنسيق
بين الوحدات المدرعة وبين المشاة الآلية وأسلحة الإسناد
المختلفة وتحت مظلة جوية قوية، سوف يؤدي حتماً إلى النصر
المؤكد.
يجري تقدير النصر أو الهزيمة في الحرب الصحراوية بعدد
الدبابات المدمَّرة على أرض المعركة، بيد أن عدد الدبابات
المدمرة ليس هو في حد ذاته سوى حاصل لعامل المهارة في
القيادة والاستخدام، ولعامل الكفاءة التكتيكية، ومهارات
الرمي لطاقم الدبابة، وعيار المدفع ومداه.
إن المبدأ الأول والأساسي للحرب الآلية في الصحراء؛ هو
استدراج الخصم إلى المرمى المؤثر لنيران الدبابات وإصابته
قبل أن يكون في وضع يسمح له بالسبق في تدميرك.
إن أفضل استخدام للمشاة الآلية في عمليات الصحراء هو في
اصطحاب الدبابات وحمايتها من أسلحة العدو المضادة
للدبابات، والنزول من الناقلات المدرعة للقيام بالهجمات
العاجلة التي يتطلبها الموقف، واحتلال الدفاعات العاجلة
والمدبرة وحماية مناطق التجمّع والحشد.
إن الخط البياني للخسائر يرتفع بقسوة في الصحراء، عندما
يتم التحوّل من الهجوم إلى الدفاع. وهنا تتحمل المشاة
الآلية حمل المعركة وخسائرها، وتكون مسؤولة تماماً عن
إدارة المعركة الدفاعية مستخدمة جميع وسائل الإسناد
المتوفرة لديها من دبابات ومدفعية وأسلحة الإسناد الأخرى.
التقدم:
إنه لخطأ عظيم في عمليات التقدم الآلي في الصحراء أن يحدث
انحراف في الاتجاه عن محور التقدم الرئيس، أو أن يحدث
توقّف على هذا المحور، وذلك لمعالجة أهداف جانبية عرضية،
فالقوة الرئيسة المتقدمة لا تنصرف إلى معالجة أي مواقف
طارئة أثناء تقدمها، بل تخصص وحدات فرعية آلية للتعامل
معها سواء من القوات الأمامية أو الخلفية ويستمر التقدم في
اتجاه الهدف الرئيس الموضوع في خطة القائد. إن تخصيص وحدات
فرعية آلية للتعامل مع المواقف المفاجئة هي عملية في غاية
الأهمية وتبنى على أساس توفّر معلومات كافية عن العدو.
إن تشكيل القوات الآلية المتقدمة في الصحارى يبنى أساساً
على حجم العدو المحتمل ونواياه، وعلى طبيعة الأرض، وهنا
يظهر دور القائد الماهر الذي يضع التشكيل المناسب لقواته
المتقدمة، بحيث يضمن لها الحماية من الأمام والخلف
والأجناب، بالإضافة إلى تحديد المسافات المناسبة بين
المفارز الأمامية وبين الجسم الرئيس للقوات المتقدمة بفاصل
يسمح بالمناورة السريعة، لاتخاذ الوضع الأنسب للتعامل مع
العدو وتدميره.
إن أسوأ وضع تتعرّض له قوة آلية في الصحراء هو التطويق؛
ويتم التطويق عندما يفشل القائد المتقدم في معرفة مكان
العدو وتقدير قوته وأسلحته، وهنا فإنه قد يفاجأ بتورّطه في
عملية تطويق لقواته من قبل العدو الذي سيحاول انتهاز
الفرصة واستكمال عملية التطويق، والتي تنتهي بتدمير القوة
المطوَّقة أو أسرها، لكن القوة الآلية المطوّقة التي تحتفظ
بتصميمها على القتال يظل باستطاعتها اختراق الطوق إذا كان
في بداياته المرتجلة، وبحشد الدبابات والمشاة الآلية في
اتجاه نقطة الضعف في حلقة التطويق القائمة، تقوم القوة
المطوّقة بالانقضاض عليها وتمزيقها والمرور منها.
تلعب وحدات الاستطلاع الآلية دوراً خطيراً في حرب الصحراء،
فهي وبالإضافة إلى المعلومات الواردة من القوات الجوية
تقدم للقائد صورة كاملة عن أوضاع العدو إذا كان في مناطق
تجمّع أو مناطق حشد، أما إذا كان العدو في وضع متحرّك، فإن
واجب وحدات الاستطلاع يزداد صعوبة. ويجب أن تكون عناصر
الاستطلاع على درجة عالية من الكفاءة القتالية لأنه قد
يحدث أن تتورط في قتال مع الوحدات الأمامية للعدو، مما
يدعو إلى الاهتمام بتزويد عناصر الاستطلاع بوحدات إسناد
مناسبة لحجم الواجبات المكلفة بها، ولكن يجب في جميع
الأحوال أن تتجنب وحدات الاستطلاع أي قتال مع العدو.
عوامل نجاح العمليات الصحراوية:
يخوض قائد الوحدات المعركة بأقصى درجة من قابلية الحركة،
وذلك على النحو التالي:
1) حشد القوات في الزمن والمكان المناسبين، والسعي إلى
تجزئة قوات العدو وتدميرها على أزمنة مختلفة.
2) المعركة في الصحراء تتميّز بالسرعة في اتخاذ القرارات
الحاسمة، ولا يتأتّى هذا إلا بالحصول على معلومات دقيقة عن
حجم ونوايا العدو، ولذلك فإنه من الضروري أن تصل تقارير
الاستطلاع إلى القائد الميداني بأسرع وقت ممكن، ويسمّى هذا
بالاستطلاع "الموقوت"، حتى يستطيع القائد اتخاذ القرار
المناسب للموقف.
3) تحتل المفاجأة في تفكير القائد في العمليات الصحراوية
مركزاً متميّزاً لأهميتها البالغة في نجاح الخطة بأكملها،
وإذا ألقينا نظرة عامة على معارك الصحراء في شمال أفريقيا
عام 1942م، لوجدنا أن كل معركة أدارها "رومل" ضد قوات
الحلفاء - عدا معركة العلمين - كانت تبدأ دائماً بمفاجأة
غير متوقّعة وتنتهي بانتصار حاسم وسريع لهذا القائد
الموهوب.
4) يجب أن يكون قادة الوحدات الآلية خلف المفارز الأمامية
مباشرة، حتى يكونوا متواجدين فور حدوث اشتباك بين هذه
المفارز والعناصر الأمامية للعدو، وبذلك يكونوا في وضع
أفضل يمكنهم من السيطرة على المعركة والمناورة بالجسم
الرئيس لقواتهم إذا تطلَّب الأمر ذلك.
5) تظل خطوط الإمداد شاغلة لبال القائد طوال المعركة،
ولذلك يجب توفير الحماية اللازمة للمناطق الإدارية الخلفية
بعناصر قتالية قوية قادرة على صدّ الهجمات المحتملة للعدو
وستر انسحاب الوحدات الإدارية إلى مناطق جديدة.
6) يتم استغلال النجاح في المعركة فور وقوع الهزيمة بين
صفوف العدو، بالتحرّك سريعاً لبلوغ أعماق العدو وضرب
تشكيلاته في العمق، والتي يكون توازنها قد اختل، وذلك
لتدميرها قبل أن تفيق من شدة الصدمة، ويجب عدم إعطاء العدو
المهزوم أي فرصة لإعادة تنظيم قواته - وهذا ممكن نسبياً
لوحدات آلية في الصحراء - وذلك بأن يقوم قائد المشاة
الآلية بدفع قوة مدرعة تقوم بالتوغُّل في دفاعات العدو
المرتبكة، وتقوم بتدمير وحدات العمق بضربات سريعة وقاصمة.
7) القدرة على تغيير الخطة الأساسية فور ظهور عامل جديد
يمكن استغلاله لصالح القوات المهاجمة، كانسحاب العدو
المفاجئ من مواقعه على سبيل المثال.
قوات الضربة الجوية الآلية:
اتَّجه التفكير في الجيوش الغربية أخيراً إلى استخدام
الحوامات المسلحة بأسلحة مضادة للدبابات والتي كانت تسمّى
في الماضي "الاحتياطي م. د. الطائر" وذلك ضمن التنظيم
العضوي للتشكيلات الآلية وتسمّى "قوات الضربة الجوية
الآلية"، وباحتواء التشكيلات الآلية على هذا العنصر
الخطير، فإن القوة النيرانية للتشكيلات الآلية سوف تصبح
بالغة التأثير في المعركة، بالإضافة إلى الاستجابة السريعة
للمواقف المفاجئة.
إن هذا الانقلاب في تسليح الوحدات الآلية سوف يكون له بالغ
الأثر في العمليات الصحراوية في المستقبل.
رغم التطوّر الهائل في وسائل التكنولوجيا العسكرية، فإن
العمليات الآلية في الصحراء مازالت تحتفظ بطابعها الذي لا
يتغيّر؛ تقدّم سريع وقطع مسافات طويلة على دروب ومسالك
محدودة؛ عمليات التفاف وتطويق، الاعتماد على المفاجأة
التكتيكية في شلّ العدو وإرباك قياداته؛ ضرب المناطق
الإدارية الخلفية للعدو، في الوقت نفسه الذي يتم فيه
اختراق وحداته الأمامية؛ الاستخدام الأمثل للدبابات
والمشاة الآلية في عمليات خاطفة وصاعقة في نقاط الضعف في
دفاعات العدو.
في العقد الأخير من القرن الماضي انطلقت صيحة تنادي بأنه
سوف يتم الاستغناء عن المشاة خلال القرن الحادي والعشرين،
بعد أن وصل الأمر بالتكنولوجيا الحديثة أن يتمكّن قمر
صناعي من معرفة عدد البيض فوق مائدة طعام في الحديقة، وأنه
لذلك يمكن ببساطة تامة اكتشاف أي دبابة ومتابعتها بصاروخ
مضاد للدبابات وتدميرها بدون أي نسبة خطأ، وأنه لاداعي
لاستعمال المشاة بأسلحتها التقليدية المضادة للدبابات في
أي صراع مقبل بين المشاة والدبابات.
ولكن هؤلاء نسوا أنه في الحرب العالمية الثانية تم إلقاء
مئات الآلاف من الأطنان من القنابل، سواء من الطيران أو
المدفعية، ورغم ذلك فإن جندي المشاة الذي دخل برلين على
أقدامه هو الذي قرر نهاية الحرب، وأن جندي المشاة يستطيع
أن يقبع في مكان لا يمكن لأي سلاح آخر أن يحتله.
إن الطيران والصواريخ والدبابات والمدفعية؛ هي وسائل
نيرانية عظيمة وناجعة، هدفها النهائي هو تسهيل مهمة جندي
المشاة لكي يقترب من العدو ويقتله ثم يحتل الأرض في
النهاية.
الصحراء العربية هي أجفّ صحارى العالم جميعاً وأكثرها
قحولة وجدباً، بل إنها تعتبر النموذج الكامل للصحراء
المطلقة التامة... إنها البيداء أكثر مما هي البادية.
والرياح هي سيدة طبوغرافية الصحراء بلا منازع، فالجفاف
المطلق يلغي التعرية المائية، ويترك المسرح خالياً مكشوفاً
تماماً للتعرية الهوائية التي يضاعف من انطلاقها انخفاض
السطح وانبساطه العام أيضاً.
والواقع أن الرياح هي أكبر عامل تشكيل للصحراء العربية،
إنها "جاروف" أو "كبّاش" الصحراء الجبار الذي حفر تجاويفها
الهائلة، وبعبارة أخرى وأخيرة؛ إن الغلاف الغازي هو أكبر
عوامل تشكيل الصحراء العربية.
وتشترك أغلب دول الخليج العربي في انتمائها الصحراوي
وتشابه جغرافيتها وتضاريسها، وتكاد المظاهر الجغرافية
تتكرر في كل دولة خليجية من حيث قيام الحياة، وأغلب المدن
على شريط ساحلي ضيق، يتبعه عمق هائل من الصحراء الممتلئة
بالغرود والكثبان الرملية، ثم تصطف سلاسل من الجبال تأخذ
طابع المانع في أحد الاتجاهات دون الأخرى.
وهنا تساهم الطبيعة في تحديد شكل وتنظيم الجيوش، كما تفرض
أسلوب القتال في حالة التحوّل للدفاع عن الوطن.
إن الحروب في المناطق الصحراوية يكون فيها الصراع أساساً
حول الطرق والممرات الاستراتيجية والنقاط العليا المطلة
على هذه الطرق، بالإضافة إلى السيطرة على الموارد الحيوية.
لقد أكدت العمليات العسكرية الحديثة في "حرب أكتوبر" والتي
جرت العمليات فيها على أرض صحراوية مشابهة للصحراء في
منطقة شبه الجزيرة العربية على أهمية الوحدات الآلية
والمدرعة والقوة الجوية.
ويعود هذا بصورة كبيرة إلى المزايا الآلية والعسكرية للأرض
المفتوحة، حيث لا يعيق النقص العام للزراعة مثل؛ الأشجار
والشجيرات الحركة أو تخفى الأنشطة العسكرية... وبكل بساطة
فإنه من الصعب الاختفاء في صحراء مفتوحة، وفي الوقت الذي
يوفّر فيه انفتاح الأرض الصحراوية نموذجاً لقابلية الحركة
اللازمة للمدرعات والمشاة الآلية، إلا أنها تجعلها عرضة
لهجوم الطائرات.
طبيعة القتال في الصحراء:
كلما تعمّق التوغُّل في الصحراء، كلما عظمت أوجه الشبه ما
بين الحرب في الصحراء والحرب في البحر، فتحركات القوات لدى
هذين النوعين من القتال، تجري بواسطة البيكار والبوصلة،
والتغيير متواصل في المواضع والمقامات، ويكاد يندر العثور
على مكان يصلح للدفاع. كل آلية وكل دبابة هي بحد ذاتها
كسفينة، وكل كتيبة من الدروع أو المشاة التي تقطع مسافات
كبيرة عبر الرمال، هي كالأسطول الذي يمخر عباب المحيطات،
والذي سرعان ما يختفي عند خط الأفق، كأنه ما كان.
إن حركة القوات على الأرض في الصحراء، هي كحركة الأساطيل
على سطح البحار. يصدر الأمر بالتوقّف أو التمركز، ويدوم
هذا بضع ساعات أو بضعة أيام، أو بضعة أسابيع، وعندما يبدأ
المسير تندفع عناصر الاستطلاع لتحديد الأماكن المحتملة
للعدو، وإذا حصل التماس مع العدو، فإن الجسم الرئيس للقوات
المتقدمة يلجأ فوراً إلى المناورة لغرض السبق إلى أخذ
الوضع المناسب لضرب أجناب العدو، تماماً كما يفعل أسطول
بحري مع الخصم.
والمبدأ المسيطر في حرب الصحراء؛ هو أن القوات العاملة في
الصحارى يجب أن تكون خفيفة دائماً، وأن يكون هدفها الرئيس
هو تحقيق التماس مع العدو وهزيمته وليس احتلال الأرض،
فالطريدة هي الجيوش وليست الأرض، تماماً كما تطارد السفن
الحربية مثيلاتها من سفن الأعداء دون أن تعير اهتماماً إلى
مكان المعركة البحرية على سطح الماء.
وكما أن السفينة تتكيف مع البحر ببنيانها ونوع محركها،
كذلك يجب على الوحدات الآلية أن تتكيف مع الصحراء، وعلى
هذه القوات أن تدأب باحثة عن نقاط الضعف في خضم الرمال
المعادية التي لا ترحم، وأن تتفنن في استنباط الوسائل
والحيل للنجاة من مكائد هذه الرمال ومهالكها. إن القوات
الآلية تستخدم الصحراء، لكنها لا تسعى أبداً لكي تكون سيدة
عليها، فالصحراء هي التي تحدد الخطى والوزن والنبض، وتعين
الاتجاه، وتقرر الخطة.
الحرب الآلية:
تعرف الحرب الآلية بأنها الحرب التي تستخدم فيها تكتيكات
متحركة في جميع أنواع العمليات، والقائمة على استخدام
الآليات التي تعمل بالجازولين والديزل... وتعتبر الدبابة
والناقلة المدرعة هما عصب الحرب الآلية وخصوصاً في
الصحراء.
وحتى عام 1917م كانت الشاحنات والسكك الحديدية هما وسيلتا
النقل المستخدمة لنقل القوات إلى الجبهة الأمامية، وفي ذلك
العام تم اختراع الدبابة، فأحدثت ثورة حقيقية في تكتيكات
الجيوش المتحاربة، وتقدم الجنزير ليحل محل الإطارات
المطاطية، ولانت الصحراء تحت جنازير الدبابات لتبدأ الجيوش
عصر جديد هو عصر الحرب الآلية.
ويعتبر قائد المدرعات الألماني "جوديريان" مهندس الحرب
الآلية الأول، وهو الذي تبنّى أسلوب الحرب الخاطفة، وقد
تمكّن في الثلاثينيات من القرن الماضي من وضع أفضل تشكيل
آلي عرفته الجيوش بعد الحرب العالمية الأولى، والذي سمّى
بفرق "البانزر"، والتي تشكّلت من وحدات مدرعة ومشاة آلية
محمّلة على ناقلات مدرعة وعناصر إسناد آلية أخرى.
وقد طبق "رومل" - ثعلب الصحراء - فكرة الحرب الخاطفة في
مسرح عمليات شمال أفريقيا الصحراوي على النحو التالي:
1) تهاجم القوات الجوية الخطوط الأمامية للعدو ومناطقه
الخلفية والطرق الرئيسة، والمطارات ومراكز الاتصالات، وفي
الوقت نفسه تقوم وحدات مشاة آلية قوية بمهاجمة الخطوط
الأمامية للعدو أو مراكز تجمّعه الرئيسة، وتحافظ على
استمرار الاتصال بقواته لمنعه من معرفة اتجاه المجهود
الرئيس للهجوم.
2) تقوم وحدات مدرعة بسرعة التوغُّل في عمق دفاعات العدو،
بينما تقوم المشاة الآلية المصاحبة لها بالاشتباك مع عناصر
العدو المدافعة ومنعها من الانسحاب أو إقامة دفاعات جديدة
في العمق، كما تقوم وحدات آلية أخرى بمهاجمة أجناب العدو.
3) تقوم القوة الرئيسة باستغلال نجاح القوات المدرعة
الأمامية، مركّزة هجومها في اتجاه المجهود الرئيس، ثم يتم
الاتصال بباقي القوات المهاجمة وتستكمل عملية تطويق العدو
وتدميره.
ورغم أهمية المشاة الآلية كعنصر رئيس في الحرب الصحراوية،
فإن إسرائيل كانت في "حرب أكتوبر" منحازة لصالح المدرعات
وضد المشاة، وقد نبع ذلك من اعتقادها أن الدبابات وحدها
قادرة على تحقيق النصر في المعركة، وقد نما هذا الانحياز
عندما ساعدت الظروف الدبابات الإسرائيلية لإثبات فعاليتها
في عام 1956م وعام 1967م، وقد ذهب أحد المحللين بعيداً
جداً عندما أطلق على المشاة اسم؛ "الابن غير الشرعي لقوات
الدفاع الإسرائيلية".
وقد دفعت إسرائيل ثمن هذا الاعتقاد الزائف كثيراً من
خسائرها البشرية في "حرب أكتوبر" عام 1973م نتيجة قيام
قواتها المدرعة بهجمات مضادة غير مسندة بالمشاة، وكان هذا
ضمن الموضوعات الرئيسة في أعمال لجنة "جرانات" التي شُكّلت
في إسرائيل بعد الحرب لبحث أسباب التقصير في "حرب أكتوبر".
إن هذا يؤكد أهمية المشاة الآلية في المعركة الحديثة، وفي
مسرح العمليات الصحراوية. وقتال المشاة الآلية في الصحراء
أيضاً، هو سباق على التموين، وتنازع على السبق في تلقي
الإمدادات والمعدات والمحروقات للدبابات والناقلات المدرعة
والشاحنات.
إن حماية خطوط التموين وسلامة الخط الحيوي الواصل بين
الجبهة والمناطق الإدارية الخلفية، كلها أمور تكاد تكون في
بعض الأحيان أكثر أهمية من المعارك ذاتها.
قديماً كان مصير الأمم والامبراطوريات يتقرر في حدود بضعة
كيلومترات، وفي غضون أيام أو ساعات محدودة؛ أما اليوم
فالمعارك في الصحراء تنتشر على مساحات شاسعة، وتأخذ في بعض
الأحيان أسابيع للوصول إلى قرار.
إن قتال المشاة الآلية في الصحراء هو قتال حركي إيجابي
يعتمد على سرعة البديهة والقرارات الشجاعة والمخاطرة
المحسوبة، وتتطلب من القائد أن يرضى بما في حوزته، وأن
يستخدم أسلحته ومعداته بحذر ومهارة وبسالة.
والصحراء تسمح باستعمال التضليل والخديعة لمباغتة الخصم،
ولكن دون إسراف، ويجب ألاّ يغيب عن البال أن هذه الوسائل
ما هي إلا ارتجالات واجتهادات خاطفة لا تستعمل إلاّ في
ظروف خاصة.
عقلية القائد في قتال الصحراء:
الجمود والتقيُّد الأعمى بالنماذج النمطية في القتال هما
في حدّ ذاتهما عيبان مهلكان، فكل شيء في الصحراء يكون في
مدّ وجزر، فلا حواجز لا مفر منها، ولا خطوط أرضية معترضة
لا إمكان لتجنّبها، ولا ماء ولا غابات للتغطية، كل شيء في
الصحراء شاسع ومفتوح، والقتال في ساحات كهذه، يفرض على
القائد التكيّف مع طبيعة الصحراء ومطالبها بسرعة، والبقاء
محتفظاً بحريته في التفكير والعمل... إنه يعيش الدقائق
والساعات في غاية الحذر والتيقظ، ويقضي أوقاته وهو من
الأسر أو التدمير قاب قوسين أو أدنى، من قِبَل عدو قد يكون
أوسع منه حيلة وأكثر يقظة وأبعد تفكيراً وأعظم حركية.
لا تنفع في هذه الحرب عقلية محافظة جامدة، ولا اعتماد فيها
على السوابق والتقاليد، ولا ركون أو التجاء إلى هالة من
الانتصارات السابقة.
إن السرعة في تقويم الموقف وتقديره والوصول إلى قرار سريع
في المواقف المفاجئة - وما أكثرها في حرب الصحراء - هو
السبيل الوحيد لتحقيق النصر في المعركة الصحراوية.
أهمية التنسيق بين المشاة والدبابات:
لاشك أن مصير الحرب في الصحراء يتوقّف على الدبابة، ولكن
يجب التنبّه إلى أن معركة الصحراء هي المثال النموذجي
لمعركة الأسلحة المشتركة، وهذا يعني أن التناغم والتنسيق
بين الوحدات المدرعة وبين المشاة الآلية وأسلحة الإسناد
المختلفة وتحت مظلة جوية قوية، سوف يؤدي حتماً إلى النصر
المؤكد.
يجري تقدير النصر أو الهزيمة في الحرب الصحراوية بعدد
الدبابات المدمَّرة على أرض المعركة، بيد أن عدد الدبابات
المدمرة ليس هو في حد ذاته سوى حاصل لعامل المهارة في
القيادة والاستخدام، ولعامل الكفاءة التكتيكية، ومهارات
الرمي لطاقم الدبابة، وعيار المدفع ومداه.
إن المبدأ الأول والأساسي للحرب الآلية في الصحراء؛ هو
استدراج الخصم إلى المرمى المؤثر لنيران الدبابات وإصابته
قبل أن يكون في وضع يسمح له بالسبق في تدميرك.
إن أفضل استخدام للمشاة الآلية في عمليات الصحراء هو في
اصطحاب الدبابات وحمايتها من أسلحة العدو المضادة
للدبابات، والنزول من الناقلات المدرعة للقيام بالهجمات
العاجلة التي يتطلبها الموقف، واحتلال الدفاعات العاجلة
والمدبرة وحماية مناطق التجمّع والحشد.
إن الخط البياني للخسائر يرتفع بقسوة في الصحراء، عندما
يتم التحوّل من الهجوم إلى الدفاع. وهنا تتحمل المشاة
الآلية حمل المعركة وخسائرها، وتكون مسؤولة تماماً عن
إدارة المعركة الدفاعية مستخدمة جميع وسائل الإسناد
المتوفرة لديها من دبابات ومدفعية وأسلحة الإسناد الأخرى.
التقدم:
إنه لخطأ عظيم في عمليات التقدم الآلي في الصحراء أن يحدث
انحراف في الاتجاه عن محور التقدم الرئيس، أو أن يحدث
توقّف على هذا المحور، وذلك لمعالجة أهداف جانبية عرضية،
فالقوة الرئيسة المتقدمة لا تنصرف إلى معالجة أي مواقف
طارئة أثناء تقدمها، بل تخصص وحدات فرعية آلية للتعامل
معها سواء من القوات الأمامية أو الخلفية ويستمر التقدم في
اتجاه الهدف الرئيس الموضوع في خطة القائد. إن تخصيص وحدات
فرعية آلية للتعامل مع المواقف المفاجئة هي عملية في غاية
الأهمية وتبنى على أساس توفّر معلومات كافية عن العدو.
إن تشكيل القوات الآلية المتقدمة في الصحارى يبنى أساساً
على حجم العدو المحتمل ونواياه، وعلى طبيعة الأرض، وهنا
يظهر دور القائد الماهر الذي يضع التشكيل المناسب لقواته
المتقدمة، بحيث يضمن لها الحماية من الأمام والخلف
والأجناب، بالإضافة إلى تحديد المسافات المناسبة بين
المفارز الأمامية وبين الجسم الرئيس للقوات المتقدمة بفاصل
يسمح بالمناورة السريعة، لاتخاذ الوضع الأنسب للتعامل مع
العدو وتدميره.
إن أسوأ وضع تتعرّض له قوة آلية في الصحراء هو التطويق؛
ويتم التطويق عندما يفشل القائد المتقدم في معرفة مكان
العدو وتقدير قوته وأسلحته، وهنا فإنه قد يفاجأ بتورّطه في
عملية تطويق لقواته من قبل العدو الذي سيحاول انتهاز
الفرصة واستكمال عملية التطويق، والتي تنتهي بتدمير القوة
المطوَّقة أو أسرها، لكن القوة الآلية المطوّقة التي تحتفظ
بتصميمها على القتال يظل باستطاعتها اختراق الطوق إذا كان
في بداياته المرتجلة، وبحشد الدبابات والمشاة الآلية في
اتجاه نقطة الضعف في حلقة التطويق القائمة، تقوم القوة
المطوّقة بالانقضاض عليها وتمزيقها والمرور منها.
تلعب وحدات الاستطلاع الآلية دوراً خطيراً في حرب الصحراء،
فهي وبالإضافة إلى المعلومات الواردة من القوات الجوية
تقدم للقائد صورة كاملة عن أوضاع العدو إذا كان في مناطق
تجمّع أو مناطق حشد، أما إذا كان العدو في وضع متحرّك، فإن
واجب وحدات الاستطلاع يزداد صعوبة. ويجب أن تكون عناصر
الاستطلاع على درجة عالية من الكفاءة القتالية لأنه قد
يحدث أن تتورط في قتال مع الوحدات الأمامية للعدو، مما
يدعو إلى الاهتمام بتزويد عناصر الاستطلاع بوحدات إسناد
مناسبة لحجم الواجبات المكلفة بها، ولكن يجب في جميع
الأحوال أن تتجنب وحدات الاستطلاع أي قتال مع العدو.
عوامل نجاح العمليات الصحراوية:
يخوض قائد الوحدات المعركة بأقصى درجة من قابلية الحركة،
وذلك على النحو التالي:
1) حشد القوات في الزمن والمكان المناسبين، والسعي إلى
تجزئة قوات العدو وتدميرها على أزمنة مختلفة.
2) المعركة في الصحراء تتميّز بالسرعة في اتخاذ القرارات
الحاسمة، ولا يتأتّى هذا إلا بالحصول على معلومات دقيقة عن
حجم ونوايا العدو، ولذلك فإنه من الضروري أن تصل تقارير
الاستطلاع إلى القائد الميداني بأسرع وقت ممكن، ويسمّى هذا
بالاستطلاع "الموقوت"، حتى يستطيع القائد اتخاذ القرار
المناسب للموقف.
3) تحتل المفاجأة في تفكير القائد في العمليات الصحراوية
مركزاً متميّزاً لأهميتها البالغة في نجاح الخطة بأكملها،
وإذا ألقينا نظرة عامة على معارك الصحراء في شمال أفريقيا
عام 1942م، لوجدنا أن كل معركة أدارها "رومل" ضد قوات
الحلفاء - عدا معركة العلمين - كانت تبدأ دائماً بمفاجأة
غير متوقّعة وتنتهي بانتصار حاسم وسريع لهذا القائد
الموهوب.
4) يجب أن يكون قادة الوحدات الآلية خلف المفارز الأمامية
مباشرة، حتى يكونوا متواجدين فور حدوث اشتباك بين هذه
المفارز والعناصر الأمامية للعدو، وبذلك يكونوا في وضع
أفضل يمكنهم من السيطرة على المعركة والمناورة بالجسم
الرئيس لقواتهم إذا تطلَّب الأمر ذلك.
5) تظل خطوط الإمداد شاغلة لبال القائد طوال المعركة،
ولذلك يجب توفير الحماية اللازمة للمناطق الإدارية الخلفية
بعناصر قتالية قوية قادرة على صدّ الهجمات المحتملة للعدو
وستر انسحاب الوحدات الإدارية إلى مناطق جديدة.
6) يتم استغلال النجاح في المعركة فور وقوع الهزيمة بين
صفوف العدو، بالتحرّك سريعاً لبلوغ أعماق العدو وضرب
تشكيلاته في العمق، والتي يكون توازنها قد اختل، وذلك
لتدميرها قبل أن تفيق من شدة الصدمة، ويجب عدم إعطاء العدو
المهزوم أي فرصة لإعادة تنظيم قواته - وهذا ممكن نسبياً
لوحدات آلية في الصحراء - وذلك بأن يقوم قائد المشاة
الآلية بدفع قوة مدرعة تقوم بالتوغُّل في دفاعات العدو
المرتبكة، وتقوم بتدمير وحدات العمق بضربات سريعة وقاصمة.
7) القدرة على تغيير الخطة الأساسية فور ظهور عامل جديد
يمكن استغلاله لصالح القوات المهاجمة، كانسحاب العدو
المفاجئ من مواقعه على سبيل المثال.
قوات الضربة الجوية الآلية:
اتَّجه التفكير في الجيوش الغربية أخيراً إلى استخدام
الحوامات المسلحة بأسلحة مضادة للدبابات والتي كانت تسمّى
في الماضي "الاحتياطي م. د. الطائر" وذلك ضمن التنظيم
العضوي للتشكيلات الآلية وتسمّى "قوات الضربة الجوية
الآلية"، وباحتواء التشكيلات الآلية على هذا العنصر
الخطير، فإن القوة النيرانية للتشكيلات الآلية سوف تصبح
بالغة التأثير في المعركة، بالإضافة إلى الاستجابة السريعة
للمواقف المفاجئة.
إن هذا الانقلاب في تسليح الوحدات الآلية سوف يكون له بالغ
الأثر في العمليات الصحراوية في المستقبل.
رغم التطوّر الهائل في وسائل التكنولوجيا العسكرية، فإن
العمليات الآلية في الصحراء مازالت تحتفظ بطابعها الذي لا
يتغيّر؛ تقدّم سريع وقطع مسافات طويلة على دروب ومسالك
محدودة؛ عمليات التفاف وتطويق، الاعتماد على المفاجأة
التكتيكية في شلّ العدو وإرباك قياداته؛ ضرب المناطق
الإدارية الخلفية للعدو، في الوقت نفسه الذي يتم فيه
اختراق وحداته الأمامية؛ الاستخدام الأمثل للدبابات
والمشاة الآلية في عمليات خاطفة وصاعقة في نقاط الضعف في
دفاعات العدو.
في العقد الأخير من القرن الماضي انطلقت صيحة تنادي بأنه
سوف يتم الاستغناء عن المشاة خلال القرن الحادي والعشرين،
بعد أن وصل الأمر بالتكنولوجيا الحديثة أن يتمكّن قمر
صناعي من معرفة عدد البيض فوق مائدة طعام في الحديقة، وأنه
لذلك يمكن ببساطة تامة اكتشاف أي دبابة ومتابعتها بصاروخ
مضاد للدبابات وتدميرها بدون أي نسبة خطأ، وأنه لاداعي
لاستعمال المشاة بأسلحتها التقليدية المضادة للدبابات في
أي صراع مقبل بين المشاة والدبابات.
ولكن هؤلاء نسوا أنه في الحرب العالمية الثانية تم إلقاء
مئات الآلاف من الأطنان من القنابل، سواء من الطيران أو
المدفعية، ورغم ذلك فإن جندي المشاة الذي دخل برلين على
أقدامه هو الذي قرر نهاية الحرب، وأن جندي المشاة يستطيع
أن يقبع في مكان لا يمكن لأي سلاح آخر أن يحتله.
إن الطيران والصواريخ والدبابات والمدفعية؛ هي وسائل
نيرانية عظيمة وناجعة، هدفها النهائي هو تسهيل مهمة جندي
المشاة لكي يقترب من العدو ويقتله ثم يحتل الأرض في
النهاية.
تعليق